الثلاثاء، 8 أكتوبر 2024

الجسر الزمني

تأليف : امل شانوحة 

بوّابة العبور


في الآونة الأخيرة .. كثرت حالات الإنتحار فوق جسرٍ فرعي في اميركا ، أكثريّتهم من الشباب اليافعين ! وقد حاولت الدولة الحدّ من الظاهرة المخيفة ، بوضع كاميرات المراقبة ودوريّات الشرطة .. كما عيّنت أطبّاء نفسيين يتناوبون كل مساء ، لنصح الشباب بعدم انهاء حياتهم.. وقد تمكّنوا بالفعل من إيقاف الكثيرين .. 

لكنه ظلّ هناك شباب مُصرّون على القفز نحو البحر العميق ! والأغرب ان جثثهم اختفت تماماً ، كأن هناك تيّاراً يسحبهم بعيداً عن مكان الجسر !


ما لا تعرفه الحكومة ، إن إشاعة انتشرت بالإنترنت : بأن ذلك الجسر هو بوّابة الإنتقال بالزمن ، سواءً الماضي او المستقبل ! وكل هذا حدث بعد نشر فيديوهاتٍ لشاب ادّعى قدومه من الماضي الى زمننا الحاليّ ، حيث وضع صوراً (بالخلفيّة الصفراء القديمة) تجمعه مع زعماء امريكا السابقين قبل وصولهم للرئاسة !


لذلك صدّقه بعض الشباب الذين قفزوا من الجسر ، بأوقاتٍ متأخرة من الليل .. حيث اختار معظمهم الإنتقال للمستقبل ، لفضولهم بمعرفة الحضارة التي وصلت اليها البشريّة .. ماعدا اريك الذي اختار العودة للماضي ، فهو مغني مُبتدئ لم يلقى نجاحاً في زمنه الحاضر ، رغم عذوبة وقوّة صوته ! 

لهذا اختار فترة السبعينات التي تركّز فيها اهتمام الجمهور على جميع المواهب الفنّية ، خصوصاً التمثيل والغناء .. وبعد انتقاله الى هناك .. نشر الأغاني التي اشتهرت في حاضره ، على انها من تأليفه! 

وبسرعة البرق انتشرت بين الشباب ، ليحصل بسهولة على الشهرة والوفرة الماليّة التي حلم بها طوال حياته.. حتى أصبح معبود الجماهير (كما يقولون)


بينما الشباب الذين اختاروا المستقبل : فقد نقلتهم بوّابة العبور للعصر الذي تلا انتهاء الحرب العالميّة الثالثة النوويّة ، حيث تفاجأوا بانهدام الحضارة التي يعرفونها : فلا انترنت ولا حواسيب ولا جوّالات ، ولا شيء من الرفاهيّات التي نشأوا عليها ! 

وذلك بسبب إشعاعات الحرب النوويّة التي دمّرت شبكات الإتصال حول العالم ، مُلغيّةً رحلات الطيران للأبد .. مما أجبرت الناس على استخدام الدّواب للنقل من جديد ! 

كما ادّت الإنهيارات الماليّة الضخمة للدول العظمى وعملاتها النقديّة ، لإعادة التداول عن طريق المقايضة ! 


مما جعل الشباب (المُنتحرين) يندمون على اختيارهم المستقبل .. وقرّروا العودة لزمنهم الحاليّ قبل تجنيدهم إجباريّاً في المعارك التي مازالت دائرة بين الشعوب ، بأسلحتهم البدائيّة كالسيوف والرماح ! 

أما أصحاب البشرة السمراء ، فاختبأوا بصعوبة من تجّار العبيد ! 

وكادت الصبايا (اللآتي قفزنّ من جسر العبور) أن يُسقنّ لسوق الجواري بعد تزايد اسرى الحروب !


فسارعوا للمكان الذي قفزوا منه ، ليتفاجأوا بانهدام الجسر مع بداية المعارك ! وبذلك علقوا في عصرٍ مُتخلّف يصعب العيش فيه ! مما سيجبر الكثير منهم على الإقدام على الإنتحار الحقيقي هذه المرة 

^^^


اما اريك : وبعد حصوله على المال والشهرة التي إكتفى منها ، قرّر العودة لزمانه .. ليجد الجسر مازال قيد الإنشاء ! 

فوقف عند حافته .. وقبل قفزه ، سمع صوتاً في اذنه يقول :

- سنُعيدك لزمانك بشخصيةٍ مُغايرة ، لأنك مُتّ إنتحاراً بالنسبة لمعارفك.. لكنك ستبقى ثريّاً ، كما انت الآن

فقال في نفسه : 

((طالما سأبقى غنيّاً ، فلا بأس من عودتي كإنسانٍ آخر .. اساساً لم أتفق يوماً مع اهلي ، ولم أحظى بصديقٍ وفيّ طوال حياتي))


وحينما انتبه عمّال الإنشاء عليه (وهو يقف عند الحافّة) ركضوا باتجاهه لإيقافه .. فأسرع اريك بالقفز نحو البحر .. ليستيقظ في قصرٍ فخم ، وهو يشعر بآلام بكافة جسمه !

