تأليف : امل شانوحة
المغامرة المتهوّرة
في الصباح الباكر .. قرّر الشباب الأربعة السفر برّاً من بلدتهم باتجاه قريةٍ مجاورة لم يزوروها من قبل ، معروفة بكثرة تِلالها .. حيث تعهّد كل واحدٍ بقيادة السيارة لست ساعاتٍ متواصلة ، بينما يستريح الثلاثة الباقين..
وفي المساء ، إستلم نجيب (الشاب السمين) القيادة ..
وبعد حلول منتصف الليل .. غفى لبضعة ثواني ، جعلته ينحرف عن الطريق العام .. ليُكمل المسيرة في طريقٍ رمليّ باتجاه إحدى التلال!
ولم يستيقظ مع بقيّة زملائه إلاّ بعد اصطدامه بشيء ، أصدر صوتاً مخيفاً!
فتوقف فزعاً ! ونزل مع اصدقائه لرؤية ما صدموه على انوار جوّالاتهم .. ليجدوا كلباً اسوداً يحتضر بألم ، بعد دهس بطنه .. ولبشاعة المنظر بعد خروج احشائه وبقائه حيّاً ! طلب الأصدقاء من نجيب القيادة للخلف ، لقتل الكلب وتخليصه من عذابه !
ورغم إنقباض قلبه من الفعل اللاّ إنساني ، لكنه نفّذ اقتراحهم ! .. ليطلب بعدها من زميله إكمال القيادة لشعوره بالغثيان..
لكن فور تحرّك سيارتهم ، لحقتهم سربٌ من الغربان الغاضبة ! الذين بدأوا بنقر الزجاج بقوّة ، أوشكت على كسره !
فصرخ السائق بوجه نجيب (الجالس امامه) :
- ماهذا الطريق الذي أدخلتنا فيه ؟! وكم يبعد عن الشارع العام؟!!
نجيب وهو يراقب الطيور بقلق :
- والله لا ادري ! رجاءً حاول إخراجنا من المنطقة المهجورة
فصرخ السائق مُنبّهاً زملائه :
- لا تفتحوا النوافذ مهما حصل !!
صديقه من الخلف : ومن سيجرؤ على فتحها ، بوجود الغربان الوحشيّة ! ولما هي غاضبةٌ هكذا ؟!
الصديق الرابع :
- ربما اقتربنا من الأشجار التي عليها اعشاشها ! علينا الإبتعاد بأسرع وقتٍ ممكن !!
وبعد خروجهم من الغابة المُهملة ، إختفت جميع الغربان ! ليجدوا اكواخاً قديمة فوق تلٍّ قريب ، تبدو لفقراء من خلال الشموع والقناديل المُعلّقة خلف نوافذهم الخشبيّة
وفجأة ! توقفت السيارة بعد نفاذ وقودها .. فعادوا للوم نجيب الذي لم يلتزم بخريطة الطريق التي كانت ستوصلهم للمحطّة التي فيها مطعمٌ صغير ، حسب خريطة جوجل ! قائلاً احدهم بضيق :
- اللعنة ! لا شبكة هواتف هنا ، يعني لا نعرف اين وصلنا .. والأسوء اننا لم نأكل شيئاً منذ الظهر
نجيب : ليس امامنا سوى طرق الأكواخ ، لعلّ احدهم يقبل مساعدتنا
صديقه : لا اظنهم سيدخلون اربعة شباب مجهولين الى عائلاتهم بعد الساعة الثانية صباحاً .. فالواضح من بيوتهم المتهالكة أنهم فقراء مُعدمين ، فكيف سيطعموننا ؟!
نجيب : لنحاول ، ليس لدينا حلٌ آخر
وبدأوا بطرق الأبواب ، وهم ينادون بصوتٍ عالي :
- عابروا سبيل !! هل بإمكانكم استضافتنا لهذه الليلة ؟!!
لكن ما حصل أشعرهم باليأس بعد إنطفاء انوار الأكواخ الواحدة تلوّ الأخرى ، كأن الأهالي يحاولون التهرّب من ضيافتهم !
لذا قرّروا المبيت في مسجد القرية الذي بدى مهجوراً ، ببابه المخلوع وسجّادته المهترئة الوسخة !
