الأربعاء، 26 يونيو 2024

عابروا السّبيل

تأليف : امل شانوحة 

المغامرة المتهوّرة


في الصباح الباكر .. قرّر الشباب الأربعة السفر برّاً من بلدتهم باتجاه قريةٍ مجاورة لم يزوروها من قبل ، معروفة بكثرة تِلالها .. حيث تعهّد كل واحدٍ بقيادة السيارة لست ساعاتٍ متواصلة ، بينما يستريح الثلاثة الباقين.. 


وفي المساء ، إستلم نجيب (الشاب السمين) القيادة .. 

وبعد حلول منتصف الليل .. غفى لبضعة ثواني ، جعلته ينحرف عن الطريق العام .. ليُكمل المسيرة في طريقٍ رمليّ باتجاه إحدى التلال! 


ولم يستيقظ مع بقيّة زملائه إلاّ بعد اصطدامه بشيء ، أصدر صوتاً مخيفاً! 

فتوقف فزعاً ! ونزل مع اصدقائه لرؤية ما صدموه على انوار جوّالاتهم .. ليجدوا كلباً اسوداً يحتضر بألم ، بعد دهس بطنه .. ولبشاعة المنظر بعد خروج احشائه وبقائه حيّاً ! طلب الأصدقاء من نجيب القيادة للخلف ، لقتل الكلب وتخليصه من عذابه ! 

ورغم إنقباض قلبه من الفعل اللاّ إنساني ، لكنه نفّذ اقتراحهم ! .. ليطلب بعدها من زميله إكمال القيادة لشعوره بالغثيان..


لكن فور تحرّك سيارتهم ، لحقتهم سربٌ من الغربان الغاضبة ! الذين بدأوا بنقر الزجاج بقوّة ، أوشكت على كسره !

فصرخ السائق بوجه نجيب (الجالس امامه) : 

- ماهذا الطريق الذي أدخلتنا فيه ؟! وكم يبعد عن الشارع العام؟!!

نجيب وهو يراقب الطيور بقلق : 

- والله لا ادري ! رجاءً حاول إخراجنا من المنطقة المهجورة

فصرخ السائق مُنبّهاً زملائه : 

- لا تفتحوا النوافذ مهما حصل !! 

صديقه من الخلف : ومن سيجرؤ على فتحها ، بوجود الغربان الوحشيّة ! ولما هي غاضبةٌ هكذا ؟!

الصديق الرابع : 

- ربما اقتربنا من الأشجار التي عليها اعشاشها ! علينا الإبتعاد بأسرع وقتٍ ممكن !!


وبعد خروجهم من الغابة المُهملة ، إختفت جميع الغربان ! ليجدوا اكواخاً قديمة فوق تلٍّ قريب ، تبدو لفقراء من خلال الشموع والقناديل المُعلّقة خلف نوافذهم الخشبيّة 


وفجأة ! توقفت السيارة بعد نفاذ وقودها .. فعادوا للوم نجيب الذي لم يلتزم بخريطة الطريق التي كانت ستوصلهم للمحطّة التي فيها مطعمٌ صغير ، حسب خريطة جوجل ! قائلاً احدهم بضيق : 

- اللعنة ! لا شبكة هواتف هنا ، يعني لا نعرف اين وصلنا .. والأسوء اننا لم نأكل شيئاً منذ الظهر  

نجيب : ليس امامنا سوى طرق الأكواخ ، لعلّ احدهم يقبل مساعدتنا 

صديقه : لا اظنهم سيدخلون اربعة شباب مجهولين الى عائلاتهم بعد الساعة الثانية صباحاً .. فالواضح من بيوتهم المتهالكة أنهم فقراء مُعدمين ، فكيف سيطعموننا ؟!

نجيب : لنحاول ، ليس لدينا حلٌ آخر 


وبدأوا بطرق الأبواب ، وهم ينادون بصوتٍ عالي : 

- عابروا سبيل !! هل بإمكانكم استضافتنا لهذه الليلة ؟!!


لكن ما حصل أشعرهم باليأس بعد إنطفاء انوار الأكواخ الواحدة تلوّ الأخرى ، كأن الأهالي يحاولون التهرّب من ضيافتهم ! 

لذا قرّروا المبيت في مسجد القرية الذي بدى مهجوراً ، ببابه المخلوع وسجّادته المهترئة الوسخة ! 

فتساءل نجيب بضيق : هل اهالي القرية مُلحدين ؟!

صديقه : لما تسأل ذلك ؟! 

نجيب بعصبية : الا ترى كيف يهملون مسجدهم الوحيد ؟! 

- لا دخل لنا بهم .. لنحاول النوم.. وغداً صباحاً نخرج من القرية ، ولوّ مشياً على الأقدام

^^^


بعد ساعة .. نهض نجيب وهو يقول بعصبية :

- لم اعد أحتمل اصوات الصفير التي تظهر من وقتٍ لآخر !!

- هذا صرير نوافذ المسجد المخلوعة 

نجيب : وماذا عن الأنفاس الباردة ؟

- هل شعرت بها ايضاً ؟!

نجيب : يبدو المسجد مسكوناً .. انا ذاهبٌ من هنا !! 

- اين ستذهب في الساعة الثالثة صباحاً ؟!

نجيب بإصرار : سأخرج من القرية ، للبحث عن الشارع العام .. وفي حال وجدت سيارة اجرة ، اعود اليكم .. أعدكم بذلك 

- لا تتهوّر يا نجيب !!

نجيب : احتاج الوصول لمطعم المحطّة ، أكاد اموت جوعاً .. لا تقلقوا ، سأحضر الطعام معي .. إنتظروني  


ورغم محاولتهم إيقافه إلاّ انه اضاء جوّاله ، اثناء خروجه من المسجد باتجاه المجهول !

^^^


بعد ذهابه بنصف ساعة ، قال احدهم :

- نجيب معه حق ، فانا لا استطيع النوم من شدّة جوعي .. دعونا نحاول مع الأهالي من جديد .. لابد ان يحنّ قلب احدهم ، ويعطينا ولوّ رغيف خبز نتقاسمه بيننا 

- اذاً لنفترق بين المنازل .. ومن يُسمح له بالدخول ، ينادي البقيّة

^^^


وبعد دقائق من مرورهم على الأكواخ المظلمة ، سمعوا نداء صديقهم :

- تعالا الى هنا !! فالسيد المحترم وافق على استقبالنا حتى الغد 


وبالفعل أدخلهم العجوز الى صالةٍ مفروشة بالوسائد فوق سجّادٍ سميك .. طالباً منهم الإنتظار ريثما تُنهي زوجته الطعام .. فشكروه على كرمه وحسن ضيافته

^^^


لم تمضي ربع ساعة ، حتى دخل عليهم باللحم والأرز ! فسارعوا بحمل الصينيّة الثقيلة من يده ، وهم مستغربين من قوته !

قائلاً احدهم : رجاءً أُوصل شكرنا وامتنانا لزوجتك التي اتعبناها بإعداد هذه الوجبة الدسمة قبيل الفجر 

العجوز : هي تعدّها منذ ساعة ، خصيصاً لكم 

الشباب باستغراب : أحقاً !


ورغم غرابة كلامه ! الا انهم سارعوا بتناول طعامهم بأيديهم ، بمشاركة العجوز .. وهم يشعرون بالأسى على نجيب التائة بالطرقات ، وهو يتضوّر جوعاً

^^^


قبل انهاء طعامهم .. لاحظ الصديقان توقف الثالث عن الأكل ، ويده ترتجف بقوّة ! والذي استغلّ انشغال العجوز بالأكل ، ليريهما ما وجده بالطعام .. وهو خاتمٌ نسائيّ ، عرفاه على الفور ! فهو خاتم والدة نجيب المرحومة ، الذي يحتفظ به في عقد حول رقبته منذ سنوات .. وقبل إستيعاب وجوده في الطعام ، سمعوا ضحكات العجوز الذي لمح الخاتم !

- نعم نعم .. هو خاتم صديقكم 

- كيف هذا !

العجوز : يبدو عليّ شكركم ، فلحم صديقكم السمين أشبعكم انتم وعائلتي ! 


