الخميس، 31 أكتوبر 2024

عالمي الخاصّ

تأليف : امل شانوحة 

مرض العصر


في فترة الغداء .. نظر جيم (7 سنوات) تارةً الى صحنه ، وتارةً الى والديه (الّلذين أنجباه بعد سنوات من علاج العقم) وهما يشجّعانه على تناول طعامه .. قائلاً في نفسه باستغراب :

((لما يتحدّثان بلغةٍ لا أفهمها ؟! حتى ردّات فعلهما غريبة ، كأنهما روبوتات ! يضحكان بصوتٍ عاليٍ مُزعج.. ويذرفان الدموع .. ويحمرّ وجههما حين يغضبان .. ويصفرّان اثناء المرض .. لما كل تلك المشاعر الغير المفهومة ؟! ولما يصرّان على تواجدي مع اولاد في مثل عمري ؟! انا لا استطيع تحمّل أصواتهم المزعجة .. او رغبتهم بلمسي ، لإجباري على اللعب معهم ! احب البقاء وحدي ومشاهدة التلفاز او سماع الموسيقى ، والدوران وانا ارفرّف كطيرٍ حرّ .. وأحب ترتيب العابي ، بينما الصغار يبعثرونها في كل مكان ! ولا أحب اللعب بالحدائق العامة او الذهاب للأماكن المزدحمة ، فالتفاصيل هناك تُشتّت تفكيري مما يثير رعبي .. كل ما اريده هو البقاء وحدي ، لما والدايّ لا يفهمان ذلك ؟! صحيح ان طعامي محدود ، وأحب اصنافاً معيّنة دون غيرها .. ونومي مُتقطّع .. ويزعجني الإستحمام .. ومع ذلك أشعر انني ولدٌ هادئ ومسالم ! كل ما هناك انني اكره الغرباء ، ولا احب الإندماج مع أقراني .. (ثم تنهّد بضيق).. كل هذا في كفّة ، وإصرار من حولي على النظر اليهم في كفّةٍ اخرى ! انا خجول ، ولا احب التواصل البصري الذي يُربكني كثيراً .. انا لست غبيّاً كما يظن الجميع ، لكن لديّ عالمي الخاصّ .. متى يفهم اهلي ذلك ، ويتوقفان عن أخذي الى عدّة اطباء .. وهآ نحن اليوم في عيادةٍ جديدة  .. يبدو انها ظهرت نتيجة تحاليلي ، فوالدايّ مُرتبكان للغاية.. مع اني لا اشعر بتوعّكٍ او مرض ، ولا أفهم سبب تواجدي هنا !.. هآقد وصل الطبيب ، لأسمع ما يقول .. فرغم كوني لا أتحدّث إلاّ نادراً ، إلاّ انني أحفظ جميع المفردات والجُمل .. لكني لا أطيق التعبير عن مشاعري و.. ))

وهنا قطع تفكيره ، كلام الطبيب بعد انتهائه من قراءة نتيجة الفحوصات :

- يؤسفني القول بأن ابنكم مُصاب بتوحّدٍ حادّ

***


في طريق العودة .. حضن جيم لعبته المفضّلة ، وهو يراقب والديّه الصامتيّن في مقعديّهما الأماميّن للسيارة.. قائلاً في نفسه :

((لا اعرف ماهو التوحّد ! لكن من الصدمة الواضحة بعينيّ والدي ، وانهيار امي بالبكاء طوال الطريق .. يبدو انه مرضٌ لا علاج له ، على الأقل بالوقت الحاليّ .. وهذا يعني انني سأبقى وحيداً في عالمي الخاصّ .. ربما لآخر يومٍ في حياتي !)) 


الاثنين، 28 أكتوبر 2024

منبوذوا الفضاء

تأليف : امل شانوحة 

الحشرات القاتلة


اثناء تحليق مركبةٌ فضائيّة امريكيّة ، لاحظوا كوكيباً اسوداً بجانب القمر ! 

القائد بدهشة :

- هل كان موجوداً من قبل ؟!

فأجابت الرائدة التي بجانبه (وهي طبيبة مخبريّة) :

- لا ، كأنه ظهر من العدم !

الرائد التقني : لما لم تخبرنا الناسا عنه ؟!

القائد : سأتصل بهم ، للإستفسار عن الموضوع ..

..لكن الإتصال كان مشوّشاً !

الرائد التقني باستغراب : لم نعتدّ إنقطاع الإتصال بالناسا !

القائد : برأيّ نهبط عليه ، ونستكشفه .. مع إحضار عيّنات من تربته الى مختبرنا

الطبيبة : وانا سأقوم بفحصهم جيداً 

^^^


وبالفعل هبطوا عليه بأمان .. واول ما لاحظوه هو جاذبيّته التي تشبه جاذبيّة الأرض ! وبعد مشيهم بضعة امتار ، تفاجأوا بوجود مكّوك روسي مهجور عليه !

القائد : هل اكتشفوا الكوكيب قبلنا ؟!

الرائد التقني : تبدو مركبةً قديمة الصنع ، كأنها من ستينات القرن الماضي؟!

الطبيبة : غريب ! لم نقرأ عن هذا الكوكيب في المجلّات العلميّة المحلّية والعالميّة ، فلما اخفوا اكتشافه عن العالم ؟! 

القائد : دعونا نستكشف مركبتهم من الداخل

^^^


وكان المكّوك الروسي خاليّاً من الهياكل العظميّة للروّاد السابقين ! فظنوا ان مكّوكاً آخر نقلهم الى الأرض ، تاركين مركبتهم المُعطّلة فوق الكوكيب الغامض 


واثناء بحثهم عن أدلّة في ارجاء المكّوك القديم .. إكتشفت الطبيبة تسجيلاً قديماً على شاشة الكمبيوتر (قديم الصنع) .. حيث ظهر قائد المركبة الروسي يقول بلغةٍ انكليزية رقيقة ، والخوف بادٍ على وجهه:

((إن وجدتم هذا التسجيل ، فهذا يعني موتي مع بقيّة زملائي الأربعة .. رجاءً أُخرجوا من الكوكيب الملعون فوراً !! ففي تربته حشرةً خضراء لامعة ، هي تجانس بين الجرادة وفرس النبي ! ظهرها قاسي كالحجر ، يصعب دهسه .. أذرعها حادة بشكل يمكنها إختراق الجلد ، لوضع بيوضها في اجسامنا .. وخلال ثواني يخرج اولادها بعد اكلهم اعضائنا الحيويّة .. وقد أُجبرتُ على قتل زملائي بعد إنتشار الحشرات في أجسامهم .. وأحرقت حبيبتي ايضاً ، لأريحها من عذابها .. وهآ انا أحدّثكم بعد حجزّ نفسي داخل غرفة المؤونة ، مع إحتمال موتي جوعاً بعد انتهاء الطعام .. ستتساءلون لما لم اعدّ للأرض ؟ لأن المركز الفضائي الروسي بعد إخباره بالحشرة القاتلة ، قطع اتصاله بنا ، خوفاً من إنتشار الوباء بالأرض ، لنصبح منبوذي الفضاء ! لهذا انصحكم بمغادرة الكوكيب الغريب ، وحرق مركبتنا.. وربما تظنون ان النار لا تشتعل بالفضاء ، لكنكم مخطئون .. فهذا الكويكب يتميّز عن بقيّة الكواكب بوجود الأكسجين في جوّه ، تماماً كالأرض ! ومع ذلك لن أُجازف بالخروج من المكّوك مهما حصل .. لأن الحشرة الملعونة خرجت من العيّنة التي اخذناها من تربته ، وهذا يعني ان هناك الملايين منها بالخارج ! لهذا من يصل منكم الينا ، فليعدّ مباشرةً الى مركبته و.. (ثم سكت فزعاً).. لحظة ! هل سمعتم هذا ؟ انه صوت الحشرات التي تضاعفت بالآلاف ، وهي تتجمّع خارج غرفة المؤؤنة ! لا ادري كم من الوقت يحتاجون لاقتحام الغرفة ، او أنني سأبقى في أمان لحين موتي جوعاً ! انا خائفٌ جداً.. ارجوكم ساعدوني ، لا اريد الموت بهذه الطريقة البشعة!!!)) 

وانهار باكياً ، قبل انقطاع الفيديو ..


فأسرعت الطبيبة لزميليّها لإخراجهما من المكّوك الموبوء .. لتجد القائد بجانب الخبير التقني الذي يتفحّص الهيكل العظمي للقائد الروسي الذي كان متكوّراً على نفسه في غرفة المؤؤنة (التي ظلّ فيها بعض الطعام المهروس المنتهي الصلاحيّة ، الخاصّ بروّاد الفضاء.. وهي الجثة الوحيدة التي وجداها بالمكّوك !).. 

فصرخت فزعة :

- أُخرجا فوراً من هناك !!

وقبل ان يفهما سبب رعبها ، صرخ الرائد التقني بألم : 

- آخ !!

القائد : ماذا هناك ؟

الرائد : شيءٌ حادّ دخل بذلتي الفضائيّة ، ويبدو انه يخترق جسمي !


فأسرعت الطبيبة بسحب قائدها الأمريكي لخارج غرفة المؤونة ، وإقفالها على الرائد التقني الذي طرق الباب بعصبية :

- لما تحبسينني هنا ؟!!

الطبيبة : لأنك لُدغت من الحشرة القاتلة 

- ماذا !

وقبل استفساره عن قصدها ، صرخ بألم وهو يقول :

- هناك اشياء تتحرّك داخل بذلتي ! انها تقرصني من الداخل !! 


وسرعان ما شاهدت الطبيبة والقائد من النافذة الزجاجيّة لغرفة المؤونة ، زميلهما وهو يُصارع الحشرات الخضراء التي ظهرت من اسفل بذلته البيضاء التي تحوّلت لبقع حمراء بعد اكلهم اعضائه الداخليّة بوقتٍ قياسيّ !

لينهار جثةً هادمة ، بعد أن أصبح وجبةً سهلة للحشرات المخيفة


القائد بفزع : ماذا يحصل ؟!

الطبيبة بقلق : شاهدت فيديو للرائد الروسي .. وتلك الحشرات القاتلة خرجت من تربة الكوكيب المخيف .. علينا الهرب فوراً من هنا !! 

^^^


وأسرعا الى خارج المكّوك الروسي ، ودخلا مركبتهما الفضائيّة..

القائد : عليّ إخبار الناسا بما حصل

الطبيبة بقلق : لا تفعل !! سيرفضون عودتنا بالوباء المُعدي 

- هو ليس مرضاً ، بل حشرة لعينة .. وربما تموت إن دخلنا غلافنا الأرضيّ

- يوجد اكسجين بهذا الكوكب ، وهذا يعني ان الحشرة يمكنها التكاثر على الأرض ايضاً

- لا اصدّق هذا ! 

الطبيبة : يمكنك التأكّد ، بالخروج دون بذلتك الفضائيّة 

- لن اترك مركبتنا ثانيةً.. ضعي حزام الأمان ، سنعود للأرض .. لكن دعيني اولاً ، أُخبر الناسا بما حصل


ورغم اعتراض الطبيبة إلاّ انه اخبرهم بالحشرة ، ليقوموا بقطع الإتصال معهما !

