الأحد، 22 مايو 2022

التلاعب بالزمن

كتابة : امل شانوحة 

 

اخطاء الماضي


رغم ثراء الطبيب النفسيّ (جون) إلاّ انه أُعجب بساعةٍ قديمة معروضة بين اغراضٍ منزليّة ، امام إحدى المنازل الأمريكيّة .. 

وبعد شرائها ، عاد الى فلّته الفخمة ..

***


في الصباح الباكر .. واثناء تواجده في الصالة ، سألته الخادمة :

- سيدي ، أتريد شرب القهوة ؟

- لا ، تأخرت على العيادة


ثم أخرج الساعة من جيبه ، لضبط عقاربها .. لكنه اخطأ بتقريب الساعة دقيقتين ، فعادت الخادمة لسؤاله : 

- سيدي ، أتريد شرب القهوة ؟

فأجابها بعصبية : قلت لا !! الا تفهمين ؟!

الخادمة بدهشة : لم اسألك من قبل !.. آسفة لإزعاجك 

وعادت الى المطبخ مكسورة الخاطر .. 


فتساءل الطبيب في نفسه : ((كيف تناست سؤالها بهذه السرعة ؟!))

ثم قارن الوقت بساعة جوّاله ، ليجد فارق الزمن .. فقال بنفسه باستنكار : ((لا ، لا يعقل هذا !))


وقام بسحب قلمه من قميصه ، ورماه على الأرض .. ثم ضبط الساعة القديمة ، دقيقة للوراء .. ليُصعق برؤية القلم مازال في قميصه ! 

فعلم إن الساعة (التي اشتراها) تتحكّم بالزمن ! 

وهذا يعني كنز بالنسبة لعمله .. فكثير من مرضاه يتمنّون تغيّر قرارٍ في الماضي ، أثّر سلباً على مستقبلهم .. 


لهذا سارع الى عيادته ، مُتحمّساً لتجربة ساعته السحريّة على مرضاه الذين تدمّرت نفسيّتهم بقراراتٍ قديمةٍ طائشة ..

***


وفي العيادة.. بحث في حاسوبه عن اسوء الحالات المرضيّة التي ستُحلّ لوّ تغير ماضي المريض .. ووجد ثلاثة حالات وصفها سابقاً : ((بالمستعصية والمعقّدة)) 


واتصل بالمريض الأول ليخبره بحصوله على جلسةٍ مجانيّة لهذا اليوم 

(فالطبيب لم يهمّه هذه المرة الكسب الماديّ ، بقدر تأكّده من قدرات ساعته الغريبة)

***


بعد وصول المريض اريك (الخمسينيّ) واستلقائه على الكنبة ، قال للطبيب بتهكّم :

- لما ناديتني ؟! الم تخبرني في الجلسة الماضية انني بحاجة لمعجزةٍ آلهية لتغير واقعي الأليم ؟ 

الطبيب : ربما وجدّت حلاً لمشكلتك

- مستحيل .. كيف سأستعيد ابني الذي أهديته سيارةً مستعملة بعيد ميلاده 16 ، فمات بسبب تعطّل فراملها .. كل هذا لأنني إسترخصت ثمنها .. اللعنة عليّ !!

الطبيب : لا تلمّ نفسك ، واخبرني بتاريخ وفاة ابنك ؟ إن كنت تذكره 

- هو تاريخٌ علق في ذاكرتي للأبد .. 

وأطلعه على التاريخ الذي يعود لعشر سنواتٍ ماضية ..


فأخذ الطبيب يضبط ساعته السحريّة ليوم الحادثة .. 

ليتفاجأ بالمريض عاد لسن الأربعين ، بعد إختفاء تجاعيد وجهه التي سبّبتها كثرة بكائه على حياته البائسة ..

الطبيب بدهشة : يا الهي ! نجحتُ بالفعل


ففتح المريض عينيه التي توسّعتان بعد رؤيته الطبيب :

- دكتور جون ، تبدو شاباً ! 

الطبيب : وانت كذلك ، أنظر في المرآة 

فقال المريض بدهشة وهو يتمعّن شكله في مرآة العيادة : 

- كيف فعلت هذا ؟!

الطبيب : بل السؤال الأهم ، ماهو تاريخ اليوم ؟ سأطلب من السكرتيرة إخبارنا به 


وحين ناداها ، دخلت الغرفة .. ليتفاجأ كلاهما بجمالها الملفت ، والموضة القديمة لفستانها ! 

