تأليف : امل شانوحة
إندهش كل ركّاب القطار ممّا حصل امامهم .. فقد حاول شابٌ مقنّع إختطاف طفلٍ من بين يديّ امه .. والأغرب ان لا احد منهم حاول مساعدتها , حتى الشباب ذويّ العضلات المفتولة الذي صادف وجودهم في نفس القاطرة فضّلوا إدارة ظهورهم بدلاً من الإنقضاض على اللصّ نحيل الجسم !
والسبب انه في هذا العام (ايّ سنة 2080) أصبح إختطاف الأطفال وبيعهم بالسوق السوداء تجارةٌ رابحة , خاصة مع انتشار العقم بين الناس بسبب زيادة تلوّث البيئة , وفساد الأغذية الغنيّة بالملوّنات والمحسّنات الضارّة بالصحة .. ولذلك أغلقت معظم مدارس الأطفال بعد إزدياد حالات الخطف , وفضّل الأهالي حبس اولادهم داخل بيوتهم خوفاً عليهم ..لكن هذه السيدة إضّطرت للخروج مع طفلها (ذو الخمس سنوات) لزيارة الطبيب بعد ان ساءت حالته الصحية ..
ولشدّة خوفها على ابنها الذي يرتجف باكيّاً من الخوف , سلّمته للخاطف الذي كان يضع سكينته حول رقبة الصغير , بعد ان تبادلت مع بقيّة الركّاب نظرات التوسّل والرجاء لمساعدتها , لكن لا احد منهم إقترب من الخاطف سوى ذاك الرجل الذي يبدو وكأنه في الثمانينات من عمره.. أبيض اللّحية , ويلبس ثياباً شتوية قاتمة اللون , ويغطي نصف وجهه بالشال الصوفي .. حيث قام بسحب رقبة الشاب بطرف عصاته بقوّةٍ أرجعته للخلف ! ممّا أبعد السكين عن رقبة الصغير الذي إستطاع الإفلات من قبضة الخاطف ليرتمي في حضن امه المنهارة من هول الموقف ..
بينما أسرع الركّاب بإخراج جوّالاتهم الحديثة (التي تُشبه الرقاقة الشفّافة) لتصوير هذا الحدث المثير
فعاد السارق ورفع سكينته الضخمة ملّوحاً بها امام وجه العجوز :
- هل تريد مواجهتي ايها العجوز الخرف ؟
لكن ردّة فعل العجوز فاجأت الجميع , حيث استطاع بحركتين سريعتين من عصاه ان يرمي بسكينة الخاطف بعيداً !
فأخرج الخاطف على الفور مسدسه من خاصرته , وأصاب العجوز في كتفه .. الاّ ان العجوز ركله بقوّة على بطنه أسقطته أرضاً , حيث أرتطم ظهره بباب القطار .. وصُعق الجميع من قوّة العجوز الذي لم يكن يُبالي بالدماء التي تنزف من كتفه المصابة , وكأنه لا يشعر بأيّ ألم !
وبثوانيٍ تمكّن العجوز من إلتقاط المسدس الواقع على الأرض , ورفعه في وجه الخاطف ..
الخاطف وهو يرفع يديه مُستسلماً بخوف : ارجوك لا تقتلني
العجوز بنبرةٍ آمرة : إخلع قناعك ليراك الجميع
الخاطف بخوف : ان فعلت ستقتلني العصابة
العجوز بغضب : وان لم تفعل سأقتلك انا !!
فكشف الخاطف عن وجهه مُتردّداً , بينما أسرع الركّاب بتصويره من خلال جوّالاتهم
العجوز وهو مازال يرفع المسدس في وجه الخاطف : والآن أجبني على أسئلتي .. كم طفل إختطفت حتى الآن ؟
- انا أعمل ضمن عصابةٍ كبيرة , وكل واحداً فينا إختطف عدداً من الأطفال لنبيعهم للأغنياء بالسوق السوداء , وبأسعارٍ تتفاوت حسب جمال الطفل
- وكم طفل إختطفت لوحدك ؟
- هذا أول طفل أقوم ..
فقاطعه العجوز بغضب : كاذب !! بل سبعة عشر ولداً وثلاثة بنات , بالإضافة الى هذا الطفل
الخاطف بصدمة : وكيف عرفت هذا ؟! هل انت من الشرطة ؟ هل كنت تراقبني ؟
- أصمت وأجبني على باقي الأسئلة !! اين هم الأطفال الآن ؟
- تمّ بيع معظمهم
- وماذا عن الباقين ؟
- نحن نقوم ببيع القبيحين منهم لتجّار الأعضاء البشرية
فشهقت الأم بخوف وهي تضمّ طفلها بقوّة ..
