الأحد، 28 أكتوبر 2018

ارواح للإيجار

تأليف : امل شانوحة


 
عائلتي البديلة المخيفة !

انتهت مراسم الجنازة .. وذهب المعزّون بحلول المساء وهم يشعرون بالشفقة على اليتيمين .. وبقيت الصبيّة المراهقة ريم مع أخيها أحمد (9 سنوات) في بيتهما الذي بدا موحشاً بموت امهما , بعد وفاة والدهما قبلها بست سنوات !

احمد وهو يمسح دموعه : وهآقد ماتت امي ايضاً , وبقينا لوحدنا ! 
ريم وهي تخفي حزنها : لا تقلق أخي , سنكون بخير 
- الن نعيش في بيت خالتي ؟
- لا , هو بعيد عن مدارسنا .. سنبقى هنا ونتدبّر امورنا بمفردنا
- وماذا عن المال يا ريم ؟
- تركت لنا امي ما يكفينا لعدة شهور , أكون حينها أنهيت الثانوية ووجدت عملاً نعيش منه .. المهم ان نقتصد قدر المستطاع , فلا حلويات وألعاب الاّ في المناسبات
الأخ : فهمت

ثم دخلت غرفتها بعد ان وضعت أخاها في فراشه .. وهناك بكت الى ان بلّلت وسادتها وهي تشعر بثقل المسؤولية التي تركها والداها على عاتقها 
ريم : لابد ان أكون قويّة من اجل اخي ..وسيكون عليّ منذ الغد تعلّم الطبخ والإهتمام بالمنزل كواجباتٍ إضافية على دراستي .. آه يا امي ! ليتك انتظرتي لحين إنهائي الثانوية العامة , فهذه أصعب سنة دراسية .. أتمنى ان لا أرسب فيها 
وظلّت تبكي الى ان نامت من شدّة التعب
***

في اليوم التالي .. عادت ريم الى بيتها مُسرعة بعد ان اشترت بعض الخضراوات كي تطبخها لأخيها الذي بقي في بيت الجيران (بعد عودته من المدرسة) في انتظار عودة اخته ..
وما ان فتحت باب الشقة , حتى إشتمّا رائحة أكلٍ لذيذ !
ووجدا على المائدة صنفين من الطعام الذي يعشقانه !

ريم : احمد .. هل طبخت جارتنا هذا الطعام ؟
أخوها مستفسراً : وهل لديها مفتاح بيتنا ؟
- لا لم أعطه لأحد , ولا حتى لك .. إذاً من دخل بيتنا وطبخ لنا؟! 
أحمد وهو يجلس على كرسي المائدة : لا ادري ولا يهمّني .. اسكبي لي فأنا جائعٌ جداً 
وأكلا دون ان يعلما من أعدّ الطعام ..

وبعد ان انتهيا ..
ريم : هيا قمّ وساعدني بتنظيف المائدة  
وحين دخلا المطبخ .. تفاجأت الصبية بنظافته ! حيث خلا الحوض من الصحون والأواني التي تركتها فيه البارحة 
- هل غسلت الصحون ؟
أحمد : مابك اليوم يا ريم ؟ الم تأخذيني من بيت جارتنا قبل قليل ؟
- اذاً من الذي يساعدنا ؟ أكاد أجنّ !
أحمد : ربما خالتي
- لا اظن ان امي أعطتها نسخة من مفتاح البيت
- ربما فعلت حين اشتدّ مرضها
- معك حق , سأتصل بها بعد قليل لأشكرها 
***

لكن حينما اتصلت بها , أنكرت الخالة فعل ذلك .. وكذلك جارتهما , ممّا حيّر ريم تماماً !
والأغرب ان الأمر تكرّر كل يوم .. حيث كانا يجدان على الدوام طعاماً شهياً ومنزلاً نظيفاً , دون ان يعرفا الشخص المجهول الذي يساعدهما !
*** 

في إحدى الليالي .. استيقظت ريم مساءً وذهبت الى المطبخ لشرب الماء وقبل عودتها الى غرفتها , مرّت من امام غرفة أخيها لتسمعه وهو يدنّدن لحناً تعرفه , فدخلت عنده :
- هذه أغنية امي ! كانت تُغنيها لك حين كنت طفلاً , فكيف عرفت الكلمات؟!
فأجابها بنعاس : أنت غنيتها لي قبل قليل , وانت تلعبين بشعري
ريم بدهشة : ماذا ! انا لم أدخل غرفتك هذا المساء 
لكنه نام قبل ان يُكمل المحادثة , لتعود اخته قلقة الى غرفتها :
- يا الهي ! مالذي يحصل في بيتنا ؟!
***

وذات يوم ..اشتاقت كثيراً لأمها , فنامت في غرفتها التي ظلّت مُغلقة منذ وفاتها (أيّ ثلاثة اسابيع) ..
وبعد ان بكت قليلاً .. صارت تحادث خيال أمها وتشكي لها همّها.. 
وقبل ان تغفى ريم بثوانيٍ , أحسّت بيدٍ حنونة تُشبه لمسة امها وهي تربت على ظهرها بحنان .. 
ولم تشعر بالخوف , الا في اليوم التالي حين تذكّرت الموقف !
- هل حلمت البارحة بأمي تنام بجانبي , ام انني بدأت أهلّوس؟!
***

بنهاية الشهر .. قامت ريم بصنع كيكة بمناسبة عيد ميلاد أحمد , الذي قال لها بعد ان تذوّقها :
- الكيكة ليست لذيذة كما كانت تصنعها امي !
- هذه اول مرة أطبخ فيها بحياتي , فحاول ان تُكمل صحنك كيّ لا نرمي النِعمة
أحمد : ليتك طلبتي من التي تطبخ لنا , ان تخبز لنا هذا الكيك
ريم : وهل ادري أصلاً من التي تساعدنا ؟ 

وبهذه اللحظات .. لمحت طرف فستانٍ أحمر يدخل الى غرفة امها!
فأسرعت الى هناك ..وفتحت الغرفة , لتجد الفستان مرمي فوق السرير !
فأحسّت برعبٍ شديد , لأن الفستان كان معلّقاً في خزانة امها .. فمن التي لبسته قبل قليل ؟! 
وبالكاد استطاعت ريم النوم في تلك الليلة ..
***

في اليوم التالي .. أخبرت ريم معلمتها بالأمور الغريبة التي تحصل معها , فأعطتها رقم شيخة لها قدرة على التواصل مع الأرواح ..
فقامت الصبية بأخذ موعدٍ منها , والتي قدمت في مساء اليوم التالي ..حيث تجوّلت بكل الغرف وهي تتمّتم ببعض الأدعية والآيات , بالوقت الذي كان فيه أحمد مشغولاً بمشاهدة فيلم كرتوني على التلفاز ..

الشيخة : أتريدين معرفة من التي ساعدتك في مهامك المنزلية ؟
ريم : نعم .. من ؟
- امك
الصبية بدهشة : ماذا !
الشيخة : أقصد قرينة امك
- لم أفهم !
- لكلٍ منّا قرينٌ يرافقه طوال حياته , لكنه لا يموت بموتنا .. وقرينتها هي التي ساعدتكم بالنيابة عنها .. فهل تريدينني ان اقرأ آياتٍ تُبعدها عن حياتكم؟
- طبعاً .. أقصد 
الشيخة : أرى انك متردّدة .. إذاً سأسالك , هل أذتكِ انت وأخاك ؟
ريم : لا ابداً , بل ساعدتنا بالكثير من الأمور
- اذاً يا بنتي أتركيها وشأنها 
- أهذا رأيك يا خالة ؟ 

فاومأت الشيخة برأسها إيجاباً , قبل ان تخرج من بيتهما دون ان تُبعد تلك الروح المُتطفّلة عن حياتهما ..
فقرّرت ريم ان لا تخبر أحداً بما قالته الشيخة , وبالأخصّ أخوها الصغير كيّ لا يخاف من وجود أشباحٍ في المنزل ! 
***

وفي نفس تلك الليلة .. حلمت ريم بكابوسٍ أرعبها : ((حيث رأت تلك القرينة تقول لها بغضب :
- لي اسابيع أخدمكما بهدوء .. لكن بما انك عرفتي اليوم بوجودي , فأريد ثمن أتعابي
ريم بخوف : وما المقابل الذي تريدينه ؟!
قرينة امها بابتسامةٍ شريرة : اريد روحكما))
واستيقظت ريم مرتعبة ! 
***

في اليوم التالي .. إستغلّت ريم يوم عطلتها المدرسية للبحث في اغراض امها القديمة , لتجد كتاباً للشعوذة عليه خطّ والدها المميز ! ويبدو ان اباها كان يدرس الشعوذة , قبل موته بسكتةٍ قلبية أثناء نومه .. 
والغريب ان امها ايضاً ماتت أثناء نومها , بعد معاناتها لشهرين فقط من السرطان .. فهل للجن علاقة بموتهما المُفاجىء ؟! 

وقد حاولت ريم قراءة الكتاب , لكنه كُتب بلغةٍ غير مفهومة .. 
فتركته , وهي تشعر بشيءٍ غامض ومريب حصل في ماضي والديها ! 
***

وفي أحد الأيام .. وأثناء تمشيط شعرها .. لاحظت ريم بأن وجهها في المرآة أشبه بالدمية البلاستيكية , حيث خلا وجهها من المشاعر! 
لكنها لم تستطع التحرّك او إبعاد ناظرها عن إنعكاسها التي تكلّمت بالنيابة عنها قائلة :  
- أعرف انك ترينني الآن 
ريم بخوف : من أنتِ ؟!
- انا قرينتك
- وماذا تريدين ؟
- اريد استبدال مكاننا , كما فعلت امك 
ريم بدهشة وخوف : لم أفهم شيئاً !

وهنا ظهرت أمها فجأة في المرآة ! بعد ان اقتربت من قرينة ابنتها , وقالت لها : 
- ريم حبيبتي .. إفعلي ما تقوله لك قرينتكِ
- امي ! اين انت ؟
الأم : انا ووالدك في عالمهم الآن
ريم ودموعها تسيل على وجنتيها : انا حقاً لا أفهم شيئاً !
وهنا اختفت الأم , وبقيت قرينة ريم التي قالت لها :
- إختاري يا ريم : إمّا روحك او روح أخيك
ثم اختفت فجأة ! لتسقط ريم مغشيّاً عليها من رعب ما شاهدته !
***

في اليوم التالي .. وبعد خروجها من المدرسة ذهبت مباشرةً الى منزل الشيخة وأخبرتها بكل ما حصل , بعد ان أعطتها كتاب الشعوذة لوالدها
وبعد ان تصفحتّه الشيخة لبعض الوقت , قالت لها :
- وضعك أصعب ممّا تصوّرت !
ريم بقلق : ماذا يحصل ؟
الشيخة : والدك أخطأ حين قرّر تعلّم الشعوذة , فهو لم يكن قويّاً كفاية لهذا النوع من العلم 
- هل قتلوه الجن ؟ لأنه مات نائماً
- يمكنك قول ذلك
ريم بقلق : ماذا تقصدين ؟! 

الشيخة : يبدو انه استبدل روحه مع قرينه .. فهل تذكرين شيئاً غريباً عن والدك قبل وفاته ؟ 
ريم : أذكر انه كان خالياً من المشاعر , ويجلس صامتاً لساعاتٍ طويلة .. وماعاد يأكل معنا كعادته , ممّا أغضب امي كثيراً !
الشيخة : هذا لأن الأرواح لا تأكل
ريم : لكن امي ايضاً قبل أخذها الى المستشفى , لم تعد تأكل بتاتاً ! 
- هذا لأنها قامت بنفس غلطة والدك 
- ان كان كلامك صحيحاً , فأين هما الآن ؟ 
الشيخة : روحهما مُحتجزتان في عالم الجن .. امّا قرائنهما فقد حصلا على الحياة الأبدية بعد دفنكم لجسدا والديكما , وصار بإمكانهما التنقّل بحرّية في عالمنا البشريّ 

ريم : والله لم أفهم كلمة ممّا قلته .. كلّ ما يهمّني الآن هو قرينتي اللعينة , فهي تهدّد بأذيّتي وأذيّة أخي ! 
الشيخة : القرائن عادةً تمقت حصر حريّتها داخل أجسادنا , لذلك تتمنّى موتنا لتحصل على حرّيتها المطلقة كبقيّة الجن .. لذلك أنصحك بأن تعتمدي على نفسك بعيداً عن إغراءات خدماتهم , الغير مجانية طبعاً
***

وبالفعل !! حرصت ريم على القيام بكافة واجباتها المدرسية والمنزلية بالإضافة للإعتناء بأخيها دون الحاجة اليهم , ممّا أغضب القرينة التي هدّدتها بإيجاد طريقة تجعلها تحتاجها من جديد
***

بعد شهور وفي صباح أحد الأيام .. رفض أحمد تناول فطوره على غير عادته , وذهب مسرعاً الى مدرسته .. وحين عاد ظهراً , لاحظت ريم بأنه لم يأكل غدائه ..كما انه لم يعد يريد تناول الحلويات ! فخافت ان يكون استبدل روحه مع قرينه الجني .. فدخلت الى غرفته غاضبة , وأمسكت ذراعيه بقوة .. 
وبدأت تصرخ عليه : 
- أخرج ايها اللعين من جسد أخي !! 

ثم صفعته بقوة , أخرجت الدم من أنفه ! ..وحين رأت الدماء , علمت بأنها تسرّعت بضربه .. بينما كان هو مصدوماً من وحشية أخته التي تعوّد على حنّيتها , فبكى غاضباً :
- انا أكرهك يا ريم !! هيا أخرجي من غرفتي
- انا آسفة .. ظننت بأنك ..
مقاطعاً وهو يبكي : أخرجي من غرفتي الآن !! 
وخرجت ريم وهي مشوّشة التفكير ! 

ثم اتصلت على صديقه المقرّب لتسأله : إن كان اخوها يأكل في المدرسة ام لا ؟
فأخبرها بأن بعض المتنمّرين يضايقونه بسبب وزنه الزائد , لذلك قرّر عمل حمّية غذائية كي ينحف بسرعة .. ففهمت ريم بأنها جرحت مشاعره من دون سبب ! 

ومنذ هذه المشاجرة .. بدأ أحمد يبتعد عن أخته شيئاً فشيئا , ويلازم غرفته طوال الوقت , وبالكاد يتحدّث معها عن مشاكله اليومية ! 
***

الى ان أتى يوم .. دخلت غرفته فوجدته برفقة ولدٍ يشبهه , لكن بملامحٍ بلاستيكية ..فعرفت انه التقى بقرينه !
فصرخت برعب : أحمد انتبه !! هذا جني يريد الإستيلاء على روحك
أخوها : اهدأي اختي , هذا صديقي ..وأخبرني بأنه سيأخذني الى منزل امي الجديد
ريم : أمنا ماتت يا أحمد !! هل نسيت ؟
قرين الأخ : لا !! امكما موجودة في عالمٍ خفيّ , داخل هذه الخزانة .. فهيا يا أحمد نذهب اليها الآن
ريم صارخة : لا !! لا تذهب معه

لكن قدماها التصقتا فجاة بالأرض فلم تستطع اللحاق بهما , وشاهدتهما وهما يدخلان الخزانة التي إنغلقت خلفهما , ليخرج منها نورٌ يخطف الأبصار !
ومن بعدها تحرّرت قدماها , لتسرع في البحث بالخزانة التي لم تجد شيئاً بداخلها ! 
فصارت تنادي على أخيها بعلوّ صوتها , وهي تبكي وتنوح ..

وفجأة ! ظهر خلفها وهو يقول :
- ريم !! لا تصرخين هكذا , سيسمعك الجيران
ريم بدهشة : أخي ! 
وأسرعت لتحضنه , لكنها لاحظت بأن قدميه تبعدان سنتيمترات عن الأرض ! حيث بدا وكأنه يطفو في الهواء 
ريم صارخةً : انت الجني اللعين !!

