الأربعاء، 16 أغسطس 2023

ليلة الهروب

تأليف : امل شانوحة 

معاً للأبد


ضجّ سجن النساء بخبر هروب السجينة (هيام) المحكوم عليها بالإعدام ، بجرم قتل زوجها.. وحصل ذلك اثناء وجودها بعيادة السجن التي صادف أن كاميرتها بالإضافة لكاميرات الممرّ الطويل الموصل للباب الرئيسيّ مُطفأة جميعاً ذاك المساء ، ممّا سهّل هروبها ! 


والأغرب ان ابواب العنابر والممرّات لا تُفتح إلاّ ببطاقةٍ إلكترونيّة ، ممّا يؤكّد تورّط إحدى حارسات السجن بتهريبها.. 

وهذا الحدث ضايق اهل القتيل الذين طالبوا بالبحث عنها ، وتنفيذ حكم المحكمة دون تأجيل..

***


بعودة الأحداث الى الوراء .. وفي آخر جلسة من محاكمتها التي صدر فيها حكم الإعدام ، بعد ضغطٍ هائل من المحامي التابع لعائلة الزوج الذي ينتمي للطبقة المخمليّة في البلد .. عقب تأجيل القاضي الحكم لعدّة جلسات ، لحين حصول المتهمة على حقّ الإستئناف والتميّز ، مع ثبوت الجرم عليها بعد قتل زوجها في شقتها الصغيرة .. رغم امتلاك المجني عليه لعدّة قصورٍ خصّصها لعشيقاته بدل زوجته التي اعترفت بآخر جلسة : انها تحمّلت أذاه لأجل ابنتها المراهقة التي انتحرت بعد رفضه تزويجها زميلها الجامعيّ ! وطلبت منه الطلاق فور انتهاء العزاء.. 

لكنه استفزّها : بأنه اشتراها كخادمة من والدها ، ودفع ثمنها مُسبقاً ! ممّا أفقدها صوابها .. فلم تستوعب ما فعلته ، إلاّ بعد إفراغ الرصاصات في جسمه ، من المسدس التي اشترته دفاعاً عن نفسها 

 

حتى انها لم تقاوم الشرطة اثناء اعتقالها ، بعد بلاغ الجيران عن صوت إطلاق نارٍ في الجوار.. 

فهي تحمّلت الكثير خلال ٣٠ سنة من زواجها برجلٍ ساديّ .. حيث أثبت محاميها من خلال التقارير الطبّية عن دخولها المتكرّر للمستشفى ، بسبب الكسور والرضوض القويّة من زوجها المخمور الذي يكبرها بعشرين سنة! 

كما شهد جيرانها وصديقاتها عدّة شجاراتٍ عنيفة بسبب نرجسيّته المفرطة ، عدا عن بخله معها رغم ثروته الطائلة..

***


وفي الحكم النهائيّ ، قال القاضي لها :

- لوّ أبلغت الشرطة عن قساوته ، مع أدلّة التعنيف التي تملكينها .. لكنت أجبرته على تطليقك ، مع دفعه كامل مستحقاتك ونفقتك حسب حالته الماديّة المتيّسرة.. لكنك اعترفتي بجرمك ! لهذا موقفك ضعيف.. والقانون واضح بهذا الشأن.. لذلك حكمت عليك بالإعدام شنقاً ، في نهاية هذا الشهر


ورغم توقّع الجميع لهذا الحكم ، إلاّ ان الصدمة كانت واضحة على وجه المتهمة التي بكت بصمت ، بعد تسمّر عينيها الدامعتيّن في وجه القاضي اثناء سحبها من قبل الحارستيّن الى خارج القاعة ، لحين نقلها لزنزانتها في العنبر المخصّص للمحكوم عليهنّ بالإعدام

***


بالعودة لليلة هروبها من السجن :

إستيقظت هيام مساءً ، وهي مُكبّلة القدميّن في سريرٍ طبّي.. وبجوارها امرأة سمينة قبيحة ، تبدو الممرّضة التي اقتربت وهي تقول :

- هل عرفتني ؟


ورغم عدم إسترداد هيام لكامل وعيها ، لكنها صُدمت برؤية القاضي الذي حلق شاربه ولحيته ، للتنكّر بصورة ممرّضة بالغت في وضع مكياجها الرديء !

هيام بدهشة : لا افهم شيئاً !

القاضي : طلبت من خادمة السجن أن تضع المخدّر في عشائك .. وبعد إغمائك أحضروك الى هنا ، لكيّ اساعدك على الهرب

- وماذا بشأن الكاميرات ؟

- طلبت من ساعي العسّكر الدخول الى غرفة المراقبة لإطفاء كاميرا العيادة وممرّ الخروج ، وسرقة بطاقة لأحد الحرّاس إلكترونيّة.. فالدنيا علّمتني أن أثقّ فقط بالبسطاء.. فكل طلبات الخادمة والساعي هو حصول اولادهما على الإعفاء من التجنيد الإجباريّ..

هيام : ولما تخاطر بعملك وسمعتك ، يا حسام ؟

- أنسيتي وعدي لك في الجامعة ؟ بأنّي سأحميك ، وأقف بجانبك لنهاية العمر


ثم قام بإشارة بيده ، تعني : ((معاً للأبد)) وهي نفسها التي قامت بها هيام فور رؤيتها زميلها القاضي بأول جلسة محاكمة..


