الثلاثاء، 31 مايو 2022

المتاهة

كتابة : امل شانوحة 

اللعبة الملتوية 


إضّطرت ديانا للسفر البريّ ، لزيارة والدها المريض في مستشفى المدينة المجاورة..

***


عصراً وفي منتصف الطريق ، تعطّلت سيارتها دون سببٍ واضح ! فوقفت على جانب الطريق العام لإيقاف سيارة تنقلها لأقرب محطّة ، لكن الجميع تابع سيره كأنها غير موجودة !  

***


حين أوشكت الشمس على المغيب .. لاحظت دخاناً يتصاعد من الغابة التي تبعد امتاراً عن الشارع العام ..

وكلما مشت نحوها ، تأكّدت شكوكها على كونها مدخنة لكوخٍ قديم .. وطرقت بابه المتهالك ، وهي تنادي :

- هل يوجد احدٌ في الداخل ؟!!

فسمعت عجوزاً يقول بصوتٍ مرهق : 

- ماذا تريدين ؟!

فأجابته من خلف الباب :

- رجاءً إفتح لي !! فسيارتي تعطّلت على مقربة من هنا ، ولا توجد شبكة إتصال لجوّالي ، واريد استخدام هاتفك الأرضيّ إن أمكن 


فساد الهدوء قليلاً ، قبل أن تسمعه يقول :

- إدخلي !! الباب مفتوح


وحين دخلت .. شاهدت رجلاً بعضلاتٍ مفتولة مليئة بالأوشام ، نائماً فوق كنبة الصالة ، وعلى الطاولة امامه انواعاً متعدّدة من الخمور والمخدرات

فارتعبت وتراجعت للخلف ، لتسمع العجوز يناديها من الطابق العلويّ :

- لا تخافي من ابني فهو مخدّرٌ كما ترين ، ولن يستيقظ حتى المساء .. الهاتف في غرفتي ، إصعدي اليّ !!


وقبل صعودها الأدراج ، سمعت همّهمة من الحمام الأرضيّ ! ففتحت بابه ، لتجد شيئاً يتحرّك خلف ستارة حوض الإستحمام.. 

فاقتربت بحذر وأزاحت الستار ، لتجد عجوزاً مكمّم الفم ومقيّد اليدين والقدمين بالحبال ! 


وقبل إزالتها الّلصقة عن فمه ، توسّعت حدقتا عينه بخوف وهو ينظر  لباب الحمام ! 

فالتفتت ، لتجد الرجل المخمور يلوّح بعصا البيسبول وهو يصرخ مترّنحاً:

- لا تنقذي اللعين !!


وهجم نحوها ! لكنها ابتعدت باللحظة الأخيرة ، ليتعثّر بسجادة المغسلة ويصطدم رأسه بحافة حوض الإستحمام ، ويموت على الفور !


ومن شدّة رعبها ، فكّت قيود العجوز وهي ترتجف بقوة ..

وما أن ازالت الّلصقة عن فمه ، حتى قال : 

- لنهرب بسرعة !!


فمشت قبله ، محاولةً عدم الدوس على دماء الجثة .. الى أن وصلت للصالة .. وحين التفتت للعجوز ، لم تجده خلفها ! بل سمعته يناديها من الطابق العلويّ :  

- تعالي لتتصلي بمن تريدين ، فالهاتف في غرفتي 


فقالت بنفسها برعب :

((صوت العجوز المقيّد هو نفسه الذي سمح لي بدخول المنزل ، فكيف حدّثني وعلى فمه لصقةً قوية ؟!))


فخافت الصعود اليه ، وأسرعت نحو الباب الخارجيّ الذي وجدته مقفلاً بإحكام ! 

والأغرب إن النافذة الزجاجيّة إختفت تماماً كطاولة المخدرات ، اما الكنبة فأصبحت بالجهة المعاكسة من الصالة ! 

ديانا برعب : مالذي يحصل ؟! هل أتوّهم الأحداث  


فلم يكن امامها سوى دخول الغرف الثلاثة الموجودة بالطابق الأرضيّ ، التي وجدتها جميعاً بلا مفروشات او نوافذ تهرب منها !


وحين عادت للصالة .. وجدت نفسها امام متاهة كبيرة من المزروعات ، رغم انها لم تخرج من كوخ الغابة ! 

 

وحين تملّكها اليأس لعدم وجود مخرجٍ من هذا المأزق ، سمعت صوت حبيبها يناديها من الطابق العلويّ ...

ديانا بدهشة : لا يعقل هذا ! فهو مسافر منذ شهرين

فعاد ليناديها : 

- دودو ، انا هنا حبيبتي

(وكان الوحيد الذي يلقّبها هكذا !)


فصعدت الأدراج ، لتجد ممرّاً طويلاً فيه غرفةٍ واحدة ! بداخلها حبيبها مستلقي على الفراش ، وهو يقول بحنان :

- إقتربي مني ، فقد اشتقت اليك

ديانا بصدمة : كيف وصلت الى هنا ؟!

- كما وصلتِ انت ، تعطّلت سيارتي البارحة .. والعجوز اللطيف إستضافني في بيته

- وكيف عرفت إن سيارتي مُعطّلة ؟! أنا لم أحدّثك منذ رحيلك المفاجئ

- دعكِ من التفاصيل واصعدي الفراش ، فأنا مشتاقٌ اليك


وما أن مدّ ذراعه نحوها ، حتى وضعت يدها فوق كفّه .. ليقوم بسحبها بقوّة الى الفراش ! 

وقبل استيعابها ما حصل ، وضع الأصفاد بيديها وقيّدها بالسرير !

ديانا معاتبة : جاك ! الوقت غير مناسب ، دعنا نخرج من الكوخ المرعب ، فهناك جثة في حمام وتصرّفات العجوز لا تريحني 

  

وإذّ بجاك يقف بجانب السرير ، فور دخول العجوز الى غرفته وهو يسأله:

- هل أتمّمت المهمّة ؟

جاك : نعم سيدي ، قيّدتها جيداً

العجوز : اذاً يمكنك الرحيل


فتحوّل جاك الى دخانٍ اسود ، تبخّر سريعاً في الهواء .. سرعان ما أفقد ديانا وعيها من رعب الموقف !

فتنهّد العجوز بضيق :

- جيلٌ تافهٌ وضعيف !

***


ثم أكمل نزوله نحو القبو المعتم ، الذي اضاءه ليظهر خمسة شباب وصبيّتين مقيّدين ومكمّمين هناك ، يبكون بصمتٍ وخوف !

فقال لهم العجوز :

- لا تقلقوا سأنهي معاناتكم قريباً ، فقد ملّلت اللعبة التي لم ينجح فيها أحد بالخروج سالماً من كوخي .. حتى أقواكم ، المصارع الغبيّ إستطاع تقيّدي دون قتلي .. اساساً لا احد يمكنه قتلي .. والأحمق ، ما أن وضع حارسي المخدرات والخمور امامه ، حتى انغمس في الملذّات .. والنتيجة ، انه مقتولٌ الآن في الحمام .. ماذا افعل ، احب التلاعب من وقتٍ لآخر بمشاعركم ونفسيّتكم الهشّة .. وانتم في كل مرة تثبتون لي بأنكم جيلٌ ضعيف ، حيث استطعت السيطرة عليكم بطريقتين : اما الخمور والنساء ورزم المال ، او إظهار قرائن احبائكم الذين فقدّتموهم بالماضي .. لهذا قرّرت إرسالكم الى باطن الأرض ، لعلّكم تتعلّمون الشجاعة والخبث من اولادي .. مع انكم لوّ فزتم بمسابقتي ، لأعطيتكم كنوزاً تكفيكم العمر كلّه ..


وقبل إكمال كلامه ، سمع طرقاً في الأعلى ..وصوت رجلٍ ينادي :

- هل هناك احد بالداخل ؟!! اريد المساعدة


فابتسم العجوز بخبث للشباب العالقين بالقبو ، قائلاً :

- عليكم الإنتظار قليلاً ، سأذهب للتعرّف على اللاعب الجديد .. فإن خرج من متاهتي ، وكوخ المتعة الخاص بإبليس المعظّم !! الذي هو أنا ، بتواضعٍ شديد.. أُفرج عنكم جميعاً .. وإن خسر ، أرسلكم جميعاً للجحيم .. إنتظروني

وعاد لإقفال الباب عليهم ، وصعد لامتحان ضحيّته التالية !


الأحد، 29 مايو 2022

رصاصةٌ طائشة

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

 

زميل الدراسة


إستيقظت الأختان باكراً على صوت شجار الجار مع زوجته في الطابق العلويّ للعمارة ! 

فقالت الأخت الصغرى (مروى) للكبرى (سمى) بضيق :

- شجارهم اليوميّ مستمرّ لشهور ! فليتطلّقا وينهوا الأمر

- معك حق 

مروى : ليتنا لم ننتقل لهذا المبنى الكئيب

- وكيف لنا أن نعرف بحال جيراننا ؟!


وفجأة ! سمعتا طلقاً ناريّاً ..

مروى بخوف : هل قتلها ؟!

سمى بقلق : ربما هي القاتلة ، سأصعد لأرى 

- لا تتهوّري !! إبقي مكانك ..الرجل مسلّح

 

لكنها لم تستمع لنصيحة اختها ، وصعدت الأدراج .. لترى جثة الزوجة على عتبة الباب الخارجيّ ، والمسدس بيد الزوج الذي وقف مذهولاً مما حصل ! 

وحين التفت الى سمى ، قالت له :

- أهرب بسرعة !!


وما أن قالت ذلك ، حتى أسرع بنزول المصعد.. بينما عادت الى شقتها ، لتجد مروى أبلغت عن الجريمة.. فعاتبتها :

- لما اتصلت بالشرطة ؟!

مروى : كان عليّ الإبلاغ عنهم ، هل قتلها بالفعل ؟

فأخبرتها بما حصل..


مروى بعصبية : هل جننتِ !! لما طلبت منه الهرب ؟!

- خفت أن يقتلني ، فأوهمته انني في صفّه..

- لا تخبري الشرطة بذلك

سمى : أكيد 

***


حين وصلت الشرطة ، نقلوا الجثة الى المشرحة .. وحقّقوا مع الجيران وحارس العمارة الذين شهدوا بخلافات الزوجين المتكرّرة..

*** 


لم تمضي ايام ، حتى قبضوا على القاتل مُختبئاً في قريته .. واقتادوه الى مركز الشرطة في المنطقة التي حصلت فيها الجريمة.. 

ولأن الجارة (في الشقة المجاورة للقاتل) شهدت برؤيتها سمى وهي تنزل من طابقهم لحظة الجريمة ، تمّ استدعائها للشهادة..

***


وفي مركز الشرطة .. وفور رؤية القاتل لسمى ، قال للمحقّق : 

- ما كنت لأهرب لوّ لم تشجّعني على ذلك ! 

