فكرة : محمد بيومي آل غلاب
كتابة : امل شانوحة
وصل السوّاح الأربعة الأجانب الى نهر الفرات في العراق , ورغم ان منسوب المياه إنخفض كثيراً عن الأعوام السابقة بسبب السدود التي تقام في تركيا , الاّ انهم أصرّوا على استكشاف المكان بإحدى القوارب .
وقد أمضوا النهار بالتقاط الصور للنخيل والأشجار المتواجدة على ضفّتي النهر .. لكنهم أحسّوا بعد ساعات انهم تعمّقوا كثيراً في إحدى الروافد الجانبية للنهر , بحيث ظهر لهم الشاطىء من بعيد كأرضٍ جدباء خالية من مظاهر الحياة !
فسأل آدم (الشاب العشريني) رفقاء الرحلة : هل مازلنا في نهر الفرات ؟!
فأجاب صديقه جاك : طبعاً , لكننا ابتعدنا كثيراً عن وجهتنا ! ومن الأفضل ان نطلب من القبطان إعادتنا الى مكان الحافلات قبل غروب الشمس
فوقف مايك (الرجل الثلاثيني) قائلاً : سأدخل الكابينة وأخبره بنفسي , فأنا الوحيد بينكم أتقن اللغة العربية
وما ان دخل غرفة القيادة الصغيرة حتى صرخ بعلوّ صوته , فأسرع الثلاثة الى الداخل ليروا القبطان العجوز ميتاً هناك !
وبعد ان تأكّدوا من وفاته , حاولوا إدارة السفينة كيّ يعودوا من حيث أتوا لكن السفينة أخذت تدور حول نفسها ! ويبدو ان ثقل الجثة التي وقعت فوق الدفّة الخشبية المهترئة عطّلتها , فلا هي تمشي للأمام ولا للخلف , بل ظلّت تُبحر لوحدها في النهر مُبتعدة أكثر وأكثر عن شطّ الأمان !
وحين قاربت الشمس على المغيب , قال جوزيف (الرجل الأربعيني) بغضب : هذا يكفي !! لنترك القارب المعطّل , ونسبح جميعنا نحو الشاطىء
مايك بقلق : لكني لا عرف السباحة
آدم : النهر ليس عميقاً .. وان كنت خائفاً , فتمسّك بي فأنا سبّاحٌ ماهر
جاك بخوف : وماذا لو هجمت علينا التماسيح ؟
آدم : لا يوجد تماسيح هنا , فهذا نهرٌ عذب وليس مستنقع
جوزيف : نعم ..وفي حال وُجدت , فحجمها صغير
آدم يعاتبه : لا تخيفه أكثر يا رجل !
مايك : لحظة يا اصدقاء .. هل ترون انه قراراً صائباً ان نترك السفينة في عرض النهر , فهي أملنا الوحيد بالنجاة ! فكما ترون لا يوجد على الشاطىء أيّةِ منازل , بل ارضاً قاحلة الاّ من بعض الشجيرات الغير مُثمرة
جوزيف : وماذا نريد من سفينة كل شيء فيها معطلاً , حتى جهاز الإتصالات .. امّا علب الفاصوليا التي وجدناها , فقد أكلناها جميعها دون ان تُشبعنا .. وليس فيها ايّ شيء آخر مفيدٌ لنا .. فلما نبقى هنا ؟
جاك : لكني وجدّت بالأسفل سنّارة صيد , وفأساً صغيراً
آدم : جيد اذاً , لنأخذهم معنا .. وان علقنا على الشاطىء نصطاد بها السمك .. اما الفأس فنستخدمه لقطع الأغصان من أجل التدفئة
مايك : وماذا عن جثة القبطان ؟ هل نرميه في الماء ؟ او نسحبه معنا لندفنه على الشاطىء ؟
جوزيف : دعه مكانه , فنحن لا نريد ان نُتّهم بقتله .. ودعّ من يجد القارب ان يجد جثته , وحينما يُفحص بالمشرحة يعرفون بأنه مات بشكلٍ طبيعي ولا دخل لنا بالموضوع
جاك بيأس : هذا ان وجده أحد , او تمّ إنقاذنا بالأساس
جوزيف : كفى تشاؤماً !! ولنقفز معاً في النهر فقد قارب مغيب الشمس ..وانت !! إمسك يد مايك جيداً , فنحن لا نريد جثثاً أخرى..
فأومأ آدم برأسه موافقاً , وأكمل جوزيف قائلاً لهم :
- ومن الأفضل ان نترك حقائبنا في السفينة , فبكل الأحوال لا يوجد انترنت بهذه المنطقة لأجل الحواسيب المحمولة او جوّالاتنا التي ستتعطّل حتماً بالمياه , كما ان حملها سيُبطأ حركتنا في السباحة
لكن مايك استطاع إقناعه بضرورة أخذ حقائبهم معهم لأن فيها جوازات سفرهم واموالهم في حال تمّ انقاذهم لاحقاً , كما فيها بعض الملابس التي ستُدفئهم في حال أمضوا عدة لياليٍ هناك ..
وهكذا حمل كل واحدٍ منهم حقيبته على ظهره , ثم قفزواً جميعاً في النهر
جوزيف كان في مقدمتهم وفي يده الفأس .. وعلى يمينه جاك الذي حمل سنّارة الصيد بفمه , والذي ظلّ يتلفّت يميناً ويساراً خوفاً من التماسيح .. وفي الخلف آدم الذي سبح بيدٍ واحدة , بينما سحب بيده الثانية مايك الذي كان خائفاً جداً من الغرق
***
ووصلوا أخيراً الى الشاطىء قبيل غروب الشمس .. وعلى الفور !! جمع جوزيف بعض الأخشاب اليابسة والحشائش , وقام بإشعالها بولاّعته .. ونام الجميع حول النار بعد ان برِدَ الجوّ ليلاً , خاصةً مع ثيابهم المبلولة
***
وفي صباح اليوم التالي .. ذهب مايك وجوزيف لتسلّق الجبل واستكشاف المكان , تاركان آدم وجاك وهما يحاولان اصطياد السمك بالسنّارة ..
