تأليف : امل شانوحة
الأطفال الموهوبون
في منطقةٍ شعبيّة برازيليّة .. ذهب الصديقان (بعمر التاسعة) الى ملعبٍ رمليّ بأطراف قريتهما ، للعب مع بقيّة الأطفال الذين استقبلوهما بسعادة ، لبراعتهما بالكرة
وعلى مقاعد الجمهور المتهالكة ، تواجد رجلٌ غامض وهو يراقب لعبة الأطفال باهتمام !
وسرعان ما انتبه على الّلاعبيّن المتميزيّن الذي انتظرهما بعد انتهاء المباراة ، ليقدّم لهما الحلوى وهو يقول :
- لقد استحقيتماها بجدارة ، فأنتما افضل من وجدته حتى الآن
- من انت ؟! شكلك يبدو مألوفاً !
- انا مدرّب ، أجمع الموهوبين من كافة المناطق البرازيليّة.. وبانضمامكما لفريقي ، يكتمل العدد اخيراً .. ولم يبقى سوى حصولنا على كأس العالم
وما ان تذوّقا الحلوى ، حتى سقطا مغشيّان عليهما ! ليسارع بوضعهما في سيارته المظلّلة التي قادها خارج الحارة الشعبيّة
***
بعد ساعتين .. إستيقظ الولدان في اكاديميّة غريبة ، تضمّ فريقان من الأطفال الموهوبين الذين عليهم مشاركة النوم في المهجع ، وتناول الطعام الصحيّ في القاعة الكبيرة.. اما الشيء الذي أبهرهم ، فهو الملعب الأخضر الضخم الذي لم يروا مثله إلاّ في التلفاز ، بعد اعتيادهم على الملاعب الرمليّة الرديئة !
وبعد تعرّفهم على بعضهم ، وإنهائهم لوجبتهم المُشبعة .. إنضمّ اليهم المدرّب الغامض الذي ارسلهم الى قسم تغير الملابس ، للبس زيّ فريقه الجديد بلونين مختلفين ، للتنافس ضدّ بعضهما بجدولٍ من المباريات حسب توجيهات مدرّبهم الصارم
فسارعوا بتغير ملابسهم وهم سعداء ، لأن أكثريّتهم لم يملكوا حذاءً رياضيّ في حياتهم !
وقبل خروجهم للملعب ، أخبرهم المدرّب بأنهم مُجبرين على متابعة تعليمهم في النادي الذي سينضمّ اليه مجموعة من المدرّسين المُتخصّصين في مناهجهم الدراسيّة
فتأفّف معظمهم ، لرغبتهم بأن يصبحوا نجوماً لكرة القدم دون الحاجة لإكمال دراستهم المملّة !
لكن مدرّبهم كان حازماً بهذا الشأن ، وأخبرهم عن تجهيزه صفوفاً دراسيّة حسب اعمارهم (فأكبرهم 12 سنة ، وأصغرهم 8 سنوات) وانهم سيبدأون الدراسة غداً صباحاً .. وحين سأله احدهم عن عائلاتهم ، صدمهم قائلاً :
- قبل إحضاركم الى هنا ، إنضمّ اهاليكم لمظاهرة سياسية ضدّ رئيس حكومتنا الذي اعطى اوامره للجيش بإطلاق النار عليهم جميعاً
فوقع الخبر كالصاعقة على الصغار الذين انهاروا بالبكاء ! فحاول تهدأتهم:
- صحيح ماتوا بفعلهم التهوّري ! لكنكم مدينون لهم ، برفع اسم عائلاتكم بعد وصولكم للعالميّة
- ماذا عن اخوتي ؟
فارتبك المدرّب ، وجهّز كذبةً ثانية لإبقائهم في معسكره التدريبيّ الإجباري:
- للأسف ، أرسلتهم الحكومة لدار الأيتام
فقال كبيرهم : عليّ العودة لمنزلي ، للتأكّد من الأمر.. فأنا لم اسمع عن مظاهرات بالبلد ، وأهلي ليسوا من النوع الذي يهتمون بالنزول للشارع ..
فقاطعه المدرّب غاضباً :
- أتظن رجلاً بعمري سيكذب عليكم ، ايها الصغار التافهين !! أهذا ذنبي لأني حميّتكم من الموت جوعاً ، بعد مقتل اهاليكم ؟!!
فتجمّد الأطفال في مكانهم !
المدرّب : عليكم نسيان حياتكم السابقة .. والتركيز على بذل كل طاقتكم ، للحصول على كأس العالم .. هذا واجبكم اتجاه الشعب البرازيلي !!
فمسحوا دموعهم ، وهم منصدمون من خسارة عائلاتهم !
المدرّب بحزم : لا وقت الآن للدموع .. إنطلقوا للملعب ، فالتدريب سينسيكم احزانكم .. هيا بنا ، يا ابطال المستقبل !!