المحقّق : هل فعلاً طلبتِ منه الهرب ؟

سمى بحزم : كاذب !! عدّت الى شقتي فور رؤيتي الجثة ، دون التفوّه بكلمة..

القاتل بقهر : اساساً ما كنت لأُشهر مسدسي على زوجتي ، لولا نصيحتك الماكرة قبل يومين من الحادثة 

المحقّق باهتمام : وماذا قالت لك ؟


القاتل : يومها خرجت من شقتي غاضباً بعد شجارنا المعتاد .. والتقيت بسمى في المصعد ، ونصحتني بالتخلّي عن زوجتي النكديّة 

سمى : كنت أقصد أن تطلّقها يا رجل ، لا أن تقتلها !  

القاتل : لم أكن انوي قتلها !! أطلقت الرصاصة على الباب الخارجيّ لأخيفها ، فارتدّت لتصيب عنقها ! .. سيدي كانت رصاصة طائشة ، أحلف لك .. 


لكن المحقّق لم يصدّق كلامه ، وأعاد سمى الى منزلها بعد إنكارها تهمة التحريض الموجّهة إليها ..

*** 


عند إجراء تحقيقات أضافيّة للجريمة ، عرف المحقّق إن القاتل حصل على المسدس كهديّة من زميله الذي تعرّف عليه في موسم الصيد ، قبل شهرين من الحادثة.. 

لكن المعلومة لم تفدّ قضيّته ! لأن السلاح مُرخّص للصيد ، ورصاصاته الصغيرة مُخصّصة لقتل الطيور .. ومستحيل بواسطته قتل زوجته لولا إصابته الشريان السباتي .. والأسوء إن الرصاصة التي اخترقت رقبتها ، لم يُعثر عليها امام شقته او على طول الدرج! 

*** 


في المحكمة .. أدين الزوج بالقتل الخطأ ، وحُوكم بالسجن ثلاث سنوات ..


والغريب في الموضوع إن سمى كانت الوحيدة التي زارته طوال المحاكمة بعد تخلّي اهله وعائلة زوجته عنه ، بل وتطوّعت للإهتمام بإبنه الصغير لحين خروجه من السجن ! 

***


وأمضى الطفل شهوراً في شقة سمى ، الى أن تشاجرت مع اختها مروى التي قالت بعصبية :

- لما ورّطتنا بهذه المسؤوليّة ؟!

سمى : وما ذنب الصغير أن يُرمى بدار الأيتام ؟

- ليست قضيّتنا !!

- نحن جيرانه

مروى بعصبية : لا تتصنّعي البراءة !! فأنت من شهّدتِ ضدّه ، فلما تهتمين بإبنه ؟!

- لأني احب جاري

مروى بصدمة : ماذا !


فسكتت سمى مطوّلاً ، قبل قولها بقهر : 

- كان زميلي في الجامعة ، وكنت على وفاقٍ معه.. لحين قدوم الحمقاء التي سلبت عقله ، وتزوّجها رغماً عن اهله 

- الهذا انتقلنا الى هنا ؟!

سمى : بحثت عنه سنوات ، الى أن وجدّتُ عنوانه 

- لحظة ! هناك شيء لا أفهمه .. إن كانا تزوجا عن حب ، فما سبب شجارهما المتكرّر ؟! 

فابتسمت سمى بمكر ..


مروى بقلق : لا تقولي انك استعنتِ بعمتي المشعوذة ؟.. الهذا كنت تخرجين ليلاً ، بحجّة رميّك النفايات ؟ أكنت تصعدين لطابقهم ، لوضع السحر على بابهم ؟ 

- الغاية تبرّر الوسيلة 

مروى بعصبية : هل جننتِ ؟!! سحرك قضى على سمعة الرجل .. ثم كيف ستتزوجينه بعد أن اصبح مجرماً ؟! ماذا سيقول الناس .. 

سمى مقاطعة بلؤم : لا يهمّني رأيّ أحد ، ولا حتى انت !! وطالما انا من يدفع أجار الشقة ، فأنا أقرّر من يعيش معي 


مروى بغضب : لكني أربّي الطفل بغيابك ، ولا اريد هذه المسؤوليّة 

سمى بعصبية : اذاً وافقي على العريس المتقدّم لك ، واخرجي من بيتي !!

مروى بصدمة : أهذا قرارك ؟!

- نعم

- كما تشائين 

***


وبسبب الطفل إنفضلت الأختان بعد سنوات من عيشهما معاً ، عقب وفاة والديهما بحادث سير .. 

وتزوجت مروى من العريس على عجل ، وسافرت معه للخارج دون توديع سمى التي وظّفت خادمة لمساعدتها بتربية الصغير الذي تعلّق بها جداً

***


بعد خروج الجار من السجن ، قدم الى شقة سمى لأخذ ابنه الذي رفض تركها ! 

فأخذت الرجل جانباً لتخبره : إن الصغير يظنّها امه ، كما أخبرته انه مسافر للعمل ..


الجار : ولما ورّطت نفسك بهذه الكذبة ؟! فيوماً ما سيكبر ليعرف إن والده هو من قتل امه الحقيقيّة .. 

سمى : قتلتها عن طريق الخطأ ، وهي كانت امرأة نكديّة واستحقّت ذلك

- ألا ترينني ظالماً ؟!

- كان حادثاً عرضيّاً ، وعُوقبت عليه لسنوات ، وعليك متابعة حياتك 


الجار بارتباك : ومالعمل الآن بعد أن أوهمت ابني بأنك زوجتي ؟!

سمى بجرأة : وانا لا أمانع ذلك .. وإن اردّت ، نكتب كتابنا غداً اثناء وجوده في المدرسة ، ونعيش معاً كعائلة .. كما أفكّر بتعيّنك في شركتي الصغيرة ، لحاجتي الى محاسبٍ ذكيّ مثلك ..

الجار باستغراب : لا افهم سبب اهتمامك بي !

- رغم تخرّجنا قبل عشر سنوات من الجامعة ، لكني لم أنسك يوماً


وهنا تذكّر انها كانت ضمن فريق دراسته ، وتذكّر إهتمامها الزائد الذي كان يثير غيرة حبيبته (زوجته السابقة) .. واستوعب سبب إهتمامها بإبنه طوال سنوات سجنه .. 

ولأنه عاطل عن العمل ، إضّطر للموافقة على عرضها دون اعتراض 

***


بعد اسبوعين من زواجهما .. إلتقت سمى بالصيّاد في المطعم ، لإعطائه ظرفاً من المال..

- تأخّرتي !! 

سمى : قطعت شهر العسل لألقاك ، فأنا وعدّتك بالمال بعد زواجي من حبيبي.. 

الصيّاد : كنت قلقاً أن تقبض الشرطة عليّ ، بعد وضعي رصاصات حقيقية في مسدس زوجك !


سمى بعصبية : كنت ستفضحنا !! أخبرتك أن تضع رصاصة واحدة ، لا خمسة .. جيد انني صعدت لإزالة بقيّة الرصاصات فور هروبه ، ووضعت بدالها رصاصات الصيد الصغيرة ، قبل أن تراني جارته الفضوليّة ..

الصيّاد : لم اكن اعرف انك جريئة لدرجة سحبك الرصاصة من رقبة القتيلة !


سمى بحزم ولؤم : 

- لم يكن صعباً ، فنصف الرصاصة خرجت من جلدها.. المهم إسمعني جيداً !! إن عرف احد انني تسبّبت بمقتل زوجته او علاقتي بك ، سأوكّل قاتلاً مأجوراً لقتلك 

- لا تقلقي ، سرّك في بئر يا عروس

وابتسما بمكر !


الجمعة، 27 مايو 2022

الكاتبة العطوفة

تأليف : امل شانوحة 

 

مشاعرٌ بريئة 


لطالما رغب وليد (مغني الشباب المشهور بوسامته) تجربة التمثيل .. واقتضى دوره الأول الذهاب مع طاقم العمل الى قريةٍ جبليّة.. 

ولأن قصة الفيلم من تأليف سهى (الكاتبة المبتدئة) إشترطت الذهاب معهم للإشراف على الحوار بنفسها.. 

واجتمع الفريق عصراً في فلةٍ قديمة الطراز ، إختارتها المخرجة لتكون منزل البطل في الفيلم الذي سيُصوّر اولى مشاهده غداً صباحاً  

***


وبحلول المساء .. تشاركت الممثلات غرفة نومٍ كبيرة في الطابق العلويّ ، أمّا الرجال فافترشوا أرضيّة غرفةٍ مشتركة في الطابق الأرضيّ للفلّة .. 

بينما أصرّ المغني أن تكون له غرفته الخاصة ، وكذلك فعلت المخرجة السينمائيّة المشهورة بأعمالها الناجحة ..

***


في الصباح .. صوّر وليد مشهده الأول ، الذي اعترضت عليه الكاتبة فور مشاهدته من شاشة المخرجة ، قائلةً بخيبة أمل : 

- بدايةٌ غير موفقة 


واقتربت سهى من المغني وهي تعاتبه :

- نحن لا نصوّر فيديو لأغنية رومنسية ، بل فيلم درامي .. رجاءً لا تتصنّع الرقّة بتعاملك مع البطلة .. فأنت تزوّجتها بأمرٍ من والدك ، يعني غصباً عنك .. كما ستصبح رئيس بلديّة القرية في نهاية الفيلم ، لذا عليك أن تكون صارماً بتعابير وجهك .. وجميعنا يعرف شخصيتك الحقيقية العصبيّة والعنيدة ، فرجاءً إظهر على طبيعتك 


فأجابها وليد بلؤم : طالما انا منتج الفيلم ، فسأظهر كما يحلو لي

سهى بعصبية : وانا صاحبة القصة ، ولا اريدك أن تفسدها !!

فنادى المخرجة غاضباً :  

- لما قدمت معنا ؟ بالعادة ينتهي دور الكاتب بعد شرائنا القصة منه

فأجابته سهى بعصبية : ما لا تعرفه حضرتك .. انني لم اطلب ثمن القصة ، وكان شرطي الوحيد هو إشرافي على الحوار .. إقرأ عقدي جيداً !!

وليد : إن اردّت ، أدفع لك الآن ..


سهى بحزم : قلت !! لا اريد مالك .. فقط إتقن دور البطل جيداً.. هل صعبٌ عليك لهذه الدرجة أن تظهر على طبيعتك دون قناع الشخص الرومنسيّ الهائم ؟ 

فنظر اليها بنظرةٍ حادّة ، فابتسمت قائلة : 

- بالضبط !! هذه النظرة الغاضبة التي اريدها..

ثم نادت المخرجة :

- ابدأي التصوير الآن ، فعصبيّته ستدعم مشهده الأول


وبالفعل ظهر المقطع المُعاد أفضل من اللقطة السابقة وأكثر واقعيّة!

***


في المساء ، تجمّع طاقم العمل على طاولة العشاء .. 

