تأليف : امل شانوحة
انتهت مراسم الجنازة .. وذهب المعزّون بحلول المساء وهم يشعرون بالشفقة على اليتيمين .. وبقيت الصبيّة المراهقة ريم مع أخيها أحمد (9 سنوات) في بيتهما الذي بدا موحشاً بموت امهما , بعد وفاة والدهما قبلها بست سنوات !
احمد وهو يمسح دموعه : وهآقد ماتت امي ايضاً , وبقينا لوحدنا !
ريم وهي تخفي حزنها : لا تقلق أخي , سنكون بخير
- الن نعيش في بيت خالتي ؟
- لا , هو بعيد عن مدارسنا .. سنبقى هنا ونتدبّر امورنا بمفردنا
- وماذا عن المال يا ريم ؟
- تركت لنا امي ما يكفينا لعدة شهور , أكون حينها أنهيت الثانوية ووجدت عملاً نعيش منه .. المهم ان نقتصد قدر المستطاع , فلا حلويات وألعاب الاّ في المناسبات
الأخ : فهمت
ثم دخلت غرفتها بعد ان وضعت أخاها في فراشه .. وهناك بكت الى ان بلّلت وسادتها وهي تشعر بثقل المسؤولية التي تركها والداها على عاتقها
ريم : لابد ان أكون قويّة من اجل اخي ..وسيكون عليّ منذ الغد تعلّم الطبخ والإهتمام بالمنزل كواجباتٍ إضافية على دراستي .. آه يا امي ! ليتك انتظرتي لحين إنهائي الثانوية العامة , فهذه أصعب سنة دراسية .. أتمنى ان لا أرسب فيها
وظلّت تبكي الى ان نامت من شدّة التعب
***
في اليوم التالي .. عادت ريم الى بيتها مُسرعة بعد ان اشترت بعض الخضراوات كي تطبخها لأخيها الذي بقي في بيت الجيران (بعد عودته من المدرسة) في انتظار عودة اخته ..
وما ان فتحت باب الشقة , حتى إشتمّا رائحة أكلٍ لذيذ !
ووجدا على المائدة صنفين من الطعام الذي يعشقانه !
ريم : احمد .. هل طبخت جارتنا هذا الطعام ؟
أخوها مستفسراً : وهل لديها مفتاح بيتنا ؟
- لا لم أعطه لأحد , ولا حتى لك .. إذاً من دخل بيتنا وطبخ لنا؟!
أحمد وهو يجلس على كرسي المائدة : لا ادري ولا يهمّني .. اسكبي لي فأنا جائعٌ جداً
وأكلا دون ان يعلما من أعدّ الطعام ..
وبعد ان انتهيا ..
ريم : هيا قمّ وساعدني بتنظيف المائدة
وحين دخلا المطبخ .. تفاجأت الصبية بنظافته ! حيث خلا الحوض من الصحون والأواني التي تركتها فيه البارحة
- هل غسلت الصحون ؟
أحمد : مابك اليوم يا ريم ؟ الم تأخذيني من بيت جارتنا قبل قليل ؟
- اذاً من الذي يساعدنا ؟ أكاد أجنّ !
أحمد : ربما خالتي
- لا اظن ان امي أعطتها نسخة من مفتاح البيت
- ربما فعلت حين اشتدّ مرضها
- معك حق , سأتصل بها بعد قليل لأشكرها
***
لكن حينما اتصلت بها , أنكرت الخالة فعل ذلك .. وكذلك جارتهما , ممّا حيّر ريم تماماً !
والأغرب ان الأمر تكرّر كل يوم .. حيث كانا يجدان على الدوام طعاماً شهياً ومنزلاً نظيفاً , دون ان يعرفا الشخص المجهول الذي يساعدهما !
***
في إحدى الليالي .. استيقظت ريم مساءً وذهبت الى المطبخ لشرب الماء وقبل عودتها الى غرفتها , مرّت من امام غرفة أخيها لتسمعه وهو يدنّدن لحناً تعرفه , فدخلت عنده :
- هذه أغنية امي ! كانت تُغنيها لك حين كنت طفلاً , فكيف عرفت الكلمات؟!
فأجابها بنعاس : أنت غنيتها لي قبل قليل , وانت تلعبين بشعري
ريم بدهشة : ماذا ! انا لم أدخل غرفتك هذا المساء
لكنه نام قبل ان يُكمل المحادثة , لتعود اخته قلقة الى غرفتها :
- يا الهي ! مالذي يحصل في بيتنا ؟!
***
وذات يوم ..اشتاقت كثيراً لأمها , فنامت في غرفتها التي ظلّت مُغلقة منذ وفاتها (أيّ ثلاثة اسابيع) ..
وبعد ان بكت قليلاً .. صارت تحادث خيال أمها وتشكي لها همّها..
وقبل ان تغفى ريم بثوانيٍ , أحسّت بيدٍ حنونة تُشبه لمسة امها وهي تربت على ظهرها بحنان ..
ولم تشعر بالخوف , الا في اليوم التالي حين تذكّرت الموقف !
- هل حلمت البارحة بأمي تنام بجانبي , ام انني بدأت أهلّوس؟!
***
بنهاية الشهر .. قامت ريم بصنع كيكة بمناسبة عيد ميلاد أحمد , الذي قال لها بعد ان تذوّقها :
- الكيكة ليست لذيذة كما كانت تصنعها امي !
- هذه اول مرة أطبخ فيها بحياتي , فحاول ان تُكمل صحنك كيّ لا نرمي النِعمة
أحمد : ليتك طلبتي من التي تطبخ لنا , ان تخبز لنا هذا الكيك
ريم : وهل ادري أصلاً من التي تساعدنا ؟
وبهذه اللحظات .. لمحت طرف فستانٍ أحمر يدخل الى غرفة امها!
فأسرعت الى هناك ..وفتحت الغرفة , لتجد الفستان مرمي فوق السرير !