الطبيب : يا الهي ! تبدين رائعة

السكرتيرة باستغراب : عفواً !

الطبيب بارتباك : آسف .. كنت اريد سؤالك عن تاريخ اليوم ؟

فأخبرته بالتاريخ ، ليشهق المريض بدهشةٍ شديدة :

- دكتور ! اليوم يُصادف ..

الطبيب مقاطعاً : اعرف اعرف .. مادلين ، يمكنك العودة لمكتبك


وبعد ذهابها ، سأله المريض باستغراب :

- كيف أعدّتني لتاريخ الحادثة ؟!

الطبيب : لا يهم الطريقة ، المهم أن تُسرع الى بيتك لمنع ابنك من قيادة سيارته المستعملة ..

فنظر المريض اريك لساعته :

- بقيّ ساعة واحدة على موعد حفلته مع اصحابه .. سأذهب فوراً لإعطائه سيارتي الجديدة ، وأعيد سيارته التالفة الى الكراج  

***


وفجأة ! عاد الطبيب لزمن الحاضر .. فأخذ يبحث في حاسوبه ، دون إيجاده أثراً لملف بإسم المريض اريك ! 

فعلم انه تمكّن من إنقاذ ابنه ، لهذا لم يعد مريضاً نفسيّاً في زمن الحاضر 


ولشدّة فرحة الطبيب بساعته السحريّة ، سارع بالإتصال بالمريضة الثانية

***


وصلت ديانا الى عيادته ظهراً .. والتي عانت سابقاً من نرجسيّة زوجها الذي عاملها معاملةً سيئة ، ومنعها من إكمال دراستها رغم تفوّقها العلميّ ، وأجبرها على مقاطعة اهلها لسنواتٍ طويلة .. ثم طلّقها وحرمها من طفليها ، رغم خيانته لها اكثر من مرة ! 


وكانت في كل جلسةٍ علاجيّة تتمنّى لوّ إنها وافقت على الزواج من زميلها الفقير ، بدل زواجها من الثريّ اللئيم .. 

لهذا ضبط الطبيب ساعته السحريّة الى زمن عرض زميلها الزواج منها (فهي مازالت تحفظ التاريخ جيداً) .. 


وبعد إختفاء ملفها من حاسوبه ، وإيجاد اسمها في الإنترنت كمديرة حضانة بالمشاركة مع زوجها .. علم إنها عاشت حياةً سعيدة مع زوجٍ مُحبّ  

***


اما المريض الثالث آدم .. فسُجن بعد قتله زوجته التي دفعها غاضباً (إِثر مشاجرةً عائلية) لتسقط بعنف على الدرج ، مما أدّى لوفاتها.. ولم يصدّق المحلّفون إدّعائه قتلها خطأً ، وحكموا عليه بالسجن عشرين سنة ! مما أضاع فرصته بطرح إختراعه بالسوق ، والتي سرقها صديقه الذي أصبح ثريّاً ومشهوراً .. 


فأعاده الطبيب الى زمن المشاجرة .. ليُفاجئ آدم زوجته الغاضبة باحتضانها بحنان ، بدل مشاركتها الشجار ! مما أنهى المشكلة بينهما ..


وقد علم الطبيب بنجاة آدم من عقدة الذنب التي لازمته طوال حياته ، بعد رؤية إسمه على اختراعه في الإنترنت ، والتي مكّنته من العيش مع الزوجة (ذاتها) في قصره الفخم بمشاركة ابنائهما الثلاثة..


فحمد الطبيب ربه انه ساعده باسترداد حياته الزوجيّة والعمليّة معاً

***


بعد عودة الطبيب الى فلّته مساءً ، عقب تأكّده من فعاليّة ساعته السحريّة في علاج مشاكل مرضاه السابقين .. إستجمع جون قواه للعودة ليوم إختفاء ابنته الوحيدة ، آملا في إنقاذ حياتها .. 

وبعد ضبطه التاريخ ، شعر بدوارٍ خفيف ! 