فقال العجوز لها : لا تقلقي , لا أحد سيؤذي ابنك .. فقط حاولي ان لا تُخرجيه كثيراً من المنزل
فأومأت الأم برأسها ايجاباً , وهي تحمد الله على سلامة طفلها من هذه العصابة المرعبة
ثم عاد وسأل العجوز المختطف : واين تضعون الأطفال المختطفين ؟
- لا طبعاً لن اخبرك , لأن العصابة ستقتلني حتماً
وهنا صُعق الجميع بعد ان أطلق العجوز دون تردّد النار على ساق الخاطف الذي صار يتلوّى من الألم !
العجوز : أجبني الآن !! والاّ أفرغت المسدس في جسمك
فأخبره الخاطف مُتألّماً عن عنوان الأطفال المفقودين ..
- كما أخبرتك .. نحن نجمعهم في ذلك المستودع القديم الذي أعطيتك عنوانه .. أحلف لك
وهنا نظر العجوز الى الشباب الأقوياء من الركّاب والذين إكتفوا بتصوير الحدث من جوّالاتهم , فقال لهم بأسى :
- لقد أصبحنا في زمنٍ نكتفي فيه بالتصوير بدلاً من إيجاد الحلول .. يا أسفي على شبابكم وقوّتكم المهدورة
فطأطأ الشباب (مفتولي العضلات) رؤوسهم خجلاً من جرأة العجوز التي عجزوا عنها
فأكمل العجوز قائلاً للجميع :
- على الأقل إرسلوا الفيديو للشرطة , ودعوهم ينقذون بقية الأطفال
فأومأ الشباب رأسهم إيجاباً ..
ثم عاد العجوز ليسأل الخاطف من جديد :
- لديّ سؤال أخيرٌ لك .. في حال تركتك وشأنك , فهل ستعود للخطف مجدّداً ؟
فقالت سيدة من الركّاب : أكيد سيقول لك لا , لتطلق سراحه
فقال العجوز لها بثقة : انا لا احد يستطيع الكذب عليّ
ثم أعاد السؤال مجدّداً على الخاطف وهو ينظر اليه بعيونه الزرقاء الثاقبة , فأجابه الخاطف : بالتأكيد سأفعل !! فأنا أجني ثروة من عملي هذا
العجوز مبتسماً : توقعت إجابتك
وفي هذه اللحظات كان القطار على وشك دخول النفق .. وفجأة ! فتح العجوز باب القطار الذي كان يستند عليه الخاطف , ليسقط من القطار ويرتطم بجدار النفق ويتحوّل في ثوانيٍ الى أشلاء , وسط صدمة الجميع !
لكن الأغرب كان انقطاع الكهرباء داخل القاطرة أثناء عبور النفق .. وعندما عادت الإضاءة من جديد كان العجوز قد إختفى تماماً ! فهل وقع هو ايضاً من باب القطار المفتوح ؟!
***
وفي عيادة الطبيب .. وبعد ان قطّب جرح العجوز , قال له :
- عليّ إبلاغ شرطة المستشفى عن هذه الإصابة يا عمّ , فهي طلقٌ ناريّ .. وانت تصرّ على عدم إخباري بمن أطلق النار على كتفك
العجوز : قلت لك لا احد .. كنت أنظف مسدسي وانطلقت الرصاصة بالغلط
- مع اني لا اصدّقك لكني سأتجاهل الموضوع في الوقت الراهن , لأكمل ملفك .. والآن إخبرني بإسمك كاملاً
- جاك اندرسون
- وكم عمرك يا سيد جاك ؟
فسكت العجوز قليلاً , ثم قال :
- 2999 سنة .. وبقي سنةٌ واحدة ويأتي شخصٌ آخر ليحلّ مكاني.. وحينها أكمل حياتي بسلام
فكتب الطبيب في تقريره (عجوزٌ يعاني من ألزهايمر والخرف المُبكر) .. ثم قال له بنبرةٍ ساخرة :
- يعني عمرك ثلاثة الاف سنة ؟
العجوز : الاّ سنة
- فهمت .. واين هويتك ؟
- في العصر الذي عشت فيه , لم تكن هناك اوراقٌ رسمية بعد
الطبيب مُبتسماً بسخرية : آه نعم صحيح.. المهم الآن .. لنقل ان عمرك ثمانين سنة ومع هذا تبدو لي بصحةٍ جيدة , حتى انك رفضّت التخدير قبل تقطيب جرحك !