فأحسّت برعبٍ شديد , لأن الفستان كان معلّقاً في خزانة امها .. فمن التي لبسته قبل قليل ؟!
وبالكاد استطاعت ريم النوم في تلك الليلة ..
***
في اليوم التالي .. أخبرت ريم معلمتها بالأمور الغريبة التي تحصل معها , فأعطتها رقم شيخة لها قدرة على التواصل مع الأرواح ..
فقامت الصبية بأخذ موعدٍ منها , والتي قدمت في مساء اليوم التالي ..حيث تجوّلت بكل الغرف وهي تتمّتم ببعض الأدعية والآيات , بالوقت الذي كان فيه أحمد مشغولاً بمشاهدة فيلم كرتوني على التلفاز ..
الشيخة : أتريدين معرفة من التي ساعدتك في مهامك المنزلية ؟
ريم : نعم .. من ؟
- امك
الصبية بدهشة : ماذا !
الشيخة : أقصد قرينة امك
- لم أفهم !
- لكلٍ منّا قرينٌ يرافقه طوال حياته , لكنه لا يموت بموتنا .. وقرينتها هي التي ساعدتكم بالنيابة عنها .. فهل تريدينني ان اقرأ آياتٍ تُبعدها عن حياتكم؟
- طبعاً .. أقصد
الشيخة : أرى انك متردّدة .. إذاً سأسالك , هل أذتكِ انت وأخاك ؟
ريم : لا ابداً , بل ساعدتنا بالكثير من الأمور
- اذاً يا بنتي أتركيها وشأنها
- أهذا رأيك يا خالة ؟
فاومأت الشيخة برأسها إيجاباً , قبل ان تخرج من بيتهما دون ان تُبعد تلك الروح المُتطفّلة عن حياتهما ..
فقرّرت ريم ان لا تخبر أحداً بما قالته الشيخة , وبالأخصّ أخوها الصغير كيّ لا يخاف من وجود أشباحٍ في المنزل !
***
وفي نفس تلك الليلة .. حلمت ريم بكابوسٍ أرعبها : ((حيث رأت تلك القرينة تقول لها بغضب :
- لي اسابيع أخدمكما بهدوء .. لكن بما انك عرفتي اليوم بوجودي , فأريد ثمن أتعابي
ريم بخوف : وما المقابل الذي تريدينه ؟!
قرينة امها بابتسامةٍ شريرة : اريد روحكما))
واستيقظت ريم مرتعبة !
***
في اليوم التالي .. إستغلّت ريم يوم عطلتها المدرسية للبحث في اغراض امها القديمة , لتجد كتاباً للشعوذة عليه خطّ والدها المميز ! ويبدو ان اباها كان يدرس الشعوذة , قبل موته بسكتةٍ قلبية أثناء نومه ..
والغريب ان امها ايضاً ماتت أثناء نومها , بعد معاناتها لشهرين فقط من السرطان .. فهل للجن علاقة بموتهما المُفاجىء ؟!
وقد حاولت ريم قراءة الكتاب , لكنه كُتب بلغةٍ غير مفهومة ..
فتركته , وهي تشعر بشيءٍ غامض ومريب حصل في ماضي والديها !
***
وفي أحد الأيام .. وأثناء تمشيط شعرها .. لاحظت ريم بأن وجهها في المرآة أشبه بالدمية البلاستيكية , حيث خلا وجهها من المشاعر!
لكنها لم تستطع التحرّك او إبعاد ناظرها عن إنعكاسها التي تكلّمت بالنيابة عنها قائلة :
- أعرف انك ترينني الآن
ريم بخوف : من أنتِ ؟!
- انا قرينتك
- وماذا تريدين ؟
- اريد استبدال مكاننا , كما فعلت امك
ريم بدهشة وخوف : لم أفهم شيئاً !
وهنا ظهرت أمها فجأة في المرآة ! بعد ان اقتربت من قرينة ابنتها , وقالت لها :
- ريم حبيبتي .. إفعلي ما تقوله لك قرينتكِ
- امي ! اين انت ؟
الأم : انا ووالدك في عالمهم الآن
ريم ودموعها تسيل على وجنتيها : انا حقاً لا أفهم شيئاً !
وهنا اختفت الأم , وبقيت قرينة ريم التي قالت لها :
- إختاري يا ريم : إمّا روحك او روح أخيك
ثم اختفت فجأة ! لتسقط ريم مغشيّاً عليها من رعب ما شاهدته !
***
في اليوم التالي .. وبعد خروجها من المدرسة ذهبت مباشرةً الى منزل الشيخة وأخبرتها بكل ما حصل , بعد ان أعطتها كتاب الشعوذة لوالدها
وبعد ان تصفحتّه الشيخة لبعض الوقت , قالت لها :
- وضعك أصعب ممّا تصوّرت !
ريم بقلق : ماذا يحصل ؟
الشيخة : والدك أخطأ حين قرّر تعلّم الشعوذة , فهو لم يكن قويّاً كفاية لهذا النوع من العلم
- هل قتلوه الجن ؟ لأنه مات نائماً
- يمكنك قول ذلك
ريم بقلق : ماذا تقصدين ؟!
الشيخة : يبدو انه استبدل روحه مع قرينه .. فهل تذكرين شيئاً غريباً عن والدك قبل وفاته ؟
ريم : أذكر انه كان خالياً من المشاعر , ويجلس صامتاً لساعاتٍ طويلة .. وماعاد يأكل معنا كعادته , ممّا أغضب امي كثيراً !
الشيخة : هذا لأن الأرواح لا تأكل
ريم : لكن امي ايضاً قبل أخذها الى المستشفى , لم تعد تأكل بتاتاً !
