الأربعاء، 12 يونيو 2024

المُسامح كريم

تأليف : امل شانوحة 

 

الخيانة المُدمّرة 


تفاجأت سلمى بحصولها على دعوة لبرنامجٍ تلفزيونيّ جديد ! أجلسوها فيه امام شاشةٍ مُطفأة ، حيث سألها المذيع :

- ماذا تظني يوجد خلف الستار ؟ 

- لا ادري ! فأنتم أخبرتموني أن شخصيّن يريدان رؤيتي هنا

المذيع : أليس لديك فكرة عمّن يكونان ؟

- لا !

فقال المذيع بصوتٍ عالي : اضيئوا الشاشة !!

فظهرت صديقتها مرام مع زوجها !


((وعلى الفور !! عادت ذكريات سلمى قبل خمس سنوات : حين كانت في محل الملابس تقيس فستان عرسها ، لزفافها الذي سيقام بعد ثلاثة ايام .. وكانت في قمّة السعادة ، قبل وصول رسالة صوتيّة على جوالها من خطيبها يقول فيها :

((أعتذر سلمى .. لا استطيع إتمام الزفاف ، لأني مُضّطر للزواج من صديقتك مرام لأنها حاملٌ مني))


ونزل الخبر كالصاعقة عليها ! فهو زميلها بالجامعة الذي أحبّته لأربع سنوات ، والذي خطبها فور تخرّجهما.. اما مرام : فتعرفها منذ الطفولة ، فهي زميلتها بالإبتدائي والمتوسطة والثانوي والجامعة ! فبرغم حصولها على معدّل يؤهّلها لدخول الطبّ ، إلاّ انها اختارت التجارة للبقاء مع صديقتها الخائنة ! 


وفي خضمّ صدمتها ، إتصلت بمرام للتأكّد من الخبر .. لتتفاجأ بصراخ صديقتها وهي تبرّر فعلتها الشنيعة : 

- أحببته قبلك ، لكنك سرقته مني ..والآن استرديّت حقي !! إبتعدي عنه ، فهو والد ابني

سلمى بصوتٍ مرتجف : متى حصل ذلك ؟! واين ؟!

فأجابتها بلؤم : في منزلك الجديد .. ألم تعطني المفتاح لأساعدك بترتيبه ؟ وهناك التقيت به مراراً 

- كيف تفعلين بي ذلك ؟!

مرام : انت أتعبته بادعائك العفّة ، وانا أعطيته ما يريد .. إبتعدي عن طريقنا !! فالعرس سيقام في موعده ، مع تغيّر العروس

وأغلقت المكالمة في وجهها !

لم تدري سلمى كيف قادت سيارتها دون وقوع حادث ، وعيناها مغروّرقتان بالدموع ! فطعنة الحب مؤلمة لكن طعنة الصديق قاتلة ، فكيف لوّ وقع الإثنين في وقتٍ واحد!

^^^


عندما دخلت سلمى منزلها ، وجدت والديها يتصلان بالمعازيم لحضور العرس ..فقالت لهما ، وهي تتجنّب النظر اليهما بعينيها المحمرّتين :

- أعيدا الإتصال بهم لإلغاء الدعوة .. فقد تشاجرت مع العريس ، وأنهيت علاقتي به 

ودخلت غرفتها وهي منهارة بالبكاء ، ووالداها منصدمان مما حصل!

^^^


باليوم التالي ، حاولا معرفة ما حصل .. لكنها اكتفت بالقول : انه لا نصيب بينهما ، دون إخبارهما الحقيقة ، خوفاً على شرف صديقتها ! واحتراماً لعائلة مرام المُقرّبة من أهلها ، فهي لطالما زارتهم للدراسة مع ابنتهم الحقودة


ما كسر قلبها لاحقاً : هو رؤية عرس الخائنيّن منشوراً على الفيسبوك ، وتعليق مرام على زواجها : ((جمعتنا الصدفة))


وكأن هذه المصيبة لا تكفي سلمى التي سمعت تعليقات أقاربها المُخزية عن سبب إنفصال خطيبها عنها ، قبل ايام من عرسها ! 

مما جعلها تعتزل الجميع وتلازم غرفتها لشهرين ، قبل قيام اخوها بتوظيفها بشركة صديقه .. فحاولت إشغال نفسها بالعمل ، هرباً من صدمتها العاطفيّة المُدمّرة !))