وجاء كلامه صادماً للشباب الثلاثة الذين فهموا تناولهم للحم نجيب المطبوخ مع الأرز !

وقبل ابدائهم ردّة فعلٍ للجريمة النكراء ، قال العجوز غاضباً :

- هو استحق الذبح بعد قتله ابني !!

فرد احدهم بصوتٍ مرتجف : 

- نجيب لم يقتل احداً ! اساساً نحن غرباء عن قريتكم 

العجوز بعصبية : وانتم ايضاً ستعاقبون مثله !! لأنكم نصحتموه بإنهاء حياة ابني دهساً بسيارتكم

الشباب بصدمة : أتقصد الكلب ؟!

العجوز بابتسامةٍ مُستفزّة : احياناً نتشكّل بهيئة حيوانات

وكشف عن قدمه التي بدت كحافر ماعز !


فركضوا هاربين لخارج الصالة ، ليتفاجأوا بتحوّل الممرّ الصغير لدهليز طويل ومظلم ! فعادوا للصالة ، للقفز من نافذة المنزل الأرضيّ .. لينصدموا بأهالي القرية مجتمعين في الخارج بأعينهم الحمراء الغاضبة ، وهم يردّدون :

- الموت لقاتلي ابن رئيس قبيلتنا !! 

فعرفوا ان العجوز هو رئيس قبيلة الجن التي تسكن التلّ المهجور ! 


وقبل استيعابهم حجم المصيبة الواقعين فيها ، سمعوا تعويذة العجوز المخيفة التي نفخها في وجههم .. جعلتهم يسقطون فوق الوسادات ، غائبين عن الوعيّ ! 

^^^


ليستيقظوا تحت الأرض ، وهم مسجونين في اقفاصٍ حديديّة .. وهم يستمعون لاقتراحات الأهالي بتعذيبهم : اما بشويّهم على نارٍ هادئة ، او سلخ جلودهم ، او تقطيعهم وهم احياء ! جعلهم ينهارون بالبكاء وهم يترجّونهم بالإعفاء عنهم 


بالنهاية وافق العجوز على إعطائهم فرصةً أخيرة : 

- حسناً !! سأعطيكم امتحان .. اذا نجحتم فيه ، أًطلق سراحكم 

وكان الإمتحان : هو إعطائه صورة لشخصٍ يهمّهم من جوّالاتهم .. ليقوم مشعوذ القبيلة بسحرهم ، لكيّ تكافئهم الشياطين بالذهب والأحجار الكريمة! 


فقام الشاب الأول بإعطاء العجوز جواله الذي فتحه على صورة زوجته .. والثاني : أعطاه صورة والده.. اما الثالث : فأعطاه صورة زميله بالعمل ! 


فردّ العجوز ، مُعاتباً الشابيّن : 

- انت فديت نفسك بزوجتك التي لم تعد تطيقها بعد تعرّفك على عشيقتك الرخيصة ، رغم انها والدة ابنائك وإخلاصها المتفاني لعائلتك ! .. اما انت !! فكرهت والدك الذي أفنى حياته لك ولإخوتك ، فقط لرفضه تقسيم الميراث قبل وفاته ! .. اما انت !! فمعك الحق بإعطائنا صورة زميلك .. فهو بالفعل انسان حقود ، يقوم بالمكائد لك ولبقيّة زملائه .. لهذا استحق تعذيبه بسحرٍ اسود ، يُبعد شرّه عن من حوله .. وبذلك تكون الفائز الوحيد بالإمتحان !! 

ثم نادى حارسه :

- أطلق سراح الشاب الأخير !! اما هاذيّن ، ناكرا الجميل .. فيستحقان ان يُصبحا وليمة لأهالي قريتي


لينهار الشابان ببكاءٍ مرير ، وهما يراقبان الأهالي يحضّرون الخضار والأرز التي ستُطبخ مع لحومهم !

بينما ألقى العجوز تعويذة على الشاب الأخير ، جعلته يستيقظ قرب محطّة الشارع العام ! والذي سارع بإبلاغ الشرطة عمّا حصل ، والذين لم يجدوا القرية المزعومة بعد عثورهم على التلّ خالياً من الأكواخ الخشبيّة ! 


ليتابع الشاب حياته وهو يُخبر كل من يلقاه بتجربته المريرة ، وبمقتل اصدقائه الثلاثة على يد قبيلة الجن الذين سرقوا جميع اوراقه الرسميّة التي منعته من العودة لبلاده .. ليُصبح مشرّداً في الطرقات ، بعد ان وصفه الناس بمجنون قرية التلال !


الجمعة، 21 يونيو 2024

الموهبة الملعونة

تأليف : امل شانوحة

إختيار المصير 


إستيقظت زُمرّدة (وهو الإسم الفنّي لزهرة) من مخدّر العمليّة وهي شبه واعية ، لترى غرفة المستشفى مليئة بورود معجبيها ، فهي المغنية الأولى في بلدها .. وإن كانت هذه الشهرة كلّفتها الكثير من التضحيات ! 

واثناء محاولتها تحمّل الألم ، عادت بذكرياتها للماضي : بعد فوزها بمسابقةٍ غنائيّة بالجامعة .. ليقوم منتجٌ (كان بين الحضور) باستدعائها لمكتبه ، لتوقيع اوراق إنضمامها للجمعيّة السريّة التي ستتكفّل بشهرتها ، بشرط تنفيذها مطالبهم المستقبليّة.


بعدها بدأت بصعود سلّم الشهرة بسرعة ، بعد نجاح ألبوهما الأول من تأليف أفضل شاعرٍ غنائيّ ، وتلحين اهم موسيقي (المُنضمّان لذات الجمعيّة) .. وقد أعطياها هذه الفرصة الضخمة التي يحلم بها كبار الفنانين ، بسبب جودة صوتها وبراعتها المميزة بالغناء .. كما لجمالها النادر الذي كان لعنةً عليها ! فكلما زادت شهرتها ، لفتت المزيد من انظار المسؤولين العجائز الذين رغبوا باستغلالها الجسديّ ، مقابل مكافئاتٍ ماليّة !

وفي حال رفضت ، تُعاقب بخسائر ماديّة ..عدا عن الفضائح التي تؤذي سمعتها ، لدرجة انه لم تعد تناسب الرجال الشرقيين للزواج بها ! الى ان بلغت الخمسين من عمرها ! 


الشيء الوحيد الذي استفادته من شهرتها : هو قصرها المليء بالتحف واللوحات الثمينة.. لكن حتى هذا خسرته البارحة بعد رفضها اداء اغنيّةً مُبتذلة ، تلبيةً لأوامر الجمعية المنضمّة اليها ..والذين أحرقوا قصرها ، دون علمهم بتواجدها داخله ! 


وبصعوبة تمكّن رجال الأطفاء من إخراجها بعد تعرّضها لحروق بكافة جسمها ، شوّهت الكثير من جمالها ! وبذلك لن تتمكّن من إصدار إلبوماتٍ غنائيّة جديدة .. 

بالإضافة لتلقّيها بلاغاً من مدير اعمالها عن تخلّي الجمعيّة عن دعمها ، بعد ان اتهموها سابقاً بغسل الأموال كنوع من تأديبها على رفضها لبس الملابس الخليعة بالمهرجانات ، والتي لا تناسب عمرها ولا البيئة التي تربّت فيها ، فهي من عائلةٍ محافظة تخلّوا عنها فور احترافها هذه المهنة القذرة !


وهاهي مستلقية على سرير المشفى مُتألّمة ومشوّهة بعد فقدانها المال والسمعة ، بالإضافة لعنوستها وحرمانها من الأمومة ! 


لتنهار بالبكاء حسرةً على شبابها التي قضته في معصية الله .. وهي تتمنّى العودة للماضي ، لرفض توقيع العقد المشين الذي أخسرها دينها وآخرتها! 

^^^


وظلّت حزينة ، الى ان غفت من شدّة ألمها الجسديّ والنفسيّ .. لتستيقظ وهي في مكتب المنتج الذي يُطالبها بتوقيع اوراق إنتسابها للجمعيّة السريّة ، بعد عودتها لسن العشرين ! 

