الأربعاء، 29 مايو 2024

خيّاط العروس

كتابة : امل شانوحة

 

العاشقان الوسيمان


عمّ الحزن اهالي القرية التركيّة بعد معرفتهم بخطوبة هيرا (اجمل فتياتهنّ ، ذات العشرين سنة) للثريّ العجوز المُتعجرف الذي سيدفع وزنها ذهباً لعائلتها التي وافقت على بيع ابنتهم الفاتنة التي تغزّل بها شباب القرية المُنصدمين من ضياع انوثتها بزواجٍ بائس ! 


وقبل اسبوعين من عرسها الحزين .. قام العجوز (الذي عاد لمتابعة اعماله التجاريّة .. قبل رجعته بنهاية الشهر لإتمام عرسه بالقرية ، وأخذ العروس لقصره في العاصمة) بإرسال أفضل وأشهر الخيّاطين بالمدينة دون مقابلته ، بعد دفع اتعابه مُسبقاً على حسابه البنكيّ .. وقد اخطأ بذلك ، لأن الخيّاط أورهون (الأربعيني) يتمتّع بشخصيّةٍ قوية ووسامةٍ بارزة جعلت متجره مُكتظّاً بالحسناوات اللآتي حاولن إغرائه دون فائدة !

***


في اول لقاءٍ بين العروس والخيّاط ، حصل انجذابٌ قويّ بينهما .. والتي حاولت هيرا إنكاره ، لانغماسها بمصيبتها وهي تستعد لعرسها الحزين .. بينما كان أورهون اكثر جرأة ، بعد شعوره بأنها نصيبه وقدره من النظرة الأولى ! 


واقترب منها وهو يحمل شريط المقاسات لتدوينها في دفتره ، لبدء خياطة فستان فرحها الذي رسمه في خياله فور رؤية عينيها الخجولتيّن ، وهي تحاول إلتقاط انفاسها من شدة قهرها ! 

رابط الفيديو : 

https://www.youtube.com/watch?v=Ck7J4pIfZHc




وقد قاومت جاهدة عدم الإنجراف لنظراته القوية التي اخترقت قلبها كالسهام الناريّة ، بينما استمتع بأخذ المقاسات وهو يخطّط لتهريبها من عرسها الكئيب .. فهي بدت كالعروسة المثاليّة له 

***


في الأيام التالية .. وكلما أخاط جزءاً من فستانها ، زادت مشاعره نحوها .. الى ان جاء يوم عرسها .. وقدم أورهون الى غرفتها اول المساء ، اثناء انشغال الأهالي بترتيب العرس الشعبيّ وسط القرية .. لإعطائها الفستان التي ما أن لبسته ، حتى عقد العزم على تخليصها من عذابها ، بعد رؤيته عينيها الدامعتيّن خلف مكياجها الكثيف الذي لا يليق ببراءتها ونعومتها الطاغية ..


وعندما وصلهما خبر قدوم العريس مع ارتفاع صوت المعازف والطبول بالخارج ، إنفجرت هيرا بالبكاء وهي ترتجف بخوفٍ شديد .. فحاول أورهون تهدأتها ..

فأمسكت ذراعه وهي تترجّاه :

- الموت أهون من زواجي من عجوزٍ هرم !! فطوال حياتي حلمت بالزواج من رجلٍ وسيم ، يأخذني على حصانه الأبيض .. 

أورهون مقاطعاً : عريسٌ يُشبهني ؟

فارتبكت قائلة : لست محظوظة لهذه الدرجة !

- بل انا المحظوظ ان وجدتك بالوقت المناسب .. (ثم همس في إذنها) .. وعلى فكرة ، سيارتي البيضاء تنتظرك خارج الحقول .. فقد ركنتها هناك ، كيّ لا تغرز بالطريق الرمليّ

هيرا : ماذا تقصد ؟! 

- غيّري فستانك ، رغم حلمي أن تُزّفي به .. لكن اعدك بفستانٍ أجمل .. هيا إذهبي والبسي بنطالاً مريحاً ، يساعدك بالهرب بين الحقول .. 

- أخاف ان يلحقونني ..

مقاطعاً بحزم : ومن قال انني سأسمح لأحد أن يؤذيّك !! سنتوجّه مباشرةً نحو  سيارتي التي لن يروها بعتمة الليل .. 


وما أن غيّرت ملابسها ، حتى فتح نافذة بيت اهلها الأرضيّ .. قائلاً بحماس :

- هيا بنا يا عروس !!

***


ومشيا بين الحقول بحذرٍ شديد على نور جوّاله ، مُستغلاّن تجمّع الأهالي بالعرس ..الى ان وصلا لسيارته التي قادها بسرعة نحو مطار المدينة

^^^


بالطريق .. قالت بقلق :

- إن عرف العريس بتهريبك لي ، سيقضي على عملك بالمدينة 

- أتذكرين حينما عدّت لمتجري قبل يومين ، لإحضار مستلزمات فستانك ؟ 

- نعم .. ماذا حصل ؟

أورهون : بعت المحل لشريكي ، وحوّلت المال للخارج

هيرا بدهشة : هل كنت تخطّط لإنقاذي ..

مقاطعاً : منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها

- لقد ارسلك الله لإنقاذي من الكابوس الذي وضعني فيه والدي

- لندعو الله ان نصل للمطار قبل ان يلاحظ اللعين اختفائك ، ويستخدم سلطته لمنعنا من السفر خارج البلاد

***


في هذه الأثناء .. ضجّت القرية بخبر هروب العروس دون شكّهم بالخيّاط ، لظنهم برحيله بعد تسليمها الفستان .. وسارع الشباب بالبحث عن هيرا بين الحقول ، الى ان تأكّدوا بآخر الليل من اختفائها! 

فصبّ الثريّ غضبه على اهالي القرية الذي توعّدهم بوقف تبرّعاته الشهريّة ، بعد الموقف المخزي الذي وضعوه فيه ! 

^^^


وفي الوقت الذي كان فيه مساعد الثريّ يراقب كاميرات الطرق خارج القرية لمعرفة مكان اختباء العروس ، كانت هيرا تجلس سعيدة بجانب أورهون في الطائرة المتوجهة لفرنسا ..حيث يملك منزلاً هناك ، بالإضافة لمتجرٍ صغير (أغلقه سابقاً للعودة للوطن) 

***


بعد ايام .. ألغى والد هيرا إسمها من دفتر العائلة ، في حين عقدت قرانها على حبيبها الوسيم بعد أن أصبحت مساعدته في المتجر الذي سرعان ما اشتهر بتصاميمه الجذّابة المحترفة .. ليُصبحا حديث الناس والصحافة كأفضل خيّاطيّن ، وأوسم زوجيّن في فرنسا كلّها ! 


الأحد، 26 مايو 2024

المدرّب المهووس

تأليف : امل شانوحة 

 الأطفال الموهوبون 


في منطقةٍ شعبيّة برازيليّة .. ذهب الصديقان (بعمر التاسعة) الى ملعبٍ رمليّ بأطراف قريتهما ، للعب مع بقيّة الأطفال الذين استقبلوهما بسعادة ، لبراعتهما بالكرة


وعلى مقاعد الجمهور المتهالكة ، تواجد رجلٌ غامض وهو يراقب لعبة الأطفال باهتمام ! 

وسرعان ما انتبه على الّلاعبيّن المتميزيّن الذي انتظرهما بعد انتهاء المباراة ، ليقدّم لهما الحلوى وهو يقول :

- لقد استحقيتماها بجدارة ، فأنتما افضل من وجدته حتى الآن 

- من انت ؟! شكلك يبدو مألوفاً ! 

- انا مدرّب ، أجمع الموهوبين من كافة المناطق البرازيليّة.. وبانضمامكما لفريقي ، يكتمل العدد اخيراً .. ولم يبقى سوى حصولنا على كأس العالم


وما ان تذوّقا الحلوى ، حتى سقطا مغشيّان عليهما ! ليسارع بوضعهما في سيارته المظلّلة التي قادها خارج الحارة الشعبيّة

***


بعد ساعتين .. إستيقظ الولدان في اكاديميّة غريبة ، تضمّ فريقان من الأطفال الموهوبين الذين عليهم مشاركة النوم في المهجع ، وتناول الطعام الصحيّ في القاعة الكبيرة.. اما الشيء الذي أبهرهم ، فهو الملعب الأخضر الضخم الذي لم يروا مثله إلاّ في التلفاز ، بعد اعتيادهم على الملاعب الرمليّة الرديئة ! 


وبعد تعرّفهم على بعضهم ، وإنهائهم لوجبتهم المُشبعة .. إنضمّ اليهم المدرّب الغامض الذي ارسلهم الى قسم تغير الملابس ، للبس زيّ فريقه الجديد بلونين مختلفين ، للتنافس ضدّ بعضهما بجدولٍ من المباريات حسب توجيهات مدرّبهم الصارم  


فسارعوا بتغير ملابسهم وهم سعداء ، لأن أكثريّتهم لم يملكوا حذاءً رياضيّ في حياتهم !  

وقبل خروجهم للملعب ، أخبرهم المدرّب بأنهم مُجبرين على متابعة تعليمهم في النادي الذي سينضمّ اليه مجموعة من المدرّسين المُتخصّصين في مناهجهم الدراسيّة 

فتأفّف معظمهم ، لرغبتهم بأن يصبحوا نجوماً لكرة القدم دون الحاجة لإكمال دراستهم المملّة !  


لكن مدرّبهم كان حازماً بهذا الشأن ، وأخبرهم عن تجهيزه صفوفاً دراسيّة حسب اعمارهم (فأكبرهم 12 سنة ، وأصغرهم 8 سنوات) وانهم سيبدأون الدراسة غداً صباحاً .. وحين سأله احدهم عن عائلاتهم ، صدمهم قائلاً :

- قبل إحضاركم الى هنا ، إنضمّ اهاليكم لمظاهرة سياسية ضدّ رئيس حكومتنا الذي اعطى اوامره للجيش بإطلاق النار عليهم جميعاً 

فوقع الخبر كالصاعقة على الصغار الذين انهاروا بالبكاء ! فحاول تهدأتهم:

- صحيح ماتوا بفعلهم التهوّري ! لكنكم مدينون لهم ، برفع اسم عائلاتكم بعد وصولكم للعالميّة

- ماذا عن اخوتي ؟


فارتبك المدرّب ، وجهّز كذبةً ثانية لإبقائهم في معسكره التدريبيّ الإجباري:

- للأسف ، أرسلتهم الحكومة لدار الأيتام

فقال كبيرهم : عليّ العودة لمنزلي ، للتأكّد من الأمر.. فأنا لم اسمع عن مظاهرات بالبلد ، وأهلي ليسوا من النوع الذي يهتمون بالنزول للشارع ..

