تأليف : امل شانوحة
مشاعرٌ بريئة
لطالما رغب وليد (مغني الشباب المشهور بوسامته) تجربة التمثيل .. واقتضى دوره الأول الذهاب مع طاقم العمل الى قريةٍ جبليّة..
ولأن قصة الفيلم من تأليف سهى (الكاتبة المبتدئة) إشترطت الذهاب معهم للإشراف على الحوار بنفسها..
واجتمع الفريق عصراً في فلةٍ قديمة الطراز ، إختارتها المخرجة لتكون منزل البطل في الفيلم الذي سيُصوّر اولى مشاهده غداً صباحاً
***
وبحلول المساء .. تشاركت الممثلات غرفة نومٍ كبيرة في الطابق العلويّ ، أمّا الرجال فافترشوا أرضيّة غرفةٍ مشتركة في الطابق الأرضيّ للفلّة ..
بينما أصرّ المغني أن تكون له غرفته الخاصة ، وكذلك فعلت المخرجة السينمائيّة المشهورة بأعمالها الناجحة ..
***
في الصباح .. صوّر وليد مشهده الأول ، الذي اعترضت عليه الكاتبة فور مشاهدته من شاشة المخرجة ، قائلةً بخيبة أمل :
- بدايةٌ غير موفقة
واقتربت سهى من المغني وهي تعاتبه :
- نحن لا نصوّر فيديو لأغنية رومنسية ، بل فيلم درامي .. رجاءً لا تتصنّع الرقّة بتعاملك مع البطلة .. فأنت تزوّجتها بأمرٍ من والدك ، يعني غصباً عنك .. كما ستصبح رئيس بلديّة القرية في نهاية الفيلم ، لذا عليك أن تكون صارماً بتعابير وجهك .. وجميعنا يعرف شخصيتك الحقيقية العصبيّة والعنيدة ، فرجاءً إظهر على طبيعتك
فأجابها وليد بلؤم : طالما انا منتج الفيلم ، فسأظهر كما يحلو لي
سهى بعصبية : وانا صاحبة القصة ، ولا اريدك أن تفسدها !!
فنادى المخرجة غاضباً :
- لما قدمت معنا ؟ بالعادة ينتهي دور الكاتب بعد شرائنا القصة منه
فأجابته سهى بعصبية : ما لا تعرفه حضرتك .. انني لم اطلب ثمن القصة ، وكان شرطي الوحيد هو إشرافي على الحوار .. إقرأ عقدي جيداً !!
وليد : إن اردّت ، أدفع لك الآن ..
سهى بحزم : قلت !! لا اريد مالك .. فقط إتقن دور البطل جيداً.. هل صعبٌ عليك لهذه الدرجة أن تظهر على طبيعتك دون قناع الشخص الرومنسيّ الهائم ؟
فنظر اليها بنظرةٍ حادّة ، فابتسمت قائلة :
- بالضبط !! هذه النظرة الغاضبة التي اريدها..
ثم نادت المخرجة :
- ابدأي التصوير الآن ، فعصبيّته ستدعم مشهده الأول
وبالفعل ظهر المقطع المُعاد أفضل من اللقطة السابقة وأكثر واقعيّة!
***
في المساء ، تجمّع طاقم العمل على طاولة العشاء ..
ومن بعدها انشغلت المخرجة بإبنها الصغير الذي حاول الجميع ممازحته بتناول البسكويت من يده ، لكنه رفض إطعام احد ..
فقال المغني مازحاً :
- كانت امي تقول : إن الأطفال يميّزون الإنسان الطيّب من الخبيث ، يبدو جميعنا شياطين
لكن ضحكاتهم توقفت ، بعد رؤيتهم الطفل يقترب من الشرفة (التي انشغلت فيها الكاتبة بالطباعة على حاسوبها لإحدى مقاطع الفيلم التي طلبت منها المخرجة تعديلها) ومدّ يده الصغيرة لإعطائها البسكويت ..
فأكلت قضمة منها ، وهي تنظر اليهم :
- تماماً كما أحبها ، مُبلّلة وساخنة
فهمست المخرجة لهم :
- يبدو إن ابني وجد الملاك بيننا
قالتها على سبيل المزاح ، لكن كلمتها أثّرت بوليد الذي ظلّ يراقب سهى وهي تربط شريط حذاء الصغير بعفويّة ومحبّة
***
بمرور الأيام .. تابع المغني مراقبة الكاتبة من شرفة غرفته ، وهي تلعب مع اولاد القرية بتواضعٍ لم يجده مع الشخصيات التي رافقت مسيرته الفنيّة!