فجلس قرين أحمد على طاولته ليحلّ واجباته وهو يقول :
- اهدأي يا فتاة .. فأخوك يحلّق الآن في عالم الجن بسعادةٍ غامرة , وسيحصل على كل ما يريده من حلويات وألعاب , كما انه برفقة والديك .. اما انا فسأحتلّ مكانه في الدنيا , حيث سأصبح أذكى تلميذ في المدرسة ..كيف لا , وبإستطاعتي معرفة الأسئلة قبل موعد الإمتحانات ..حتى انه يمكنني مساعدك بهذا الموضوع ..كما انني لن أتعبك بعد اليوم بأكلي ونومي واستحمامي او بإمراضي المفاجئة .. فنحن كأرواح سهلٌ العيش معنا , صدّقيني .. ثم إحمدي ربك انني لا ارغب بالخلود , والا لكنت وجدت أخاك ميتاً كما حصل مع والديك .. فكل ما اريده هو تجربة العيش كبشريّ مميز.. والآن دعيني أنهي واجباتي , فأمامي مستقبلٌ باهر عليّ الإستعداد له منذ اليوم 

فذهبت ريم الى غرفتها وأقفلت الباب عليها بإحكام وهي ترتعش خوفاً , لتتفاجأ برأس أخيها الجني يخترق الباب وهو يقول ساخراً :
- على فكرة , الأبواب المُقفلة لا تصدّني يا عزيزتي ..هل نسيتي انني جني؟

ثم ضحك بصوتٍ عالي , تاركاً ريم ترتجف بخوف بعد ان علقت في منزلها مع كائنٍ مخيف من عالمٍ آخر .. عدا عن قلقها لمصير أخيها المجهول !
***

في اليوم التالي ومنذ الصباح .. ارادت ريم الذهاب الى الشيخة لطرد الجنّ من بيتها المسكون ! الا انها تفاجأت بالباب الخارجي موصد بإحكام , وكل محاولاتها لفتحه باتت بالفشل !
وهنا سمعت قهقهاتٍ ساخرة تصدح في أرجاء المنزل ! وحين التفتت , وجدت روح والدها وامها واخوها تقف خلفها !
ريم بدهشة وشوق : ابي ! لم أرك منذ سنوات
فقال لها قرين والدها : ابوك الآن مع امك واخيك يمرحون في عالم الجن حيث لا يوجد هناك مرضٌ او تعب او أحزان .. ويمكنك الذهاب اليهم ان أردتِ

وهنا انضمّت اليهم قرينتها التي خرجت من غرفتها , وهي تقول : 
- كنت التقيت معك سابقاً داخل المرآة , وأظنك تذكرينني 
ريم بغضب : وماذا تريدين مني انت ايضاً ؟!!
قرينتها : أخبرتك من قبل ..إستبدال أماكننا
وهنا قالت قرينة امها : ريم عزيزتي .. كما تلاحظين .. بيتكم أصبح لنا , فلما تصرّين على البقاء وحدك هنا ؟ برأيّ عليك الإنتقال فوراً الى عائلتك الذين ينتظرونك بشوق في عالمنا .. ولا تقلقي .. فأصدقائك والجيران لن يلاحظوا غيابك , بل ستبهرينهم بتفوّقك الدراسي ..وسيفتخر أقاربك بكِ وبأخيك 
قرين أخوها : لقد أخبرتها بذلك البارحة يا أمي

فتبكي ريم صارخة : لا اريد العيش في عالمكم !! اريدكم ان تعيدوا لي عائلتي الآن !!! 
قرين والدها : عودة امك وابوك مستحيلة بعد دفنكم لأجسادهما
ريم : اذاً أعيدوا اخي أحمد !!
قرين أخوها : أخوك سعيد بحياته الجديدة , لكنه مشتاقٌ اليك .. حتى اسمعيه بنفسك
وفتح لها باب الخزانة , ليظهر صوت اخوها من بعيد وهو يقول :
- ريم !! تعالي الينا .. فأمي وابي مشتاقين اليك كثيراً
ريم بدهشة وشوق : أخي !

قرينة امها : هيا ابنتي لا تعاندينا .. أدخلي الى الخزانة وانضمّي لعائلتك.. ودعي إبنتي تأخذ مكانك , فنحن أحببنا حياتكم البسيطة ونريد تجربة العيش مثلكم 
قرينة ريم : المشكلة الوحيدة .. ان امي وابي لن يظهرا للعلن مثلي ومثل أخي شونا , لأنهما بنظر الناس متوفيان ! 
قرين أحمد وهو يعاتب أخته : مونا !! اسمي أحمد منذ اليوم , فلا تناديني بشونا ثانيةً
مونا (قرينة ريم) : آه نسيت .. علينا التعوّد على اسماءنا الجديدة كبشر.. هآ ريم , ماذا قرّرتي ؟ 

فلم تجد ريم نفسها الاّ وهي تمشي بخطواتٍ مُتثاقلة نحو الخزانة ..والتي ما ان دخلتها , حتى أسرعت العائلة الجنّية بالإقفال خلفها 
 ثم سمعت ضحكاتهم الساخرة , لفوزهم عليها بمعركتهم النفسيّة المدمّرة ! 

اما ريم فقد وجدت نفسها تمشي بممرٍّ مظلمٍ وطويل , قبل ان تسقط داخل حفرةٍ عميقة لا نهاية لها !  
***

وحين استيقظت .. وجدت نفسها في قفصٍ حديدي برفقة امها وابوها وأخوها الذين كانوا يبكون عليها !
وبعد ان حضنتهم بشوق , سألتهم بقلق :
- لما نحن في السجن ؟!
ابوها بحزن : كنّا نأمل ان تكوني أذكى منّا ولا تنقادي لإغراءاتهم ..لكن يبدو اننا جميعاً خسرنا المعركة !
ريم : لم أفهم !

وهنا دخل جني بهيئته الحقيقية المخيفة (بقرونٍ وأرجل ماعز , وجسمٌ مُشعر , وأنيابٍ طويلة) قام بحرق قدمها بعلامة كُتب عليها : حفلات 
وقبل ان يخرج من السجن قال لريم : سآتي لأخذك بعد قليل

وبعد ذهابه .. سألت امها وهي مازالت تتألّم من أثر الحرق : 
- امي ..ماذا يقصد بعلامة الحفلات ؟!
امها وهي تمسح دموعها : هذا يعني ان الشياطين اختاروك لتكوني مُرفّهة لهم بحفلاتهم الماجنة !
ريم : يا الهي ! .. وماذا عنكِ ؟ 
الأم بحزن : انا أطبخ لهم طعامهم المقرف 
ريم : وانت ابي ؟
الأب وهو يشعر بالعار : أساعدهم بسحر بعض البشر 
ريم بدهشة : أتساعدهم بأذيّتنا ؟! 
الأب : غصباً عنّي , والاّ أذونا جميعاً 
ريم : وماذا عنك اخي ؟
أحمد بعصبية : عليّ ملاعبة اولاد الجن الملاعيين طوال الليل !!
ريم بقلق : وهل علقنا هنا للأبد يا ابي ؟!

وقبل ان يُجيبها والدها .. دخل الجني من جديد ورمى امامها ثياب للحفلات الفاسقة , وهو يقول :
- هيا إلبسيها بسرعة , فعليك الرقص امام إلآهنا ابليس

وبعد ان لبستها ريم مُجبرة , خرجت معه .. تاركةً أهلها يبكون بحسرة على مصيرها الكئيب المجهول !  

الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

ملجأ الحرب

كتابة : امل شانوحة


 
يريدون قتل الزعيم ؟!

في خضمّ حربٍ ضارية لا ترحم .. وبإحدى الليالي المظلمة في ظلّ انقطاع الكهرباء والماء عن جميع المناطق المُتحاربة .. وبعد هدوءٍ مُقلق طوال النهار .. إستيقظ الجميع في منتصف الليل على صوت أزيز الرصاص ودويّ مدافعٍ تصمّ الآذان وانفجار قنابلٍ متتالية , عدا عن هدير الطائرات التي روّعت القلوب الوَجلة , وكأنه إعلان لبدء القيامة !

حيث أسرعت العائلات نحو الملجأ وهي تحمل الشموع , وألسنتها تلهج بالدعاء .. فجميعهم يعلمون بأنها ليلةٌ حاسمة .. لأن العدو يبحث منذ شهور عن بطلهم القومي , ويبدو انهم علموا بأنه مُختبئ بهذه المنطقة الشعبية الفقيرة التي خُططّ لتدميرها عن بكرة أبيها , كما قيل في رسائل التهديد التي نشرتها طائرات العدو هذا الصباح!

وكان آخر الواصلين لهذا المبنى الضخم : عائلة الملحّن الموسيقي القادمة من المبنى المجاور , وسيدة بملامحٍ أجنبية مع طفلٍ أسمر ! وقد التقيا بالشحاذّ المجنون الذي يسكر كعادته قرب المكان .. فنادوه ليحتمي معهم في الملجأ , لكنه ظلّ يدنّدن أغنية مجهولة وكأنه في عالمٍ آخر ! فتركوه ونزلوا الى الملجأ 
***

وداخل الملجأ .. كان المكان مكتظّاً بالناس على غير عادته ! حيث مُنح سريرٌ واحد لكل عائلة وضعوا عليه المسنين وأطفالهم الرضّع .. بينما تجمّع الأولاد الأكبر سناً للعب مع بعضهم , لإعتقادهم بأن هذه الأصوات المرعبة ماهي الا مفرقعات إحتفالات (كما أخبرهم الكبار) لذلك لم يفهموا سبب ذعر الأهالي الذين تجمّعوا حول المذياع لسماع آخر الأنباء , بعد ان أوقدوا الشموع في زوايا الملجأ العبق برائحة الرطوبة العفنة ! ..وبالكاد استطاعوا سماع الأنباء مع صرخات الرضّع التي تعالت مع كل إهتزازٍ للمبنى بسبب الإنفجارات القريبة من المكان  

وكان الملحّن هو الرجل الوحيد الذي اختبأ مع النساء والأطفال , حيث جرَت العادة ان يجلس الرجال على الأدراج الطابق الأرضي كيّ ترتاح العائلات في نومها بالملجأ , لأن معظمهنّ محجبات
زوجة الملحّن بصوتٍ منخفض , وهي تشعر بالإحراج : 
- أخرج واجلس مع الرجال , انت تضايق النسوّة
زوجها وهو يحتضن عوده , مُرتجفاً : 
- لا انا خائف .. الا تسمعين صوت الطائرت الحربية تحلّق فوقنا ؟! ..أساساً لوّ كنت قويّاً لحاربت مع الأحزاب , لكنني رجلٌ حسّاس يهوى الموسيقى .. (ثم وقف) .. لكن ان كان وجودي يضايقكنّ , فسأجلس في الزاوية مع الأولاد  
وذهب الى هناك ..
فقالت لها سيدة أخرى : أتركيه وشأنه , فنحن تعوّدنا على وجوده معنا مع كل غارةٍ حربية

وهنا انتبهت إحداهنّ على السيدة الغريبة التي تجلس بينهنّ , فسألتها :
- عفواً لم نسألك .. هل انت من اهل المنطقة ؟
فأجابت : نعم , وإسمي سارة
إمرأة أخرى : لكننا لم نركِ من قبل ! ..من أيّةِ عائلة انت ؟
فردّت سارة بعصبية : وهل يهمّ هذا ونحن على وشك الموت ؟!!
- ولما غضبتي ؟! نحن نستفسر فقط ! 
فسألتها سيدة عجوز : وهل هذا ابنك ؟
سارة : طبعاً 
- يبدو ان والده أسمر اللون , بما انك بيضاء وجميلةٌ هكذا ! 
فأومات سارة برأسها إيجاباً .. 

فعادت وسألتها العجوز : الن ترضعيه ؟
سارة : لا , فطمته قبل ثلاثة شهور ..لكني نسيت إحضار رضّاعته
فقالت لها إحدى الأمهات وهي تمدّ يدها بقنينة الحليب : 
- خذي هذه , معي واحدة إضافية ..  
سارة : شكراً لك , سأطعمه حينما يستيقظ 
الأم : غريب انه مازال نائماً مع كل هذه الأصوات المرعبة !
فالتزمت سارة السكوت .. 

فسألتها الأخرى : وأين والده ؟
سارة بنبرةٍ حزينة : قُتل مع بداية الحرب ..وأهلي سافروا الى الخارج , وكنت أنوي اللحاق بهم .. لكن الأمر بات صعباً الآن مع تدمّر المطار 
- وماذا عن طريق البرّ ؟
سارة : سأفعل ذلك حين تهدأ الأوضاع .. والآن عن أذنكم , اريد تحريك قدمايّ قليلاً 
ثم قامت وبدأت تتمشّى بين الأسِرّة , وهي تهزّ ابنها الرضيع النائم 
***

وبعد ان هدأ الوضع قليلاً , إنشغل الجميع بنبأٍ عاجل بالمذياع .. 
وفور انتهاء النشرة , قالت إحدى الصبايا بعصبية :
- الم يختار الزعيم الا ان يختبئ في منطقتنا المزدحمة بالبشر؟!  
فردّت العجوز مُعاتبة : واين تريدينه ان يختبئ ؟ هو دافع عن منطقتنا لسنوات , والآن جاء دورنا لردّ الدين
فقالت أخرى بقلق : حماه الله , وحمانا أجمعين 

وهنا اقتربت منهم سارة وسألتهنّ باهتمام : 
- الا تدرون اين يختبئ البطل بالتحديد ؟
فردّت الأخرى : من يعلم ؟ انها أسرار عسكريّة
ثم انقطع حديثهنّ مع نغمات عود الملحّن وهو يعزف للصغار الذين غنّوا معه أغانيٍ وطنية إعتادوا على سماعها من التلفاز والإذاعة
***

بعد قليل .. تفاجئنّ بجندي مُناضل بلباسه العسكري يدخل الملجأ !
فسألته العجوز بقلق : ماذا يحصل في الخارج ؟ 
الجندي بعصبية : طائرات العدو تدكّ المنطقة من كل جانب !!
فسألته سارة باهتمام : وماذا حصل لبطلنا ؟ هل مازال مُختبئٌ بيننا؟
فأجابها الجندي بتهكّم : وما دخلك انت ؟!!
العجوز : رفقاً عليها يا رجل ! هي تطمئن فحسب 

فاقترب الجندي من السيدة ذات الملامح الأجنبية وقال : 
- لحظة ! يبدو من هيئتك انك لست من منطقتنا .. هاتي هويتك!!
فأجابت سارة بعصبية : بربّكم !! يعني نسيت إحضار الطعام لإبني , فهل سأتذكّر ان أحضر هويتي ؟! 
الجندي (بعد ان لاحظ حقيبتها الشخصية امامها) قال ساخراً : 
- لكن يبدو انك لم تنسي إحضار حقيبتك 
فأجابت سارة بارتباك : كانت قرب الباب , وأخذتها من أجل المفاتيح .. ثم انا من أهل المنطقة .. فلا تخفّ , النسوة حققنّ معي قبلك 
العجوز : إترك المرأة وشأنها , يا بنيّ .. هداك الله

الجندي : اليس من واجبنا حمايتكم ؟ فما يدرينا ان لا تكون جاسوسة بيننا !
فأجابت سارة بعصبية : بالله عليكم !! وهل سأجازف بإبني ؟!
الجندي مُستنكراً : وهل هو ابنك اصلاً ؟ انا لا أرى شبهاً بينكما 
وهنا لاحظ الجميع إرتباكها ! 

في هذه اللحظات , ناداه مجندٌ آخر من امام باب الملجأ : 
- أحمد تعال !! نحن نريدك
فأخرج الجندي أحمد مسدسه ليتأكّد من الرصاصات قبل لحاقه بصديقه , فقالت له إحدى الأمهات وهي تحمي رضيعها مُعاتبة :
- إنتبه يا أخي , قد تُصيبنا رصاصةً طائشة !
الجندي بعصبية وهو يلوّح بمسدسه بفخر : 
- هذا بدل ان تشكرونني لأني أحميكنّ !
العجوز بحزم : البطولات تكون في الخارح يا أحمد , وليس هنا !!
فأصرّ على أسنانه بغيظ , لكنه أعاد المسدس مكانه .. وقبل ان يخرج من الملجأ قال لهنّ :
- عليكنّ التحققّ جيداً من الناس الجدّد التي تنضمّ للملجأ 

بهذه الأثناء ..وصلته مكالمة على اللاسلكي تقول :
((الزعيم أُصيب في المنطقة الفلانيةّ في المبنى الخامس .. ليتجمّع الجنود هناك لإخراجه من تحت الأنقاض , فهو مازال حيّاً ويتواصل معنا عبر اللاسلكي .. هيا بسرعة !!))
وأسرع الجندي أحمد وصديقه الى هناك ..
***

في الملجأ .. وبعد ان سمعنّ الخبر المحزن , قالت العجوز بقلق :
- حمى الله بطلنا
وبدأنّ يدعون له.. 
وهنا تساءلت صبيةّ بقلق : ماذا سيحصل أن قُتل فعلاً ؟
سيدة أخرى : سيقوم الأعداء بعمل مجازر في مناطقنا , كما فعلوا سابقاً

وهنا انتبهت امرأة كانت تجلس بجوار سارة على وشمٍ صغير على طرف ذراعها , فسألتها : 
- ماهذا ؟!
سارة بارتباك وهي تحاول إخفاء الوشم بقميصها : لا شيء
- لا انه وشم , ونحن كمسلمين نُحرّم الوشوم ..فهل انت مسيحية ؟
وبدأنّ ينهلنّ عليها بالأسئلة , لأنهنّ أردنّ التأكّد من هويتها بعد ان شكّكهم الجندي بأمرها !