***


وهاهما الخائنان يتجرّآن على دعوتها لبرنامج المسامح الكريم ! حيث بدأت صديقتها بالكلام ، قائلةً بنبرة ندم :


- أعتذر عن خذلاني لك ، لكني حقاً أحببته..

فقاطعتها سلمى غاضبة : لوّ انك أخبرتني بذلك ، لانسحبت ببداية العلاقة .. بدل إلغاء عرسي باللحظة الأخيرة !! .. ثم انا لم أخبر احداً بما حصل ، فلما تفضحين نفسك بعد خمس سنوات ؟!

مرام بحزن : لأن ابني وليد ، أُصيب بالسرطان .. عرفنا ذلك قبل ايام

سلمى بصدمة : وليد !

(فهي لطالما أخبرت مرام عن رغبتها بتسمية ابنها البكر : وليد)

فقالت سلمى باشمئزاز :

- يعني أخذتي خطيبي وتحضيرات عرسي ومنزلي ، وايضاً لقبي : كأم وليد ! كيف لم انتبه طوال الخمس وعشرين سنة انك حقودة وغيّورة لهذه الدرجة ؟!


مرام : يا صديقتي العزيزة .. انا..

سلمى مقاطعة بغضب : لا تناديني هكذا !! .. (ثم مسحت دموعها).. مازلت للآن لا أصدّق ما حصل ، فنحن كبرنا معاً.. نمتي في بيتي ، ونمت في منزلك.. درسنا معاً ، وتشاركنا الضحك والبكاء ..واحتفظت بأسرارك كلّها .. وأهالينا باتوا اصدقاء بسببنا .. لوّ أخبرتني بحبك له ، لأزلت خاتم خطوبتي ووضعته في اصبعك .. لهذه الدرجة كنت احبك ، فقد كنت اختي وصديقتي الوحيدة ! .. (ثم تنهّدت بضيق).. انت لم تسرقي خطيبي فقط ، بل سرقتي كل ذكرياتي معك : ذكريات الطفولة والمراهقة والشباب ! كيف بالله تردينني ان اسامحك ؟!!


وهنا قال زوج مرام : رجاءً سلمى إسمعينا..

فقاطعته بعصبية : وانت !! كيف تخونني بهذه السهولة ؟! اين وعودك بمستقبلنا المُتفاهم المُحب .. أبهذه السرعة هُنت عليك ، وقابلت صديقتي في منزلنا الذي فرشناه معاً ؟!

الزوج : حاولت التقرّب منك اكثر من مرة ، لكني رفضتي حتى قبلة الجبين لحين زواجنا ! 

سلمى غاضبة : هل بات العفاف سبباً للإنفصال ؟! الم يكن بإمكانك الإنتظار بضعة اسابيع قبل خيانتك القذرة ؟!!

الزوج بندم : انا آسفٌ حقاً

سلمى باشمئزاز : انتما فعلا تليقان ببعضكما ! 

الزوج بتردّد : بالحقيقة مازلت احبك..

سلمى مقاطعة : توقف !! هل ستخون زوجتك ايضاً ؟!

فطأطأ رأسه خجلاً..


فأكملت سلمى كلامها : أتدريان مالذي قهرني فعلاً ؟ انني بعد تلك الصدمة شعرت ان ربي يكرهني ! كنت سأخسر ديني بسببكما ، لولا لطف الله الذي أفهمني عن طريق مناماتٍ متكرّرة : انه حماني من خائنٍ وحقودة .

مرام : لا نريد سوى مسامحتك لنا

سلمى بحزم : اساساً ما كنت لأراكما اليوم لولا مرض ابنكما ، وخوفكما على حياته.. وبرأيّ هو لا يستحق ان يُعاقب على سفالة اهله.. (ثم مسحت دمعتها).. ولأني لا ارغب برؤيتكما في الآخرة : يوم يلتقي المتخاصمون ، أعدكما بأن لا أفكّر بالماضي بعد اليوم .. فهذه المرة ستكون آخر مرة نجتمع فيها !!

ثم نظرت للمذيع :

- لقد سامحتهما على خطئهما الجسيم ، لكن رجاءً لا تفتح الستار.