فنهض مُتثاقلاً عن سريره الناعم ، مُتوجهاً للمرآة الذهبيّة .. لينصدم بشكله وقد تجاوز التسعين (بعد ان كان بالثلاثينات قبل دقائق) !


وهنا دخل محاميه وهو يقول :

- أخبروني انك طلبتني لكتابة وصيتك

فعاد الى سريره مهموماً من حالته الصحيّة المتدهورة ، وهو يسأل محاميه: 

- حسناً إخبرني بأسماء اولادي وأحفادي ، فذاكرتي ضعيفة

المحامي بدهشة : سيدي ! انت لم تتزوّج مُطلقاً

- يعني لا ورثة لديّ !

- لا ، وكنت تنوي وهب مالك للحكومة

اريك : لا طبعاً !! إن أعطيتهم ثروتي ، سيستخدمونه في تمويل الحرب العالميّة الثالثة التي ستدمّر الحضارة .. فأنا رأيت لمحة بما حصل للشباب الذين اختاروا المستقبل

- ماذا تقول سيدي ؟! انا لا افهم شيئاً !


فتنّهد اريك بحزن : الحقّ عليّ ، ليتني تزوّجت عندما كنت مشهوراً بالسبعينات ..لكني انشغلت بجمع المال ، بعد ادّعائي تأليف وتلحين الأغاني الناجحة .. وهآ انا اموت وحيداً ، دون ان تنفعني ثروتي او شهرتي الزائفة! 

- سيدي ! لا ادري عمّا تتحدث .. فأنا قدمت اليوم ، لتخبرني بما ستفعله بمالك

اريك : اريدك ان تدفع أجرة مقاولٍ خبير ، لهدم الجسر الفرعي بالمدينة

وأعطاه عنوان الجسر..


المحامي : نعم ، سمعت عن كثرة الإنتحارات عليه 

- صحيح .. لكن نبّه المقاول بإغلاق الجسر على السيارات والمارّة بحجّة إصلاحه ، فلا اريد مزيداً من الضحايا .. اساساً لا فائدة من عودتنا للماضي او المستقبل ، والأفضل الإستمتاع بحاضرنا فقط .. فنحن نعيش في اجمل زمان ، عصر الحضارة والتكنولوجيا .. لولا الحكّام الحمقى الذين يريدون إعادتنا للعصور المُتخلّفة ، بسبب نرجسيّتهم وحماقتهم المُفرطة ! 

المحامي : مع اني لم افهم معظم ما قلته ! لكني سأدفع لمقاولٍ جيد ، لتنفيذ وصيّتك

- اعرف ان الدولة ستحاكمني على تفجير الجسر ، لذلك إدفع جزءاً من ثروتي لبناء الجسر في مكانٍ آخر بعيداً عن البوّابة الزمنيّة  


ورغم إعتقاد المحامي بجنون موكّله ، لكنه وعده بتنفيذ الوصيّة التي تتضمّنت ايضاً : دفع المال لهاكر محترف (مخترق إلكتروني) لحذف حساب الشاب (الذي ادّعي قدومه من الماضي) والذي ساهم بازدياد إنتحار الشباب .. مع إزالة إشاعة الجسر الزمني من جميع وسائل التواصل الإجتماعي ، لحماية اليافعين من هذه المخاطرة العقيمة التي سيندمون عليها لاحقاً ، كما حصل لإريك والشباب الأربعين العالقين في مستقبلنا البائس الهمجيّ !


هناك 9 تعليقات:

  1. فكره جديده مره اخری ..
    اعتقد كما هو راي كتاب كثيرون ان الكتابه تخليد للزمن والاحداث..ثم تاتي القراءه التي هي في حد ذاتها ..سفر زمني ..وسفر مكاني ايضا ..لعوالم وازمنه ..لم نعاصرها او نذهب اليها ..
    احسنت امل ..

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة انها اعجبتك ، سيد عاصم
      لوّ كان متاحاً لنا الإنتقال عبر الزمن ، لاخترت ان اكون بهذا العمر والخبرة بالكتابة بزمن السبعينات ايضاً .. لكنت ملأت الشاشات العربية بأجمل الأفلام والمسلسلات ، بدلاً من آلاف الأفلام الهابطة والسخيفة بذلك الزمن !

      حذف
  2. ✍️ساهر...