فقالت سارة بعصبية : نعم انا مسيحية !! لكنني متزوجة من مسلم من أهل المنطقة ..وقد مات كما أخبرتكم وأتيت لأحتمي بكم ..فهل هذا جزائي ؟!! 
فسألتها سيدة أخرى بقلق : وماذا لوّ كنت جاسوسة فعلاً , ونقلت أخبارنا للأعداء ؟
سارة بتهكّم : وكيف سأفعل ذلك والهواتف مقطوعة ؟ كما هل يُعقل أن أجازف بالتجسّس عليكنّ برفقة إبني الصغير ؟! 

العجوز : لحظة ! ابنك منذ قدومك لم يتحرّك , حتى عندما حاولتي إطعامه .. لهذا دعيني أراه قليلاً
لكن سارة أبعدته عنها بعصبية : لا تلمسيه !!
فقالت لها إحدى الأمهات : أعطها الولد , فهي خبيرة بهذه الأمور
وما ان حملته العجوز حتى قالت بدهشة :
- هذا الولد ميتٌ منذ مدة !
الجميع بصدمة : ماذا !
فصرخت العجوز : انه ليس ابنك يا سارة , اليس كذلك ؟!! هل خطفته ؟ ام وجدته ميتاً في الشارع فأخذته , ليكون حجّة تدخلين به علينا ؟ ..هيا تكلمي  ؟!!!
واجتمعنّ حولها بغضب .. 

وهنا قالت لهم سارة وهي ترفع حقيبتها :
- لحظة ! سأريكنّ شيئاً يهدّأ شكوكنّ نحوي
وإذّ بها تُخرج قناعاً عسكرياً ثبّتته فوق أنفها , قبل ان تُلقي قنبلة دخانية سامّة وهي تصرخ قائلة : 
- تحيا إسرائيل !!!

وأسرعت سارة هاربةً من الملجأ , تاركةً النسوة تتساقطنّ تباعاً وهنّ يحاولنّ إلتقاط انفاسهنّ من بين دخان القنبلة الجرثومية التي إخترقت صدورهنّ , بينما إنتقض أطفالهنّ إنتفاضتهم الأخيرة ! 
***

وحين وصلت سارة الى خارج المبنى .. إلتقت بالشحاذّ الذي تكلّم معها بالعبريّة قائلاً : 
- هل علمتي بمكان الزعيم ؟
- نعم كولونيل .. سمعت العنوان , لكن علينا قصف المكان ثانيةً قبل نجاته من بين الأنقاض .. هيا بنا سيدي 
***

لاحقاً ..عادت سارة والشحّاذ الى اسرائيل كبطليّ حرب بعد قصفهم للمنطقة المذكورة , ليموت البطل مع رفاقه ..وتنقلب موازين اللعبة السياسية , ويخسرون الحرب أمام الإحتلال !
********

ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية حصلت أيام الحرب الأهلية اللبنانية : حين إختبأ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في منطقة شعبية ببيروت , أدّت الى تدميرها بالكامل بقصف طيران العدو ..وكانت السبب لبدء الإجتياح الإسرائيلي للبلاد , والذين أعتمدوا على معلومات الكولونيل المُتخفّي بزيّ الشحاذّ الذي عاش لسنواتٍ طويلة في لبنان بهذه الشخصية المُبتذلة ! 

الفرق بين القصتين : ان ياسر عرفات بالحقيقة نجى بإعجوبة من تلك المجزّرة التي راح ضحيّتها مئات المواطنين اللبنانيين الأبرياء!

السبت، 20 أكتوبر 2018

روحٌ فاسدة

تأليف : امل شانوحة


لا تسجنوني في القبو المخيف وحدي !!

في تلك الليلة .. قام جيم بالتعليق على منشور على الإنستغرام (يتكلّم عن فضل الآباء).. قائلاً :
((ليذهب جميع الآباء الى الجحيم !!))
لتنهال عليه الردود السلبية التي تشتمه وتصفه بالولد العاقّ ..
فتمّتمّ بنفسه بحزن :
((لا يهمّني نقدهم , فهم لم يعيشوا تجربتي مع والدي اللعين))

وهنا قالت زوجته بإرهاق :
- إطفئ الجوّال يا جيم ودعنا ننام , لقد تأخّر الوقت 
- معك حق , اساساً عليّ الإستيقاظ باكراً لإحضار أختي من المصحّ
فتنهّدت زوجته بضيق : أمازلت مصرّاً على عيشها معنا ؟! ..حبيبي , ابنتنا مازالت صغيرة وأخاف ان تؤذيها عمّتها
فردّ زوجها بحزم : لقد تناقشنا في الأمر عشرات المرّات .. جاكلين أختي , وقد عانت من قسوة ابي أكثر مني ..وقد وعدّتها أن أخرجها من المصحّ فور تحسّن أوضاعي .. وهآ انا خرجت من السجن وأعمل في نقل البضائع لسوبرماركات , واستطيع إعالتها معنا .. خاصة بعد إنتقالنا لمنزل أهلي وانتهائنا من مشكلة الإيجارات 
فردّت بغضب : كما تشاء !! لكن ان أذت ابنتي , فلا تلمّ الا نفسك!!
ثم أدارت ظهرها محاولةً النوم , رغم قلقها الكبير من أخت زوجها المجنونة ! 
*** 

قبيل الفجر .. حلم جيم بكابوسٍ جديد عن والده وهو يضرب امه بقسوة :  
- سأقتلك يا خائنة !!  
ثم توجّه ناحيته بملابسه الملوّثة بالدماء , وهو يصرخ قائلاً :
- أمازلت حيّاً , ايها الولد العاقّ ؟!!
وقبل ان يهجم عليه .. استيقظ جيم مرتعباً وهو يتصبّب عرقاً !

فقام وغسل وجهه , وهو مازال متضايقاً من الكوابيس التي تتكرّر عليه منذ قتله لوالده بعمر 12 سنة !
***

في المصحّ .. كانت أخته تلمّلمّ أغراضها بعد ان أمضت جلّ عمرها في علاجٍ نفسيّ مُكثّف , بعد تعرّضها لكافة انواع التعذيب الجسدي والنفسي من والدها وهي بعمر 8 سنوات ! ولولا بطولة أخيها في إنقاذها , لبقيت الى اليوم تعاني من وحشيته .. 

وبعد ان أنهى اوراق خروجها , حضنته بشوقٍ كبير ..
فقال لها مبتسماً : أختي حبيبتي , وأخيراً اجتمعنا من جديد .. هآ أنتِ أصبحتي امرأةً جميلة وناضجة ! وانا فخوراً بكِ لتجاوزك تلك المحنة بشجاعةٍ وصبر 
فاكتفت بالإبتسامة , بعيونها الدامعة .. فأردف قائلاً : 
- ما رأيك الآن ان نعود الى منزلنا ؟ فزوجتي وابنتي في انتظارك
اخته بدهشة : ابنتك ؟!
- نعم وعمرها 6 سنوات .. ستحبينها حتماً , فهي تشبهك كثيراً 
*** 

وأمضت جاكلين طوال الرحلة تنظر الى الطرقات بشرودٍ وهدوء أقلق جيم على سلامة صحّتها العقلية !
وما ان اقتربا من الشارع الذي به منزل والديهما القديم , حتى انتفض جسدها برعب !! .. فحاول الأخ تهدأتها : 
- أعرف انك تكرهين هذا البيت , وانا ايضاً .. وقد حاولت بيعه مراراً , لكن الجميع يعلم ما حصل بداخله ويرفضون شراءه .. يقولون ان روح والدي الشريرة مازالت بداخله .. فماذا عسايّ ان أفعل وراتبي لا يكفي لاستئجار منزلٍ جديد ؟
فسألته بخوف : والقبو ؟
- لا تقلقي , القبو أقفلته منذ سنوات .. فأنت ستنامين في غرفة امي بالطابق العلوي , بجوار غرفة ابنتي
***

ووصلا الى هناك ظهراً , لتستقبلها زوجته ببرود :
- غرفتك في الأعلى , دعيني أوصلك اليها
وحملت جاكلين حقيبتها الصغيرة , وتبعتها الى فوق .. 
وهناك همست لها زوجة اخيها بلؤم :
- أعرف ان ما مررّت به صعباً على أيّ شخص تحمّله , لكن إيّاك ان تخبري ابنتي عن تلك الأمور المخيفة .. هل فهمتي كلامي؟

فأومأت جاكلين برأسها إيجاباً .. ثم دخلت غرفتها وأغلقت الباب على نفسها
***

وحين رأى جيم زوجته تنزل وحدها , سألها باستغراب :
- اين جاكلين ؟!
- تريد ان تنام لأنها متعبة قليلاً 
- الا تريد ان تأكل معنا ؟!
زوجته بلا مبالاة : لا تقلق , سأضع حصّتها جانباً .. والآن دعنا نأكل بهدوء 
***

وفي الوقت الذي كانت فيه عائلة جيم تتناول غدائها , كانت جاكلين تبكي بمرارة في الغرفةِ ذاتها التي رأت فيها والدها يخنق امها بالوسادة وهو ينعتها بالخائنة بعد ان رأى صورها مع حبيبها القديم , حتى انه شكّك بنسب اولاده له ! لذلك عاقبهما على ذنب امهما عن طريق تعذيبهما في القبو لخمسة شهورٍ متتالية , قبل ان يقوم أخوها بعملٍ بطولي بفكّ قيوده وقتل والده بقضيبٍ حديدي .. لتقوم الشرطة لاحقاً بزجّه بالإصلاحية , وإيداعها في مصحٍ نفسيّ .. لكنهما الآن عادا من جديد الى نفس المنزل المليء بالذكريات الموحشة !
***

وعصراً .. دخل الأخ الى غرفتها وبيده الطعام , ليجلس بجانبها على السرير ويمسح دموعها قائلاً :
- لا تبكي حبيبتي .. لقد مرّت أسوء سنوات حياتنا , وانتهينا من ذلك الكابوس
- جيم 
- نعم عزيزتي
جاكلين : هل كان كلام والدي صحيحاً ؟! ..هل نحن اولاد عشيق امي ؟
- لا طبعاً .. 
- لكن والدنا آرانا صورتهما .. 
جيم مقاطعاً : أتدرين !! أتمنى حقاً ان نكون ابناء صديقها , على ان نكون ابناء ذلك الوحش ! على الاقل , أطمئن بأن اولادي لن يحملوا جيناته القذرة 

أخته : معك حق .. فهو كان شرطياً قاسياً , لذلك عاملنا .. 
جيم مقاطعاً : لم يكن شرطياً يا جاكلين .. فقد علمت أثناء وجودي في السجن , ان عمله الحقيقي كان تعذيب المساجين السياسين كيّ يعترفوا بذنبٍ لم يرتكبوه ليتمّ تصفيتهم من قبل الدولة !
- آه ! الآن فهمت كيف استطاع تعذيبنا رغم صغر سنّنا !
جيم وهو يمسك يدها بحنان : حاولي ان لا تتذكّري تلك الأيام , عزيزتي 
فقالت بحزن : وكيف سأنسى إطعامه القسّري لنا , وحرماننا من دخول الحمام , وتعليقنا بالحبال رأساً على عقب , وإجبارنا على مشاهدة فيديوهاته وهو يعذّب المساجين ويكهّربهم .. عدا عن إعتدائه عليّ ..
أخوها مقاطعاً : كفى أرجوك , لا اريد تذكّر تلك الأمور .. كما لا اريد لإبنتي ان تعرف شيئاً عن جدّها القذر

أخته : وماذا أخبرتها عنه ؟
جيم بقهر : بأنه مات منذ ان كنت صغيراً , ولا أذكر شيئاً عنه
- هو مات فعلاً بالنسبة لنا , حتى قبل قتلك له
فتنهّد بضيق , ثم قال : ارتاحي اليوم , وغداً يوم عطلتي ..وسآخذكم جميعاً في نزهةٍ جميلة
فقالت بحماس : وهل ستطعمني الآيس كريم ؟!!
فأجابها بابتسامةٍ حنونة : نعم وسنأكلها على البحر , بعد ان نصنع قصراً من رمال الشاطىء .. كما كنّا نفعل مع المرحومة امي

فحضنته بحنان , بينما كانت زوجته تراقبهما من شقّ الباب وهي مازالت قلقةً منها !
***

ومرّت الأيام على خير .. تحسّنت بها حالة جاكلين النفسيّة , وبدأت تساعد زوجة أخيها بإعداد الطعام وبملاعبة الصغيرة .. 
لكنها ظلّت ترتعش لا ارادياً كلما اقتربت من باب القبو المقفل .. لذلك قام أخوها بإخفائه بالخزانة كيّ لا تتذكّر ما حصل لها في الأسفل 
***

الى ان أتى ذلك اليوم .. حين تسللّت الطفلة الى غرفة عمتها لتنام فوق صدرها , في الوقت ذاته الذي كانت تحلم فيه جاكلين بوالدها يمزّق ملابسها وهي تسمع صراخ أخيها من بعيد ..

وللحظة ظنّت بأن الذي فوقها هو والدها , فرمته على الأرض بقوّة .. ليستيقظ أهل البيت على صراخ الطفلة بعد ان ارتطم رأسها بحافةّ السرير , ممّا تسبّب بنزيفٍ في جبهتها .. 
فأسرعوا بها الى المستشفى لتقطيب الجرح ..
*** 

وبطريق العودة .. كانت الزوجه مازالت غاضبة من إخته التي تركوها وحدها في المنزل.. 
جيم : إهدأي قليلاً , ستوقظين الطفلة .. كما ان جاكلين أخبرتني بأنها رأت كابوساً أفزعها , ولم تعلم بإن ابنتي نائمة بقربها 
فقالت زوجته بعصبية : لكن هذا لا يبرّر رميها لإبنتي على الأرض بهذا العنف .. فقد شوّهت جبهتها , وكادت أن تفقأ إحدى عينيها .. لهذا لا اريد لتلك المجنونة ان تبقى في بيتي يا جيم !!

فأجابها بحزم : هذا بيت أهلي ولأختي نصيبٌ فيه .. لكنني سأطلب منها ان تقفل بابها حينما تنام .. لذا أوقفي نقاشك العقيم !!
وعادا غاضبين الى المنزل ..
***

في اليوم التالي .. حاولت العمّة مراضاة الصغيرة , لكن امها أبعدتها عنها خوفاً عليها , ممّا ضايق جاكلين كثيراً
***

وبمرور الأيام .. أحسّت جاكلين بأنها متطفّلة على عائلة أخيها التي لا ترغب بوجودها بينهم , فبدأت تعتزلهم .. وتطيل السهر مساءً والنوم طوال النهار .. 
***

وفي أحد الأيام .. سمع جيم (أثناء مروره من امام غرفة أخته) لحناً قديماً كانت تدنّدنه .. فدخل اليها مُعاتباً : 
- جاكلين ! لا تغني هذا اللحن اللعين مجدّداً !!
- أتقصد لحن ابي حين كان يستمتع بتعذيبنا ؟
- طالما انك تذكرين , فلماذا تضايقينني ؟!
فقالت مُبتسمة بشكلٍ يثير القلق : لكنه لحنٌ جميل , يعلق في الرأس 

وعادت تدنّدنه من جديد بلا مبالاة , وكأنها تتعمّد إغاظه أخيها الذي ساند زوجته بإبعاد الطفلة عنها في الفترة الماضية .. 
فصرخ بغضب : جاكلين !! توقفي في الحال .. أنتِ في بيتي وعليك احترام شعوري
فأجابته بلؤم : لكنه بيتي ايضاً , فلا تنسى ذلك
فخرج من غرفتها غاضباً..
***

وفي إحدى الليالي .. سمع الوالدان بكاء الطفلة , وحين صعدا الى فوق .. شاهدا لعبتها القطنية المُفضّلة ممزّقة الى قطعٍ صغيرة ..
فسألتها امها : من فعل ذلك ؟!
فأجابت الطفلة باكية : عمتي .. لقد مزّقته بالمقصّ !