وخرجت من الإستديو مع تصفيق الجمهور المُشفق على الصعوبات التي واجهتها مع خطيبها السابق وصديقتها المُقرّبة .. وذنبها الوحيد انها عشقتهما اكثر من روحها .. لكنه درس لن تنساه مُطلقاً ، ولن تعطي ثقتها مجدّداً لمن لا يستحق محبّتها النادرة!


هناك 11 تعليقًا:

  1. سأحاول النشر كل خمس ايام او كل اسبوع بإذن الله ، لانشغالي بأمور عائلية هذه الفترة

    ردحذف
    الردود
    1. والله لم تصدق عيناي كنت أقرأ القصص القديمة لأشبع رغبتي في القراءة وإلا بوووم قصة جديدة

      حذف
    2. سأحاول النشر كلما سنحت ليّ الفرصة ، بإذن الله تعالى

      حذف
  2. لا تتأخرين علينا ياأستاذه، يعلم الله وحده، ان اول مااقوم به قبل النوم، هو فتح مدونتك، …. الظفيري

    ردحذف
    الردود
    1. سلّمك الله .. انا سعيدة ان مدونتي المتواضعة ، نالت إعجابك

      حذف
  3. كنت انتظر ان نرى تلك السحليه مرام وقد صنعتي منها عبره ..فاذا بسلماكي تزعم انها سامحتهم ..هذه النوعيه الحقيره لا يجب مسامحتهم ابدا لانه لا علاج لهم ..فليحترقوا في الجحيم ..
    انتي تمزحين حقا ..
    لكنها معالجه تخيليه ربما في عالم اخر..
    احسنتم احسنتم ..

    ردحذف
    الردود
    1. الأذى لا يأتي الا من أقرب الناس اليك .. لكننا نسامحهم ، كيّ لا يحتلّ كراهيتهم جزءاً من قلبنا الطيّب .. تحياتي لك ، اخ عاصم

      حذف
  4. ✍️ساهر...
    السلام عليكم، كيف حال أختنا أمل
    وكيف حال الجميع، أيام فضيلة وعيد أضحى مبارك يارب،

    ليس السرقة سرقة المال والذهب فقط؟!
    بل هناك اللص الذي يسرق الكحل من العيون يسرق فرحتك ويهديك أحزانه ويتهمك بالسرقة ويدَّعي بأنه المسروق ويجيد الدور بإتقان يـبكي وينزف بالدموع وصولاً إلى النحيب والنحنحه،
    ولكن بحياتي لم أجد عقوبة أسرع من عقوبة الظالم فهي عقوبة عجولة مليئة بالحيوية والنشاط لتصيب الظالم ولا تغادر إلأ بعد التثبت من الإصابة وليست إصابة عادية فأحياناً يستمر الألم سنين ليطول العذاب وأحياناً تدحرج بالظالم لقبره!!

    مثل ماقلتي ياأمل فأحياناً تأتي الضربة من الأقربين ،
    كما تعودنا منكِ أختي الكريمة
    قصص وحكايات فيها من التوعية والإتعاظ،

    تحياتي/ ساهر،،،


    ردحذف
    الردود
    1. دائماً تعليقك ينجح في شرح ما لم استطع إيصاله للقارئ من احداث القصة .. شكراً جزيلاً أخ ساهر .. اتمنى دائماً ان اجد تعليقاتك المفيدة على قصصي المتواضعة .. دمت بخير

      حذف
  5. عاشت ايدك اموله .. كالعاده القصه رائعه ..
    خلي اقاربك يشوفون تعليقي :
    خلوووا امل ترتااااااح
    و براحتك اموله ما عسى تنشرين كل شهر قصه ، المهم اشويه ترتاحين ، اصلاً ماكو شخص طبيعي ينشر كل يومين .. لهذا اقول عنك عبقريه ما شاء الله

    ردحذف
    الردود
    1. سلّمك الله عزيزتي نايا ..سعيدة ان القصة اعجبتك

      حذف

المكتبة المشبوهة

كتابة : امل شانوحة    الثقافة الإجباريّة ! إعتاد جيم المغامر على السفر من بلدةٍ لأخرى لاستكشافها .. وفي دولةٍ اوروبيّة أضاع طريقه باتجاه الع...