^^^
لم يكن هناك وقت للذكريات في الملعب بعد ان ارهقهم المدرّب بالتمارين الرياضيّة القاسية ، وإجبارهم على تنفيذ خططه التدريبيّة لكلا الفريقيّن التي استمرّت طوال النهار .. مما جعلهم ينامون اول المساء من شدّة التعب ، فهم بالنهاية لا يستطيعون الخروج من الأكادمية المُقفلة ..والتي يملك المدرّب وحده مفاتيحها ، كأنها مدرسة داخليّة مشدّدة الحراسة !
***
مع الوقت .. تعوّد الأولاد على قساوة مدرّبهم الذي اصبح بمثابة والدهم ومرشدهم بالحياة ، خصوصاً لمعلوماته الرياضيّة الوفيرة .. حيث استمعوا اليه باهتمام في قاعة السينما ، اثناء تحليله المباريات القديمة بلاعبيها البرازيليين المميزين الذين فازوا بأكثر من كأس لبطولة العالم .. وبسبب تلك الفيديوهات ، أصبح هدف الأولاد الوحيد هو الفوز بالبطولة !
***
بعد سنوات ، أصبحوا لاعبين محترفين في العشرينات من عمرهم .. وحان الوقت لبدء اللعب مع الفرق الوطنيّة .. وخرجوا من الأكاديميّة السرّية على هيئة فريقيّن لنفس المدرّب الذي وضع افضل لاعبيه بأحدهما (لحظوظهم الأوفر بالتأهّل لكأس العالم) بينما الأقل مهارة ، وضعهم بالفريق الثاني الذي لم ينجح بالبطولة المحليّة (كما توقع) لذا أعادهم للأكاديميّة التي عيّن فيها مدرّبٌ آخر لمتابعة تدريباتهم المُكثفة .. بينما اكمل مسيرته مع لاعبيه البارعين الذي أصبحوا الفريق الرسمي للبرازيل بعد فوزهم على فرق القارة الأمريكيّة الجنوبيّة .. وبذلك تأهّلوا لبطولة العالم ، كما حلم المدرّب دائماً !
***
في بطولة العالم ، نجح الفريق البرازيلي بلاعبيه الجدّد للوصول للدوّر 16!
في ذلك الحين ، تابعت إحدى الأمهات مباراة بلدها .. لتلاحظ الوحمة على وجه احد الّلاعبين .. فصرخت في وجه زوجها ، وهي تشير للتلفاز في منزلها المتواضع بالمنطقة الشعبيّة :
- انه ابننا ! اليس كذلك ؟!!
- كم مرة سنعيد موضوعنا الكئيب ! .. إبننا خُطف من قبل عصابة تجّار الأعضاء ، وهو بالجنة الآن
- لم أصدّق تلك الإشاعة مُطلقاً !.. ابني حيّ !! وهو يلعب امامك ، الا تذكر شكله ؟
ثم انتبهت على المهاجم الثاني :
- وهذا صديقه ! حتى أثر الجرح الذي اصابه بطفولته ، مازال واضحاً في جبينه
- أظنك تتوهمين
فرمت الكأس من يده ، بعصبية :
- اساساً كيف ستتذكّر ابنك الوحيد ، ايها السكّير !!
وذهبت لمناداة جارتها (التي ايضاً لا تهتم للرياضة ، لهذا لم تتابع البطولة منذ بدايتها بعكس ازواجهما)
^^^
فقدمت الجارة وزوجها لمنزلها .. والتي انهارت باكية ، فور رؤيتها لإبنها بالتلفاز :
- يا الهي ! لقد كبر كثيراً .. من اللعين الذي خطفه ، وحرمني منه ؟!
الأم الثانية بحنق : لابد للمدرّب علاقة بالموضوع ..علينا إبلاغ الشرطة
فحاول الوالدان ايقاف زوجاتهما ، خصوصاً بعد انتصارات الفريق المتواصلة .. وطلبا التمهّل لحين انتهاء البطولة ..لكنهما أصرّتا على إبلاغ الشرطة التي جمعت اهالي الأولاد الذين خطفوا بنفس الشهر من القرى الشعبيّة المجاورة .. ليؤكّد الأهالي بأن اعضاء الفريق الجددّ : هم اولادهم الذين لم يروهم منذ سنوات !
وسرعان ما انتشر الخبر بأنحاء البرازيل التي طالب شعبها التحقيق مع المدرّب الذي ظهر للعالم بلقبه ، دون اسمه الحقيقيّ !
لكن رئيس الحكومة ضغط على المحقّق لمنع اهالي المخطوفين من إثارة البلّبة او استعمال وسائل التواصل الإجتماعي لحين انتهاء بطولة العالم .. فالفريق الجديد يمثّل الدولة بقوةٍ وبراعة ، بسبب توجيهات وتدريبات مدرّبهم المشبوه !