وبعد ساعتين .. عادا مرهقين للغاية , وبعد ان شربا من ماء النهر .. سألهم جاك :
- هيا إخبرونا , هل توجد حياة خلف الجبل ؟
جوزيف بضيق وتعب : لا , فقط كثباناً رملية على مدّ النظر !
آدم باستغراب : الا تتواجد بالعادة منازل للصيادين قرب ضِفاف الأنهر ؟!
مايك : ومن يريد العيش في هذه المنطقة الصحراوية الجرداء ؟
آدم : مع اني لم أكن أعرف ان للفرات روافدٌ في الصحراء .. كما أعتقد ان الجبال لا توجد الاّ في شمال العراق , فهل وصلنا الى هناك بيومٍ واحد ؟!
جوزيف بعصبية : وهل تجدنا خبراء في التضاريس العراقية ؟ اساساً من منكما ايها الغبيان إقترح علينا هذه الرحلة المشؤومة ؟!!
(وأشار الى الشابين آدم وجاك) ..
جاك بضيق : ومن قال لك ان تأتي معنا بالرحلة ؟
مايك : كفّا عن الشجار !! لقد أتينا وانتهى الأمر
ثم نظر مايك لآدم وسأله :
- وماذا عنكما ؟ هل اصطدتما بعض السمك ؟
آدم : إصطدنا واحدة فقط , ونحن نشويها الآن على النار
فاقتربوا جميعاً من النار ليروا سمكة متوسطة الحجم ..
فقال جوزيف بعصبية : هذه السمكة لا تكفيني انا وحدي !!
مايك : إهدأ يا رجل .. ودعنا نتقاسمها بالعدل
جاك وهو يتفقّد السمكة : تحتاج الى خمس دقائق أخرى لتشوَى تماماً , اصبروا قليلاً
ومن ثم جلسوا حول النار , ليأكل كل واحداً منهم بعض اللقيمات التي لم تشبعهم
***
اما بقيّة النهار .. فقد أمضوه الشباب الأربعة بجمع الأخشاب اليابسة المتناثرة هنا وهناك لصنع كوخاً صغيراً للنوم بداخله , آملين بأن يحميهم من حرّ الصباح وبرد المساء ..
لكن هذا العمل أرهقهم جداً , خاصةً مع فشلهم في اصطياد المزيد من الأسماك , فباتوا ليلتهم جوعا !
***
في صباح اليوم التالي .. استيقظ الشباب الثلاثة على صراخ آدم الذي وقف مذهولاً قرب النهر .. وما ان وصلوا اليه حتى شاهدوا أمراً لا يصدق ! فقد كان يمسك بيده حصىً صغيرة ذهبية اللون , وجدها تلمع في قاع النهر قرب الشاطىء ..
وفي البداية ظنّوا أن الجوع والإرهاق يسببّ لهم الهلوسات.. لكن ما ان بدأوا بالتنقيب هناك , حتى وجدوا المزيد من الحصيّات الصغيرة اللامعة !
فقال جوزيف : أعتقد ان هذا الذهب هو بعضاً ممّا قذفه موج النهر الى الشاطىء , لكن مصدر الذهب يقع في وسط النهر .. هناك تحديداً !!
وأشار الى منطقة على بعد امتارٍ قليلة من الشاطىء ..
فتكفّل آدم بالغطس هناك بما انه أمهرهم بالسباحة .. بينما جلس الباقون على الشاطىء بانتظار خروجه من تحت الماء
وكانت المفاجأة ! حين صعد آدم وبيده حجرة من الذهب بحجم كفّه ! وقد صرخ آدم بعد معاينته لتلك الحجرة , قائلاً بحماس :
- كما توقعت !! فهناك جبلاً من الذهب في الأسفل !!
وبعد ان سبح للشاطىء .. أخبرهم انه حين نزل الى هناك , تفاجأ بوجود تجويف ارضي في قاع النهر (الذي يبعد مترين عن سطح الماء) وعندما دخل فيه , وجد وكأن هناك جبلاً مطموراً أسفل النهر ! فقام بكسر قمّته بالفأس .. وعندما صعد للتنفّس , تفاجأ بلون الحجر الذي بيده ! وحينها أدرك ان الجبل بأكمله مكوّن من الذهب الخالص
جاك : لحظة ! ..أتقصد ان هناك كهفاً أسفل النهر , وبداخله جبلاً من الذهب ؟!
آدم بسعادة : ان كنتم لا تصدقوني , فتعالوا معي لتروه بأنفسكم ..
وبالفعل !! إنضمّ اليه جاك وجوزيف .. بينما فضّل مايك استلام ما يستخرجونه من ذهب ووضعه على الشاطىء , فهو لا يريد الغرق داخل كهفٍ مظلم
***
وفي المساء .. اجتمعوا حول النار ليتقاسموا الذهب .. وبعد ان وضع كل واحداً منهم نصيبه داخل حقيبة الظهر الخاصة به (بعد ان أفرغوها من أغراضهم الشخصية)..
قال مايك غاضباً : لما اعطيتموني أصغر الأحجار ؟!
جوزيف : لأنك لم تفعل شيئاً ايها الجبان
مايك : كيف لا ؟! لقد ساعدتكم بحملها , فأنتم تعرفون انني لا أجيد السباحة .. كما انني إصطدّت لكم هذا الضبّ لتأكلوه
آدم : لا تغضب يا مايك , فالذهب الذي معك يكفيك لشراء منزلين على الأقل ..
جاك : اساساً كل هذا الذهب لن ينفعنا ان لم يتمّ انقاذنا
جوزيف معاتباً : الا تكفّ عن تشاؤمك يا ولد !!
جاك غاضباً : عمري 22 , ولا أسمح لك ان تناديني هكذا !!
آدم : اهدأ يا جاك .. وانت ايضاً يا جوزيف .. ولنوفّر طاقتنا للغد
مايك : أتقصد لإحضار المزيد من الذهب ؟
آدم : لا , بل لبناء قارباً خشبياً ينقذنا من هنا .. وبرأيّ ما أخذناه يكفينا لبقيّة عمرنا .. كما ان كل هذه الأوزان ربما تُغرق قاربنا
جوزيف : يمكنكم الذهاب وحدكم , فأنا سأبقى قرب كنزي
آدم بغضب : كنزك ! انا من اكتشفت هذا الجبل وليس انت !!
