تأليف : امل شانوحة
- الو ابي .. امي تحتضر .. (ويبكي)
- توقف عن البكاء يا آدم , واخبرني ما بها بالضبط ؟
- فشل كلوي , ونتيجة فحوصاتي ظهرت اليوم .. كليتي لم تناسبها
- حسناً , سأحضر في اول طائرة .. إنتظراني
***
وبعد يومين .. وصل جوزيف (الأب الستيني الذي يعمل طبيباً جرّاحاً متطوّعاً في منظمة (U.N) بوسط إفريقيا) الى المستشفى التي بها طليقته السابقة , والذي لديه منها ابنٌ في العشرين من عمره قام باستقباله خارج غرفة امه ..
الأب : هل امك نائمة الآن ؟
آدم وهو يمسح دموعه : نعم , غسلوا كليتها قبل قليل .. والطبيب أخبرني بأن كليتها الثانية على وشك ان تتعطّل , وهي بحاجة لزراعة كلية جديدة في أسرع وقت
الأب : وهل الدكتور جيم موجودٌ الآن ؟
- نعم , كنت في مكتب صديقك قبل قليل
- حسناً .. سأطلب منه إجراء الفحوصات لي , لربما كليتي تناسبها
- أجّلها للغد يا ابي , فأنت متعبٌ من السفر
الأب : لا وقت لدينا نضيعه
آدم متردّداً : ابي قبل ان تذهب , هناك موضوعاً آخر
وأخبره بأنه لم يتصل به الا بعد ضياع فرصتهم الأخيرة بجعل رجلٍ مُشرّد يتبرّع بكليته التي ناسبت كلية امه
الأب بغضب : ولما دفعت له المال مقدّماً ؟!!
- كان هذا شرطه .. ثم ما أدراني انه سيعود في كلامه بعد أن..
الأب مقاطعاً بعصبية : بالتأكيد سيرفض !! طالما حصل على ما يريد .. هل تعرف عنوان ذلك الأحمق ؟!!
- نعم , هو يتردّد دائماً على المحطّة القريبة من عيادتك القديمة
- عرفتها .. سأتفرّغ له لاحقاً .. الآن سأذهب للقيام بالفحوصات اللازمة , لربما لا نحتاج كليته الفاسدة
***
وبعد ايام .. ظهرت نتيجة فحوصات الأب سلبية .. ولم يعد امامهم الا إقناع الرجل المشرّد بالتبرّع , ولوّ اضطروا لدفع مبلغٍ إضافيّ
***
وبعد يومين , مساءً.. دخل آدم الى غرفة امه , حيث كان والده بجانبها والذي سأله :
- هل وجدّت ذلك الحقير ؟
- نعم ابي , لكنه طالب بضعف المبلغ الذي اقترحته عليه .. وأصرّ على الدفع مُقدّماً
فقالت الأم بتعب : لا تفعل بنيّ , سيسرقنا مجدّداً
الأب بعصبية : حتماً سيفعل !! لكنه لا يدري مع من يتلاعب
طليقته بقلق : جوزيف إهدأ رجاءً
- لا تقلقي سارة , سأقنعه بطريقتي .. وانت !! إبقى بجانب امك
ثم خرج من الغرفة وهو يشتاط غضباً ..
فسأل آدم امه :
- لما ابي يغضب دائماً من إخلاف الوعود ؟! فمازلت أذكر عقابه القاسي , حين لم اساعد صديقي بالمذاكرة كما وعدّته !
- هذه إحدى خصال والدك , وأظن السبب يعود لما فعلته جوزفين به
آدم باستغراب : ومن هذه ؟!
- خطيبته السابقة .. كانت وعدّت ان تنظره الى حين انتهاء عسكريته , لكنها تزوجت غيره .. ولكيّ ينتقم منها , تزوجني انا
- لم افهم !
الأم : كنت صديقتها المقرّبة , فهي ابنة جارتي .. في البداية رفضّت .. لكن حين أخبرتني بأنه لم يعدّ يُعنيها , قبلت به
- الم تتأثّر صداقتكما لاحقاً ؟
- كنت مخطوبة لوالدك حين توفيت في شهر عسلها بعد تعطّل فرامل سيارتها أثناء زيارة عائلة زوجها بالجبل .. الغريب ان والدك لم يحضر معي جنازتها وكأن الامر لا يعنيه , رغم انهما كانا حبيبين منذ المرحلة الثانوية !
