الاثنين، 16 مايو 2022

صديقي الشاحب

تأليف : امل شانوحة 

 

براءة الطفولة


وقف حزيناً بعد فشله لمس الكرة الموجودة في غرفة الطفل آدم .. وأخذ يتأمّل منظر الألعاب المُنعكسة في المرآة التي لم تُظهر شكله كالعادة ! 

فتوجّه مُنكسراً نحو جدار الغرفة واخترقه للعودة الى عالمه ، وسؤال امه غاضباً :

- الى متى سنظلّ مخفيين عن البشر ؟!

الأم : قدرنا أن نعيش معهم دون أن يرونا


ابنها بقهر : هذا ظلم !! نحن عشنا على الأرض قبلهم بقرون ، فلما احتلّوا منازلنا الجميلة ، وحاصرونا في الأماكن المهجورة الرطبة ، وتركونا نعاني من رعب المقابر ووحدة أعماق البحار ، وحرارة الأرض السفليّة ؟! الا يحقّ لنا اللعب في البراري العشبيّة ، والسباحة بالأنهار الباردة مثلهم ؟

- ربما يوماً ما

- سمعت هذا سابقاً ، اريد فعلاً تغيّر حياتي !!

الأم بقلق : جوناس ! بماذا تفكّر ؟!

فأجاب بحزم : قرّرت الظهور لهم !!

الأم معاتبة : إيّاك فعل ذلك !! فالبشر لا يمكن الوثوق بهم ، قد يحبسوك في سيرك او يجعلوك فأر تجارب في مختبراتهم الكيماويّة .. عدّني الا تفعل يا صغيري ..

ثم حضنت ابنها بحنان ، بينما التزم جوناس الصمت بغيظٍ شديد

***


بعدها بإسبوع .. أُقيمت الإحتفالات في عالم الجن ، في اليوم الذي يصادف حكم ابليس لهم (بعد طرده من الجنة) .. 

وهذه المرة أصرّ جوناس على الذهاب مع ابيه ، لحضور خطبة تضمّ كبار الجن !

وكانت المحاضرة عن التعويذات النادرة التي سرقها اجدادهم في زمن النبيّ سليمان .. 


وبنهاية الخطبة .. أشار مشعوذهم الى خزانةٍ زجاجيّة في زاوية مجلسه ، وهو يقول :

- يحوي ذلك الكتاب السحريّ على أقوى وأخطر تعويذة ، وهي تجعلنا نظهر علناً للبشر ..لكن لا احد تجرّأ على تجربتها ، حتى ابليس نفسه


وقد أثار كلامه إهتمام جوناس الذي يحلم دائماً بمشاركة الطفل البشري (آدم) ألعابه المثيرة التي يعجز عن الإمساك بها بجسمه الأثيريّ..

وانتظر خروج كبار الجن من المجلس لتسلّل للخزانة ، غير مكترث بإقفال المجلس عليه من الخارج ! 

أمّا والده ، فظنّ انه سبقه للمنزل او ذهب للعب مع رفاقة الجن بعد ملله من الخطبة الطويلة ..


وبعد تأكّد جوناس من بقائه وحده ، كسر زجاج الخزانة لإخراج الكتاب السحريّ الذي تصفّح صفحاته المئة على عجل ، بحثاً عن التعويذة الخطيرة التي وجدها في نهاية الكتاب .. 

ثم تلاها بصوتٍ مسموع وهو مقتنع بنتيجتها .. لتظهر زوبعةٌ سوداء من بين صفحات الكتاب ، سحبته الى عالم البشر !


ولم يتأكّد من نجاحه إلاّ بعد رؤية الفزع بأعين الطفل البشري (الذي راقبه لسنوات من زوايا غرفته) والذي سأله بفزع :

آدم : من انت ؟! وكيف دخلت غرفتي ؟!

جوناس بدهشة : هل تراني ؟!

- نعم ، لما وجهك شاحباً هكذا ؟!