- هذا لأنها قامت بنفس غلطة والدك
- ان كان كلامك صحيحاً , فأين هما الآن ؟
الشيخة : روحهما مُحتجزتان في عالم الجن .. امّا قرائنهما فقد حصلا على الحياة الأبدية بعد دفنكم لجسدا والديكما , وصار بإمكانهما التنقّل بحرّية في عالمنا البشريّ
ريم : والله لم أفهم كلمة ممّا قلته .. كلّ ما يهمّني الآن هو قرينتي اللعينة , فهي تهدّد بأذيّتي وأذيّة أخي !
الشيخة : القرائن عادةً تمقت حصر حريّتها داخل أجسادنا , لذلك تتمنّى موتنا لتحصل على حرّيتها المطلقة كبقيّة الجن .. لذلك أنصحك بأن تعتمدي على نفسك بعيداً عن إغراءات خدماتهم , الغير مجانية طبعاً
***
وبالفعل !! حرصت ريم على القيام بكافة واجباتها المدرسية والمنزلية بالإضافة للإعتناء بأخيها دون الحاجة اليهم , ممّا أغضب القرينة التي هدّدتها بإيجاد طريقة تجعلها تحتاجها من جديد
***
بعد شهور وفي صباح أحد الأيام .. رفض أحمد تناول فطوره على غير عادته , وذهب مسرعاً الى مدرسته .. وحين عاد ظهراً , لاحظت ريم بأنه لم يأكل غدائه ..كما انه لم يعد يريد تناول الحلويات ! فخافت ان يكون استبدل روحه مع قرينه الجني .. فدخلت الى غرفته غاضبة , وأمسكت ذراعيه بقوة ..
وبدأت تصرخ عليه :
- أخرج ايها اللعين من جسد أخي !!
ثم صفعته بقوة , أخرجت الدم من أنفه ! ..وحين رأت الدماء , علمت بأنها تسرّعت بضربه .. بينما كان هو مصدوماً من وحشية أخته التي تعوّد على حنّيتها , فبكى غاضباً :
- انا أكرهك يا ريم !! هيا أخرجي من غرفتي
- انا آسفة .. ظننت بأنك ..
مقاطعاً وهو يبكي : أخرجي من غرفتي الآن !!
وخرجت ريم وهي مشوّشة التفكير !
ثم اتصلت على صديقه المقرّب لتسأله : إن كان اخوها يأكل في المدرسة ام لا ؟
فأخبرها بأن بعض المتنمّرين يضايقونه بسبب وزنه الزائد , لذلك قرّر عمل حمّية غذائية كي ينحف بسرعة .. ففهمت ريم بأنها جرحت مشاعره من دون سبب !
ومنذ هذه المشاجرة .. بدأ أحمد يبتعد عن أخته شيئاً فشيئا , ويلازم غرفته طوال الوقت , وبالكاد يتحدّث معها عن مشاكله اليومية !
***
الى ان أتى يوم .. دخلت غرفته فوجدته برفقة ولدٍ يشبهه , لكن بملامحٍ بلاستيكية ..فعرفت انه التقى بقرينه !
فصرخت برعب : أحمد انتبه !! هذا جني يريد الإستيلاء على روحك
أخوها : اهدأي اختي , هذا صديقي ..وأخبرني بأنه سيأخذني الى منزل امي الجديد
ريم : أمنا ماتت يا أحمد !! هل نسيت ؟
قرين الأخ : لا !! امكما موجودة في عالمٍ خفيّ , داخل هذه الخزانة .. فهيا يا أحمد نذهب اليها الآن
ريم صارخة : لا !! لا تذهب معه
لكن قدماها التصقتا فجاة بالأرض فلم تستطع اللحاق بهما , وشاهدتهما وهما يدخلان الخزانة التي إنغلقت خلفهما , ليخرج منها نورٌ يخطف الأبصار !
ومن بعدها تحرّرت قدماها , لتسرع في البحث بالخزانة التي لم تجد شيئاً بداخلها !
فصارت تنادي على أخيها بعلوّ صوتها , وهي تبكي وتنوح ..
وفجأة ! ظهر خلفها وهو يقول :
- ريم !! لا تصرخين هكذا , سيسمعك الجيران
ريم بدهشة : أخي !
وأسرعت لتحضنه , لكنها لاحظت بأن قدميه تبعدان سنتيمترات عن الأرض ! حيث بدا وكأنه يطفو في الهواء
ريم صارخةً : انت الجني اللعين !!
فجلس قرين أحمد على طاولته ليحلّ واجباته وهو يقول :
- اهدأي يا فتاة .. فأخوك يحلّق الآن في عالم الجن بسعادةٍ غامرة , وسيحصل على كل ما يريده من حلويات وألعاب , كما انه برفقة والديك .. اما انا فسأحتلّ مكانه في الدنيا , حيث سأصبح أذكى تلميذ في المدرسة ..كيف لا , وبإستطاعتي معرفة الأسئلة قبل موعد الإمتحانات ..حتى انه يمكنني مساعدك بهذا الموضوع ..كما انني لن أتعبك بعد اليوم بأكلي ونومي واستحمامي او بإمراضي المفاجئة .. فنحن كأرواح سهلٌ العيش معنا , صدّقيني .. ثم إحمدي ربك انني لا ارغب بالخلود , والا لكنت وجدت أخاك ميتاً كما حصل مع والديك .. فكل ما اريده هو تجربة العيش كبشريّ مميز.. والآن دعيني أنهي واجباتي , فأمامي مستقبلٌ باهر عليّ الإستعداد له منذ اليوم
فذهبت ريم الى غرفتها وأقفلت الباب عليها بإحكام وهي ترتعش خوفاً , لتتفاجأ برأس أخيها الجني يخترق الباب وهو يقول ساخراً :
- على فكرة , الأبواب المُقفلة لا تصدّني يا عزيزتي ..هل نسيتي انني جني؟
ثم ضحك بصوتٍ عالي , تاركاً ريم ترتجف بخوف بعد ان علقت في منزلها مع كائنٍ مخيف من عالمٍ آخر .. عدا عن قلقها لمصير أخيها المجهول !