فقاطعه المدرّب غاضباً :

- أتظن رجلاً بعمري سيكذب عليكم ، ايها الصغار التافهين !! أهذا ذنبي لأني حميّتكم من الموت جوعاً ، بعد مقتل اهاليكم ؟!!

فتجمّد الأطفال في مكانهم ! 


المدرّب : عليكم نسيان حياتكم السابقة .. والتركيز على بذل كل طاقتكم ، للحصول على كأس العالم .. هذا واجبكم اتجاه الشعب البرازيلي !!

فمسحوا دموعهم ، وهم منصدمون من خسارة عائلاتهم !

المدرّب بحزم : لا وقت الآن للدموع .. إنطلقوا للملعب ، فالتدريب سينسيكم احزانكم .. هيا بنا ، يا ابطال المستقبل !! 

^^^


لم يكن هناك وقت للذكريات في الملعب بعد ان ارهقهم المدرّب بالتمارين الرياضيّة القاسية ، وإجبارهم على تنفيذ خططه التدريبيّة لكلا الفريقيّن التي استمرّت طوال النهار .. مما جعلهم ينامون اول المساء من شدّة التعب ، فهم بالنهاية لا يستطيعون الخروج من الأكادمية المُقفلة ..والتي يملك المدرّب وحده مفاتيحها ، كأنها مدرسة داخليّة مشدّدة الحراسة !  

***


مع الوقت .. تعوّد الأولاد على قساوة مدرّبهم الذي اصبح بمثابة والدهم ومرشدهم بالحياة ، خصوصاً لمعلوماته الرياضيّة الوفيرة .. حيث استمعوا اليه باهتمام في قاعة السينما ، اثناء تحليله المباريات القديمة بلاعبيها البرازيليين المميزين الذين فازوا بأكثر من كأس لبطولة العالم .. وبسبب تلك الفيديوهات ، أصبح هدف الأولاد الوحيد هو الفوز بالبطولة ! 

***


بعد سنوات ، أصبحوا لاعبين محترفين في العشرينات من عمرهم .. وحان الوقت لبدء اللعب مع الفرق الوطنيّة .. وخرجوا من الأكاديميّة السرّية على هيئة فريقيّن لنفس المدرّب الذي وضع افضل لاعبيه بأحدهما (لحظوظهم الأوفر بالتأهّل لكأس العالم) بينما الأقل مهارة ، وضعهم بالفريق الثاني الذي لم ينجح بالبطولة المحليّة (كما توقع) لذا أعادهم للأكاديميّة التي عيّن فيها مدرّبٌ آخر لمتابعة تدريباتهم المُكثفة .. بينما اكمل مسيرته مع لاعبيه البارعين الذي أصبحوا الفريق الرسمي للبرازيل بعد فوزهم على فرق القارة الأمريكيّة الجنوبيّة .. وبذلك تأهّلوا لبطولة العالم ، كما حلم المدرّب دائماً ! 

***


في بطولة العالم ، نجح الفريق البرازيلي بلاعبيه الجدّد للوصول للدوّر 16!

في ذلك الحين ، تابعت إحدى الأمهات مباراة بلدها .. لتلاحظ الوحمة على وجه احد الّلاعبين .. فصرخت في وجه زوجها ، وهي تشير للتلفاز في منزلها المتواضع بالمنطقة الشعبيّة :

- انه ابننا ! اليس كذلك ؟!!

- كم مرة سنعيد موضوعنا الكئيب ! .. إبننا خُطف من قبل عصابة تجّار الأعضاء ، وهو بالجنة الآن

- لم أصدّق تلك الإشاعة مُطلقاً !.. ابني حيّ !! وهو يلعب امامك ، الا تذكر شكله ؟


ثم انتبهت على المهاجم الثاني :

- وهذا صديقه ! حتى أثر الجرح الذي اصابه بطفولته ، مازال واضحاً في جبينه

- أظنك تتوهمين

فرمت الكأس من يده ، بعصبية :

- اساساً كيف ستتذكّر ابنك الوحيد ، ايها السكّير !! 

وذهبت لمناداة جارتها (التي ايضاً لا تهتم للرياضة ، لهذا لم تتابع البطولة منذ بدايتها بعكس ازواجهما)  

^^^


فقدمت الجارة وزوجها لمنزلها .. والتي انهارت باكية ، فور رؤيتها لإبنها بالتلفاز :  

- يا الهي ! لقد كبر كثيراً .. من اللعين الذي خطفه ، وحرمني منه ؟! 

الأم الثانية بحنق : لابد للمدرّب علاقة بالموضوع ..علينا إبلاغ الشرطة


فحاول الوالدان ايقاف زوجاتهما ، خصوصاً بعد انتصارات الفريق المتواصلة .. وطلبا التمهّل لحين انتهاء البطولة ..لكنهما أصرّتا على إبلاغ الشرطة التي جمعت اهالي الأولاد الذين خطفوا بنفس الشهر من القرى الشعبيّة المجاورة .. ليؤكّد الأهالي بأن اعضاء الفريق الجددّ : هم اولادهم الذين لم يروهم منذ سنوات ! 


وسرعان ما انتشر الخبر بأنحاء البرازيل التي طالب شعبها التحقيق مع المدرّب الذي ظهر للعالم بلقبه ، دون اسمه الحقيقيّ ! 


لكن رئيس الحكومة ضغط على المحقّق لمنع اهالي المخطوفين من إثارة البلّبة او استعمال وسائل التواصل الإجتماعي لحين انتهاء بطولة العالم .. فالفريق الجديد يمثّل الدولة بقوةٍ وبراعة ، بسبب توجيهات وتدريبات مدرّبهم المشبوه !  


فراقب الأهالي المقهورين اولادهم بحزنٍ وشوق وهم ينتصرون المباراة تلوّ الأخرى ، دون إنكار فخرهم بهم .. الى ان كسبوا بطولة العالم ! 

***


بعد اسبوع على نهاية كأس العالم .. إكتظّ المطار البرازيليّ بمشجعيّ الفريق المنتصر ، العائد بالكأس للوطن .. 


وعند وصولهم .. أخذ المحقّق المدرّب الى غرفةٍ خاصة بالمطار ، لإخباره بانكشاف امره.. 

فأراه المدرّب هويّته الحقيقيّة .. ليُصعق المحقّق بأنه الّلاعب الشهير الذي اعتزل الكرة بعد إصابةٍ بليغة بقدمه ، ولم يعرفه أحد بعد زيادة وزنه وتغيّر شكله القديم ! 

المحقّق : لما ضيّعت تاريخك الحافل بالإنتصارات ، باختطافك الأطفال ؟! 

المدرّب : انا لم اؤذيّهم ، بل راعيتهم كوالدٍ لهم ..واهتمّمت بصحّتهم وتعليمهم ، حتى وصلوا للجامعات التي تكفّلت بأقساطها من حسابيّ الخاصّ 

المحقّق : انت خطفت اكثر من عدد فريقك ، فأين الباقين ؟ 

- مازالوا يتدرّبون في الأكاديميّة السرّية بإشراف صديقي ، سأعطيك العنوان لاحقاً 

- انت تعرف جيداً انه سيتم محاكمتك ، بعد رفع الأهالي قضيّةً ضدك

فردّ المدرّب بيأس : اذاً إسمح لي بأخبار اولادي الحقيقة ، ثم افعل بي ما شئت 


وبالفعل تركه يلحق فريقه الفائز في الأكاديميّة بعد اجتماعهم بزملائهم (الفريق الآخر) للإحتفال بالكأس .. 

^^^


بعد تناول العشاء والحلوى ، أخبرهم المدرّب الحقيقة : وأن اهاليهم احياء ، وانه اختطفهم لتجهيز فريقاً لا يُقهر !

فنظر الصديقان لبعضهما :

- كنّا نعرف الحقيقة منذ سنوات ، وأخفينا الأمر على اصدقائنا بعد عثورنا على هويّتك الحقيقيّة بدرج مكتبك ..ومعرفتنا بأنك الّلاعب الشهير الذي نعشقه جميعاً ، فأنت قدوّتنا بكرة القدم

المدرّب باستغراب : الم ترغبا بالعودة لأهلكما ؟! 

- ابي رجلٌ سكّير ، ويضربني كثيراً

صديقه : اما انا ، فأهلي فقراء ولا يملكون ثمن تعليمي .. فقرّرت انا وصديقي الإنتظار ، ريثما نحقّق حلمك بالفوز بالبطولة 


ثم قال احد الّلاعبين : صحيح اننا قضيّنا ليالي بالبكاء شوقاً لأهلنا ، لكنك لم تحرمنا من شيء ، خصوصاً أيام العطل .. مما جعلنا لا نرغب بمغادرة الأكاديميّة بعد إهدائنا الحلويات والألعاب التي لم نحلم بامتلاكها ، لفقر عائلاتنا .. عدا عن اهتمامك بمستوانا التعليميّ ، حيث كنت تحرمنا من اللعب إن تدهوّرت علاماتنا الدراسيّة .. وبذلك تفوّقنا بالعلم وبالموهبة ، ومن واجبنا ردّ الجميل لك 

المدرّب : وقد فعلتم !! وحقّقتم حلم الشعب البرازيلي بالبطولة .. وبعد قليل سيحضر اهاليكم الى هنا ، للإجتماع بكم 

احد الّلاعبين بقلق : وماذا عنك ؟

- الشرطة ستقبض عليّ ، بتهمة الخطف 

- لا سيدي ! انت في مقام والدنا ..لن نقبل بذلك

^^^


تفاجأ الأهل بعد قدومهم مع الشرطة برفض اولادهم الذهاب معهم ، في حال قُبض على مدرّبهم !


ووصل الأمر لرئيس الحكومة الذي اتفق مع المدرّب بإسقاط التهمة عنه ، في مقابل تدريبه للفريق البرازيلي الناشئ بذات الأكاديميّة السريّة ، دون الحاجة لمبيتهم فيها او حرمانهم من اهلهم .. كما تكفّل رئيس الدولة بدفع التعويضات الماديّة لأهالي المخطوفين الذين وافقوا على التنازل عن القضيّة ..


وبذلك أصبح المدرّب الأول في البرازيل ، بعد نجاح فرقه المتتالية بكسب العديد من الجوائز والكؤوس الوطنيّة والعالميّة ، بسبب تدريباته المُكثّفة وخططه التي لا تفشل ابدا !


الأربعاء، 22 مايو 2024

العرس الظالم

تأليف : امل شانوحة 

 

  الماضي الحزين 


عاد رجلٌ الى قريّته بعد ان أصبح من اثريّاء المدينة .. واثناء قيادة سيارته نحو منزل امه المرحومة ، صادف عرساً شعبيّاً وسط الحقول ! 