جوناس بحماس : هذا رائع !! كنت مُتحمّساً للعب سويّاً

- أخاف أن تغضب امي

جوناس : اعدك أن نلعب بهدوء


ولعبا معاً بعض الوقت ، قبل سقوط كوب الحليب من يد أم آدم بعد رؤيتها الجني ! 

فقامت بسحب ابنها من ذراعه بعيداً عنه ، وهي تسأله بفزعٍ شديد:  

- من ذاك الشبح الذي تلعب معه يا بنيّ ؟!

فأجاب الجني ببراءة : لا تخافي سيدتي ، فأنا لست مؤذياً .. اريد فقط اللعب مع آدم

فصرخت بعلوّ صوتها : أخرج من بيتي فوراً !!


فسمع زوجها صراخها ، وتوجّه الى غرفة ابنه .. ليتفاجأ بمنظر جوناس الغير مريح ! خاصة بعد رؤية قدميه المرتفعتان عن الأرض بضعة سنتيمترات .. 


فأسرع بإخراج عائلته ، وإقفال الغرفة على جوناس الذي حاول العودة الى عالمه .. لكنه هذه المرة لم يستطع إختراق الجدار او المرآة ، ليدرك انه علق في عالم البشر ! 

***


في هذه الأثناء ، إتصل والد آدم بالشرطة التي اقتادت جوناس الى السجن .. ليصل الخبر الى الصحافة التي نشرت صورة جوناس على كافة وسائل التواصل الإجتماعي ، ويضجّ العالم بخبر قبضهم على اول جني في التاريخ ! 


ولم يتجرّأ احد على التحدّث معه سوى مذيعة مُتمرّسة ، طرحت بضعة اسئلة عليه مثل : كيفيّة ظهوره ؟ واسباب ذلك ؟ ونيّته اتجاههم ؟ 

فأجاب جوناس حزيناً :

- حلمت دائماً بالتجوّل في عالمكم ، لذا جازفت بنفسي للظهور لكم .. واريد إعلامكم بأنني جني مسالم ، ولا اريد إيذاء أحد .. فلما تعاملونني كمنبوذ او كعبدٍ لديكم ؟!

***


وبعد المقابلة التي أُذيعت على الهواء مباشرةً ، والتي تناقلتها كافة وسائل الأخبار .. إنهالت الطلبات والضغوطات على مركز الشرطة : مثل عرض بعض الأثرياء مبالغاً مغريّة للحصول على جوناس ، بغرض عرضه بحفلاتٍ علنيّة للكسب المادي من فضول الناس .. والبعض الآخر أراد إستشارة الجني بتجارته المستقبليّة.. أمّا المشعوذون فسعوا لحكمته وعلمه ، لمساعدتهم بعقد اسحارهم ..كما رغب كبار الماسون بمساهمته في خططهم السياسيّة لإثارة الفوضى بالعالم !


وبعد سماع جوناس جميع العروضات ، صرخ غاضباً :

- انا ولدٌ صغير !! بعمر التاسعة في عالمكم .. وليس لديّ الخبرة لما تطلبونه مني !


لكن رجال السياسة أصرّوا على الجني لمعرفة الطريقة التي تنقلهم الى عالمه ، خاصة عبّاد شياطين الذين رغبوا برؤية ابليس !

فأجاب باكياً : لوّ كنت اعرف الطريقة لعدّتُ لعالمي ، لكني عالقٌ هنا ! .. رجاءً إطلقوا سراحي !!

***


وما كادت الضغوطات تهدأ قليلاً ، حتى شُنّت حملةٌ واسعة تطالب بحرق جوناس قبل تشجيعه بقيّة الجن لغزو عالم البشر ! 