***
في اليوم التالي ومنذ الصباح .. ارادت ريم الذهاب الى الشيخة لطرد الجنّ من بيتها المسكون ! الا انها تفاجأت بالباب الخارجي موصد بإحكام , وكل محاولاتها لفتحه باتت بالفشل !
وهنا سمعت قهقهاتٍ ساخرة تصدح في أرجاء المنزل ! وحين التفتت , وجدت روح والدها وامها واخوها تقف خلفها !
ريم بدهشة وشوق : ابي ! لم أرك منذ سنوات
فقال لها قرين والدها : ابوك الآن مع امك واخيك يمرحون في عالم الجن حيث لا يوجد هناك مرضٌ او تعب او أحزان .. ويمكنك الذهاب اليهم ان أردتِ
وهنا انضمّت اليهم قرينتها التي خرجت من غرفتها , وهي تقول :
- كنت التقيت معك سابقاً داخل المرآة , وأظنك تذكرينني
ريم بغضب : وماذا تريدين مني انت ايضاً ؟!!
قرينتها : أخبرتك من قبل ..إستبدال أماكننا
وهنا قالت قرينة امها : ريم عزيزتي .. كما تلاحظين .. بيتكم أصبح لنا , فلما تصرّين على البقاء وحدك هنا ؟ برأيّ عليك الإنتقال فوراً الى عائلتك الذين ينتظرونك بشوق في عالمنا .. ولا تقلقي .. فأصدقائك والجيران لن يلاحظوا غيابك , بل ستبهرينهم بتفوّقك الدراسي ..وسيفتخر أقاربك بكِ وبأخيك
قرين أخوها : لقد أخبرتها بذلك البارحة يا أمي
فتبكي ريم صارخة : لا اريد العيش في عالمكم !! اريدكم ان تعيدوا لي عائلتي الآن !!!
قرين والدها : عودة امك وابوك مستحيلة بعد دفنكم لأجسادهما
ريم : اذاً أعيدوا اخي أحمد !!
قرين أخوها : أخوك سعيد بحياته الجديدة , لكنه مشتاقٌ اليك .. حتى اسمعيه بنفسك
وفتح لها باب الخزانة , ليظهر صوت اخوها من بعيد وهو يقول :
- ريم !! تعالي الينا .. فأمي وابي مشتاقين اليك كثيراً
ريم بدهشة وشوق : أخي !
قرينة امها : هيا ابنتي لا تعاندينا .. أدخلي الى الخزانة وانضمّي لعائلتك.. ودعي إبنتي تأخذ مكانك , فنحن أحببنا حياتكم البسيطة ونريد تجربة العيش مثلكم
قرينة ريم : المشكلة الوحيدة .. ان امي وابي لن يظهرا للعلن مثلي ومثل أخي شونا , لأنهما بنظر الناس متوفيان !
قرين أحمد وهو يعاتب أخته : مونا !! اسمي أحمد منذ اليوم , فلا تناديني بشونا ثانيةً
مونا (قرينة ريم) : آه نسيت .. علينا التعوّد على اسماءنا الجديدة كبشر.. هآ ريم , ماذا قرّرتي ؟
فلم تجد ريم نفسها الاّ وهي تمشي بخطواتٍ مُتثاقلة نحو الخزانة ..والتي ما ان دخلتها , حتى أسرعت العائلة الجنّية بالإقفال خلفها
ثم سمعت ضحكاتهم الساخرة , لفوزهم عليها بمعركتهم النفسيّة المدمّرة !
اما ريم فقد وجدت نفسها تمشي بممرٍّ مظلمٍ وطويل , قبل ان تسقط داخل حفرةٍ عميقة لا نهاية لها !
***
وحين استيقظت .. وجدت نفسها في قفصٍ حديدي برفقة امها وابوها وأخوها الذين كانوا يبكون عليها !
وبعد ان حضنتهم بشوق , سألتهم بقلق :
- لما نحن في السجن ؟!
ابوها بحزن : كنّا نأمل ان تكوني أذكى منّا ولا تنقادي لإغراءاتهم ..لكن يبدو اننا جميعاً خسرنا المعركة !
ريم : لم أفهم !
وهنا دخل جني بهيئته الحقيقية المخيفة (بقرونٍ وأرجل ماعز , وجسمٌ مُشعر , وأنيابٍ طويلة) قام بحرق قدمها بعلامة كُتب عليها : حفلات
وقبل ان يخرج من السجن قال لريم : سآتي لأخذك بعد قليل
وبعد ذهابه .. سألت امها وهي مازالت تتألّم من أثر الحرق :
- امي ..ماذا يقصد بعلامة الحفلات ؟!
امها وهي تمسح دموعها : هذا يعني ان الشياطين اختاروك لتكوني مُرفّهة لهم بحفلاتهم الماجنة !
ريم : يا الهي ! .. وماذا عنكِ ؟
الأم بحزن : انا أطبخ لهم طعامهم المقرف
ريم : وانت ابي ؟
الأب وهو يشعر بالعار : أساعدهم بسحر بعض البشر
ريم بدهشة : أتساعدهم بأذيّتنا ؟!
الأب : غصباً عنّي , والاّ أذونا جميعاً
ريم : وماذا عنك اخي ؟
أحمد بعصبية : عليّ ملاعبة اولاد الجن الملاعيين طوال الليل !!
ريم بقلق : وهل علقنا هنا للأبد يا ابي ؟!
وقبل ان يُجيبها والدها .. دخل الجني من جديد ورمى امامها ثياب للحفلات الفاسقة , وهو يقول :
- هيا إلبسيها بسرعة , فعليك الرقص امام إلآهنا ابليس
وبعد ان لبستها ريم مُجبرة , خرجت معه .. تاركةً أهلها يبكون بحسرة على مصيرها الكئيب المجهول !