ثم تنهّد القاضي بضيق : كلّه من والدك الذي فضّل تزويجك من ثريّ يكبرك بجيليّن لأجل المال ! مع اني ترجّيته أن ينتظرني لحين تخرّجي ، وإيجادي عملاً لخطبتك .. حتى إنني أسمعته شهادات الجيران والموظفين التي سجّلتها ، وهم يصفون تصرّفات خطيبك الطائشة التي لا تناسب عمره .. لكنه لم يأبه إلاّ لمهرك الغالي ، وباعك للحقير الذي كسر قلبينا للأبد !

هيام بشفقة : ألهذا لم تتزوج الى الآن ؟

- كيف أفعل وأنت حبي الأول والأخير.. فالرجل يضعف امام امرأة واحدة تملك قلبه وروحه ، وهي الوحيدة التي باستطاعتها تغيره إمّا للأفضل او الأسوء ..

- كم تمنّيت تخرّجي معك من قسم الحقوق.. لكن ابي زوّجني في سنتي الأخيرة لرجلٍ يتلذّذ بتعذيبي !

القاضي بغيظ : كنت أمسك دموعي اثناء رؤيتي صور أشعّتك الطبّية ، لكسورك ورضوضك المتعدّدة.. حينها حلفت انني سأنقذك ، ولوّ كلّفني ذلك حياتي !! 


ثم فتح قفل أصفاد قدميها من السرير ، وهو يسألها :

- هل تستطيعين الوقوف ، أمّ مازلتي تشعرين بالدوّار من المخدّر ؟

هيام بقلق : وكيف سأهرب بملابس المجرمات ؟


فأخرج كيساً اسوداً من تحت سريرها :

- هذا زيّ حارسة الأمن.. الخادمة أعطتني إيّاه من غرفة الغسيل ، وهو يناسب مقاسك.. إلبسيه خلف الستارة.. من بعدها أخرجك من هذا الجحيم

^^^


وبالفعل مشيا بهدوءٍ وثقة على طول الممرّ ، دون لفت انظار الحرس .. حيث أخفى القاضي معظم وجه بالحجاب وكمّامته الطبّية ، اثناء فتحه الأبواب ببطاقته الإلكترونيّة المسروقة.. بينما مشت بجانبه الحارسة النحيلة (هيام) التي التزمت الصمت  لحين خروجهما من البوّابة الرئيسيّة باتجاه سيارةٍ استأجرها القاضي ، كيّ لا تلتقط الكاميرا الخارجيّة ارقام سيارته الأصليّة

***


بعد اسبوع من اختبائها في قبوّ فلّة القاضي .. أخبرها بأن هويّتها الجديدة التي زوّرها مجرمٌ متقاعد (مقابل مبلغٍ ضخم) أصبحت جاهزة.. كما اتفق مع صديقه الذي يملك يختاً لإيصالها للبلدة المجاورة.. 

فجهّزت اغراضها (التي اشتراها لها في الأيام الماضية) وهي تشعر بالقلق من المجازفة القادمة !

***


في آخر الليل ، قاد القاضي سيارته نحو الشاطئ .. وقبل تحرّك السفينة ، أمسكت يده بحنان :

- عزيزي حسام .. إنتظرت ثلاثين سنة لأراك ، فتعال نعيش معاً بقيّة عمرنا 

القاضي : ربما نلتقي قريباً ، فأنا على وشك التقاعد

- المهم ان لا تجعلني أنتظرك ٣٠ سنة أخرى

فقبّل يدها ، وعيونه مُغروّرقة بالدموع :

- أتمنى أن يجمعنا القدر بنهاية المطاف


ثم لوّح مُودّعاً حبيبته المسافرة في بحرٍ مظلم ، نحو حياةٍ جديدة مُفعمة بالإستقرار والأمل !


هناك 3 تعليقات:

  1. انتظرت 30 سنه !
    اعتقد ان اتخاذ هذا القرار صعب فعلا على الطرفين مهما كانت الظروف
    المفروض في هذا الزمان يكتبون في عقد الهباب هذا : في حالة عدم توافق الطرفين ينفسخ العقد تلقاءيا بعد شهر .
    بلا محاكم وبلا مجازر ومذابح واطفال يتشردون .
    او مثلا يسافرون على الجمل ماءتي فرسخ في الصحراء صيفا حتى اذا عانوا الصعاب شتى وشارفوا على الهلاك تكشفت المعادن الحقيقيه ..
    او بلاها من الاساس ..
    ونسلم من وجع القلب والرأس .

    ردحذف
  2. انتي حالفه ما اتخلين قصه سعيدة ؟!هههههه
    ليش اتكون صادمه !!

    ردحذف
  3. لافيكيا سنيورا
    ههههههه ماذا لو جعلتيهم الحبيبين يتزوجا بنهاية القصه ..لماذا جعلتي القلق يساور هيام بانها ربما ستنتظر ثلاثين سنة اخرى ..اعتقد لو انك اعدمتي البطلة لكان خير لها من قلق الانتظار.

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف

القفزة العقليّة

تأليف : امل شانوحة  الأسرار الكونيّة إستيقظت رِحاب على صوت منبّه اخوها العالي ، لتقول بنعاسٍ وضيق : - يالا نومك الثقيل ! وذهبت الى غرفته ،...