فدخل الأخ الى غرفتها .. ليجدها وقد جرحت ذراعها بالمقصّ .. فسحبه منها بعنف ..ثم قام بتطهير جروحها السطحية , وهو يعاتبها:
- لما تفعلين ذلك يا جاكلين ؟ انت تخيفين عائلتي ! 
لكنها نظرت اليه مُبتسمة : ما رأيك ان ننزل معاً الى القبو ؟ 
الأخ بدهشة : ماذا ! لا طبعاً .. القبو أقفلته نهائياً 
- دعنا نستذكر ايامنا الجميلة التي قضيناها هناك .. هيا أخي
فأبعد يدها عن ذراعه بعنف : جاكلين !! ان لم تعقلي قريباً , فسأعيدك الى المصحّ !!
ففاجأته بأن سحبت المقصّ من يده وغرزتها بقوّة في ذراعه , وهي تصرخ قائلة :
- انا لن أعود ثانيةً الى هناك !!!!! 

وقد رأت زوجته ما حصل ! وأسرعت بإخراج المقصّ من ذراعه , وهي تصرخ بغضب :
- جيم , إخرج هذه المجنونة من بيتي !!
فقالت لها جاكلين وهي تصرّ على اسنانها بحنق : بل انت المجنونة!!
وقفزت عليها , وبدأت تشدّ شعرها بعنف ..والزوجة تصرخ بألم !!!! 

فلم يجد جيم حلاً الا بحمل أخته بالقوّة الى القبو الذي ظلّ مغلقاً لسنواتٍ طويلة , وقيّدها بالسرير الحديدي نفسه الذي أغتصبت عليه عشرات المرّات , لتصاب بعدها بنوبةٍ هستيرية مرعبة !  
وأسرع بإقفال القبو عليها , ليحمي عائلته من نوبتها العصبية المخيفة !
***

وفي الطابق الأرضيّ .. وبعد ان ضمّدت الزوجة جرح ذراعه .. قالت له , وهي تغلق أذنيّ ابنتها كيّ لا تسمع صراخ عمتها :
- ارجوك يا جيم , أخرجها من بيتنا .. فهي تُخيفنا وتؤذينا ايضاً !  
فقال لإبنته محاولاً تهدأتها : حبيبتي لا تبكي , عمّتك متعبة قليلاً .. 
ثم قال لزوجته : دعينا نتعشّى في الخارج , وحين نعود تكون هدأت نوبتها العصبية .. هيا بنا

وخرجوا من المنزل .. تاركين جاكلين تصرخ بهستيريا وهي تشعر بخوفٍ شديد داخل القبو المعتم !
***

بعد ساعتين , عادت العائلة الى المنزل ..فقال لزوجته :
- عزيزتي .. إحملي الطفلة وضعيها في سريرها , وأنا سأنزل الى الأسفل لإطعام اختي
- ارجوك انتبه يا جيم
- لا تقلقي , فأنا لا أسمع صوتها .. وأظنها نائمة الآن
***

ونزل الأدراج وهو يحمل الطعام الذي أحضره من المطعم , ليتفاجأ بسماعه للحن الذي يكرهه ! 
- الن تنسين تلك الموسيقى اللعينة ؟!!

وحين اقترب منها .. عرف بأن والده هو من يدنّدن اللحن من خلال إحدى فيديوهاته لتعذيب المساجين التي كانت تشاهده !
جيم بدهشة : كيف هذا ؟! من اضاء لك التلفاز ؟!
- ابي 
فقال جيم بعصبية : والدنا ميت .. قتلته بيديّ امام عينيك !! هل نسيتي ؟! اين الريموت لأطفئه ؟
- دعه يا جيم , فأنا مستمتعة بمشاهدته

فحاول الأخ اطفاء التلفاز القديم من الأزرار , لكنه اضاء لوحده من جديد !
فقالت جاكلين مبتسمة : ارأيت ..روح والدي تريدني ان أصبح مثله
صارخاً : لا !! لن يحدث هذا ابداً , ولا اريدك ان تفكّري بهذه الأمور مطلقاً.. هل فهمتي ؟!!

ثم أزال الشريط الكهربائي للتلفاز .. لكنه عاد وأضاء لوحده , على صوت صرخات السجين الذي كان والده يقتلع أظافره بعنف !
- كيف هذا !
أخته : أخبرتك ..والدي زارني قبل قليل , ويريدني ان أنتقم له .. حتى انه فكّ قيوي .. ارأيت !!

ورفعت يداها , ليرى بأن الأصفاد الحديدية التي كانت معلّقة بالسرير قد أُزيلت عنها ! ..فتراجع للخلف وهو يرتجف بخوف : 
- من فكّ قيودك ؟! 
- هل انت غبي يا جيم ؟ الم أخبرك قبل قليل بأن إبي يريدني ان آخذ مكانه 

وهنا حاول جيم التراجع الى الخلف ببطء , محاولاً الوصول الى الأدراج للهرب منها .. لكنها انتبهت عليه , فهجمت عليه بسرعة لتعضّه بعنف من ذراعه المجروحة سابقاً ! 

وقد وصلت صرخاته الى زوجته بالأعلى التي أسرعت الى القبو لتنقذه , بعد ان أخذت سكيناً من المطبخ.. 

وذهبت الى هناك وهي ترتجف برعبٍ شديد .. 
وما ان نزلت أولى درجات القبو , حتى همست لزوجها بقلق : 
- جيم اين انت ؟ .. قلّ شيئاً
لكن لم يظهر له صوت ! 

وحين اقتربت من السرير , وجدته مقيّداً مكان أخته وفمه مكمّماً بقميصه !
فسألته بصوتٍ منخفض : 
- اين أختك اللعينة ؟
واذا بها تفاجئها من الخلف ..
- انا هنا !!
وقفزت عليها , لتجرح وجهها بأظافرها الطويلة .. 
***

في الطابق الأرضي ..
إستمعت الطفلة برعب الى صرخات امها القادمة من الأسفل , قبل ان يختفي صوتها بعد ان قيّدتها جاكلين قرب جيم ..وكمّمت فمها بقطعة قماش قذرة وجدتها مرمية في زاوية القبو .. وكانا مازالا مندهشين من طاقتها الجسدية التي فاقت قوّتهما (رغم جسمها الهزيل) وكأن روح رجلٍ عنيف احتلّ جسد المجنونة جاكلين !

وبعد تقيّدهما , قالت وهي تلوّح بالسكين امام وجههما .. 
جاكلين : انا ذاهبة الآن للعب مع ابنتكما
فبدأ ينتفضا محاولان فكّ قيودهما بعد ان ارتعبا على مصير ابنتهما الوحيدة , لكن العمة لم تبالي بقلقهما .. بل أطفأت نور القبو بعد ان أقفلته بإحكام , لتتركهما منهاران بالبكاء
***

لكنهما لم يسمعا أيّة اصوات قادمة من فوق , فخافا ان تكون كمّمت فم الطفلة كما فعلت معهما ! 

لتعود العمة اليهما بعد ساعة , وتأخذ جهاز الفيديو وهي تقول :
- ابنتكما لا تريد النوم , فاقترحت عليها ان نشاهد فيلماً سويّاً .. لذا سأريها بطولات جدّها العظيم
فصار الوالدان يبكيان , وينطقا بكلام غير مفهوم بسبب الكمّامة الموجودة على فمها .. فقالت له :
- ماذا تقول اخي ؟ انا لا أسمعك .. آه لحظة

وأزالت الكمّامة عن فمه , فأخذ يترجّاها باكياً :
- ارجوك اختي ..لا تُريها تلك المناظر المرعبة , ستتعقّد طوال حياتها
- تتعقّد ! بل قلّ انها ستجن كعمتها .. على فكرة نسيت ان أخبرك .. بعد ان فكّ ابي قيودي .. أقصد روح والدي .. أشار الى فيديو معين بالخزانة , وقد شاهدت جزءاً منه .. يبدو ان اللعين كان يصوّرني أثناء إعتداءه عليّ .. (ثم سكتت قليلاً) ..كانت ملامحي صغيرة وبريئة , تماماً كإبنتكما ! ..على كلٍ , قرّرت ان أريها ذلك الفيديو ايضاً , كيّ تكره الرجال حينما تكبر .. هذا ان كبرت اصلاً 

ثم أعادت الكمّامة الى فمّ أخيها قبل ان يكمل كلامه..
وعادت الى فوق , بعد ان أقفلت باب القبو بإحكام
***

ومرّت الساعة تلوّ الأخرى ببطءٍ شديد , حتى طلع الفجر .. 
ثم نزلت اليهما وهي تحمل خبزاً وحليب ..
- لابد انكما جائعان
وأنزلت الكمّامة اولاً عن فم إخيها المتعب الذي سألها :
- ماذا فعلتي بإبنتي ؟
- أووه المسكينة .. لقد بكت كثيراً بعد مشاهدتها لتلك الأفلام المرعبة ..ونامت بعد ان تبوّلت على نفسها .. وقد سألت عنكما كثيراً .. لكن لا تقلقا , سأعتني بها جيداً .. والآن عليّ إطعامكما بنفس الطريقة التي كان يطعمنا بها والدي .. أتذكر يا جيم ؟

وبدأت تغمّس الخبز بالحليب وتدخله عنّوة في فمهما .. 
وحين رفضت الأم تناول شيء , صفعتها جاكلين بقوة وشدّت شعرها..وهي تصرخ في وجهها بغضب :
- حين آمرك بتناول الطعام , تأكلينه في الحال.. هل كلامي مفهوم ؟!!
فقالت الزوجة باكية : اريد دخول الحمام
- لوّثي ملابسك كما فعل زوجك
الزوجة : انا حقاً اريد دخول الحمام .. ارجوك  
- لكنك ستحاولين الهرب 
- لا !! أعدكِ ان لا أفعل .. هيا رجاءً جاكلين , أكاد أنفجر
- حسناً , سأجلب المقصّ لأقطع الحبال لأنني ربطتها بقوّة

وما ان فكّت قيودها , حتى هجمت الأم عليها كالمجنونة وبدأت تخنقها بكلتا يديها وهي تصرخ :
- ماذا فعلتي بإبنتي يا مجنونة ؟!!

واستغلّ الأخ انشغالهما , وأمسك بالمقصّ الذي تركته جاكلين امامه ليقطع الحبال عنه , لكن إحدى قدميه كانت مقيدة بالأصفاد الحديدية بالسرير , فقفز قدر إمكانه ليمسك بقدم أخته التي كانت تتعارك مع زوجته على الأرض بجانبه 

بينما أسرعت زوجته الى الطابق العلويّ لرؤية ابنتها التي تفاجأت بها مشوّهة الوجه بعد ان قيّدتها عمتها بالسرير ..
فاقتربت الأم منها وهي تكاد لا تصدّق ما تراه ! وأزالت اللعبة القطنية الصغيرة من فم ابنتها التي انهارت بالبكاء : 
- امي ساعديني .. عمتي تريد قتلي !

وقبل ان تفكّ الأم آخر رباط عن قدم ابنتها , تفاجآت بالمجنونة تقف عند الباب :
- لن تستطيعي إنقاذ ابنتك 
فسألتها الزوجة بقلق :
- ماذا فعلتي بجيم ؟
- أخي .. لقد طعنت قلبه بهذه (ورفعت المقصّ عالياً) .. وأظنه يحتضر في الأسفل .. والآن , جاء دوركما ..

وإذّ بالعمة تقفز بالمقصّ ناحيتهما ! فلم تجدّ الأم نفسها الا وهي تقاوم بشراسة لتحمي ابنتها الواقعة على الأرض وقدمها مازالت مربوطة بالحبال بطرف السرير ..

وبسبب خوف الأم على ابنتها (التي كانت تصرخ بهستيريا امامهما) استطاعت ببسالة سحب المقصّ من يد العمة لتطعنها بقوة في قلبها .. لكن قبل سقطوها جثةً هامدة , نفخت شيئاً في وجه الطفلة ..ثم ماتت !

فحضنت الأم ابنتها التي كانت ترتجف بقوة :
- لقد ماتت .. عمتك ماتت .. نحن بخير الآن .. دعيني أفكّ رباط قدمك , ثم أنزل لأرى والدك ان كان مازال حيّاً
وحين كانت الأم تقصّ الحبال عن رجل ابنتها , إذّ بالصغيرة تدنّدن لحن جدّها التي سمعته من فيديوهات تعذيبه للمساجين !

وحين التفتت الأم اليها بقلق , رأتها مبتسمة وهي تقول بصوتٍ رجوليّ خشن : 
- أحسنتِ , يبدو ان جسدك هو الأنسب لروحي العظيمة

وإذّ بشيءٍ اسود يخرج من فمّ الطفلة ويدخل في جسد امها , لتتجمّد في مكانها للحظة ! قبل ان تنهض وتسحب الوسادة من السرير , ثم تضعه فوق رأس ابنتها وتضغطه بقوّة .. وبينما كانت الطفلة تنتفض بشدّة محاولةً إلتقاط أنفاسها , كانت الأم تصرخ عليها بصوتٍ رجولي :
- موتي يا خائنة لأنك جعلتني أربّي اولاد عشيقك كل هذه السنوات !!!

ولم تعيّ الأم ما فعلته الا بعد توقف حركة ابنتها تماماً , لتدرك بعد رفعها للوسادة بأنها قتلتها بنفسها !  
فحضنت جثتها بقوةّ وصارت تبكي وتعتذر لها بحرقةٍ شديدة .. 
وظلّت على هذه الحال , الى ان حلّ المساء !
*** 

في تلك الليلة , وخارج المنزل الكئيب .. توقفت سيارة بها خطيبان جدّد , كانا يتغزلان ببعضهما ..
فقال الشاب لعروسته : هذا المكان هادىء وامامه غابة جميلة , فما رأيك ان نشتري هذا البيت العتيق ونرمّمه ليصبح بيتنا ؟
- وهل هو للبيع أصلاً ؟
- لا أدري حبيبتي , لنسأل أصحابه
وإذّ بهما يتفاجآن بالأم واقفةً أمام نافذة الشاب بثيابها الملوّثة بدماء العمّة وهي تدنّدن ذلك اللحن المريب .. 

فأسرع الشاب بإدارة المحرّك , لكنه تفاجأ بالسيدة تثقب عجلة سيارته بالمقصّ الذي تحمله  .. 
ثم رمت حجراً كبيراً على نافذته لتكسرها , وتسحب الشاب الى الخارج بسهولة وكأنه دمية من القطن !

فهربت خطيبته من السيارة وهي تصرخ برعب , بينما كانت الأم تقتل الشاب بطعناتٍ متتالية وهي تدنّدن نفس اللحن .. قبل ان تختفي عن أعين الناس الذين تجمّعوا حول مسرح الجريمة , بعد ان توغّلت في الغابة ! 
***

ولاحقاً أخبرهم أحد رجال الشرطة الذين جالوا بالغابة للبحث عن القاتلة بأنه سمع لحناً مخيفاً بصوت إمرأة تقهق بشكلٍ هستيريّ , ممّا جعله يهرب من هناك..

والى يومنا هذا .. لم يجرأ أحد على دخول الغابة , خوفاً من تلك السيدة المُتلبّسة بروح الجدّ الفاسدة التي يبدو انها علقت بداخلها للأبد !

الأحد، 14 أكتوبر 2018

هلوسة الإعتقال

تأليف : امل شانوحة


إنتقامٌ نفسيّ مُدمّر !