- انا لا اخاف من الألم , كما انني حاربت في الحربين العالميتين وشاهدت الكثير في حياتي
الطبيب بسخرية : طالما عمرك ثلاثة آلاف سنة , فأكيد شاهدت حروب الروم مع الفرس ايضاً
- نعم , كنت وقتها في عزّ شبابي
الطبيب : لا ادري هل أضحك ام أشفق على حالتك ايها العجوز ؟ لكن يبدو من هيئتك انك مُشرّد , لهذا سأتصل بإخصائية الأحوال الإجتماعية لمساعدتك
فوقف العجوز وهو يلبس معطفه القديم قائلاً : لا داعي لذلك ..فالمخلّدون أمثالي لا خوفٌ عليهم .. لأننا لا نجوع ولا نتألّم ولا نشعر بالإرهاق طوال حياتنا ..
- أقلت المخلّدون ؟!
- نعم .. فكل واحدٍ منّا مسؤولاً عن حماية الضعفاء طوال ثلاثة آلاف سنة .. ولقد قاربت مهمّتي على الإنتهاء .. وقريباً جداً سيُخلّفني مخلدٌ جديد , وأرتاح من هذه المهّمة التي أثقلت كاهلي
ثم خرج العجوز من العيادة , تاركاً الطبيب مُحتاراً من كلامه الغامض !
****
في المساء .. أجرى الطبيب بعض البحوث على حاسوبه ..فوجد نصوصاً في الكتب التي تتكلّم عن الأساطير التاريخية : انه عبر العصور تمّ العثور على اشخاصٍ يسكنون وحدهم في الكهوف او رؤوس الجبال ولسنواتٍ عدّة دون طعامٍ او شراب , ويتمتّعون بصحةٍ جيدة رغم كبر سنهم ! وأحياناً كانوا يحلّون بعض المشاكل العالقة بين الناس , او يلقون عليهم النصائح الثمينة ثم يكملون طريقهم مبتعدين عن الجميع ..
وقد أطلقت على هؤلاء العجائز الغامضين عدّة القاب : فمنهم من لقّبهم بالفلاسفة او الزاهدين او البسطاء , وفي بعض العقائد لقّبوهم بالأبدال والأقطاب والأوتاد , لكنهم يطلقون على أنفسهم لقب المخلّدين في الأرض , حيث ان عمرهم أطول بكثير من أعمار البشر , ويحافظون على قوّة الشباب بشكلٍ غامض ! كما يتمتّعون بقدراتٍ خارقة : مثل سماعهم بما يخطر في بال الناس ومعرفة المستقبل وإكتشاف نوايا البشر , وغيرها من القوّة الخفية !
لكن ما آثار إهتمام الطبيب هو جملة (وجدها بالنت) في كتابٍ مقدّس للديانة اليهودية قيل فيها : ان الرجل الذي أحضر عرش بلقيس للنبي سليمان كان ايضاً من المخلّدين , وكذلك الرجل الصالح خضر الذي إلتقى به النبي موسى , حيث انهما سيظلاّن أحياءً الى يوم القيامة , لكن لا أحد يعرف مكانهما الآن !
وبعد ان أنهى الطبيب القراءة , تساءل في نفسه : ((طالما هؤلاء العجائز ليسوا بشراً عادين مثلنا , ولا ملائكة ولا جن ولا شياطين , فهل هناك أجناسٌ أخرى لا نعرفها في هذا العالم , رغم كل الحضارة التي وصلنا اليها ؟!))
***
وفي مساء اليوم التالي .. طلب الطبيب من مسؤول الأمن بالمستشفى ان يعطيه فيديوهات المراقبة عن ليلة الأمس (ايّ بوقت زيارة المخلّد له) لكنه صُعق تماماً حينما رأى نفسه بالعيادة , وهو يُكلّم نفسه ! حيث لم يظهر أثر للعجوز في كاميرات العيادة او في ممرّات المستشفى .. فهل كان شبحاً ؟!