جاك : نعم معه حق .. كما انك طمّاع يا جوزيف .. فماذا سينفعك الذهب ان بقيت وحدك هنا , او متّ جوعاً ؟!
مايك : اهدؤوا رجاءً .. وعلينا التعاهد منذ اليوم على كتمان هذا السرّ , لأننا حتماً سنُعاقب في حال عَرِفَت السلطات العراقية بسرقتنا لجزء من مواردها الطبيعية
آدم : هذا اذا لم يتقاتل الناس عليه ان سمعوا بهذا الخبر
جاك : آه الآن تذكرت .. كنت قد قرأت مرّة بالتوراة عن جبل ذهبٍ سيظهر بالعراق , وسيتقاتل الناس عليه بآخر الزمان
آدم : نعم .. أظنّ ان جميع الأديان تكلّمت عنه
مايك بقلق : وهل نحن في آخر الزمن ؟
جوزيف : ما رأيكم لوّ تغلقون جميع المواضيع وتناموا قبل ان نجوع من جديد
مايك : معك حق .. تصبحون على خير يا اصدقاء
ونام كل واحداً منهم وهو يحتضن حقيبته التي امتلأت بالأحجار الذهبية ..
***
الا ان جاك استيقظ في منتصف الليل ليقضي حاجته ..وعندما إبتعد عن المكان مُسترشداً بنور القمر , سمع بالصدفة جوزيف وهو يُكلّم مايك خلف الشجيرات :
- ما رأيك يا مايك بدل ان نُتعب أنفسنا بالغطس غداً , ان نستولي على ذهب الشابين ؟
مايك بقلق : وماذا لو تعاركا معنا ؟
جوزيف بابتسامةٍ خبيثة : نتخلّص منهما
مايك بصدمة : ماذا ! أتريد قتلهما ؟!
جوزيف بجدّية : وهل تريد لهاذين الثرثارين ان يُخبرا الجميع بكنزنا ؟ برأيّ الأفضل ان يبقى السرّ بيننا نحن الأثنين فقط ..
وهنا أسرع جاك عائداً نحو صديقه آدم , ليوقظه ويخبره بما سمعه..
وعندما عاد جوزيف ومايك الى الكوخ الخشبي تظاهر الشابين بالنوم , وهما ينويان الرحيل مع طلوع الفجر (أثناء نوم الرجلين).
***
وفي الصباح الباكر .. لم يجدا جوزيف ومايك الشابين بالجوار , وظنّا بأنهما سبقاهما الى النهر .. فأسرع جوزيف بالغطس خوفاً من ان يكونا جمعا المزيد من الذهب لهما , بينما انتظره مايك على الشاطىء ..لكن الشابان كانا بالحقيقة في طريقهما نحو الصحراء هرباً من غدر الرجلين ..
***
وكان المشي فوق الكثبان الرملية مُتعباً مع حملهما لهذه الأثقال على ظهورهما .. فأقترح آدم على صديقه ان يتسلّقا إحدى الجبال القريبة , لربما يجدان به شقّاً يُخبئان فيه حقائبهما ..ومن ثم يكملان السير على أمل إيجاد قريةٌ قريبة .. ولاحقاً يعودان لأخذ حقائبهما المليئة بالذهب ..
لكن الحظ حالفهما حين وجدا كهفاً صغيراً بأعلى الجبل .. فدخلا اليه ليستريحا قليلاً , بعد ان قاربت الشمس على المغيب ..
جاك وهو يستلقي بتعب : انا جائعٌ للغاية يا صديقي
فأخرج آدم من حقيبته علبة فاصوليا .. فشهق جاك متفاجئاً :
- من اين أتيت بها ؟!
- كانت على متن السفينة , لكني خبأتها قبل ان تروها ..
جاك بعصبية : ولما لم تتقاسمها معنا ؟!!
آدم : اهدأ قليلاً .. كنت أحتفظ بها ليومٍ سيء كهذا اليوم ..
- مع اني غاضبٌ منك .. لكني سعيد بأنك لم تتقاسمها مع ذانِكَ الرجلين الخبيثين .. هيا إفتح العلبة , فأنا أكاد أموت جوعاً
وبعد ان أكلا , ناما على الفور من شدّة التعب ..
***
امّا الأحداث التي حصلت بعدها , فسأخبركم بها بنفسي .. انا آدم .. وكنت مع صديقي جاك ننام في ذاك الكهف بانتظار رحلة الصباح لنتعمّق أكثر بالصحراء .. لكنني استيقظت صباحاً وعلى ثيابي بقعاً من الدماء ! امّا جاك فقد اختفى تماماً ! ولا ادري ان كان تسلّل الينا في المساء حيواناً برّياً قام بسحب صديقي من هناك .. وان كان فعل , فهل يُعقل انني لم اسمع صراخه ؟! وفي حال إفترسه بالفعل , فأين هي بقايا جثته ؟ اما في حال كان جاك بخير , فهل يُعقل ان يرحل دون حقيبته ؟ والسؤال الأهم من كل هذا , كيف تلطّخ قميصي بالدماء , فأنا لم أصطدّ شيئاً ذلك اليوم ؟!
وبعد ان بحثت عن جاك في كل مكان .. قرّرت العودة من حيث أتيت (بعد ان أخفيت الحقيبتين داخل الكهف) وركضتّ عائداً باتجاه النهر
ووصلت مساءً , وانا الهث من شدّة التعب .. وبينما كنت اشرب من ماء النهر لأرتوي , كان مايك وجوزيف يراقباني بدهشة !
وبعد ان انتهيت اقتربت منهما , فرأيت نظرة الرعب في عينيهما ..وأشار جوزيف على قميصي قائلاً :
- هل قتلت صديقك ايّها الطمّاع ؟
فأجبته باستنكار : لا لم افعل ! أحلف لكما
مايك بقلق : واين هو جاك اذاً ؟
- لا ادري .. استيقظت صباحاً ولم اجده , وظننته عاد الى هنا
وبقيت لقرابة ساعة أقنعهم بما حصل معي , لكني اعرف انهما لم يصدّقاني لأنهما ظلّا يراقباني من بعيد , بعد ان رفضا مبيتي معهم داخل الكوخ الخشبي .. حيث نمت ليلتي قرب النهر وانا أرتجف من البرد , وأتلفّت يميناً ويساراً خوفاً من ذلك الحيوان البرّي الذي قضى على صديقي .. ان كان هذا ما حصل له بالفعل !