كما أعجبه طريقة تعاملها مع كبار السن والفقراء ، ورفقها بالحيوانات الأليفة .. وفسّر إهتمامه بها على كوّنها شخصية جديدة لم تمرّ عليه من قبل ! رافضاً فكرة إنجذابه لها ، لعدم تناسبها مع مستواه الإجتماعيّ الذي وصل اليه بعد جهدٍ كبير ، فهي مجرّد كاتبة مبتدئة
***
وفي احد الأيام .. رافق المغني المخرجة لاستئجار حصانٍ من المزرعة المجاورة ، فأجابهم المالك :
- لديّ حصانٌ واحد ، وهو مريض منذ فترة ولا اعلم ما به
المخرجة بقلق : ومالعمل الآن ؟ نحتاج حصاناً للمشهد القادم
وهنا لاحظ وليد إقتراب سهى من الحصان المريض ، وهي تحدّثه بصوتٍ منخفض ! فسألها من بعيد :
- ماذا تفعلين ؟
سهى : يقول انه حزين لأن صاحب المزرعة باع زوجته منذ فترة ، وهو مشتاقٌ لها
فردّ المالك بدهشة : هذا صحيح ! كيف عرفتي ؟
سهى : ترعّرت في الريف ، وأفهم كلام الحيوانات .. هل الذي اشترى الفرس بعيداً من هنا ؟
المالك : لا ، بالمزرعة المجاورة
سهى : اذاً اطلب منه أن يحضرها الآن
فأخرج المالك جوّاله ، طالباً من صديقه إحضار الفرس التي قدمت بعد ساعة .. ليشاهد الجميع إستعادة الحصان نشاطه فور وصول زوجته ! مما اثار دهشة وليد ، لفهم سهى مشكلة الحصان بهذا الشكل الملفت
بينما تضايقت الممثلة البطلة (المُنجذبة للمغني منذ فترةٍ طويلة) والتي استغلّت عشائهم الجماعيّ للسخرية منها ، بعد رؤيتها لطيرٍ يُحلّق فوق رأس سهى ..
- ماذا تقول العصفورة يا سنوّوايت ؟
فضحكوا ساخرين ، بينما اجابتها سهى بجدّية :
- تقول ان ابنها عالقٌ بأغصان الشجرة
- أحقاً !
ثم تركت سهى الطاولة للّحاق بالعصفورة التي حلّقت فوق شجرةٍ بعيدة عن الحفل .. وقامت بتوجيه إحدى انوار الإضاءة السينمائية للأعلى .. ليفاجأ الجميع بوجود عصفورٍ صغير ، عالق في غصنٍ فوق الشجرة !
فتسلّقت سهى الأغصان بمهارةٍ ، لتحريره .. وبعد تأكّدها من سلامته ، أطلقته ليُحلّق بعيداً .. بينما طبعت العصفورة قبلة بمنقارها على فم سهى ، إمتناناً لها !
فصفّق المغني والرجال على إنسانيّة سهى ، بينما اكتفت النساء بالنظر اليها شزراً !
***
حين إنتهت نصف مشاهد الفيلم ، توجّب عليهم تصوير اطفال القرية وهم سعداء بحلول العيد .. لكن الأطفال الذين جمعتهم المخرجة امام الفلّة رفضوا الإبتسام ، وظلّت وجوههم بائسة وحزينة مهما حاولت تشجيعهم على اتقان دور السعادة ! ممّا جعلها تفقد اعصابها وتصرخ عليهم غاضبة:
- يا ملاعيين !! إضحكوا لخمس دقائقٍ فقط ، هل ما أطلبه كثير؟
فاقتربت سهى وهي تقول :
- الأطفال لا يمثلّون سوى الواقع ، لذا علينا إسعادهم اولاً
ثم توجّهت نحو كشكٍ صغير لبيع الحلوى .. واشترت صندوقين من الشوكولا ، وزّعتها على الأطفال الذين التهموها بنهمٍ شديد !
ثم قالت للمخرجة :
- الآن يمكنك تصوير مشهد العيد
وبالفعل تحسّنت نفسيّة الأولاد بعد عطاء سهى اللطيف ! ومثّلوا الدور جيداً ، خاصة بعد شراء سهى الكرة التي تقاذفوها بينهم بسعادة .. مما اثار إعجاب وليد الذي راقب تصرّفاتها بصمت ، وهي تعلو في نظره كل يوم !
***
في المساء .. تجمّع فريق العمل لرؤية المشهد الذي صوّروه في الصباح ، لكن الموسيقى التي وضعتها المخرجة على المشهد لم يعجب سهى التي قالت لها :
- هل يمكنك عرض المشهد دون موسيقى ؟
المخرجة باستغراب : لماذا ؟!