والأغرب ان فيدو الخاطف بالقطار انتشر كالنار في الهشيم في وسائل التواصل الإجتماعي , ليس بسبب عمل العجوز البطولي في إنقاذ الطفل , بل بسبب عدم ظهوره اطلاقاً في الفيديو ! حيث تمّ تصوير الخاطف وهو يُضرب من خيالٍ اسود , ثم يقع بعد انفتاح باب القطار لوحده ! رغم تأكيد بعض المعلّقين من الركّاب الذين كانوا شهوداً على الحادثة على رؤية العجوز هناك ..فكيف انحذف المخلّد فجأة من جميع كاميرات الجوّالات لركّاب تلك الرحلة ؟!
****
وفي إحدى الليالي .. كان العجوز يتنقّل بين الأزقّة المظلمة , ليلتقي وجهاً بوجه مع شابين يحاولان الإعتداء على صبيّة ..
وبسرعة البرق لكَمَ أحدهما بقوّة ليسقط مغشياً عليه , بينما أمسك بخناق الشاب الثاني , وهو يقول للصبيّة التي تجمّدت في مكانها :
العجوز صارخاً في وجهها : أهربي بسرعة !! ماذا تنتظرين ؟ عودي الى بيتك , ولا تخرجي في المساء وحدك ثانيةً .. أفهمتي ؟!!
فركضت الصبيّة بأسرع ما يمكنها نحو بيتها الموجود في الشارع المقابل
اما الشاب الذي كان يحاول بكل طاقته إبعاد اصابع العجوز القابضة على رقبته بإحكام : من انت ايها العجوز , وماذا تريد مني ؟!
- انا لن أتركك قبل ان تجيبني على سؤالي
الشاب وهو يكاد يختنق : ومالذي تريد معرفته ؟
العجوز : كم إمراة أعتديتما عليها حتى الآن ؟
وهنا استيقظ الشاب الآخر ليرى العجوز وهو يخنق صديقه , فأخرج سكينته من جيبه .. لكن العجوز في ثوانيٍ استطاع سحب السكينة من يد المغتصب (وهو مازال يخنق الشاب بيده الأخرى) ثم عاجله بطعنة في قلبه , ليسقط الشاب الثاني ميتاً على الأرض !
فصرخ الشاب الذي بين يديه : لقد قتلت صديقي ايها اللعين !!!
العجوز بغضب : وسأقتلك انت ايضاً ان لم تجيبني حالاً !!
الشاب بخوف : هذه أول مرة , فأنا لم اؤذي ايّ بنت في حياتي.. أحلف لك
فيتنهّد العجوز بضيق : يا الهي ..لما تصرّون ايها البشر على الكذب ؟!
الشاب بخوف : البشر ! ومن تكون انت ؟!
- هذا لا يهمّك.. اما الإجابة الصحيحة : فهي انك أعتديت على ثمانية نساء بمساعدة صديقك هذا الذي لديه ايضاً سوابق مع سبعةٍ غيرهنّ ..هذا عدا عن عمليات السرقة التي قُمتما بها في فترة المراهقة ..اليس كذلك ؟
الشاب بدهشة : وكيف عرفت ؟! .. ارجوك إبعد يدك عن رقبتي , أكاد أختنق
- وهذا ما أريده بالفعل , ايّها التافه !!
وأطبق العجوز كلتا يديه على رقبة الشاب بقوة , ليموت بعد إختناقه ..
ثم ترك العجوز الزقاق المظلم وفيه جثتيّ الشابين الفاسدين , وهو يتمّتمّ بضيق : بقيّ سنة وأسلّم مهمّتي لمخلدٍ آخر ..والى ذلك الحين , سأنظّف الأرض من الأنذال قدر استطاعتي .. فأنا فارسٌ من الفرسان المخلّدين !! وسأكون سوبرمان هذا العصر الكئيب !
ملاحظة :
هذه القصة خيالية , فأنا لا أصدّق بالأقطاب والبدائل المتداولة في الفكر الصوفي .. فسيدنا خضر , وآصف بن برخيا (الذي أحضر عرش بلقيس) هما رجلان صالحين خصّهما الله بعلمٍ تميزا فيه عن بقية الناس في عصرهما .. لكن لا ننسى قول الله تعالى : (ويخلق ما لا تعلمون).. فهل هناك مخلوقاتٍ أخرى غير الملائكة والبشر والشياطين والجن ؟ .. الله أعلم !
عمري ثلاثة آلاف سنة , وأملك قوّة الشباب !