فتساءل نجيب بضيق : هل اهالي القرية مُلحدين ؟!
صديقه : لما تسأل ذلك ؟!
نجيب بعصبية : الا ترى كيف يهملون مسجدهم الوحيد ؟!
- لا دخل لنا بهم .. لنحاول النوم.. وغداً صباحاً نخرج من القرية ، ولوّ مشياً على الأقدام
^^^
بعد ساعة .. نهض نجيب وهو يقول بعصبية :
- لم اعد أحتمل اصوات الصفير التي تظهر من وقتٍ لآخر !!
- هذا صرير نوافذ المسجد المخلوعة
نجيب : وماذا عن الأنفاس الباردة ؟
- هل شعرت بها ايضاً ؟!
نجيب : يبدو المسجد مسكوناً .. انا ذاهبٌ من هنا !!
- اين ستذهب في الساعة الثالثة صباحاً ؟!
نجيب بإصرار : سأخرج من القرية ، للبحث عن الشارع العام .. وفي حال وجدت سيارة اجرة ، اعود اليكم .. أعدكم بذلك
- لا تتهوّر يا نجيب !!
نجيب : احتاج الوصول لمطعم المحطّة ، أكاد اموت جوعاً .. لا تقلقوا ، سأحضر الطعام معي .. إنتظروني
ورغم محاولتهم إيقافه إلاّ انه اضاء جوّاله ، اثناء خروجه من المسجد باتجاه المجهول !
^^^
بعد ذهابه بنصف ساعة ، قال احدهم :
- نجيب معه حق ، فانا لا استطيع النوم من شدّة جوعي .. دعونا نحاول مع الأهالي من جديد .. لابد ان يحنّ قلب احدهم ، ويعطينا ولوّ رغيف خبز نتقاسمه بيننا
- اذاً لنفترق بين المنازل .. ومن يُسمح له بالدخول ، ينادي البقيّة
^^^
وبعد دقائق من مرورهم على الأكواخ المظلمة ، سمعوا نداء صديقهم :
- تعالا الى هنا !! فالسيد المحترم وافق على استقبالنا حتى الغد
وبالفعل أدخلهم العجوز الى صالةٍ مفروشة بالوسائد فوق سجّادٍ سميك .. طالباً منهم الإنتظار ريثما تُنهي زوجته الطعام .. فشكروه على كرمه وحسن ضيافته
^^^
لم تمضي ربع ساعة ، حتى دخل عليهم باللحم والأرز ! فسارعوا بحمل الصينيّة الثقيلة من يده ، وهم مستغربين من قوته !
قائلاً احدهم : رجاءً أُوصل شكرنا وامتنانا لزوجتك التي اتعبناها بإعداد هذه الوجبة الدسمة قبيل الفجر
العجوز : هي تعدّها منذ ساعة ، خصيصاً لكم
الشباب باستغراب : أحقاً !
ورغم غرابة كلامه ! الا انهم سارعوا بتناول طعامهم بأيديهم ، بمشاركة العجوز .. وهم يشعرون بالأسى على نجيب التائة بالطرقات ، وهو يتضوّر جوعاً
^^^
قبل انهاء طعامهم .. لاحظ الصديقان توقف الثالث عن الأكل ، ويده ترتجف بقوّة ! والذي استغلّ انشغال العجوز بالأكل ، ليريهما ما وجده بالطعام .. وهو خاتمٌ نسائيّ ، عرفاه على الفور ! فهو خاتم والدة نجيب المرحومة ، الذي يحتفظ به في عقد حول رقبته منذ سنوات .. وقبل إستيعاب وجوده في الطعام ، سمعوا ضحكات العجوز الذي لمح الخاتم !
- نعم نعم .. هو خاتم صديقكم
- كيف هذا !
العجوز : يبدو عليّ شكركم ، فلحم صديقكم السمين أشبعكم انتم وعائلتي !
وجاء كلامه صادماً للشباب الثلاثة الذين فهموا تناولهم للحم نجيب المطبوخ مع الأرز !
وقبل ابدائهم ردّة فعلٍ للجريمة النكراء ، قال العجوز غاضباً :
- هو استحق الذبح بعد قتله ابني !!