فحملت سهى البيانو الصغير ووضعته امام الشاشة الكبيرة وهي تقول :
- أتمنى الهدوء من الجميع ، ريثما أؤلف الموسيقى المناسبة للمشهد
البطلة بسخرية : وهل انت مُلحّنة ايضاً ؟
فأشار المغني للمخرجة بإطفاء نور الغرفة ، ومشاهدة المشهد دون صوت .. وأخذ يراقب سهى وهي مندمجة برؤية المشهد ، وأصابعها تعزف لحناً رقيقاً في غاية الروعة !
ولم تستطع المخرجة رفض اللحن الجديد الذي يناسب المشهد الدراميّ بشكلٍ رائع !
***
بعد انتهاء العمل ، ذهب الجميع للنوم .. بينما عادت سهى للسهر في كتابة الحوار على حاسوبها بالشرفة ، فاقترب منها وليد ليسألها :
- أمازال لديك مفاجآت جديدة غير التأليف والعزف والتلحين..
فقاطعته سهى بابتسامة : لديّ العديد من المواهب التي ستظهر في وقتها المناسب .. تصبح على خير سيد وليد
***
وكان كلامها صحيحاً ، حين فاجأتهم بحديثها مع سوّاح قدموا للقرية للسلام على المغني ، بلغتهم التي تعلّمتها في المعهد .. كما استطاعت تصليح حاسوب المخرجة في وقتٍ حرجٍ من تصوير الفيلم .. كما أُعجب وليد بتواضعها مع طبّاخة الفيلا ومساعدتها بالعمل .. وضحكتها الجميلة مع كبار السن في المنطقة الذين احبوا روحها المرحة .. وكذلك رفقها بقطة الفلة التي تعلّقت بها كثيراً !
***
وفي يوم .. قدمت طليقة وليد الى القرية لإعطائه ابنته ، لسفرها للخارج برحلة تسوّق مع صديقاتها !
فتكفّلت سهى الإهتمام بالصغيرة اثناء تصويرهم المشاهد ، فهي المتفرّغة الوحيدة بين طاقم العمل .. وقد فرح وليد من تعلّق ابنته بها ! وتنصّت كل مساء لسماع قصص سهى الخيالية اثناء تنويمها ابنته ..
***
وفي اليوم التالي .. سأل المغني ابنته (بعد عودته مع طاقم التصوير من الأرض الزراعية) عن يومها مع سهى .. فأخبرته بأنها غنّت لها اثناء عزفها على بيانو ، فسألها باهتمام :
- وهل صوتها جميل ؟
- جميلٌ للغاية
وليد : اريد منك في المرة القادمة أن تصوّريها خفيّةً بجوالك ، فهي خجولة ولن تغني امامنا
- كما تشاء ابي
***
وبعد ايام .. إستمع باهتمام لمقطع الفيديو ، التي غنّت فيه سهى باللغة الإنجليزية ، بصوتٍ ينافس اشهر المغنيّن الأجانب !
فقرّر دعم موهبتها بعد تصويرهم الفيلم
***
بنهاية الفيلم .. أعطى المغني (المنتج) مالاً لسهى لاهتمامها بالتفاصيل الدقيقة التي أثّرت على جودة الفيلم ..
فقالت سهى مبتسمة : ما رأيك لوّ أجعلك رئيس البلديّة بالفعل ؟
وليد باهتمام : وكيف ؟
- إنتظر وسترى
ونزلت من الفلّة ، وهو يراقبها من شرفة غرفته .. ليجدها تتحدّث مع الراعي التي دفعت له المال مقابل ثلاثة خرفان ..
ثم صفّرت للمزارعين لأخذ كيلو من اللحم ، والذي قطّعها اللحام بالتساوي امامهم .. بينما قامت بتنظيمهم ضمن طابورٍ طويل لاستلام كل واحدٍ حصّته..
فصاروا يشكرونها بامتان .. فأشارت الى الشرفة وهي تقول :
- بل اشكروا الفنان وليد على كرمه !!
فأخذوا يدعون له بالتوفيق ويصفّقون له ، الى أن دمعت عيناه .. بعد أن أشعرته سهى بأنه كبيرهم بالفعل (تماماً كالفيلم !)
ثم عادت للفلّة ، لتقول له :
- ارأيت سيد وليد ، الكرم هو الشيء الوحيد الذي يرفع قيمتنا بين الناس .. فلا تنسى زكاة اموالك ، فمن واجبنا مساعدة الفقراء
فأومأ برأسه موافقاً ، بعد أن غيّرت الكثير من مفاهيمه خلال شهر العمل الذي قضياه معاً !