الطبيبة : الم اخبرك انهم سيفعلون ذلك ، كما فعل مركز الفضاء مع روّادهم الروس قديماً

القائد بضيق : لا أحتاج الى توجيهاتهم ، يمكنني الهبوط دون إذنهم


وهنا شاهدا الحشرات تخرج من التربة باتجاه المكّوك الروسي ، كأنهم اشتمّوا جثة الرائد التقني الذي أعاد النشاط اليهم ثانيةً !

الطبيبة : علينا حرق المكّوك الموبوء

القائد الأمريكي : كيف ، ولا يوجد اكسجين ؟!

- أخبرتك انه يوجد ، حسب اقوال القائد الروسيّ

- مستحيل ان يكون هناك اكسجين خارج غلافنا الأرضيّ .. ثم مالفائدة من حرق المكوّك ؟! 

الطبيبة : إحراقه ، سيُشغل الحشرات بالحريق.. وبذلك نُبقي مركبتنا نظيفة خلال إنطلاقنا الى الأرض

- ومن سيقوم بهذه المخاطرة ؟

- انا !! لكن عليك انتظاري


القائد : حسناً .. ستجدين علبة الوقود بالمخزن ، وولاّعة زميلنا بالدرج (أحضرها كتذكار من خطيبته) مع اني لا ارى فائدة من الحرق

- حسب اقوال الروسي بعد حرق حبيبته : بأن الحشرات تجمّعت حولها ، كأن النار تجذّبهم كما يجذّب النور البعوض ، دون علمهم بأنه يبيدهم ! وإن أحرقنا المكّوك ، يجتمعون حوله ، مُبتعدين عن مركبتنا .. فنحن لا نريد جلب الحشرات المميتة للأرض التي تتكاثر بشكلٍ مهول ، وبوقتٍ قصير ! 

- اذاً إنزلي واحرقيهم ، ايتها البطلة .. وسأنتظر عودتك الى هنا

^^^


وبالفعل راقبها من نافذة مركبته الفضائيّة الأماميّة وهي تحرق المكّوك دون لبس بذلتها ، لكيّ تؤكّد له وجود الأكسجين بالجوّ (مما يجعله كوكيباً مناسباً للعيش بدل الأرض ، لولا حشراته الوحشيّة المميتة !)


وما ان اشتعل المكوّك الروسيّ ، حتى قام القائد الأمريكي بإغلاق بوّابة مركبته التي طرقتها الطبيبة بعنف :

- ماذا تفعل ؟! إفتح الباب !!

القائد بلؤم وأنانيّة : لن اجازف بعودتك اليّ ، لربما هناك حشرة تنمو داخلك دون علمك

- لا يوجد شيء ! إفتح الباب ايها الجبان !!

لكنه رفض إدخالها..


وفجأة ، ودون سابق إنذار ! برد جوّ الكوكيب الذي تحوّلت تربته السوداء لبيضاء ، مُجمّدةً باطن أرضيّته الترابيّة .. مما أجبر الطبيبة على الإقتراب من نار المكّوك الذي اوشك على الإنطفاء بعد برودة الجوّ المفاجئة ، عقب شعورها بالصقيع المؤلم .. وإذّ بحشرةٍ مُحترقة تقفز الى جسم الطبيبة ! وسرعان ما تكاثرت داخل جلدها .. 

حيث شاهدها القائد وهي تركض متألمّة حول المكوّك ، قبل سقوطها جثةً هامدة بعد تجمّع الحشرات فوقها .. والتي حوّلتها الى هيكلٍ عظميّ خلال دقائق معدودة !

فتنهّد القائد بارتياح : جيد انني لم افتح لها الباب

^^^


وانطلق بمركبته بعيداً عن كوكيب الذي اختفى في عتمة الفضاء ، تماماً كظهوره المُفاجئ ! فحمد القائد ربه على انتهاء الكابوس ، فهو يُعدّ مصيدة مميتة لروّاد الفضاء

^^^


وتمكّن باحترافيّة من إنزال المركبة وسط غابةٍ كثيفة بعيدة عن عاصمة بلاده ، حتى لا يلفت انظار الناسا اليه .. ثم رمى زيّه الفضائيّ جانباً ، ولبس ملابس عادية .. 


وقبل نزوله من المكّوك ، شعر بوخزةٍ في قدمه .. وعندما رفع حذائه ، وجد حشرةً خضراء اسفلها .. يبدو انها تحتضر ، بعد رحلة الهبوط العنيفة بالنسبة لها ! 

فأسرع بدهسها ، رغم سماكة قشرتها الخارجيّة 

- اللعنة ! هل قرصتني فعلاً ؟! لن اخبر احداً بذلك .. عليّ العودة لمنزلي ، والبقاء مع زوجتي واولادي .. قبل علم الناسا بعودتي ، واحتجازي لفحوصاتهم الطبيّبة المملّة


وحاول إخفاء المكّوك قدر الإمكان بأوراق الشجر والأغصان داخل الغابة الكثيفة .. ليكمل سيره ، لحين وصوله للطريق العام .. حيث وافق سائق الأجرة على إيصاله لمنزله ، مقابل ساعته الفخمة (فهو لم يأخذ مالاً معه للفضاء)

^^^


واستقبلته عائلته بسعادة ، دون علمهم بأن الحمّى التي يشعر بها هو بسبب بيوض الحشرة التي تتكاثر داخل جسمه ..والتي قريباً ستأكله اثناء نومه ، قبل انتقالها لعائلته التي ستنشر الوباء في العالم كلّه .. 

وخلال شهرٍ واحد ، ستُفنى البشريّة الجمعاء .. لتصبح الأرض موطناً لحشرة الفضاء القاتلة ، تماماً كالكوكيب الأسود الذي سيبقى سرّاً علميّاً غامضاً للأبد ! 


الجمعة، 25 أكتوبر 2024

التهجير الحديث

تأليف : امل شانوحة 

 

الحرب العبثيّة


في جنوب لبنان ، مساءً .. سمعت زوجها يصرخ في مكتبه غاضباً! 

وعندما دخلت ، رأته يشتم بصوتٍ شبه مسموع :

- الملاعين تخلّوا عني ! وطالما أحرقوا ورقتي ، فسيقتلونني حتماً

- ماذا حصل ؟

- لابد ان اهرب ، وبأسرع وقتٍ ممكن


وخرج باتجاه غرفة النوم .. وهناك أخرج حقيبة من الخزانة ، وبدأ بحزم ثيابه.. واضعاً رزمة من الدولارات في حقيبته اليدويّة

زوجته بقلق : ماذا تفعل ؟!

- سأهرب للعراق قبل ان يقتلني الحزب او اسرائيل

- انت من اعضاء الحزب المُهمّين ، ولك الحق ان تخاف من اسرائيل بظلّ الحرب الراهنة.. لكن لماذا انت خائف من الحزب ؟!

الزوج بعصبيّة : لأني عميلٌ مزدوّج ، هل فهمتِ الآن ؟!!

بصدمة : أتقصد .. خائن ؟!

- ولما تقولينها باشمئزاز ؟

الزوجة : لأنه من السّفالة ان تخون بلدك لأجل اسرائيل ! ..رجاءً لا تقلّ انك تسبّبت في مقتل قادة الحزب والمقاومين ؟


الزوج : وهل تظني انني العميل الوحيد بالبلد ؟ ثم انت لم تعترضي حينما اشتريت هذه الفيّلا ، وملأت خزنتك بالذهب والمجوهرات ، لم تسأليني وقتها من اين أحضرت كل هذا المال !!

- ولوّ كنت سألتك ، هل ستجيبني ؟ لطالما منعتني من التدخل بعملك.. ولوّ علمت انه مالٌ حرام لكنت ..

مقاطعاً بتهكّم :

- وكأن الأمر متوقفاً على المال ، ألا أُعتبر ضالّاً حسب ديانة اهلك ؟

الزوجة : أهذا ذنبي لأني تزوّجتك رغماً عنهم ، وبسببك قاطعوني سنتيّن.. حتى انهم لم يروا ابني حتى الآن !

- أتدرين عزيزتي ، امي معها حقّ .. كان عليّ الزواج من طائفتي ، لا من طائفة اعدائي

الزوجة بدهشة : الآن اصبحت عدوّةً لك !


الزوج بضيق : إسمعيني جيداً !! لا وقت لديّ للجدال ، فحياتي بخطر ..وعليّ السفر برّاً من طرقٍ غير شرعيّة للوصول للعراق ، قبل ان يقتلني الحزب او تتخلّص مني اسرائيل بعد انكشاف أمري

- وماذا عني وعن ابنك ؟!

الزوج : الم ينتقل اهلك للشام مع بداية الحرب ؟ إذهبي اليهم

- لا اظنهم يستقبلونني ! على الأقل خذّ ابنك معك

- هل انت غبيّة ؟!! سأذهب برّاً لمسافةٍ طويلة ، فهل سأفضح نفسي بصراخ ابنك الرضيع ؟!

الزوجة بحنف : أفهم من هذا إنك ستتخلّى عن طفلك ؟!!

- هذا ان كان ابني اصلاً

فصفعته بقوة :

- انتم من لديكم المتعة وليس نحن ، ايها الحقير !!


الزوج بحزم : إلتزمي حدودك !! يكفي انني تركت لك رزمة من الدولارات في الخزنة.. ووصّيت حارسي الشخصيّ الإهتمام بكما ، فهو سوري الجنسيّة ويمكنه إيصالك الى اهلك بسلام

وهنا رن هاتفه ..

الزوج : ((نعم نعم .. انا جاهز))

وأغلق المكالمة.. قائلاً لزوجته على عجل :

- سائقي بانتظاري ..عليّ الإبتعاد من هنا في عتمة الليل.. وأنصحك بترك الفيّلا قبل قصفها 

ثم خرج من منزله مُسرعاً ، دون توديع ابنه النائم !

***


في منتصف الليل.. إستيقظت السيدة على صوت مُسيّرة (طائرة درون) تُحلّق على ارتفاعٍ منخفض ! فأسرعت بإيقاظ الحارس الذي يسكن في ملحق الفيّلا :

- علينا الهرب بسرعة من هنا !!

الحارس : وهذا رأيّ ايضاً .. فمعلمي أخبرني بانكشاف أمره للحزب ، لهذا ستقوم اسرائيل بتصفيّته قريباً

السيدة : وهل كنت تعلم بخيانته للوطن ؟!

- لا سيدتي ، أخبرني بذلك قبل رحيله 

- هرب الجبان ، وتركنا وحدنا !

- لا تقلقي ، سأجهّز السيارة بالحال

السيدة : تعال اولاً لحمل ابني دون ايقاظه ، وانا سأحضّر بعض الأغراض المهمّة.. ودعنا نخرج من هنا بأسرع وقتٍ ممكن

^^^


وما أن ابتعدوا عن محيط المنزل ، حتى دوّى إنفجارٌ هائل خلفهم ! حوّل الفيّلا الفخمة الى ركام ، خلال ثوانيٍ قليلة !

السيدة بفزع : يا الهي ! هربنا بآخر لحظة.. رجاءً إسرع !! اخاف ان يلحقوا بسيارتنا ، ظنّا بأن طليقي معنا

الحارس باستغراب : طليقك !