عائلتي البديلة المخيفة !
انتهت مراسم الجنازة .. وذهب المعزّون بحلول المساء وهم يشعرون بالشفقة على اليتيمين .. وبقيت الصبيّة المراهقة ريم مع أخيها أحمد (9 سنوات) في بيتهما الذي بدا موحشاً بموت امهما , بعد وفاة والدهما قبلها بست سنوات !
احمد وهو يمسح دموعه : وهآقد ماتت امي ايضاً , وبقينا لوحدنا !
ريم وهي تخفي حزنها : لا تقلق أخي , سنكون بخير
- الن نعيش في بيت خالتي ؟
- لا , هو بعيد عن مدارسنا .. سنبقى هنا ونتدبّر امورنا بمفردنا
- وماذا عن المال يا ريم ؟
- تركت لنا امي ما يكفينا لعدة شهور , أكون حينها أنهيت الثانوية ووجدت عملاً نعيش منه .. المهم ان نقتصد قدر المستطاع , فلا حلويات وألعاب الاّ في المناسبات
الأخ : فهمت
ثم دخلت غرفتها بعد ان وضعت أخاها في فراشه .. وهناك بكت الى ان بلّلت وسادتها وهي تشعر بثقل المسؤولية التي تركها والداها على عاتقها
ريم : لابد ان أكون قويّة من اجل اخي ..وسيكون عليّ منذ الغد تعلّم الطبخ والإهتمام بالمنزل كواجباتٍ إضافية على دراستي .. آه يا امي ! ليتك انتظرتي لحين إنهائي الثانوية العامة , فهذه أصعب سنة دراسية .. أتمنى ان لا أرسب فيها
وظلّت تبكي الى ان نامت من شدّة التعب
***
في اليوم التالي .. عادت ريم الى بيتها مُسرعة بعد ان اشترت بعض الخضراوات كي تطبخها لأخيها الذي بقي في بيت الجيران (بعد عودته من المدرسة) في انتظار عودة اخته ..
وما ان فتحت باب الشقة , حتى إشتمّا رائحة أكلٍ لذيذ !
ووجدا على المائدة صنفين من الطعام الذي يعشقانه !
ريم : احمد .. هل طبخت جارتنا هذا الطعام ؟
أخوها مستفسراً : وهل لديها مفتاح بيتنا ؟
- لا لم أعطه لأحد , ولا حتى لك .. إذاً من دخل بيتنا وطبخ لنا؟!
أحمد وهو يجلس على كرسي المائدة : لا ادري ولا يهمّني .. اسكبي لي فأنا جائعٌ جداً
وأكلا دون ان يعلما من أعدّ الطعام ..
وبعد ان انتهيا ..
ريم : هيا قمّ وساعدني بتنظيف المائدة
وحين دخلا المطبخ .. تفاجأت الصبية بنظافته ! حيث خلا الحوض من الصحون والأواني التي تركتها فيه البارحة
- هل غسلت الصحون ؟
أحمد : مابك اليوم يا ريم ؟ الم تأخذيني من بيت جارتنا قبل قليل ؟
- اذاً من الذي يساعدنا ؟ أكاد أجنّ !
أحمد : ربما خالتي
- لا اظن ان امي أعطتها نسخة من مفتاح البيت
- ربما فعلت حين اشتدّ مرضها
- معك حق , سأتصل بها بعد قليل لأشكرها
***
لكن حينما اتصلت بها , أنكرت الخالة فعل ذلك .. وكذلك جارتهما , ممّا حيّر ريم تماماً !
والأغرب ان الأمر تكرّر كل يوم .. حيث كانا يجدان على الدوام طعاماً شهياً ومنزلاً نظيفاً , دون ان يعرفا الشخص المجهول الذي يساعدهما !
***
في إحدى الليالي .. استيقظت ريم مساءً وذهبت الى المطبخ لشرب الماء وقبل عودتها الى غرفتها , مرّت من امام غرفة أخيها لتسمعه وهو يدنّدن لحناً تعرفه , فدخلت عنده :
- هذه أغنية امي ! كانت تُغنيها لك حين كنت طفلاً , فكيف عرفت الكلمات؟!
فأجابها بنعاس : أنت غنيتها لي قبل قليل , وانت تلعبين بشعري
ريم بدهشة : ماذا ! انا لم أدخل غرفتك هذا المساء
لكنه نام قبل ان يُكمل المحادثة , لتعود اخته قلقة الى غرفتها :
- يا الهي ! مالذي يحصل في بيتنا ؟!
***
وذات يوم ..اشتاقت كثيراً لأمها , فنامت في غرفتها التي ظلّت مُغلقة منذ وفاتها (أيّ ثلاثة اسابيع) ..
وبعد ان بكت قليلاً .. صارت تحادث خيال أمها وتشكي لها همّها..
وقبل ان تغفى ريم بثوانيٍ , أحسّت بيدٍ حنونة تُشبه لمسة امها وهي تربت على ظهرها بحنان ..
ولم تشعر بالخوف , الا في اليوم التالي حين تذكّرت الموقف !
- هل حلمت البارحة بأمي تنام بجانبي , ام انني بدأت أهلّوس؟!
***
بنهاية الشهر .. قامت ريم بصنع كيكة بمناسبة عيد ميلاد أحمد , الذي قال لها بعد ان تذوّقها :
- الكيكة ليست لذيذة كما كانت تصنعها امي !
- هذه اول مرة أطبخ فيها بحياتي , فحاول ان تُكمل صحنك كيّ لا نرمي النِعمة
أحمد : ليتك طلبتي من التي تطبخ لنا , ان تخبز لنا هذا الكيك
ريم : وهل ادري أصلاً من التي تساعدنا ؟
وبهذه اللحظات .. لمحت طرف فستانٍ أحمر يدخل الى غرفة امها!
فأسرعت الى هناك ..وفتحت الغرفة , لتجد الفستان مرمي فوق السرير !