استيقظ الشاب العشريني في السرير العلويّ من زنزانته , ليتفاجأ برجلٍ أربعينيّ مُستلقي في السرير السفليّ !
- من انت ؟! ومنذ متى انت في زنزانتي ؟
الرجل بتهكّم : زنزانتك ! 
- نعم , فمحامي والدي وعدني بأن لا يشاركني أحدٌ هنا !
- لسوء حظك , لا يوجد أماكنٌ شاغرة في هذا السجن القرويّ الصغير .. لذا عليّ تحمّلك قليلاً , لأنني سأبقى هنا طوال حياتي
- مؤبّد ! .. ماهي تهمتك ؟
الرجل : القتل , مثلك تماماً

الشاب : انا كان دفاعاً عن النفس , فتلك المرأة المجنونة هي من اقتحمت حفلتي وكسّرت مكبّر الصوت لمسجّلي الغالي
- أحقاً ! وكيف قتلتها ؟
- رميتها في المسبح , ولم أكن أعلم ان تلك المرأة السمينة لا تُجيد السباحة
- هل حاولت انقاذها ؟
الشاب بعصبيّة : وما دخلك انت ؟!! هي ماتت بسبب فضولها , وانا حصلت على حكمٍ مخفّف لأني كنت أدافع عن نفسي وممتلكات منزلي بعد ان هاجمتني بمضرب البيسبول  
- ولما برأيك فعلت ذلك ؟
الشاب : قالت انني أزعجتها باحتفالاتي المتكرّرة وصوت الأغاني العالي .. المهم ماتت وانتهى أمرها ..ماذا عنك , من قتلت ؟

الرجل : زوجتي , لأنها خانتني .. وحصلت على المؤبّد لأنني قطّعتها ووزّعت أعضائها في الغابة .. قد تظنني وحشاً , لكن همّي كان ان لا أنكشف .. الا ان أحد اولاد الكشّافة وجد قدمها المبتورة , فاعتقلتني الشرطة بعد ان شهِدت جارتي على شجارانا العنيف قبل يوم من إختفائها , هذه هي قصتي .. وانت , كم ستبقى هنا ؟
الشاب : أنهيت شهراً , وبقيّ عليّ خمسة شهور 
- ليتني كنت ابن مسؤولٍ مهم مثلك , لأحصل على هذا الحكم المُخفّف 

وهنا ظهر صوت الجرس عالياً , وفُتحت ابواب الزنزانات تلقائياً 
الرجل : ماذا يحصل ؟!
الشاب : هذا وقت الغداء .. للننزل الى قاعة الطعام .. على فكرة اسمي هاني , وانت ؟
الرجل : ابو وليد 
هاني : هل لديك اطفال ؟
- لا هذا لقبي .. والأفضل ان لا تسأل عن اسمي
ففضّل هاني الصمت ..ونزل معه الى الأسفل , حيث تجمّع المساجين المئة ضمن طوابير لاستلام صواني الطعام ..
*** 

وبعد ان جلسا على الطاولة الكبيرة , لاحظ الرجل إبتعاد المساجين عنهما 
- لم نجلس وحدنا ؟!
هاني بفخر : لأنهم يخافون من والدي , لذا يمكنك إعتباري زعيم السجن
ابو وليد بدهشة : أملكت الزعامة بشهرٍ واحد ؟!
- بالطبع !! حتى أنظر

ونادى هاني على شابٍ هزيل الجسم بنبرةٍ آمرة :  
- هاى أحمد !! تعال نستبدل طعامنا , فالكميّة عندي قليلة 
فأعطاه الشاب صينيته وهو يكتم غيظه , خاصة بعد ان استولى هاني على تفاحته ..
ابو وليد : يبدو انك تحب الفواكه
- بالحقيقة لا , لكني سآكلها في المساء 
- أترى نظراته لك ؟ برأيّ لا تستفزّهم , فأنت لا تعرف ما يمكنهم فعله في لحظة غضب
هاني بثقة : لا تقلق , لا أحد يجرأ على أذيتي وانا ابن ..
ابو وليد : لا تُكمل , فوالدك ليس هنا لحمايتك 
- وماذا تقترح ؟
- هات التفاحة , سأحاول ان أراضيه 

وذهب ابو وليد ناحية الشاب أحمد وأعاد اليه تفاحته , بعد ان همس شيئاً في إذنه وهو يضغط برفق على رقبته من الخلف ! 
ثم رجع الى الطاولة لإكمال غدائه مع الشاب الغنيّ .. وما ان جلس قربه حتى سأله : 
- لما أتيت اصلاً الى قريتنا ؟
هاني : تغير جوّ , كما ان والدي من اهل القرية قبل انتقاله للعيش في المدينة ..ولدينا قصراً كبيراً هنا 
ابو وليد : أعرفه.. هو بجانب البيوت الصغيرة لمزارعيّ الحقول
- أتعرف ذلك الحيّ ؟
- نعم , شارعٌ هادىء
هاني : ليس بعد قدومي
وضحك ساخراً من شقاوته .. 

وهنا نظر ابو وليد الى الساعة وتمّتم قائلاً : 
- حان الوقت
وما ان علت دقّات الساعة 12 ظهراً , حتى صرخ أحمد وسط دهشة الجميع ! ثم صار يتقيّأ كل ما أكله وهو يمسك بطنه بألم !
فأسرع الحارس لمناداة طبيب السجن الذي قال بعد معاينته :
- يبدو انها حالة تسمّم , خذوه الى العيادة

وبعد ان أخرجوه .. همس ابو وليد لهاني :
- حالة تسمّم ! الم تكن تلك صينية طعامك ؟
هاني بخوف : نعم .. يا الهي ! من يريد تسميمي ؟!
- من الأفضل ان توقف تصرّفاتك المتعجرفة .. فوالدك ليس سياسياً محبوباً بعد سجنه للكثير من أهالي القرية الذين عارضوا ترشيحه 
- وما ذنبي انا لكيّ ينتقموا مني ؟!
ابو وليد هامساً : إخفض صوتك يا هاني .. الا ترى نظراتهم لك ؟ من الأفضل ان نعود الى زنزانتنا 

وعادا سويّاً الى هناك , ليستلقي ابو وليد في سريره .. بينما ظلّ هاني يفكّر طويلاً بالشخص الذي وضع السمّ في طعامه من بين المساجين المئة
***

وفي عصر ذلك اليوم .. فُتحت الزنزانات من جديد ..
ابو وليد (بعد ان استيقظ من نومه) : ماذا هناك ايضاً ؟!
هاني : بالعادة يسمحون لنا بالتمشية ساعتين في الساحة , للإستفادة من نور الشمس قبل الغروب .. سأسبقك الى هناك
فصرخ ابو وليد محذّراً : لا توقف !!
- ماذا هناك ؟ لقد أرعبتني !
- إيّاك ان تمشي لوحدك , هل نسيت انه اليوم حاول أحدهم تسميمك ؟
هاني بقلق : أتظنه ينتظرني بالساحة ؟
- إحتمال وارد .. دعني أرافقك , فأنا أعرف بعض حركات الكاراتيه وسأدافع عنك في حال استلزم الأمر , لكن بشرط
- ماهو ؟
ابو وليد : اريد من محامي والدك ان يُخفّف عنّي حكم المؤبّد 
- حسناً , سأطلب منه ذلك  
ابو وليد : اذاً إتفقنا .. هيا بنا
***

في الساحة الصغيرة المُكتظّة بالمساجين .. جلس هاني يلتفت يميناً ويسارا بقلقٍ واضح .. فعاتبه ابو وليد :
- لا تُظهر ارتباكك لهم 
هاني بقلق : انا فعلاً خائف , وأحاول ان أعرف من منهم تجرّأ على العبث بطعامي .. 
- وبمن تشكّ ؟
هاني : هناك ثلاثة مساجين يعملون في مطبخ السجن , وأظنه واحداً منهم 
- تفكيرٌ سليم .. لكن ربما يكون غيرهم .. 
- أفكّر ان أتصل بالمحامي لينقلني الى سجن المدينة , بدل ان أبقى هنا مع القرويين الحاقدين على والدي ! 
ابو وليد : اذاً إذهب الآن واتصل به  , ماذا تنتظر ؟
***

وفي مكتب الشرطي سمير الذي قال له :
- ممنوع !! الإتصالات يومين فقط بالإسبوع , وانت تعرف القوانين جيداً
هاني : ارجوك سيدي , الإتصال ضروري لأن حياتي في خطر  
- قلت ممنوع !! الا تسمع ؟ كما ان موعد الزيارات سيكون بعد الغد , يمكنك الإنتظار الى ذلك الحين .. هيا عدّ الى زنزانتك 
***

وعاد هاني الى عنبر الزنزانات غاضباً , مع بقيّة المساجين بعد انتهاء استراحة المساء..
ابو وليد : يبدو من نظراتك الغاضبة انهم لم يسمحوا لك بالإتصال بمحاميك .. اليس كذلك ؟
هاني بغضب : سألقّن ذلك الشرطي درساً لن ينساه !!
- من تقصد ؟ .. الشرطي سمير
- من هو اصلاً ؟ انا لم أره من قبل !
ابو وليد بصوتٍ منخفض : إخفض صوتك يا غبي .. فالشرطي سمير معروف في كل القرية , وهو قاسيٍ جداً وعقاباته مُدمّرة .. وأنصحك ان لا تعانده ابداً كيّ لا تطول مدّة محكوميتك 
- أهو نفسه الذي نُقل الينا قبل ايام ؟
ابو وليد : نعم .. هو اساساً يعمل في سجن المدينة , لكنه أتى الى هنا بمهمّةٍ سرّية .. ولا أحد يعلم ماهي !

وبعد قليل .. إنطفأت الأنوار داخل الزنزانات , بينما بقيت الأنوار مضاءة في الممرّات..
ابو وليد وهو يستلقي على سريره : حان موعد النوم .. دعنا ننام باكراً كالدجاج , فلا شيء نفعله هنا سوى النوم
***

في اليوم التالي .. استيقظ هاني ليرى وجه ابو وليد مرتعباً وهو يقرأ رسالةٍ ما !
هاني : ماذا هناك ؟
فأعطاه الرسالة التي فيها تهديداً بالقتل ..
هاني : أيريدون قتلك ايضاً ؟!
فسلّمه الظرف التي كانت بها الرسالة , وقد كتب عليه : ((الى ابن السياسي الملعون : هاني فاضل))
هاني برعب : ماذا ! أهذا التهديد لي ؟!
فأومأ ابو وليد برأسه إيجاباً .. 
فصار هاني يفكّر بقلقٍ ورعب , ثم قال :
- ترى من الذي يتجرّأ على تهديدي ؟

وإذا بأبواب الزنزانات تُفتح لوقت الفطور .. فخرج هاني غاضباً من زنزانته ليرى المساجين في طريقهم الى قاعة الطعام .. فوقف عند أعلى الدرج وصرخ عليهم قائلاً , وهو يلوّح برسالة التهديد :
- من منكم ايها الحثالة الملاعيين يحاول قتلي ؟!!
فنظروا اليه بحنقٍ وغضب , لكنهم التزموا الصمت.. 

فأسرع ابو وليد ناحيته وأعاده الى الزنزانة.. 
- ماذا تفعل يا مجنون ؟! لما تُثير غضبهم ؟!
هاني وهو مازال غاضباً : أريد لذلك الجبان ان يواجهني !!
- انت جننت فعلاً .. هل نسيت ان اليوم هو موعد الإستحمام ؟ أتريد ان تُقتل هناك , حيث لا يوجد حرّاس بالداخل ؟!
- اذاً انا لن استحمّ
- انت تعرف تماماً انه إجباريّ , كما غداً هو موعد الزيارات .. أتريد ان تقابل والدك برائحتك النتنة هذه ؟ 

فسكت هاني مُمتعضاً , فأردف ابو وليد قائلاً :
- أتدري .. سأحاول ان أكلّم الشرطي سمير كيّ يأذن لك بالإستحمام وحدك بعد انتهائنا جميعاً .. لكن أبقى هنا , وسأطلب من الحرّاس ان يسمحوا لك بتناول فطورك في زنزانتك 
هاني بقلق : وهل سيقبلون ؟
- لا تقلق , فنحن جميعنا ابناء قريةٍ واحدة وهم يعرفونني جيداً .. على كلٍ , سأحاول .. إيّاك ان تتحرّك من مكانك

وبالفعل استطاع ابو وليد إقناع أحد الحرس بالسماح لهاني بتناول طعامه في زنزانته , بعد إقفال الباب عليه لحمايته من غدر المساجين الغاضبين 
***

وبعد ساعة .. عاد ابو وليد الى زنزانته , وهو يقول بارتياح :
- إبشر يا صديقي , لقد قبل الشرطي سمير بأن تكون آخر من يستحمّ فينا .. لكني لا أضمن ان يتبقّى لك مياهً ساخنة
هاني : لا يهمّني سوى ان أبقى حيّاً لحين انتهاء هذا الكابوس الفظيع
- بضعة شهور وتعود الى احتفالاتك ..
- ليس هنا بالتأكيد , بل سأعود فوراً الى المدينة 
ابو وليد : الى ذلك الوقت , عليك ضبط أعصابك ولسانك جيداً .. إتفقنا
فأومأ هاني رأسه إيجاباً  
***

في المساء .. وبعد ان انتهى جميع المساجين المئة من الإستحمام .. دخل ابو وليد الزنزانة وهو يجفّف شعره بمنشفته , ويقول لهاني :
- جاء دورك .. هيا انزل للأسفل
- أمتأكّد ان لا أحد هناك ؟
- انت آخر واحد .. إطمئن 
فأخذ هاني ثيابه ومنشفته , ونزل الى هناك وهو مازال قلقاً من رسالة التهديد 
***

في الحمام .. وبعد ان فتح الماء
هاني بضيق : الماء باردة جداً .. لا يهمّ , يبقى أفضل من وجودي معهم

وبعد قليل .. وقبل ان يزيل الصابون عن شعره , إذّ بسجينٌ ضخم يدخل الحمام ويقول له :
- هل أنت وحدك هنا ايها الوسيم ؟ .. أتدري انني معجبٌ بك منذ البداية 
فقال هاني بصوتٍ مرتجف : ماذا تريد مني ؟
فقال الرجل بابتسامةٍ مرعبة : أريدك انت يا عزيزتي 
فأسرع هاني بلبس ملابسه والتوجه ناحية الباب ..لكنه تفاجأ بالرجل الضخم الذي امتلأ جسمه بالأوشام يقف في وجهه ويمنعه من الخروج !
- لا يا عزيزتي .. لا يمكنكِ الهرب مني بهذه السهولة 

وإذّ بأبو وليد يدخل الحمام من خلف الرجل ويطعنه في الظهر , ليسقط على الأرض مغشياً عليه وسط بركة من الدماء ! 
ثم صرخ على هاني :
- مابك تجمّدت في مكانك ؟!! هيا لنسرع الى زنزانتنا قبل ان يرانا أحد 
وانطلقا مسرعين الى فوق .. 
***

وما ان دخلا الزنزانة , حتى أُقفلت جميع الأبواب تلقائياً ! 
هاني وهو مازال يرتجف : اللعين ! كان سيعتدي عليّ لوّ لم تنقذني
ابو وليد وهو يمسح الدماء عن فرشاة أسنانه : 
- لقد رأيته ينزل الى الأسفل وعرفت انه يُلاحقك , فهو محكوم بتهمة التحرّش بالأولاد
- لحظة ! أرني سلاحك .. ما هذا ؟ أطعنته بفرشاة أسنان ؟
ابو وليد : أنظر جيداً .. لقد قمت بحدّ طرفها حتى أصبحت كالسكين
- رائع !
- دعها معك , فهم سيحاولون إيذاءك من جديد 

الغريب انهما الوحيدان اللذان لاحظا ارتباك الحرس بعد أيجادهم للسجين المطعون في الأسفل .. لكن يبدو ان الشرطة كتمت على الموضوع لأنها لا تريد إثارة حماس بقيّة المساجين ! 
ابو وليد وهو يرمي المنشفة لهاني : خذّ !! نشّف شعرك قبل ان تمرض بهذا الجوّ البارد , واخفي السلاح جيداً 

فأخفى الفرشاة الحادّة داخل إحدى الأعمدة الحديدية لسريره , بعد ان أزال غطاء العامود البلاستيكي 
فقال له ابو وليد : حركة ذكيّة .. والآن لننمّ سريعاً كيّ لا نُثير الشكوك .. ولا تقلق , فغداً ينشغل المساجين بزيارة أهاليهم 
هاني وهو يستلقي على فراشه : أتمنى ان يزورني والدي , فلديّ الكثير لأخبره عنه 
***

في اليوم التالي ومنذ الصباح الباكر .. بدأ المساجين بحلق ذقونهم وتحسين مظهرهم للقاء الأسبوعي مع عائلاتهم..
وبعد ذهاب ابو وليد الى حيث يُجرى الإجتماعات , وقبل نزول هاني .. فاجأه الحارس قائلاً :
- ليست لديك زيارات اليوم
هاني بدهشة : ماذا تقول ؟! الم يأتي ابي او محاميه لرؤيتي ؟!
- لا لم يأتي أحد , لذا إبقى مكانك 
وعاد وأغلق باب الزنزانة عليه , فصرخ هاني بغضب :
- إذاً اتصل بوالدي كيّ يستعجل بالقدوم قبل انتهاء الزيارة !! ..هل تسمعني ايها الحارس ؟!!