- نعم ، فاللعين ترك ورقة الطلاق في الخزنة ! حتى انه لم يجرأ على إخباري بذلك قبل هربه المُشين

- لا تحزني سيدتي ، فهو خائنٌ حقير.. ولوّ كنت اعلم بذلك ، لما عملت عنده..

- وما كنت تزوّجته ، وأغضبت اهلي لأجله ! رحمك الله يا جدتي ، كانت تقول دائماً : ((يلّي بياخد من غير ملّتو ، بيموت بعلّتو)) .. ولم افهم المثل إلاّ الآن!


الحارس : وماذا تنوين فعله ؟

- إنتقل اهلي للشام قبل اسبوعين .. سنتوجّه اليهم ، مع العلم مُسبقاً انهم سيرفضون استقبالي !

- ربما يحنّون بعد رؤية حفيدهم

السيدة بحزن : لن يعترفوا به اصلاً ، طالما من طائفة والده

- هو مازال صغيراً ، ويمكنك تربيّته على ديننا

السيدة بدهشة : ديننا ! الست من ..

الحارس مقاطعاً : لا .. أخبرت زوجك بذلك لحصولي على الوظيفة ، بعد هربي من قصف حلب 


فتنهّدت بارتياح : الآن تأكّدت انني بأيدٍ أمينة

- لا تقلقي لشيء ، المهم ان نخرج من البلد.. وطالما زوجك شخصيّةً معروفة بالحزب .. فالأفضل الإبتعاد عن الحدود ، كيّ لا نعلق لساعات بتحقيقات الحرس المُتعبة

السيدة : وماذا سنفعل ؟

- اولاً نسير باتجاه شمال لبنان .. ومن هناك ، نسلك طريقاً غير شرعيّ لسوريا.. مع إبتعادي قدر الإمكان عن المناطق المُستهدفة من العدوّ 

- حسناً ، إفعل ما تجده مناسباً .. المهم ان لا تعرّضني انا وطفلي للخطر

الحارس : بالتأكيد لن افعل ، فأنا حارسك الأمين

^^^


ومن حدود لبنان الشماليّة .. قاد سيارته في طريقٍ صخريّ ، بعيداً عن الطريق المعتادة بين الدولتيّن ..مُغلقين نوافذهم بعد زيادة البرودة في فصل الخريف .. وهما يراقبان من بعيد ، خط السير الطويل المليء بسيارات النازحين !

السائق : مع ذلك الزحام لن نصل لوجهتنا الا بعد يومين ، اتمنى ان لا تلاحقنا دوريّة الحدود لسلكنا الطريق الجبليّ الغير شرعيّ

السيدة بحزن : هاهم هجّرونا من جديد ! فريقٌ ذهب للعراق وفريقٌ للشام .. وبعضهم لتركيا والأردن 

- انه التهجير الحديث ، هدف اسرائيل لبناء دولتهم الجديدة .. اعاننا الله وإيّاكم على خططهم الشريرة 


وهنا بكى طفلها جوعاً ، فقالت بضيق وهي تحاول تهدأته :

- لم أُحضر ما يكفي من الحليب لهذه الرحلة الطويلة ، ماذا افعل الآن؟!

الحارس : هناك خيام على مقربة منا ، ربما تعود لعرب او غجر .. وأكيد لديهم غنم ، سأطلب منهم بعض الحليب .. لكن إبقي الأبواب ونوافذ السيارة مُغلقة ، ولا تفتحي لأحد .. فنحن نسلك طريق المُهرّبين ، والخارجين عن القانون

- معي ٥٠ دولاراً ، أعطه لهم مقابل طعامٍ لنا 

- ٢٠ دولار تكفي ، فهناك فرق عملة بين الدولتيّن


وبالفعل وافق البدوّ على هذا المبلغ البسيط ، لإعطائهم قارورة حليب وبعض خبز الصاجّ الذي أكلته السيدة والحارس بشهيّة بعد سيرهم لساعاتٍ طويلة بأرضٍ مُقفرّة

***


وقبل وصولهم لسوريا ، عصراً .. حصل انفجارٌ ضخم في منطقة الحدود بين الدولتيّن ، أفزعت الصغير الذي بكى بعلوّ صوته .. فحاول الحارس تهدئة الأم بصعوبة :

- القصف بعيدٌ عنا .. رجاءً اهدأي لأجل طفلك ، فصراخك يرعبه

وهي تمسح دموعها بفزع : ظننتهم يلاحقوننا !

الحارس : اليهود لديهم خبراء بتتبّع خطوط الجوّالات .. وأكيد عرفوا بهرب طليقك للعراق.. هذا إن لم يقتلوه ، قبل وصوله الى هناك..

- لا يهمّني مصير اللعين !! المهم ان نصل آمنين للشام

- إن شاء الله نصل للعاصمة مساءً ، فأنا اقود بسرعةٍ معتدلة كيّ لا الفت الأنظار اليّ .. حاولي إطعام الصغير ، كيّ يهدأ قليلاً

***


وفي الساعة الثامنة ليلاً ، وصلوا اخيراً للمنطقة المنشودة بسوريا .. بعد ان امضوا ساعات طويلة بالطريق الوعرة .. 

وخلال ذلك اليوم الطويل ، شعرت السيدة بحرص حارسها وخوفه عليها على طفلها ((خاصة عندما حاول بعض اللصوص سرقتهم ! لكنهم هربوا بعد تعاركه معهم بالأيديّ ، مما تسبّب له برضوض وخدوش .. فقامت بتضميد جروح الحارس من علبة الإسعافات الموجودة بسيارته.. حينها قال حارسها بألم :

- لا تقلقي عليّ.. فأنا مستعد للموت ، على السماح لهم بلمسك او خطف ابنك

فردّت بحزن : لن انسى شهامتك ابداً.. فديّتني بنفسك ، في الوقت الذي فضّل فيه طليقي النجاة بنفسه ! الله عوّضني بك ، وإلاّ لما عرفت كيف سأتصرّف بعد انفجار بيتي

- المهم ان أُوصلك لأهلك سالمة ، فهذه مهمّتي وواجبي اتجاهك))


كانت تلك المحادثة تُشغل تفكيرها ، حينما أخبرها وهو يتثاءب بنعاس :

- بقيّ شارعان ، ونصل لمنزل اهلك 

السيدة : دعني أقود عنك ، فأنت لم تنمّ منذ البارحة

- اوصلك لبيت اهلك اولاً ، ثم استريح بالسيارة .. وبعدها ابحث عن مكان انام فيه

- انت سوري ، اليس لديك بيتٌ هنا ؟!

الحارس بحزن : بيت اهلي تهدّم بحرب حلب .. وامي للأسف ، توفيّت تحت ركامه.. مما أفقد ابي اعصابه ، فصار يشتم الدولة.. فقبضوا عليه المخابرات ، ومات تحت التعذيب في سجونهم.. الملاعين ، لم يرحموا كبر سنه !

- آسفة ، لم أقصد تذكيرك بماضيك الحزين

الحارس : نحن السوريين نعاني منذ سنواتٍ طويلة من الحكم الجائر.. نتمنى ان يرحمنا الله وإيّاكم من هذه الحياة الصعبة

- آمين.. (ثم اشارت بيدها) .. آه ! هناك .. المبنى الأصفر.. ذلك منزل عمي الذي انتقلوا اليه اهلي بعد الحرب

الحارس بارتياح : الحمد الله على السلامة


وبعد قليل .. نزلت من السيارة ، وهي تقول :

- إذهب لتستريح ، فقد أديّت مهمّتك على أكمل وجه

^^^


وشاهدها وهي تصعد المبنى ، حاملةً رضيعها وحقيبتها .. لكنه شعر بأن عليه الإنتظار قليلاً ، فهي على خلاف شديد مع اهلها بعد زواجها من طائفةٍ أخرى


وكان ظنه في محله ، فلم تمضي نصف ساعة حتى شاهدها تنزل باكية برفقة طفلها.. فأطلق بوق السيارة للفت نظرها.. فتوجّهت اليه ، غير مُصدّقة بعدم رحيله بعد !


وعندما ركبت ، اخذ منها طفلها النائم وهو يحاول تهدأتها :

- ماذا حصل ؟

فأجابت بقهر : طردوني ! قالوا انهم عدّوني ميتة بعد عصياني امرهم بزواجي من ذلك الفاسد ، خاصة بعد سماعهم إشاعة عمالته لإسرائيل !

الحارس : توقعت ذلك.. حسناً ، إمسكي ابنك..

- الى اين سنذهب ؟

- اليس معك ما يكفي من الدولارات ؟

السيدة : هل ستستأجر منزلاً لي ؟

- منزل مع محل صغير ، أحوّله لمطعم شاورما ..فهذه مهنتي قبل انتقالي الى لبنان.. وسأنام بالمحل لحين انتهاء عدّتك .. وفي حال وافقتي على الزواج بي ، أتكفّل بإبنك طوال حياتي.. فمالا تعرفينه عني : انني تطلّقت مرتيّن بسبب عقمي ! لهذا سأعدّه ابني .. طبعاً في حال وافقتي على الزواج من فقيرٍ مُفلس

- وهل تظنني غنيّة بعد تخلّي طليقي عني بماله الحرام ، ورفض اهلي الإعتراف بي وبحفيدهم ؟ ..على الأقل ، سيكون مالك حلالاً 


الحارس بسعادة : يعني موافقة ؟!

- انت أثبتّ بأن الرجولة مواقف.. فوالد ابني هرب للعراق ، وتركني اواجه الموت مع طفله ..لولا شجاعتك بتهريبنا الى هنا

- اعدك بعد زواجنا ان اكون زوجاً واباً جيداً لإبنك الذي لن نخبره شيئاً عن والده الحقيقي الخائن

السيدة : لا يشرّفني ان يعرفه اصلاً.. (ثم نظرت لجوالها) .. حتى انه لم يتصل ليخبرني إن وصل سالماً للعراق ، او يطمئن على خروج ابنه حيّاً من لبنان ! 

الحارس : لا تقلقي لشيء ، فنحن في بلد الخير .. الا تعلمين ان الشام هي موطن الخلافة الإسلاميّة القادمة ، بينما العراق سيظهر فيها جبل الذهب الذي سيبيدون بعضهم لأجله ؟ 

- أتظن الخلافة ستكون بزماننا ؟!

فربت على ظهر طفلها النائم :

- إن لم تكن بزماننا ، فستكون حتماً بزمان البطل الصغير .. لهذا سنحرص على تربيّته على الدين الصحيح


فأومأت برأسها موافقة ، وهي تبتسم لحارسها الأمين بحنانٍ وامتنان!


الاثنين، 21 أكتوبر 2024

المكتبة المشبوهة

كتابة : امل شانوحة 

 

الثقافة الإجباريّة !


إعتاد جيم المغامر على السفر من بلدةٍ لأخرى لاستكشافها .. وفي دولةٍ اوروبيّة أضاع طريقه باتجاه العاصمة ، ليصل الى قريةٍ ريفيّةٍ هادئة .. وأول ما لاحظه هو خلوّ الشوارع من المارّة ! فظن ان سكّانها معتادون على النوم باكراً مع غروب الشمس ..