فأوقف سيارته الفارهة بعيداً ، واقترب منهم دون ان يعرفوه.. 

فوجد عروساً عشرينيّة تبكي بمرارة ، بجانب عريسها العجوز ! 


فسأل احد النّسوة المتواجدات هناك .. فأخبرته بأن حبيب العروس هرب بعد معرفته بحملها .. فاضّطر اهلها لتزويجها من عجوز ، كيّ لا يقتلوها بجريمة الشرف ! 


فأوقف الثريّ الشيخ عن متابعة كتب الكتاب ! وتكلّم مع والدايّ العروس جانباً.. وأخبرهما بأن الفيلا الضخمة التي بُنيّت وسط القرية ، تعود له.. وانه سيوظّف ابنتهما (العروس) كخادمة براتبٍ مجزيّ يعطيه لهما ، بشرط إنهاء زواجها الغير عادل.. 

فوافقا على ذلك ، لشدّة فقرهما .. وتفرّق المعازيم بعد انتهاء العرس .. وعادت العروس لمنزل اهلها ، على ان يبدأ عملها لدى الثريّ بعد يومين من بقائه في منزل امه المتواضع ، قبل انتقاله معها الى منزله الفخم

***


في الفيلا .. شكرته الصبيّة على إنقاذها من زواجٍ كان سيدمّر نفسيّتها تماماً.. فطلب منها نسيان الأمر ومتابعة التنظيف..

واثناء إخراجها الملابس من حقائبه ، وجدت صورة له وهو صغير بجانب صبيّة وعجوز ! 

فسألته باهتمام : هل هذا جدك ؟ 

فردّ الثريّ باشمئزاز : بل زوج امي

فنظرت اليه بدهشة ! .. فتابع قائلاً :

- أفهمتي الآن لما أنقذتك من العجوز المُتصابي ؟

فسألته بتردّد : هل امك ايضاً..

- نعم ، وللأسف عرفت سرّها من متنمّري المدرسة ! اما والدي اللعين الذي تركها ايضاً بعد حملها ، فرفضت امي إخباري بإسمه ! خوفاً من انتقامي منه 


الخادمة : وهل عاملك زوجها جيداً ؟ 

فأجاب غاضباً : لا طبعاً !! كان دائماً ينعتني بإبن الحرام ! لكني استفدّت شيئيّن منه : لقب عائلته بعد تبنّيه لي ، وامواله

- ورثته اذاً ؟

الثريّ : بل سرقته ..فهو لطالما هدّد امي بتوزيع ثروته قبل وفاته ..لهذا سرقت خزنته ، وهربت للعاصمة بسن المراهقة .. فأُصيب بسكتةٍ قلبيّة ، قتلته على الفور

- ثم عدّت للعيش مع امك ؟

- لا ..لأني لم اعلم بوفاته ، فخفت من سجنه لي .. لكني عرفت لاحقاً ان القرية عادوا لمعاملة امي سيئاً ، كما فعلوا قبل زواجها منه .. خاصة بعد عملها كخادمة في البيوت ، بعد ترمّلها .. حيث لقبّوها بأم السارق ! ولم استطع إرسال المال لها ، لمراقبة الشرطة هاتفها وبريدها ، بعد رفع اقارب زوجها قضيّةً ضدّي ! ..وظلّت المسكينة تسمع شتائمهم واتهاماتهم الباطلة ، حتى ماتت قهراً.. اما انا ، ففتحت عدّة ملاهي ليليّة في المدينة .. وطالما عُدّت غنياً ، لا اظن أحد سيتجرّأ على محاكمتي .. فأهل قريتنا يُباعون ويشترون ، كما فعل والداك معك

فطأطأت رأسها حزناً ..


الثريّ : لا تقلقي ، انت بحمايتي الآن.. لكن إن فضحتي سرّي ، فلن ارحمك !!

الخادمة : بالطبع لن اؤذيّك ، بعد إنقاذي من زواجي الكئيب

فابتسم لها ، وعاد لمكتبه في الفيلا


وبعد ذهابه ، قالت في نفسها بضيق : 

- ألم اعمل إلاّ عند لصّ ، وصاحب بارات وملاهي ؟! ... اساساً لا يحقّ لي محاسبته ، فذنبي كبير .. سامحني الله على حبيّ الساذجّ !


ثم نظرت لصورة الثريّ وهو طفل :

- لا اريد لإبني ان يعيش طفولته البائسة ..أتمنى عودة حبيبي قبل ولادتي

***


وبالفعل بشهرها التاسع ، رآها الثريّ تبكي في المطبخ :

- ماذا حصل ؟!

الخادمة وهي تمسح دموعها : قابلت حبيبي وهو يختبئ في الحقل ، خوفاً من عقاب عائلتي ..وأخبرني انه على استعداد للزواج بي وتربيّة ابنه ، لكنه لم يجد عملاً بعد ! وليس لديه مكان يبيت فيه ، بعد طرده من منزله ، عقب تخلّيه عني 

الثريّ : حسناً ، إتصلي به ودعيه يأتي الى هنا

بقلق : هل ستعاقبه ايضاً ؟!

- بل سأجد وظيفةً له


فسارعت بالإتصال بحبيبها الذي قدِمَ على عجل .. فأخبره الثريّ عن افتتاحه مصنعاً بأطراف القرية ، وحاجته لعمّال براتبٍ مجزّي.. فوافق الشاب على العمل هناك ، خاصة بعد ان اهداه مفاتيح منزل امه القديم للسكن فيه مع حبيبته ، بشرط زواجهما بذات الليلة قبل رحيل الخادمة من الفيلا

***


بعد زواج الخادمة .. خطرت ببال الثريّ فكرةً إجتماعية ، أخبرها لرئيس بلديّة القرية : وهو حفل زواجٍ جماعيّ لكل الشباب المُغرمين بالقرية ، بعد توظيفهم برواتب جيدة في معمله الذي افتتحه حديثاً


وفي الحفل الكبير ، إجتمع الأهالي بعد تكفّل الثريّ بمستلزمات العرس من عزفٍ وملابس وطعام

***


وبعد شهر ، قبض العرسان راتبهم الأول .. لكن فرحتهم لم تدمّ طويلاً ! ففي اليوم التالي شبّ حريقٌ هائل بالمعمل ، علق فيه كل العمّال .. 

وحاول الأهالي اطفاء الحريق دون جدوى ، مما ادّى لوفاة كل رجال القرية! 

وعمّ الحزن العجائز والأطفال والنساء .. خصوصاً العرائس اللآتي أصبحن حوامل ، بعد موت ازواجهنّ بالحادث المأساويّ !

***


بعد انتهاء العزاء ..تساءل رئيس البلدية عن عدم حضور الثريّ للجنازة الجماعيّة بعد دفنهم الجثث المُتفحمّة الذين ماتوا في معمله؟! 

ليعلم لاحقاً بسفر الثريّ للخارج ! فظن بالبداية انه هرب من شعوره بالذنب 


لكن رسالة الثريّ التي وصلت جواله صدمته ، كما فاجأت الأهالي ! وفيها:

((الآن اصبحت كل نساء القرية ارامل ، مثل امي التي عذبّنها بلسانهنّ الطويل لسنواتٍ طويلة.. فأحرقت رجالهنّ جميعاً !! صحيح خسرت الكثير من المال بذلك العمل ، لكن لا يهم طالما انتقمت لأمي الشريفة رغم انف الجميع.. وهذه هديّتي لكم.. أتمنى لأطفالكم الأيتام السعادة المُطلقة ، كما حصل معي.. بالنهاية ، ماذا تتوقعون من ابن الحرام ؟ .. دمّتم بخير ، يا اهل قريّتي الأعزّاء))


الأحد، 19 مايو 2024

الطلب الغريب

فكرة : الكاتبة مريم الحيسي 
كتابة : امل شانوحة 

 القصة المرعبة


في المساء .. تصفّح الكاتب المُبتدئ (جاك) بريده الإلكترونيّ ، ليجد ملفاً مرسولاً اليه : فيه نصّاً لقصةٍ مرعبة مشوّقة تصلح لفيلمٍ سينمائي ، دون خاتمة ! ومعها ملاحظة غامضة من الكاتب (لويس):

((إكمل بقيّة قصتي دون كتابة اسمك عليها ، وإلاّ ستلحقك اللعنة))


فتساءل جاك بنفسه ، بضيق :

- من هذا الكاتب المغرور الذي يأمرني بإنهاء قصته بهذه الوقاحة ؟!


وبحث عن إسم لويس بموقعٍ خاصّ للكتّاب المُبتدئين ، دون أن يجده ! .. وحين تواصل مع زميله إريك (الكاتب) عن الرسالة الغامضة ، تفاجأ بردّة فعله :

- إيّاك الوقوع بتلك المتاهة يا جاك ، فلي اسابيع لا انام بسبب قصة لويس الملعونة


وقبل الإستفسار عن قصده ، إنقطع التواصل بينهما ! ليس هذا فحسب ، بل أغلق إريك صفحته على الفيسبوك تماماً (وهي ليست من عادته)


فتجاهل جاك الإيميل الغامض وردّة فعل صديقه الغريبة ، محاولاً النوم .. لكن احداث القصة شغلت تفكيره ، فهي فكرة لا بأس بها وتستحق أن يكون لها نهاية مميّزة  


ورغم إسلوب لويس المستفزّ ، إلاّ أن جاك جلس امام حاسوبه لكتابة خاتمة تليق بتلك القصة بأحداثها المرعبة التي لم يتطرّق اليها كاتبٌ آخر من قبل! 


وأنهاها أخيراً عند الساعة الثانية صباحاً .. وأرسلها لإيميل لويس ، مع ملاحظة تقول :

((هذه نهاية قصتك .. لن اكتب اسمي عليها ، رغم استحقاقي ذلك .. المهم يا استاذ لويس في المرة القادمة ، تأدّب في طلب الخدمة من الآخرين)) 

***


لم يصله الردّ إلاّ في اول مساء اليوم التالي ، وكان ردّاً غير متوقّعاً من لويس :

((ما هذه النهاية البسيطة ؟ خيّبت املي فيك .. ظننتك كاتباً مبدعاً يا جاك ! اريد نهايةً افضل منها ، وأريدها الليلة .. مفهوم !!))