ومن بعدها انشغلت المخرجة بإبنها الصغير الذي حاول الجميع ممازحته بتناول البسكويت من يده ، لكنه رفض إطعام احد .. 

فقال المغني مازحاً :

- كانت امي تقول : إن الأطفال يميّزون الإنسان الطيّب من الخبيث ، يبدو جميعنا شياطين


لكن ضحكاتهم توقفت ، بعد رؤيتهم الطفل يقترب من الشرفة (التي انشغلت فيها الكاتبة بالطباعة على حاسوبها لإحدى مقاطع الفيلم التي طلبت منها المخرجة تعديلها) ومدّ يده الصغيرة لإعطائها البسكويت .. 


فأكلت قضمة منها ، وهي تنظر اليهم :

- تماماً كما أحبها ، مُبلّلة وساخنة

فهمست المخرجة لهم :

- يبدو إن ابني وجد الملاك بيننا


قالتها على سبيل المزاح ، لكن كلمتها أثّرت بوليد الذي ظلّ يراقب سهى وهي تربط شريط حذاء الصغير بعفويّة ومحبّة 

***


بمرور الأيام .. تابع المغني مراقبة الكاتبة من شرفة غرفته ، وهي تلعب مع اولاد القرية بتواضعٍ لم يجده مع الشخصيات التي رافقت مسيرته الفنيّة! 

كما أعجبه طريقة تعاملها مع كبار السن والفقراء ، ورفقها بالحيوانات الأليفة .. وفسّر إهتمامه بها على كوّنها شخصية جديدة لم تمرّ عليه من قبل ! رافضاً فكرة إنجذابه لها ، لعدم تناسبها مع مستواه الإجتماعيّ الذي وصل اليه بعد جهدٍ كبير ، فهي مجرّد كاتبة مبتدئة 

***


وفي احد الأيام .. رافق المغني المخرجة لاستئجار حصانٍ من المزرعة المجاورة ، فأجابهم المالك :

- لديّ حصانٌ واحد ، وهو مريض منذ فترة ولا اعلم ما به

المخرجة بقلق : ومالعمل الآن ؟ نحتاج حصاناً للمشهد القادم


وهنا لاحظ وليد إقتراب سهى من الحصان المريض ، وهي تحدّثه بصوتٍ منخفض ! فسألها من بعيد :

- ماذا تفعلين ؟

سهى : يقول انه حزين لأن صاحب المزرعة باع زوجته منذ فترة ، وهو مشتاقٌ لها

فردّ المالك بدهشة : هذا صحيح ! كيف عرفتي ؟

سهى : ترعّرت في الريف ، وأفهم كلام الحيوانات .. هل الذي اشترى الفرس بعيداً من هنا ؟

المالك : لا ، بالمزرعة المجاورة

سهى : اذاً اطلب منه أن يحضرها الآن  


فأخرج المالك جوّاله ، طالباً من صديقه إحضار الفرس التي قدمت بعد ساعة .. ليشاهد الجميع إستعادة الحصان نشاطه فور وصول زوجته ! مما اثار دهشة وليد ، لفهم سهى مشكلة الحصان بهذا الشكل الملفت


بينما تضايقت الممثلة البطلة (المُنجذبة للمغني منذ فترةٍ طويلة) والتي استغلّت عشائهم الجماعيّ للسخرية منها ، بعد رؤيتها لطيرٍ يُحلّق فوق رأس سهى ..

- ماذا تقول العصفورة يا سنوّوايت ؟

فضحكوا ساخرين ، بينما اجابتها سهى بجدّية :

- تقول ان ابنها عالقٌ بأغصان الشجرة

- أحقاً !


ثم تركت سهى الطاولة للّحاق بالعصفورة التي حلّقت فوق شجرةٍ بعيدة عن الحفل .. وقامت بتوجيه إحدى انوار الإضاءة السينمائية للأعلى .. ليفاجأ الجميع بوجود عصفورٍ صغير ، عالق في غصنٍ فوق الشجرة ! 

فتسلّقت سهى الأغصان بمهارةٍ ، لتحريره .. وبعد تأكّدها من سلامته ، أطلقته ليُحلّق بعيداً .. بينما طبعت العصفورة قبلة بمنقارها على فم سهى ، إمتناناً لها ! 


فصفّق المغني والرجال على إنسانيّة سهى ، بينما اكتفت النساء بالنظر اليها شزراً !

***


حين إنتهت نصف مشاهد الفيلم ، توجّب عليهم تصوير اطفال القرية وهم سعداء بحلول العيد .. لكن الأطفال الذين جمعتهم المخرجة امام الفلّة رفضوا الإبتسام ، وظلّت وجوههم بائسة وحزينة مهما حاولت تشجيعهم على اتقان دور السعادة ! ممّا جعلها تفقد اعصابها وتصرخ عليهم غاضبة:

- يا ملاعيين !! إضحكوا لخمس دقائقٍ فقط ، هل ما أطلبه كثير؟

فاقتربت سهى وهي تقول :

- الأطفال لا يمثلّون سوى الواقع ، لذا علينا إسعادهم اولاً 


ثم توجّهت نحو كشكٍ صغير لبيع الحلوى .. واشترت صندوقين من الشوكولا ، وزّعتها على الأطفال الذين التهموها بنهمٍ شديد ! 

ثم قالت للمخرجة :

- الآن يمكنك تصوير مشهد العيد 


وبالفعل تحسّنت نفسيّة الأولاد بعد عطاء سهى اللطيف ! ومثّلوا الدور جيداً ، خاصة بعد شراء سهى الكرة التي تقاذفوها بينهم بسعادة .. مما اثار إعجاب وليد الذي راقب تصرّفاتها بصمت ، وهي تعلو في نظره كل يوم !

***


في المساء .. تجمّع فريق العمل لرؤية المشهد الذي صوّروه في الصباح ، لكن الموسيقى التي وضعتها المخرجة على المشهد لم يعجب سهى التي قالت لها :

- هل يمكنك عرض المشهد دون موسيقى ؟

المخرجة باستغراب : لماذا ؟!


فحملت سهى البيانو الصغير ووضعته امام الشاشة الكبيرة وهي تقول : 

- أتمنى الهدوء من الجميع ، ريثما أؤلف الموسيقى المناسبة للمشهد

البطلة بسخرية : وهل انت مُلحّنة ايضاً ؟  


فأشار المغني للمخرجة بإطفاء نور الغرفة ، ومشاهدة المشهد دون صوت .. وأخذ يراقب سهى وهي مندمجة برؤية المشهد ، وأصابعها تعزف لحناً رقيقاً في غاية الروعة ! 

ولم تستطع المخرجة رفض اللحن الجديد الذي يناسب المشهد الدراميّ بشكلٍ رائع ! 

***


بعد انتهاء العمل ، ذهب الجميع للنوم .. بينما عادت سهى للسهر في كتابة الحوار على حاسوبها بالشرفة ، فاقترب منها وليد ليسألها : 

- أمازال لديك مفاجآت جديدة غير التأليف والعزف والتلحين.. 

فقاطعته سهى بابتسامة : لديّ العديد من المواهب التي ستظهر في وقتها المناسب .. تصبح على خير سيد وليد

***


وكان كلامها صحيحاً ، حين فاجأتهم بحديثها مع سوّاح قدموا للقرية للسلام على المغني ، بلغتهم التي تعلّمتها في المعهد .. كما استطاعت تصليح حاسوب المخرجة في وقتٍ حرجٍ من تصوير الفيلم .. كما أُعجب وليد بتواضعها مع طبّاخة الفيلا ومساعدتها بالعمل .. وضحكتها الجميلة مع كبار السن في المنطقة الذين احبوا روحها المرحة .. وكذلك رفقها بقطة الفلة التي تعلّقت بها كثيراً !

***


وفي يوم .. قدمت طليقة وليد الى القرية لإعطائه ابنته ، لسفرها للخارج برحلة تسوّق مع صديقاتها ! 

فتكفّلت سهى الإهتمام بالصغيرة اثناء تصويرهم المشاهد ، فهي المتفرّغة الوحيدة بين طاقم العمل .. وقد فرح وليد من تعلّق ابنته بها ! وتنصّت كل مساء لسماع قصص سهى الخيالية اثناء تنويمها ابنته ..

***


وفي اليوم التالي .. سأل المغني ابنته (بعد عودته مع طاقم التصوير من الأرض الزراعية) عن يومها مع سهى .. فأخبرته بأنها غنّت لها اثناء عزفها على بيانو ، فسألها باهتمام :

- وهل صوتها جميل ؟

- جميلٌ للغاية 

وليد : اريد منك في المرة القادمة أن تصوّريها خفيّةً بجوالك ، فهي خجولة ولن تغني امامنا

- كما تشاء ابي

***


وبعد ايام .. إستمع باهتمام لمقطع الفيديو ، التي غنّت فيه سهى باللغة الإنجليزية ، بصوتٍ ينافس اشهر المغنيّن الأجانب ! 

فقرّر دعم موهبتها بعد تصويرهم الفيلم 

***


بنهاية الفيلم .. أعطى المغني (المنتج) مالاً لسهى لاهتمامها بالتفاصيل الدقيقة التي أثّرت على جودة الفيلم .. 

فقالت سهى مبتسمة : ما رأيك لوّ أجعلك رئيس البلديّة بالفعل ؟

وليد باهتمام : وكيف ؟

- إنتظر وسترى


ونزلت من الفلّة ، وهو يراقبها من شرفة غرفته .. ليجدها تتحدّث مع الراعي التي دفعت له المال مقابل ثلاثة خرفان .. 

ثم صفّرت للمزارعين لأخذ كيلو من اللحم ، والذي قطّعها اللحام بالتساوي امامهم .. بينما قامت بتنظيمهم ضمن طابورٍ طويل لاستلام كل واحدٍ حصّته..

فصاروا يشكرونها بامتان .. فأشارت الى الشرفة وهي تقول : 

- بل اشكروا الفنان وليد على كرمه !!


فأخذوا يدعون له بالتوفيق ويصفّقون له ، الى أن دمعت عيناه .. بعد أن أشعرته سهى بأنه كبيرهم بالفعل (تماماً كالفيلم !) 


ثم عادت للفلّة ، لتقول له : 

- ارأيت سيد وليد ، الكرم هو الشيء الوحيد الذي يرفع قيمتنا بين الناس .. فلا تنسى زكاة اموالك ، فمن واجبنا مساعدة الفقراء 


فأومأ برأسه موافقاً ، بعد أن غيّرت الكثير من مفاهيمه خلال شهر العمل الذي قضياه معاً ! 