***
في الصباح .. استيقظت على حادثة أشدّ رعباً .. حيث كنت أعتلي جسد جوزيف بعد ان شدَختُ رأسه بحجرةٍ كبيرة , وظللّت أكرّر ضربه دون توقف , وكأن روحاً شيطانية إستولت على جسمي ! ورغم صراخ مايك الذي كان يهرب باتجاه النهر , لم أوقف إعتدائي الى ان زهقت روح جوزيف بين يديّ !
فنظرت الى مايك (من بعيد) بعد ان غمر الماء نصف جسمه , وكان حينذاك يصرخ ويترجّاني برعبٍ شديد :
- ارجوك يا آدم !! خذّ كل الذهب , ودعني أعيش
لكني لم اجد نفسي الا وانا أسحب الفأس من حقيبة جوزيف واركض باتجاه مايك وانا اصرخ كالمجنون والوحّ بالفأس في الهواء , بعد ان تلوّثت ملابسي كلها بالدماء ! وقبل ان أعيّ ما يحصل , كان مايك يحاول السباحة مُبتعداً عن هجومي المفاجىء
وهنا استيقظت فجأة من غفلتي ! لأشاهد مايك وهو يغرق امام ناظريّ .. فأسرعت لأنقاذه :
- لا تخفّ يا مايك .. انا قادمٌ لأنقاذك !!
الاّ ان النهر سحبه للأسفل , ليختفي تماماً ..
وبعد مدّة .. شاهدت جثته تطفو من بعيد !
والى يومنا هذا لا ادري ما حصل لي ذلك اليوم ! وهل قمت بالفعل بقتلتهم جميعاً ؟!
اما ان كنتم تتساءلون عن الذهب , فلا أملك منه شيئاً .. لأنه يبدو ان تلك الروح الشريرة عادت وتلبّستني من جديد .. حيث وجدّت نفسي اعود الى الصحراء مجدداً ..
وفي اليوم التالي عدّت الى النهر وانا أحمل حقيبتا الذهب التي كنت تركتها مع جاك في الكهف .. نعم كما قرأتم ..حملتهما معاً رغم ثقلهما , فتلك الروح جعلتني قويّ للغاية , حتى ان رحلة الصحراء لم تتعبني كثيراً
ومن ثم دخلت الى الكوخ الخشبي وأحضرت حقيبتا جوزيف ومايك .. ووضعت الحقائب الأربعة على الشاطىء .. ثم سبحت الى نفس المكان الذي استخرجنا منه الذهب , وقمت بإفراغ الحقائب الواحدة تلوّ الأخرى , لتتراكم فوق الجبل المطمور في اسفل النهر , وكأني أعيد الذهب الى مكانه من جديد !
لكن قبل ان اعود الى الشاطىء , أحسست بشيءٍ يشدّ قدمي الى الأسفل ..وكنت على وشك الغرق ! وحينها سمعت صوتاً مُريباً قادماً من أعماق النهر , وكان يقول لي مُهدّداً :
- لم يأذن لجبل الذهب ان يظهر بعد , فعدّ من حيث أتيت ولا تخبر أحداً بأمره , والاّ لحقت بإصدقائك
ومن بعدها , صعدت مباشرةً لسطح الماء لألتقط انفاسي ..ثم أسرعت نحو الشاطىء .. وقبل ان أستوعب ما سمعته هناك .. ظهَرَت لي من بعيد نفس السفينة التي كنّا قدمنا عليها ! وظلّت تسير لوحدها الى ان رست على الشاطىء ! فأسرعت بركوبها , وقلبي مازال يرتجف مما حصل معي هذا اليوم ..
وأعرف انكم لا تصدّقون كلمة ممّا قلته , لكن ما حصل بعدها كان غريباً ايضاً , حيث استطعت تشغيل محرّك السفينة وكذلك دفّته دون أيّةِ مشاكل .. كما ان جثة القبطان إختفت تماماً من على متنها!
وحقاً لم يكن يهمّني في ذلك الوقت سوى الإبتعاد عن ذلك الشاطىء المسكون بالإرواح الغامضة ..
والآن أكلّمكم من بريطانيا .. نعم فقد وصلت البارحة الى بلدي .. ولم أخبر السلطات بعد بمصير اصدقائي الثلاثة , بالإضافة الى القبطان العراقي العجوز
لكن بما انني بخيرٌ الآن , فسأخبركم بعنوان ذلك المكان لكيّ تستخرجوا الذهب بأنفسكم .. فالذهب كثير ويكفي الجميع .. والمكان هو :
العراق .. نهر الفرات ..قرب جبل ..
***
وهنا انقطعت الرسالة (التي كان ينشرها آدم مباشرةً عبر صفحته على الفيسبوك)عن المئات المتابعين الذين كانوا يقرأون كلامه باهتمام ..
ولاحقاً تمّ اكتشاف جثّة الشاب آدم داخل منزله .. وكانت سبب الوفاة : هي شظيّة حديدية خرجت من حاسوبه (الذي انفجر دون سببٍ واضح) لتقطع شريان رقبته !
***
ولولا ان معظم الأديان السماوية تحدّثت عن جبل الذهب العراقي المجهول المكان , لما صدّق أحد قصّته الخيالية !
فهل قتله الجني او الملاك المسؤول عن تخبئة الجبل لكتمان هذا السرّ ؟!
لا أحد يدري .. وسيبقى ما قاله آدم لغزاً مُحيّراً , الى ان يحين موعد ظهور جبل الذهب بالفعل ! وحينها لن يكون الشباب الأربعة هم الضحايا الوحيدين لذلك الكنز المدفون , بل ستُفنى بسببه شعوباً بأكملها عن بكرة أبيها ! وسيكون ظهور هذا الجبل آخر علامات القيامة الصغرى لتبدأ بعدها ظهور العلامات الكبرى الأشد رعباً وفتّكاً بالبشريّة أجمع !