وفي غمرة فرحها وهي تنظر لنفسها في المرآة الموجودة جانباً في مكتب المنتج الذي راقبها باستغراب :

- هل ترين نفسك لأول مرة ؟! هيا وقّعي العقد ، ولا تماطلي بحركاتك الطفوليّة

ليتفاجأ بردّة فعلها :

- لن اخطئ مرتيّن !!

ومزّقت الأوراق ، ورمتها في وجهه وهي تقول :

- اللعنة على الشهرة والمال الحرام !!

وخرجت من مكتبه ، مُتجاهلةً صراخه وتهديداته :

- ستندمين على ذلك !! لن تجدي احداً يُوظّفك بعد الآن ، وستُدفن موهبتك للأبد

فخرجت ، وهي تتمّتم :

((اللهم سخّر موهبتي لطاعتك ، واكفني شرّ المنتج اللعين ، واعمي عيون الماسون عني))

^^^


لتعود بعدها للمستقبل ! في منزلٍ لا تعرفه ، وقد عادت امرأة خمسينيّة .. لكنها غير مشوّهة ، وقد خلا وجهها من عمليّات التجميل القديمة .. بل دُهشت من كبرها بالسن بشكلٍ طبيعيّ وجميل ! 

حتى ولوّ لم يكن جسمها رياضيّ ، لكنها شعرت بالسعادة المُطلقة بعد خروجها من غرفة نومها ، لتجد منزلها مليئاً بالأحفاد والأصهار والكنائن ..وزوجها الستينيّ ينتظرها بعيون المُحبّ المخلص ، قائلاً:

- هل استيقظتي حبييتي ؟ نحن ننتظرك بشوّق

ثم اقتربت طفلة منها ، وهي تمسك يدها :

- جدتي !! هل تغنين لنا بصوتك الجميل ؟


لتعلم لاحقاً من زوجها : بأنها اكتفت بالغناء بالمناسبات المدرسيّة لأولادها (حينما كانوا صغاراً) وبحفلات اعراس أقاربها ..وبأداء التواشيح الدينيّة برمضان والعيديّن ، مما جعلها محطّ اهتمام عائلتها والأصدقاء المقرّبين التي جمعتها بهم المحبّة والمودّة الصادقة ، دون المصالح الماديّة المزيفة التي عانت منها بحياتها السابقة ! 


ثم جلست على الكنبة ، والجميع حولها يستمعون لغنائها العذب .. بينما تردّد بداخلها:

((شكراً يا ربّ على إعطائي فرصةً جديدة لحياةٍ سليمة .. وأعدك باستغلال موهبتي  بالحلال ، وبما يرضيك.. ربي لا تحرمني نعيم الأسرة الدافئة .. وسامحني عن اخطاء الماضي .. فإني تبت اليك ، وانت ارحم الراحمين)) 


الأحد، 16 يونيو 2024

حب الطفولة

تأليف : امل شانوحة 

 

عداوة الأقارب


مروى هي الحب الأول في حياة احمد.. حبّ الطفولة.. وكيف لا ، وهي ابنة عمه التي تصغره بعاميّن.. والجميع توقّع زواجهما مستقبلاً.. لولا طمع والدها الذي جعله يسرق ارض اخيه ، مُدمّراً العلاقة بين العائلتيّن ! 

وبعد وفاة والد احمد مقهوراً من خسارته الأرض الذي تعب على زراعتها طوال حياته ، لحقته زوجته بعد العزاء بأيام ! وبذلك خسر احمد كلا والديه بسبب عمه الظالم ! 

وسافر بعدها للخارج ، للعيش عند خالته التي زادته حقداً على عائلة عمه الذي تسببّ بموت اختها حزناً على زوجها !

^^^


بعد سنوات .. عاد للقرية ، ليجد عمه توفيّ ايضاً ! وابنته الكبرى (مروى) تُشرف على العمّال ، لزراعة أرض والدها التي توسّعت بعد استيلائه على ارض اخيه ! 

وقد حاولت مروى وإخوتها زيارته اكثر من مرة .. لكنه رفض مقابلتهنّ ، مُتوعّداً بالإنتقام الذي نفّذه بعد شرائه اكبر منزلٍ في القرية .. حيث استطاع بماله (الذي جمعه من جهده المتواصل في عدّة وظائف بالخارج) شراء الأراضي المجاورة لأرض عمه ، وقطع الماء والإمدادات (من أسمدة وحبوب ومبيدات حشريّة) عنهم ، حتى اوشكت ارضهم على الهلاك ! 


فترّجته مروى بتركهم وشأنهم ، فهي وعائلتها يعتاشون عليها.. وعرضت عليه توكيل كبار القرية لإعادة قسمة الأرض المسلوبة بينهما .. لكنه رفض الصلح ، وإعادة التواصل بين العائلتيّن ! 


ولأنه يشعر بتأنيب الضمير لغرامه بها سابقاً ، صبّ غضبه عليها .. حيث وافق (بعد إلحاح مروى المتواصل) على إمداد ارضهم بالماء ، بشرط العمل لديه كخادمة ! فوافقت مُرغمة لحماية امها وإخوتها البنات ، فهي وعدت والدها قبل وفاته بالإهتمام بهنّ ، كونها ابنته البكر

***


وبالفعل بدأت العمل بمنزله الجديد الموجود وسط القرية ، والذي يحتاج على الأقل لثلاثة خدم لإنهاء تنظيفه ، عدا عن الطبخ والإهتمام بالمواشي .. لكنه أصرّ ان تتكفّل وحدها بأمور المنزل والزريبة ! وأجبرها على العمل من السادسة صباحاً حتى التاسعة ليلاً .. مما جعلها في الكثير من الأحيان تغفى بالزريبة من شدة تعبها!

***


وبعد شهرين من العمل المُجهد المتواصل ..فقدت توازنها وهي تنظّف سقيفة الزريبة ، ووقعت على رأسها.. وعندما وجدها غائبة عن الوعيّ وهي تنزف من جبينها ، أسرع بها للمستشفى وقلبه يخفق خوفاً عليها.. 

^^^


وفي الطريق .. عادت ذكريات طفولته معها ، وجميع المسابقات التي لعباها بين الحقول ، ووعده الزواج منها حين يكبران .. كل هذا وهو يراقبها من مرآته العلويّة وهي مستلقية دون حِراك في المقاعد الخلفيّة لسيارته ..ولسانه ينهج بالدعاء بأن لا تكون إصابتها بليغة

***


عندما وصلا للمستشفى .. أخاط الطبيب جرحها ، وصوّر رأسها بالأشعة 

واثناء جلوس احمد في غرفتها ، مُمسكاً يدها وهو يراقب نومها والمصل بذراعها ..دخل الطبيب ومعه نتائج الفحوصات..

فسأله احمد بقلق :

- هل هي بخير ؟ لما لم تستيقظ حتى الآن ؟!

الطبيب : لديها ارتجاج بالمخّ

احمد بخوف : ماذا يعني ذلك ؟

- هناك احتمال بفقدانها الذاكرة .. لذا توقع كل شيء


وبعد ذهاب الطبيب .. مسّد احمد شعرها بحزن :

- حماك الله ، يا ابنة عمي ..رجاءً إفتحي عينيك الجميلتين ..أكاد اموت خوفاً عليك

وما أن فتحت عيناها حتى أبعدت يده عن شعرها ، وهي تنظر اليه باستغراب :

- من انت ؟!

ثم نظرت حولها ..

- ولما انا بالمستشفى ؟! ولما رأسي يؤلمني هكذا ؟!

فسألها بقلق : الا تتذكرينني ؟!

- لا !! إبعد يدك عني .. اين اهلي ؟ اين ابي واخي وامي ؟

وهنا تأكّد بفقدانها الذاكرة : فهي ليس لديها إخوة اولاد ، ووالدها ميت منذ عام !

فقال بنبرةٍ حزينة : سيأتون بعد قليل


فنظرت اليه بتمعّن :

- لما عيونك دامعة ؟! هل انت من اقاربي ؟

احمد : انا ابن عمك 

- تبدو خائفاً عليّ !

- جداً يا مروى

ففاجأته بالقول :

- هل انت زوجي ؟

ومن شدّة إرباكه ، هزّ رأسه إيجاباً..