***


في آخر ليلةٍ لهم في القرية ، قرّر فريق العمل اللعب معاً : ((لعبة الحقيقة او الجرأة))


وأدار المغني القارورة الفارغة التي توقفت امام الكاتبة ، ليسألها :

- هل أحببتي من قبل ؟

فتنهّدت سهى بحزن ، قبل ان تقول :

- أحببت خطيبي .. وبعد 7 سنوات في الغربة ، قرّر العودة .. ليفاجئني ببيعه المنزل الذي اشتريناه معاً ، لدفع مصاريف الولادة لحبيبته الأجنبية 


فشهق الجميع بدهشة ، فأكملت بقهر :

- ما يغيظني بالموضوع انه كان بإمكانه فسخ خطوبتنا بالهاتف ، طالما يعيش حياته مع حبيبته في الغربة ، بدل تضيعه سنوات من عمري وانا انتظر عودته .. على كلٍ ، تجربتي هذه جعلتني اكره كل الرجال


وقبل أن يستفسروا عن التفاصيل ، ادارت القارورة .. لتقف امام المغني ، فسألته :

- مالشيء الذي تتمنى قوله منذ قدومك الى هنا ، لكنك محرج من البوح به ؟

فأجابها المغني بابتسامةٍ حنونة :

- انني وقعت في غرامك 


وشهق الجميع بدهشةٍ ، لكنها سارعت بالقول :

- سيد وليد .. بالكاد ينبض قلبي بعد الخيانة التي تعرّضت لها من خطيبي ، وانت معروفٌ عنك بزير نساء .. لهذا اعتذر منك ، فخيانةٌ اخرى قد تقضي عليّ تماماً ..


واستأذنت منهم ، للنوم بغرفتها ..لكنها بالحقيقة هربت قبل تساقط دموعها .. فهي أحبّت وليد بالفعل ، لكن حياته الصاخبة لا تناسب شخصيتها الخجولة والمنطوية ..

فوقف وليد قائلاً لهم : 

- تصبحون على خير ، نلتقي في السينما بعد عرض الفيلم ..


وعاد الى غرفته وهو يُخفي خيبة امله .. وبذلك انتهت اللعبة ، ليذهب كلاً الى فراشه ، إستعداداً للرحيل في الغد صباحاً ..

***


في الصباح الباكر ، بحثوا عن سهى قبل صعودهم الحافلة .. فأخبرتهم خادمة الفلّة انها عادت بسيارتها للعاصمة

فسألها أحدهم : الساعة التاسعة الآن ، فمتى رحلت ؟

الخادمة : عند الساعة الخامسة فجراً .. أظنها لم تنمّ جيداً ، فعيناها متورّمتان ومتعبتان .. لم ارها من قبل يائسة وحزينة هكذا !


ففهم المغني انها بكت طوال الليل بعد رفضها طلبه .. فاستقلّ سيارته بعد توديعه فريق العمل على عجل ..

***


بعد شهر .. عادت سهى من عملها ، لتجد المغني يتحدّث مع والدها بالصالة ومعه باقة ورد ! 

وقبل إستيعاب ما تراه ، إحتضنتها اختها الصغيرة بحماس :

- المغني الوليد قدم لخطبتك !!

فنظرت الى والدها الذي قال بابتسامة : وانا وافقت على طلبه

سهى بارتباك : لكن ابي !


فتوجّه المغني نحوها وهو يقول : 

- صدّقيني يا سهى حاولت نسيانك الشهر الفائت ، لكنني لم استطع .. حتى انني عُدّت لحياتي العابثة ، لكني لم اجد المتعة في ذلك ! يبدو حينما نجد المرأة المناسبة ، لا نعد نكترث ببقيّة النساء ! صحيح انني كنت لعوباً طوال حياتي ، لكني قاربت من سن الأربعين وحان الوقت للإستقرار ..  


ثم امسك يدها قائلاً : اريد اماً لأطفالي استطيع الوثوق بها ، ولن اجد ملاكاً افضل منك .. اعدك ان لا اخونك او أكسر قلبك طوال حياتي .. فهل تتزوجينني ؟ 


فسكتت سهى قليلاً ، قبل ان تقول مبتسمة : 

-  بشرط !! أن نتزوج بعرسٍ شعبيّ ، بمشاركة اهالي القرية 

- أحقاً !

سهى ممازحة : ألست رئيس بلديتهم ؟

- وانا موافق

وحضنها بحنان

***


وبالفعل أقاما عرساً شعبيّاً وسط طلقاتٍ ناريّة وزغاريد نساء القرية التي بدأت فيها قصة الحب البريئة بين المغني المشهور والكاتبة العطوفة 


الأربعاء، 25 مايو 2022

فاق خيالي

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

خاب ظني


لمح الشاب سعيد سيدةً جميلة في الحافلة .. وشعر على الفور بانجذابٍ نحوها ! وبدورها ابتسمت له بأدب .. 

واراد التقرّب من السيدة الفاتنة ذات العيون الحزينة والإبتسامة الخجولة ، لكن الزحام منعه من ذلك..


وحين طلبت من السائق التوقف في منطقةٍ شعبيّة ، تسارعت نبضاته وهي تودّعه بنظرةٍ حزينة ، قبل نزولها من الحافلة التي ما أن تحرّكت بضعة امتار حتى صرخ سعيد بعلوّ صوته ، آمراً السائق بالتوقف حالاً .. فردّ عليه بعصبية :

- توقفت قبل قليل ، لما لم تنزل .. هل كنت نائماً ؟!


فاعتذر منه ، وهو يُسرع الخطى للّحاق بالسيدة التي دخلت إحدى الأزقّة المليئة بالباعة المتجوّلين ..


وقبل صعودها لعمارةٍ قديمة ، إلتفتت نحوه وعلى وجهها إبتسامةٍ عريضة كأنها توقعت رؤيته ! وأكملت صعودها الأدراج بعد غمزةٍ لطيفة.. فاعتبرها سعيد إشارةً للّحاق بها


ودخلت شقتها بعد تركها الباب مفتوحاً ، فلحقها وقلبه ينبض بسعادة..

ليُفاجأ برجلين ضخمين يُصوّبان المسدس على رأسه ، ويأمرانه بدخول الصالة دون التفوّه بكلمة ! 


وهناك وجد شيخاً بيده دفتراً كبيراً ، وهو يسأل السيدة :

- أهذا هو العريس ؟

فأجابته بخجل : نعم ، إخترته من بين الناس .. 

ثم نادته : إقترب ، فالشيخ سيكتب كتابنا الآن ..

فأجابها بارتباك : أبهذه السرعة ؟! حتى انني لا اعرف اسمك !

- نجاح ، وانت ؟ 

- سعيد


فقال له الشيخ : إعطني هويّتك يا سعيد ، واجلس بجانبي لنكمل مراسم الزواج 

سعيد بخوف : انا قلق مما يحصل ! هل هي مزحةٌ ثقيلة ام مقلبٌ تلفزيونيّ؟

نجاح : لا يا سعيد .. انا رغبت الزواج قبل موتي بالسرطان ، واخترتك بعد ارتياحي لك .. ولن أكلّفك شيئاً ، فلديّ ارضٌ زراعيّة بالريف ، بالإضافة لهذا المنزل .. سأكتبهم بإسمك في وصيّتي ، بشرط أن أعيش معك ايامي الأخيرة بسعادةٍ وأمان ..هذا كل شيء ، صدّقني.. 


فنظر سعيد للرجلين الضخمين وهو يسألها : ومن هؤلاء ؟ 

نجاح : اقاربي بالقرية ، سيشهدان على زواجنا ..رجاءً إقترب لتوقيع اوراق المحكمة الشرعيّة

فاقترب بتردّد وهو يُخرج هويّته من المحفظة ، ويسلّمها للشيخ الذي أكمل مراسم الزواج ..

***


كان سعيد موظفاً بسيطاً ، يعيش بعيداً عن عائلته التي لم يخبرهم عن الشهر الذي قضاه مع عروسته الفاتنة ، والتي اهتمّت به جيداً في الفترة الماضية .. الى ان اختفت فور انتهاء شهر العسل !


وحين لم يجدها في المنزل ، نزل للبحث عنها في الحارة الشعبيّة .. فأوقفه صاحب العمارة قائلاً : 

- عليك تسليمي الشقة غداً صباحاً 

سعيد باستغراب : لم افهم !

- السيدة استأجرت الشقة المفروشة لشهرٍ واحد ، ورحلت فجراً 

- الا تعلم اين ذهبت ؟!

صاحب العمارة : لا يهمّني امرها.. (ثم قال بحزم) .. في حال أردّت البقاء في الشقة ، عليك دفع أجرتها للشهر القادم 


فصعد سعيد لأخذ ملابسه (التي اشترتها له في الأيام الماضية) ونزل لتسليم المفتاح لصاحب العمارة ، عائداً الى شقته القديمة دون فهمه ما حصل !

***


بالرغم طلب سعيد من صاحب العمارة الإتصال به فور عودة زوجته للحارة ، إلاّ انه مرّ شهران دون سماعه خبراً منها ! 

فظنّ إنها رغبت الموت في قريتها بهدوء (بعد اشتداد مرضها دون إخباره بذلك)

***


بمرور الشهر الثالث على غيابها ، تلقّى إتصالاً منها وهي تقول باكية :

- إنقذني يا سعيد 

- نجاح ! اين انت ؟ ولما اختفيتي هكذا ؟

- عُدّت لطليقي

سعيد بصدمة : ماذا !

- إخترك كمحلّل ، بعد طلاقي منه للمرة الثالثة

سعيد بعصبية : أتتلاعبون بالدين ؟!!

- لا ابداً ! تزوّجتك لأعود اليه

- وكيف تعودين قبل طلاقك مني ؟

نجاح : جعلتك تبصم على ورقة الطلاق بعد وضعي المخدّر في طعامك


(وهنا تذكّر سعيد انه في اليوم اختفائها ، إستيقظ ليجد أصبعه مصبوغاً بالأزرق !)

فقال لها غاضباً : ومن الشيخ الذي وافق على الطلاق وانا نائم ؟! 

نجاح : نفس الشيخ الذي زوّجنا ، فهو من جماعتنا

- هذا لا يجوز !! فأنا مُحال أن أُطلقّك بإرادتي

- أعلم هذا ، لذلك لجأت لتلك الحيلة .. المهم الآن أن تنقذني من طليقي .. أقصد زوجي ، فهو رئيس عصابة مخدرات.. وكلما حاصرت الشرطة مخازنه ، زادت عصبيته نحوي.. ولم أعد أحتمل ضربه وإهاناته 


سعيد : طالما زوجك مجرم ، فلما اهتمّ بموضوع المحلّل ؟! 

- انا من رفضّت إقترابه مني بعد الطلقة الثالثة ، فوافق مُرغماً على اختياري زوجاً مؤقّتاً .. (ثم تنهّدت بحزن).. حقاً لا اعرف كيف أتخلّص منه .. أكاد انتحر

سعيد : وكيف يُعاملك بقسوة وانت مريضة بالسرطان ؟!