فصُعق جاك من جرأته ! مما جعله يشكّ بأمره : 

- أمعقول انه منتجٌ او مخرجٌ او كاتبٌ مشهور يمتحن الكتّاب المبتدئين ؟! اذا الأمر كذلك ، فعليّ الإجتهاد اكثر لإعطائه نهايةً رائعة 


فأسرع بإعداد قهوته ، للبدء في الكتابة المسودّات .. الى ان تمكّن من إرسال نهايةٍ مشوّقة للقصة المبدعة 


وأتاه ردّ لويس بعد منتصف الليل :

((تلك نهايةٌ متوقعة ! اريد خاتمةً صادمة ، تُعجب الجمهور .. فأنا أنوي تحويلها لفيلمٍ سينمائيّ عالميّ))


ثقة لويس وطموحه العالي ، أربكت جاك الذي تساءل بقلق : 

- يبدو انه بالفعل رجلٌ له مكانة بعالم السينما ! حسناً ، لأحاول من جديد


وسهر ليلته الثانية وهو يعصر افكاره ، حتى أصابه الصداع .. وبعد تناوله الدواء وثلاثة من القهوة السادة .. خطرت بباله فكرةً غريبة .. وهي تغيّر مقدّمة القصة التي ارسلها لويس ، لتناسب النهاية الجديدة التي كتبها 


وقبيل الفجر ، أرسلها .. بانتظار جوابه في اليوم التالي بعد منتصف الليل (كما هي عادته) .. لكن قبل نومه ، وصله اتصال من صديقه اريك ..

جاك باستغراب : إريك ! أمازلت مستيقظاً للآن ، ام لم تنم مثلي .. 

إريك بحزم : إسمعني جيداً يا جاك !! 

فقاطعه جاك معاتباً : بل أجبني اولاً .. لما قطعت إتصالك معي المرة الماضية ، ثم أغلقت صفحتك على الفيسبوك ؟! .. هل ضايقتك بكلامي ؟!

- دعك من هذا ، واخبرني الآن .. هل مازلت تكتب نهاية القصة الملعونة ؟

جاك بقلق : ماذا تقصد ؟!

- لويس شخصٌ مريب .. الم تسمع ما حصل للكاتبيّن آدم وجورج ، والكاتبة الموهوبة جنيفر ؟

- ماذا حصل لهم ؟!


إريك : ماتوا جميعاً بحوادث غريبة ، بجانب حواسيبهم .. فجنيفر ماتت إختناقاً بغاز موقدها .. وآدم بصعقةٍ كهربائيّة من حاسوبه بعد وقوع فنجان القهوة عليه ، وهو أمرٌ غريب ، لأنه مستحيل أن يؤدي لحرقٍ من الدرجة الثالثة ! اما جورج : فلم يجدوا سوى ذراعيّه المقطوعتين امام حاسوبه ، ومازالت الشرطة تبحث عن بقيّة جسده ! وجميعهم كانت حواسيبهم مضاءة ، اثناء كتابتهم خاتمة لتلك القصة الملعونة التي وصلتني بالايميل قبل شهرين .. والتي لم اوافق على إنهائها ، لوقاحة لويس بطلبه .. ومن يومها تعسّرت اموري .. فزوجتي تركتني لأنها تراني مشوّهاً ، كأنه تلبّستني العفاريت ! وابنتي تبكي كلما اقتربت منها .. وخسرت عملي بالمطبعة .. واليوم أخبرني مالك الشقة بقرار طردي ، دون سبب ! أتظن جميع تلك الأحداث حصلت صدفة ؟! 

- لا تُرعبني يا أريك ، فقد راسلته قبل قليل !

إريك بحزم : إحذف رسالتك فوراً ، قبل ان تصيبك لعنته..   


وقبل متابعة حديثه ، سمع جاك صرخة إريك المفزعة ! ثم انقطع الإتصال 

فاتصل جاك بالشرطة ، وأعطاهم عنوان اريك .. ولم تصله الأخبار إلاّ ظهر اليوم التالي ، بعد أن أخبره المحقّق بإيجادهم لسان إريك مقطوعاً بجانب جواله ، وبركة كبيرة من دمائه ، مع اختفاء جثته ! 


فأغلق جاك المكالمة وهو يرتجف خوفاً .. ويتساءل في نفسه : 

((يا الهي ! من هو لويس ؟ وهل فعلاً له علاقة بالجرائم السابقة ؟!))

 

وسارع بفتح حاسوبه ، ليجد رسالة من لويس :

((يبدو انك ارسلت نهاية جديدة لقصتي ، سأقرأها مساءً لأعطيك الجواب .. فلديّ اعمال مهمّة طوال النهار))


فأرسل جاك سؤالاً :

- أتعمل نهاراً وتكتب مساءً ، متى تنام إذاً ؟!

وقبل إغلاق إيميله ، وصله الردّ 

- انا لا انام ابداً ... ضحكة شريرة 


فارتعب جاك من جوابه .. وأغلق حاسوبه ، وهو يتساءل في نفسه :

((معك حق يا إريك ، فلويس مريبٌ فعلاً ! أتمنى ان لا يغضبه تغيّر مقدّمة قصته.. ليت بإمكاني حذفها .. لكنه احتفظ بها ، وسيعطيني رأيه بالمساء ..ترى ماذا ستكون ردّة فعله ؟!))

***


بعد منتصف الليل ، وصله ردٌّ غاضب من لويس :

- من انت ايها الجرثومة لتغيّر احداث قصتي ؟!! يبدو انك ترغب بالّلحاق بأصدقائك الكتّاب التافهين !!


فسارع جاك بتبرير فعلته ، كاتباً له :

- سيد لويس .. بجميع الأحوال ستُنشر القصة بإسمك ، فما يهم إن غيّرت قليلاً بأحداثها لتناسب الخاتمة .. السؤال الأهم : على أعجبتك نهايتها؟

فكتب لويس : بالحقيقة نعم .. النهاية مُبدعة

- اذاً اين المشكلة ؟

- حسناً أقنعتني ، سأعتمد نسختك .. وطالما قصتي إكتملت أخيراً ، بذلك أكون أنهيت عملي مع الكتّاب.. وصار الوقت للضغط على المنتجين ، لإيجاد من يتكفّل بمصاريف فيلمي .. ثم إجبار كبار المخرجين على تصويرها.. عليّ البدء حالاً بالبحث عن اسمائهم


جاك : لحظة قبل رحيلك .. هل بإمكاني معرفة من تكون ، سيد لويس ؟

- لويس هو اختصار اسمي .. فأنا لوسيفر من العالم السفليّ 

فكتب جاك بيدين مرتجفتين : أتقصد ابليس ؟! 

- ابليس المعظّم ، يا ولد !!

- آسف ! لكني مرتبكٌ قليلاً ، لم اكن اعلم موهبتك الكتابيّة

إبليس : وماذا تسمّي خططي لتدمير العالم ؟

- معك حق ، لديك ابداعٌ فكريّ ملحوظ للغاية ! 

- انا ولدّتُ بموهبة التأليف .. لذا قرّرت تحويل اجمل قصصي لفيلمٍ سينمائي ، فهو حلم الطفولة .. لكن كتّاب الجن الأغبياء فشلوا بذلك ، فأحرقتهم جميعاً .. ولم يعد امامي إلاّ الإستعانة بالكتّاب البشريين .. ولأني لا اؤمن بالكتّاب المحترفين الذين بإمكانهم سرقة فكرتي ، إستعنت بالكتّاب المبدعين الذين مازالوا في بداية مشوارهم الأدبي .. 


جاك : وقتلت اربعة منهم.. 

- اربعة في مدينتك فقط ، لكن بدولٍ أخرى .. بصراحة لا اذكر العدد ! فكما تعرف ، انا أتقن لغات العالم .. المهم الآن ، إنتهى دوّرك لهذه القصة .. وربما أستعين بك لاحقاً بقصتي الجديدة .. طبعاً بعد تنكّري بصورة كاتبٍ شاب للحصول على جائزة الأوسكار الأولى ، التي حتماً لن تكون الأخيرة .. اراك لاحقاً ايها الكاتب المُبدع ، على امل ان تنجح انت ايضاً بالوصول للعالميّة 


وانطفأ الحاسوب وحده ! تاركاً جاك يرتجف بشدة .. وهو قلقٌ من القصة الملعونة التالية ، من تأليف عدوّ البشريّة الأول دون منازع !


الخميس، 16 مايو 2024

طبّاخة الأسر

تأليف : امل شانوحة 

ماما صوفيا


هجمت كتيبةٌ إلمانيّة على منطقةٍ ريفيّة روسيّة اثناء الحرب العالميّة الثانية ، مُستغلين خلوّ القرية من رجالها المنخرطين بالجيش الروسيّ ! حيث قاموا بأسر النساء داخل معسكرهم.. 

فطلبت صوفيا (السيدة الروسيّة التي تتقن الإلمانيّة) التحدّث مع قائدهم الذي سألها بضيق :

- ماذا تريدين ؟

صوفيا : كما ترى سيدي .. انا كبيرة في السن ، ولن تستفيدوا شيئاً من الإعتداء عليّ او تجويعي حتى الموت.. فما رأيك لوّ تستفيد من خبرتي بالطبخ ؟ فأنا مالكة المطعم الوحيد بالقرية.. ويمكنني الطبخ لك ولجنودك ، فعددكم لا يتجاوز العشرين شخصاً

القائد الإلماني بلؤم : طلبك مرفوض !! عودي الى خلف الأسلاك الشائكة مع بقيّة الأسيرات 


فسألته بجرأة : ماهو طعامك المفضّل ؟ 

بصدمة : ماذا !

صوفيا : أعني الطعام الذي تطبخه زوجتك ؟

وأشارت لخاتم زواجه..

فردّ بحزن : زوجتي توفيّت بالقصف الروسي قبل شهرين.. فالملاعين .. 

فقاطعته بجدّية : لا شأن لي بمجريّات الحرب .. سألتك سؤال محدّد : ماهو طعامك المفضّل ؟ فأنت بعمر ابني

فوصف لها طبخة مكوّنة من دجاج وخضراوات مشويّة بالفرن


صوفيا : أكلةٌ سهلة ، يمكنني طبخها اليوم على الغداء .. وفي حال لم تعجبك ، إقتلني على الفور

الضابط بتهكّم : أواثقة من قدراتك لهذه الدرجة ؟!

- أخبرتك انني طبّاخة القرية ، وافتتحت مطعمي بعمر الثلاثين بعد وفاة زوجي

- المشكلة هي بتوفير المكوّنات لك !

صوفيا : طالما احتتلت قريّتي بالكامل ، فيمكن لجنودك إحضار الدجاج من المزرعة القريبة من معسكركم.. كما يوجد حقلٌ كبير مليء بالخضراوات ، تكفي لإطعام الجميع

- لا !! ستطعمينني اولاً .. وفي حال أعجبني طبخك ، تصبحين طبّاخة الجنود دون الأسرى

صوفيا بضيق : لا يمكنني تجاهل نساء قريتي ! فأنا اعرف معظمهنّ.. 