مروى بخجل : أحقاً ! ومنذ متى تزوّجنا ؟

فأجاب بتردّد : الشهر الماضي

- يعني عرسان جدد

فاكتفى بابتسامةٍ حزينة..


لينصدم من سحب ياقته باتجاهها ، لشمّه ! جعلت رأسه ينحني فوقها 

مروى : رائحة عطرك ليست غريبة عليّ ! لكني حقاً لا اذكر عرسنا ، هل يمكنك تذكيري به ؟ يعني هل تزوّجنا عن حب ؟

فأجاب بحزن : أحببتك منذ الصغر

مروى بحماس : هذا جميل !! يبدو انني محظوظة للزواج من شابٍ وسيم وحنونٍ هكذا

احمد باستغراب : حنون !

(وتذكّر كيف عاملها بقسّوة طوال الشهرين الماضيّن)

مروى : نعم ، عيناك الحزينتان تؤكّدان ذلك .. هيا إخبرني ، كيف كان شهر عسلنا ؟ إخبرني التفاصيل ، لربما تذكّرتك

فارتبك قائلاً :

- أُخبرك لاحقاً


وهنا دخلت امها وإخوتها الثلاثة ، وهم يحتضنوها بخوف..

الأم بقلق : هل انت بخير يا ابنتي ؟

ونظرت الأخت الوسطى لإبن عمها بغيظ :

- ماذا فعلت بها ؟!!

ليتفاجئنّ بسؤال مروى لأحمد : 

- هل هؤلاء عائلتي ؟ ما اسمائهم ؟

الأم بخوف : مالذي حصل لها ؟!

فردّت مروى :

- لا تقلقوا عليّ .. يبدو إصابة رأسي أفقدتني الذاكرة مؤقتاً .. لكن الحمد الله ، زوجي ذكّرني بكنّ

عائلتها بصدمة : زوجك !

ام مروى بحزم : أحمد !! اريد التكلّم معك على انفراد 

^^^


وخارج غرفة المستشفى ، سألته الأم بعصبية : 

- مالذي حصل لمروى ؟!

احمد بارتباك : تظنني زوجها

- لا أظن فقدان ذاكرتها جعلها تتجرّأ على نسبك زوجها ، إلاّ اذا أفهمتها ذلك .. فماهو قصدك ؟ الم تكتفي بجعلها خادمة ، والآن تريد الإعتداء عليها !!

معاتباً : ماهذا الكلام يا خالة ! هي تبقى ابنة عمي ، وشرفي ..

الأم مقاطعة بحزم : اذاً إصلح الموضوع !!

- كيف افعل ذلك ؟!

- أحضر الشيخ وشاهدان للزواج بها.. والآن !!

احمد بصدمة : ماذا !

- الا ترى كيف تنظر اليك بشغف ! حتماً سترفض الإبتعاد عنك .. وانا لن اسمح بأن تمسّها بالحرام .. إتصل حالاً بالشيخ ، وإلاّ والله سأفضحك بكل القرية !!

- حسناً اهدأي ، سأفعل ما تريدين .. المشكلة انها تظن اننا متزوجان بالفعل

الأم : دعّ الموضوع لي .

^^^


ودخلت الأم الغرفة ، وهي تطلب من بناتها الخروج لحديثٍ خاص مع مروى .. ثم جلست امام سريرها لتخبرها : بأن شجارٍ حصل بينها وبين احمد ، أدّى لطلاقها .. مما أشعرها بالضياع في الأيام الفائتة ، تسبّب بعدم تركيزها وأذيّة رأسها 

مروى بنبرةٍ منكسرة : يعني طلّقني ونحن مازلنا عرسان ؟!

امها : تكلّمت معه قبل قليل ، وهو نادمٌ على ذلك ويريد الزواج بك ثانيةً

- يمكنني العودة اليه طالما لم تنتهي عدّتي ، اليس كذلك ؟

الأم بارتباك : لا !! كان طلاقاً بائناً ..لهذا سيأتي الشيخ بعد قليل لعقد زواجكما من جديد ، إلاّ اذا لم ترغبي بذلك  

- بلى امي !! الا ترين كم هو حزينٌ عليّ ، عيونه المُحمرّة تؤكّد ندمه على خسارتي .. 

- أهذا قرارك النهائيّ ؟  

- نعم ، سأعطيه فرصةً ثانية

^^^


قبل قدوم الشيخ ، همست مروى لأحمد : 

- ماذا سأقول للشيخ إن سألني عن اسمي بالكامل ، فأنا لا اذكر إسم عائلتي ؟! 

فأخبرها به .. لتقول بصوتٍ منخفض :

- هناك مشكلة ثانية .. فأنا لا اذكر توقيعي القديم

احمد : يكفي ان توقعي بإسمك

- أتدري يا احمد ، مازلت غاضبة لأنك طلّقتني بعد شهر العسل! 

- عزيزتي .. انا

مروى : حسابك لاحقاً 

وغمزته بدلال..

***


وبالفعل عُقد القران بحضور اهلها في غرفة المستشفى ..وبعد ذهاب الشيخ والشاهدان..

مروى : امي .. هل يمكنكم تركي مع زوجي ؟ فأنا بجميع الأحوال عائدة معه الى منزلنا

الأم : كما تشائين يا عروس


وودّعتها عائلتها وهم قلقين عليها من قسّوة احمد الذي وعد الأم (خارج الغرفة) بالإعتناء بمروى بعد أن اصبحت زوجته رسميّاً

^^^


بعد ذهابهن..

عاد احمد للغرفة ، ليجدها ترتّب السرير.. 

- مروى ! الى اين إن شاء الله ؟

- الى منزلنا

- لكن الطبيب يريد بقائك الليلة ، للتأكّد من..

مروى مقاطعة : لا حاجة لذلك ، انا بخير .. فربما برؤية منزلنا ، أتذكّر كل شيء .. هيا حبيبي 

- حسناً انتظريني ريثما أُنهي اوراق الخروج 

***


ودخلت منزله (الذي كان من واجبها تنظيفه في الشهرين الماضيّن)..

فسألها احمد بقلق (وهي يتمنى أن لا تتذكّر قساوته معها) : 

- هل تذكّرتي شيئاً ؟

مروى وهي تتلفّت يميناً ويساراً : يبدو المنزل مألوفاً !

- هذه علامة جيدة

- اين غرفة نومنا ؟ هل هي بالطابق العلويّ

- نعم حبيبتي .. هيا بنا

^^^


وأدخلها غرفته التي إكتفت بتنظيفها سابقاً ..

مروى : حتى هذه الغرفة ليست غريبة عليّ ! لكن لما كلّها باللون الأسود ؟! تبدو كغرفة شابٍ عزّابي .. أقصد انها لا تناسب عرسان جدّد !

- نُغيّرها لاحقاً

- يبدو ان اصابتي جعلتك ودوداً

احمد بحزن : لأني بالفعل خفت عليك

ممازحة : رُبّ ضارةٍ نافعة.. والآن ، ماذا سنفعل ؟ 

- هل انت جائعة ؟

- نعم ..سأحضّر بعض الطعام

احمد : لا ، هذه المرة ترتاحين بالسرير .. وانا سأحضّر لك الحساء

- كم انا محظوظة بزوجٍ رائعٍ مثلك

فخرج من الغرفة وهو مازال يشعر بالضيق لعقابها على ذنب والدها

***


في الأيام التالية ، حاول احمد الإبتعاد عنها بعدّة حججّ .. الى ان أصرّت على معرفة السبب .. فأخبرها الحقيقة : وانه لم يتزوجها من قبل .. دون أن يخبرها بالعداوة بين العائلتيّن التي تسبّبت بقساوته معها ، لأنه سعيد بنسيانها ذلك


مروى بصدمة : أتقصد اننا تزوّجنا على الورق فقط ؟!

فاضّطر للكذب ثانية :

- نعم .. فطوال شهر العسل السابق ، كنّا في غرفتيّن منفصلتيّن ..الى ان حصل الشجار الذي أدّى للطلاق بيننا 

- ولما لم يحصل شيء بيننا ، ونحن ابناء عمومة ؟! هل هناك مشكلة صحيّة ؟

احمد : لا ابداً.. انت قلتِ السبب : لأننا ابناء عمومة

- تعني انك شعرت أنني اختك ؟! 