إندهش كل ركّاب القطار ممّا حصل امامهم .. فقد حاول شابٌ مقنّع إختطاف طفلٍ من بين يديّ امه .. والأغرب ان لا احد منهم حاول مساعدتها , حتى الشباب ذويّ العضلات المفتولة الذي صادف وجودهم في نفس القاطرة فضّلوا إدارة ظهورهم بدلاً من الإنقضاض على اللصّ نحيل الجسم !
والسبب انه في هذا العام (ايّ سنة 2080) أصبح إختطاف الأطفال وبيعهم بالسوق السوداء تجارةٌ رابحة , خاصة مع انتشار العقم بين الناس بسبب زيادة تلوّث البيئة , وفساد الأغذية الغنيّة بالملوّنات والمحسّنات الضارّة بالصحة .. ولذلك أغلقت معظم مدارس الأطفال بعد إزدياد حالات الخطف , وفضّل الأهالي حبس اولادهم داخل بيوتهم خوفاً عليهم ..لكن هذه السيدة إضّطرت للخروج مع طفلها (ذو الخمس سنوات) لزيارة الطبيب بعد ان ساءت حالته الصحية ..
ولشدّة خوفها على ابنها الذي يرتجف باكيّاً من الخوف , سلّمته للخاطف الذي كان يضع سكينته حول رقبة الصغير , بعد ان تبادلت مع بقيّة الركّاب نظرات التوسّل والرجاء لمساعدتها , لكن لا احد منهم إقترب من الخاطف سوى ذاك الرجل الذي يبدو وكأنه في الثمانينات من عمره.. أبيض اللّحية , ويلبس ثياباً شتوية قاتمة اللون , ويغطي نصف وجهه بالشال الصوفي .. حيث قام بسحب رقبة الشاب بطرف عصاته بقوّةٍ أرجعته للخلف ! ممّا أبعد السكين عن رقبة الصغير الذي إستطاع الإفلات من قبضة الخاطف ليرتمي في حضن امه المنهارة من هول الموقف ..
بينما أسرع الركّاب بإخراج جوّالاتهم الحديثة (التي تُشبه الرقاقة الشفّافة) لتصوير هذا الحدث المثير
فعاد السارق ورفع سكينته الضخمة ملّوحاً بها امام وجه العجوز :
- هل تريد مواجهتي ايها العجوز الخرف ؟
لكن ردّة فعل العجوز فاجأت الجميع , حيث استطاع بحركتين سريعتين من عصاه ان يرمي بسكينة الخاطف بعيداً !
فأخرج الخاطف على الفور مسدسه من خاصرته , وأصاب العجوز في كتفه .. الاّ ان العجوز ركله بقوّة على بطنه أسقطته أرضاً , حيث أرتطم ظهره بباب القطار .. وصُعق الجميع من قوّة العجوز الذي لم يكن يُبالي بالدماء التي تنزف من كتفه المصابة , وكأنه لا يشعر بأيّ ألم !
وبثوانيٍ تمكّن العجوز من إلتقاط المسدس الواقع على الأرض , ورفعه في وجه الخاطف ..
الخاطف وهو يرفع يديه مُستسلماً بخوف : ارجوك لا تقتلني
العجوز بنبرةٍ آمرة : إخلع قناعك ليراك الجميع
الخاطف بخوف : ان فعلت ستقتلني العصابة
العجوز بغضب : وان لم تفعل سأقتلك انا !!
فكشف الخاطف عن وجهه مُتردّداً , بينما أسرع الركّاب بتصويره من خلال جوّالاتهم
العجوز وهو مازال يرفع المسدس في وجه الخاطف : والآن أجبني على أسئلتي .. كم طفل إختطفت حتى الآن ؟
- انا أعمل ضمن عصابةٍ كبيرة , وكل واحداً فينا إختطف عدداً من الأطفال لنبيعهم للأغنياء بالسوق السوداء , وبأسعارٍ تتفاوت حسب جمال الطفل
- وكم طفل إختطفت لوحدك ؟
- هذا أول طفل أقوم ..
فقاطعه العجوز بغضب : كاذب !! بل سبعة عشر ولداً وثلاثة بنات , بالإضافة الى هذا الطفل
الخاطف بصدمة : وكيف عرفت هذا ؟! هل انت من الشرطة ؟ هل كنت تراقبني ؟
- أصمت وأجبني على باقي الأسئلة !! اين هم الأطفال الآن ؟
- تمّ بيع معظمهم
- وماذا عن الباقين ؟
- نحن نقوم ببيع القبيحين منهم لتجّار الأعضاء البشرية
فشهقت الأم بخوف وهي تضمّ طفلها بقوّة ..