كتابة : امل شانوحة
لم يحنّ الوقت بعد لظهوره !
وصل السوّاح الأربعة الأجانب الى نهر الفرات في العراق , ورغم ان منسوب المياه إنخفض كثيراً عن الأعوام السابقة بسبب السدود التي تقام في تركيا , الاّ انهم أصرّوا على استكشاف المكان بإحدى القوارب .
وقد أمضوا النهار بالتقاط الصور للنخيل والأشجار المتواجدة على ضفّتي النهر .. لكنهم أحسّوا بعد ساعات انهم تعمّقوا كثيراً في إحدى الروافد الجانبية للنهر , بحيث ظهر لهم الشاطىء من بعيد كأرضٍ جدباء خالية من مظاهر الحياة !
فسأل آدم (الشاب العشريني) رفقاء الرحلة : هل مازلنا في نهر الفرات ؟!
فأجاب صديقه جاك : طبعاً , لكننا ابتعدنا كثيراً عن وجهتنا ! ومن الأفضل ان نطلب من القبطان إعادتنا الى مكان الحافلات قبل غروب الشمس
فوقف مايك (الرجل الثلاثيني) قائلاً : سأدخل الكابينة وأخبره بنفسي , فأنا الوحيد بينكم أتقن اللغة العربية
وما ان دخل غرفة القيادة الصغيرة حتى صرخ بعلوّ صوته , فأسرع الثلاثة الى الداخل ليروا القبطان العجوز ميتاً هناك !
وبعد ان تأكّدوا من وفاته , حاولوا إدارة السفينة كيّ يعودوا من حيث أتوا لكن السفينة أخذت تدور حول نفسها ! ويبدو ان ثقل الجثة التي وقعت فوق الدفّة الخشبية المهترئة عطّلتها , فلا هي تمشي للأمام ولا للخلف , بل ظلّت تُبحر لوحدها في النهر مُبتعدة أكثر وأكثر عن شطّ الأمان !
وحين قاربت الشمس على المغيب , قال جوزيف (الرجل الأربعيني) بغضب : هذا يكفي !! لنترك القارب المعطّل , ونسبح جميعنا نحو الشاطىء
مايك بقلق : لكني لا عرف السباحة
آدم : النهر ليس عميقاً .. وان كنت خائفاً , فتمسّك بي فأنا سبّاحٌ ماهر
جاك بخوف : وماذا لو هجمت علينا التماسيح ؟
آدم : لا يوجد تماسيح هنا , فهذا نهرٌ عذب وليس مستنقع
جوزيف : نعم ..وفي حال وُجدت , فحجمها صغير
آدم يعاتبه : لا تخيفه أكثر يا رجل !
مايك : لحظة يا اصدقاء .. هل ترون انه قراراً صائباً ان نترك السفينة في عرض النهر , فهي أملنا الوحيد بالنجاة ! فكما ترون لا يوجد على الشاطىء أيّةِ منازل , بل ارضاً قاحلة الاّ من بعض الشجيرات الغير مُثمرة
جوزيف : وماذا نريد من سفينة كل شيء فيها معطلاً , حتى جهاز الإتصالات .. امّا علب الفاصوليا التي وجدناها , فقد أكلناها جميعها دون ان تُشبعنا .. وليس فيها ايّ شيء آخر مفيدٌ لنا .. فلما نبقى هنا ؟
جاك : لكني وجدّت بالأسفل سنّارة صيد , وفأساً صغيراً
آدم : جيد اذاً , لنأخذهم معنا .. وان علقنا على الشاطىء نصطاد بها السمك .. اما الفأس فنستخدمه لقطع الأغصان من أجل التدفئة
مايك : وماذا عن جثة القبطان ؟ هل نرميه في الماء ؟ او نسحبه معنا لندفنه على الشاطىء ؟
جوزيف : دعه مكانه , فنحن لا نريد ان نُتّهم بقتله .. ودعّ من يجد القارب ان يجد جثته , وحينما يُفحص بالمشرحة يعرفون بأنه مات بشكلٍ طبيعي ولا دخل لنا بالموضوع
جاك بيأس : هذا ان وجده أحد , او تمّ إنقاذنا بالأساس
جوزيف : كفى تشاؤماً !! ولنقفز معاً في النهر فقد قارب مغيب الشمس ..وانت !! إمسك يد مايك جيداً , فنحن لا نريد جثثاً أخرى..
فأومأ آدم برأسه موافقاً , وأكمل جوزيف قائلاً لهم :
- ومن الأفضل ان نترك حقائبنا في السفينة , فبكل الأحوال لا يوجد انترنت بهذه المنطقة لأجل الحواسيب المحمولة او جوّالاتنا التي ستتعطّل حتماً بالمياه , كما ان حملها سيُبطأ حركتنا في السباحة
لكن مايك استطاع إقناعه بضرورة أخذ حقائبهم معهم لأن فيها جوازات سفرهم واموالهم في حال تمّ انقاذهم لاحقاً , كما فيها بعض الملابس التي ستُدفئهم في حال أمضوا عدة لياليٍ هناك ..
وهكذا حمل كل واحدٍ منهم حقيبته على ظهره , ثم قفزواً جميعاً في النهر
جوزيف كان في مقدمتهم وفي يده الفأس .. وعلى يمينه جاك الذي حمل سنّارة الصيد بفمه , والذي ظلّ يتلفّت يميناً ويساراً خوفاً من التماسيح .. وفي الخلف آدم الذي سبح بيدٍ واحدة , بينما سحب بيده الثانية مايك الذي كان خائفاً جداً من الغرق
***
ووصلوا أخيراً الى الشاطىء قبيل غروب الشمس .. وعلى الفور !! جمع جوزيف بعض الأخشاب اليابسة والحشائش , وقام بإشعالها بولاّعته .. ونام الجميع حول النار بعد ان برِدَ الجوّ ليلاً , خاصةً مع ثيابهم المبلولة
***
وفي صباح اليوم التالي .. ذهب مايك وجوزيف لتسلّق الجبل واستكشاف المكان , تاركان آدم وجاك وهما يحاولان اصطياد السمك بالسنّارة ..