فراقب الأهالي المقهورين اولادهم بحزنٍ وشوق وهم ينتصرون المباراة تلوّ الأخرى ، دون إنكار فخرهم بهم .. الى ان كسبوا بطولة العالم !
***
بعد اسبوع على نهاية كأس العالم .. إكتظّ المطار البرازيليّ بمشجعيّ الفريق المنتصر ، العائد بالكأس للوطن ..
وعند وصولهم .. أخذ المحقّق المدرّب الى غرفةٍ خاصة بالمطار ، لإخباره بانكشاف امره..
فأراه المدرّب هويّته الحقيقيّة .. ليُصعق المحقّق بأنه الّلاعب الشهير الذي اعتزل الكرة بعد إصابةٍ بليغة بقدمه ، ولم يعرفه أحد بعد زيادة وزنه وتغيّر شكله القديم !
المحقّق : لما ضيّعت تاريخك الحافل بالإنتصارات ، باختطافك الأطفال ؟!
المدرّب : انا لم اؤذيّهم ، بل راعيتهم كوالدٍ لهم ..واهتمّمت بصحّتهم وتعليمهم ، حتى وصلوا للجامعات التي تكفّلت بأقساطها من حسابيّ الخاصّ
المحقّق : انت خطفت اكثر من عدد فريقك ، فأين الباقين ؟
- مازالوا يتدرّبون في الأكاديميّة السرّية بإشراف صديقي ، سأعطيك العنوان لاحقاً
- انت تعرف جيداً انه سيتم محاكمتك ، بعد رفع الأهالي قضيّةً ضدك
فردّ المدرّب بيأس : اذاً إسمح لي بأخبار اولادي الحقيقة ، ثم افعل بي ما شئت
وبالفعل تركه يلحق فريقه الفائز في الأكاديميّة بعد اجتماعهم بزملائهم (الفريق الآخر) للإحتفال بالكأس ..
^^^
بعد تناول العشاء والحلوى ، أخبرهم المدرّب الحقيقة : وأن اهاليهم احياء ، وانه اختطفهم لتجهيز فريقاً لا يُقهر !
فنظر الصديقان لبعضهما :
- كنّا نعرف الحقيقة منذ سنوات ، وأخفينا الأمر على اصدقائنا بعد عثورنا على هويّتك الحقيقيّة بدرج مكتبك ..ومعرفتنا بأنك الّلاعب الشهير الذي نعشقه جميعاً ، فأنت قدوّتنا بكرة القدم
المدرّب باستغراب : الم ترغبا بالعودة لأهلكما ؟!
- ابي رجلٌ سكّير ، ويضربني كثيراً
صديقه : اما انا ، فأهلي فقراء ولا يملكون ثمن تعليمي .. فقرّرت انا وصديقي الإنتظار ، ريثما نحقّق حلمك بالفوز بالبطولة
ثم قال احد الّلاعبين : صحيح اننا قضيّنا ليالي بالبكاء شوقاً لأهلنا ، لكنك لم تحرمنا من شيء ، خصوصاً أيام العطل .. مما جعلنا لا نرغب بمغادرة الأكاديميّة بعد إهدائنا الحلويات والألعاب التي لم نحلم بامتلاكها ، لفقر عائلاتنا .. عدا عن اهتمامك بمستوانا التعليميّ ، حيث كنت تحرمنا من اللعب إن تدهوّرت علاماتنا الدراسيّة .. وبذلك تفوّقنا بالعلم وبالموهبة ، ومن واجبنا ردّ الجميل لك
المدرّب : وقد فعلتم !! وحقّقتم حلم الشعب البرازيلي بالبطولة .. وبعد قليل سيحضر اهاليكم الى هنا ، للإجتماع بكم
احد الّلاعبين بقلق : وماذا عنك ؟
- الشرطة ستقبض عليّ ، بتهمة الخطف
- لا سيدي ! انت في مقام والدنا ..لن نقبل بذلك
^^^
تفاجأ الأهل بعد قدومهم مع الشرطة برفض اولادهم الذهاب معهم ، في حال قُبض على مدرّبهم !
ووصل الأمر لرئيس الحكومة الذي اتفق مع المدرّب بإسقاط التهمة عنه ، في مقابل تدريبه للفريق البرازيلي الناشئ بذات الأكاديميّة السريّة ، دون الحاجة لمبيتهم فيها او حرمانهم من اهلهم .. كما تكفّل رئيس الدولة بدفع التعويضات الماديّة لأهالي المخطوفين الذين وافقوا على التنازل عن القضيّة ..
وبذلك أصبح المدرّب الأول في البرازيل ، بعد نجاح فرقه المتتالية بكسب العديد من الجوائز والكؤوس الوطنيّة والعالميّة ، بسبب تدريباته المُكثّفة وخططه التي لا تفشل ابدا !