فقال العجوز لها : لا تقلقي , لا أحد سيؤذي ابنك .. فقط حاولي ان لا تُخرجيه كثيراً من المنزل
فأومأت الأم برأسها ايجاباً , وهي تحمد الله على سلامة طفلها من هذه العصابة المرعبة
ثم عاد وسأل العجوز المختطف : واين تضعون الأطفال المختطفين ؟
- لا طبعاً لن اخبرك , لأن العصابة ستقتلني حتماً
وهنا صُعق الجميع بعد ان أطلق العجوز دون تردّد النار على ساق الخاطف الذي صار يتلوّى من الألم !
العجوز : أجبني الآن !! والاّ أفرغت المسدس في جسمك
فأخبره الخاطف مُتألّماً عن عنوان الأطفال المفقودين ..
- كما أخبرتك .. نحن نجمعهم في ذلك المستودع القديم الذي أعطيتك عنوانه .. أحلف لك
وهنا نظر العجوز الى الشباب الأقوياء من الركّاب والذين إكتفوا بتصوير الحدث من جوّالاتهم , فقال لهم بأسى :
- لقد أصبحنا في زمنٍ نكتفي فيه بالتصوير بدلاً من إيجاد الحلول .. يا أسفي على شبابكم وقوّتكم المهدورة
فطأطأ الشباب (مفتولي العضلات) رؤوسهم خجلاً من جرأة العجوز التي عجزوا عنها
فأكمل العجوز قائلاً للجميع :
- على الأقل إرسلوا الفيديو للشرطة , ودعوهم ينقذون بقية الأطفال
فأومأ الشباب رأسهم إيجاباً ..
ثم عاد العجوز ليسأل الخاطف من جديد :
- لديّ سؤال أخيرٌ لك .. في حال تركتك وشأنك , فهل ستعود للخطف مجدّداً ؟
فقالت سيدة من الركّاب : أكيد سيقول لك لا , لتطلق سراحه
فقال العجوز لها بثقة : انا لا احد يستطيع الكذب عليّ
ثم أعاد السؤال مجدّداً على الخاطف وهو ينظر اليه بعيونه الزرقاء الثاقبة , فأجابه الخاطف : بالتأكيد سأفعل !! فأنا أجني ثروة من عملي هذا
العجوز مبتسماً : توقعت إجابتك
وفي هذه اللحظات كان القطار على وشك دخول النفق .. وفجأة ! فتح العجوز باب القطار الذي كان يستند عليه الخاطف , ليسقط من القطار ويرتطم بجدار النفق ويتحوّل في ثوانيٍ الى أشلاء , وسط صدمة الجميع !
لكن الأغرب كان انقطاع الكهرباء داخل القاطرة أثناء عبور النفق .. وعندما عادت الإضاءة من جديد كان العجوز قد إختفى تماماً ! فهل وقع هو ايضاً من باب القطار المفتوح ؟!
***
وفي عيادة الطبيب .. وبعد ان قطّب جرح العجوز , قال له :
- عليّ إبلاغ شرطة المستشفى عن هذه الإصابة يا عمّ , فهي طلقٌ ناريّ .. وانت تصرّ على عدم إخباري بمن أطلق النار على كتفك
العجوز : قلت لك لا احد .. كنت أنظف مسدسي وانطلقت الرصاصة بالغلط
- مع اني لا اصدّقك لكني سأتجاهل الموضوع في الوقت الراهن , لأكمل ملفك .. والآن إخبرني بإسمك كاملاً
- جاك اندرسون
- وكم عمرك يا سيد جاك ؟
فسكت العجوز قليلاً , ثم قال :
- 2999 سنة .. وبقي سنةٌ واحدة ويأتي شخصٌ آخر ليحلّ مكاني.. وحينها أكمل حياتي بسلام
فكتب الطبيب في تقريره (عجوزٌ يعاني من ألزهايمر والخرف المُبكر) .. ثم قال له بنبرةٍ ساخرة :
- يعني عمرك ثلاثة الاف سنة ؟
العجوز : الاّ سنة
- فهمت .. واين هويتك ؟
- في العصر الذي عشت فيه , لم تكن هناك اوراقٌ رسمية بعد
الطبيب مُبتسماً بسخرية : آه نعم صحيح.. المهم الآن .. لنقل ان عمرك ثمانين سنة ومع هذا تبدو لي بصحةٍ جيدة , حتى انك رفضّت التخدير قبل تقطيب جرحك !