مقاطعاً بلؤم : لا يهمّني أمرهنّ !! سنتسلّى بهن ، حتى يمتنّ جوعاً.. ألم تسمعي ما فعله رجالكم بنسائنا ؟ لهذا لا تطلبي الرحمة لهنّ !!


صوفيا : على الأقل إسمح بإعداد الحساء لهنّ ! 

الضابط : سيتكفّل طبّاخنا بذلك

- ذُقت طعامه صباحاً.. انه ردي للغاية ، وليس فيه ملح وبهارات !

- مستحيل إيجاد البهارات بظلّ المعارك الضارية  

صوفيا : إذاً إسمح بذهابي مع جنودك لمطعمي ، ففيه مؤونةً جيدة .. سأستخدمها بالطبخ ، بدل تعفّنها في مخزني 

- وإن حاولتي الهرب..

مقاطعة : انا امرأة ستينيّة ..ورجالك بالعشرينات ، ومدجّجين بالسلاح ! فكيف سأهرب منهم

^^^


وبالفعل عادت صوفيا للمعسكر بعد ساعتين ، بعربةٍ وضعت عليها كل مؤونة مطعمها.. وعندما مرّت بجانب الأسيرات (خلف الأسلاك الشائكة بفناء المعسكر) نعتوها بالخائنة بعد معرفتهم بمهمّة إطعامها الجنود ، بموافقة قائدهم !

فقالت لهن : رفقاً عليّ ، لم انجح بعد بالإمتحان ..وقد أُقتل بعد ساعتين ، إن فشلت بإعداد طبخة الضابط المفضّلة

فردّت عليها إحدى النساء ، باشمئزاز : 

- حتى لوّ فزتي ، ستطبخين للأعداء .. بينما تتركينا نموت جوعاً !

صوفيا : صدّقوني ، لا حلّ آخر لديّ

سيدة أخرى : انت انانية يا صوفيا ، لا يهمّك سوى إنقاذ نفسك !

وقالت صبيةٌ بلؤم : ماذا سيكون رأيّ ابنك إن علم بخيانتك ، بينما يجازف بحياته للدفاع عن الوطن ؟!!

فطأطأت صوفيا رأسها بحزن ، وهي تقول بنفسها :

((انا أذلّ نفسي للعدوّ ، لكيّ اراه مجدّداً))

***


وعلى الغداء .. وفور تذوّق الضابط الإلماني للقمة الأولى من طبقه المفضّل ، حتى ترقّرت عيناه بالدموع .. فهو نفس مذاق الطبخة التي تعدّها زوجته بمناسباتهما الرومنسيّة ، قبل اندلاع الحرب !


وما أن عادت صوفيا لمطبخ المعسكر لإحضار الحلوى له ، حتى مسح دموعه على عجل بعد تذكّر منزله المُنهار فوق جثمان زوجته ، بعد القصف الروسي لمدينته المتواجدة بأطراف إلمانيا.. ومن ثم دفنها بالمقبرة الجماعيّة ، وهي حامل بشهرها السادس لطفلهما الأول الذي لم يُبصر النور! 


ثم أتت صوفيا بعد قليل ومعها قطعة من كيك البرتقال ، وهي تقول: 

- كنت قبل الحرب أقدّمها مجاناً للزبائن ، بجانب طبقهم الرئيسيّ

فتناولها بنهم .. بعدها قال ، وهو يمسح فمه بالمنديل القماشيّ :

- كانت امي تعدّها لي ولأخوتي ونحن صغار

صوفيا بارتياح : أهذا يعني انني نجحت بالإمتحان ؟

الضابط : نعم !! ومنذ الغد ، تعدّين الطعام لي ولجنودي .. اما طبّاخنا العجوز ، فسأوكّله بإعداد حسائه الرديء للأسيرات

فقالت صوفيا في نفسها ، بضيق : ((كان الله في عونهنّ))

***


حاولت صوفيا في الأيام التالية إمضاء معظم وقتها بمطعم المعسكر ، لحماية نفسها من النقد الّلاذع للأسيرات كلما مرّت بجانبهن ، وهنّ ينعتوها بأبشع الشتائم .. لكنها لا تلومهنّ ، فهن مقهورات من الإعتداء المتواصل عليهنّ من الجنود .. كما شعورهنّ بالضيق من تأمين الضابط غرفةً خاصة لصوفيا ، بينما ترتعدّ أجسادهنّ النحيلة على أرضيّة الفناء الباردة .. عدا عن حصولها على بقايا طبخها ، بينما يُجبرنّ على تناول الحساء المثير للغثيان.. لهذا عدّوها من الإعداء ، وتوعّدوها بالإنتقام منها قريباً !

***


بمرور الأسابيع .. تعلّق الجنود الإلمان (من الشباب والمراهقين) بطعام ماما صوفيا الذين ينتظرونه بفارغ الصبر ، بفترة الغداء والعشاء كل يوم .. ليس هذا فحسب ، بل لجؤوا اليها لحلّ مشاكلهم النفسيّة والعاطفية .. خاصة بعد مساعدتها أحدهم للهرب من المعسكر مع عشيقته الروسيّة (إحدى الأسيرات) لتعلّقه بها ! 

فأمهلها الضابط فرصةً أخيرة لضبط تصرّفاتها ، وإلاّ ستلقى مصير الأسيرات

***


ومرّت الليالي ، وهي تستمع لذكريات الجنود التي تُقارب حياة ابنها الوحيد .. فالشعوب بتلك الحقبة الزمنية تشابهوا بالتربية والأخلاق ، لولا اندلاع الحرب بينهم! 


كما اعتادت خياطة ملابسهم والإعتناء بمرضاهم .. مما زاد كره الأسيرات لها ، والتي وعدنّ بشنقها بتهمة الخيانة !

***


وذات يوم ، ألقى الحارس القبض على ولدٍ يحوم حول معسكرهم .. فعرفته صوفيا على الفور ، فهو يتيم القرية الذي كانت تشفق عليه ، بإطعامه مجاناً قبل إغلاق مطعمها .. 


وفي ليلته الأولى مع الأسيرات ، طلب من صوفيا إطعامه ثانيةً ..

فهرّبت له شطيرة ، بعد رفضه تناول الحساء الرديء .. فاعتبر الضابط تصرّفها تجاوزاً لأوامره المشدّدة بعدم التواصل مع الأسرى! 


فعاتبها بعصبية ، في قاعة الطعام : 

- سيدة صوفيا !! هذا خطؤك الثاني بعد تهريبك العاشقيّن.. لهذا سيتم إعدامك غداً..


وقبل إكمال كلامه ، تفاجأ بالجنود يطرقون بأكوابهم الحديديّة على طاولاتهم ، مُعترضين على قتلها .. ومُطالبين بإكمال مهمّتها بإطعامهم ، فهي بمثابة امهم الروحيّة !


فقالت صوفيا وهي ترتجف : 

- إسمعني سيدي .. أخبرتنا قبل ساعات عن إقتراب الجيش الروسي من القرية لتحريرها .. وربما يقصفون معسكرك الليلة ، ويقتلونا جميعاً.. لذا دعني أطعمكم برفاهية ، باستخدام كل مؤونة مطعمي .. لربما كانت وجبتنا الأخيرة!


فسمح لها الضباط بالعودة للمطبخ ، بعد ضغطٍ من الجنود .. فهو لا يريد إزعاجهم بظلّ الظروف المُربكة التي يعيشونها ، بعد إقتراب الجيش الروسي منهم ! 

^^^


وبالفعل تناولوا أطيب عشاءٍ في حياتهم..

وما ان أنهوا الحلوى ، حتى سمعوا الدبّابات الروسيّة تقترب من ابواب المعسكر ! فتمرّكزوا في اماكنهم .. بينما اختبأت الطبّاخة في الخندق


ليعيشوا ليلةً عصيبة ، مليئة بالإنفجارات وطلقات الرشّاشات .. والتي قضت على معظم الكتيبة الإلمانيّة ، بما فيها قائدهم ! بينما وقع الآخرون (المصابين) بالأسر ..

وتمّ تحرير الأسيرات التي بانت عظامهم ، بعد تجويعهنّ على مدى خمسة شهور !

***


نامت الطبّاخة ليلتها الأولى في منزلها .. لكن فرحتها لم تدم ، بعد رؤيتها صباحاً ورقة تهديد مُوقّعة من نساء القرية : بعقابها على اهتمامها بجنود العدوّ ، طوال فترة أسرهنّ .. وكان عليها الإختيار : بين الموت شنقاً بتهمة الخيانة ، او الطبخ المجانيّ لهنّ لبقية حياتها (مع توفيرهنّ إحتياجات مطعمها من مزارعهنّ) 


فوافقت مُرغمة على عقابهنّ .. وصارت تطبخ وهي مقيّدة بسلّسلةٍ حديديّةٍ طويلة ، لا تُفك إلاّ مساءً عند إغلاق مطعمها ، والعودة الى منزلها (وهي مُرهقة تماماً)

***


بعد شهرين من عقابها ، عاد ابنها من الحرب (لحصوله على الإعفاء ، عقب بتر قدمه) .. واحتضنته امه باكية لمصابه الكبير .. لكنه كان أشدّ حزناً بعد رؤية السلّسلة بقدم امه ، وكلام النّسوة عن خيانتها للوطن ! 


فسألها بصدمة : أمعقول يا امي تُطعمين الأعداء ، ونساء قريتنا يمتنّ جوعاً؟! 

فأخبرته انها أُجبرت على ذلك لحماية شرفها وللحفاظ على حياتها ، لرؤيته مُجدّداً 


فتوسّط لها عند النّسوة الغاضبات ، للإعفاء عنها .. فوافقنّ بشرطٍ واحد : خروجه مع امه من القرية !

^^^


وبعد ايام .. إلتحق هو ووالدته بقافلةٍ بريّة ، استطاعوا إيصالهما بصعوبة الى سويسرا .. حيث افتتحت هناك مطعمها الخاص بالأكل الروسي التقليديّ .. والذي حظيّ بشعبيةٍ واسعة ، أسمته (مطعم الأسر) !


ولم يعرف أحد قصة صوفيا إلاّ بعد وفاتها ، ونشر ابنها مذكّراتها بمعسكر العدوّ : حيث وصفت جنودهم اليافعين ، بزهورٍ قُطفت قبل اوانها ! فهم يُشابهون الشباب الروس بأحلامهم الورديّة ، ورغباتهم المستقبليّة .. لولا قيام السياسيون بإثارة العداء بين الشعوب المُسالمة! 