فمشى بين احيائها الهادئة بمحالها التجاريّة المُقفلة ، الى ان وصل لمكتبتها العامة   الوحيدة المضاءة هناك ! 


فاعتراه الفضول لرؤيتها .. وحينما دخل ، أُصيب بالذهول ! فهي مُكتظّة بالشباب والمراهقين اليافعين المُنشغلين بالقراءة ، لدرجة ان لا احد التفت اليه رغم كونه غريب عن المنطقة ! 

حيث بدا كأنهم يحاولون انهاء كتابهم بأسرع وقتٍ ممكن ، ليقوموا بتلخيصه على اوراقٍ بجانبهم.. وكان معظمهم اصغر من سن اربعين ، فيما عدا أمين المكتبة السبعيني الذي يمشي بين الطاولات ، كأنه مُراقب على امتحاناتٍ رسميّة ! بعد منعهم من التحدّث فيما بينهم .. 


وسرعان ما لاحظ العجوز ، جيم الذي جلس بعيداً عنهم .. فاقترب منه هامساً :

- هل ستطيل البقاء في بلدتنا ؟

فاستغرب جيم من سؤاله الغير لبق ، كأنه يستعجل رحيله !

جيم :  لا تقلق ، سأذهب في الصباح الباكر

العجوز بحزم : إذاً رجاءً ، لا تُحدّث احداً لحين رحيلك..


ثم وضع كتاباً ضخماً امامه :

العجوز : اقرأه بصمت ، او نمّ في سيارتك دون لفت الأنظار اليك

فنظر جيم لعنوان الكتاب ، ووجده تاريخيّ..

جيم : اريد إختيار كتابي بنفسي

العجوز : كما ترى ، جميع الكتب مُختارة من شبابنا.. وليس امامك سوى هذا الكتاب ، فإما أن تقرأه او تخرج بصمت 


وكان كلام العجوز واضحاً وصارماً ، كأنه تهديد مُبطّن بالرحيل عن منطقتهم !

فأخذ جيم يتصفّح الكتاب مُرغماً ، كيّ يُبعد العجوز عنه ..والذي عاد لمكتبه ، لقراءة كتابه الخاصّ !


وهنا سمع جيم صوتاً هامساً خلفه ، لفتاةٍ وضعت قصة امامه ..وهي تقول بصوتٍ مُرتجف :

- اقرأ هذا الكتاب .. رجاءً !!

ثم اسرعت بالعودة لمكانها قبل ان يراها العجوز ، وكأنها مرعوبةً منه !


ففتح جيم القصة ، ليجد ان الفتاة احاطت بعض الكلمات بدائرة .. فجمع الكلمات ، لتظهر الجملة التالية :

((ارجوك ساعدنا .. العجوز يراقبنا.. اهلنا بخطر))


فتأكّدت شكوكه بوجود شيءٍ غامض بالمكتبة ! وعاد لمراقبة الشباب المُنغمسين بالقراءة ، وتلخيص كتبهم بكل دقّةٍ وحذر .. ليلاحظ نظراتهم المرتعبة للعجوز ، كأنهم في امتحانٍ مصيريّ ! 


فجلس جيم بجانب مكتب العجوز ، وهو يمثّل اندماجه بقراءة الكتاب التاريخيّ الضخم الذي اختاره له.. ليشاهد احد الشباب يتقدّم من العجوز ، لتسليمه مجموعة من الأوراق المكتوبة بخط يده :

- سيدي .. إنتهيت من تلخيص الكتاب الأدبي الذي أعطيتني ايّاه .. هل يمكنني محادثة اهلي الآن ؟

العجوز : إنتظر ريثما اقرأ ملخّصك ، فأنا احفظ جميع كتبي .. فإن كان تلخيصك رديئاً ، سيتم معاقبة اهلك على اهمالك

الشاب بخوف : لا سيدي ! احلف انني لخّصته جيداً

- اذاً عدّ الى مكانك ، حتى آذن لك بالحديث معهم 


وبالفعل جلس الشاب مكانه ، وهو يحرّك قدمه بارتباكٍ واضح ! الى ان انتهى العجوز من قراءة تلخيصه .. ثم اشار بيده ، ليقوم الشاب بالإقتراب من مكتبه

العجوز : ادخل الى غرفة الهاتف الأرضيّ.. معك دقيقتيّن فقط.


فسارع الشاب لدخول غرفةٍ خشبيّة بزاوية المكتبة ، بزجاجها المانع للصوت .. وتحدّث بالهاتف بلهفة ، والدموع تسيل من عينيه !


وبعد دقيقتيّن ، خرج باتجاه مكتب العجوز :

- سيدي ، لم أتمكّن من الحديث مع والدي للإطمئنان عليه

العجوز : ان كنت تريد سماع صوته ، فخذّ ذلك الكتاب الأخضر على الطاولة ..وابدأ بقراءته وتلخيصه ، فأنت تعرف القوانين جيداً

- لكنه كتابٌ ضخم !

- اذاً عدّ الى منزلك ، وابدأ بقراءته غداً

فخرج الشاب حزيناً من المكتبة..


ففهم جيم بأن العجوز يحتجزّ اهالي الشباب بمكانٍ ما ، ويمنع تواصلهم مع ابنائهم لحين انتهائهم من تلخيص أحد الكتب من مكتبته الضخمة .. الذي يبدو انها قرأها جميعاً طوال حياته ، ويحفظ أدقّ تفاصيلها ! 


فقرّر جيم الإنتظار بالمكتبة ، لحين خروج الشباب الثلاثين (اولاد وبنات) بعد حصول بعضهم على حقّ الإتصال بأهله لدقيقتيّن فقط ، بينما لم يحصل الباقين على هذه الميزة لحين انهاء كتبهم الضخمة في الأيام القادمة !

^^^


وقبل إغلاق المكتبة .. تحدّث جيم مع العجوز عن شكوكه نحوه

جيم مُهدّداً : انا سائحٌ لديّ الحرّية بالبقاء في مدينتك او الرحيل منها .. وفي حال تأكّدت من أذيّتك لأهلهم ، سأتصل بالشرطة فور خروجي من هنا

العجوز : إسمعني جيداً ، وما سأقوله يبقى سرّاً بيننا.. انا مُتفق مع الأهالي مُسبقاً على هذا العقاب

- لم افهم !

- قبل سنتيّن كدنا نخسر شبابنا بعد هوسهم بوسائل التواصل الإجتماعي ، ورفضهم مساعدة اهاليهم في الإسطبلات والحقول .. حيث قضوا جلّ وقتهم على الحواسيب والجوّالات ، مُهملين دراستهم وعلاقاتهم الإجتماعيّة والعائليّة ..ولكوني رجلٌ غريب الأطوار ، قضيت معظم حياتي داخل مكتبتي .. فقد اتفقت مع الأهالي على عطلةٍ مجانيّة لهم ، حيث أرسلتهم على حسابي الى الشاليه الضخم الذي املكه على شاطئ المنطقة المجاورة .. 


جيم : آسف على المقاطعة .. لكن تبدو ثريّاً ! 

- نعم ، فأنا الوريث الوحيد لأملاك قريبي المليونير .. المهم دعني أُكمل لك الخطّة : فقد اتفقت مع الأهالي على ترك جميع اعمالهم لأولادهم الذين سحبت جوّالاتهم وحواسيبهم منهم بالقوّة ، بعد ان أوهمتهم باختطاف اهاليهم الذين سجّلوا صرخاتهم الوهميّة ، كأن رجالي يقومون بجلدهم وصعقهم كهربائيّاً ! بينما هم بالحقيقة يستمتعون بعطلتهم على البحر.. وكان شرطي لإطلاق سراحهم : هو انهاء كل شاب للألف كتاب الذي املكه بمكتبي ، من جميع المواضيع الأدبيّة والدينيّة والتاريخيّة والسياسيّة وغيرها ، بعد تلخيصها بشكلٍ دقيقٍ ومحترف.. عدا عن عملهم الصباحيّ في الإسطبلات والحقول ، لكيّ أُعيد لهم حسّ المسؤوليّة ويزدادوا نضوجاً 


جيم : وكم مرّ على بدء العقاب ؟!

العجوز : شهران وبضعة ايام .. وحالياً بدأوا الإعتياد على هذا النظام الصارم ، وصاروا يحضرون وحدهم الى المكتبة بعد انهاء واجباتهم العمليّة .. وبذلك تأكّدت من انفتاح عقولهم اخيراً للمعرفة والمعلومات المفيدة ، بدل المعلومات التافهة المنتشرة بالإنترنت التي كانوا مُدمنين عليها .. كما زاد شوقهم لأهاليهم الذين كانوا عاقّين معهم ، ولا اظنهم سيعصونهم ثانيةً بعد عودتهم اليهم من عطلتهم .. لكن هذا اللقاء لن يحصل ، قبل انهائهم جميع كتبي المفيدة التي ستطوّر عقولهم وطريقة تفكيرهم بالمستقبل .. وهاهم أنهوا نصف العدد تقريباً .. لهذا رجاءً لا تفسد خطتنا.. فنحن نحاول إنقاذ اولادنا من اضرار الحضارة الحديثة


جيم : حسناً كما تشاء ، رغم كونه عقاباً غريباً ! 

- لم يكن امامنا حلٌ آخر .. ماذا عنك ، متى سترحل من هنا ؟ اخاف ان يطلب منك احدهم جوّالك للإتصال بالشرطة ، وبذلك تقضي على خطتي المُحكمة التي اتفقت عليها مع اهاليهم ، لمصلحتهم الشخصيّة 

جيم : سأرحل الآن ، إن اعطيتني خريطة توصلني للعاصمة 

فأعطاه العجوز خريطةً ورقيّة ، وهو يقول : 

- رجاءً لا تخبر أحداً عن قريتنا الريفيّة ، فنحن لا نحب السوّاح الأجانب 

- كما تشاء ، سيدي

^^^


وبالفعل رحل جيم آخر الليل باتجاه العاصمة ، وهو يتساءل في نفسه : ان كان عقاب امين المكتبة عادلاً بحقّ شباب قريته ، كعلاجٍ نهائيّ لهوس الشباب بالتكنولوجيا المُضرّة لعاداتنا وتقاليدنا التربويّة .. ام هناك حلٌ آخر أقلّ تطرّفاً من إرعابهم على مصير اهاليهم ؟! 


وأنتم !! هل توافقون على تصرّف العجوز لإنقاذ شباب قريته من التخلّف التكنولوجيّ الحديث ، ام لديكم خطةً افضل لإعادتهم لطريق الخير والصواب ؟!


السبت، 19 أكتوبر 2024

شعاع النور

تأليف : امل شانوحة 

طريق الأمان


مشى بنعاله الشبه مُهترئ فوق رصيف الشارع العام ، وهو يحمل صندوق البسكويت وقارورة ماءٍ صغيرة .. وقد عقد العزم على متابعة المسير طوال الليل ، للوصول الى النور الأخضر (المُشعّ من بعيد) لساعة الحرم المكّي ..