آدم : ابي المسكين .. تطلّق والداه وهو في سن المراهقة .. وفي نفس العام ماتت جدتي ..ومن بعدها قُتل والده الذي كان مثاله الأعلى في إحدى المعارك.. ثم تطلقتما وانا صغير .. والآن تُخبريني بأن حبيبته السابقة تخلّت عنه .. فلا غرابة ان يكون قاسي القلب هكذا.. (ثم تنهّد بضيق) .. المهم , لندعّ الماضي وشأنه .. دعيني أساعدك لتنامي قليلاً وترتاحين , لحين عودة ابي بالأخبار الجيدة
- أتمنى ذلك بنيّ
****
لكن ما حصل بعدها كان غريباً جداً ! فقد عاد الأب بكلية داخل برادٍ صغير مُثلّج , وطلب من صديقه إجراء العملية فوراً لطليقته
الطبيب جيم وهو ينظر الى الكلية المحفوظة بدهشة :
- وكيف وجدّت متبرّعاً بهذه السرعة ؟!
جوزيف بجدّية : قمّ بالعملية حالاً قبل ان يفسد العضوّ , وسنتكلّم لاحقاً بالتفاصيل
- لكن هذه الأمور لا تحصل دون اوراق رسمية , والاّ سنتحاسب نحن الأثنين
جوزيف : لا تقلق , سأتحمّل كافة المسؤولية .. فقط إسرع رجاءً , فسارة تموت كل دقيقة
***
ورغم قلق الطبيب جيم من إجراء العملية دون إخبار إدارة المستشفى , لكنه أجراها من أجل صديق عمره جوزيف ..
ونجحت العملية .. ووُضعت سارة بالعناية المركّزة .. بينما اختفى طليقها جوزيف من البلاد ! تاركاً رسالةً صوتية لصديقه يُخبره فيها : ((بأن ذلك المشرّد يكره المستشفيات , لذلك أجرى له العمليّة في عيادته القديمة .. وهو الآن يستردّ صحته بعد حصوله على مبلغٍ كبير من المال .. وفي نهاية رسالته , وجّه كلامه لمدير المستشفى قائلاً : بأنه يتحمّل كافة المسؤولية , وبأن صديقه جيم لا دخل له بالموضوع))
***
لكن هذه الأمور لا تمرّ بهذه السهولة , لأن فيها عقوبةً قضائية .. لهذا قامت الشرطة بإصدار مذكرة تفتيش بعد ان علموا من المطار بأنه سافر الى افريقيا مباشرةً بعد تسليم الكلية لصديقه .. ممّا أحزن ابنه آدم لذهابه دون الإطمئنان على امه , او حتى وداعهما !
***
وكان شكّ سارة في محلّه حين قالت لإبنها (بعد اسبوع من خروجها من غرفة العناية) :
- مستحيل ان يقبل ذلك المشرّد العنيد بإجراء العملية بهذه السهولة .. يبدو ان والدك قام بشيءٍ غير قانوني , لهذا هرب من البلد !
وقبل ان تُكمل كلامها , دخل شرطي غرفتها (في المستشفى) طالباً محادثة ابنها في الخارج ..
وقد سمعت بعضاً من حديثهما , بعد ان ترك آدم الباب مشقوقاً :
الشاب بدهشة : لا مستحيل ! ابي طبيب جرّاح أمضى جلّ عمره في الأعمال الخيرية والتطوعيّة في البلدان النامية
الشرطي : لكننا وجدنا البارحة جثة المشرّد تطفو فوق سطح البحيرة .. وبعد التشريح عرفنا انه أُزيلت كليته
آدم : ربما انتحر بعد تبرّعه بكليته لأمي
- لم ينتحر , بل قُتل بإبرة هواء .. وعلى حسب قول خبيرنا : فهو قُتل مباشرةً بعد العملية
آدم بصدمة : يا الهي ! لا أصدّق ذلك
وهنا عادت بعض الذكريات السيئة الى ذهن سارة : فحماتها توفيت بعد طلاقها بأيام .. وكان جوزيف أخبرها بأنه يكرهها لأنها دائماً تخون والده بعد سفره بمهمّاتٍ عسكرية , وبسببها كره كل النساء .. حتى انه أخبرها بيوم عرسها : بأنها محظوظة لأنها لا تشبه الباقيات , والا كان تخلّص منها ايضاً ! ..فهل قتل امه بعد دفعها وهي سكرانة من فوق الدرج ؟! وهل كان هو من عطّل فرامل خطيبته السابقة قبل ذهابها الى الجبل ؟! وهل إصراره على الطلاق منها , كان لخوفه ان تخونه بعد تطوّعه مع (U.N) كما حصل مع والده ؟!