فأحسّت برعبٍ شديد , لأن الفستان كان معلّقاً في خزانة امها .. فمن التي لبسته قبل قليل ؟!
وبالكاد استطاعت ريم النوم في تلك الليلة ..
***
في اليوم التالي .. أخبرت ريم معلمتها بالأمور الغريبة التي تحصل معها , فأعطتها رقم شيخة لها قدرة على التواصل مع الأرواح ..
فقامت الصبية بأخذ موعدٍ منها , والتي قدمت في مساء اليوم التالي ..حيث تجوّلت بكل الغرف وهي تتمّتم ببعض الأدعية والآيات , بالوقت الذي كان فيه أحمد مشغولاً بمشاهدة فيلم كرتوني على التلفاز ..
الشيخة : أتريدين معرفة من التي ساعدتك في مهامك المنزلية ؟
ريم : نعم .. من ؟
- امك
الصبية بدهشة : ماذا !
الشيخة : أقصد قرينة امك
- لم أفهم !
- لكلٍ منّا قرينٌ يرافقه طوال حياته , لكنه لا يموت بموتنا .. وقرينتها هي التي ساعدتكم بالنيابة عنها .. فهل تريدينني ان اقرأ آياتٍ تُبعدها عن حياتكم؟
- طبعاً .. أقصد
الشيخة : أرى انك متردّدة .. إذاً سأسالك , هل أذتكِ انت وأخاك ؟
ريم : لا ابداً , بل ساعدتنا بالكثير من الأمور
- اذاً يا بنتي أتركيها وشأنها
- أهذا رأيك يا خالة ؟
فاومأت الشيخة برأسها إيجاباً , قبل ان تخرج من بيتهما دون ان تُبعد تلك الروح المُتطفّلة عن حياتهما ..
فقرّرت ريم ان لا تخبر أحداً بما قالته الشيخة , وبالأخصّ أخوها الصغير كيّ لا يخاف من وجود أشباحٍ في المنزل !
***
وفي نفس تلك الليلة .. حلمت ريم بكابوسٍ أرعبها : ((حيث رأت تلك القرينة تقول لها بغضب :
- لي اسابيع أخدمكما بهدوء .. لكن بما انك عرفتي اليوم بوجودي , فأريد ثمن أتعابي
ريم بخوف : وما المقابل الذي تريدينه ؟!
قرينة امها بابتسامةٍ شريرة : اريد روحكما))
واستيقظت ريم مرتعبة !
***
في اليوم التالي .. إستغلّت ريم يوم عطلتها المدرسية للبحث في اغراض امها القديمة , لتجد كتاباً للشعوذة عليه خطّ والدها المميز ! ويبدو ان اباها كان يدرس الشعوذة , قبل موته بسكتةٍ قلبية أثناء نومه ..
والغريب ان امها ايضاً ماتت أثناء نومها , بعد معاناتها لشهرين فقط من السرطان .. فهل للجن علاقة بموتهما المُفاجىء ؟!
وقد حاولت ريم قراءة الكتاب , لكنه كُتب بلغةٍ غير مفهومة ..
فتركته , وهي تشعر بشيءٍ غامض ومريب حصل في ماضي والديها !
***
وفي أحد الأيام .. وأثناء تمشيط شعرها .. لاحظت ريم بأن وجهها في المرآة أشبه بالدمية البلاستيكية , حيث خلا وجهها من المشاعر!
لكنها لم تستطع التحرّك او إبعاد ناظرها عن إنعكاسها التي تكلّمت بالنيابة عنها قائلة :
- أعرف انك ترينني الآن
ريم بخوف : من أنتِ ؟!
- انا قرينتك
- وماذا تريدين ؟
- اريد استبدال مكاننا , كما فعلت امك
ريم بدهشة وخوف : لم أفهم شيئاً !
وهنا ظهرت أمها فجأة في المرآة ! بعد ان اقتربت من قرينة ابنتها , وقالت لها :
- ريم حبيبتي .. إفعلي ما تقوله لك قرينتكِ
- امي ! اين انت ؟
الأم : انا ووالدك في عالمهم الآن
ريم ودموعها تسيل على وجنتيها : انا حقاً لا أفهم شيئاً !
وهنا اختفت الأم , وبقيت قرينة ريم التي قالت لها :
- إختاري يا ريم : إمّا روحك او روح أخيك
ثم اختفت فجأة ! لتسقط ريم مغشيّاً عليها من رعب ما شاهدته !
***
في اليوم التالي .. وبعد خروجها من المدرسة ذهبت مباشرةً الى منزل الشيخة وأخبرتها بكل ما حصل , بعد ان أعطتها كتاب الشعوذة لوالدها
وبعد ان تصفحتّه الشيخة لبعض الوقت , قالت لها :
- وضعك أصعب ممّا تصوّرت !
ريم بقلق : ماذا يحصل ؟
الشيخة : والدك أخطأ حين قرّر تعلّم الشعوذة , فهو لم يكن قويّاً كفاية لهذا النوع من العلم
- هل قتلوه الجن ؟ لأنه مات نائماً
- يمكنك قول ذلك
ريم بقلق : ماذا تقصدين ؟!
الشيخة : يبدو انه استبدل روحه مع قرينه .. فهل تذكرين شيئاً غريباً عن والدك قبل وفاته ؟
ريم : أذكر انه كان خالياً من المشاعر , ويجلس صامتاً لساعاتٍ طويلة .. وماعاد يأكل معنا كعادته , ممّا أغضب امي كثيراً !
الشيخة : هذا لأن الأرواح لا تأكل
ريم : لكن امي ايضاً قبل أخذها الى المستشفى , لم تعد تأكل بتاتاً !