ولاحقاً عُدّت مذكّراتها كتاباً تاريخيّاً : وصفت فيه الحقبة الزمنيّة الصعبة ، للأجيال القادمة بعد ترجمته لعدّة لغاتٍ عالميّة .. حيث وصفها النقّاد : بالوالدة الحنونة التي ألّفت بين القلوب ، بطعامها اللذيذ وأمومتها النادرة ! 


الاثنين، 13 مايو 2024

سوء الحظ

تأليف : امل شانوحة 

 

المدينة الفاسدة


سافرت جاكلين الى تايلاند للحصول على علاجٍ فيزيائيّ لوالدتها .. ووصلتا الى الفندق مساءً ، بعد إنهاء المساجّ العلاجيّ الأول .. وقبل إنهاء طعامهما ، تلقّت جاكلين إتصالاً على هاتف غرفة الفندق ، لرجلٍ يتكلّم الإنجليزيّة بلغةٍ رقيقة .. هدّدها بالقتل ، واصفاً إيّاها بالخائنة الحقيرة ! 


ولم تأخذ الموضوع بجديّة ، إلاّ بعد إخبارها بوصوله للطابق الذي فيه غرفتها ! لِذا لم يكن لديها وقت للهرب او الإتصال بالشرطة .. فساعدت امها العاجزة على الإختباء معها داخل خزانة الحائط .. حيث سمعتا القاتل المأجور يدخل غرفتهما بالمفتاح ، مما يؤكّد تورّط صاحب الفندق معه ! 


وبدأ يتحدّث بجواله بصوتٍ غير مفهوم ، وكأنه مدمن مخدرات او مخمور! 

- سيدي ، لم اجدها بالغرفة ولا بدورة المياه ولا بالشرفة .. آه لحظة ! ربما تكون مُختبئة مع عشيقها في الخزانة 


وما ان اقترب من باب الخزانة ، حتى دفعته جاكلين بقوّة .. فسقط للخلف لكونه غير متزن ، مُرتطماً رأسه بطرف السرير .. فاستغلّت جاكلين غيابه عن الوعيّ ، للهرب مع امها من الفندق المشبوه .. 

حيث حاول حارس البوّابة ، إيقافهما ! لكن جاكلين سارعت بركوب اول سيارة أجرة مع امها ، دون معرفة وجهتهما التالية .. فهي لم تأخذ معها سوى حقيبتها الشخصيّة التي فيها جوازيّ سفرهما ، وبعض النقود التايلانديّة 

***


وفي الطريق.. 

أعطاها السائق رقم شرطة منطقتهم ، بعد فهمه عليها بصعوبة .. حيث أوصلها الشرطي بمدير مركزه الذي يتقن الإنجليزية .. وبعد إخباره بأنهما سائحتيّن ، قدمتا البلاد للعلاج .. طلب منهما الذهاب الى مطعمٍ معين ، لمقابلتهما فيه 

***


في المطعم .. طلبتا الماء وهما ينهجان بخوفٍ شديد ، في انتظار مدير الشرطة الذي ذهب اولاً للفندق ، ليجد القاتل مُستلقي على الأرض وهو ينزف من رأسه ! فركله بقدمه بعصبية :

- إستيقظ يا غبي !!

- آه سيدي ! لقد هربت زوجتك ، بعد دفعها باب الخزانة ..

فقاطعه رئيس الشرطة غاضباً : 

- زوجتي ايها المدمن في الغرفة المقابلة !! انت اقتحمت غرفة سائحتيّن أمريكيتيّن ..أتريد توريطنا مع سفارتهما ؟!

- لم انتبه لذلك ! سأذهب حالاً للقضاء على الخائنة وعشيقها

الشرطي : لا !! أفسدت الأمر .. سأعيّن غيرك للمهمّة

- رجاءً سيدي ، انا جيد في عملي .. لكني أخطأت بحقن نفسي بالمخدّر قبل قدومي الى هنا ، وسأصلح الوضع الآن .. 


فأطلق الشرطي النار على رأسه ، بمسدس كاتم الصوت.. وهو يتمّتم بضيق :

- ويبرّر خطئِه ايضاً ! ياله من الفاشل

ثم اغلق باب الغرفة ، مُتصلاً بمدير الفندق :

- لم تنجح خطتي هذه المرة ايضاً ! إرسل احدهم لإزالة جثة القاتل من الغرفة ، دون لفت انظار احد .. مفهوم !! 

^^^


ثم قاد سيارته باتجاه المطعم ، مُتصلاً بمالكه : 

- هل مازالت السائحتيّن لديك ؟ 

صاحب المطعم : نعم ، ويبدو عليهما القلق الشديد .. بماذا تأمرني ؟ 

- انت تعرف كرهي للشهود .. إنقلهما للغرفة الخاصة ، بعيداً عن الزبائن ..وقدّم لهم شراباً مجانيّ ، فالأجانب بخلاء بالعادة.. ولا تنسى وضع السمّ فيه 

***


وبعد قليل .. دخل الشرطي الى الغرفة الخاصة بالمطعم ، ليجدهما بلا حراك ! 

فقال وهو ينظر لجاكلين :

- يا خسارة ! لوّ كنت اعلم بجمالها ، لما تسرّعت بقتلها .. (ثم مسّد شعر رأسها التي تسنده على طاولة المطعم) .. ذنبكِ انك تواجدتِ مع امك في المكان والزمان الخاطئيّن .. يالا سوء حظكما! 

صاحب المطعم : سيدي ، الم تتخلّص بعد من زوجتك اللعوب ؟! 

- اللعينة ، تنجح دائماً بالهرب .. لكني سأجد طريقة للقضاء عليها ، دون إثارة الشبهات حولي .. المهم !! نادي النادليّن لدفن الجثتيّن .. اراك لاحقاً

- ماذا عن المكافأة ؟ 

الشرطي : سأحوّل المال على حسابك غداً .. (وبصوتٍ منخفض).. ايها الطمّاع القذر !

***


في منتصف الليل ، إستيقظت جاكلين في المقعد الخلفيّ لسيارة يقودها احد النادليّن

جاكلين بفزع : من انت ؟! واين امي ؟ والى اين تأخذني ؟!!

ولحسن حظها إن النادل يتقن الإنجليزيّة :

- اهدئي رجاءً .. انا اوصلك للمطار بسريّةٍ تامة ، وإلاّ سيقتلونني

- من هم ؟! واين امي ؟!


فأخبرها بوضعه المخدّر بشرابها .. بينما وضع السم مُجبراً لأمها ، خوفاً من استيقاظها بأيّة لحظة وإفساد الخطة 

فأطبقت يديها على رقبة النادل من الخلف ، حتى كادت السيارة تنحرف عن طريقها

- قتلت امي ايها اللعين !!

فأجابها بصوتٍ مخنوق : لوّ لم افعل ، لكنت معها في القبر .. فرئيس الشرطة الذي تواصلتي معه يُثير الفساد في منطقتنا منذ مدةٍ طويلة ، ولا احد يستطيع إيقافه لكونه صهر أهم سياسي فاسد بالبلد


جاكلين بصدمة : أتقصد انه هو من ارسل القاتل المأجور الى غرفتي بالفندق ؟!

- سمعته يتحدث مع صاحب المطعم : بأن قاتله اخطأ برقم الغرفة ، فهو اراد قتل زوجته الخائنة التي تتعمّد إهانته ..

جاكلين مقاطعة بعصبية : اذاً ليقتلها بمسدسه ، بدل قتل الأبرياء بغبائه !!

- هو ليس ذكياً لاستلام قيادة الشرطة ، بل حصل على الوظيفة بالواسطة .. ولأن زوجته ابنة سياسي نافذ ، يريد قتلها بطريقة لا تثير الشبهات حوله ..فهي  تخونه على الدوام ، ولا يستطيع ضبط تصرّفاتها .. وللآن قتل العديد من الأبرياء ، خاصة منافسيه الصالحين على إدارة الشرطة .. ولا تظني ان مديري سعيداً بتسميم اعدائه ، فنحن نعاني من القوارض التي تخرج من المخزن المهجور المليء بجثث ضحاياه .. 


جاكلين : ولماذا لم تقتلني كما امرك ؟!

النادل : لأنك املنا الأخير .. فأنت الأمريكيّة الوحيدة بين الضحايا ، واريدك ان تستعيني بسفارتك للقضاء على ذلك الفاسد الذي أتعبنا جميعاً .. 

- وماذا عن امي ؟

- عندما يتمّ القبض على الشرطي القذر وحماه الملعون ، تنقلين جثتها الى بلدتك .. أرجوك يا آنسة ، إنقذينا من هاذيّن الفاسديّن

***


في الطائرة .. قالت جاكلين في نفسها ، غاضبة : 

((أحلف انّي سأقلب موازين الدولة على رأسهم ، فهم لا يعرفون بأني ابنة سفير .. سأجعلهم يندمون على اليوم الذي تطاولوا فيه على حياتنا ..أعدك بذلك ، يا امي الغالية !!))

ومسحت دمعتها بقهرٍ وتحدّي !


الجمعة، 10 مايو 2024

وريث العصابة

تأليف : امل شانوحة 

 

الحظر الليليّ


في منطقةٍ ريفيّة ، إستولى عليها مجرمٌ شاب (جاك) بعد نشر رجاله (الخارجين عن القانون) الذين أشاعوا الفساد فيها ، بعد فرض الإتاوة على أصحاب الدكاكين الصغيرة .. ومن لا يدفع ، تُدمّر بضائعه او يُحرق محلّه التجاريّ ! 

ولخوف الأهالي على نسائهم وأطفالهم ، خضعوا لأوامر جاك الظالمة الذي اتفق مع رئيس بلديّتهم : على منع خروج الأهالي بعد منتصف الليل ، المُخصّص لإرادة ورغبة رجاله المُطلقة.. ومن يخرج في الساعات المتأخرة ، فلا يلوم إلاّ نفسه !


واستمرّ الحظر الليليّ عدة شهور .. الى ان اضّطر رجلٌ لإخراج زوجته بعد الساعة الواحدة ليلاً ، عقب تعسّر ولادتها بعد فشل امه بمساعدتها على الإنجاب .. حيث توجّب عليه أخذها لعيادة الطبيب الوحيد بالقرية..

^^^


ووصل الخبر لرجال جاك الذين قبضوا على الزوج اثناء ولادة زوجته ، وأخذوه لمكتب الزعيم لإخباره بالعقاب المناسب له :

جاك غاضباً : بما انك خالفت اوامري..