لكن الحارس نزل للأسفل دون الإهتمام بمطالبه , ممّا أغضب هاني كثيراً وصار يُثير الفوضى داخل زنزانته وهو يصرخ بهستيريا :
- اللعين !! أكلّ همّهِ الإنتخابات وزوجته التافهة واولادها الحمقى !! ماذا عني أنا ؟ الست ابنه البكر ؟!! الا يخاف ان أُقتل هنا ؟! اللعنة على حياتي البائسة !! ..كم أكرهك يا ابي !!!!
*** 

بهذه الأثناء .. كان والد هاني والمحامي في غرفة الشرطي السمير الذي قال لهم :
- أعتذر منك سيد فاضل , لكن ابنك يرفض تماماً رؤيتك .. وأنصحك ان لا تراه , فأعصابه متعبة جداً هاذين اليومين .. حتى أنظر بنفسك 
وجعله ينظر الى شاشة المراقبة لزنزانة ابنه , ليراه وهو يُثير الفوضى بداخلها بهستيريا !
الأب بقلق : ومالذي أغضبه هكذا ؟!
الشرطي : غاضبٌ منك لأنك لم تخرجه من السجن حتى الآن 
الأب بعصبية : وكيف نخرجه بعد قتله لتلك المرأة في مسبحه ؟!! 
المحامي : وانا قمت بعملٍ جبّار لإقناع المحكمة بأنها حالة دفاع عن النفس , وخفّضت حكمه الى ستة أشهر ! ..ماذا يريد أكثر ؟!
الأب : كما انني رشوت أصدقائه لحذف ما حصل من جوّالاتهم , ولكيّ لا يشهدوا ضدّه ..مع انني الى الآن لا أصدّق انه منعهم من إنقاذها !
المحامي وهو مازال ينظر الى هاني الغاضب من كاميرا المراقبة , قال للوالد :
- من الأفضل ان تُرسل له معالجاً نفسيّاً

الشرطي : المشكلة الأكبر ..انه طعن أحد المساجين بالأمس
الأب بدهشة : ماذا ! 
المحامي : هذا سيزيد من محكوميته 
الشرطي : بالطبع .. لكن لأجل السيد فاضل سأخفي هذه الحادثة عن اللجنة التي ستأتي قريباً لتقييم حالته
الأب بارتياح : شكراً لك , لن أنسى معروفك هذا
وأشار لمحاميه الذي أعطى شيكاً للشرطي الذي قال :
- انه مبلغٌ محترم .. لا تقلق , فنحن نحاول قدر الإمكان ان نُبعد ابنك عن المشاكل
الأب بضيق : لا أدري والله ماذا أفعل معه ! فهو أصبح مشاغباً منذ وفاة أمه ..أعانني الله عليه ..(ثم تنهّد بضيق).. ماذا تقترح علينا؟ 
الشرطي : برأيّ عليكما الإنتظار لموعد الزيارة القادم , لربما هدأ جنونه قليلاً 
الأب : حسناً .. لكن طباخي أعدّ له الطعام الذي يحبه , فهل يمكنك إعطائه له ؟
الشرطي : بالطبع
ثم قام بتوديعهما , ليذهبا دون مقابلة هاني ..
*** 

وبالوقت الذي كان فيه هاني يبكي لوحده في زنزانته , كان الشرطي سمير يتناول طعامه وهو سعيد بالشيك الذي أعطاه إيّاه السيد فاضل .. وكان يتمّتمّ وهو يتناول الدجاج المشوي :
- بالتأكيد انت لا تستحق هذا الطعام اللذيذ , سيد هاني
***

في هذا الوقت .. نزل المساجين الى قاعة الطعام للغداء بعد مغادرة عائلاتهم السجن .. 
وكان هاني مازال غاضباً من والده , لذلك جلس صامتاً بجانب ابو وليد الذي قال له :
- توقف عن التفكير بوالدك الآن , وتناول طعامك قبل ان يبرد 
لكن هاني مازال غارقاً بالتفكير .. فأردف ابو وليد قائلاً :
- هل مازلت خائفاً ان يكون أحدهم دسّ لك السمّ في الطعام ؟ ..حسناً دعني أتذوّق بعضاً منه لكيّ تطمئن 
وأخذ صينية هاني , وبدأ يتناول لقمة من كل الأصناف الثلاثة ..

وبعد قليل .. تفاجأ هاني بأبو وليد يتقيّأ ما في بطنه ! فسأله بقلق : 
- ماذا ! سمٌّ جديد ؟!
فأومأ ابو وليد برأسه إيجاباً , وهو يمسك بطنه بألم.. 
وهنا فقد هاني أعصابه تماماً , وانفجر غاضباً امام المساجين : 
- من الذي يصرّ على قتلي ؟!!.. ليواجهني ان كان رجلاً !!!
فقال أحدهم : إجلس واصمت , إن كنّا نريد موتك لقتلناك بسهولة
فتوجّه هاني اليه بغضب : أرني اذاً !!! 
ثم هجم عليه كالوحش ! 

وعلى الفور !! ضجّت القاعة بالصراخ .. وحدثت معركة كبيرة بينهم , تطاير بها الطعام في كل مكان ! 
بينما كان الشرطي سمير يأكل آخر قطعة دجاج (من طعام هاني) وهو يشاهدهم من فوق .. 

وبعد ان إنهالوا المساجين ضرباً ببعض (بعد ان استغلّت عصابتين معاديتين الموقف لأخذ الثأر فيما بينهم) .. 
أطلق سمير صافرته , ليتدخّل حرسه بالعصيّ المُكهربة لإيقاف الشغب .. 

وبعد ان توقفوا .. نزل سمير اليهم ليرى الطعام منثوراً على الأرض ووجوه المساجين مُدمّاة من أثر الضرب .. 
فقال لهم :
- يبدو ان لا أحد جائعٌ هنا , لذا عودوا جميعاً الى زنزانتكم .. ولن تأكلوا شيئاً الى يوم الغد .. يمكنكم شكر البطل هاني على ذلك  
ثم اقترب من ابو وليد الذي كان مازال متعباً على طاولته , وقال للحارس: 
- خذّ هذا الرجل للعيادة .. وهاني ايضاً .. اما الباقيين فجروحهم خفيفة
***  

في العيادة .. 
اقترب ابو وليد من هاني بعد ان ضمّد الممرّض جروح وجهه 
- هل انت بخير ؟
هاني : جروحٌ بسيطة لا تخفّ , المهم انني ربّيتهم 
ابو وليد : الا تدري ماذا فعلت ؟ لقد زوّدت أعداءك .. الجميع الآن غاضبٌ منك لحرمانهم الطعام , كما انك أغضبت كِلا العصابتين
- وماذا تقترح ؟
- عليك ان تنتبه جيداً هاذين اليومين , لأنهم بالتأكيد سيحاولون الإنتقام منك 
هاني بلا مبالاة : لم يعدّ يهمّني شيء  
ابو وليد بنبرةٍ ساخرة : طالما كذلك يا بطل , فدعنا على الأقل نعود سالميّن الى زنزانتنا .. هيا بنا
*** 

أثناء عودتهما الى هناك .. وفي كلّ مرّة يمرّ بها هاني امام إحدى الزنزانات يسمع شتائمَ مختلفة .. حتى إنه رأى أحدهم يقوم بإشارة الذبح على رقبته , تهديداً له بالقتل !
فهمس له ابو وليد : غداً ينسون ما حصل , لا تقلق
هاني بغضب : إذا وجدتني مقتولاً هنا , فاعلم ان إهمال والدي هو السبب .. كم أكرهه !! 
*** 

ومرّ اليوم التالي بسلام .. حيث التزم هاني الصمت والهدوء امام بقيّة المساجين الذي لم يجرأ أحدٌ منهم على إثارة الفوضى بعد ان امتلأت قاعة الطعام بالحرس الإضافيين ..
***

وفي المساء .. أتى الحارس الى الزنزانة ليقول لهما :
- هاني !! ابو وليد !! دوركما اليوم في غسيل الملابس
وحين خرجا .. قال له ابو وليد بتعب :
- دعنا نُنهي عملنا سريعاً , فأنا مازلت أشعر بتوعكٍ خفيف 
هاني : هل ما زلت تعاني من آثار التسمّم ؟
- قليلاً .. هيا بنا
***

ونزلا الى غرفة الغسيل ..وبدءا بوضع الملابس داخل الغسّالات..
هاني باشمئزاز : أخاف ان أصاب بالجذام من وراء هذه الملابس الملوّثة القذرة ..
فضحك ابو وليد : جذام مرةً واحدة .. لا تقلق , وضعنا لن يسوء أكثر ممّا نحن فيه ..

وبعد قليل ..رمى ابو وليد الملاءة على الأرض , بعد ان وضع يده على معدته ..
هاني بقلق : ماذا حصل ؟!
- أشعر بألمٍ شديد في مُصراني , سأذهب الى دورة المياه .. إكمل انت العمل الى حين عودتي

وذهب سريعاً تاركاً هاني لوحده في غرفة الغسّالات , والذي حاول إخفاء قلقه بمتابعة العمل .. 
لكن فجأة ! إنطفأت الكهرباء ليعمّ الظلام المكان .. وهنا سمع صوتاً يقول له :
- إنتبه !! حياتك في خطر 

وبعد قليل .. لمح رجلاً من بعيد يضع قناعاً من الخيش على رأسه , ويُضيء وجهه بقنديلٍ قديم .. ثم صعد الأدراج دون ان يتفوّه بكلمة !
وقبل ان يصرخ هاني برعب , عادت الكهرباء وارتفعت أصوات الغسّالات من جديد .. 

فركض بسرعة باتجاه الأدراج , ليوقفه ابو وليد قائلاً :
- هاني ! الى اين تذهب ؟
فأجابه بوجهٍ شاحبٍ مُرتعب : هناك من يحاول قتلي , من الأفضل ان أعود الى زنزانتي فوراً 
- حسناً إذهب , وانا سأكمل العمل 
وعاد هاني الى زنزانته , لينهار باكياً على سريره بعد ان أتعبته الحوادث الأخيرة التي حصلت معه !
***

بعد اسبوعين وفي منتصف الليل .. استيقظ هاني مُتعرّقاً ليجد الرجل المقنّع خلف الزنزانة وهو يشير بيده الى القنديل , ثم يشير اليه .. ومن بعدها أطفأ قنديله ومشى بعيداً .. 
فقفز هاني للسرير السفليّ , وأيقظ ابو وليد وهو يرتجف من الخوف :
- لما أيقظتني يا هاني ؟!
فقال هاني بصوتٍ مُرتعش : الرجل المقنّع الذي أخبرتك عنه , انه خلف الزنزانة 

فنهض ابو وليد من سريره ونظر من بين القضبان , لكنه لم يرى شيئاً ! 
- لا يوجد أحد يا هاني , ويبدو ان الوقت متأخّر من الليل .. فهيا عدّ الى النوم
فأجابه بصوتٍ متهدّج : كيف أنام وهناك من يهدّدني بالموت ! 
- لحظة ! هل قلت انه يلبس قناعاً من الخيش ويحمل قنديلاً قديماً ؟
- نعم 
ففكّر ابو وليد قليلاً , ثم قال : أمعقول انه هو ؟!
- من ؟

فأخبره ابو وليد : بإن سجن القرية كان مهجوراً لسنواتٍ طويلة قبل ان يُعاد ترميمه .. والوحيد الذي لم يخرج منه حياً : كان السفّاح الذي إعتاد على إخفاء تشوّه وجهه بقناعٍ من الخيش , وقد جدوه أثناء إخلاء السجن وقد حرق نفسه بقنديل الممرّ بعد ان جذبه اليه 
هاني برعب : كان يشير الى القنديل ثم اليّ , أكان يقصد انه يريد حرقي ؟

ابو وليد : ولما يريد حرقك انت بالذات ؟ .. آه لحظة .. هل ربما لأنك تجلس في سريره 
- ماذا ! أهذه زنزانته ؟
- أعتقد ذلك .. فأنا قرأت عنه : بأن زنزانته كانت بآخر الممرّ , تماماً كزنزانتنا !
هاني بضيق : جميلٌ جداً .. الا يكفيني ان المساجين يريدون قتلي , والآن الأشباح أيضاً
- لا أظن ذلك ..انت فقط تتوهّم لأنك لا تأكل ولا تنام جيداً هذه الأيام .. فهيا عدّ الى سريرك 
هاني : لا طبعاً , سأنام في مكانك
- كما تشاء .. المهم ان ننام هذه الليلة 
واستبدلا سريرهما .. لكن هاني ظلّ يحلم بالكوابيس طوال الليل .. حتى انه شعر بأحدهم يجذّب قدمه بعنف , ممّا أيقظه مع تباشير الصباح !
*** 

بعد ساعتين .. استيقظ ابو وليد ليجد هاني يجلس بسكونٍ مُقلق في سريره
- اوه ! هل استيقظت باكراً ؟
هاني بتعب : وهل نمت اصلاً 
- صار وضعك صعب يا صديقي

وهنا تفاجآ بمجموعة من الحرس تتوجّه نحو الزنزانات وهم يصرخون :
- تفتيش !! 
وفُتحت الأبواب , وبدأ كل حارسين بتفتيش إحدى الزنزانات .. 

ولم يمضي وقتٌ طويل حتى وجدا فرشاة الأسنان الحادّة , وجوّال خلف المرحاض !
فنادى أحد الحارسين الشرطي سمير الذي سأله :
- ماذا وجدتما ؟
الحارس الآخر : سلاحٌ يدوي , وجوّال
الشرطي : ولمن الجوّال ؟
فنظر هاني بدهشة الى ابو وليد , ثم قال للشرطي سمير : ليس لي! 
ففتح الشرطي الجوّال ليجد صورة هاني مع صديقته على الواجهة , فوجّهه اليه قائلاً :
- كيف تنكر انه جوالك ؟
فنظر هاني بدهشة الى جوّاله , وقال بارتباك :
- نعم هو , لكنكم أخذتموه مني قبل إيداعي السجن !
الشرطي سمير بتهكّم : اذاً كيف وصل اليك ؟
هاني مرتجفاً : والله لا ادري .. صدّقاً سيدي !
الشرطي سمير : آه ! يبدو ان هناك تسجيلاً عليه , لنسمعه سويّاً 

واذا به صوت هاني وهو يعترف قائلاً : ((نعم , قتلت السيدة البدينة .. كان شكلها مضحكاً جداً وهي تحاول بيأس الخروج من مسبحي.. حتى انني هدّدت أصدقائي بالمسدس في حال ساعدوها.. كان موقفاً حماسيّاً بالفعل , لا أشعر بالندم حياله))
وهنا تلعثم هاني بدهشة : انا .. انا لم أقلّ هذا الكلام ! 
الشرطي سمير : لكنه اعترافٌ واضح بصوتك , لهذا سأسلّم الجوّال الى اللجنة التي ستأتي قريباً لتقييم حالتك
- لا ارجوك سيدي , هكذا سيتهمونني بالقتل العمد وتضاعف عقوبتي
سمير بسخرية : تضاعف ! بل ربما تحصل على الحكم المؤبّد.. هذا إن لم يكن إعداماً ..

وهنا اقترب حارسٌ ثالث منهم وهو يقول : 
- سيدي !! وجدنا بزنزانة الرجل الضخم هذه السكينة الحادّة
الشرطي سمير : أتقصد صاحب الأوشام ؟
- نعم سيدي
سمير : يبدو انه كان ينوي قتل أحدهم بعد عودته من المشفى !
هاني بخوف : يريد قتلي انا !! 
وهنا قال سمير للحارسين :
- خذا هاني والرجل الضخم الى الأسفل 
هاني برعب : والى اين تأخذوننا ؟
سمير : الى الحبس الإنفرادي لمخالفتكما الأوامر
- لا !! لا تضعونني مع ذلك المجرم المخيف 
سمير بلؤم : انه حبس إنفرادي يا غبي .. هيا خذاه !!
***

ووضعوا هاني في سجنٍ إنفرادي , ليس فيه الا فتحة صغيرة بالباب الحديدي .. كما وضعوا الرجل الضخم في الزنزانة المجاورة والذي ظلّ يهدّده طوال اليوم بتعذيبه بشتّى الطرق لطعنه له
فصرخ هاني بعد ان تعب من سماع تهديداته : 
- للمرّة المليون أقول لك !! انا لم أطعنك , بل زميلي في الزنزانة ..هو الذي تسلّل من خلفك وطعنك من ظهرك .. الا تذكره ؟!
صوت الرجل الضخم من الزنزانة المجاورة : لا !! انا لم أرى أحداً في الحمام سواك .. وحين نخرج من هنا , ستنال عقابك  
***

وفي وقتٍ متأخّر من تلك الليلة .. أعادوا الحرس المجرم الضخم الى زنزانته.. 
فصرخ هاني عليهم بغضب : وماذا عني ؟!! هو ايضاً كان يُخفي سلاحاً في زنزانته .. على الأقل كان معي فرشاة اسنان حادّة , وليس سكيناً !
لكنهم لم يجيبوه , وتركوه وحده بالزنزانة المنفردة .. 