- هذا لأنها قامت بنفس غلطة والدك
- ان كان كلامك صحيحاً , فأين هما الآن ؟
الشيخة : روحهما مُحتجزتان في عالم الجن .. امّا قرائنهما فقد حصلا على الحياة الأبدية بعد دفنكم لجسدا والديكما , وصار بإمكانهما التنقّل بحرّية في عالمنا البشريّ
ريم : والله لم أفهم كلمة ممّا قلته .. كلّ ما يهمّني الآن هو قرينتي اللعينة , فهي تهدّد بأذيّتي وأذيّة أخي !
الشيخة : القرائن عادةً تمقت حصر حريّتها داخل أجسادنا , لذلك تتمنّى موتنا لتحصل على حرّيتها المطلقة كبقيّة الجن .. لذلك أنصحك بأن تعتمدي على نفسك بعيداً عن إغراءات خدماتهم , الغير مجانية طبعاً
***
وبالفعل !! حرصت ريم على القيام بكافة واجباتها المدرسية والمنزلية بالإضافة للإعتناء بأخيها دون الحاجة اليهم , ممّا أغضب القرينة التي هدّدتها بإيجاد طريقة تجعلها تحتاجها من جديد
***
بعد شهور وفي صباح أحد الأيام .. رفض أحمد تناول فطوره على غير عادته , وذهب مسرعاً الى مدرسته .. وحين عاد ظهراً , لاحظت ريم بأنه لم يأكل غدائه ..كما انه لم يعد يريد تناول الحلويات ! فخافت ان يكون استبدل روحه مع قرينه الجني .. فدخلت الى غرفته غاضبة , وأمسكت ذراعيه بقوة ..
وبدأت تصرخ عليه :
- أخرج ايها اللعين من جسد أخي !!
ثم صفعته بقوة , أخرجت الدم من أنفه ! ..وحين رأت الدماء , علمت بأنها تسرّعت بضربه .. بينما كان هو مصدوماً من وحشية أخته التي تعوّد على حنّيتها , فبكى غاضباً :
- انا أكرهك يا ريم !! هيا أخرجي من غرفتي
- انا آسفة .. ظننت بأنك ..
مقاطعاً وهو يبكي : أخرجي من غرفتي الآن !!
وخرجت ريم وهي مشوّشة التفكير !
ثم اتصلت على صديقه المقرّب لتسأله : إن كان اخوها يأكل في المدرسة ام لا ؟
فأخبرها بأن بعض المتنمّرين يضايقونه بسبب وزنه الزائد , لذلك قرّر عمل حمّية غذائية كي ينحف بسرعة .. ففهمت ريم بأنها جرحت مشاعره من دون سبب !
ومنذ هذه المشاجرة .. بدأ أحمد يبتعد عن أخته شيئاً فشيئا , ويلازم غرفته طوال الوقت , وبالكاد يتحدّث معها عن مشاكله اليومية !
***
الى ان أتى يوم .. دخلت غرفته فوجدته برفقة ولدٍ يشبهه , لكن بملامحٍ بلاستيكية ..فعرفت انه التقى بقرينه !
فصرخت برعب : أحمد انتبه !! هذا جني يريد الإستيلاء على روحك
أخوها : اهدأي اختي , هذا صديقي ..وأخبرني بأنه سيأخذني الى منزل امي الجديد
ريم : أمنا ماتت يا أحمد !! هل نسيت ؟
قرين الأخ : لا !! امكما موجودة في عالمٍ خفيّ , داخل هذه الخزانة .. فهيا يا أحمد نذهب اليها الآن
ريم صارخة : لا !! لا تذهب معه
لكن قدماها التصقتا فجاة بالأرض فلم تستطع اللحاق بهما , وشاهدتهما وهما يدخلان الخزانة التي إنغلقت خلفهما , ليخرج منها نورٌ يخطف الأبصار !
ومن بعدها تحرّرت قدماها , لتسرع في البحث بالخزانة التي لم تجد شيئاً بداخلها !
فصارت تنادي على أخيها بعلوّ صوتها , وهي تبكي وتنوح ..
وفجأة ! ظهر خلفها وهو يقول :
- ريم !! لا تصرخين هكذا , سيسمعك الجيران
ريم بدهشة : أخي !
وأسرعت لتحضنه , لكنها لاحظت بأن قدميه تبعدان سنتيمترات عن الأرض ! حيث بدا وكأنه يطفو في الهواء
ريم صارخةً : انت الجني اللعين !!
فجلس قرين أحمد على طاولته ليحلّ واجباته وهو يقول :
- اهدأي يا فتاة .. فأخوك يحلّق الآن في عالم الجن بسعادةٍ غامرة , وسيحصل على كل ما يريده من حلويات وألعاب , كما انه برفقة والديك .. اما انا فسأحتلّ مكانه في الدنيا , حيث سأصبح أذكى تلميذ في المدرسة ..كيف لا , وبإستطاعتي معرفة الأسئلة قبل موعد الإمتحانات ..حتى انه يمكنني مساعدك بهذا الموضوع ..كما انني لن أتعبك بعد اليوم بأكلي ونومي واستحمامي او بإمراضي المفاجئة .. فنحن كأرواح سهلٌ العيش معنا , صدّقيني .. ثم إحمدي ربك انني لا ارغب بالخلود , والا لكنت وجدت أخاك ميتاً كما حصل مع والديك .. فكل ما اريده هو تجربة العيش كبشريّ مميز.. والآن دعيني أنهي واجباتي , فأمامي مستقبلٌ باهر عليّ الإستعداد له منذ اليوم
فذهبت ريم الى غرفتها وأقفلت الباب عليها بإحكام وهي ترتعش خوفاً , لتتفاجأ برأس أخيها الجني يخترق الباب وهو يقول ساخراً :
- على فكرة , الأبواب المُقفلة لا تصدّني يا عزيزتي ..هل نسيتي انني جني؟
ثم ضحك بصوتٍ عالي , تاركاً ريم ترتجف بخوف بعد ان علقت في منزلها مع كائنٍ مخيف من عالمٍ آخر .. عدا عن قلقها لمصير أخيها المجهول !