قائلاً بنفسه بتعبٍ وخوف :

((لن يلحقني زعيم الشحاذين بعد ابتعادي كل هذه المسافة عن اولاد الشوارع.. يارب أعطني القوّة للوصول لبيتك الحرام ، فهو هدفي الأول لترك بلادي))


كان هذا محمد (الولد اليمنيّ ، ذوّ 13 عاماً) الذي كان يلعب الكرة قبل شهر قرب منزله مع اولاد الجيران ، عندما ناداهم شابٌ سعودي بحماس :

- هايّ يا اولاد !! من يريد الذهاب معي الى مكة ، لرؤية الحرم؟!!


فركب عشرون ولداً معه في حافلته الصغيرة ، مُتوجهيّن بطرقٍ صخريّةٍ وعرة ! حيث نوى الشاب تهريبهم بطريقٍ غير شرعيّ لإدخالهم المملكة ، وإجبارهم على الشحاذة لحساب عصابته التابع لها .. غير مُكترثاً بأهالي الأولاد الذين بحثوا عنهم لشهورٍ طويلة ، دون معرفتهم برحيلهم خارج اليمن !


لكن هذه الليلة .. قرّر محمد الوصول للحرم عن طريق تتبّعه الشعاع الأخضر الذي ظهر جليّاً بسماء الشارع الذي أوقفه فيه رئيس العصابة لبيع البسكويت للسيارات ، والتي أكل معظمها لإعطائه الطاقة لمتابعة المسير

^^^


وقد وصل اخيراً قبيل الفجر الى الحرم .. ورغم تعبه الشديد بعد مشيه طوال الليل لعشرات الكيلومترات ، إلاّ ان حماسه لرؤية الكعبة لأوّل مرة بحياته جعله يهرّول بقدمه المُدمّاة (بعد تمزّق نعاله) لداخل الحرم .. 


وما ان وصل للكعبة ، حتى خرّ ساجداً وهو يبكي من شدّة الفرح.. واثناء سجوده دعى لوالديه المتوفيّن : فأمه ماتت بعمر السابعة ، اما والده فتوفيّ اول العام .. تاركاً زوجته الحقودة تصبّ كل لؤمها عليه ، بجعله خادماً لولديّها الّلذين يشابهانها بطباعها الصعبة ! لذلك لم يندم على ترك اليمن .. لكنه قلقاً على اخته الصغرى ، فهي الوحيدة التي تشبهه بالطباع ..والتي تركها بعمر ٦ سنوات ، لهذا كان لها النصيب الأوفر من دعائه .. ومن شدة تعبه ، غفى فوق بلاط الحرم البارد.. 


ليشعر بعد قليل بيدٍ تهزّه : 

- إستيقظ يا بنيّ ، لتصلي الفجر مع الجماعة

وبعد أن دلّه الرجل على مكان الوضوء ، عاد للوقوف بجانبه.. فالحرم في ذلك الوقت من السنة ، لم يكن مُكتظّاً بالمصلّين

^^^


وبعد انتهاء الصلاة ، سأله الرجل :

- هل انت وحدك هنا ؟!

محمد : نعم يا عمّ

وأخبره بقصته..

الرجل : يمكنني أخذك للشرطة ، لترحيلك لليمن والعودة لعائلتك

- لا احد لي هناك ، بعد وفاة والدايّ

- وكيف ستعيش هنا ، بعد هربك من العصابة ؟

محمد : لا ادري يا عمّ ! أظنني سأبحث عن تاجر يوظّفني ، مقابل الطعام والنوم في محلّه مساءً

- وإن لم تجد ؟! 

- لقد وكّلت امري لله ، وهو سيتكفّل بي

فربت الرجل على كتفه بحنان ، وهو يتلوّ الآية :

- ((قد أوتيت سؤلك يا موسى))  

محمد باهتمام : ماذا تقصد ؟!

- لديّ محل ملابس قريب من الحرم .. وعاملي الهندي عاد قبل شهر الى بلاده ، وأحتاج من يساعدني بترتيب البضاعة الجديدة في المحل

فقبّل محمد يده ، وهو يترجّاه :

- احلف أن اكون طوع أمرك إن وظّفتني لديك

- اذاً تعال معي

^^^


وخرجا من الحرم باتجاه أحد المطاعم..

محمد باستغراب : الم تقل انك تملك محل ملابس ؟!

الرجل : تبدو جائعاً ، دعنا نفطر سويّاً


وبعد الطعام ، أخذه للمحل.. وأول شيء طلبه منه : هو تكنيسه قبل وصول الزبائن.. دون علم محمد بأن التاجر رمى ٥٠٠ ريال في زاوية المحل.. ثم جلس يشرب الشايّ في الخارج ، كامتحانٍ له


ولم تمضي دقائق ، حتى عاد محمد وهو يقول :

- يا عمّ ، وجدت هذا المال على الأرض .. ربما أضاعها زبونٌ ما ! 

الرجل بارتياح : أحسنت !! نجحت بامتحان الأمانة .. الآن يمكنني تركك تنام بالمحل.. لكن عليك تغيّر ملابسك القديمة.. ومن حسن حظك ان لديّ جميع المقاسات.. لكن اولاً عليك الإستحمام.. سآخذك الى حمامٍ عام للمعتمرين ، كيّ تلبسهم على نظافة..


وكم كانت فرحة محمد كبيرة بملابسه الجديدة .. فهو لا يتذكّر آخر مرة اشترى له والده اشياء جديدة ، بعد زواجه من امرأةٍ سيئة أنجبت له اولادها الثلاثة ! 

***


وبمرور الأيام .. أصبح محمد خبيراً بجوّدة البضاعة والأسعار ، وبوقتٍ قياسيّ أذهلت التاجر من شدّة ذكائه وفطنته ، ولباقته بالحديث مع الزبائن وقدرته على إقناعهم بالشراء ! كأنه مشروع تاجر ، بخبرةٍ تتزايد بشكل تصاعديّ 


وفي عطلة نهاية السنة .. إجتمع محمد لأول مرة مع عبد الله (الإبن الوحيد للتاجر ، الذي يصغره بعامين) ومن دون مقدّمات ، نمت صداقة جميلة بينهما ..حيث سمح لهما التاجر بلعب الكرة امام محله ، والذهاب معاً للمول 

***


ومرّت السنوات ، الى ان اصبح محمد شاباً يافعاً.. وفي ذلك الوقت أُصيب التاجر بالسرطان ، فتكفّل محمد الإهتمام بالمتجر الذي ازدهر بحسن تدبيره وخبرته التجاريّة التي تفوق عمره بأشواط !


وقبل وفاة التاجر ، جمع محمد مع ابنه والمحامي.. مُستأذناً وريثه الوحيد بتوكيل المحل لمحمد ، لخبرته بهذا المجال .. بعكس ابنه المُنشغل بإكمال دراسته الجامعيّة.. فوافق عبد الله على هذا التوكيل ، لثقته بصديقه

***


وفي يوم .. استأذن محمد صديقه للسفر الى اليمن ، لرؤية عائلته.. فأعطاه عبدالله عطلة شهر ، مع ارباحه عن الأعوام السابقة


وفي أول وصوله لليمن ، زار قبر والدته التي حدّثها باكياً :

- أتذكرين حين قلت لي قبل وفاتك : بأنني سأصبح انساناً ناجحاً ، بسبب منامٍ شاهدته اثناء حملك بي ؟ هآ انا اصبحت من التجّار المهمّين بالسعودية بفضل دعائك ورضاك عليّ ، وسأبذل قصارى جهدي للإهتمام بإخواني رغم شبههما الكبير بأمهما السيئة ! والتي أظنها مدفونة هنا ، قرب قبر ابي كما سمعت .. استأذنك لرؤيتهما.. الوداع يا امي الغالية


وذهب لقبر والده اولاً :

- لقد سامحتك على التفريق بيني وبين ابنائك ، رغم كوني ابنك البكر وسندك وظهرك ، كما كنت تقول لي قبل زيجتك الفاشلة .. لكنه قرارك ، ولا الومك عليه .. سامحك الله على كل كسرةٍ وجرح في قلبي الذي سيظلّ يدعو لك بالمغفرة طوال حياتي  


ثم نظر لقبر زوجة ابيه :

- اما انت !! فلا سامحك الله على قساوتك معي.. فرغم تنفيذي لجميع اوامرك ، إلاّ انك أخرجتني من المدرسة لتلبيّة طلبات المنزل وتنظيفه ، والإهتمام بأبنائك.. وليت هذا منعك من ضربي وإهانتي امام اخوتي الصغار والجيران ! لكنك الآن بين يديّ الرحمن العادل ، وهو سيتكفّل بعقابك

^^^


ثم توجّه لمنزل والده القديم .. ووقف شارداً حزيناً وهو يتأمّل الحارة التي خُطف منها مع بقيّة الأولاد .. ليجد جارته وقد أصبحت مجنونة القرية ، بعد اختفاء ابنها الذي خُطف معه من قبل عصابة الشحاذين ! والتي ما أن رأته ، حتى أسرعت اليه بعكّازتها :

- محمد !! .. أهذا انت ؟! عرفتك من حرق جبينك الذي تسبّبت فيه زوجة ابيك الملعونة !

محمد : نعم يا خالة ، هذا انا

- اين ابني صالح ، يا محمد ؟ كان يلعب معك آخر مرة

محمد بصدمة : أمعقول انه لم يُعد الى هنا ، بعد ان اصبح شاباً ؟! فقد التقيت بموسى قبل قليل ، وأخبرني ان معظم الأولاد المُختطفين بتلك الحادثة ، عادوا الى هنا بسن المراهقة !

الأم بحزن : ماعدا ابني ! رجاءً إبحث عنه في السعودية

- سأفعل يا خالة.. أعدك بذلك

^^^


بعدها ذهب لإمام الجامع العجوز ، لسؤاله عن أخويّه .. فأخبره ان كبيرهما في السجن ، بعد دهسه احد المارّة بسيارته المُسرعة ، جعله مُقعداً طوال حياته .. 

فتوجّه لأهل المعاق ، واتفق معهم على مبلغ التعويض مقابل تنازلهم عن الخمس سنوات المتبقيّة من محكوميّة اخيه.. وبالفعل تمكّن من إطلاق سراحه !

***


بعدها بإسبوع .. ذهبا معاً ، لزيارة اخيه الأصغر في مشفى الإدمان ! والذي وعدهما بإكمال علاجه للخروج من مصيبته.. فبشرّه محمد بفتح متجرٍ له ، كما فعل مع اخيه (المُتسرّح حديثاً من السجن) للوقوف على قدميهما ، ومتابعة حياتهما باستقامة

***


بعدها توجّه محمد للقرية المجاورة لزيارة اخته الصغرى ، بعد علمه بزواجها من رجلٍ عجوز !


وتحدّث معها على انفراد ، بعد خروج زوجها من المنزل ..

محمد باستغراب : لا اصدّق ان زوجة ابي ظلمتك ايضاً ، فأنت ابنتها الوحيدة ؟!

اخته بحزن : كانت تكرهني ، لشبهي بطباع والدي !