- انا لا اخاف من الألم , كما انني حاربت في الحربين العالميتين وشاهدت الكثير في حياتي
الطبيب بسخرية : طالما عمرك ثلاثة آلاف سنة , فأكيد شاهدت حروب الروم مع الفرس ايضاً
- نعم , كنت وقتها في عزّ شبابي
الطبيب : لا ادري هل أضحك ام أشفق على حالتك ايها العجوز ؟ لكن يبدو من هيئتك انك مُشرّد , لهذا سأتصل بإخصائية الأحوال الإجتماعية لمساعدتك
فوقف العجوز وهو يلبس معطفه القديم قائلاً : لا داعي لذلك ..فالمخلّدون أمثالي لا خوفٌ عليهم .. لأننا لا نجوع ولا نتألّم ولا نشعر بالإرهاق طوال حياتنا ..
- أقلت المخلّدون ؟!
- نعم .. فكل واحدٍ منّا مسؤولاً عن حماية الضعفاء طوال ثلاثة آلاف سنة .. ولقد قاربت مهمّتي على الإنتهاء .. وقريباً جداً سيُخلّفني مخلدٌ جديد , وأرتاح من هذه المهّمة التي أثقلت كاهلي
ثم خرج العجوز من العيادة , تاركاً الطبيب مُحتاراً من كلامه الغامض !
****
في المساء .. أجرى الطبيب بعض البحوث على حاسوبه ..فوجد نصوصاً في الكتب التي تتكلّم عن الأساطير التاريخية : انه عبر العصور تمّ العثور على اشخاصٍ يسكنون وحدهم في الكهوف او رؤوس الجبال ولسنواتٍ عدّة دون طعامٍ او شراب , ويتمتّعون بصحةٍ جيدة رغم كبر سنهم ! وأحياناً كانوا يحلّون بعض المشاكل العالقة بين الناس , او يلقون عليهم النصائح الثمينة ثم يكملون طريقهم مبتعدين عن الجميع ..
وقد أطلقت على هؤلاء العجائز الغامضين عدّة القاب : فمنهم من لقّبهم بالفلاسفة او الزاهدين او البسطاء , وفي بعض العقائد لقّبوهم بالأبدال والأقطاب والأوتاد , لكنهم يطلقون على أنفسهم لقب المخلّدين في الأرض , حيث ان عمرهم أطول بكثير من أعمار البشر , ويحافظون على قوّة الشباب بشكلٍ غامض ! كما يتمتّعون بقدراتٍ خارقة : مثل سماعهم بما يخطر في بال الناس ومعرفة المستقبل وإكتشاف نوايا البشر , وغيرها من القوّة الخفية !
لكن ما آثار إهتمام الطبيب هو جملة (وجدها بالنت) في كتابٍ مقدّس للديانة اليهودية قيل فيها : ان الرجل الذي أحضر عرش بلقيس للنبي سليمان كان ايضاً من المخلّدين , وكذلك الرجل الصالح خضر الذي إلتقى به النبي موسى , حيث انهما سيظلاّن أحياءً الى يوم القيامة , لكن لا أحد يعرف مكانهما الآن !
وبعد ان أنهى الطبيب القراءة , تساءل في نفسه : ((طالما هؤلاء العجائز ليسوا بشراً عادين مثلنا , ولا ملائكة ولا جن ولا شياطين , فهل هناك أجناسٌ أخرى لا نعرفها في هذا العالم , رغم كل الحضارة التي وصلنا اليها ؟!))
***
وفي مساء اليوم التالي .. طلب الطبيب من مسؤول الأمن بالمستشفى ان يعطيه فيديوهات المراقبة عن ليلة الأمس (ايّ بوقت زيارة المخلّد له) لكنه صُعق تماماً حينما رأى نفسه بالعيادة , وهو يُكلّم نفسه ! حيث لم يظهر أثر للعجوز في كاميرات العيادة او في ممرّات المستشفى .. فهل كان شبحاً ؟!