- هذا صحيح ، فنحن تربيّنا معاً .. لكن بعد إصابتك ، خفت عليك كثيراً ، وتحرّكت مشاعري نحوك .. لكني اريد التقرّب منك ببطء .. إعتبري اننا حالياً في فترة خطوبة

مروى : حسناً لا مشكلة .. ما رأيك لوّ نذهب في نزهة ؟

- فكرةٌ جيدة .. هناك منزلاً في الجبل ، رائعٌ للغاية ..ما رأيك لوّ نبقى فيه طوال الإسبوع القادم ؟

فردّت بحماس : موافقة !! سأذهب لترتيب اغراضنا

***


ووصلا لمنزل الجبل الذي لم يتواجد فيه سوى صالة ، وغرفة نوم بسريرها الصغير .. والذي تشاركاه ، وهي تستمع لقصصه المضحكة التي حصلت معه بالخارج .. 


ولم يمضي ذلك الإسبوع حتى اصبحا زوجيّن مُحبيّن ، بعد إشعالها بحركاتها العفويّة البريئة حبه الطفوليّ من جديد .. فقرّر بينه وبين نفسه ، مسامحة عائلتها عن أخطاء الماضي .. 

^^^


وبعد عودتهما للقرية .. عيّن من يساعدهم بأرضهنّ التي تخلّى عن ملكيّتها لهنّ ، بعد حصوله على اجمل زوجة .. وهو يشكر الله لعدم تشابهها مع والدها بصفات الغدر والطمع الّلتان دّمرتا علاقته بها سابقاً 


ولم تنتهي السنة حتى زاد حبهما ، بعد إنجاب طفلهما الأول الذي جمع بين العائلتيّن بعد فراقٍ دام سنواتٍ طويلة 

***


لكن ما لا يعرفه احمد : أن مروى لم تفقد الذاكرة مُطلقاً ! بل خطرت على بالها تلك الخطة ، بعد سماعها الطبيب يُحذّره من ذلك .. وذلك بعد يأسها طوال الشهرين (كخادمة) من تليّن قلبه نحوها ولأهلها ، عن طريق تذكيره بطفولتهما البريئة .. 

لهذا ادّعت فقدان الذاكرة للتقرّب منه ، وجعله مُجبراً على الزواج بها ! وهو في المقابل ، حمد ربه على نسيانها قساوته معها .. 

وهذا السرّ ستحتفظ به طوال حياتها التي تحسّنت بشكلٍ ملحوظ بعد حذفهما الماضي الحزين ، وهما يتطلّعان لمستقبلٍ مليء بالحب والمودّة الأبديّة !


الأربعاء، 12 يونيو 2024

المُسامح كريم

تأليف : امل شانوحة 

 

الخيانة المُدمّرة 


تفاجأت سلمى بحصولها على دعوة لبرنامجٍ تلفزيونيّ جديد ! أجلسوها فيه امام شاشةٍ مُطفأة ، حيث سألها المذيع :

- ماذا تظني يوجد خلف الستار ؟ 

- لا ادري ! فأنتم أخبرتموني أن شخصيّن يريدان رؤيتي هنا

المذيع : أليس لديك فكرة عمّن يكونان ؟

- لا !

فقال المذيع بصوتٍ عالي : اضيئوا الشاشة !!

فظهرت صديقتها مرام مع زوجها !


((وعلى الفور !! عادت ذكريات سلمى قبل خمس سنوات : حين كانت في محل الملابس تقيس فستان عرسها ، لزفافها الذي سيقام بعد ثلاثة ايام .. وكانت في قمّة السعادة ، قبل وصول رسالة صوتيّة على جوالها من خطيبها يقول فيها :

((أعتذر سلمى .. لا استطيع إتمام الزفاف ، لأني مُضّطر للزواج من صديقتك مرام لأنها حاملٌ مني))


ونزل الخبر كالصاعقة عليها ! فهو زميلها بالجامعة الذي أحبّته لأربع سنوات ، والذي خطبها فور تخرّجهما.. اما مرام : فتعرفها منذ الطفولة ، فهي زميلتها بالإبتدائي والمتوسطة والثانوي والجامعة ! فبرغم حصولها على معدّل يؤهّلها لدخول الطبّ ، إلاّ انها اختارت التجارة للبقاء مع صديقتها الخائنة ! 


وفي خضمّ صدمتها ، إتصلت بمرام للتأكّد من الخبر .. لتتفاجأ بصراخ صديقتها وهي تبرّر فعلتها الشنيعة : 

- أحببته قبلك ، لكنك سرقته مني ..والآن استرديّت حقي !! إبتعدي عنه ، فهو والد ابني

سلمى بصوتٍ مرتجف : متى حصل ذلك ؟! واين ؟!

فأجابتها بلؤم : في منزلك الجديد .. ألم تعطني المفتاح لأساعدك بترتيبه ؟ وهناك التقيت به مراراً 

- كيف تفعلين بي ذلك ؟!

مرام : انت أتعبته بادعائك العفّة ، وانا أعطيته ما يريد .. إبتعدي عن طريقنا !! فالعرس سيقام في موعده ، مع تغيّر العروس

وأغلقت المكالمة في وجهها !

لم تدري سلمى كيف قادت سيارتها دون وقوع حادث ، وعيناها مغروّرقتان بالدموع ! فطعنة الحب مؤلمة لكن طعنة الصديق قاتلة ، فكيف لوّ وقع الإثنين في وقتٍ واحد!

^^^


عندما دخلت سلمى منزلها ، وجدت والديها يتصلان بالمعازيم لحضور العرس ..فقالت لهما ، وهي تتجنّب النظر اليهما بعينيها المحمرّتين :

- أعيدا الإتصال بهم لإلغاء الدعوة .. فقد تشاجرت مع العريس ، وأنهيت علاقتي به 

ودخلت غرفتها وهي منهارة بالبكاء ، ووالداها منصدمان مما حصل!

^^^


باليوم التالي ، حاولا معرفة ما حصل .. لكنها اكتفت بالقول : انه لا نصيب بينهما ، دون إخبارهما الحقيقة ، خوفاً على شرف صديقتها ! واحتراماً لعائلة مرام المُقرّبة من أهلها ، فهي لطالما زارتهم للدراسة مع ابنتهم الحقودة


ما كسر قلبها لاحقاً : هو رؤية عرس الخائنيّن منشوراً على الفيسبوك ، وتعليق مرام على زواجها : ((جمعتنا الصدفة))


وكأن هذه المصيبة لا تكفي سلمى التي سمعت تعليقات أقاربها المُخزية عن سبب إنفصال خطيبها عنها ، قبل ايام من عرسها ! 

مما جعلها تعتزل الجميع وتلازم غرفتها لشهرين ، قبل قيام اخوها بتوظيفها بشركة صديقه .. فحاولت إشغال نفسها بالعمل ، هرباً من صدمتها العاطفيّة المُدمّرة !))

***


وهاهما الخائنان يتجرّآن على دعوتها لبرنامج المسامح الكريم ! حيث بدأت صديقتها بالكلام ، قائلةً بنبرة ندم :


- أعتذر عن خذلاني لك ، لكني حقاً أحببته..

فقاطعتها سلمى غاضبة : لوّ انك أخبرتني بذلك ، لانسحبت ببداية العلاقة .. بدل إلغاء عرسي باللحظة الأخيرة !! .. ثم انا لم أخبر احداً بما حصل ، فلما تفضحين نفسك بعد خمس سنوات ؟!

مرام بحزن : لأن ابني وليد ، أُصيب بالسرطان .. عرفنا ذلك قبل ايام

سلمى بصدمة : وليد !

(فهي لطالما أخبرت مرام عن رغبتها بتسمية ابنها البكر : وليد)

فقالت سلمى باشمئزاز :

- يعني أخذتي خطيبي وتحضيرات عرسي ومنزلي ، وايضاً لقبي : كأم وليد ! كيف لم انتبه طوال الخمس وعشرين سنة انك حقودة وغيّورة لهذه الدرجة ؟!


