الأحد، 14 أكتوبر 2018

إحتلال مدرسة

تأليف : امل شانوحة


الإرهابيون أخذوا الطلّاب رهائن !

فتح الأستاذ عينيه بصعوبة وهو يشعر بألمٍ في كافة أنحاء جسمه , حيث بدتّ الصورة في البداية مُغبّشة قبل ان يستوعب ما حصل ! 
فقد فاجأهم هذا الصباح أربعة إرهابيين مُقنّعين إستولوا على مدرسة القرية الصغيرة التي يعمل بها الأستاذ وخطيبته لتدريس صفّين من الطلّاب مُقسمين لعشرة فتيات وعشرين ولداً للمرحلة الإبتدائية 

وهنا تذكّر الأستاذ مقاومته لهم قبل ان ينهالوا عليه بالضرب المُبرح , ومن ثم جرّجرته فوق الأدراج حتى أوصلوه الى الملعب المغلق الذي جمعوا فيه كل الطلاّب ..
وما ان عدّل جلسته بتعب , حتى رمى له الإرهابي قطعة خبز وهو يقول : 
- هيا تناول غداءك .. 

فرأى الأستاذ الطلّاب من حوله يأكلون الخبز الناشف والدموع في عينيهم والخوف بادي على محيّاهم ..
فقال الأستاذ : على الأقل دعوهم يأكلون من مقصف المدرسة
فاقترب منه إرهابي , يبدو انه قائد المجموعة : 
- الأفضل ان لا تُسمعنا صوتك , فعقابك على مقاومتنا لم ينتهي بعد
فقالت له خطيبته المعلمة التي تجلس بجانبه , بصوتٍ منخفض :
- لا تقاومهم يا كمال وافعل ما يقولونه لك

الا انها تفاجأت بفوهة البندقية مصوّبة ناحيتها من أحد الإرهابيين الأربعة وهو يقول لها :
- تعالي واجلسي هنا , لا نريد رومنسيات في حضرتنا
وأرغمها على الجلوس بعيداً عنه ..
***

وبعد هذا الغداء البسيط .. سمع الأستاذ قائد الإرهابيين يتكلّم بجواله بعصبية :
((كيف تذهبون بهكذا مهمّة دون أخذ إحتياطاتكم ؟! بسببكم سنتأخر عن البدء بمطالبنا .. وسيأتي الأهالي بعد ساعتين لاستلام اولادهم , وبذلك تفشل المهمّة كلّها يا أغبياء !!))

وأغلق المكالمة بغضب .. فاقترب منه الإرهابي الثاني , وسأله بقلق :
- ماذا حدث ؟
- الحمقى .. في طريقهم الى السجن إنثقبت عجلة السيارة وليس معهم عجلة إحتياطية , وهم الآن ينتظرون الميكانيكي لتصليحها
- وماذا لو رأى الميكانيكي الأسلحة الموجودة في صندوق سيارتهم ؟
- سننفضح وقتها .. اللعنة !! يبدو ان العملية ستفشل 
- لا سيدي .. عليهم ان يسيطروا على السجن بأسرع وقت , كيّ نُخرج قائدنا من هناك
القائد بغضب : أتقول هذا لي !! قلّ ذلك للأغبياء ... هاى انت !! الى ماذا تنظر ؟

فأخفض الأستاذ نظره , بعد ان فهم القضية : ((فالإرهابيون ينوون إستخدام طلاّب المدرسة كورقة ضغط على الحكومة لإخراج قائدهم من السجن))
*** 

بعد قليل .. صرخت إحدى الطالبات بألم , بعد ان رفعها الإرهابي الشاب من شعرها , فسأله القائد :
- ماذا تريد منها ؟
- سيدي .. بما اننا ننتظر رفقائنا حتى يُصلحوا الوضع , فدعني أستمتع بهذه الطالبة الجميلة قليلاً
فابتسم قائده : ايها المنحرف , حتى ونحن في هذه الأزمة لا تستطيع كبح جماحك .. حسناً خذها الى القبو 
فصرخت الطالبة (ذو العشر سنوات) بفزع , أثناء جرّه لها بعنف الى خارج الملعب : 
- إستاذ كمال !! ارجوك ساعدني !!

فلم يستطع الأستاذ التحمّل أكثر .. وانطلق كالمجنون باتجاه الشاب المقنّع قرب الدرج ليقفز عليه , ويسقطان معاً الى الأسفل .. وقبل ان يلحقوهما بقيّة الإرهابيين , صرخ للفتاة : 
- أهربي !!!
فانطلقت مُسرعة باتجاه الباب الخارجي للمدرسة , لكن قبل ان تفتحه ..قتلها قائد الإرهابيين برصاصة إستقرّت في مؤخرة رأسها  

ولم يجد الأستاذ نفسه الاّ وهو يُسحب بأيدي الإرهابيين الثلاثة الى الملعب من جديد , بعد ان لمح جثة الطالبة واقعة امام الباب ..
وحين وصلوا الى تجمّع الطلاب الذين كانوا يبكون بفزع ..
قال له القائد بحنق : أتريد ان تكون بطلاً امام الأولاد ؟ ..حسناً !! أرينا بطولتك الآن .. 