والأغرب ان فيدو الخاطف بالقطار انتشر كالنار في الهشيم في وسائل التواصل الإجتماعي , ليس بسبب عمل العجوز البطولي في إنقاذ الطفل , بل بسبب عدم ظهوره اطلاقاً في الفيديو ! حيث تمّ تصوير الخاطف وهو يُضرب من خيالٍ اسود , ثم يقع بعد انفتاح باب القطار لوحده ! رغم تأكيد بعض المعلّقين من الركّاب الذين كانوا شهوداً على الحادثة على رؤية العجوز هناك ..فكيف انحذف المخلّد فجأة من جميع كاميرات الجوّالات لركّاب تلك الرحلة ؟!
****
وفي إحدى الليالي .. كان العجوز يتنقّل بين الأزقّة المظلمة , ليلتقي وجهاً بوجه مع شابين يحاولان الإعتداء على صبيّة ..
وبسرعة البرق لكَمَ أحدهما بقوّة ليسقط مغشياً عليه , بينما أمسك بخناق الشاب الثاني , وهو يقول للصبيّة التي تجمّدت في مكانها :
العجوز صارخاً في وجهها : أهربي بسرعة !! ماذا تنتظرين ؟ عودي الى بيتك , ولا تخرجي في المساء وحدك ثانيةً .. أفهمتي ؟!!
فركضت الصبيّة بأسرع ما يمكنها نحو بيتها الموجود في الشارع المقابل
اما الشاب الذي كان يحاول بكل طاقته إبعاد اصابع العجوز القابضة على رقبته بإحكام : من انت ايها العجوز , وماذا تريد مني ؟!
- انا لن أتركك قبل ان تجيبني على سؤالي
الشاب وهو يكاد يختنق : ومالذي تريد معرفته ؟
العجوز : كم إمراة أعتديتما عليها حتى الآن ؟
وهنا استيقظ الشاب الآخر ليرى العجوز وهو يخنق صديقه , فأخرج سكينته من جيبه .. لكن العجوز في ثوانيٍ استطاع سحب السكينة من يد المغتصب (وهو مازال يخنق الشاب بيده الأخرى) ثم عاجله بطعنة في قلبه , ليسقط الشاب الثاني ميتاً على الأرض !
فصرخ الشاب الذي بين يديه : لقد قتلت صديقي ايها اللعين !!!
العجوز بغضب : وسأقتلك انت ايضاً ان لم تجيبني حالاً !!
الشاب بخوف : هذه أول مرة , فأنا لم اؤذي ايّ بنت في حياتي.. أحلف لك
فيتنهّد العجوز بضيق : يا الهي ..لما تصرّون ايها البشر على الكذب ؟!
الشاب بخوف : البشر ! ومن تكون انت ؟!
- هذا لا يهمّك.. اما الإجابة الصحيحة : فهي انك أعتديت على ثمانية نساء بمساعدة صديقك هذا الذي لديه ايضاً سوابق مع سبعةٍ غيرهنّ ..هذا عدا عن عمليات السرقة التي قُمتما بها في فترة المراهقة ..اليس كذلك ؟
الشاب بدهشة : وكيف عرفت ؟! .. ارجوك إبعد يدك عن رقبتي , أكاد أختنق
- وهذا ما أريده بالفعل , ايّها التافه !!
وأطبق العجوز كلتا يديه على رقبة الشاب بقوة , ليموت بعد إختناقه ..
ثم ترك العجوز الزقاق المظلم وفيه جثتيّ الشابين الفاسدين , وهو يتمّتمّ بضيق : بقيّ سنة وأسلّم مهمّتي لمخلدٍ آخر ..والى ذلك الحين , سأنظّف الأرض من الأنذال قدر استطاعتي .. فأنا فارسٌ من الفرسان المخلّدين !! وسأكون سوبرمان هذا العصر الكئيب !
ملاحظة :
هذه القصة خيالية , فأنا لا أصدّق بالأقطاب والبدائل المتداولة في الفكر الصوفي .. فسيدنا خضر , وآصف بن برخيا (الذي أحضر عرش بلقيس) هما رجلان صالحين خصّهما الله بعلمٍ تميزا فيه عن بقية الناس في عصرهما .. لكن لا ننسى قول الله تعالى : (ويخلق ما لا تعلمون).. فهل هناك مخلوقاتٍ أخرى غير الملائكة والبشر والشياطين والجن ؟ .. الله أعلم !
حقيقة انا ايضا لا اصدق
ردحذفلكن على كل حال قصة في غاية الروعة