اسئلة كثيرة دارت في ذهن سارة تلك الليلة , لكنها لم تخبر ابنها او الشرطة بشكوكها في نوايا طليقها ..
وتساءلت بخوف :
((هل معقول انني كنت متزوجة طوال تلك السنوات من طبيبٍ مجرم , دون ان ألاحظ ذلك ؟!))
***
وقد زادت التهمة على جوزيف بعد شهادة صديقه ضدّه في المحكمة : بأنه تطوّع في (U.N) بعد طرده من ادارة المستشفى لرفضه إجراء عملية ضرورية لمريض , لأنه على حسب قوله : سيء الخُلق ولا يستحق الحياة .. كما شهد عليه : بأنه كان عصبياً جداً ويثور دون سابق انذار , ولا يمكن التنبؤ بأفعاله ..
وربما فعل الطبيب جيم ذلك كيّ يُبعد تهمة التقصير عن نفسه , بعد قيامه بعملية سارة دون اتباع قوانين المستشفى ..
***
وكانت الأدلة السابقة كافية ليُصدر القاضي الحكم على جوزيف بالسجن عشرين سنة غيابياً , فهم لم يستطيعوا معرفة عنوان عيادته بإفريقيا بعد استقالته من (U.N) والعمل بشكلٍ مستقلّ ..
لكن ما لا يعرفوه : إنه استخدم البغال والحمير في تنقّله بين القرى الأفريقية حتى لا يقبضوا عليه , خاصة بعد تزوير هويته الجديدة
وكان آخر إتصال بإبنه , قبل يوم المحاكمة : تطمّأن فيه على شفاء طليقته .. ومن ثم ودّعه , طالباً منه الإهتمام بأمه .. وأخبره بأن عليهما إكمال حياتهما دونه !
***
وبعد سنة .. وخلال انتظار جوزيف القيام بعملية زرع كلية لطفل أفريقي , أتتّ امه باكية الى عيادته .. فسألها :
- اين المتطوّع ؟ فحالة ابنك تدهوّر كل يوم
فمسحت دموعها بقهر : اللعين !! دفن ابنه اليوم
- أتقصدين ان والد الشاب الميت دماغياً دفنه دون ان يعطيك كليته كما وعدتك ؟
الأم بقهر : نعم , بعد ان أخذ مالي كلّه !!
- أتقصدين المال الذي رهنت به كوخك ؟
- نعم .. وبتّ الآن بلا مأوى , وإبني مازال يحتضر ..(وتبكي بقهر)
جوزيف : توقفي عن البكاء .. فأبنك لن يموت , بل سأقوم بعمليته غداً
الأم بدهشة : وكيف دكتور ؟!
- لأن ذلك الرجل سيتبرّع بكليته , فهي ايضاً تناسب كلية ابنك
- لا أظنه سيقبل !
الطبيب وهو يكتم غضبه : أعطني عنوانه , وانا سأحاول إقناعه بنفسي
وبعد ذهابها , تمّتمّ جوزيف بغضب : كم أكره الأشخاص الذين يخلفون بوعودهم .. لكني سأربّيه الليلة !!
***
وفي ذلك المساء .. إنتظر الطبيب خروج الأب الأفريقي من مجلس العزاء .. وأخذ يراقبه من بعيد بسيارته الذي وضع في مقاعدها الخلفية : براد مُثلّج صغير , وحقيبته الطبّية التي تحوي سكاكيناً وادوات جراحيّة ..
وانتظره الى ان دخل شارعاً لا نور فيه .. فلبس جوزيف قناعه الأسود .. ونزل من السيارة , حاملاً إبرة المخدّر .. وهو يتمّتمّ بخبث :
- Show Time !!