في هذه اللحظات .. لمح فتاة من بعيد تنظر اليه !
هاني بدهشة : غادة ! ..أهذا انت ؟!
فلوّحت بيدها وكأنها تسلّم عليه , فناداها صارخاً وهو يبكي :
- غادة !!! لا تتركيني حبيبتي !!! ارجوك سامحيني !!! 
لكن فجأة ! إختفت الصبية مع إنطفاء الأنوار .. 
فصرخ هاني برعب :
- يا حرّاس !! أنيروا الأضواء !! الا يسمعني أحد ؟ 

وإذّ به يرى عدّة صور للمرأة التي قتلها تُعرض على جدران زنزانته ! كما سمع صوتها وهي تغرق في مسبحه : ((ساعدوني !! انا لا أعرف السباحة !! انا أغرق !!))
فصرخ هاني برعب , وهو يغلق أذنيه : توقفوا رجاءً !!!!!

وبعد قليل .. سمع طرقاً على بابه الحديدي ! فأسرع الى هناك ليرى من خلال الفتحة : عيوناً حمراء للرجل المقنّع بالخيش وهو ينظر اليه مباشرةً .. فتراجع هاني الى الخلف بسرعة ليتعثّر ويسقط بقوة على رأسه , ممّا أفقده الوعيّ 
*** 

لم يستيقظ هاني الا في الصباح الباكر , بعد ان فتح له الشرطي سمير الباب , ليقول وهو يغلق أنفه :
- أوف ! ما هذه الرائحة ؟! هل تبوّلت على نفسك يا ولد ؟!
ثم قال للحارسين :
- خذاه للحمام كيّ يستحمّ
واسنداه الى هناك , وهو بالكاد يستطيع الوقوف بعد ان عانى من ليلةٍ عصيبة 
*** 

بعد ساعة .. عاد هاني الى زنزانته بعد ان غيّر ملابسه ليستلقي فوراً على سريره السفلي .. فاقترب منه ابو وليد ليسأله بقلق :
- ماذا فعلوا بك الملاعيين ؟! 
لكنه لم يجيبه .. فتركه ليرتاح قليلاً
حيث ظلّ هاني طوال النهار هامداً في سريره .. وبالكاد شرب ملعقتين من الحساء , بعد ان أصرّ عليه ابو وليد كثيراً
***

في المساء .. طلب هاني رؤية الشرطي سمير بالحال , وحين أخذه الحارس اليه ..استأذن بإجراء مكالمةٍ عاجلة لمحاميه
الشرطي سمير : وماذا تريد منه ؟
هاني : أريده ان ينقلني غداً الى سجن المدينة .. لأنني ان بقيت يوماً آخراً هنا , إمّا سأقتل او أصاب بالجنون
- يبدو انك لا تعرف ما حصل ؟
هاني بقلق : ماذا ؟

سمير : لقد أرسلت تسجيل اعترافك الى جوّال محاميك , وبدوره أسمعه لوالدك .. فجنّ جنونه , لأنه كان يظنّ بأن ما حصل للسيدة قضاءً وقدر , فهو لم يصدّق ما شهدَ به اصدقاءك .. واتصل بي غاضباً وقال : بأنه فقد الأمل منك , ويريدك ان تتربّى هذه المرة .. لذلك طلب من محاميه إيقاف استئناف حكمك المخفّف 
هاني بقلق : وماذا يعني ذلك ؟
- يعني مدّة الستة أشهر ستُلغى قريباً , وستُعاد محاكمتك على ضوء الأدلّة الجديدة .. وربما حينها تُسّجن عشرين سنة بتهمة القتل العمد , هذا على أقلّ تقدير
هاني بدهشة : ماذا ! هل جنّ والدي ؟ .. (ثم صرخ بغضب) ..لما يريد تدمير مستقبلي ؟!! أكان هذا إقتراح زوجته اللعينة ؟!! 
الشرطي سمير : إهدأ يا ولد .. وحين يأتي غداً لزيارتك , إسأله بنفسك .. (ثم نادى) ..ايها الحارس !! أعيده الى زنزانته
***

وعاد هاني غاضباً الى زنزانته , وهو يسبّ ويلعن والده الذي تسبّب زواجه الثاني بموت أمه.. 
فسأله ابو وليد مستفسراً : لم أفهم ! ما دخل امك بالموضوع ؟!
هاني وهو يمسح دموعه : كنت في 12 من عمري حينما ذهبت مع امي الى مكتبه لنفاجئه بهدية عيد ميلاده .. وبقيت انا في السيارة لبعض الوقت , الى ان عادت امي مُنهارة بالبكاء , وهي تشتم ابي وتنعته بالخائن ! وقبل ان نصل الى بيتنا , إنحرفت السيارة عن مسارها في حادثٍ أليم .. ولأن امي لم تضع حزام الأمان مثلي , فقد لفظت أنفاسها الأخيرة بقربي بعد ان نزفت كثيراً .. امّا السكرتيرة اللعوبة فقد تزوجت ابي بعد اسبوعين فقط من وفاتها ..ولديها الآن ثلاثة اولاد منه , لذلك لم يعد ابي يهتم لأمري .. وأظنها هي من أرادت إبقائي في السجن لأطول وقتٍ ممكن خوفاً على اولادها , فهي لطالما أخبرتني بذلك .. (ثم تنهّد بغضب) ..ليتني قتلتها اولاً .. سارقة الرجال وهادمة البيوت !! 

ابو وليد : إهدأ يا هاني , وحاول ان تنام قليلاً .. كان الله في عونك 
فاستلقى هاني على سريره وهو مازال يستذكر الماضي بحزن
***

في اليوم التالي ظهراً .. نزل هاني الى غرفة الإستقبال الخاصة لرؤية المحامي ووالده الذي تفاجأ به يقفز عليه ويخنقه بغضب ! فحاول الحارسان إبعاده , بينما هاني مازال يصرخ على والده كالمجنون :
- الا يكفي انك قتلت امي بخيانتك !! والآن تريدني ان أبقى هنا للأبد لأجل زوجتك الساقطة.. ليتني قتلتكما سويّاً إنتقاماً لأمي !!!
الأب وهو يختنق بين يديه : إبعدوا هذا المجنون عنّي !!
وبعد ان أبعده الحارسان عن والده , أكمل هاني كلامه الغاضب لأبيه :
- أصبحت مجنوناً بسببك انت , ايها الأب الفاشل !!
وهنا أمر الشرطي سمير (الذي دخل الغرفة بعد سماعه المشاجرة) من الحارسين إعادته الى زنزانته .. 

الا ان السيد فاضل كان أشدّ غضباً من ابنه بعد ان أهانه امام الجميع , فقال لمحاميه :
- اين الملفّ القديم لإبني اللعين ؟!!
المحامي : لكن سيدي..
الأب مقاطعاً بغضب : هاته !!
فأخرج المحامي بتردّد ملفّاً قديماً لهاني , وقام الأب بتسليمه للشرطي سمير 
الأب بعصبية : خذّ !! بهذا الملفّ ستجد كل فضائح ابني منذ صغره .. أعطه للجنة , ودعه يتعفّن بالسجن .. فأنا لا اريد هذا الولد العاقّ , فالله عوّضني بثلاث اولاد أفضل منه .. واخبره بأنه لن يرى وجهي ثانيةً , اساساً انا أبعدته عن المدينة بسبب مشاكله التي تعرقل إنتخابي .. ولن أسمح له بتدمير مستقبلي السياسيّ بسبب تهوره .. ومنذ اليوم !! لم يعدّ يهمّني أمره .. هيا بنا !!
وخرج غاضباً مع محاميه من السجن .. وكانت هذه آخر مرّة يرى فيها ابنه 
***

ولاحقاً أعطى الشرطي سمير ملفّ هاني القديم للجنة التي اجتمعت بعد أيام لتحقيق معه بضوء المعطيات الجديدة ..

وفي زنزانته , كان هاني قلقاً جداً قبل نزوله اليهم ..
فاقترب منه ابو وليد ومعه حبةً زرقاء.. 
- خذّ هذه , ستريحك .. هي أفضل من الدواء السابق 
- وما هذا الدواء ايضاً ؟!
ابو وليد : مهدّئ , طلبته قبل قليل من عيادة السجن .. أظنك بحاجة اليه أكثر مني .. هيا اشربه كيّ تهدأ امام اللجنة , فأنت لا تريد مضاعفة سنوات سجنك , اليس كذلك ؟
- الخوف الأكبر ان أحصل على حكم الإعدام بسبب والدي العزيز
- اذاً اشربها فوراً قبل ان ينادوك , لا اريدك ان تجنّ امامهم كما فعلت بزيارة والدك .. هيا ابلعها , هداك الله
وبعد ان بلع هاني الحبة , أتى الحارس لأخذه الى اللجنة المكوّنة من : محققين وطبيبة نفسيّة والشرطي سمير
***  

ودخل هاني غرفة اللجنة مُرتبكاً .. وجلس امام طاولتهم وهو يقول لهم :
- قبل ان تقولوا شيئاً .. والدي يحاول الإنتقام مني لأني برأيه شوّهت صورته امام اصدقائه السياسيين , لذا لا تصدّقوا كل ما قاله عنّي
المحقّق الأول : نحن لم نأتي هنا لحلّ مشاكلك العائلية , بل بسبب تسجيلك الإعترافي
هاني بارتباك : انا حقاً لا اعرف كيف ظهر صوتي في التسجيل , ولا كيف وصل جوّالي الى زنزانتي ! ..أحلف لكم 
الشرطي سمير وبيده الملف ..
- ليت مشكلتك التسجيل فحسب .. فوالدك أعطانا ملفّ إنجازاتك القديم , وسنناقشه سويّاً 

ثم فتح سمير الملف امامه وقرأ منه : 
- سلخ القطط بعمر 13 .. شيءٌ جميل ؟
هاني : كان حلمي ان أكون طبيباً بيطرياً 
الشرطي سمير : الطبيبة منى .. ما رأيك بكلامه ؟
الطبيبة النفسيّة ومعها نسخة عن الملفّ : 
- مذكورٌ في ملفك يا هاني ان طبيبك النفسيّ الذي عالجك في صغرك قال في تقريره المُرفق مع الملف : انك أخبرته بأنك فعلت ذلك لأنك تعشق الدماء وتريد ان تصبح دراكولا حينما تكبر
هاني بحزن : ليس هذا .. بل كنت أعاني من حادثة امي , حيث ظلّت تنزف بجانبي الى ان ماتت .. رحمها الله 
الشرطي سمير : لا يهمّ , لنكمل .. سرقة محل بعمر 15
هاني : كان رهاناً بيني وبين صديقي , لكني أعدّتُ المال الى صاحبه وهو سامحني
المحقق الثاني : لم يسامحك الا بعد ان دفع له والدك تعويضاً كبيراً
هاني بدهشة : لم اكن أعلم !
سمير : لنُكمل .. آه ! هذه التهمة جميلة .. إعتداء على صديقتك غادة 

فأخفض هاني رأسه بحزن وقال بندم : كنت سكراناً , والغبية أوصلتني الى بيتي وهي تعرف بأن والدي عند زوجته .. وحينها لم أتمالك نفسي
المحقق الأول : عدا عن الإعتداء , أصيبت المسكينة بكسرٍ مضاعف في ذراعها وجروح في كافة أنحاء جسمها .. يالك من عاشق
الطبيبة : الم تكن خطيبتك ؟
هاني وهو يتنهّد بحزن : بلى .. لكنها فسخت الخطوبة وسافرت الى أهلها في الخارج , ولم أرها منذ ذلك الحين 
المحقق الثاني : جيد انها لم ترفع قضية تحرّش ضدّك .. ومع هذا لا نستطيع تجاهل وحشيتك التي أدّت لاحقاً لإغراق المرأة المسكينة
الشرطي سمير : مازالت هناك حادثة أخرى علينا مناقشتها , وهي عندما قمت .. 

وقبل ان يُكمل , أحسّ بأن جسم هاني يترنّح يميناً ويسارا , فسأله : 
سمير : هل انت بخير ؟!
وحينها كان هاني يشعر بدوارٍ مُفاجىء .. وبدأ يسمع أشياء غريبة : كصوت القطط وصراخ غادة واستغاثات المرأة .. 
فضغط بقوّة على رأسه وهو يصرخ بألم :
- توقفوا عن الصراخ !!!
الطبيبة منى بقلق : ماذا يحدث معك يا هاني ؟! ..تكلّم معنا

وإذّ به يضحك فجأة ! قائلاً : 
- كم كان شكلها مضحكاً وهي ترفس بقدميها الماء كالبطة السمينة .. لقد غرقت امامنا كسفينة التيتانيك ..
فنظرت اللجنة لبعضها باستغراب ! وهو مازال يضحك على غرق تلك السيدة , دون إحساسه بتأنيب الضمير 
وظلّ هاني يضحك بهستيريا الى ان سقط على الأرض مغشيّاً عليه .. فأعاده الحارس الى زنزانته .. 

بينما تيقنت اللجنة من إدانته بالقتل العمد , وأوصوا بأشدّ العقوبات عليه .. فيما عدا الطبيبة منى التي كتبت في تقريرها : بأنه يعاني من انفصام شخصية بسبب موت امه في صغره , ويحتاج الى علاجٍ مكثّف في مشفىً نفسيّ متخصّص بالمدينة .. وكتبت بآخر التقرير : عنوان ذلك المستشفى  

ورغم معارضة المحققين لقرارها , الا ان القاضي اراد إثباتاً قوياً على انه مريضٌ نفسي وليس مجرماً قبل إصدار حكمه النهائي .. فتوكّل سمير بهذه المهمّة 
*** 

وبعد يومين , في المساء .. أدخل الشرطي هاني الى مكتبه , دون علمه بأنه يسجّل المحادثة لعرضها لاحقاً على القاضي .. 
لكن ما ان جلس هاني , حتى سأله :
- اين ابو وليد ؟ هو لم يعدّ من الإستحمام ليلة البارحة .. هل أذاه الرجل الضخم ؟
الشرطي سمير بدهشة : ومن هو ابو وليد ؟!
هاني : ابو وليد .. الرجل الأربعيني الذي شاركني زنزانتي لشهرٍ ونصف تقريباً .. صاحب النظارة
- هل فقدت عقلك بالمرّة يا ولد ؟! الم تطلب من محاميك ان لا يشاركك أحد الزنزانة ؟
- هل تتعمّد إجناني ؟! ابو وليد رفيقي في الزنزانة ! ما بك ؟!! 
سمير : أين ؟ .. أنظر بنفسك 

وجعله يشاهد فيديوهات عن كاميرا المراقبة في زنزانته بالأيام الماضية : حيث كان هاني إمّا نائماً لوحده , او يتكلّم بمفرده !
هاني بدهشة : لكن ابو وليد هو من طعن الرجل الضخم في ظهره! 
سمير باستغراب : ماذا تقول ! لم تحدث عندنا أيّةِ حوادث طعن في الشهرين الماضيين  
- كيف ! الحمام امتلأ بدمائه , وبقيّ اسبوعين في المشفى .. حتى إسأله بنفسك ان كنت لا تصدقني
فنادى سمير : يا حارس !! أحضر الرجل الضخم .. ما أسمه بالمناسبة ؟
الحارس : هو يحب هذا اللقب , والكلّ يناديه هكذا ..أظن اسمه يعقوب
سمير : حسناً أحضره الى هنا

وبعد قليل .. دخل الرجل , فسأله سمير :
- هل تعرف هذا الشاب ؟
وأشار على هاني ..
فأجاب يعقوب : لا أعرف اسمه , لكنه أحد المساجين الجددّ .. لما تسألني سيدي ؟ 
وهنا سأله هاني : الا تذكر يوم اجتمعنا بالحمام , وطعنك زميلي ابو وليد ؟
يعقوب بتهكّم : ماذا ! ومن يجرأ أصلاً على طعني ؟!
فصرخ هاني بغضب : أدرّ ظهرك اذاً !!

فنظر يعقوب الى الشرطي سمير بغضب الذي أشار له ان يفعل .. وحين رفع هاني قميصه لم يظهر أيّةِ ندبة او جرحٌ قديم في ظهره المليء بالوشوم!
هاني بدهشة : كيف هذا ؟! لقد طعنه أمامي
سمير : يا حارس !! أعيد يعقوب الى زنزانته
وبعد خروجهما من المكتب ..