***


وحين فتح عيناه ، وجد نفسه امام ابنته وهو يقول لها : 

- لا عزيزتي لن استطيع إحضارك من المدرسة ، فلديّ إجتماعٌ مهم مع الأطباء النفسيين .. انت اصبحت فتاةٌ كبيرة ، يمكنك المشي مسافة كيلو واحد الى البيت .. ولا تنسي أن تلتفتي للجهتين قبل قطعك الشارع


ثم انتقل جسمه الى المشرحة ، واقفاً امام جثة ابنته .. وزوجته بجانبه تضربه بهستيريا وتلومه لعدم إحضارها من المدرسة .. بينما تجمّد هو في ذهولٍ تام !

***


ثم أغمض عينيه الدامعتين ، ليجد نفسه عاد الى فلّته في زمن الحاضر

فقال بعصبيّة : لما لم استطع تغير الأحداث ؟!.. ايتها الساعة الغبية !! لا اريد تذكّر ما حصل ، بل تغيّر ماضيّ اللعين !! 


وأعاد ضبط الساعة مجدّداً على تاريخ اختفاء ابنته ، لكن الأحداث تكرّرت من جديد ! 


وحين عاد لحاضره ، قرّر زيارة صاحب المنزل الذي اشترى منه الساعة السحريّة قبل ايام 

***


في اليوم التالي .. إلتقى بصاحب الساعة الأصلي ، وأخبره ما حصل .. فردّ عليه قائلاً : 

- كنت اشتريت الساعة من مشعوذٍ روسيّ ، أخبرني بواسطتها يمكنني إنقاذ الناس ، دون إنقاذ احبّائي !.. فحاولت في البداية مساعدة الغرباء ، لكن الأمر بات يحزنني لعدم قدرتي على إنقاذ زوجتي التي تناسيت إحضار دوائها ، لانشغالي بالإحتفال مع اصدقائي .. لأجدها ميتة بعد عودتي متأخراً ذلك المساء .. لهذا قرّرت التخلّص من الساعة .. 

الطبيب بقهر : اذاً لا استطيع إنقاذ ابنتي !


صاحب الساعة : للأسف لا .. (ثم ربت على كتفه) .. انت طبيبٌ نفسيّ بارع ، والساعة ستساعدك على إنقاذ مرضاك .. وهذا سيجعلك متفوّقاً على زملائك الأطباء ، اليس كذلك ؟ 

فأومأ جون برأسه موافقاً .. 

صاحب الساعة : آه على فكرة ، مرضاك بعد عودتهم للماضي سيغيّرون قرارهم السيء ، دون تذكّر نصائحك .. يعني ساعتك السحريّة ستبقى سرّاً بيننا 


فودّعه جون ، ليعود الى فلّته يائساً بعد خسارته الأمل الأخير بإنقاذ ابنته .. لكنه في الوقت ذاته ، مُمتنّ لساعته الغريبة التي ستُحسّن سمّعته وقدراته الوظيفيّة بين زملائه 

***


في اليوم التالي بالعيادة .. وقبل استقبال الطبيب مرضاه ، نظر الى الساعة السحريّة وهو يقول :

- سأحاول بواسطتك علاج كل مرضايّ ، فالجميع يستحق فرصةً ثانية مهما كان خطؤه


وهنا أدخلت السكرتيرة مريضاً جديداً في الخمسينات من عمره ..

فسأله جون بعد استلقائه متعباً على الكنبة : 

- ما اسمك ؟ وماهي مشكلتك ؟

المريض : اسمي جاك .. وانا متعبٌ من الصراخ الذي لا يفارقني ليل نهار ، والذي حرمني النوم لسنواتٍ طويلة  

الطبيب باهتمام : صراخ من ؟!

- لا استطيع البوح بما حصل ، أخاف أن تبلّغ عني

- من إخلاقيات مهنتي : الحفاظ على اسرار مرضايّ 

جاك بإصرار وقلق : 

- لا !! أُفضّل تنويّمي مغناطيسياً ، كيّ أفضّفض على راحتي 

- كما تشاء


وبعد تنويمه مغناطيسياً : بدأ جاك يصفّ تعذيبه لفتاةٍ صغيرة ، خطفها بعد خروجها من المدرسة .. واعتدائه عليها لثلاثة ايامٍ متواصلة ، مما تسبّب لها بنزيفٍ حادّ ، أودى بحياتها ! 

ومن وصفه للوحمة الحمراء على ذراعها ، عرف الطبيب انه امام قاتل ابنته ! 

وتسارعت دقّات قلبه وهو يقترب من المريض النائم بنيّه قتله ، إنتقاماً لإبنته الوحيدة..