الزوج مُقاطعاً بخوف : سيدي ، دعني أُفهمك ما حصل

جاك : عرفت بولادة زوجتك المتعسّرة ، الذي لا اعتبره عذراً لخروجك من منزلك  بالوقت المخصّص لعصابتي .. لهذا عقابك هو .. (وسكت قليلاً) .. حصولي على طفلك ، وإلاّ سأقتل ابنائك الثلاثة

الأب بصدمة : لا يعقل ان تحرمني من ابني الذي لم اره بعد ! ثم هو طفلٌ صغير ويحتاج للرضاعة

- سأعيّن مُرضعة له.. وسأسمح له بعد بلوغه ، بزيارتكم من وقتٍ لآخر.. لكن بشرط !! ان تخبروه بأنكم اقاربي ، دون إعلامه بأنكم اهله الحقيقيّن وإلاّ سأبيدكم جميعاً !! ومنذ الغد ، سأزوّر شهادة ميلاده ، ليصبح ابني رسميّاً

الأب بتهكّم : أستتبنّى طفلي ، فقط لكونك عقيم ؟!


فأطبق جاك يديه على حنجرة الأب ، حتى كاد يموت خنقاً .. وهو يسأله غاضباً :

- كيف عرفت بهذا الشأن ؟!!

الأب مُرتجفاً : الإشاعات منتشرة بالقرية ، عن طلاقك مرتيّن بسبب العقم .

- سأقطع ألسن من ينشروا الأكاذيب عني !!

- رجاءً سيدي ، دعني آخذ زوجتي وطفلي الى المنزل

جاك بحزم : هذا مُحال !! فقد قرّرت وانتهى الأمر .. وغداً ينتقل ابنك الى بيتي ، بعد تعيّني مربيّته الجديدة ..وهذا قراري النهائيّ !!

***


وافق الوالدان مُرغمان على عقوبة الزعيم الظالم ، خوفاً على اولادهم الثلاثة .. وتربّى الصغير (إريك) في منزل جاك ، مُحاطاً بأصدقائه اللصوص والقتلى والمدمنين .. الى ان بلغ سن المراهقة ، وصار عليه الإنخراط في العصابة !

فأرسله والده (الزعيم) مع اقوى رجاله للقرية المجاورة ، للقضاء على العصابة المُنافسة .. ليحتمي المراهق فزعاً خلف السيارات بعد اشداد المعركة بينهما ! 

^^^


وبعد عودتهم منتصرين ، أخبروا الزعيم بفشل ابنه بالمهمّة .. فصفعه لأول مرة ، صارخاً في وجه : 

- انت ابن اقوى زعيم عصابة بالبلد ، وتختبئ كالنساء من الرصاص ، بدل المحاربة لنصرة ابيك !! حتى انك لم تطلق رصاصة واحدة من المسدس القويّ الذي اشتريته لك 

إريك معترضاً : انا لست مجرماً !!

- انت ابني الوحيد ، وتحمل جينات الإجرام مثلي .. وعلى قلبك ان يقسو كالحجارة ، حتى أسلّمك زعامة العصابة

- انت لست والدي الحقيقيّ !! 

جاك بصدمة : هل أخبرك الملاعين الحقيقة ؟ .. اذاً سأقتلهم جميعاً!!

إريك بتحدّي : لن اسمح لك بلمس عائلتي الذين وعدتهم بأن اصبح شرطيّاً كجدي الحقيقيّ

- أتتحدّاني يا ولد ؟!!

- نعم أتحدّاك !! بل انا الذي سيقضي على عصابتك القذرة ، يا والدي العزيز


وخرج من منزله بعد حزم امتعته .. وكان مساعد الزعيم سمع شجارهما ، فسأله : 

- سيدي ، أتريدني ان أقضي على الولد العاقّ ؟

جاك وهو يحاول كتم غيظه : لا ، دعه وشأنه .. لنرى إن كان قويّاً لتنفيذ تهديده

***


وبعد سنوات ، تخرّج إريك من مركز الشرطة في المدينة .. وعاد لفرض النظام في قريته المغصوبة .. ونجح خلال أشهرٍ قليلة بأن يصبح العدوّ الأول لوالده بالتبنّي (جاك) الذي أخفى عن عصابته : فخره بقوّة وذكاء إريك الذي نجح في القبض على أهم مورّدي المخدرات لعصابة جاك  

***


وفي عرس إريك الريفيّ ، سأل المساعد الزعيم الذي كان يراقب ابنه من المنظار فوق التلّ :

- هل تريدني ان أقتله ، او نكتفي بالعروس ؟ 

جاك : لا !! دعه يفرح قليلاً ، فأنا أخطّط لشيءٍ أكبر

***


وبعد سنة.. أنجب إريك طفلاً ، في ذات الوقت الذي احتفل فيه مع افراد الشرطة بنجاحه في إحباط اكبر عملية نقل مخدرات تابعة لجاك ، والتي تهدّد بإفلاسه .. 

^^^


وفي مكتب الزعيم ، سأله مساعده بضيق :

- سيدي ، الأمر لم يعد يُحتمل .. سيقضي إريك على عصابتنا قريباً ، علينا التخلّص منه

جاك : سنفعل ذلك ، لكن ليس بقتله .. بل بتدميره نفسيّاً

- ماذا تقصد ؟

- إخطفوا طفله ، واحضروه لي حيّاً

***


واستطاع لصّ (تابع لعصابة جاك) من اقتحام منزل إريك ليلاً ، وخطف الطفل من مهده .. وتسليمه للزعيم العجوز ، الذي قال للطفل النائم :

- ستحققّ حلمي الذي فشل والدك بإنجازه ، وستصبح زعيم العصابة كجدك .. وهذه المرة لن أُكرّر غلطتي السابقة ، بمعرفة من هم عائلتك الحقيقيّة .. وسأحرص على تربيّتك لتكون وريث مملكتي ، يا حفيديّ العزيز

واحتضن الطفل ، بابتسامةٍ ماكرة !


الثلاثاء، 7 مايو 2024

القفزة العقليّة

تأليف : امل شانوحة 

الأسرار الكونيّة


إستيقظت رِحاب على صوت منبّه اخوها العالي ، لتقول بنعاسٍ وضيق :

- يالا نومك الثقيل !

وذهبت الى غرفته ، لإيقاظه الى عمله ... فوجدت سريره فارغاً ! 

- ربما يُدخّن بشرفة غرفته ، كعادته.. لما لم يوقف المنبّه ، هل هو أصمّ ؟!

وفتحت باب الشرفة بعصبيّة ، دون عثورها عليه !

- اين ذهب بهذا الوقت المبكّر ، ودون أخذ جوّاله ؟!


ثم ذهبت الى اختها التي لم تكن موجودة ايضاً بغرفتها !

- محاضراتها الجامعيّة بعد الظهر ، فلما ذهبت صباحاً ؟!


ودخلت غرفة امها ، لتشكي افعال أخويّها.. إلاّ أن امها العاجزة ليست هناك ايضاً ! فاعتراها الخوف..

- أمعقول إن امي أُصيبت بالمرض ، وأخذاها الى الطوارئ اثناء نومي ؟!


وسارعت بالإتصال بأختها .. ليرنّ جوّالها بغرفتها !

- كيف لم تأخذه معها ؟! يبدو الوضع خطيراً لينسى أخوايّ جوّالاتهما!


واتصلت على جوّال امها ، لتجده في غرفتها !

- طبيعي أن امي لم تأخذه معها ، وهي متألّمة .. مالعمل الآن ؟!


وخرجت لشرفة الصالة ، لتجد سيارة اخيها بالأسفل !

- كيف نقلها للمستشفى دون سيارة ؟! 


ثم انتبهت بأن محل الخبّاز مُغلقاً ، رغم اعتياد فتحه مباشرةً بعد آذان الفجر طوال عشرين سنة !

وايضا لم ترى الجارة العجوز في المبنى المجاور التي تشرب قهوتها على شرفتها ، كعادتها منذ سنوات !

فتساءلت بقلقٍ شديد : مالذي يحصل ؟! 


ولبست ملابسها على عجل ، وهي تدعو أن يكون اهلها بخير !

واول ما فعلته بعد خروجها من الشقة : هو رنّ جرس جارتها ، لعلّها رأتهم وهم خارجين من المنزل .. لكن لم تفتح لها ! 

فتنصّتت على الباب ، دون سماعها صراخ اطفال الجارة المشاغبين الذين يستيقظون باكراً كل يوم !

- ماهذا الهدوء المريب ؟!


واختارت النزول على السلالم لطرق ابواب الجيران ، دون إستجابة أحدٍ لها ! حتى بوّاب العمارة غير موجود !

^^^


فمشت بالشارع .. لتلاحظ ان مدرسة الأطفال القريبة من عمارتهم ، مازالت مُغلقة ! مع إختفاء السيارات بالشارع ..وكل المحلاّت مُغلقة رغم تجاوز الساعة السابعة ، ولا أثر لإنسان في أيّ مكان !

- هل اختفوا جميعاً اثناء نومي ؟! هذا لا يعقل ! أكيد أشاهد كابوساً مزعجاً 

وحين قرصت ذراعها بقوّة ، تألمّت !

- لا ، ليس حلماً !.. اذاً اين الناس ؟!


وهنا وصلها اتصال من خطيبها ! فردّت على جوالها ، وهي تنهجّ خوفاً :

- هل انت بخير ؟

- نعم بخير ..وانتِ ؟

رحاب بقلقٍ شديد : لا اجد عائلتي ، يا علاء !

وقبل إخباره بما حصل ، فاجأها بالقول :

- أأنت ايضاً ؟! 

رحاب : وهل المحلاّت مغلقة في منطقتك ، كما حدث هنا ؟

- لي ساعتيّن أجوب الشوارع ، دون عثوري على شخصٍ واحد!

- ماذا حصل برأيك ؟! 

علاء : لا ادري ، لكني قادمٌ اليك .. اين انتِ ؟

- قُرب محطّة البنزين ، بجانب عمارتنا 

- انا قادم .. إنتظريني

^^^


وفور نزوله من السيارة ، إحتضنته مُرتجفة :

- علاء ! مالذي يحصل معنا ؟ اين اختفى البشر ؟!

- لا اعلم ! إركبي السيارة ، ودعينا نبحث في مناطق أخرى


وظلاّ ينتقلان من شارعٍ لآخر ، حتى حلول العصر .. دون عثورهما على احد !  حتى انهما ذهبا للشاطىء ، وصعدا لمنطقةٍ جبليّة .. وكأن مظاهر الحياة اختفت من البلد كلها !

رحاب بقلق : أتظن أن العدوّ قتل الجميع بقنبلةٍ نوويّة ؟

- وهل نحن مخلوقيّن من فولاذ ، كيّ لا نموت معهم ؟!

- ربما هي قنبلة غريبة لا تؤثّر على النائمين ، كما حصل معنا؟! 