- لست مريضة ، كانت كذبةٌ ثانية 

سعيد غاضباً : اللعنة عليك يا نجاح !! لما تلاعبت بمشاعري ؟ انت اول امرأة بحياتي ، وتعلّقت بك جداً 

نجاح بحزن : صدّقني لم أنوي تركك .. لكنه اتصل بي ذلك الصباح ، مُهدّداً بقتلك ، فعدّت فوراً لقريته .. سامحني ارجوك 


فسكت سعيد مطوّلاً ، قبل أن يقول :

- الا تستطعين الهرب من منزله ؟

- تقصد قصره .. لا ، حرّاسه في كل مكان 

سعيد : حسناً ، أعطني العنوان ؟ 

- أرغب حقاً بالهرب معك ، لكني خائفة على حياتك 

- قريبي شرطي محترف ، سيساعدني بتهريبك .. وربما القبض على طليقك 

- هو لم يطلّقني بعد 

سعيد بعصبية : وانا لم أُطلّقك ايضاً يا نجاح !! 

- اهدأ رجاءً ، سأعطيك عنوان مزرعته .. لكن عدّني أن لا تأتي قبل استشارة قريبك الشرطي 

- دعي الأمر لي

***


رغب سعيد في استعادة زوجته سريعاً ، لكن قريبه الشرطي طلب منه التمهل لحين تحضيره كميناً للقبض على رئيس العصابة اثناء تسلّمه شحنة المخدرات القادمة بعد اسبوعين..


وبالفعل حصلت معركة شرسة بين رجال الشرطة وافراد العصابة اثناء تسلّمهم البضاعة آخر الليل على اطراف القرية ، راح ضحيّتها من كلا الطرفين .. 


وفي خُضمّ المعركة ، تسلّل سعيد الى القصر لتهريب زوجته التي انطلقت معه بالسيارة متوجهيّن مباشرةً للمطار للهرب من البلد

***


وبعد زواجهما المدني في الخارج .. عاشا اجمل سنوات حياتهما ، بعد قبض الشرطة على زوجها السابق ورجاله ، والذي حُكم عليه بالسجن عشرين سنة .. 


وبعد نجاتها من هذا المأزق ، أكملت حياتها مع سعيد وهي مرتاحة البال بعد إنجابها طفله الصغير ..

***


ببلوغ ابنهما سن الخامسة ، أقامت حفلاً في حديقة منزلها بإحدى الولايات الأمريكية .. 

***


في اليوم التالي .. تفاجأت نجاح بصورة في صندوق بريدها : وهي تحتضن ابنها اثناء نفخه شمع كعكته ، مكتوباً خلفها : 

((اخيراً عرفت عنوانك ايتها الخائنة .. سأحقّق أمنية ابنك قريباً بجعله من طيور الجنة .. التوقيع : زوجك الحقيقيّ))


فنظرت من نافذة منزلها بعينيها الدامعتين ، وهي تراقب زوجها وهو يلاعب ابنه في الحديقة .. وتتساءل إن كان عليها إخباره بأن حياتهم المثاليّة على وشك الإنهيار ام لا ؟!


الأحد، 22 مايو 2022

التلاعب بالزمن

كتابة : امل شانوحة 

 

اخطاء الماضي


رغم ثراء الطبيب النفسيّ (جون) إلاّ انه أُعجب بساعةٍ قديمة معروضة بين اغراضٍ منزليّة ، امام إحدى المنازل الأمريكيّة .. 

وبعد شرائها ، عاد الى فلّته الفخمة ..

***


في الصباح الباكر .. واثناء تواجده في الصالة ، سألته الخادمة :

- سيدي ، أتريد شرب القهوة ؟

- لا ، تأخرت على العيادة


ثم أخرج الساعة من جيبه ، لضبط عقاربها .. لكنه اخطأ بتقريب الساعة دقيقتين ، فعادت الخادمة لسؤاله : 

- سيدي ، أتريد شرب القهوة ؟

فأجابها بعصبية : قلت لا !! الا تفهمين ؟!

الخادمة بدهشة : لم اسألك من قبل !.. آسفة لإزعاجك 

وعادت الى المطبخ مكسورة الخاطر .. 


فتساءل الطبيب في نفسه : ((كيف تناست سؤالها بهذه السرعة ؟!))

ثم قارن الوقت بساعة جوّاله ، ليجد فارق الزمن .. فقال بنفسه باستنكار : ((لا ، لا يعقل هذا !))


وقام بسحب قلمه من قميصه ، ورماه على الأرض .. ثم ضبط الساعة القديمة ، دقيقة للوراء .. ليُصعق برؤية القلم مازال في قميصه ! 

فعلم إن الساعة (التي اشتراها) تتحكّم بالزمن ! 

وهذا يعني كنز بالنسبة لعمله .. فكثير من مرضاه يتمنّون تغيّر قرارٍ في الماضي ، أثّر سلباً على مستقبلهم .. 


لهذا سارع الى عيادته ، مُتحمّساً لتجربة ساعته السحريّة على مرضاه الذين تدمّرت نفسيّتهم بقراراتٍ قديمةٍ طائشة ..

***


وفي العيادة.. بحث في حاسوبه عن اسوء الحالات المرضيّة التي ستُحلّ لوّ تغير ماضي المريض .. ووجد ثلاثة حالات وصفها سابقاً : ((بالمستعصية والمعقّدة)) 


واتصل بالمريض الأول ليخبره بحصوله على جلسةٍ مجانيّة لهذا اليوم 

(فالطبيب لم يهمّه هذه المرة الكسب الماديّ ، بقدر تأكّده من قدرات ساعته الغريبة)

***


بعد وصول المريض اريك (الخمسينيّ) واستلقائه على الكنبة ، قال للطبيب بتهكّم :

- لما ناديتني ؟! الم تخبرني في الجلسة الماضية انني بحاجة لمعجزةٍ آلهية لتغير واقعي الأليم ؟ 

الطبيب : ربما وجدّت حلاً لمشكلتك

- مستحيل .. كيف سأستعيد ابني الذي أهديته سيارةً مستعملة بعيد ميلاده 16 ، فمات بسبب تعطّل فراملها .. كل هذا لأنني إسترخصت ثمنها .. اللعنة عليّ !!

الطبيب : لا تلمّ نفسك ، واخبرني بتاريخ وفاة ابنك ؟ إن كنت تذكره 

- هو تاريخٌ علق في ذاكرتي للأبد .. 

وأطلعه على التاريخ الذي يعود لعشر سنواتٍ ماضية ..


فأخذ الطبيب يضبط ساعته السحريّة ليوم الحادثة .. 

ليتفاجأ بالمريض عاد لسن الأربعين ، بعد إختفاء تجاعيد وجهه التي سبّبتها كثرة بكائه على حياته البائسة ..

الطبيب بدهشة : يا الهي ! نجحتُ بالفعل


ففتح المريض عينيه التي توسّعتان بعد رؤيته الطبيب :

- دكتور جون ، تبدو شاباً ! 

الطبيب : وانت كذلك ، أنظر في المرآة 

فقال المريض بدهشة وهو يتمعّن شكله في مرآة العيادة : 

- كيف فعلت هذا ؟!

الطبيب : بل السؤال الأهم ، ماهو تاريخ اليوم ؟ سأطلب من السكرتيرة إخبارنا به 


وحين ناداها ، دخلت الغرفة .. ليتفاجأ كلاهما بجمالها الملفت ، والموضة القديمة لفستانها ! 

الطبيب : يا الهي ! تبدين رائعة

السكرتيرة باستغراب : عفواً !

الطبيب بارتباك : آسف .. كنت اريد سؤالك عن تاريخ اليوم ؟

فأخبرته بالتاريخ ، ليشهق المريض بدهشةٍ شديدة :

- دكتور ! اليوم يُصادف ..

الطبيب مقاطعاً : اعرف اعرف .. مادلين ، يمكنك العودة لمكتبك


وبعد ذهابها ، سأله المريض باستغراب :

- كيف أعدّتني لتاريخ الحادثة ؟!

الطبيب : لا يهم الطريقة ، المهم أن تُسرع الى بيتك لمنع ابنك من قيادة سيارته المستعملة ..

فنظر المريض اريك لساعته :

- بقيّ ساعة واحدة على موعد حفلته مع اصحابه .. سأذهب فوراً لإعطائه سيارتي الجديدة ، وأعيد سيارته التالفة الى الكراج  

***


وفجأة ! عاد الطبيب لزمن الحاضر .. فأخذ يبحث في حاسوبه ، دون إيجاده أثراً لملف بإسم المريض اريك ! 

فعلم انه تمكّن من إنقاذ ابنه ، لهذا لم يعد مريضاً نفسيّاً في زمن الحاضر 


ولشدّة فرحة الطبيب بساعته السحريّة ، سارع بالإتصال بالمريضة الثانية

***


وصلت ديانا الى عيادته ظهراً .. والتي عانت سابقاً من نرجسيّة زوجها الذي عاملها معاملةً سيئة ، ومنعها من إكمال دراستها رغم تفوّقها العلميّ ، وأجبرها على مقاطعة اهلها لسنواتٍ طويلة .. ثم طلّقها وحرمها من طفليها ، رغم خيانته لها اكثر من مرة ! 


وكانت في كل جلسةٍ علاجيّة تتمنّى لوّ إنها وافقت على الزواج من زميلها الفقير ، بدل زواجها من الثريّ اللئيم .. 

لهذا ضبط الطبيب ساعته السحريّة الى زمن عرض زميلها الزواج منها (فهي مازالت تحفظ التاريخ جيداً) .. 


وبعد إختفاء ملفها من حاسوبه ، وإيجاد اسمها في الإنترنت كمديرة حضانة بالمشاركة مع زوجها .. علم إنها عاشت حياةً سعيدة مع زوجٍ مُحبّ  

***


اما المريض الثالث آدم .. فسُجن بعد قتله زوجته التي دفعها غاضباً (إِثر مشاجرةً عائلية) لتسقط بعنف على الدرج ، مما أدّى لوفاتها.. ولم يصدّق المحلّفون إدّعائه قتلها خطأً ، وحكموا عليه بالسجن عشرين سنة ! مما أضاع فرصته بطرح إختراعه بالسوق ، والتي سرقها صديقه الذي أصبح ثريّاً ومشهوراً .. 


فأعاده الطبيب الى زمن المشاجرة .. ليُفاجئ آدم زوجته الغاضبة باحتضانها بحنان ، بدل مشاركتها الشجار ! مما أنهى المشكلة بينهما ..


وقد علم الطبيب بنجاة آدم من عقدة الذنب التي لازمته طوال حياته ، بعد رؤية إسمه على اختراعه في الإنترنت ، والتي مكّنته من العيش مع الزوجة (ذاتها) في قصره الفخم بمشاركة ابنائهما الثلاثة..


فحمد الطبيب ربه انه ساعده باسترداد حياته الزوجيّة والعمليّة معاً

***


بعد عودة الطبيب الى فلّته مساءً ، عقب تأكّده من فعاليّة ساعته السحريّة في علاج مشاكل مرضاه السابقين .. إستجمع جون قواه للعودة ليوم إختفاء ابنته الوحيدة ، آملا في إنقاذ حياتها .. 