لكن قبل وضع يديه حول عنقه ، دخلت السكرتيرة وهي تقول :

- آسفة على مقاطعة .. نقيب الأطبّاء يريد محادثتك بموضوعٍ مهم على الهاتف الأرضيّ

فاستيقظ المريض على صوتها ، ليرى الطبيب واقفاً بجانبه !

- آه ! ماذا حصل ؟!


وكاد الطبيب يلكمه بقوّة على وجهه ، لكن فكرةً اخرى خطرت في باله .. فتصنّع الإبتسامة :

- سأعطيك موعداً ليوم الغد ، بنفس هذا الوقت

السكرتيرة باستغراب : لكن دكتور ! غداً يوم العطلة

- لا بأس ، فحالته تستدعي علاجاً مكثّفاً .. (ثم نظر لها) .. لا تأتي غداً ، سأتكفّل بنفسي بالمريض الجديد

السكرتيرة : كما تشاء دكتور

 

ثم لبس المريض معطفه وهو يقول : 

- لا ادري ما قلته لك اثناء نومي ، لكنني اشعر براحةٍ كبيرة .. اراك غداً دكتور

بينما حاول الطبيب كتم مشاعره الغاضبة بصعوبةٍ بالغة ..

 

وبعد خروج المريض والسكرتيرة من مكتبه ، تكلّم مع رئيسه على عجل .. ثم قام بتحطيم ساعته السحريّة غاضباً : 

- كنت مخطئاً !! ليس الجميع يستحق فرصةٌ ثانية


وبعدها اتصل بمتجر لبيع الأدوات الطبّية ، طالباً حقيبة تحوي مشارط حادّة.. 

ثم أغلق جوّاله ، وهو يقول في نفسه :

((سأجعلك تتمنّى الموت الف مرة ، ايها المغتصب الحقير))


هناك 4 تعليقات:

  1. لافيكيا سنيورا

    قصه رائعه اعجبتني مرتين ثم خطرت ع بالي فكرتين

    اعجابي الاول ع القصه بشكل عام مع الثلاثه المرضى

    والفكره الاولى حلوه
    الساعه نبحث عنها او عن الدكتور الذي يملكها ثم نشكي له معاناة بلدينا ونتذكر الاعوام التي مرت ع بلدينا برخاء وازدهار ثم نرجع بالزمن لكي يصحح الشعبين اخطائه

        لافيكيا سنيورا

    المره الثانيه
    اعجبتني حينما ظننت ان القصه ستنتهي عند الثلاثه
    ولكن حبكتك للقصه مع الدكتور وقصة ابنته اعجبتني  اعجبتني حتا النهايه مفتوحه حلوه جدا

    اما الفكره الثانيه شيطانيه
    فكرت في اخذ جميع قصصك وجمعها في كتاب او كتابين
    ثم اذهب لمنتجي افلام هوليود واعرضها عليهم . وبالتأكيد سيعجب كل مخرج ببعض القصص ويحولها لافلام. لذا سابتاع قصصك لهم او اتعاقد معهم. المهم احصل ع الفلووس..ههههه


    لاتنزعجي اختي من فكرتي الشيطانيه فهي كما يقول المثل
    لك او لأخيك او للذئب

    وانا اخوك المسلم ابدأ او اولى من ان يأتو اجانب غير لغتنا ويترجمون قصصك ويحولونها لافلام.  ويحصلون علا المال دون ان تعرفي وان عرفتي فلن تستطيعي فعل شيئ

    واخوك اولى من الذئب. هههههخ

    لافيكيا سنيورا


    ردحذف
    الردود
    1. افكارك الشيطانية تخيفني هههه ، كل ما اعرفه ان رزقنا مكتوب من قبل أن نُخلق .. فإن كان لي نصيب بتحويل قصصي الى افلام ، سيحصل هذا ولوّ بعد حين .. سعيدة ان القصة اعجبتك ، اخي الذئب الماكر هههه

      حذف
  2. الطبيب غبي بتحطيمه الساعه بدلا عن قتل قاتل ابنته كانت فرصته الوحيده لتغيير مجرى الاحداث وارجاع القاتل للماضي لمنعه من اختطاف طفلته طالما والمريض ليس من عائلته فسيساعد في حل مشكلة الطبيب لا ادري هل وصلت الفكره للكاتبه مع تحياتي للأختين

    ردحذف
  3. النهايه مو حلوه ما عجبتني☹️

    ردحذف

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...