***
في اليوم التالي ومنذ الصباح .. ارادت ريم الذهاب الى الشيخة لطرد الجنّ من بيتها المسكون ! الا انها تفاجأت بالباب الخارجي موصد بإحكام , وكل محاولاتها لفتحه باتت بالفشل !
وهنا سمعت قهقهاتٍ ساخرة تصدح في أرجاء المنزل ! وحين التفتت , وجدت روح والدها وامها واخوها تقف خلفها !
ريم بدهشة وشوق : ابي ! لم أرك منذ سنوات
فقال لها قرين والدها : ابوك الآن مع امك واخيك يمرحون في عالم الجن حيث لا يوجد هناك مرضٌ او تعب او أحزان .. ويمكنك الذهاب اليهم ان أردتِ
وهنا انضمّت اليهم قرينتها التي خرجت من غرفتها , وهي تقول :
- كنت التقيت معك سابقاً داخل المرآة , وأظنك تذكرينني
ريم بغضب : وماذا تريدين مني انت ايضاً ؟!!
قرينتها : أخبرتك من قبل ..إستبدال أماكننا
وهنا قالت قرينة امها : ريم عزيزتي .. كما تلاحظين .. بيتكم أصبح لنا , فلما تصرّين على البقاء وحدك هنا ؟ برأيّ عليك الإنتقال فوراً الى عائلتك الذين ينتظرونك بشوق في عالمنا .. ولا تقلقي .. فأصدقائك والجيران لن يلاحظوا غيابك , بل ستبهرينهم بتفوّقك الدراسي ..وسيفتخر أقاربك بكِ وبأخيك
قرين أخوها : لقد أخبرتها بذلك البارحة يا أمي
فتبكي ريم صارخة : لا اريد العيش في عالمكم !! اريدكم ان تعيدوا لي عائلتي الآن !!!
قرين والدها : عودة امك وابوك مستحيلة بعد دفنكم لأجسادهما
ريم : اذاً أعيدوا اخي أحمد !!
قرين أخوها : أخوك سعيد بحياته الجديدة , لكنه مشتاقٌ اليك .. حتى اسمعيه بنفسك
وفتح لها باب الخزانة , ليظهر صوت اخوها من بعيد وهو يقول :
- ريم !! تعالي الينا .. فأمي وابي مشتاقين اليك كثيراً
ريم بدهشة وشوق : أخي !
قرينة امها : هيا ابنتي لا تعاندينا .. أدخلي الى الخزانة وانضمّي لعائلتك.. ودعي إبنتي تأخذ مكانك , فنحن أحببنا حياتكم البسيطة ونريد تجربة العيش مثلكم
قرينة ريم : المشكلة الوحيدة .. ان امي وابي لن يظهرا للعلن مثلي ومثل أخي شونا , لأنهما بنظر الناس متوفيان !
قرين أحمد وهو يعاتب أخته : مونا !! اسمي أحمد منذ اليوم , فلا تناديني بشونا ثانيةً
مونا (قرينة ريم) : آه نسيت .. علينا التعوّد على اسماءنا الجديدة كبشر.. هآ ريم , ماذا قرّرتي ؟
فلم تجد ريم نفسها الاّ وهي تمشي بخطواتٍ مُتثاقلة نحو الخزانة ..والتي ما ان دخلتها , حتى أسرعت العائلة الجنّية بالإقفال خلفها
ثم سمعت ضحكاتهم الساخرة , لفوزهم عليها بمعركتهم النفسيّة المدمّرة !
اما ريم فقد وجدت نفسها تمشي بممرٍّ مظلمٍ وطويل , قبل ان تسقط داخل حفرةٍ عميقة لا نهاية لها !
***
وحين استيقظت .. وجدت نفسها في قفصٍ حديدي برفقة امها وابوها وأخوها الذين كانوا يبكون عليها !
وبعد ان حضنتهم بشوق , سألتهم بقلق :
- لما نحن في السجن ؟!
ابوها بحزن : كنّا نأمل ان تكوني أذكى منّا ولا تنقادي لإغراءاتهم ..لكن يبدو اننا جميعاً خسرنا المعركة !
ريم : لم أفهم !
وهنا دخل جني بهيئته الحقيقية المخيفة (بقرونٍ وأرجل ماعز , وجسمٌ مُشعر , وأنيابٍ طويلة) قام بحرق قدمها بعلامة كُتب عليها : حفلات
وقبل ان يخرج من السجن قال لريم : سآتي لأخذك بعد قليل
وبعد ذهابه .. سألت امها وهي مازالت تتألّم من أثر الحرق :
- امي ..ماذا يقصد بعلامة الحفلات ؟!
امها وهي تمسح دموعها : هذا يعني ان الشياطين اختاروك لتكوني مُرفّهة لهم بحفلاتهم الماجنة !
ريم : يا الهي ! .. وماذا عنكِ ؟
الأم بحزن : انا أطبخ لهم طعامهم المقرف
ريم : وانت ابي ؟
الأب وهو يشعر بالعار : أساعدهم بسحر بعض البشر
ريم بدهشة : أتساعدهم بأذيّتنا ؟!
الأب : غصباً عنّي , والاّ أذونا جميعاً
ريم : وماذا عنك اخي ؟
أحمد بعصبية : عليّ ملاعبة اولاد الجن الملاعيين طوال الليل !!
ريم بقلق : وهل علقنا هنا للأبد يا ابي ؟!
وقبل ان يُجيبها والدها .. دخل الجني من جديد ورمى امامها ثياب للحفلات الفاسقة , وهو يقول :
- هيا إلبسيها بسرعة , فعليك الرقص امام إلآهنا ابليس
وبعد ان لبستها ريم مُجبرة , خرجت معه .. تاركةً أهلها يبكون بحسرة على مصيرها الكئيب المجهول !