إيّاكم ان تُخلفوا وعودكم معي !!
- الو ابي .. امي تحتضر .. (ويبكي)
- توقف عن البكاء يا آدم , واخبرني ما بها بالضبط ؟
- فشل كلوي , ونتيجة فحوصاتي ظهرت اليوم .. كليتي لم تناسبها
- حسناً , سأحضر في اول طائرة .. إنتظراني
***
وبعد يومين .. وصل جوزيف (الأب الستيني الذي يعمل طبيباً جرّاحاً متطوّعاً في منظمة (U.N) بوسط إفريقيا) الى المستشفى التي بها طليقته السابقة , والذي لديه منها ابنٌ في العشرين من عمره قام باستقباله خارج غرفة امه ..
الأب : هل امك نائمة الآن ؟
آدم وهو يمسح دموعه : نعم , غسلوا كليتها قبل قليل .. والطبيب أخبرني بأن كليتها الثانية على وشك ان تتعطّل , وهي بحاجة لزراعة كلية جديدة في أسرع وقت
الأب : وهل الدكتور جيم موجودٌ الآن ؟
- نعم , كنت في مكتب صديقك قبل قليل
- حسناً .. سأطلب منه إجراء الفحوصات لي , لربما كليتي تناسبها
- أجّلها للغد يا ابي , فأنت متعبٌ من السفر
الأب : لا وقت لدينا نضيعه
آدم متردّداً : ابي قبل ان تذهب , هناك موضوعاً آخر
وأخبره بأنه لم يتصل به الا بعد ضياع فرصتهم الأخيرة بجعل رجلٍ مُشرّد يتبرّع بكليته التي ناسبت كلية امه
الأب بغضب : ولما دفعت له المال مقدّماً ؟!!
- كان هذا شرطه .. ثم ما أدراني انه سيعود في كلامه بعد أن..
الأب مقاطعاً بعصبية : بالتأكيد سيرفض !! طالما حصل على ما يريد .. هل تعرف عنوان ذلك الأحمق ؟!!
- نعم , هو يتردّد دائماً على المحطّة القريبة من عيادتك القديمة
- عرفتها .. سأتفرّغ له لاحقاً .. الآن سأذهب للقيام بالفحوصات اللازمة , لربما لا نحتاج كليته الفاسدة
***
وبعد ايام .. ظهرت نتيجة فحوصات الأب سلبية .. ولم يعد امامهم الا إقناع الرجل المشرّد بالتبرّع , ولوّ اضطروا لدفع مبلغٍ إضافيّ
***
وبعد يومين , مساءً.. دخل آدم الى غرفة امه , حيث كان والده بجانبها والذي سأله :
- هل وجدّت ذلك الحقير ؟
- نعم ابي , لكنه طالب بضعف المبلغ الذي اقترحته عليه .. وأصرّ على الدفع مُقدّماً
فقالت الأم بتعب : لا تفعل بنيّ , سيسرقنا مجدّداً
الأب بعصبية : حتماً سيفعل !! لكنه لا يدري مع من يتلاعب
طليقته بقلق : جوزيف إهدأ رجاءً
- لا تقلقي سارة , سأقنعه بطريقتي .. وانت !! إبقى بجانب امك
ثم خرج من الغرفة وهو يشتاط غضباً ..
فسأل آدم امه :
- لما ابي يغضب دائماً من إخلاف الوعود ؟! فمازلت أذكر عقابه القاسي , حين لم اساعد صديقي بالمذاكرة كما وعدّته !
- هذه إحدى خصال والدك , وأظن السبب يعود لما فعلته جوزفين به
آدم باستغراب : ومن هذه ؟!
- خطيبته السابقة .. كانت وعدّت ان تنظره الى حين انتهاء عسكريته , لكنها تزوجت غيره .. ولكيّ ينتقم منها , تزوجني انا
- لم افهم !
الأم : كنت صديقتها المقرّبة , فهي ابنة جارتي .. في البداية رفضّت .. لكن حين أخبرتني بأنه لم يعدّ يُعنيها , قبلت به
- الم تتأثّر صداقتكما لاحقاً ؟
- كنت مخطوبة لوالدك حين توفيت في شهر عسلها بعد تعطّل فرامل سيارتها أثناء زيارة عائلة زوجها بالجبل .. الغريب ان والدك لم يحضر معي جنازتها وكأن الامر لا يعنيه , رغم انهما كانا حبيبين منذ المرحلة الثانوية !