وبعد ضبطه التاريخ ، شعر بدوارٍ خفيف ! 

***


وحين فتح عيناه ، وجد نفسه امام ابنته وهو يقول لها : 

- لا عزيزتي لن استطيع إحضارك من المدرسة ، فلديّ إجتماعٌ مهم مع الأطباء النفسيين .. انت اصبحت فتاةٌ كبيرة ، يمكنك المشي مسافة كيلو واحد الى البيت .. ولا تنسي أن تلتفتي للجهتين قبل قطعك الشارع


ثم انتقل جسمه الى المشرحة ، واقفاً امام جثة ابنته .. وزوجته بجانبه تضربه بهستيريا وتلومه لعدم إحضارها من المدرسة .. بينما تجمّد هو في ذهولٍ تام !

***


ثم أغمض عينيه الدامعتين ، ليجد نفسه عاد الى فلّته في زمن الحاضر

فقال بعصبيّة : لما لم استطع تغير الأحداث ؟!.. ايتها الساعة الغبية !! لا اريد تذكّر ما حصل ، بل تغيّر ماضيّ اللعين !! 


وأعاد ضبط الساعة مجدّداً على تاريخ اختفاء ابنته ، لكن الأحداث تكرّرت من جديد ! 


وحين عاد لحاضره ، قرّر زيارة صاحب المنزل الذي اشترى منه الساعة السحريّة قبل ايام 

***


في اليوم التالي .. إلتقى بصاحب الساعة الأصلي ، وأخبره ما حصل .. فردّ عليه قائلاً : 

- كنت اشتريت الساعة من مشعوذٍ روسيّ ، أخبرني بواسطتها يمكنني إنقاذ الناس ، دون إنقاذ احبّائي !.. فحاولت في البداية مساعدة الغرباء ، لكن الأمر بات يحزنني لعدم قدرتي على إنقاذ زوجتي التي تناسيت إحضار دوائها ، لانشغالي بالإحتفال مع اصدقائي .. لأجدها ميتة بعد عودتي متأخراً ذلك المساء .. لهذا قرّرت التخلّص من الساعة .. 

الطبيب بقهر : اذاً لا استطيع إنقاذ ابنتي !


صاحب الساعة : للأسف لا .. (ثم ربت على كتفه) .. انت طبيبٌ نفسيّ بارع ، والساعة ستساعدك على إنقاذ مرضاك .. وهذا سيجعلك متفوّقاً على زملائك الأطباء ، اليس كذلك ؟ 

فأومأ جون برأسه موافقاً .. 

صاحب الساعة : آه على فكرة ، مرضاك بعد عودتهم للماضي سيغيّرون قرارهم السيء ، دون تذكّر نصائحك .. يعني ساعتك السحريّة ستبقى سرّاً بيننا 


فودّعه جون ، ليعود الى فلّته يائساً بعد خسارته الأمل الأخير بإنقاذ ابنته .. لكنه في الوقت ذاته ، مُمتنّ لساعته الغريبة التي ستُحسّن سمّعته وقدراته الوظيفيّة بين زملائه 

***


في اليوم التالي بالعيادة .. وقبل استقبال الطبيب مرضاه ، نظر الى الساعة السحريّة وهو يقول :

- سأحاول بواسطتك علاج كل مرضايّ ، فالجميع يستحق فرصةً ثانية مهما كان خطؤه


وهنا أدخلت السكرتيرة مريضاً جديداً في الخمسينات من عمره ..

فسأله جون بعد استلقائه متعباً على الكنبة : 

- ما اسمك ؟ وماهي مشكلتك ؟

المريض : اسمي جاك .. وانا متعبٌ من الصراخ الذي لا يفارقني ليل نهار ، والذي حرمني النوم لسنواتٍ طويلة  

الطبيب باهتمام : صراخ من ؟!

- لا استطيع البوح بما حصل ، أخاف أن تبلّغ عني

- من إخلاقيات مهنتي : الحفاظ على اسرار مرضايّ 

جاك بإصرار وقلق : 

- لا !! أُفضّل تنويّمي مغناطيسياً ، كيّ أفضّفض على راحتي 

- كما تشاء


وبعد تنويمه مغناطيسياً : بدأ جاك يصفّ تعذيبه لفتاةٍ صغيرة ، خطفها بعد خروجها من المدرسة .. واعتدائه عليها لثلاثة ايامٍ متواصلة ، مما تسبّب لها بنزيفٍ حادّ ، أودى بحياتها ! 

ومن وصفه للوحمة الحمراء على ذراعها ، عرف الطبيب انه امام قاتل ابنته ! 

وتسارعت دقّات قلبه وهو يقترب من المريض النائم بنيّه قتله ، إنتقاماً لإبنته الوحيدة..


لكن قبل وضع يديه حول عنقه ، دخلت السكرتيرة وهي تقول :

- آسفة على مقاطعة .. نقيب الأطبّاء يريد محادثتك بموضوعٍ مهم على الهاتف الأرضيّ

فاستيقظ المريض على صوتها ، ليرى الطبيب واقفاً بجانبه !

- آه ! ماذا حصل ؟!


وكاد الطبيب يلكمه بقوّة على وجهه ، لكن فكرةً اخرى خطرت في باله .. فتصنّع الإبتسامة :

- سأعطيك موعداً ليوم الغد ، بنفس هذا الوقت

السكرتيرة باستغراب : لكن دكتور ! غداً يوم العطلة

- لا بأس ، فحالته تستدعي علاجاً مكثّفاً .. (ثم نظر لها) .. لا تأتي غداً ، سأتكفّل بنفسي بالمريض الجديد

السكرتيرة : كما تشاء دكتور

 

ثم لبس المريض معطفه وهو يقول : 

- لا ادري ما قلته لك اثناء نومي ، لكنني اشعر براحةٍ كبيرة .. اراك غداً دكتور

بينما حاول الطبيب كتم مشاعره الغاضبة بصعوبةٍ بالغة ..

 

وبعد خروج المريض والسكرتيرة من مكتبه ، تكلّم مع رئيسه على عجل .. ثم قام بتحطيم ساعته السحريّة غاضباً : 

- كنت مخطئاً !! ليس الجميع يستحق فرصةٌ ثانية


وبعدها اتصل بمتجر لبيع الأدوات الطبّية ، طالباً حقيبة تحوي مشارط حادّة.. 

ثم أغلق جوّاله ، وهو يقول في نفسه :

((سأجعلك تتمنّى الموت الف مرة ، ايها المغتصب الحقير))


الخميس، 19 مايو 2022

العيد الأخير

كتابة : امل شانوحة 

 

شموع الخوف


عاد أمجد عصراً بعد إحضاره الكيك والفطائر والمشروبات ، عقب زيارته منازل اصحابه الخمسة الذين دعاهم لحضور حفلة عيد ميلاده ..

ليتفاجأ برسالة امه تخبره : ((إنها ذهبت مع والده وإخوته الصغار للمبيت في القرية بعطلة نهاية الإسبوع ، وعليه حراسة المنزل لحين عودتهم بعد يومين)) 


فحزن لعدم إكتراثهم الإحتفال ببلوغه سن الثلاثين ! فحاول إشغال نفسه بترتيب الصالة ، لحين قدوم اصحابه مساءً

***


وانتظر قدومهم في الساعة الثامنة (كما اخبرهم) ، لكنه لم يأتي احد!

وحين اتصل بهم .. لم يردّ بعضهم عليه ، واكتفى الآخرون بإغلاق هواتفهم ! 

فشعر بغضبٍ شديد ، حيث كان بإمكانهم الإعتذار بدل إيهامه بقبول دعوته!

***


بحلول الساعة العاشرة .. قرّر تناول الطعام وهو يكتم دموعه ، بعد تذكّر ماضيه وشعوره الدائم بالوحدة .. فإيجاد صديق لم يكن سهلاً طوال مرحلة دراسته .. وهاهو يفشل ايضاً مع زملاء عمله ، حتى اهله نسيوا عيد ميلاده الذي ذكّرهم به أكثر من مرّة .. لكنه حاول التماسك ، مُتأمّلاً بمستقبلٍ أفضل !  


وقبل تقطيعه الكيك ، إنقطعت الكهرباء .. فقال بتهكّم :

- هذا ما كان ينقصني 


وقبل نهوضه لإضاءة الشمع ، سمع جرّجرة الكراسي كأنها تقترب من طاولة الطعام !

وسرعان ما تعالت أصوات سكب الطعام في الصحون ، ومضغ أشخاصٍ يأكلون بنهمٍ وهمجيّة !

فحاول الهرب ، لكن جسمه إلتصق بالكرسي بطريقةٍ غامضة !


وفجأة ! أُضيئت الكهرباء ، ليجد فتات الطعام مُتناثراً حول الطاولة .. ولم يتبقى سوى الكيك الذي امامه !


ثم أُطفئ النور ، ليُضاء التلفاز بعرض نشرة اخبارٍ محلّية قديمة : عن منزلٍ مهجور أُحرق بالكامل قبل عشرين سنة !


ثم أُطفىء التلفاز ، ليعمّ الظلام من جديد ! قبل أن تُضاء شموع الكيك الواحدة تلوّ الأخرى .. ومع كل شمعة ، تظهر عينٌ حمراء تطفو بجانب الطاولة ! قبل سماعه صوت ولدٍ صغير يقول بحماس:

- تمنّى قبل إطفاء الشمع !!

فصرخ أمجد بفزعٍ شديد :

- رجاءً لا تؤذونني !!! 


وهنا سمع رجلٌ عجوز يقول غاضباً :

- هل تذكرت حادثة الحريق ايها المشاغب ؟ كنت بعمر العاشرة حين  أشعلت الخرابة بعود الكبريت ، وأحرقت منزلي بالكامل !! وقد تمكّنت الهرب مع عائلتي بآخر لحظة ، لكن ابني الكبير مات مُختنقاً بالدخان اثناء نومه في الطابق العلويّ ..


أمجد مُستنكراً : لا يعقل أن تموتوا بالنار وانتم مخلوقين منه ؟

فصرخ كبيرهم غاضباً : ما رأيك أن أُغرقك بالوحل ايها الكائن الصلّصالي اللعين ، لترى إن كنت ستموت ام لا ؟!!

فردّ أمجد بخوف : كنت حينها صغيراً ، ولا اعلم بوجود مخلوقات تعيش في المكان المهجور .. وسيكون ظلماً عقابي على شيءٍ لم أره! 

- ومن قال انني لم اعاقبك حينها ، بل أنزلت عليك لعنتي بجعلك كائناً شفافاً !!


أمجد مستفسراً : ماذا يعني هذا ؟!