***
في آخر ليلةٍ لهم في القرية ، قرّر فريق العمل اللعب معاً : ((لعبة الحقيقة او الجرأة))
وأدار المغني القارورة الفارغة التي توقفت امام الكاتبة ، ليسألها :
- هل أحببتي من قبل ؟
فتنهّدت سهى بحزن ، قبل ان تقول :
- أحببت خطيبي .. وبعد 7 سنوات في الغربة ، قرّر العودة .. ليفاجئني ببيعه المنزل الذي اشتريناه معاً ، لدفع مصاريف الولادة لحبيبته الأجنبية
فشهق الجميع بدهشة ، فأكملت بقهر :
- ما يغيظني بالموضوع انه كان بإمكانه فسخ خطوبتنا بالهاتف ، طالما يعيش حياته مع حبيبته في الغربة ، بدل تضيعه سنوات من عمري وانا انتظر عودته .. على كلٍ ، تجربتي هذه جعلتني اكره كل الرجال
وقبل أن يستفسروا عن التفاصيل ، ادارت القارورة .. لتقف امام المغني ، فسألته :
- مالشيء الذي تتمنى قوله منذ قدومك الى هنا ، لكنك محرج من البوح به ؟
فأجابها المغني بابتسامةٍ حنونة :
- انني وقعت في غرامك
وشهق الجميع بدهشةٍ ، لكنها سارعت بالقول :
- سيد وليد .. بالكاد ينبض قلبي بعد الخيانة التي تعرّضت لها من خطيبي ، وانت معروفٌ عنك بزير نساء .. لهذا اعتذر منك ، فخيانةٌ اخرى قد تقضي عليّ تماماً ..
واستأذنت منهم ، للنوم بغرفتها ..لكنها بالحقيقة هربت قبل تساقط دموعها .. فهي أحبّت وليد بالفعل ، لكن حياته الصاخبة لا تناسب شخصيتها الخجولة والمنطوية ..
فوقف وليد قائلاً لهم :
- تصبحون على خير ، نلتقي في السينما بعد عرض الفيلم ..
وعاد الى غرفته وهو يُخفي خيبة امله .. وبذلك انتهت اللعبة ، ليذهب كلاً الى فراشه ، إستعداداً للرحيل في الغد صباحاً ..
***
في الصباح الباكر ، بحثوا عن سهى قبل صعودهم الحافلة .. فأخبرتهم خادمة الفلّة انها عادت بسيارتها للعاصمة
فسألها أحدهم : الساعة التاسعة الآن ، فمتى رحلت ؟
الخادمة : عند الساعة الخامسة فجراً .. أظنها لم تنمّ جيداً ، فعيناها متورّمتان ومتعبتان .. لم ارها من قبل يائسة وحزينة هكذا !
ففهم المغني انها بكت طوال الليل بعد رفضها طلبه .. فاستقلّ سيارته بعد توديعه فريق العمل على عجل ..
***
بعد شهر .. عادت سهى من عملها ، لتجد المغني يتحدّث مع والدها بالصالة ومعه باقة ورد !
وقبل إستيعاب ما تراه ، إحتضنتها اختها الصغيرة بحماس :
- المغني الوليد قدم لخطبتك !!
فنظرت الى والدها الذي قال بابتسامة : وانا وافقت على طلبه
سهى بارتباك : لكن ابي !
فتوجّه المغني نحوها وهو يقول :
- صدّقيني يا سهى حاولت نسيانك الشهر الفائت ، لكنني لم استطع .. حتى انني عُدّت لحياتي العابثة ، لكني لم اجد المتعة في ذلك ! يبدو حينما نجد المرأة المناسبة ، لا نعد نكترث ببقيّة النساء ! صحيح انني كنت لعوباً طوال حياتي ، لكني قاربت من سن الأربعين وحان الوقت للإستقرار ..
ثم امسك يدها قائلاً : اريد اماً لأطفالي استطيع الوثوق بها ، ولن اجد ملاكاً افضل منك .. اعدك ان لا اخونك او أكسر قلبك طوال حياتي .. فهل تتزوجينني ؟
فسكتت سهى قليلاً ، قبل ان تقول مبتسمة :
- بشرط !! أن نتزوج بعرسٍ شعبيّ ، بمشاركة اهالي القرية
- أحقاً !
سهى ممازحة : ألست رئيس بلديتهم ؟
- وانا موافق
وحضنها بحنان
***
وبالفعل أقاما عرساً شعبيّاً وسط طلقاتٍ ناريّة وزغاريد نساء القرية التي بدأت فيها قصة الحب البريئة بين المغني المشهور والكاتبة العطوفة
لافيكيا سنيوريا
ردحذفقصه رائعه تعلمنا ان الشخص العطوف والذي يعيش اسلوب البساطه بغض النظر عن مكانته الاجتماعيه يكون محبوب اينما حل .
لافيكيا سنيورا