وبعد ساعتين .. عادا مرهقين للغاية , وبعد ان شربا من ماء النهر .. سألهم جاك :
- هيا إخبرونا , هل توجد حياة خلف الجبل ؟
جوزيف بضيق وتعب : لا , فقط كثباناً رملية على مدّ النظر !
آدم باستغراب : الا تتواجد بالعادة منازل للصيادين قرب ضِفاف الأنهر ؟!
مايك : ومن يريد العيش في هذه المنطقة الصحراوية الجرداء ؟
آدم : مع اني لم أكن أعرف ان للفرات روافدٌ في الصحراء .. كما أعتقد ان الجبال لا توجد الاّ في شمال العراق , فهل وصلنا الى هناك بيومٍ واحد ؟!
جوزيف بعصبية : وهل تجدنا خبراء في التضاريس العراقية ؟ اساساً من منكما ايها الغبيان إقترح علينا هذه الرحلة المشؤومة ؟!!
(وأشار الى الشابين آدم وجاك) ..
جاك بضيق : ومن قال لك ان تأتي معنا بالرحلة ؟
مايك : كفّا عن الشجار !! لقد أتينا وانتهى الأمر
ثم نظر مايك لآدم وسأله :
- وماذا عنكما ؟ هل اصطدتما بعض السمك ؟
آدم : إصطدنا واحدة فقط , ونحن نشويها الآن على النار
فاقتربوا جميعاً من النار ليروا سمكة متوسطة الحجم ..
فقال جوزيف بعصبية : هذه السمكة لا تكفيني انا وحدي !!
مايك : إهدأ يا رجل .. ودعنا نتقاسمها بالعدل
جاك وهو يتفقّد السمكة : تحتاج الى خمس دقائق أخرى لتشوَى تماماً , اصبروا قليلاً
ومن ثم جلسوا حول النار , ليأكل كل واحداً منهم بعض اللقيمات التي لم تشبعهم
***
اما بقيّة النهار .. فقد أمضوه الشباب الأربعة بجمع الأخشاب اليابسة المتناثرة هنا وهناك لصنع كوخاً صغيراً للنوم بداخله , آملين بأن يحميهم من حرّ الصباح وبرد المساء ..
لكن هذا العمل أرهقهم جداً , خاصةً مع فشلهم في اصطياد المزيد من الأسماك , فباتوا ليلتهم جوعا !
***
في صباح اليوم التالي .. استيقظ الشباب الثلاثة على صراخ آدم الذي وقف مذهولاً قرب النهر .. وما ان وصلوا اليه حتى شاهدوا أمراً لا يصدق ! فقد كان يمسك بيده حصىً صغيرة ذهبية اللون , وجدها تلمع في قاع النهر قرب الشاطىء ..
وفي البداية ظنّوا أن الجوع والإرهاق يسببّ لهم الهلوسات.. لكن ما ان بدأوا بالتنقيب هناك , حتى وجدوا المزيد من الحصيّات الصغيرة اللامعة !
فقال جوزيف : أعتقد ان هذا الذهب هو بعضاً ممّا قذفه موج النهر الى الشاطىء , لكن مصدر الذهب يقع في وسط النهر .. هناك تحديداً !!
وأشار الى منطقة على بعد امتارٍ قليلة من الشاطىء ..
فتكفّل آدم بالغطس هناك بما انه أمهرهم بالسباحة .. بينما جلس الباقون على الشاطىء بانتظار خروجه من تحت الماء
وكانت المفاجأة ! حين صعد آدم وبيده حجرة من الذهب بحجم كفّه ! وقد صرخ آدم بعد معاينته لتلك الحجرة , قائلاً بحماس :
- كما توقعت !! فهناك جبلاً من الذهب في الأسفل !!
وبعد ان سبح للشاطىء .. أخبرهم انه حين نزل الى هناك , تفاجأ بوجود تجويف ارضي في قاع النهر (الذي يبعد مترين عن سطح الماء) وعندما دخل فيه , وجد وكأن هناك جبلاً مطموراً أسفل النهر ! فقام بكسر قمّته بالفأس .. وعندما صعد للتنفّس , تفاجأ بلون الحجر الذي بيده ! وحينها أدرك ان الجبل بأكمله مكوّن من الذهب الخالص
جاك : لحظة ! ..أتقصد ان هناك كهفاً أسفل النهر , وبداخله جبلاً من الذهب ؟!
آدم بسعادة : ان كنتم لا تصدقوني , فتعالوا معي لتروه بأنفسكم ..
وبالفعل !! إنضمّ اليه جاك وجوزيف .. بينما فضّل مايك استلام ما يستخرجونه من ذهب ووضعه على الشاطىء , فهو لا يريد الغرق داخل كهفٍ مظلم
***
وفي المساء .. اجتمعوا حول النار ليتقاسموا الذهب .. وبعد ان وضع كل واحداً منهم نصيبه داخل حقيبة الظهر الخاصة به (بعد ان أفرغوها من أغراضهم الشخصية)..
قال مايك غاضباً : لما اعطيتموني أصغر الأحجار ؟!
جوزيف : لأنك لم تفعل شيئاً ايها الجبان
مايك : كيف لا ؟! لقد ساعدتكم بحملها , فأنتم تعرفون انني لا أجيد السباحة .. كما انني إصطدّت لكم هذا الضبّ لتأكلوه
آدم : لا تغضب يا مايك , فالذهب الذي معك يكفيك لشراء منزلين على الأقل ..
جاك : اساساً كل هذا الذهب لن ينفعنا ان لم يتمّ انقاذنا
جوزيف معاتباً : الا تكفّ عن تشاؤمك يا ولد !!
جاك غاضباً : عمري 22 , ولا أسمح لك ان تناديني هكذا !!
آدم : اهدأ يا جاك .. وانت ايضاً يا جوزيف .. ولنوفّر طاقتنا للغد
مايك : أتقصد لإحضار المزيد من الذهب ؟
آدم : لا , بل لبناء قارباً خشبياً ينقذنا من هنا .. وبرأيّ ما أخذناه يكفينا لبقيّة عمرنا .. كما ان كل هذه الأوزان ربما تُغرق قاربنا
جوزيف : يمكنكم الذهاب وحدكم , فأنا سأبقى قرب كنزي
آدم بغضب : كنزك ! انا من اكتشفت هذا الجبل وليس انت !!