وأطلق رصاصة في رأس خطيبته , لتموت في الحال ! وسط صراخ الأستاذ الذي جنّ جنونه , لينطلق فجأة باتجاه القائد ويخنقه بكلتا يديه ..الا ان الإرهابيين الثلاثة استطاعوا إبعاده بآخر لحظة قبل ان يقضي عليه ..

وبالرغم ان بعض الطلاب ركضوا باتجاههم مُحاولين مساعدة استاذهم .. الا انه أوقفهم , بعد ان رأى القائد يقوم من الأرض مذهولاً (بعد تعرّضه لهذا الإعتداء المفاجىء) ويوجّه سلاحه ناحيتهم , وهو يصرخ عليه بغضب: 
- أتريدني ان أقتل المزيد من الأطفال بسبب جنونك ؟!! 
فهدّأ الأستاذ من نفسه , وقال له بترجّي : 
- حسناً سأهدأ ..سأهدأ .. ارجوك لا تؤذيهم 
فأعطى القائد الأوامر لجنوده : بتلقين الأستاذ درساً لن ينساه في قبو المدرسة .. فجرّوه الى هناك ..
***

وقد إستمع الطلاّب بفزع الى صرخات استاذهم وهو يُضرب بقسوة في الطابق السفلي .. 
وبعد قليل .. ناداهم القائد من فوق الأدراج قائلاً :
- يكفي هذا !! لا أريده ميتاً .. قيدوه هناك وتعالوا اليّ
فقاموا بربطه بالحبال في إحدى الأعمدة وهو مضرّجٌ بالدماء , وصعدوا الى فوق من جديد ..

فانهار الأستاذ بالبكاء وهو يتذكّر حبيبته المعلمة التي كان سيتزوجها بالعطلة الصيفية ..
لكنه فجأة ! سمع صوت طالب يقول له من إحدى زوايا القبو المُعتمة :
- لا تبكي أستاذ كمال
- أحمد .. أنت أحمد , اليس كذلك ؟ .. تعال اقترب .. لا تخفّ , هم الآن في الأعلى .. تعال وساعدني بفكّ الحبال 

فاقترب الطالب الصغير بتردّد , وهو ينظر باستمرار لأعلى الدرج .. ثم قام بفكّ حبال الأستاذ , الذي استند على كتف الطفل للوصول الى إحدى زوايا القبو ..وصار يتلمّس الحائط 
- على ماذا تبحث أستاذي ؟!
- قديماً قُصفت هذه المدرسة وأُصيب جزء من الجدار بصاروخ , فأغلقت الفتحة بخشبة ثم دهنتها .. نعم !! هذه هي 
وبدأ يُزيحها الى ان ظهر الثقب من جديد , لكنه كان صغيراً .. 

فقال للطالب :
- انا لا استطيع الخروج من هذه الفتحة , لكنك تستطيع .. وحين تُصبح خارج المدرسة , أركض بأسرع ما يمكنك الى بيتك واخبر والدك بما حصل ودعه يتصل بالشرطة لإنقاذنا
- وماذا لوّ لم يصدّقني ؟
- معك حق .. إذاً خذّ
ومسح الأستاذ بعضاً من دماء جبهته على وجه الصغير , وقال له :
- سيصدّقونك حين يرون دمائي عليك .. هيا اهرب من هنا , واحضر المساعدة يا بطل 

فخرج الصغير من الفتحة الصغيرة بصعوبة .. ثم ركض بسرعة باتجاه بيته .. بينما أغلق الأستاذ الفتحة من جديد , وجلس في نفس المكان بعد ان لفّ الحبال حوله دون ربطها , وهو يُخفي قضيباً من الحديد خلف يديه .. ثم صرخ بعلوّ صوته :
- هاى !! أريد دخول الحمام !! فكّوا قيودي
فسمعه القائد من فوق , وقال له ساخراً :
- لا بأس , يمكنك تلويث ملابسك .. فنحن لن نفكّ قيودك ايها المجنون
فعاد الأستاذ وصرخ بجنون :
- أريد دخول الحمام حالاً !!
فقال الإرهابي الآخر لقائده : 
- أخاف ان يسمع أحد القروين صراخه ويفضحنا قبل وصول رفقائنا للسجن
- حسناً فكّا قيده , لكن انتبها منه