واستطاع المتشدّدون حشد اراء الناس ، لحرقه علناً في ساحة البلد


ولم يحزن احد على مصيره ، سوى آدم الصغير الذي شاركه اللعب ذلك النهار .. والذي أسرع الى غرفته ، ليقف امام المرآة ويقول :

- لا ادري إن كنتم تسمعونني ، لكن ابنكم جوناس سيُحرق في الساحة بحلول المساء .. رجاءً ساعدوه !!


قالها دون علمه بأن والدة جوناس (التي تبحث عنه منذ ايام) سمعت حديثه في الجهة المقابلة للمرآة .. فأسرعت الى قائدها لإخباره بما حصل

رئيس مشعوذي الجن بحنق : اذاً ابنك من كسر خزانتي ؟!

الأم وهي تمسح دموعها : لا وقت للوم سيدي ، فهم سيحرقونه بعد ساعة

الرئيس بغضب : ونحن لن نسمح بذلك !!

***


بعد صلب رئيس البلديّة لجوناس في الساحة وسط حشدٍ شعبيّ ضخم ، وتغطية إعلاميّة واسعة .. بدأ بإشعال الحطب اسفل منه ، مع إرتفاع هتافات الناس وتشجيعهم للتخلّص منه .. 

قبل حصول هرجٍ ومرج بين المشاهدين فور رؤيتهم جيش الجن يخرج من اسفل الأرض كزوابع سوداءٍ هائجة ، جعلتهم يتدافعون بفزعٍ شديد للإبتعاد عن الساحة !  


وفي خُضمّ المعّمعة .. حلّقت ام جوناس نحو ابنها لفكّ قيوده قبل وصول النار الى جسمه ، وسحبه لباطن الأرض .. ليتبعها بقيّة جنود الجن بعد إتمامهم المهمّة بإنقاذ صغيرهم

***


في عالم الجن .. قرّر كبيرهم إخفاء كتاب الشعوذة في مكانٍ سرّي ، كيّ لا تتكرّر الحادثة من جديد (بعد حصوله على إنذارٍ غاضب من ابليس).. واكتفى بمعاقبة جوناس بحجّزه في عالمهم حتى سن الرشد!

*** 


اما في عالم البشر .. فتحدّث الناس عمّا حصل في الساحة لشهورٍ عديدة ، قبل انشغالهم بأخبارهم اليوميّة .. 


ومع الوقت تناسى الجميع الحادثة ، فيماعدا آدم الذي ظلّ يُحادث جوناس من خلال المرآة (فقط) وبسرّيةٍ تامة عن البالغين .. ليصبحا صديقين من عالمين مختلفين ، تجمعهما براءة الطفولة !


هناك 9 تعليقات:

  1. قصة رائعة أتمنى لو يتم تحويلها إلى فيلم

    ردحذف
  2. رااائعة

    ردحذف
  3. مرحبا الكاتبة المميزة امل... كيفك؟ ع بالي قصة عن النكبة

    ردحذف
  4. قصصك رائعة ومميزة شكرا لك على كل شئ منك

    ردحذف
  5. لافيكيا سنيورا

    قصه رائعه

    ولكن اختي امل اذا قرأ احد من الجن قصتك سوف يبلغ عائلة جوناس لكي يأخذوك لعالمهم وينتقمو منك او سيحرقون مدونتك ويهكروها . .ههههههههههههههه



    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. دائماً تضحكني تعليقاتك ، لافيكيا سنيورا اخي ابن اليمن

      حذف
    2. لافيكيا سنيورا

      ههههههههه ربنا يسعدك طول عمرك ...

      لاتستغربي اختي فانا بعد ان قرات قصه لافيكيا

      احببت الكلمتين وصرت اردد هاته الكلمتين بيني وبين نفسي لذا ستجديني اكتب الكلمتين في البدايه والنهايه
      فارجو ان لا تنزعجي من ذكر هذه الكلمتين في البدايه والنهايه

      لافيكيا سنيورا

      حذف
    3. لا بالعكس ، تُسعدني الكلمة دائماً .. تحياتي اخي ابن اليمن

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...