جاك : نعم معه حق .. كما انك طمّاع يا جوزيف .. فماذا سينفعك الذهب ان بقيت وحدك هنا , او متّ جوعاً ؟!
مايك : اهدؤوا رجاءً .. وعلينا التعاهد منذ اليوم على كتمان هذا السرّ , لأننا حتماً سنُعاقب في حال عَرِفَت السلطات العراقية بسرقتنا لجزء من مواردها الطبيعية
آدم : هذا اذا لم يتقاتل الناس عليه ان سمعوا بهذا الخبر
جاك : آه الآن تذكرت .. كنت قد قرأت مرّة بالتوراة عن جبل ذهبٍ سيظهر بالعراق , وسيتقاتل الناس عليه بآخر الزمان
آدم : نعم .. أظنّ ان جميع الأديان تكلّمت عنه
مايك بقلق : وهل نحن في آخر الزمن ؟
جوزيف : ما رأيكم لوّ تغلقون جميع المواضيع وتناموا قبل ان نجوع من جديد
مايك : معك حق .. تصبحون على خير يا اصدقاء
ونام كل واحداً منهم وهو يحتضن حقيبته التي امتلأت بالأحجار الذهبية ..
***
الا ان جاك استيقظ في منتصف الليل ليقضي حاجته ..وعندما إبتعد عن المكان مُسترشداً بنور القمر , سمع بالصدفة جوزيف وهو يُكلّم مايك خلف الشجيرات :
- ما رأيك يا مايك بدل ان نُتعب أنفسنا بالغطس غداً , ان نستولي على ذهب الشابين ؟
مايك بقلق : وماذا لو تعاركا معنا ؟
جوزيف بابتسامةٍ خبيثة : نتخلّص منهما
مايك بصدمة : ماذا ! أتريد قتلهما ؟!
جوزيف بجدّية : وهل تريد لهاذين الثرثارين ان يُخبرا الجميع بكنزنا ؟ برأيّ الأفضل ان يبقى السرّ بيننا نحن الأثنين فقط ..
وهنا أسرع جاك عائداً نحو صديقه آدم , ليوقظه ويخبره بما سمعه..
وعندما عاد جوزيف ومايك الى الكوخ الخشبي تظاهر الشابين بالنوم , وهما ينويان الرحيل مع طلوع الفجر (أثناء نوم الرجلين).
***
وفي الصباح الباكر .. لم يجدا جوزيف ومايك الشابين بالجوار , وظنّا بأنهما سبقاهما الى النهر .. فأسرع جوزيف بالغطس خوفاً من ان يكونا جمعا المزيد من الذهب لهما , بينما انتظره مايك على الشاطىء ..لكن الشابان كانا بالحقيقة في طريقهما نحو الصحراء هرباً من غدر الرجلين ..
***
وكان المشي فوق الكثبان الرملية مُتعباً مع حملهما لهذه الأثقال على ظهورهما .. فأقترح آدم على صديقه ان يتسلّقا إحدى الجبال القريبة , لربما يجدان به شقّاً يُخبئان فيه حقائبهما ..ومن ثم يكملان السير على أمل إيجاد قريةٌ قريبة .. ولاحقاً يعودان لأخذ حقائبهما المليئة بالذهب ..
لكن الحظ حالفهما حين وجدا كهفاً صغيراً بأعلى الجبل .. فدخلا اليه ليستريحا قليلاً , بعد ان قاربت الشمس على المغيب ..
جاك وهو يستلقي بتعب : انا جائعٌ للغاية يا صديقي
فأخرج آدم من حقيبته علبة فاصوليا .. فشهق جاك متفاجئاً :
- من اين أتيت بها ؟!
- كانت على متن السفينة , لكني خبأتها قبل ان تروها ..
جاك بعصبية : ولما لم تتقاسمها معنا ؟!!
آدم : اهدأ قليلاً .. كنت أحتفظ بها ليومٍ سيء كهذا اليوم ..
- مع اني غاضبٌ منك .. لكني سعيد بأنك لم تتقاسمها مع ذانِكَ الرجلين الخبيثين .. هيا إفتح العلبة , فأنا أكاد أموت جوعاً
وبعد ان أكلا , ناما على الفور من شدّة التعب ..
***
امّا الأحداث التي حصلت بعدها , فسأخبركم بها بنفسي .. انا آدم .. وكنت مع صديقي جاك ننام في ذاك الكهف بانتظار رحلة الصباح لنتعمّق أكثر بالصحراء .. لكنني استيقظت صباحاً وعلى ثيابي بقعاً من الدماء ! امّا جاك فقد اختفى تماماً ! ولا ادري ان كان تسلّل الينا في المساء حيواناً برّياً قام بسحب صديقي من هناك .. وان كان فعل , فهل يُعقل انني لم اسمع صراخه ؟! وفي حال إفترسه بالفعل , فأين هي بقايا جثته ؟ اما في حال كان جاك بخير , فهل يُعقل ان يرحل دون حقيبته ؟ والسؤال الأهم من كل هذا , كيف تلطّخ قميصي بالدماء , فأنا لم أصطدّ شيئاً ذلك اليوم ؟!
وبعد ان بحثت عن جاك في كل مكان .. قرّرت العودة من حيث أتيت (بعد ان أخفيت الحقيبتين داخل الكهف) وركضتّ عائداً باتجاه النهر
ووصلت مساءً , وانا الهث من شدّة التعب .. وبينما كنت اشرب من ماء النهر لأرتوي , كان مايك وجوزيف يراقباني بدهشة !
وبعد ان انتهيت اقتربت منهما , فرأيت نظرة الرعب في عينيهما ..وأشار جوزيف على قميصي قائلاً :
- هل قتلت صديقك ايّها الطمّاع ؟
فأجبته باستنكار : لا لم افعل ! أحلف لكما
مايك بقلق : واين هو جاك اذاً ؟
- لا ادري .. استيقظت صباحاً ولم اجده , وظننته عاد الى هنا
وبقيت لقرابة ساعة أقنعهم بما حصل معي , لكني اعرف انهما لم يصدّقاني لأنهما ظلّا يراقباني من بعيد , بعد ان رفضا مبيتي معهم داخل الكوخ الخشبي .. حيث نمت ليلتي قرب النهر وانا أرتجف من البرد , وأتلفّت يميناً ويساراً خوفاً من ذلك الحيوان البرّي الذي قضى على صديقي .. ان كان هذا ما حصل له بالفعل !