- أيّ لا يراك احد .. ولا يهتم أيّ شخص بآرائك وافراحك واحزانك ، وكأنك غير موجود

أمجد بحزن : الهذا لم تحضر عائلتي واصدقائي عيد ميلادي ؟ ..اللعنة عليكم !! بسببكم عانيت من الوحدة طوال حياتي

- وهل تظن عقابك أشفى غليلي ؟ .. بالحقيقة كنت تناسيتك لفترة ، لكن حين علمت بتحضير عيدك الثلاثين ، وهو العمر الذي توفّى به ابني ، قرّرت إحضار عائلتي للإحتفال معك 


أمجد بعصبية : وهآ انتم أفسدّتم المناسبة ، ماذا تريدون بعد ؟!!

الكبير بسخرية : نريد تناول الكيك معك ، لكن دعنا اولاً نغني لك .. هيا يا اولاد !! غنّوا لقاتل أخيكم المسكين الذي لم يتهنّى بشبابه 


وبدأوا بغناء إنشودة العيد ، بلحنٍ مخيفٍ ومفزع .. 

ثم قال والدهم :

- ماذا تنتظر يا أمجد ؟ إطفىء الشمع ، كيّ نشاركك كعكتك اللذيذة 

الجني الصغير بحماس : ولا تنسى الأمنية !!

فتمّتم أمجد بيأس : ((أتمنى أن ينتهي هذا الكابوس))

الكبير : لا عزيزي ، أمنيتك مرفوضة !! هيا إطفىء الشمع


وما أن اقترب أمجد من الشمع لإطفائه ، حتى شعر بشخصين يمسكان ذراعيه بشدّة ، وشخصٌ آخر يثبّت جسمه بالكرسي ! بينما أمسكت يدٌ قويّة شعره من الخلف ، لتُسقط رأسه فوق الكيك ..


فحاول أمجد بكل قوته رفع وجهه عن الكريما التي سدّت أنفاسه وفمه ، لكنه لم يستطع الحِراك .. وآخر ما سمعه :

- عيد ميلاد سعيد ، ايها القاتل اللعين 

***


وفي اليوم التالي ، وصلت عائلة أمجد .. لتجد الفوضى وفتات الأكل متناثراً حول مائدة الطعام ، بصحونها الفارغة .. وابنهم نائماً هناك! 


لكن سرعان ما ارتفع صراخهم لرؤية جثته مُختنقة بكريما الكيك ، بعد أن صبغ الشيب شعره بالكامل ! 


الاثنين، 16 مايو 2022

صديقي الشاحب

تأليف : امل شانوحة 

 

براءة الطفولة


وقف حزيناً بعد فشله لمس الكرة الموجودة في غرفة الطفل آدم .. وأخذ يتأمّل منظر الألعاب المُنعكسة في المرآة التي لم تُظهر شكله كالعادة ! 

فتوجّه مُنكسراً نحو جدار الغرفة واخترقه للعودة الى عالمه ، وسؤال امه غاضباً :

- الى متى سنظلّ مخفيين عن البشر ؟!

الأم : قدرنا أن نعيش معهم دون أن يرونا


ابنها بقهر : هذا ظلم !! نحن عشنا على الأرض قبلهم بقرون ، فلما احتلّوا منازلنا الجميلة ، وحاصرونا في الأماكن المهجورة الرطبة ، وتركونا نعاني من رعب المقابر ووحدة أعماق البحار ، وحرارة الأرض السفليّة ؟! الا يحقّ لنا اللعب في البراري العشبيّة ، والسباحة بالأنهار الباردة مثلهم ؟

- ربما يوماً ما

- سمعت هذا سابقاً ، اريد فعلاً تغيّر حياتي !!

الأم بقلق : جوناس ! بماذا تفكّر ؟!

فأجاب بحزم : قرّرت الظهور لهم !!

الأم معاتبة : إيّاك فعل ذلك !! فالبشر لا يمكن الوثوق بهم ، قد يحبسوك في سيرك او يجعلوك فأر تجارب في مختبراتهم الكيماويّة .. عدّني الا تفعل يا صغيري ..

ثم حضنت ابنها بحنان ، بينما التزم جوناس الصمت بغيظٍ شديد

***


بعدها بإسبوع .. أُقيمت الإحتفالات في عالم الجن ، في اليوم الذي يصادف حكم ابليس لهم (بعد طرده من الجنة) .. 

وهذه المرة أصرّ جوناس على الذهاب مع ابيه ، لحضور خطبة تضمّ كبار الجن !

وكانت المحاضرة عن التعويذات النادرة التي سرقها اجدادهم في زمن النبيّ سليمان .. 


وبنهاية الخطبة .. أشار مشعوذهم الى خزانةٍ زجاجيّة في زاوية مجلسه ، وهو يقول :

- يحوي ذلك الكتاب السحريّ على أقوى وأخطر تعويذة ، وهي تجعلنا نظهر علناً للبشر ..لكن لا احد تجرّأ على تجربتها ، حتى ابليس نفسه


وقد أثار كلامه إهتمام جوناس الذي يحلم دائماً بمشاركة الطفل البشري (آدم) ألعابه المثيرة التي يعجز عن الإمساك بها بجسمه الأثيريّ..

وانتظر خروج كبار الجن من المجلس لتسلّل للخزانة ، غير مكترث بإقفال المجلس عليه من الخارج ! 

أمّا والده ، فظنّ انه سبقه للمنزل او ذهب للعب مع رفاقة الجن بعد ملله من الخطبة الطويلة ..


وبعد تأكّد جوناس من بقائه وحده ، كسر زجاج الخزانة لإخراج الكتاب السحريّ الذي تصفّح صفحاته المئة على عجل ، بحثاً عن التعويذة الخطيرة التي وجدها في نهاية الكتاب .. 

ثم تلاها بصوتٍ مسموع وهو مقتنع بنتيجتها .. لتظهر زوبعةٌ سوداء من بين صفحات الكتاب ، سحبته الى عالم البشر !


ولم يتأكّد من نجاحه إلاّ بعد رؤية الفزع بأعين الطفل البشري (الذي راقبه لسنوات من زوايا غرفته) والذي سأله بفزع :

آدم : من انت ؟! وكيف دخلت غرفتي ؟!

جوناس بدهشة : هل تراني ؟!

- نعم ، لما وجهك شاحباً هكذا ؟!

جوناس بحماس : هذا رائع !! كنت مُتحمّساً للعب سويّاً

- أخاف أن تغضب امي

جوناس : اعدك أن نلعب بهدوء


ولعبا معاً بعض الوقت ، قبل سقوط كوب الحليب من يد أم آدم بعد رؤيتها الجني ! 

فقامت بسحب ابنها من ذراعه بعيداً عنه ، وهي تسأله بفزعٍ شديد:  

- من ذاك الشبح الذي تلعب معه يا بنيّ ؟!

فأجاب الجني ببراءة : لا تخافي سيدتي ، فأنا لست مؤذياً .. اريد فقط اللعب مع آدم

فصرخت بعلوّ صوتها : أخرج من بيتي فوراً !!


فسمع زوجها صراخها ، وتوجّه الى غرفة ابنه .. ليتفاجأ بمنظر جوناس الغير مريح ! خاصة بعد رؤية قدميه المرتفعتان عن الأرض بضعة سنتيمترات .. 


فأسرع بإخراج عائلته ، وإقفال الغرفة على جوناس الذي حاول العودة الى عالمه .. لكنه هذه المرة لم يستطع إختراق الجدار او المرآة ، ليدرك انه علق في عالم البشر ! 

***


في هذه الأثناء ، إتصل والد آدم بالشرطة التي اقتادت جوناس الى السجن .. ليصل الخبر الى الصحافة التي نشرت صورة جوناس على كافة وسائل التواصل الإجتماعي ، ويضجّ العالم بخبر قبضهم على اول جني في التاريخ ! 


ولم يتجرّأ احد على التحدّث معه سوى مذيعة مُتمرّسة ، طرحت بضعة اسئلة عليه مثل : كيفيّة ظهوره ؟ واسباب ذلك ؟ ونيّته اتجاههم ؟ 

فأجاب جوناس حزيناً :

- حلمت دائماً بالتجوّل في عالمكم ، لذا جازفت بنفسي للظهور لكم .. واريد إعلامكم بأنني جني مسالم ، ولا اريد إيذاء أحد .. فلما تعاملونني كمنبوذ او كعبدٍ لديكم ؟!

***


وبعد المقابلة التي أُذيعت على الهواء مباشرةً ، والتي تناقلتها كافة وسائل الأخبار .. إنهالت الطلبات والضغوطات على مركز الشرطة : مثل عرض بعض الأثرياء مبالغاً مغريّة للحصول على جوناس ، بغرض عرضه بحفلاتٍ علنيّة للكسب المادي من فضول الناس .. والبعض الآخر أراد إستشارة الجني بتجارته المستقبليّة.. أمّا المشعوذون فسعوا لحكمته وعلمه ، لمساعدتهم بعقد اسحارهم ..كما رغب كبار الماسون بمساهمته في خططهم السياسيّة لإثارة الفوضى بالعالم !


وبعد سماع جوناس جميع العروضات ، صرخ غاضباً :

- انا ولدٌ صغير !! بعمر التاسعة في عالمكم .. وليس لديّ الخبرة لما تطلبونه مني !


لكن رجال السياسة أصرّوا على الجني لمعرفة الطريقة التي تنقلهم الى عالمه ، خاصة عبّاد شياطين الذين رغبوا برؤية ابليس !

فأجاب باكياً : لوّ كنت اعرف الطريقة لعدّتُ لعالمي ، لكني عالقٌ هنا ! .. رجاءً إطلقوا سراحي !!

***


وما كادت الضغوطات تهدأ قليلاً ، حتى شُنّت حملةٌ واسعة تطالب بحرق جوناس قبل تشجيعه بقيّة الجن لغزو عالم البشر ! 

واستطاع المتشدّدون حشد اراء الناس ، لحرقه علناً في ساحة البلد


ولم يحزن احد على مصيره ، سوى آدم الصغير الذي شاركه اللعب ذلك النهار .. والذي أسرع الى غرفته ، ليقف امام المرآة ويقول :

- لا ادري إن كنتم تسمعونني ، لكن ابنكم جوناس سيُحرق في الساحة بحلول المساء .. رجاءً ساعدوه !!


قالها دون علمه بأن والدة جوناس (التي تبحث عنه منذ ايام) سمعت حديثه في الجهة المقابلة للمرآة .. فأسرعت الى قائدها لإخباره بما حصل

رئيس مشعوذي الجن بحنق : اذاً ابنك من كسر خزانتي ؟!

الأم وهي تمسح دموعها : لا وقت للوم سيدي ، فهم سيحرقونه بعد ساعة

الرئيس بغضب : ونحن لن نسمح بذلك !!

***


بعد صلب رئيس البلديّة لجوناس في الساحة وسط حشدٍ شعبيّ ضخم ، وتغطية إعلاميّة واسعة .. بدأ بإشعال الحطب اسفل منه ، مع إرتفاع هتافات الناس وتشجيعهم للتخلّص منه .. 