- بالفعل !! انت الوحيدة التي تشبهينني من اخوتي

- رجاء اخي ، خلّصني من زوجي.. فقد ضاعت ست سنوات من حياتي مع ذلك العقيم ، وأخاف أن يحرمني الأمومة

محمد : اعدك بذلك


وبالفعل وافق زوجها البخيل بأخذ مبلغٍ مجزّي من محمد مقابل الطلاق ! بعدها سافرت أخته معه الى السعودية

***


وهناك سأل عن صديقه المُختطف ، المجهول المصير .. ليعلم من أحد الباعة المتجوّلين : بمحاولة صالح تقليده ، والهرب من العصابة التي تمكّنت من اللحاق به.. والذي حاول مقاومتهم بكل قوته ، لكنهم طعنوه حتى الموت ! 

فعلم محمد كم كان محظوظاً بالنجاة من إجرامهم ووحشيّتهم ! 


ثم ارسل خطاباً لأم صالح يخبرها : بأن ابنها توفيّ قبل سنوات ، بعد توقف قلبه اثناء إعتماره بالحرم (لأنه لم يستطع إخبارها بموته قتلاً).. 

وعندنا سمعت الأم الخبر ، وزّعت الحلوى على الجيران لحسن خاتمة ابنها بعد استعادتها جزءاً من رشدها !


اما اخت محمد ، فجمعها مع عبد الله (ابن التاجر الذي كان أخبره عنها بصغرهما) لأنه يتمنى ان لا يسافر للغربة وحده ، لإكمال الدكتوراه.. ولهذا سمح لهما بالتحدّث هاتفيّاً للتعارف بنيّة الخطبة ، على ان يكون كلامهما ضمن حدود الأدب والأخلاق. 

***


وبالفعل لم يمضي شهر ، حتى كُتب كتابهما.. ليُفاجأ عبد الله محمد بتسجيل المحل بإسمه ، كمهر اخته التي سافرت معه لأوروبا ، لمتابعة دراسته العليا والعمل هناك


وبذلك اصبحت فرحة محمد فرحتيّن : زواج اخته من صديق طفولته (ابن التاجر الطيّب) وحصوله رسميّاً على المتجر الذي أمضي فيه سنوات مراهقته وشبابه

***


وحالياً يُعتبر محمد تاجراً ناجحاً بعد حصوله على الجنسيّة ، عقب زواجه من سعودية أنجبت له ابناً صالحاً يساعده بالمتجر ، ويؤدّي الصلوات معه بالحرم  


وقد اعتاد محمد بكل صلاة على شكر الله الذي اعطاه القوّة والشجاعة تلك الليلة للمخاطرة بحياته والهرب من العصابة المُسلّحة ، مُتتّبعاً الشعاع الأخضر لحرم الأمن والأمان !


الخميس، 17 أكتوبر 2024

المُتفرّدة

فكرة : امي (آمنة الخالدي)
كتابة : امل شانوحة 

خارج السِرب


نجحت سلمى بامتحان الموظفين الجدّد ، لشركة الإعلانات الأولى بالبلد.. وفي يومها الوظيفيّ الأول ، وصلت الى موقف الشركة الفخمة بسيارة أجرة.. لتنتبه على موظفتيّن نزلتا من سيارتهما الجديدة ، وهما تنظران اليها باشمئزاز ! 

قائلةً إحداهن :

- يبدو انك اخطأت بالعنوان ، فهذه شركةٌ خاصة لا يدخلها سوى عملاء اهم الشركات بالبلد ، وأصحاب الرخص للبضائع الأجنبيّة

سلمى : انا الموظفة الجديدة

فنظرتا الى ثيابها المُحتشمة ، وحذائها الرياضيّ ..

- غريب ! مع ان مديرنا بالعادة يختار الفتيات الراقيات

وضحكتا ساخرتان منها .. وهما تدخلان الشركة بكعبهما العالي وثيابهما التي تشبه فساتين سهرة ، أكثر من كونها زيّ موظفات ! 

^^^


وساء الوضع أكثر في الداخل ! فمعظم الموظفين يتواصلون فيما بينهم باللغة الأجنبيّة.. وفي حال أجابتهم بالعربية ، ينظرون اليها باستعلاء ..كأنهم يستغربون وجودها بينهم ، رغم جودة افكارها الإعلانيّة التي جعلتها تتفوّق على عشرات المتقدّمين للوظيفة الشاغرة


فتجاهلت تعليقاتهم المسيئة ، اثناء تنظيم مكتبها .. لتقترب إحداهن وهي تقول : 

- لا تأخذي راحتك ، فلن تدومي طويلاً بملابسك المتواضعة ولغتك الضعيفة.. انت ستبقين ، لحين عودة مدام ديانا من إجازة الأمومة


فكتمت سلوى ضيقها ، لكرهها للتنمّر والمتغطرسين .. مُتجاهلةً نظراتهم الساخرة ، بإشغال نفسها بمهمّتها الأولى : وهي إعطاء فكرة إعلانٍ لشركة تنظيفات

^^^


وفي فترة الغداء .. سألتها موظفة : ان كانت ستنزل الى مطعم الشركة ؟ 

فاكتفت سلمى بالقول :

- لا داعي لذلك ، فمعي شطيرتي 

فانفجرت الموظفات ضحكاً عليها :

- تظن نفسها بالمدرسة !

- هل أحضرت العصير ايضاً ، مع كيس شيبس وبعض اللبان؟  


لكنها لم تهتم بهنّ .. وأكملت عملها ، خلال نزول الموظفين الى مطعم المأكولات الجاهزة ، بأسعاره التي تفوق قدرة سلمى الماديّة (فهي مازالت في يومها الأول)

^^^


وبعد هدوء الطابق في فترة الغداء .. إنتبهت على رجلٍ وسيم يمشي باتجاه مكتب مدير عام الفارغ وهو يتلفّت يميناً ويساراً بقلق ، كأنه يتأكّد من خلوّ المكاتب من الموظفين ، دون انتباهه لسلمى (كونها أقصر من مكتبها الذي لم يُظهر سوى عينيها) والتي رأته يُلصق شيئاً اسفل مكتب المدير ، ويخرج سريعاً من هناك ! 


وعندما اقتربت من باب المكتب ، لاحظت ضوءاً خافتاً يخرج من الجهاز الأسود ! 

وهنا سمعت المدير خلفها ، يسألها :

- ماذا تفعلين هنا ؟!

سلمى بارتباك : عفواً ، لم ارك سيدي

- هل انت الموظفة الجديدة ؟

- نعم

المدير : ولما لم تنزلي مع بقيّة الموظفين للغداء ؟

- أكلت شطيرتي ، وشبعت الحمد الله

- شطيرة ! .. لا يهم ، عودي لمكتبك


وقبل دخوله مكتبه ، أوقفته :

- إنتظر لحظة !! قبل قليل صوّرت رجلاً بجوّالي ، يخرج مرتبكاً من مكتبك 

فنظر للصورة :

- آه لا بأس ، هذا شريكي

فأخبرته عن الجهاز الغامض ..

المدير مُعاتباً : أتريدين تشكيكي بشريكي من اول يومٍ وظيفيّ لك ؟!!

- يمكنك التأكّد بنفسك


فدخل غرفته ، وهي خلفه .. ونظر اسفل مكتبه ، ليجد علبةً سوداء يخرج منها ضوءاً احمراً متقطّعاً !

وعندما حاول لمسه ، أمسكت يده : 

- لا تلمسه !! فنحن لا نعرف ماهو

المدير : وما يدريني انك لست من وضعه ؟ فأنت صوّرتي شريكي وهو يخرج من مكتبي ، وهذا ليس دليلاً ضدّه .. 

- اذاً إتصل بحارس الأمن ، لمنع الموظفين العودة الى هنا .. ثم اطلب من شريكك إحضار ملفٍ من مكتبك ، اثناء تواجدك بقاعة الإجتماعات .. ثم أقفل باب المكتب عليه

- ولماذا ؟

سلمى : رجاءً إفعل ، لن تخسر شيئاً 

^^^


وبالفعل نادى شريكه لفعل ذلك ..

الشريك باستغراب : ولما لا تطلب الملف من أحد موظفيك ؟!

- جميعهم بالمطعم الآن ، وانت تعلم أيّ ملفٍ اريد


وما ان أقفل المكتب عليه ، حتى انهار الشريك رعباً .. طارقاً الباب الزجاجيّ بكلتا يديه

- ارجوك إخرجني !! لم يعد هناك وقت للهرب !!

فتأكّدت شكوك المدير بأنه جهاز تفجير ! وطلب منه إخراجه فوراً من الشركة 

فحمله الشريك بيديه المرتجفتين ، وهو يركض باتجاه المصاعد .. لكن القنبلة الموقوته إنفجرت فيه ، وسط صدمة المدير وسلمى من قوّة الإنفجار الذي أحدث حريقاً في الطابق الأخير من الشركة ! وسرعان ما انتشر دخانٌ أسودٌ خانق في  المكان..


فلم يكن امام المدير إلاّ سحب ذراع سلمى (التي تجمّدت مكانها من شدّة الصدمة) والركض معاً على السلالم باتجاه السطح ، حيث توجد مروحيّة صغيرة (الهليكوبتر) الخاصّة به !

سلمى بخوف : لا سيدي !! لديّ رهاب من الطيران

المدير : لا وقت لدلالك ، فالحريق على وشك الوصول الينا .. هيا اركبي!!


وركبت بجانبه وهي ترتجف بقوة .. بينما حلّق بطائرته بإحتراف ، مُبتعداً عن شركته مع وصول سيارت الإطفاء

***


إستيقظت سلمى عصراً في سريرٍ فخم ! فقفزت مرتعبة الى خارج الغرفة ، لتجد مديرها يشرب القهوة في الصالة

- اين انا ؟

- في قصري

سلمى بقلق : ولماذا أحضرتني الى هنا ؟!

- أُغميّ عليك بالطائرة ..ولأنك موظفة جديدة ، لا أعرف مكان إقامتك 

فبحثت بجيب فستانها ..

- آه ! نسيت جوّالي بالمكتب ، اكيد احترق الآن 

- لقد اطفأوا المكان ، بعد احتراق نصف الطابق .. (ثم اعطاها جواله) .. إتصلي بزوجك .. اكيد هو قلقٌ عليك ، بعد تأخرّك بالعودة 

سلمى : لست متزوجة

- اذاً اتصلي بأهلك

فاتصلت بأخيها وأعطته العنوان ..

المدير : سيحتاج اخوك وقتاً للوصول الى هنا ، دعيني اريك قصري 


ورغم استغرابها من اهتمامه لسماع رأيها بديكور منزله ! إلاّ أن بالها كان مشغولاً بكيفيّة التبرير لأخيها ، وجودها بمنزل مديرها من يومها الوظيفيّ الأول


المدير : لم تخبريني برأيك في التحف والّلوحات والأثاث الفخم ؟

سلمى بلا مبالاة : لا تهمّني هذه السخافات

بصدمة : سخافات !

- آسفة ..أقصد لا تهمّني الماديّات

المدير : مستحيل ! جميع نساء تهمّهن المال

- إلاّ انا .. حتى عندما كنت صغيرة : كنت أجمع عيديّاتي من الأقارب ، وأضعهم في حقيبة امي كمصروف المنزل.. حتى مصروف المدرسة ، كنت اشتري به حلويات لأختي الصغيرة

- هذه اول مرة أقابل امرأة لا تهتم بهذه الأمور ، بالإضافة لعدم إكتراثها لجمالها وزيّنتها !