فنزل إثنان منهم الى الأسفل .. وقبل ان يصلوا الى الحبال , إنهال عليهم ضرباً بالحديد على رأسيهما , ممّا أفقدهما الوعيّ .. 
فجرّهما الواحد تلوّ الآخر الى غرفة المؤن الموجودة في الأسفل , وقفل الباب عليهما بعد ان ربطهما بالحبال وأغلق فمّيهما بقمصانهما .. 
ثم صعد الى فوق بحذر , بعد ان استولى على مسدّسٍ وسكين لهما 
***

لكن قبل ان يصل الى الملعب , سمع كلّ من كان بالمدرسة صوت مكبّر الصوت لشرطي القرية : وهو يحذّر الإرهابيين من إيذاء الأطفال
القائد بدهشة وغضب : اللعنة !! كيف وصل الخبر اليهم ؟!
وعلى الفور !! إنتقل الخبر لكل أهالي القرية الذين تجمّعوا بفزع حول المدرسة وهم يبكون مطالبين بأولادهم .. وكذلك تواجدت فرق التصوير 

فصرخ القائد منادياً أفراد عصابته , لكن لم يقترب منه سوى واحد! 
- اين صديقاك ؟!
- لم يصعدا بعد من القبو !
- ماذا تنتظر ؟!! إذهب ونادهما 

وما ان خرج الإرهابي من الملعب .. حتى فاجأه الأستاذ الذي يختبأ خلف الباب بطعنة في قلبه , قتلته في الحال ! فهو لم يردّ إستخدام المسدس خوفاً على الأطفال من جنون القائد الذي كان في هذه اللحظات يتصل بالمجموعة الإرهابية الثانية , ليتفاجأ بشرطي يردّ عليه ويخبره بأنه تمّ القبض عليهم بعد ان أبلغهم الميكانيكي برؤيته لأسلحة داخل سيارتهم , فلحقوا بهم قبل وصولهم الى السجن .. فعلم القائد بأن خطته بإنقاذ رئيسه قد فشلت تماماً 
فنادى على رفقائه الثلاثة , لكن لم يجيبه أحد !
***

وفجأة ! إنتشر الدخان المسيل للدموع داخل الملعب , بعد ان رمته الشرطة للسيطرة على الإرهابيين ..مما تسبّب بحالة هلعٍ للأطفال الذين شعروا بوخزٍ في أعينهم , وصاروا يبكون بألم 
وهنا شاهد الأستاذ القائد وهو يأخذ أحد الأولاد كرهينة , ويصعد به الى سطح المدرسة .. فقال الأستاذ للتلاميذ : 
- غطّوا أنوفكم واسرعوا ناحية الباب الرئيسي , فلا أحدٌ هناك .. هيا اهربوا بسرعة !!

في الخارج .. انطلق الطلّاب باتجاه أهاليهم الذين استقبلوهم بالأحضان والدموع.. 
بينما كان الأستاذ في طريقه الى السطح لإنقاذ الطفل الأخير 

وهناك التقى بالقائد وهو يضع المسدس برأس الولد .. 
القائد صارخاً بغضب : إلقي سلاحك , والاّ قتلت الولد !!
الأستاذ : بل سأفعل أكثر من ذلك وأساعدك على الهرب من هنا , ان تركت الصبي يذهب في حال سبيله 
القائد بارتباك وقلق : وكيف سأهرب من هنا ؟.. هيا تكلّم حالاً !! 
- أرايت هذه الغرفة الصغيرة بطرف السطح , فيها ممرٌّ سرّي يأخذك الى أسفل الحقول .. فهذا مبنى أثريّ قديم , ويمكنك الهرب من خلاله .. لكن أترك الصغير اولاً ..

وهنا لمح قائد الإرهابيين من فوق : الشرطة وهي تقتحم المدرسة
الأستاذ : هيا إسرع , فهم في طريقهم اليك 

فأبعد سلاحه عن الولد وانطلق باتجاه الغرفة التي ما ان فتحها , حتى وجد فيها علب دهان وبعض أكياس الإسمنت .. فعلم انها ليست ممرّاً , بل مخزنٍ صغير 
وقبل ان يلتفت القائد وراءه , تفاجأ بالأستاذ يهجم عليه ويقذفه بعنف الى خلف أسوار السطح , ليلقى حتفه من علوّ ثلاثة طوابق 
***

وصفّق الأهالي للأستاذ البطل أثناء خروجه من المدرسة حاملاً الطفل الأخير سليماً مُعافى , بعد إنقاذه لمدرسته التي مازالت تخرج منها أدخنة القنابل اليدويّة.. 
***

ورغم فرح القرية بعودة اولادهم سالمين من هذه الأزمة , الا انهم لم يقيموا احتفالاً مراعاةً لمشاعر الأستاذ وأهل خطيبته وعائلة الطفلة المقتولة الذين خسروا أحبائهم في معركتهم ضدّ الإرهابيين التي يبدو انها لن تنتهي يوماً !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...