قبل حصول هرجٍ ومرج بين المشاهدين فور رؤيتهم جيش الجن يخرج من اسفل الأرض كزوابع سوداءٍ هائجة ، جعلتهم يتدافعون بفزعٍ شديد للإبتعاد عن الساحة !  


وفي خُضمّ المعّمعة .. حلّقت ام جوناس نحو ابنها لفكّ قيوده قبل وصول النار الى جسمه ، وسحبه لباطن الأرض .. ليتبعها بقيّة جنود الجن بعد إتمامهم المهمّة بإنقاذ صغيرهم

***


في عالم الجن .. قرّر كبيرهم إخفاء كتاب الشعوذة في مكانٍ سرّي ، كيّ لا تتكرّر الحادثة من جديد (بعد حصوله على إنذارٍ غاضب من ابليس).. واكتفى بمعاقبة جوناس بحجّزه في عالمهم حتى سن الرشد!

*** 


اما في عالم البشر .. فتحدّث الناس عمّا حصل في الساحة لشهورٍ عديدة ، قبل انشغالهم بأخبارهم اليوميّة .. 


ومع الوقت تناسى الجميع الحادثة ، فيماعدا آدم الذي ظلّ يُحادث جوناس من خلال المرآة (فقط) وبسرّيةٍ تامة عن البالغين .. ليصبحا صديقين من عالمين مختلفين ، تجمعهما براءة الطفولة !


السبت، 14 مايو 2022

الطائر الإلكترونيّ

تأليف : امل شانوحة 

الحرب النوويّة


إستيقظ الإخوان الثلاثة باكراً على صوت مروحيّة وسيارات مُصفّحة تجوب قريتهم الروسية الصغيرة !

فنظرت الإخت (تاتيانا خرّيجة رياضيات) من نافذة الصالة العلويّة وهي تتساءل :

- مالذي حصل ؟! لما ارسلت الحكومة دوريات عسكريّة الى قريتنا؟

فردّ أخوها سيرغي (برمجة كمبيوتر) : كأنهم يبحثون عن شخصٍ ما !


وهنا لمحت شيئاً يتحرّك قرب سطح منزلهم ، فسألته :

- هل ذلك طائرٌ حقيقيّ ؟!

سيرغي : لا ! تبدو كلعبةٍ إلكترونيّة .. سأصعد السطح وأحاول مسكها


وبعد إحضارها منزلهم ، أخبر أخويّه بأنه وجد جهاز تنصّت في اللعبة المتطوّرة ! 

فأخذ أخوه الثاني (ديمتري ، خرّيج هندسة إتصالات) الطائر الإلكترونيّ لفحصه :

- يا الهي ! انه مُوصّل بالأقمار الصناعيّة

تاتيانا بقلق : أمتأكّد من ذلك ؟!


ديمتري : أظن العساكر تبحث عن اللعبة ، لقدرتها على تحديد الأماكن بدقة ، تماماً كرادار المخابرات

تاتيانا : إن كان كلامك صحيحاً ، فلما أرسلوها الى قريتنا الزراعيّة؟ 


فردّ أخوها سيرغي :

- وما يدريكِ إن اللعبة لم تتعمّد الوصول الينا بعد انتهاء بطاريتها .. فنحن المتعلّمين الوحيدين في هذه المنطقة النائية .. ولوّ لم نقرّر العودة لزيارة قبر والدينا ، لما حصلت هذه الصدفة ! 

ديمتري : لا ادري إن كان كلامك صحيحاً ! .. بجميع الأحوال دعونا نفحص اللعبة جيداً .. فهل تستطيع توصيلها بحاسوبك ، لمعرفة المعلومات المحتفظة في ذاكرتها ؟ 

سيرغي بحماس : سأفعل ذلك الآن 


في هذه الأثناء .. راقبت تاتيانا الوضع المتوتّر من النافذة ، قبل أن تقول بقلق :  

- تتوجّه الدبّابات الى هنا ! أتظنان إنهم يلاحقوا اللعبة بأجهزتهم اللاّسلكية ؟! 

سيرغي : إن كان كذلك ، فالأفضل الإستعجال بكشف المعلومات قبل وصولهم الينا !


لكن المعلومات لم تظهر على الحاسوب ، لوجود مسألةٌ رياضيّة مُعقّدة كمفتاح دخول (كلمة السرّ) .. 


وهنا جاء دور اختهم التي قامت بحلّ المسألة ببراعة ، وبزمنٍ قياسيّ ! 

ليكتشفوا بعدها السرّ الخطير الذي يحمله الطائر الإلكترونيّ : وهي إحداثيات القنبلة النوويّة الروسيّة ، الأضخم في العالم !


وقبل إستيعابهم ما حصل ! .. رأوا نوراً احمراً يخترق شرفة منزلهم ، ليصرخ الأخ الأكبر بفزع : 

- القنّاصة ! لنهرب للقبو فوراً !!


وماهي الا ثواني .. حتى تطايرت اغراض منزلهم ، بوابلٍ من الرصاص إنهال عليهم من جميع الجهات ! كسّرت معها النوافذ والأبواب .. وبالكاد هربوا وهم يحملون اللعبة والحاسوب المحمول الى القبو !

*** 


وما أن وصلوا هناك ، حتى سمعوا اقدام الجنود تجوب منزلهم الخشبيّ ! وهنا اشارت اللعبة بشعاعٍ اخضر نحو خزانةٍ حديديّة ، وهي تقول :

- بابٌ سرّي خلف الخزانة 


ولم يكن هناك وقتاً للتفكير ! وأسرع الأخوان بجرّ الخزانة .. ليتفاجأوا جميعاً بوجود سردابٍ تحت الأرض ، رغم سكن اهلهم في الكوخ منذ زواجهما (فهل علما بوجود السرداب ، ام حفراه لسببٍ ما ؟!).. 


وأنار الإخوة جوّالتهم ، قبل ركضهم في السرداب (بعد إعادة الخزانة مكانها) .. 

وفي منتصف الطريق ، تذكّر سيرغي انه نسيّ حاسوبه بالقبو ! لكنه مُضطّر لمتابعة المسير ، بعد إقتحام الجنود المكان ..

***


بحلول الظهر ، خرجوا من باب السرداب الطويل الى منتصف الغابة .. وقرّروا الإختباء فيها حتى المساء ، قبل هروبهم من القرية المحاصرة بالجنود والعسكر .. وسط رعب الأهالي ، والتكتّم الكبير من قبل المسؤولين والصحافة عمّا يجري هناك !

***


ما أن حلّ المساء ، حتى أشارت اللعبة بليزرٍ اخضر الى عمق الغابة .. فتتبّعوها وهي تحلّق فوق رؤوسهم ، الى أن حطّت على الأرض !

وحين اقتربوا منها ، شعروا أن الأرضيّة اسفل منهم حديديّة وليست ترابيّة! 

فأخذوا يحفرون ، ليجدوا بوّابة اخرى سرّية : بداخلها غرفةٍ صغيرة تحوي اجهزة كمبيوتر قديمة ! 

وهناك نطقت اللعبة : أوصلوني بالجهاز  !!


وفور توصيلها ، ظهر فيديو مُسجّل لرجلٍ في منتصف العمر يقول: 

((انا مدير المحطّة النوويّة الرئيسية لروسيا .. في حال لم يصل الطائر الإلكتروني لحرّاس الحدود ، فهذا يعني إن بطاريتها فرغت قبل إتمامها المهمّة .. وعليكم شحنها بالحال ، وإطلاقها من جديد .. وإن وجدتموها مُعطّلة ، فعليكم نسخ معلوماتها ورقيّاً .. قبل انتشار الفيروس الذي سيدمّر جميع الحواسيب العالميّة ، فيضيع مجهودنا لأعوامٍ طويلة)) 


وانتهت الرسالة ، لتقول اللعبة : 

- إضغطوا كلمة ابدأ (التي ظهرت على الشاشة) ..


وما أن فعلوا .. حتى ظهر العدّ التنازلي ، لمدة أقل من ساعةٍ واحدة! 

سيرغي بخوف : ماذا يعني هذا ؟ هل سينفجر شيء ؟!


وبعد مرور دقيقتين ، ظهر بثٌّ مباشر لرجلٍ يبتسم بخبث : 

((انا جاسوس امريكي ، فشلت في اقتحام المفاعل الروسيّ الرئيسي .. لهذا تعرّفت على مديرها العجوز وعزمته على بار .. وأهديته الطائر التقنيّ ، ونصحته بنقل جميع المعلومات المتعلّقة بالقنبلة النوويّة على ذاكرتها ، خوفاً من الإشاعة الكاذبة التي نشرها إعلامنا حول العالم عن فيروس الهكرز المدمّر .. ومن مراقبتي لتحرّكات الطائر ، علمت إن الغبي لم يشحنه جيداً ! لهذا لم يصل لعميلنا الخائن على الحدود .. لهذا وجّهت الطائر نحو بيتكم ، بعد أن أجريت بحثاً سريعاً لمعرفة المتعلّمين في القرية المتخلّفة .. وقد أدّيتم المهمّة جيداً بعد تشغيلكم المنصّة الروسية التي ستُطلق عدة صواريخ نوويّة دفعةً واحدة باتجاه مصانع النوويّ حول العالم مثل : كوريا الشمالية والهند والصين ، وبعض الدول الأوربيّة.. لتصبح روسيا المذنبة الوحيدة بتدميرها القارّة الآسيويّة والأوربيّة معاً ، والتي حتماً سيُعلن حكّامها الحرب البرّية والبحرية والجوّية على دولتكم ، بينما تبقى اميركا على الحياد .. وبعد تدميرهم روسيا تماماً ، نُصبح الدولة الوحيدة العظمى في العالم .. وآخر ما اريده منكم هو ...)) 


وقبل إكمال كلامه ، فصل ديمتري الطائر عن الشاشة .. لينقطع الإتصال 


تاتيانا باستنكار : لما فعلت ذلك ؟!

ديمتري بغيظ : سأسلّم اللعبة اللعينة لجيشنا !!

سيرغي بخوف : سيقتلوننا !

ديمتري : على الأقل نحمي العالم من حربٍ نوويّة مُدمّرة


وإذ بغازٍ سام يخرج من اللعبة دون علمهم ، لكونه غازٌ شفّاف !

وخلال ثواني ، سقط الإخوة الثلاثة موتى على الأرض .. 


وفور تأكّد الجاسوس الأمريكي بأن الصواريخ أُطلقت فعلاً من المصنع النوويّ الروسي باتجاه آسيا واوروبا ، حتى قام بتفجير الطائر الإلكرتوني داخل الحجرة السرّية في الغابة ، لتدمير الأدلّة المُدينة لأميركا .. دون علم الدول الكبرى بأنهم على موعدٍ مع الإبادة الجماعيّة خلال دقائق معدودة !


التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...