***
في الصباح .. استيقظت على حادثة أشدّ رعباً .. حيث كنت أعتلي جسد جوزيف بعد ان شدَختُ رأسه بحجرةٍ كبيرة , وظللّت أكرّر ضربه دون توقف , وكأن روحاً شيطانية إستولت على جسمي ! ورغم صراخ مايك الذي كان يهرب باتجاه النهر , لم أوقف إعتدائي الى ان زهقت روح جوزيف بين يديّ !
فنظرت الى مايك (من بعيد) بعد ان غمر الماء نصف جسمه , وكان حينذاك يصرخ ويترجّاني برعبٍ شديد :
- ارجوك يا آدم !! خذّ كل الذهب , ودعني أعيش
لكني لم اجد نفسي الا وانا أسحب الفأس من حقيبة جوزيف واركض باتجاه مايك وانا اصرخ كالمجنون والوحّ بالفأس في الهواء , بعد ان تلوّثت ملابسي كلها بالدماء ! وقبل ان أعيّ ما يحصل , كان مايك يحاول السباحة مُبتعداً عن هجومي المفاجىء
وهنا استيقظت فجأة من غفلتي ! لأشاهد مايك وهو يغرق امام ناظريّ .. فأسرعت لأنقاذه :
- لا تخفّ يا مايك .. انا قادمٌ لأنقاذك !!
الاّ ان النهر سحبه للأسفل , ليختفي تماماً ..
وبعد مدّة .. شاهدت جثته تطفو من بعيد !
والى يومنا هذا لا ادري ما حصل لي ذلك اليوم ! وهل قمت بالفعل بقتلتهم جميعاً ؟!
اما ان كنتم تتساءلون عن الذهب , فلا أملك منه شيئاً .. لأنه يبدو ان تلك الروح الشريرة عادت وتلبّستني من جديد .. حيث وجدّت نفسي اعود الى الصحراء مجدداً ..
وفي اليوم التالي عدّت الى النهر وانا أحمل حقيبتا الذهب التي كنت تركتها مع جاك في الكهف .. نعم كما قرأتم ..حملتهما معاً رغم ثقلهما , فتلك الروح جعلتني قويّ للغاية , حتى ان رحلة الصحراء لم تتعبني كثيراً
ومن ثم دخلت الى الكوخ الخشبي وأحضرت حقيبتا جوزيف ومايك .. ووضعت الحقائب الأربعة على الشاطىء .. ثم سبحت الى نفس المكان الذي استخرجنا منه الذهب , وقمت بإفراغ الحقائب الواحدة تلوّ الأخرى , لتتراكم فوق الجبل المطمور في اسفل النهر , وكأني أعيد الذهب الى مكانه من جديد !
لكن قبل ان اعود الى الشاطىء , أحسست بشيءٍ يشدّ قدمي الى الأسفل ..وكنت على وشك الغرق ! وحينها سمعت صوتاً مُريباً قادماً من أعماق النهر , وكان يقول لي مُهدّداً :
- لم يأذن لجبل الذهب ان يظهر بعد , فعدّ من حيث أتيت ولا تخبر أحداً بأمره , والاّ لحقت بإصدقائك
ومن بعدها , صعدت مباشرةً لسطح الماء لألتقط انفاسي ..ثم أسرعت نحو الشاطىء .. وقبل ان أستوعب ما سمعته هناك .. ظهَرَت لي من بعيد نفس السفينة التي كنّا قدمنا عليها ! وظلّت تسير لوحدها الى ان رست على الشاطىء ! فأسرعت بركوبها , وقلبي مازال يرتجف مما حصل معي هذا اليوم ..
وأعرف انكم لا تصدّقون كلمة ممّا قلته , لكن ما حصل بعدها كان غريباً ايضاً , حيث استطعت تشغيل محرّك السفينة وكذلك دفّته دون أيّةِ مشاكل .. كما ان جثة القبطان إختفت تماماً من على متنها!
وحقاً لم يكن يهمّني في ذلك الوقت سوى الإبتعاد عن ذلك الشاطىء المسكون بالإرواح الغامضة ..
والآن أكلّمكم من بريطانيا .. نعم فقد وصلت البارحة الى بلدي .. ولم أخبر السلطات بعد بمصير اصدقائي الثلاثة , بالإضافة الى القبطان العراقي العجوز
لكن بما انني بخيرٌ الآن , فسأخبركم بعنوان ذلك المكان لكيّ تستخرجوا الذهب بأنفسكم .. فالذهب كثير ويكفي الجميع .. والمكان هو :
العراق .. نهر الفرات ..قرب جبل ..
***
وهنا انقطعت الرسالة (التي كان ينشرها آدم مباشرةً عبر صفحته على الفيسبوك)عن المئات المتابعين الذين كانوا يقرأون كلامه باهتمام ..
ولاحقاً تمّ اكتشاف جثّة الشاب آدم داخل منزله .. وكانت سبب الوفاة : هي شظيّة حديدية خرجت من حاسوبه (الذي انفجر دون سببٍ واضح) لتقطع شريان رقبته !
***
ولولا ان معظم الأديان السماوية تحدّثت عن جبل الذهب العراقي المجهول المكان , لما صدّق أحد قصّته الخيالية !
فهل قتله الجني او الملاك المسؤول عن تخبئة الجبل لكتمان هذا السرّ ؟!
لا أحد يدري .. وسيبقى ما قاله آدم لغزاً مُحيّراً , الى ان يحين موعد ظهور جبل الذهب بالفعل ! وحينها لن يكون الشباب الأربعة هم الضحايا الوحيدين لذلك الكنز المدفون , بل ستُفنى بسببه شعوباً بأكملها عن بكرة أبيها ! وسيكون ظهور هذا الجبل آخر علامات القيامة الصغرى لتبدأ بعدها ظهور العلامات الكبرى الأشد رعباً وفتّكاً بالبشريّة أجمع !