آدم : ابي المسكين .. تطلّق والداه وهو في سن المراهقة .. وفي نفس العام ماتت جدتي ..ومن بعدها قُتل والده الذي كان مثاله الأعلى في إحدى المعارك.. ثم تطلقتما وانا صغير .. والآن تُخبريني بأن حبيبته السابقة تخلّت عنه .. فلا غرابة ان يكون قاسي القلب هكذا.. (ثم تنهّد بضيق) .. المهم , لندعّ الماضي وشأنه .. دعيني أساعدك لتنامي قليلاً وترتاحين , لحين عودة ابي بالأخبار الجيدة
- أتمنى ذلك بنيّ
****
لكن ما حصل بعدها كان غريباً جداً ! فقد عاد الأب بكلية داخل برادٍ صغير مُثلّج , وطلب من صديقه إجراء العملية فوراً لطليقته
الطبيب جيم وهو ينظر الى الكلية المحفوظة بدهشة :
- وكيف وجدّت متبرّعاً بهذه السرعة ؟!
جوزيف بجدّية : قمّ بالعملية حالاً قبل ان يفسد العضوّ , وسنتكلّم لاحقاً بالتفاصيل
- لكن هذه الأمور لا تحصل دون اوراق رسمية , والاّ سنتحاسب نحن الأثنين
جوزيف : لا تقلق , سأتحمّل كافة المسؤولية .. فقط إسرع رجاءً , فسارة تموت كل دقيقة
***
ورغم قلق الطبيب جيم من إجراء العملية دون إخبار إدارة المستشفى , لكنه أجراها من أجل صديق عمره جوزيف ..
ونجحت العملية .. ووُضعت سارة بالعناية المركّزة .. بينما اختفى طليقها جوزيف من البلاد ! تاركاً رسالةً صوتية لصديقه يُخبره فيها : ((بأن ذلك المشرّد يكره المستشفيات , لذلك أجرى له العمليّة في عيادته القديمة .. وهو الآن يستردّ صحته بعد حصوله على مبلغٍ كبير من المال .. وفي نهاية رسالته , وجّه كلامه لمدير المستشفى قائلاً : بأنه يتحمّل كافة المسؤولية , وبأن صديقه جيم لا دخل له بالموضوع))
***
لكن هذه الأمور لا تمرّ بهذه السهولة , لأن فيها عقوبةً قضائية .. لهذا قامت الشرطة بإصدار مذكرة تفتيش بعد ان علموا من المطار بأنه سافر الى افريقيا مباشرةً بعد تسليم الكلية لصديقه .. ممّا أحزن ابنه آدم لذهابه دون الإطمئنان على امه , او حتى وداعهما !
***
وكان شكّ سارة في محلّه حين قالت لإبنها (بعد اسبوع من خروجها من غرفة العناية) :
- مستحيل ان يقبل ذلك المشرّد العنيد بإجراء العملية بهذه السهولة .. يبدو ان والدك قام بشيءٍ غير قانوني , لهذا هرب من البلد !
وقبل ان تُكمل كلامها , دخل شرطي غرفتها (في المستشفى) طالباً محادثة ابنها في الخارج ..
وقد سمعت بعضاً من حديثهما , بعد ان ترك آدم الباب مشقوقاً :
الشاب بدهشة : لا مستحيل ! ابي طبيب جرّاح أمضى جلّ عمره في الأعمال الخيرية والتطوعيّة في البلدان النامية
الشرطي : لكننا وجدنا البارحة جثة المشرّد تطفو فوق سطح البحيرة .. وبعد التشريح عرفنا انه أُزيلت كليته
آدم : ربما انتحر بعد تبرّعه بكليته لأمي
- لم ينتحر , بل قُتل بإبرة هواء .. وعلى حسب قول خبيرنا : فهو قُتل مباشرةً بعد العملية
آدم بصدمة : يا الهي ! لا أصدّق ذلك
وهنا عادت بعض الذكريات السيئة الى ذهن سارة : فحماتها توفيت بعد طلاقها بأيام .. وكان جوزيف أخبرها بأنه يكرهها لأنها دائماً تخون والده بعد سفره بمهمّاتٍ عسكرية , وبسببها كره كل النساء .. حتى انه أخبرها بيوم عرسها : بأنها محظوظة لأنها لا تشبه الباقيات , والا كان تخلّص منها ايضاً ! ..فهل قتل امه بعد دفعها وهي سكرانة من فوق الدرج ؟! وهل كان هو من عطّل فرامل خطيبته السابقة قبل ذهابها الى الجبل ؟! وهل إصراره على الطلاق منها , كان لخوفه ان تخونه بعد تطوّعه مع (U.N) كما حصل مع والده ؟!