وهنا شعر انه أحرجها بالكلام..

المدير : آسف ، لم أعني انك قبيحة .. بالعكس ، جمالك طبيعيّ وبريء ..بعكس النساء المُحاط بهن في مجتمعي وعملي ، واللآتي أفسدنّ وجوههن وأجسامهن بعمليّات التجميل المبالغ فيها 

- نعم ، رأيت موظفاتك .. فعلى حسب زينتهنّ وثيابهنّ الفخمة ، أحسّست كأني بقاعة عرس لا موقع عمل ! 

فضحك قائلاً :

- أعجبتني روح الدعابة لديك.. أتدرين انني كُدتّ أفلس بسبب طليقتي الأجنبية التي حصلت عل نصف مالي ، مع حضانة إبني الذي لم اره منذ طفولته.. ولولا شريكي ، لأفلست منذ سنوات .. مازلت للآن لم استوعب انه خطّط لقتلي ، وتفجير شركتنا !

- ولما فعل ذلك ؟

المدير : ربما الشركة المنافسة وعدته بوظيفةٍ مرموقة ، لذلك خان صداقتنا منذ ايام الجامعة ! وهاهو احترق دنيا وآخرة ، الخائن القذر ... المهم ، ذكّرني بعد انتهاء التصليحات بالشركة ، أن أصرف لك مكافئةً مُجزيّة ..فلولا تحذيرك ، لكنت ميتاً الآن

- كنت اريد مفاتحتك بموضوع العمل .. بصراحة ، انا استقيل

باستغراب : لماذا ؟!


سلمى : العمل لم يناسبني .. فأنا لست كبقيّة الموظفات ..لا احب الثياب القصيرة او الإكثار من المكياج ، ولا أتقن اللغات.. كل ما هناك ان لديّ خيالٌ واسع ، استطيع تحويله لإعلاناتٍ مميزة

- وهذا ما يهمّني 

- صدّقني لم ارتحّ للوظيفة ، فالمكان ضاغطٌ عليّ نفسيّاً 

المدير : اذاً إعملي من المنزل

- أحقاً !

- نعم ، سأرسل لك طلبات الشركات على ايميلك .. وانت ترسلين الأفكار على ايميلي الخاص .. وراتبك أحوّله شهرياً على حسابك البنكيّ 

سلمى : ياريت !! فأنا لديّ رهاب اجتماعي ، ولا استطيع الإندماج مع الغرباء 

- حسناً ، لك ذلك

***


وبالفعل عملت سلمى لشهور بهذه الطريقة .. ونالت إعجاب مديرها والعملاء من الشركات الوطنيّة والأجنبيّة بسب افكارها المبدعة.. 


الى ان اتى يوم ، تفاجأت بوجود المدير في منزل اهلها بحيٍّ شعبيّ ، للتحدّث مع والدها بشأن خطبتها ! فطلبت التحدّث معه على انفراد..

سلمى : لا أصدّق انك تركت كل موظفاتك الحسناوات ، لخطبة فتاةٍ بسيطةٍ مثلي !

المدير : عليك الوثوق بنفسك اكثر من ذلك .. فجميعهن جمالهن مُصطنع من عمليات التجميل المقرفة .. كما انك لم تحاولي إستمالة قلبي ! بل أكثر ما لفت نظري هو حيائك ، ومنعي من ممازحتك بالهاتف ..ورفضك عزيمتي على الشاليه ، او تقضية الوقت بنزهةٍ بحريّة ! حتى انك هدّدتني بالإستقالة ان تابعت غزلي ، او التحدّث خارج مواضيع العمل ! لهذا نجحتي باكتساب ثقتي ، لتكوني زوجتي وام اولادي 

- زوجتك وام اولادك ! يبدو انك اتخذت قرارك

- بالتأكيد !! فأنت فريدة من نوعك .. امرأة حقيقية في زمنٍ مُزيّف .. حنونة وخلوقة ومبدعة .. فماذا اريد اكثر ؟

سلمى : وانا موافقة ، لكن بشرط !! ان يكون زواجنا بقصرك ، مُقتصراً على الأقارب والأصدقاء المُقرّبين .. يعني عرس عائلي ، فأنا لا احب المبالغة بالإحتفالات  

- لك ذلك ، عزيزتي

***


لاحقاً ، إنتشر الخبر بالشركة كالنار في الهشيم .. مما اغاظ الكثيرات ممّن تنافسنّ لسنوات للحصول على اهتمام المدير الوسيم وثروته .. لتنصدمنّ بزواجه من موظفته البسيطة التي فازت عليهنّ بأخلاقها الحميدة ، وبراءتها النادرة في عصر النفاق الفاسد ! 


الاثنين، 14 أكتوبر 2024

طبيب الأسنان المشبوه

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

 

جنّية الأسنان


جلست سلمى على كرسي طبيب الأسنان وهي ترتجف رعباً ، فهي المرّة الأولى التي تخلع فيها سن العقل التي سمعت عن خطورة عمليّته وآلامه المُبرحة.. لهذا وافقت على وضع قناع التخدير على وجهها ، لتجنّب الأوجاع المؤلمة !

^^^


لتستيقظ في قريةٍ ريفيّةٍ غريبة ، ذات اكواخٍ خشبيّة مُتهالكة وشوارع طينيّة موحلة.. فلم تفهم ما حصل ، أهو حلمٌ غريب أم تهيؤات بسبب المخدّر ؟! 

ومشت بين الأزقّة ، الى ان وصلت لمرآةٍ ضخمة في نهاية الشارع .. وعندما نظرت اليها ، إنتبهت لفمها المليء بالدماء ! ففتحته بخوف ، لتنصدم باختفاء احد اسنان العقل بالإضافة لنابيّن..

فصرخت سلمى بعلوّ صوتها :

- ماذا فعل الدكتور الحقير ؟!! طلبت منه خلع ضرس العقل المتسوّس ، لا السليم.. ومن سمح له بقلع نابايّ ؟! هذه اسناني ، ملكي وحدي !!

وهنا سمعت امرأة خلفها ، تسألها باهتمام :

- ماذا يعني اسنان ؟!

فالتفتت سلمى نحوها ، لتجدها تبتسم دون اسنان !


وفجأة ! خرج سكّان القرية من اكواخهم ، متوجهين نحوها وهم يبتسمون دون اسنان ! لكنهم أخفوا أفواههم المُشوّهة بإطالة شواربهم (للرجال) او الإكثار من زينة الشفاه (لنسائهنّ) ! 

قائلاً كبيرهم : تبدين غريبةً عنا ! تعالي لتناول الغداء الجماعيّ

^^^


وأخذوها الى منتصف القرية ، حيث وضعت مائدةً ضخمة عليها جميع انواع العصائر والشوربات الملوّنة !

سلمى : أهذا طعامكم ؟!

- نعم ، فذلك الطبق مثلاً : فيه لحمٌ مسلوق على مدى ايام ، بعدها عصرناه وصفّيناه كيّ نشرب مرقته.. وهذا هو طبق الحلويات : عبارة عن كيك مخلوط بالحليب حتى اصبح مهروساً ، فنحن لا يمكننا تناول الطعام الجاف القاسي

جني آخر : هيا إشربي معنا ، فكل كاسة مليئة بالفيتامينات ..خصوصاً شوربة قوس القزح


وقبل ارتشاف سلمى ملعقتها ، شاهدت عجوزاً من بعيد تشير لها : بأن لا تفعل !!


فاعتذرت منهم لدخول الحمام .. فدلّوها على كشك صغير على قارعة الطريق.. 

^^^


وهناك التقت بالعجوز التي ما ان فتحت فمها حتى لمع سنّها الوحيد !

سلمى بدهشة : انت تملكين سنّاً ، بعكسهم ؟!

العجوز بصوتٍ منخفض : هذا لأني بشريّة مثلك

سلمى بصدمة : ماذا ! ومن يكونون ؟!

- قبيلة من الجن تعاملوا منذ سنوات مع طبيب اسنانك الذي يُرسل زبائنه لهم ممّن يمتلكون اسنان قويّة مميزة

- لم افهم شيئاً !

العجوز : هناك اسنان نادرة لديها جذور قويّة تدوم العمر كلّه ، كالتي تملكينها .. والتي كانت بفمي قبل سنوات ! حيث يقوم الجن بطحنها وإذابتها بشورباتهم لإعطائهم الطاقة .. وفي المقابل يكافئون الطبيب بالعملات الذهبيّة .. تعالي معي لأُفهمك بقيّة القصة  

^^^


وأخذتها الى منزلها بأطراف القرية التي بجانبها حقلٌ مزروع ، يخرج من كل نبتة سنّاً لامعاً..

العجوز بضيق : للأسف فهمت متأخرة ، ان شوربة القوس قزح تجعلك تصعدين مجدّداً لعيادة الحقير لقلع المزيد من اسنانك ! وعندما صعدت في المرّة الأخيرة ، سرقت كل اسناني المخلوعة على طاولته ، اثناء انشغاله بتحضير ادواته .. وعدّت طواعيّةً الى هنا .. وقمت بزراعتها في ارضي .. وهآ انا ابيع كل سنّ للقرية المجاورة ، مقابل طعامٍ آدميّ .. أنظري بنفسك


وشاهدت سلمى اهالي قرية العجوز يتحدثون فيما بينهم ، وكل واحدٍ يلمع في فمه سنّاً ملوّناً !

العجوز : انا لم اتعامل مع اهالي القرية التي ظهرتِ فيها ، لأنهم مخادعون ..حاولوا سرقة حقلي اكثر من مرّة ، لكني تصدّيت لهم

سلمى بقلق : كلامك يُخيفني ! فأنا خسرت سن العقل السليم ونابيّن ، ولا اريد رؤية الطبيب الملعون من جديد..

- بالطبع سيخلع ضروسك السليمة .. فالجن يشمئزّون من المتسوّسة ، فهم بالنهاية يتغذّون عليها ! اما الطبيب فلابد ان تقابليه ، كيّ تنتقمي منه لأجلك ولأجلي .. فخطؤك انك ذهبت اليه دون مرافق ، فاستغلّ وجودك وحدك لتخديرك ، والتواصل مع الجن.. المهم الآن !! شوربة قوس قزح ستعيدك اليه ..لكن قومي اولاً بصفقة مع جنّية الأسنان التي تعيش في ذلك الكهف ، فقط تتبّعي نهر الدماء

^^^


وسبحت سلمى بالنهر الأحمر مُرغمة ، الى ان وصلت لكهفٍ فيه عرش امرأة غجريّة تضع اسنان الأطفال اللبنيّة كعقد حول رقبتها !

والتي ما ان رأتها ، حتى سألتها باهتمام :

- مالذي أتى بك الى مملكتي ، ايتها البشريّة ؟!

سلمى : اريد اخبارك بأن الطبيب الذي تتعاملين معه ، لديه أندرّ الأسنان بالعالم ..وانا سأبادله معك ، مقابل إخراجي من هذه الورطة

- أحقاً ما تقولين ؟!