مرام : يا صديقتي العزيزة .. انا..

سلمى مقاطعة بغضب : لا تناديني هكذا !! .. (ثم مسحت دموعها).. مازلت للآن لا أصدّق ما حصل ، فنحن كبرنا معاً.. نمتي في بيتي ، ونمت في منزلك.. درسنا معاً ، وتشاركنا الضحك والبكاء ..واحتفظت بأسرارك كلّها .. وأهالينا باتوا اصدقاء بسببنا .. لوّ أخبرتني بحبك له ، لأزلت خاتم خطوبتي ووضعته في اصبعك .. لهذه الدرجة كنت احبك ، فقد كنت اختي وصديقتي الوحيدة ! .. (ثم تنهّدت بضيق).. انت لم تسرقي خطيبي فقط ، بل سرقتي كل ذكرياتي معك : ذكريات الطفولة والمراهقة والشباب ! كيف بالله تردينني ان اسامحك ؟!!


وهنا قال زوج مرام : رجاءً سلمى إسمعينا..

فقاطعته بعصبية : وانت !! كيف تخونني بهذه السهولة ؟! اين وعودك بمستقبلنا المُتفاهم المُحب .. أبهذه السرعة هُنت عليك ، وقابلت صديقتي في منزلنا الذي فرشناه معاً ؟!

الزوج : حاولت التقرّب منك اكثر من مرة ، لكني رفضتي حتى قبلة الجبين لحين زواجنا ! 

سلمى غاضبة : هل بات العفاف سبباً للإنفصال ؟! الم يكن بإمكانك الإنتظار بضعة اسابيع قبل خيانتك القذرة ؟!!

الزوج بندم : انا آسفٌ حقاً

سلمى باشمئزاز : انتما فعلا تليقان ببعضكما ! 

الزوج بتردّد : بالحقيقة مازلت احبك..

سلمى مقاطعة : توقف !! هل ستخون زوجتك ايضاً ؟!

فطأطأ رأسه خجلاً..


فأكملت سلمى كلامها : أتدريان مالذي قهرني فعلاً ؟ انني بعد تلك الصدمة شعرت ان ربي يكرهني ! كنت سأخسر ديني بسببكما ، لولا لطف الله الذي أفهمني عن طريق مناماتٍ متكرّرة : انه حماني من خائنٍ وحقودة .

مرام : لا نريد سوى مسامحتك لنا

سلمى بحزم : اساساً ما كنت لأراكما اليوم لولا مرض ابنكما ، وخوفكما على حياته.. وبرأيّ هو لا يستحق ان يُعاقب على سفالة اهله.. (ثم مسحت دمعتها).. ولأني لا ارغب برؤيتكما في الآخرة : يوم يلتقي المتخاصمون ، أعدكما بأن لا أفكّر بالماضي بعد اليوم .. فهذه المرة ستكون آخر مرة نجتمع فيها !!

ثم نظرت للمذيع :

- لقد سامحتهما على خطئهما الجسيم ، لكن رجاءً لا تفتح الستار.


وخرجت من الإستديو مع تصفيق الجمهور المُشفق على الصعوبات التي واجهتها مع خطيبها السابق وصديقتها المُقرّبة .. وذنبها الوحيد انها عشقتهما اكثر من روحها .. لكنه درس لن تنساه مُطلقاً ، ولن تعطي ثقتها مجدّداً لمن لا يستحق محبّتها النادرة!


الجمعة، 7 يونيو 2024

الموسيقى الشيطانية

تأليف : امل شانوحة 

الحفل المُدمّر 


تمّ الإعلان بكثافة عن حفلٍ موسيقيّ ضخم سيقام ليلاً بالهواء الطلق في جميع وسائل التواصل الإجتماعي على مدى شهرين متواصلين ، جعلت الجمهور متشوقاً لحضوره !


وفي اليوم المحدّد .. تجمّع ما يقارب المليون شاب وصبيّة بالساحة الكبيرة خارج المدينة ، الذين أثارهم ما رأوه بالحفلة من ديكور مسرحٍ مخيف وإضاءاتٍ ساطعة بتقنيةٍ متطوّرة ، بالإضافة لزيّ المغنيين الشيطانيّ !


وسرعان ما اندمج الحضور بالرقص والغناء مع الموسيقى الصاخبة ، وهم يتمايلون يميناً ويساراً مع توجيهات مُنسّق الألحان بموسيقاه التي لا تشبه ما تعوّدوا على سماعه ، كأنها قادمة من عالمٍ آخر ! فمعظم كلملت الأغاني غير مفهومة ، تبدو كلغةٍ مُستحدثة

^^^


وبعد ساعاتٍ على الحفل الناجح .. علت اصوات الموسيقى بطبقاتٍ رفيعة ، أفقدت الجمهور صوابه .. مما زاد من عدوانيّتهم ! كأنها تسلّلت الى عقولهم رسائل شيطانيّة خفيّة ، تأمرهم بالتقدّم نحو منظمي الحفل للحصول على السكاكين والعصيّ ، وبعضهم حصل على مسدسات ورشّاشات وقنابل يدويّة .. بينما الأكثرية حصلوا على زجاجاتٍ حارقة ! 


بعدها أعلن مسؤول الحفل عن انتهاء غناء الفرقة الموسيقيّة التي اختفت فجأة من المسرح ! ليعلن المسؤول المُقنّع بقرنيّ الشيطان : عن بدء احتلالهم المدينة !


وما أن صفّر بمزماره الخشبيّ ، حتى توزّع الشباب في الأزقّة والشوارع المؤديّة لوسط البلد التي بدأوا بحرق معالمها من حدائق ومدارس ودوائر حكوميّة ! 


لتعلن الشرطة حالة الطوارئ بعد عجزهم عن إيقاف الشباب الثائرين والمنوّمين مغناطيسيّاً بواسطة الموسيقى الشيطانيّة ، خاصة بعد هجومهم على المحال التجاريّة التي سرقوها بهوسٍ لا مثيل له !

^^^


ووصل الأمر لمسؤولي البلاد الذين ارسلوا شرطة مكافحة الشغب.. لكن الغضب الشعبي تفشّى بين شباب العاصمة ، كأن ما اصاب المدينة الصغيرة إنتقل اليهم كفيروسٍ مُعدي ! 

***


لم يمضي اسبوعٌ واحد على الحفل المشؤوم ، حتى أعلنت الحكومة سقوطها بأيدي الثائرين الغوغائين الذين لم يكتفوا بهدم معالم دولتهم ، بل انتقلوا للدول المجاورة وهم يردّدون الأغاني الشيطانيّة مع مكبّرات الصوت .. جعلت الشباب الأجانب ينضمون للمسيرة التدميريّة لكل منشآت بلادهم ، كأنهم روبوتات عنيفة لا يوقفها شيء ..حتى ان إحدى الدول اضّطرت لقتل بعض شبابها ، وسجن الآخرين الذين ظلّوا يصدحون بالأغاني بكلماتها الغير مفهومة داخل السجون ، مُثيرين بذلك بقيّة السجناء الذين حاولوا بكل الطرق الهروب من المُعتقل ، مما زاد من حجم الكارثة !


ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بعد انتشار الموسيقى العنيفة بجميع وسائل التواصل الإجتماعي .. مما زاد من مظاهر الشغب ببقيّة الدول ، التي ساهمت بإسقاط الحكومات العاجزة عن إيقاف جيش الشباب الغير مُدرك لأفعاله المتهوّرة !

***


وفي باطن الأرض.. سأل ابليس مساعده :

- هل هناك اخبار جديدة ؟

- سيدي .. حتى الآن سقطت ثلاث دولٍ عظمى ، وثلاثين دولةٍ نامية .. ومازال جنودنا المُتلبّسين بمسؤولي الحفلات ينشرون كلماتك الضمنيّة داخل الأغاني الصاخبة ، التي بواسطتها برمجنا عقولهم  لخدمتك

- كان عليّ الإستفادة من التكنولوجيا منذ ظهورها .. لكن لا بأس ، تداركت الموقف..

- بصراحة سيدي ، لم نكن نعلم بمواهبك الفنيّة ! فكلماتك العنيفة ، وألحانك المثيرة سيطرت عليهم تماماً ! 