علاء : او ربما لأننا سهرنا البارحة حتى وقتٍ متأخر !

- هذا لأنك طلبت مني دراسة الأبعاد الكونيّة..

علاء مقاطعاً : لحظة ! ربما هذا هو السبب

- ماذا تقصد ؟!

علاء : قد يكون تركيزنا على هذا الموضوع رفع مستوى تفكيرنا ، فنُقلنا لبعدٍ آخر

- أتظن اهالينا مازالوا في البعد السابق ؟!

- أظن ذلك !

رحاب : لكن هناك سبعة ابعاد ، حسب الكتاب الذي أهديّتني اياه .. فأين أصبحنا الآن ؟!

- الكتاب مازال في حقيبتي بالمقعد الخلفيّ ، دعينا نتصفّحه لمعرفة لأيّ الأبعاد انتقلنا 


وأخذا يقرآ معلوماتٍ عن الموضوع : ((حيث اعتقد العلماء انه يمكننا الإنتقال الى بعدٍ ثاني عن طريق تحسين الإدراك الذاتيّ بثلاث طرق : التأمّل المنتظم ، واكتشاف النفس ، والوعيّ الذاتيّ : من خلال التكيّف مع صدمات الماضي .. حيث يمكن بنائه بواسطة : التجوّل بالطبيعة ، والإستماع الجيّد لمن حولنا ، والتعبير بثقة عن افكارنا الخاصة ، وتقبّل وجهات النظر المُضادة ، وتقدير الذات بموضوعيّة ، وكتابة اليوميّات ، وقبول تقييم الآخرين ، ومعرفة نقاط القوّة والضعف فينا))


رحاب بندم : ليتنا لم نُثقّف انفسنا .. فهآ نحن وحدنا بعالمٍ مُشابه لحياتنا القديمة ، دون أقاربنا وأصدقائنا !  

- برأيّ لا مجال للعودة للخلف ، بعد زيادة وعيّنا وإدراكنا  

- وما العمل الآن ؟

علاء : المُضيّ قدماً ، لربما نجد بشراً انتقلوا لأبعادٍ متطوّرة .. وقد نلتقي في البعد السابع والأخير بالعلماء والمثقفين والمُرشدين الروحانيين

- اذاً دعنا نذهب للمكتبة العامة ، لقراءة المزيد عن الموضوع ..لكن عدّني بأن لا تنتقل لبعدٍ ثاني من دوني 


فنظر اليها دون وعدِها بشيء ، لعدم علمه بما ينتظرهما في الأبعاد القادمة!


الخميس، 2 مايو 2024

الوجبة المُفضّلة

تأليف : امل شانوحة 

المهمّة الصعبة


في ثمانينات القرن الماضي .. وبعد اندلاع حربٍ شعواء بين طائفتيّن من نفس البلدة التي انقسمت لطرفيّن ، توقفت فيهما خدمة الكهرباء والماء والغاز ، ومع ذلك لم يُغلق مطعم ام لؤيّ للوجبات السريعة ! فرغم الإنقطاع العام إلاّ ان هاتفها الأرضيّ مازال يعمل ! حيث تستقبل طلبات الزبائن باستمرار ، والتي ترسلهم مع ابنها (من متلازمة داون ، المنغولي) بدرّاجته الناريّة دون تأخير ، رغم القصف العنيف ونيران القنّاصة والحواجز الأمنيّة ! 


ليس هذا فحسب ، بل احياناً يُوصل الطعام لمن هو عالقٌ تحت الحصار او مُختبئين في الملاجئ السكنيّة ، في خُضمّ اشتباكات الجنود المتخاصميّن وحتى منتصف الليل!

***


وذات يوم ، نادت فتاةٌ امها بفرح :

- امي ، طلبت أخيراً !! إتصلت بمطعم ام لؤيّ ، وحجزت طعامنا المفضّل

امها بدهشة : أحقاً ! هل عادت خدمة الهواتف ؟!

وحاولت الأم الإتصال بقريبتها ، لكن هاتفها مازال مُعطّلاً !  

- كيف اتصلتي بالمطعم في ظلّ الإنقطاع العام ؟!

- أحلف انني اتصلت !! وتكلّمت مع صاحبة المطعم التي أرسلت سلاماً لكِ 

الأم : سنرى بعد قليل إن كنت صادقة ام لا ، فالمطعم معروف بتوصيله الطلبات خلال عشر دقائق.. اساساً لا اعرف كيف يوفّرون الخبز مع الطعام ، رغم إغلاق معظم الأفران بعد شحّ الطحين ! 

- وأسعارهم مازالت مقبولة ! 

- أتمنى فعلاً وصول الطعام ، فلا شيء أطبخه مع إستمراريّة الحصار اللعين !!

^^^


وبالفعل وصل الطعام بالوقت المناسب ، وبسعرٍ رخيص رغم جودته ! وقبل ذهاب لؤيّ ، طلب من الأم وابنتها : 

- رجاءً إكثرا الدعاء هذه الليلة

الأم بقلق : لماذا ! هل سمعت شيئاً بالأخبار عن قصف منطقتنا ؟!

- لا .. شعرت فقط بضرورة التنبيه على ذلك ، يا خالة

- سنفعل بإذن الله ، فأنت شابٌ روحاني .. حفظك الله من الأشرار

***


وفي يوم .. أوصل الدليفري الطعام لعجوز يعيش وحده ، والذي استقبله بدهشة :

- لكني لم اطلب الطعام !

لؤيّ : انت لم تتصل بنا منذ ايام ! فأرسلتني امي للإطمئنان عليك

- جزاها الله خيراً .. كم سعره ؟

- لا عليك ، هي تقدمة من المطعم.. السلام عليكم 


العجوز : لحظة !! لا تذهب .. فهناك اسئلة تُحيّرني عن مطعمكم ؟

- اسأل يا عم 

- كيف تعملون بهذه الظروف الصعبة ؟!

- لدينا بئر ماء في مبنانا ولله الحمد .. وأوصلنا كهرباء مطبخنا ، ببطاريّة شاحنة ..وجارنا بائع غاز ، يُوفّر لنا الأنابيب كل شهر.

- ومن يعمل معكم ؟

لؤيّ : ارامل ومطلّقات تساعدنّ امي بالطبخ.. وانا اكتب قائمة الطعام على لوحة اسفل عمارتنا ، ويتصل المارّة لحجزّ طلباتهم .. 

- وهل تكفي الجميع ؟ 

- وتزيد ولله الحمد 

العجوز : الا تخاف امك من إرسالك لأماكن بعيدة ؟

- انا اعرف كل مناطق البلد ..اما الحواجز ، فلا يوقفونني لأني منغولي.. كما أُخبئ الطعام في حقيبةٍ سميكة حتى لا يشتمّها الجنود ، فيسرقوها مني


وهنا فتح العجوز علبة الطعام :

- يا الهي ! هذه طبختي المفضّلة

لؤيّ : امي تعلم ذلك ، فقد طلبتها مراراً 

- مع انها طبخة صعبة ، وتحتاح لجهدٍ ووقت !

- أخبرتك بأن النّسوة تساعدن امي ، منذ الصباح وحتى العصر

العجوز : حماكم الله يا بنيّ .. فأنا جائعٌ منذ البارحة بعد أن علقت في منزلي ، بسبب القنّاص اللعين الذي تمركّز اول الشارع ..لهذا انتبه على نفسك اثناء خروجك من هنا 

- لا تقلق عليّ ، فالأشرار لا يرونني 

- تقصد أن الملائكة تساعدك .. وكيف لا ، وانت ملاكٌ على الأرض .. أوصل سلامي لوالدتك على طبخها المُحترف 

لؤيّ : قبل ذهابي يا عم ، اريدك أن تُكثر من الدعاء 

- انا أدّعي كل يوم ، يا بنيّ !

- حاول مُضاعفتها الليلة .. ومهما حصل ، عليك الرضا بقضاء الله وقدره


فابتسم العجوز ، لعلمه بأن متلازمة داون مخلوقاتٍ شفّافة ..وربما شعر بشيءٍ جعله يقول هذا الكلام !

فهزّ رأسه موافقاً ، وشكره مجدّداً على الطعام اللذيذ

***


وتكررّت الوجبات المجانيّة مع عدّة اشخاصٍ عاجزين او مُحتجزين في ظلّ الحرب المُستعرة.. حتى ان المنغولي فاجأ اهالي الملجأ بوجباتٍ كثيرة ، أعجبت ذوقهم جميعاً ! فشكروه على تنوّعها وجودتها العالية..

بينما اكتفى بالقول ، قبل خروجه من الملجأ :

- إذكروا الله بصوتٍ عالي قبل نومكم ، لا تنسوا رجاءً !!

- سنفعل باذن الله

***


مالا يعرفه الناس عن هذا المطعم : إن الأشرار لا يرونه ، فقط الأشخاص الذين قارب موعد موتهم ! لذلك ينجحون بالإتصال بالمطعم ، رغم الإنقطاع العام للهواتف الأرضيّة .. فلؤيّ المنغولي وامه : هما ملكان مُتجسّدان على هيئة بشريّن ، مهمّتهما على الأرض : إطعام الأشخاص المُحتضرة ، وجبتهم الأخيرة ! 


فجميع من كان بالملجأ قُتل تلك الليلة (عقب تناولهم طعامهم المفضّل) بعد إنهدام المبنى فوق رؤوسهم بقصفٍ عشوائيّ !

اما الأم وابنتها : فكانتا ضمن ضحايا مذبحة المنطقة المجاورة بعد زيارتهما لقريبهما هناك ، في تلك الليلة المشؤومة !

اما العجوز : فقُتل برصاصة القنّاص بعد الإطلال برأسه لنفخ دخان سيجارته ، عقب تناول وجبته الأخيرة

***


خلال شهورٍ عصيبة ، قام لؤيّ وامه بإطعام العديد من ضحايا الحرب .. 

وفي يوم ودون سابق إنذار ! أقفلا مطعمهما ، فور إعلان وقف الحرب بالبلاد .. ولم يبقى من جهدهما وتفانيهما بالعمل ، سوى ذكرى حسنة عند اهالي الضحايا الذين مدحوهما قبل وفاتهم المفاجئ 

ومن بعدها انتقل الملكان لدولةٍ أخرى مع إندلاع حربٍ عنيفةٍ فيها ، للقيام بمهمّتهما السماويّة وبسرّيةٍ تامة!


كيك المستقبل

كتابة : امل شانوحة توأم الروح إعتاد شاب (في الثلاثين من عمره ، والمُتخرّج من معهد الكمبيوتر) على الإستيقاظ ظهراً بعد انتقاله لشقته الصغيرة ،...