- نعم ..فهو طبيبٌ شاب ، لديه اسنانٌ لامعة دون تسوّس

الجنّية : حسناً ، سأهبك القوّة لإتمام صفقتنا

^^^


وعادت سلمى للإجتماع بأهالي قريتها ، وهي تطلب منهم تذوّق شوربة قوس القزح .. قائلةً بنفسها باشمئزاز :

((اتمنى ان لا يكون مطحوناً فيه اضراس المرضى ، كما الشوربات الأخرى))

^^^


وما ان شربت كاستها ، حتى عادت الى كرسي طبيب الأسنان الذي حاول إعادة قناع التخدير الى وجهها.. لكنها باغتته بغرز ماكينة الحفر في رقبته ، ورميه بدالها على الكرسي مُتألّماً (وكأن جنّية الأسنان أعطتها القوّة لمصارعة رجل) .. ثم تثبيت جهاز التخدير فوق انفه ، بعد فتحته على أقصى قوّة .. ليغفو عقب انهيار مقاومته .. وخلال ثواني ، إختفى من العيادة !

فقالت سلمى بارتياح : دعّ الملاعين يقلعون جميع اسنانك ، ايها الحقير !!

وسارعت بالخروج من عيادته ، باتجاه منزلها

***


بعد ايام ، دخلت امها الى غرفتها :

- أمازال سن العقل يؤلمك ؟!

سلمى بألم : اللعين قلع ضرسي السليم !

- أخبروني عن طبيبٍ جيد ، يقلع الأضراس دون ألم باستخدام التخدير الكلّي

سلمى صارخة : لا يا امي ، لن اذهب الى اطبّاء اسنان في حياتي !!

وانهارت باكية من الم اسنانها الذي يبدو سيمتدّ لوقتٍ طويل ! 


السبت، 12 أكتوبر 2024

العميل الخائن

تأليف : امل شانوحة 

المنطقة المُستهدفة 


في منطقةٍ أمنيّةٍ مُشدّدة ، سكن فيها معظم المقاومين والقادة .. والتي عُدّت لسنوات مكاناً آمناً ، بسبب التفتيش الدقيق عند مدخل المجمّع..إندلعت الحرب ، لتُصبح اكثر منطقة خطرة بعد إستهداف العدوّ لمنازل المطلوبين فيها ! 

وفور هروب الحرس المسؤولين عن أمن منطقة الأثرياء ، تكاثر وجود اللصوص الذين يبحثون بين ركام الفلّل عن المال والذهب .. ليتفاجأوا بأن معظم البيوت خلت من الأشياء الثمينة ! 


وفي خُضمّ المعارك التي استمرّت اكثر من شهرين .. ذاع صيت مواطنٍ مُغترب تنقّل بين الأحياء ، لطمأنة النازحين (المشرّدين من بيوتهم) على بنائه مساكن لهم فور انتهاء الحرب ! مما جعله مُهاباً في المنطقة الأمنيّة التي سكن بها مُؤخّراً ، رغم خوف اتباعه الجدّد من إصابته بصواريخ العدوّ

***


وفي يوم ، إستهدف القصف مبنى سكنيّ من ثلاثة طوابق.. قتلت جميع سكّانه ، ما عدا رجلٍ كان ينام في الشرفة (حسين ، الضابط في الأمن العام) .. 

ومن قوّة الصاروخ الفراغيّ ، سقط فوق شجرة بموقف سيارات مبناه .. جعله الناجي الوحيد هناك !


وفي المستشفى .. لاحظ حسين إختفاء عقده الذي يضع فيه خاتم زوجته المتوفاة ، والذي لم يزله من رقبته لسنوات ! 


فسأل الممرّضين عنه ، حتى رجال الإسعاف الذي نقلوه للطوارئ .. لكن لا احد منهم رأى العقد الذي يصعب وقوعه بالإنفجار ، لقصر طوقه ! وقد ضايقه هذا الموضوع ، اكثر من خسارة شقته .. 


وبعد خروجه من المشفى ، إنتقل للعيش عند اقاربه في المبنى المجاور للعمارته المُهدّمة ، والتي تضرّرت بشكلٍ بسيط من الصاروخ المُوجّه بدقّة نحو الهدف !

***


وبعد ايام ، واثناء جلوسه بشرفة منزل قريبه .. لاحظ أمراً لافتاً : وهو رجل التوصيلات يدخل للمبنى المجاور .. وهو يشبه الرجل (مُخفياً وجهه بخوذة دارّجته الناريّة) الذي دخل عمارته قبل الإنفجار بقليل !

فقال حسين في نفسه ، بدهشة :

((يالا قوّة قلبك ! مازلت توصل الطلبات ، رغم نجاتك من الموت بإعجوبة المرّة الفائتة ؟!))


وظلّ يراقبه من الشرفة ، لحين نزول الدليفري وهو يحمل حقيبة ظهره بصعوبة ! 

حسين : ترى ماذا اعطوه الجيران ، ليمشي بصعوبة كأنه يحمل طوباً ؟!


وهنا شعر برغبة للنزول من المبنى وملاحقة رجل التوصيلات ، لربما يحصل منه على عنوان المطعم الذي مازال يعمل رغم القصف العنيف لهذه المنطقة بالذات !


ولحقه بسيارته ، الى أن دخل الدليفري الى منزل المغترب الشهير ! فظن حسين بأن الثريّ طلب طعاماً ، فهو بالنهاية يسكن وحده 

لكنه استغرب من عدم خروج الدليفري لوقتٍ طويل !

حسين : مابه تأخّر هكذا ؟! اريد سؤاله عن رقم المطعم ، لربما أعزم اهل قريبي على استضافتهم لي

***


وبعد قليل ، قرّر حسين الذهاب للسوق.. 

وبعد ساعتين .. مرّ بجانب منزل الثريّ ، ليجد درّاجة رجل التوصيلات مازالت في الخارج !

حسين : هل الدليفري يعمل حارساً في منزل المغترب ؟! بدأت أشكّ بأمره! 


ولأن حسين يعمل ضابطاً ، خطر بباله البحث عن ماضي الثريّ الذي ظهر فجأة ، ليصبح معشوق النازحين الذي وعدهم بإصلاح حالهم فور انتهاء الحرب ! 

ليكتشف امراً صادماً ..فهذا المغترب تسرّح حديثاً من سجن اوربي بعد اتهامه بعدة سرقات من سطوّ منازل ومحال تجاريّة ، حيث أمضى شبابه مُتنقلاً بين السجون ..وعاد للبلد قبل ايام من بدء المعارك ! وفور سكنه بالمنطقة الآمنة ، زادت حالات قصف منازل القادة ومقاومين.. 


والشيء المشترك : ان جميع المنازل المُستهدفة ، خلت تماماً من المال والذهب حسب اقوال اللصوص الذين قُبض عليهم هناك ! 

حينها تذكّر حسين بأن خادمته فتحت الباب لشخص اثناء وجوده بالشرفة ، وبعدها لاحظ دخاناً اصفراً ينتشر في منزله .. وقبل استسلامه للنوم المفاجئ ، سمع طائرةً حربيّة تحلّق فوق المكان ، قبل دقائق من قصفها العمارة !


كما تذكّر محاولته الوقوف مترنّحاً لرؤية الخادمة التي لم تستجب لندائه ، ليلاحظ نور ليزر يتحرّك على شرفته.. كأن أحداً من الشارع يُشير للمبنى ، قبل ثواني من دويّ الإنفجار الكبير !


لهذا قرّر حسين مراقبة الثريّ بصمت دون إخبار مركزه ، كيّ لا يطردوه من العمل .. فالمغترب اكتسب مكانةً كبيرة بين الأهالي ، وبوقتٍ قياسيّ بسبب مساعداته الإنسانيّة لهم !

***


وفي إحدى الليالي ، واثناء مراقبته منزل المغترب .. شاهد خروج الدليفري (بخوذته السوداء) وهو يقود درّاجته باتجاه إحدى الفللّ .. 


بعدها شاهده وهو يخرج من الفيلا ، حاملاً حقيبة الظهر الثقيلة .. ليقف بعيداً ، وهو يشير بقلم الليزر نحو المبنى مع اقتراب طائرة العدو المُسيّرة (درون) ..


ولم تمضي دقائق ، حتى قُصفت الفيلا بصاروخٍ من بارجةٍ بحريّة .. حوّلتها لأحجارٍ مُتناثرة !

حينها تأكّدت شكوك حسين من أن الثريّ هو عميل للعدو ! إستغلّ مكانته الزائفة بين الناس للتحرّك بحرّية بأرجاء المنطقة المشدّدة امنيّة ، دون قيام الحرس بتفتيشه او تفتيش منزله كبقية سكّان المنطقة! 


وبسرعة أبلغ حسين قادة الحزب بما حصل ، مُرسلاً لهم فيديوهات المراقبة التي سجّلها على جوّاله.. ليسارع حرس الحزب باقتحام منزل الثريّ الذي امتلأ بالذهب والمال والحواسيب والجوّالات المسروقة من المنازل المُستهدفة قبل تفجيرها ! ومنها عقد حسين الذي فيه خاتم زوجته (الذي سرقه منه ، اثناء إغماءته في الشرفة) 

***


وبعد التحقيق العنيف معه .. إعترف بأنه لصّ محترف ، عاد لوطنه للإستفادة من الإضطراب الشعبيّ مع تصاعد وتيرة الحرب.. وانه شعر بالأسى على كل المباني التي هُدمت دون سرقتها ، وإهدار الأشياء القيّمة في الشقق المُدمّرة ! 


لهذا خطر في باله التنكّر كرجل توصيلات .. وعندنا يفتحون الباب ، يرمي قنبلةً دخانيّة ، تخدّر الساكنين بالشقة قبل سرقته للأشياء الثمينة الصغيرة 


وبعدها يُشير لطائرة درون بقلمه الليزر على المبنى الذي فيه الرجل المطلوب أمنيّاً ، ليقوموا بتفجيره ! 

وحاول تبرير فعلته : بأن المستهدفين ميتون بجميع الأحوال ، لكن بفضله ماتوا نياماً دون شعورهم بالخوف او الألم .. وانه باع الكثير من الذهب المسروق لمساعدة النازحين بنيّة الحصول على دعمهم ، للترشّح للإنتخابات القادمة .. 


وبسبب جرمه الكبير ، قرّر القائد إعدام العميل الذي تسبّب بمقتل اهم مقاومي الحزب.. لكن حسين كان له رأيٌ آخر : وهو الجزاء من جنس العمل 

وقام بربطه بإحدى المنازل المهجورة .. ثم الإتصال بالعدو من جوّال المغترب .. بعدها تنكّر حسين بزيّ الدليفري ، وهو يشير بذات قلم الليزر على المنزل .. ليسارع العدو بإرسال طائرته الحربيّة .. بينما المغترب مُقيّداً بالداخل وهو منهار بالبكاء ، كلما زاد هدير الطائرة منه .. لتتناثر اشلاء الخائن مع شظايا المبنى المُهدّم ، ويصبح عبرة لكن من سوّلت نفسه خيانة الوطن !


ذريّة إبليس

تأليف : امل شانوحة  العقوبة المُضاعفة قبل خروج إبليس من الجنة (بعد رفضه السجود لآدم) وعند البوّابة الذهبيّة ، طلب من جبريل التجوّل في قصره ا...