فرد احدهم بصوتٍ مرتجف :
- نجيب لم يقتل احداً ! اساساً نحن غرباء عن قريتكم
العجوز بعصبية : وانتم ايضاً ستعاقبون مثله !! لأنكم نصحتموه بإنهاء حياة ابني دهساً بسيارتكم
الشباب بصدمة : أتقصد الكلب ؟!
العجوز بابتسامةٍ مُستفزّة : احياناً نتشكّل بهيئة حيوانات
وكشف عن قدمه التي بدت كحافر ماعز !
فركضوا هاربين لخارج الصالة ، ليتفاجأوا بتحوّل الممرّ الصغير لدهليز طويل ومظلم ! فعادوا للصالة ، للقفز من نافذة المنزل الأرضيّ .. لينصدموا بأهالي القرية مجتمعين في الخارج بأعينهم الحمراء الغاضبة ، وهم يردّدون :
- الموت لقاتلي ابن رئيس قبيلتنا !!
فعرفوا ان العجوز هو رئيس قبيلة الجن التي تسكن التلّ المهجور !
وقبل استيعابهم حجم المصيبة الواقعين فيها ، سمعوا تعويذة العجوز المخيفة التي نفخها في وجههم .. جعلتهم يسقطون فوق الوسادات ، غائبين عن الوعيّ !
^^^
ليستيقظوا تحت الأرض ، وهم مسجونين في اقفاصٍ حديديّة .. وهم يستمعون لاقتراحات الأهالي بتعذيبهم : اما بشويّهم على نارٍ هادئة ، او سلخ جلودهم ، او تقطيعهم وهم احياء ! جعلهم ينهارون بالبكاء وهم يترجّونهم بالإعفاء عنهم
بالنهاية وافق العجوز على إعطائهم فرصةً أخيرة :
- حسناً !! سأعطيكم امتحان .. اذا نجحتم فيه ، أًطلق سراحكم
وكان الإمتحان : هو إعطائه صورة لشخصٍ يهمّهم من جوّالاتهم .. ليقوم مشعوذ القبيلة بسحرهم ، لكيّ تكافئهم الشياطين بالذهب والأحجار الكريمة!
فقام الشاب الأول بإعطاء العجوز جواله الذي فتحه على صورة زوجته .. والثاني : أعطاه صورة والده.. اما الثالث : فأعطاه صورة زميله بالعمل !
فردّ العجوز ، مُعاتباً الشابيّن :
- انت فديت نفسك بزوجتك التي لم تعد تطيقها بعد تعرّفك على عشيقتك الرخيصة ، رغم انها والدة ابنائك وإخلاصها المتفاني لعائلتك ! .. اما انت !! فكرهت والدك الذي أفنى حياته لك ولإخوتك ، فقط لرفضه تقسيم الميراث قبل وفاته ! .. اما انت !! فمعك الحق بإعطائنا صورة زميلك .. فهو بالفعل انسان حقود ، يقوم بالمكائد لك ولبقيّة زملائه .. لهذا استحق تعذيبه بسحرٍ اسود ، يُبعد شرّه عن من حوله .. وبذلك تكون الفائز الوحيد بالإمتحان !!
ثم نادى حارسه :
- أطلق سراح الشاب الأخير !! اما هاذيّن ، ناكرا الجميل .. فيستحقان ان يُصبحا وليمة لأهالي قريتي
لينهار الشابان ببكاءٍ مرير ، وهما يراقبان الأهالي يحضّرون الخضار والأرز التي ستُطبخ مع لحومهم !
بينما ألقى العجوز تعويذة على الشاب الأخير ، جعلته يستيقظ قرب محطّة الشارع العام ! والذي سارع بإبلاغ الشرطة عمّا حصل ، والذين لم يجدوا القرية المزعومة بعد عثورهم على التلّ خالياً من الأكواخ الخشبيّة !
ليتابع الشاب حياته وهو يُخبر كل من يلقاه بتجربته المريرة ، وبمقتل اصدقائه الثلاثة على يد قبيلة الجن الذين سرقوا جميع اوراقه الرسميّة التي منعته من العودة لبلاده .. ليُصبح مشرّداً في الطرقات ، بعد ان وصفه الناس بمجنون قرية التلال !