ابليس : لديّ العديد من المواهب التي لم يُقدّرها بنو جنسي ، والتي أعمل الآن على تطويرها مع البشريين ذويّ المشاعر الهشّة والعواطف الجياشة.. لهذا قرّرت أن لا أضيّع وقتي بأفكار الحروب التقليدية .. بل سأتابع تأليف الألحان التي ستسيّر شبابهم لإسقاط قادتهم دون تدخلٍ مني ، لتسهيل امتلاكي الأرض بعد خرابها عن بكرة أبيها 


ونزل من عرشه الذهبيّ ، مُتوجهاً للإستديو السرّي لبدء أغنيته الجديدة التي ستؤثّر على عقول قادة العالم ، لدفعهم بشنّ هجومٍ على الدول المجاورة .. على أمل أن تتحوّل قريباً لحربٍ عالميّة لا تبقي ولا تذرّ ! 


الثلاثاء، 4 يونيو 2024

الإندماج الفضائيّ

تأليف : امل شانوحة 

 

  بعدٌ كونيّ للموهوبين  


عادت المخلوقات الفضائيّة الى كوكبها ، بعد فشلها بفهم لغة البشر او إيجاد طريقة للسيطرة على عقولهم ، تساعدهم باحتلال الكوكب الأزرق .. والسبب في ذلك : ان البشر يعيشون في بُعدٍ كونيّ مختلف عن الفضائيين! 

ورغم فشل المهمّة ، إلاّ انهم اكتشفوا شيئاً مهمّاً : وهو تميّز بعض البشر عن غيرهم من خلال إندماجهم بموهبتهم الفنيّة ، لدرجة تصلهم لبُعدٍ كونيّ يوازي البُعد الذي يصل اليه الفنانون الفضائيّون! 


لهذا قرّر رئيسهم إرسال اربعة من أفضل فنانيّ كوكبه ، لتكوين صداقةً وهميّة بغرض السيطرة على عقول أبرع الفنانين البشريين ، على أمل الوصول لحكّام بلادهم .. ومن بعدها إحتلال الأرض التي تنافس عليها مخلوقات كواكب المجرّة لقرونٍ طويلة !

لكن الفنانين الفضايين إعترضوا على أداء المهمّة ، قائلاً أحدهم لرئيس كوكبه بضيق : 

- مع كل احترامي سيدي .. لما عليّ إهداء ألحاني المميزة لبشريّ تافه يقوم بنشرها بإسمه ، وينشهر عالميّاً بإبداعي الفنّي ؟! هذه تسمى سرقة ادبيّة 

الفنانة الأخرى : وانا لا اريد وهب ليونة جسمي وبراعتي لراقصةٍ بشريّة ، لتتألّق على حساب تعبي ومجهودي! 

- وانا قصصي اكتسحت كواكب الفضاء ، وتريدني ان أهدي أفكاري مجاناً لكاتبٍ بشريّ لديه إلهام بسيط يناسب عقله الصغير ؟! 

- وانا صوتي لا مثيل له ، لإتقاني الطبقات الرفيعة والضخمة معاً .. وموهبتي لم يصل اليها احد من مخلوقات الفضاء .. وتريدني ان أسلّم قدراتي لبشريّة بإمكانيّاتها المحدودة ! 


فردّ رئيس كوكبهم بحزم :

- اولاً هذا أمر !! وعليكم تنفيذه .. فنحن اخترنا 4 موهبين بشريين مميزيّن للغاية ، لديهم القدرة على الإنتقال بعقولهم لبُعدٍ قريبٍ منا .. والأهم من ذلك ان المغنية امريكية ، والراقصة روسية ، والعازف صيني ، والكاتب انجليزي .. يعني من جنسيّات الدول العظمى في الأرض .. ومهمّتكم الإلتقاء بهم بالبُعد الخاصّ بالقدرات الفنيّة .. وعندما تتضخّم مواهبهم بعد تجسّدكم أجسامهم ، سيزدادون شهرةً توصلهم لرؤساء بلادهم .. حينها تنتقلون لأجسام القادة والزعماء ، للسيطرة على عقولهم .. وبواسطتهم تحدّدون لجيشنا الزمان والمكان للهبوط على الأرض .. بعدها نستخدم تقنيّاتنا المتطوّرة لإحكام سلطتنا على الشعوب .. وبذلك نكون اول من سيّطر على كوكب الأرض .. وفي حال رفضتم المهمّة ، سأنفيكم الى الفضاء .. لتحلّقوا فيها حتى الموت ..هل كلامي مفهوم ؟!!


فوافق الموهوبون الأربعة الفضائيين على تنفيذ المهمّة ، رغماً عنهم! 

***


بعد شهورٍ طويلة ، تواصل معهم رئيس كوكبهم :

- إخبروني بالمستجدّات ؟

فأجابه زيروس بفخر : لقد تمكّنت من التواصل فكريّاً مع الكاتب الإنجليزي جاك ، الذي ألهمته بقصص الخيال العلميّ وحرب النجوم والفضاء ، حتى صار الكاتب الأول بهذا المجال .. وقد تحوّل بعضها لأفلامٍ سينمائيّة ناجحة ، عدا عن نشرها كقصصٍ مصوّرة للأطفال والمراهقين ! وظنّ التافة بأني ملاكه الحارس ، الى ان وصل غروره لدرجة أن يأمرني بالمزيد من الأفكار ! لكني قريباً سأتجسّده بعد حفظي طريقة تفكيره ، في انتظار وصوله لرئيس بلاده 


- وماذا عنكِ يا دورمي ؟

- انا أعجبتني الراقصة الروسية كارلا .. فهي ترقص البالية كفراشةٍ رشيقة ، وهي تتخيّل الطيران بالسماء ! وبدوري منحتها الخفّة الحركيّة ، بتقليل الجاذبيّة اسفل قدميها .. وقبل ايام نجحت بنسخ ذاكرتها ، وعلى وشك أن أتجسّد جسمها للأبد .. وأظن أن رئيس بلدها مُعجبٌ بها ، لحرصه على حضور حفلاتها وهو سارحٌ بأفكاره العاطفيّة ! ولا أستبعد أن يعزمها الى قصره قريباً .. وحينها أسيّطر على دماغه 

الرئيس : أحسنتِ !! وماذا عنكِ يا مورنا ؟

- جيد أنكم اخترتم لي جاكلين ، فهي مغنية صاعدة وبارعة بمجالها الفنيّ .. حيث يمكنها بسهولة التنقّل بين طبقات الصوت .. وبدوري منحتها طبقاتي المرتفعة التي زادت من شهرتها الواسعة .. وقد تلقّت البارحة دعوة لتكريمها في البيت الأبيض.. وستصلكم اخبار احتلالي عقل رئيسها خلال ايام 


وهنا قال المخلوق الفضائي الأخير (بورشو) : 

- اما انا !! فسلّمت مُرغماً ألحاني الناجحة للعازف الصيني الذي وصلت مشاهداته بالملايين على وسائل التواصل الإجتماعي ! فكما تعرف سيدي ، الموسيقى لا تعيقها تقاليد او جنسيّة ، فهي لغة القلوب .. وقريباً سيُكرّم من قبل رئيس بلاده الذي يملك الصواريخ النوويّة..

رئيس الكوكب مقاطعاً : لا تتحمّس يا بورشو !! فنحن لا نريد إبادة الكرة الأرضيّة ، بل استغلال ثرواتها المائية والزراعية والحيوانيّة وغيرها .. كل ما عليك فعله : هو تجسّد حاكم الصين ، بانتظار اوامري .. (ثم قال لهم) .. وهذا واجبكم جميعاً اتجاه كوكبكم .. مفهوم يا فنانينا المميزين ؟!! 

فأجابوه بصوتٍ واحد : مفهوم سيدي !!