هاني بارتباك وتوتّر : انا لم أجنّ بعد ! ابو وليد كان صديقي , لابد ان رآه أحد من المساجين 
ففكّر سمير قليلاً , قبل ان يقول : لحظة ! ..هل ظهر المدّعي ابو وليد في زنزانتك فجأة ؟
- ليس فجأة .. هو صحيح انني استيقظت ذات يوم ووجدّته امامي , لكن حتماً أحضره أحد الحرّاس اليّ ! 
سمير : قلت لي منذ متى تراه ؟
- يعني ..شهر ونصف تقريباً
فنظر الشرطي في الملفّات امامه , ثم قال :
- المكتوب عندي : انك آخر من دخل السجن , منذ ثلاثة شهور
فقام هاني من مقعده بغضب : أتقصد ان ابو وليد جنّياً مثلاً ؟!! 
سمير بلؤم وحزم : إجلس ..قلت أجلس !! لننسى قليلاً ابو وليد هذا , ونركّز على الأهم .. فقد أحضرتك اليوم لنتكلّم في تهمةٍ سابقة لك
هاني بغضب : أستعاقبونني ايضاً على قتلي للقطط ؟!!
- بلّ على هذا

وأدار له الملفّ , ليصعق هاني حين رؤيته لصورة ابو وليد في ملفّه القديم , ووقف قائلاً :
- نعم !! هذا هو ابو وليد الذي كلّمتك عنه
وهنا أخرج سمير صورة أخرى لجثةٍ مُضرّجة بالدماء في الشارع العام 
- أتقصد هذا ؟
فتهالك هاني على كرسيه بصدمة , ثم سأله : ومن الذي قتله ؟!
سمير بابتسامةٍ لئيمة : انت !! 
هاني بدهشة : لا ! مستحيل .. متى ؟ 
- منذ سنة تقريباً , دهسته بسيارته حين كنت سكراناً .. الا تذكر الحادثة ؟ كان في طريقٍ فرعي للمزرعة المجاورة لقصرك..
هاني مقاطعاً : نعم ..دهست كلباً أسوداً خرج فجأة من بين الأحراش , انا أذكر ذلك جيداً
سمير : كنت سكراناً وظننته كلباً ..ولوّ انك أوقفت سيارتك لكنت أسعفت الرجل قبل ان ينزف حتى الموت .. ربما لذلك تراه معك في الزنزانة , هذا يسمّى تأنيب الضمير  
هاني وهو يصرخ بارتباك : لا مستحيل , انا لست مجنوناً !!

وفجأة ! خرج الرجل المقنّع بالخيش من الخزانة الحديدية خلف مكتب سمير , ووضع القنديل فوق رأس الشرطي  
فقفز هاني فوق المكتب وهو يحذّره : إنتبه !! سيحرقك  
فحاول سمير إيقافه , لكن فجأة سقط هاني مغشيّاً عليه فوق المكتب!  

وانتهى هنا التصوير الذي شاهده القاضي في اليوم التالي .. وعلى اساسه أصدر حكمه المُوافق لرأيّ الطبيبة , حيث أرسله الى عنوان المستشفى النفسيّ التي أوصت به في تقريرها 
*** 

بنهاية الأسبوع .. تمّ ترحيل هاني الى المدينة بحافلة المساجين الذي جلس بها مع شخصٍ آخر ظلّ بعيداً عنه طوال الرحلة .. الى ان اقتربا من المشفى , فجلس بقربه .. وفجأة ! شعر هاني بشيءٍ يغرز في قدمه , ليجده أبره مخدّر .. بينما همس له السجين بنبرة تهديد : 
- سلّم لنا على والدك النزيه

وأغميّ عليه فوراً .. ليستيقظ بعدها وهو مُقيد بسرير العيادة , وأمامه طبيبٌ نفسيّ يضع كمّامة على فمه , والذي قال له :
- وهآقد استيقظ مريضنا أخيراً
فقال هاني بتعب : دكتور ..ارجوك لا تعطني أدوية غريبة , فأنا لست مجنوناً
- ومن قال اننا بحاجة الى ادوية .. فنحن سنستخدم هذه
ورفع أمام وجهه الصاعق الكهربائي..
فانتفض جسم هاني برعب : لا !! لا تكهربني رجاءً 
- لا تقلق , لن نستخدمها الآن .. ليس قبل ان نتكلّم قليلاً , لكني انتظر شخصاً .. إبقى هادئاً لحين وصوله
***

بعد نصف ساعة .. دخل الشرطي اليهما ..
هاني بدهشة : الشرطي سمير !
فاستقبله الطبيب : الحمد الله على سلامتك
سمير مبتسماً : الدكتورة منى تسلّم عليك
الطبيب : انا فعلاً مُمّتنٌ لها , لإرسالها المريض اليّ 
سمير : لا تنسى مجهودي بالموضوع
هاني بقلق : هل كنتما متفقان مع طبيبة اللجنة منذ البداية ؟!
سمير بابتسامةٍ لئيمة : بالطبع !! فهي صديقتنا منذ الصغر .. اليس كذلك أخي ؟
هاني بصدمة : الدكتور أخوك ؟
وهنا أزال الطبيب القناع عن فمه , ليصرخ هاني بدهشة :
- ابو وليد !!
- بل سامي .. إسمي سامي , وهذا أخي سمير
هاني : كيف هذا ؟! ألم يلاحظ أحد بالسجن انكما أخوين ؟!
سامي : هذا لأننا أخوين من ناحية الأم 
فأكمل سمير غاضباً : الأم التي قتلتها انت بدمٍ بارد ايها الحقير !!

هاني : الآن فهمت كل شيء .. أدخلك اخوك زنزانتي لتفقدني عقلي , اليس كذلك ايها الصديق المخادع ؟!! ومن ثم أنكر سمير وجودك ليوهم القاضي بأنني مجنون .. يالها من لعبةٍ قذرة , والله سيدمّركما والدي ان عرف بالأمر
سمير بلؤم : والدك تخلّى عنك يا صديقي , ولم يعدّ أحد يهتم لمصيرك سوانا
فصرخ هاني بغضب : أريد ان أعرف كل شيءٍ الآن !!
فنظر الأخوان لبعضهما , ثم قال سمير : لا بأس أخي .. إخبره بكل ما خطّطناه سويّاً , فهو لن يخرج من مشفاك ابداً

((وهنا نضع كل الأحداث التي جرت بالماضي بالحركة السريعة Flashback)) بصوت الدكتور والشرطي))

سامي : حسناً , سأخبرك بكل شيء منذ البداية ..(فتنهّد قليلاً ثم قال) ..إتصلت بنا امنا وأخبرتنا عن إزعاجك المتكرّر لأهالي القرية
فأكمل سمير بحزن : وبما انها تعاني من الأرق المزمن فقد انهارت أعصابها من قلّة النوم , فهجمت عليك دون ان تنتظر قدومي بنهاية الأسبوع لحلّ المشكلة .. وعرفت لاحقاً من التحقيقات , ان اصدقائك لم يساعدوها لأنك هدّدتهم بالمسدس .. لكن ما لا تعلمه انه قام أحدهم بتصوير ما حصل .. ونحن استخدمنا صراخ امي في لحظاتها الأخيرة لتخويفك في سجنك الإنفرادي , بعد ان أخفيت كامير سينما في الجدار , كيّ ترى صورها في كل مكان ..مُترافقاً ذلك مع صوت القطط
الدكتور سامي : كانت تلك لمسة جميلة يا سمير
سمير : شكراً أخي

ثم أكمل الطبيب سرد الأحداث مع هاني قائلاً : 
- كما الذي ساعد في معاناتك تلك الليلة انني أعطيت أخي غازاً طبّياً يسبّب الهلوسة , وانت شممّته هناك دون ان تُدرك ذلك  
سمير : ولا تنسى أخي , فكرتك بوضع صوت لقطرات الماء من الصنبور المعطّل التي ساهمت ايضاً بفقدان إتزانه تلك الليلة 
هاني بغضب : أكنتم تتلاعبون بي , يا ملاعيين !!
الطبيب ساخراً : نعم كفأر تجارب

هاني : لكن كل هذا لا يبرّر رؤيتي لخطيبتي غادة والرجل المقنّع! 
سمير : موضوع غادة عرفته قبل ان أقرأ ملفّك القديم , فقد أخبرتنا إحدى صديقاتك اللآتي حضرنّ حفلتك الأخيرة عن ما حصل معها ..وحين أرتني صورة لغادة , تذكّرت ابنة جيراننا التي تشبهها كثيراً ..فطلبت منها القدوم الى السجن والوقوف بعيداً عن زنزانتك .. ثم أوهمك عقلك المُتعب بأنها نفسها خطيبتك السابقة ! 

سامي : إخبره أخي عن الرجل المقنّع .. فأنا من ثبّتُ له الفكرة , بعد أن إخترعتُ له قصة السجن المهجور 
سمير : صحيح ..الرجل المقنّع كان حارس السجن العجوز الذي سيتقاعد بنهاية السنة , والذي قبِلَ بالمهمّة بعد أن أعطيته بعض المال .. كما إنني زوّدته بعدساتٍ حمراء , وضعها لك في ليلة زنزانتك الإنفرادية .. (ثم ضحك) ..ليتك سمعته يا سامي كيف صرخ حينما رآه , كالفتاة الصغيرة الخائفة .. فأنا كنت أراقبه من كاميرا أخفيتها هناك 
الطبيب ساخراً : المسكين , ظنّه جنياً ! 
سمير : حتى انه تبوّل على نفسه 
وضحكا ساخرين منه .. 

هاني مُمّتعضاً : اذاً انت لا تنكر بأنه كان موجوداً في الغرفة وراء مكتبك؟ 
سمير : نعم كان موجوداً , وحين قفزت على مكتبي كالمجنون لتهاجمه , غرزت إبرة منوّم في ذراعك كنت أخفيها بيديّ , فأغميّ عليك فوراً
هاني بعصبية : اذاً كيف لم يره ذلك القاضي الخرِف ؟!! 
سمير : لأن لديّ صديق خبير بالكمبيوتر إستطاع ببراعة حذفه من التصوير قبل ان أسلّم الشريط للقاضي , فظهر وكأنك تهاجم الفراغ ! وهو نفسه الخبير الذي حذف أخي من كاميرا زنزانتك التي أريتك إيّاها , حيث أظهرتك وكأنك تكلّم نفسك.. حركة ذكيّة , اليس كذلك ؟

هاني بقهر : يا حقير ..وانت !! ماذا عن الأدوية التي كنت تعطيني إيّاه ؟
الدكتور سامي : كلّها أدوية تسبّب الهلوسة , ساعدت بإظهار جنونك وقت زيارة والدك ووقت تقييم اللجنة .. هذا عدا عن تنويمي لك مغناطيسياً في أوقاتٍ كثيرة لتطيع أوامري , خاصة حين أمرتك ان تعترف بقتلك لأمي والذي سجّلته على جوّالك الذي أحضره أخي من غرفة الأمانات 
سمير بابتسامة : لا شكر على واجب , يا سامي 

ثم أردف الطبيب قائلاً : كما انني سيطرت على عقل الشاب احمد وطلبت منه ان يتقيّأ فور سماعه لدقّات الساعة 12.. إنها تقنية السيطرة على العقل الباطن , يُجيدها القليلون من أطباء النفس 
هاني باستغراب : اذاً لم يكن الأكل مسموماً ؟!
الطبيب : لا ابداً , ولا حتى في يوم مشاجرتك مع الجميع بقاعة الطعام ..(وقال ساخراً) .. بصراحة فاجأني ردّك العنيف , فأنا لم أكن أدري بأن تمثيلي مقنعاً لهذه الدرجة ! 
هاني ممّتعضاً : يا لعين !! بسببك فقدّت الكثير من وزني لخوفي من تناول طعام الكافتريا , ولولا أكلي لبقايا طعامك لمتُّ من الجوع ! 

الطبيب مبتسماً بلؤم : إنتظر , فمازال هناك أشياء لا تعرفها .. مثل انني كنت أيقظك دائماً في آخر الليل : امّا بنغزك بدبوس او بتمرير ريشة على أنفك .. (ثم ابتسم) ..وفي مرة شدّدت قدمك بقوّة , فظننتني جنّياً !
وضحك الأخوان ساخرين منه .. 

وكتم هاني غيظه ثم قال :
- وماذا عن الرجل الضخم ؟ فأنا رأيت الدم بعينيّ 
الشرطي : دمٌ مزيف , فقد إتفقت معه على هذه التمثيلية مقابل علبتيّ دخان
هاني بغيظ : والله انكما أسوء مني بكثير
فنظرا لبعضهما ثم قالا :
- هذا صحيح
وضحكا مجدداً ..

فصرخ هاني بغضب : سأفضحكما !! 
الطبيب بسخرية : لمن يا عزيزي ؟ فلا أحد يصدّقك بعد الآن , كما ان سمير حذف صوري من كل كاميرات المراقبة 
الشرطي : والسجناء ايضاً لن ينطقوا بشيء , لأنهم يهابونني 
فبدأ ينفتضّ هاني , صارخاً بغضب : فكّا قيودي يا جبناء !!! والله سأخرج من هنا واقتلكما سويّاً !!
سمير : أخي , يبدو ان مريضك بحاجة الى تأديب
سامي : دعه لي , وانت عدّ الى عملك 
الشرطي : لكن لا اريد ان أوصيّك , فنحن لا نريد موته
الطبيب : لا تخفّ .. هو سيتمنّى الموت ألف مرة لقتله أمنا بدمٍ بارد

وهنا عرف هاني بأن أمره انتهى , فحاول محاولةً أخيرة لاستعطافهما :
- لحظة رجاءً .. انا قتلت امكما وانا في حالة سُكر , كما كنت تناولت مخدّراً جديداً يقويّ الحسّ الإجرامي , فلم أكن أعيّ ما أفعله.. ارجوكما سامحاني .. وأعدكما أن أتغيّر تماماً ان أخرجتماني من هنا .. والله سأتوب عن كل أخطائي .. صدّقاني 
الطبيب : تأخّرت كثيراً يا رفيق الزنزانة

سمير : أساساً كنت طوال حياتك فاشلاً في كل شيء , بالدراسة وبالوظائف التي وكّلك بها والدك , عدا عن إعتدائك على خطيبتك , والسرقة والخمور والمخدرات 
الطبيب : ولا تنسى أخي قتله للحيوانات 
الشرطي : هذا صحيح .. يعني بالنهاية انت مشروع إنسانٌ فاشل , ولا حاجة لأمثالك في مجتمعنا .. حتى والدك لا يريدك يا رجل .. وبرأيّ , مستشفى المجانين أنسبٌ لك .. فهيا أخي , قمّ بالواجب
الطبيب : سأفعل لا تقلق .. أتمنى فقط ان تكون أمنا فخورة بنا , بعد ان إنتقمنا لها
سمير : أتمنى ذلك ايضاً .. آه على فكرة هاني .. في حال زارك والدك يوماً , فاشكره على المبلغ الضخم الذي أعطانا إيّاه , فقد تقاسمته مع أخي
وضحكا ساخرين منه .. 

وبعد ان خرجا من الغرفة .. قال الطبيب لأخيه :
- ماذا ستفعل الآن ؟
سمير : سأعود الى عملي بين سجن المدينة والقرية , على حسب المهمّات الموكلة اليّ

وهنا عادا وسمعا نداءات الإستغاثة من الداخل :
هاني صارخاً : ليساعدني أحد !! انهم يريدون تعذيبي !!
الطبيب : سأبدأ فوراً بالعلاج التدميري لهذا المتعجرف 

ثم ودّع أخاه الشرطي .. وعاد الى الغرفة , بعد ان نادى على ممرضيّن للبدء في العلاج الكهربائي .. 
فصرخ هاني برعب , بعد ان شدّا الممرضان وثاقه بالسرير 
- كهرباء لا , ارجوك ابو وليد ... دكتور سامي ..لااااااااا
ثم ارتفعت صرخاته المؤلمة في أرجاء المستشفى ..
***

وبعد سنة من رحلة العلاج الطويلة والقاسية.. زار سمير أخاه سامي , ليسأله عن هاني ..
فأخذه الطبيب الى قاعة المرضى وهو يقول له : 
- إنظر بنفسك 
وبعد ان شاهده هناك , سلّم على أخيه وهو يقول بارتياح :
الشرطي سمير : الآن يمكن لأمنا ان ترقد بسلام .. أحسنت أخي 

وابتعدا عن القاعة التي كان يرقص فيها هاني رقصاً شرقيّاً لزملائه المجانين , بعد ان فقد عقله تماماً ! 

العرش اللاصق

تأليف : امل شانوحة  يوم الحساب إتصل بيدٍ مرتجفة بعد سماعه تكبيرات الثوّار في محيط قصره : ((الو سيدي .. لقد انتهى امري .. جنودي الجبناء هربوا...