    سلام الله عليكم،
    كيف حال الأستاذة أمل عساكِ ع القوة،

    ياسبحان الله..
    شخص من الحاضر يريد الذهاب للمستقبل وآخر للماضي ومن في المستقبل يريد تجربة الماضي ومن يعيش في الماضي يملؤه الشغف إلى
    المستقبل..؟!
    كإنسان يريد أن يغير فصيلة دمه أو حمضه DNE أو يتلاعب بالجينات الوراثية أو كمن يريد أن يتحول
    من ذكر لأنثىٰ أو العكس، ويعبث في خلقة رب العالمين ويتلاعب بألأقدار !!
    مع أن المصير المحتوم لذلك هو الندم؟
    كن كما يريد الله لا كما تريد أنت وابقىٰ
    كما اختارك أن تكون،
    { الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، سبحانه وتعالى هو الذي يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون }
    هو أعلم بالمكان والزمان المناسب اللذي
    يضعك فيه، الإنسان "روح" سبحانه وضع لكل مخلوق من هو أباه ومن هي أمه ومن إخوته، ولو ترك الإختيارات لنا لهلكنا ومن كمال عدله ورحمته هو من يَخلُق ويُفَدِّر ويدبر شئون خلقه،

    { يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إنْ تُبدَ لكم تسؤكُم } الفضول في أقدار الله مهلكة.. لا تُدققوا في تفاصيل الحياة مابين الماضي والمستقبل.. شئون إلٰـهيه تحفها حكمة ربكم لو فُسّرت .. عُـقِّـدت ! وحتماً س تُعانون بعد ٱطلاعكم عليها..
    سبحانه يدبر أمر عباده بعلمه بأدق تفاصيل الغيب،
    يقول ﷺ: من حُسن إسلام المرء تركهُ
    ما لا يعنيه !!

    جاء في الأثر:
    "إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر وإن بسطت عليه أفسده ذلك , و إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغني ولو أفقرته لأفسده ذلك, و إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك, و إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لأفسده ذلك. و إن من عبادي من يطلب بابا من العبادة فأكفه عنه, لكيلا يدخله العجب, إني أدبر عبادي بعلمي بما في قلوبهم"

    محبكم/ ساهر،،،

    ردحذف
    الردود
    1. للأسف لا احد مقتنع بحياته ، لكن الأقدار كُتبت قبل خلقنا .. ليت الجميع يعلم ذلك !

      حذف
  3. الأستاذة أمل،
    بإذن الله أعدك أن أكتب قصة جديدة
    وإن شاء الله أكون عند حسن ظنكم بي،
    فإذا تم قبولها ضعي لها أنتي العنوان والاسماء المناسبة والتنسيق بما ترينه
    مناسب،،

    إستفسار بسيط:
    لقد أرسلت على هذا الإبميل للأستاذ
    إياد العطار
    Www.kabbos.com
    ولم يتم الرد حتى اللحظة؟!

    تحياتي لكِ،،،



    ردحذف
    الردود
    1. https://www.facebook.com/ayad.attar
      انا احدث الأستاذ اياد على صفحته على الفيسبوك .. جرّب التواصل معه .. لا ادري ان كان سيردّ عليك ، لانشغاله بالعمل .. لكن حاول ، لن تخسر شيئاً

      حذف
    2. اكتب ما تشاء ، وان كانت جيدة سأنشرها لك .. وان كانت فكرتها معادة ، سأعتذر منك

      حذف
  4. ابدعتي استاذه غاليه امل والله يهونها عليكو وعلى الجميع الجسر ذكر كثيرا
    عن نفسي اقول اعيش بزمن افضل لي لان الله اختارني بهذا الزمان صحيح فكرة السفر عبر الزمن واالبوابات فكره مثيره من القدم ولكن لما اعيش بزمن غير زمن ووقتي
    لنفرض انه رجعت لعصر النبوبه العصر اللي بدعي الكثير انه يتمنى العيش فيه
    اناس سمعت عنهم ونحبهم ولكن هل نقدر على العيش معهم طبعا لا لانه طريقة العيش مختلف وكمان الكلام
    هل تخبرهم انه بالمستقبل يباد المسلمين والمساطين والضعفاء بالالاف والمئات الالاف
    هل تخبرهم ان تلك الدوله قامت هل تخبرهم انه جهاز صغير يرك العالم وانه هناك من يدعي زار القمر راح يحكو عنك مجنون رغم انه الاجمل تقف بين رسول الله صل الله عليه وسلم والصحابه الحكمه الربانيه انك تراهم يوم الحساب من لدن ممن خلق الله الى قيام الساعه الاحسن نعيش لحظاتنا وبس حاضرنا هل يرجع العالم لقبل ثانيه وانا اكتب تعليقي كنت كتبتي قصه عن امنيات الجنه انه جاهز ترى فيها الدنيا لانه ما تطلبه ياتيدك والله اعلم اطلت عليه استاذه امل f

    ردحذف
    الردود
    1. نعم استاذ فؤاد .. لكلاً منا زمانه ومكانه .. تحياتي لك

      حذف

بعد طول انتظار

تأليف : امل شانوحة    الصُدفة الغريبة ! اثناء تسوّقها ، تفاجأت بفتاةٍ صغيرة (10 سنوات) تركض نحوها وهي تبكي : - امي !! امي !! لما تركتنا ور...