***


وبغضون ايامٍ قليلة .. نجح الفضائيّون الأربعة بتنفيذ مهمّتهم الصعبة ، بعد سنة من تعاملهم مع الفنانين البشريين الذين ذاع صيتهم في جميع القارات .. وتمّت السيطرة أخيراً على عقول حكّام الدول العظمى ، اثناء تكريمهم الفنانين على موهبتهم الفريدة 


ليتفاجأ العالم بعدها بأسابيع .. بهبوط مئات الصحون الطائرة من السماء ، تحمل جيشاً من المخلوقات الفضائيّة بأسلحتهم المتطوّرة التي مكّنتهم السيطرة على الشعوب البشريّة ، بعد إسقاطهم زعامات الدول .. والذين قاموا باستعباد البشر لخدمتهم .. ومن يعترض ، يُعذّب حتى الموت ! 


وبعد هبوط رئيس الكوكب الى الأرض .. وانتقاله للبيت الأبيض في اميركا ، وصلته تهنئة من حكّام الكواكب المجرّة الذين انبهروا من خطته للسيطرة على الكرة الأرضيّة ! مُظهرين إعجابهم بذكائه ، وهم يخفون حقدهم عليه .. حيث يخطّطون سرّاً لحربٍ مستقبليّة ، لاحتلال مكانه .. مما يهدّد الجنس البشريّ الذي سيُجنّد لمحاربة الفضائيين بأسلحتهم المتطوّرة التي تنذر بفناء الأرض خلال سنوات ، وربما ايامٍ معدودة !


السبت، 1 يونيو 2024

البطولة الزائفة

تأليف : امل شانوحة 

النياشين الملعونة ! 


بعد إنهاء الشاب دراسته في إنجلترا ، عاد لأميركا للعيش في قصر العائلة .. فأخبرته الجدة عن تصرّفات زوجها التي تزداد غرابة كل يوم ! فهو يرفض البقاء في غرفته الواسعة ، ويصرّ على النوم بالخزانة او بيت الشجرة رغم صعوبة صعوده السلّم ! ودائماً يصرخ اثناء نومه وهو يطلب السماح من احدهم ، او يتوسّل لعدم إيذائه.. كما يقضي معظم وقته برسم رجلٍ آسيويّ في العلّية دون فهمها مشكلته ، لرفضه الحديث عن ماضيه !

ثم أمسكت يد حفيدها :

- بما انك المُفضّل لديه ، حاول معرفة ما يضايقه بالآونة الأخيرة.. ولما يرسم ذلك الرجل الآسيويّ أكثر من مرة ، حتى امتلأت العلّية بصور الشخص المجهول ؟!

- سأحاول يا جدتي

^^^


وصعد العلّية ، دون عثوره على جده .. وصار يتمعّن بالصور ، ليلاحظ انها ليست لنفس الشخص ! بل هناك فارق عمر بين الشباب الآسيويين المرسومين في الّلوحات.. يبدو اكثرهم من الجنود مع رسمة ضابطين ونقيب ، حسب الرتب المرسومة على بدلاتهم العسكريّة .. كما أن بعضهم لديه جروح في وجهه ، او عيوب خلقيّة تميّزه عن غيره !

فتمّتم بصوتٍ منخفض : هل جميعهم ضحايا حرب ؟! 


ليسمع صوت جده يقول من الخلف : 

- أحسنت !! انت الوحيد الذي لاحظ أنهم أكثر من شخص 

- آه جدي ! لم انتبه لقدومك .. (ثم اقترب منه).. هل بإمكانك إخباري عن الخمسين آسيويّ الذين رسمتهم ؟!

فتنهّد الجد بحزن : بل ٤٧ ، وهم الفيتناميين الذين قنّصتهم اثناء الحرب

الحفيد بصدمة : أكنت قنّاصاً يا جدي ! لم أكن اعرف انك خُضّت الحرب الأمريكيّة مع الفيتنام 

- لا احد يعلم ، ولا حتى جدتك

- اذاً انت قنّاصٌ بارع ورسامٌ محترفٌ ايضاً

الجد : مواهبي هي لعنتي ، بالإضافة لذاكرتي القويّة

الحفيد باستغراب : هي بالفعل قوية ، لتتذكّر ملامحهم المُتشابهة طيلة خمسين سنة !

- لأنهم بدأوا الظهور بالآونة الأخيرة ، كأنني قاربت من الوفاة ! والأسوء انهم يذكّرونني بموعد انتقامهم مني في عالم الأرواح

- لا تقلّ هذا يا جدي ..أطال الله عمرك


وهنا انتبه الحفيد على نياشين جده المُغبرّة في إحدى الصناديق..

- لما تهمل جوائزك يا جدي ؟! انت استحقّيتها بجدارة ، بعد قيامك بواجبك الوطني على أتمم وجه

الجد بقهر : بل هم الأبطال الحقيقيين الذين دافعوا عن مدنهم وقِراهم بكل شجاعة وبسالة ، ونحن من تطفّلنا على بلادهم المُسالمة

- الهذا تُخبئ نياشينك ، بدل التفاخر بها ؟!

الجد : وبماذا اتفاخر ؟ أبقتليّ الأبرياء ! مازلت أذكر كيف هجمت كتيبتي على قرية مليئة بالنساء والأطفال والعجائز ، إعتدوا عليهم جميعاً قبل تعذيبهم حتى الموت ..نحن الجنود الغوغائيين ، وليسوا هم .. ورغم ان ضميري يؤنّبني حتى اليوم ، إلاّ ان هذا لم يشفع لي عند اشباح هؤلاء الأبطال ..(وأشار الى لوحاته) .. الذين يُظهرون غضبهم في كوابيسي !  


الحفيد : ألهذا تنام بالخزانة وبيت الشجرة ؟!

- أختار اماكن ضيّقة ، كيّ لا يجتمعوا حولي.. فهم يتوعّدون بحرقي بتلك النياشين التي حاولت بالأيام الماضية التخلّص منها ، لأتفاجأ بعودتها للعلّية !

الحفيد بصدمة : أتقصد انك رميتها من قبل ؟!

- بل أحرقتها بالمدفأة ، ورميتها بالنهر ، ودفنتها بالحديقة ..لكنها تعود للظهور هنا ! وكأنها ادوات تعذيبي بالآخرة .. لهذا اريدك ان تتخلّص منها فور وفاتي .. لا تسمح لأحد ان يراها ، أوعدني بذلك !!

- أعدك يا جدي

***


لم تمضي اسابيع ، حتى توفيّ الجد بنوبةٍ قلبيّة .. وأقيمت الجنازة بتجمّع الأهل والأصدقاء في المقبرة ، لحضور مراسم الدفن.. 

وقبل طمره .. فاجأتهم الجدة برميها النياشين فوق تابوت زوجها ، وهي تقول بفخر:

- كان والدكم وجدكم مُقاتلاً بحرب الفيتنام .. وهذا سرّه الذي علمته من صديقه قبل سنوات وأخفيته عنه ، لتواضعه بالحديث عن بطولاته.. وأظنه بحاجة ميداليّاته عند حسابه بالآخرة 

فقال الحفيد في نفسه ، بضيق : 

((ماذا فعلتي يا جدتي ! لقد رميّت ادوات التعذيب لأشباح اعدائه))

ولم يستطع فعل شيء ، سوى متابعة الحانوتي وهو يدفن التابوت !


وبعد ذهابهم جميعاً ، إنحنى الحفيد فوق القبر .. ليسمع اشخاصاً تتحدّث بلغةٍ غريبة ، تبدو فيتناميّة ! وأحدهم (يبدو قائدهم) يتكلّم مع جثة جده بلغةٍ إنجليزية رقيقة ، وهو يقول غاضباً :

- وعدناك ان تكون تلك النياشين لعنةً عليك .. هيا يا رفاق !! سخنّوا الميداليات الذهبيّة لكويّ اصابع وعيون القنّاص اللعين الذي لولا قتله لنا ، لما سقطت قُرانا بأيدي زملائه القذرين !!


لتعلو معها صرخة الجد المتألمة التي ارعبت كيان الحفيد الذي ركض عائداً للقصر ، وهو قلقٌ على مصير جده العالق بين ارواحٍ غاضبة !


مسابقة الفيلم الدموي

تأليف : امل شانوحة  الزومبي الكومبارس  فور دخول الشباب 12 الى المسرح (الذي سيقام فيه احداث الفيلم المرعب ، والذي بُنيّ على شكل قبّةٍ زجاجيّة...