اسئلة كثيرة دارت في ذهن سارة تلك الليلة , لكنها لم تخبر ابنها او الشرطة بشكوكها في نوايا طليقها ..
وتساءلت بخوف :
((هل معقول انني كنت متزوجة طوال تلك السنوات من طبيبٍ مجرم , دون ان ألاحظ ذلك ؟!))
***
وقد زادت التهمة على جوزيف بعد شهادة صديقه ضدّه في المحكمة : بأنه تطوّع في (U.N) بعد طرده من ادارة المستشفى لرفضه إجراء عملية ضرورية لمريض , لأنه على حسب قوله : سيء الخُلق ولا يستحق الحياة .. كما شهد عليه : بأنه كان عصبياً جداً ويثور دون سابق انذار , ولا يمكن التنبؤ بأفعاله ..
وربما فعل الطبيب جيم ذلك كيّ يُبعد تهمة التقصير عن نفسه , بعد قيامه بعملية سارة دون اتباع قوانين المستشفى ..
***
وكانت الأدلة السابقة كافية ليُصدر القاضي الحكم على جوزيف بالسجن عشرين سنة غيابياً , فهم لم يستطيعوا معرفة عنوان عيادته بإفريقيا بعد استقالته من (U.N) والعمل بشكلٍ مستقلّ ..
لكن ما لا يعرفوه : إنه استخدم البغال والحمير في تنقّله بين القرى الأفريقية حتى لا يقبضوا عليه , خاصة بعد تزوير هويته الجديدة
وكان آخر إتصال بإبنه , قبل يوم المحاكمة : تطمّأن فيه على شفاء طليقته .. ومن ثم ودّعه , طالباً منه الإهتمام بأمه .. وأخبره بأن عليهما إكمال حياتهما دونه !
***
وبعد سنة .. وخلال انتظار جوزيف القيام بعملية زرع كلية لطفل أفريقي , أتتّ امه باكية الى عيادته .. فسألها :
- اين المتطوّع ؟ فحالة ابنك تدهوّر كل يوم
فمسحت دموعها بقهر : اللعين !! دفن ابنه اليوم
- أتقصدين ان والد الشاب الميت دماغياً دفنه دون ان يعطيك كليته كما وعدتك ؟
الأم بقهر : نعم , بعد ان أخذ مالي كلّه !!
- أتقصدين المال الذي رهنت به كوخك ؟
- نعم .. وبتّ الآن بلا مأوى , وإبني مازال يحتضر ..(وتبكي بقهر)
جوزيف : توقفي عن البكاء .. فأبنك لن يموت , بل سأقوم بعمليته غداً
الأم بدهشة : وكيف دكتور ؟!
- لأن ذلك الرجل سيتبرّع بكليته , فهي ايضاً تناسب كلية ابنك
- لا أظنه سيقبل !
الطبيب وهو يكتم غضبه : أعطني عنوانه , وانا سأحاول إقناعه بنفسي
وبعد ذهابها , تمّتمّ جوزيف بغضب : كم أكره الأشخاص الذين يخلفون بوعودهم .. لكني سأربّيه الليلة !!
***
وفي ذلك المساء .. إنتظر الطبيب خروج الأب الأفريقي من مجلس العزاء .. وأخذ يراقبه من بعيد بسيارته الذي وضع في مقاعدها الخلفية : براد مُثلّج صغير , وحقيبته الطبّية التي تحوي سكاكيناً وادوات جراحيّة ..
وانتظره الى ان دخل شارعاً لا نور فيه .. فلبس جوزيف قناعه الأسود .. ونزل من السيارة , حاملاً إبرة المخدّر .. وهو يتمّتمّ بخبث :
- Show Time !!