السبت، 30 يناير 2021

أسطورة السودان

فكرة : محمد بيومي آل غلاب
كتابة : امل شانوحة

السحاحير


في (ناوا) شمال السودان ، وقبيل غروب الشمس .. إشتمّ عثمان رائحة دخان قادمة من الجزيرة القريبة من قريته .. 


واثناء تجذّيف قاربه في النيل ، رأى صبية تركض فزعة بمحاذاة النهر .. فناداها بصوتٍ عالي :

- هل هناك حريق ؟!!

وفور سماعها صوته ، لوّحت له بيديها .. 


وما أن اقترب منها ، حتى قفزت الى مركبته وهي تلهث بصعوبة .. فأعطاها شربه ماء ، وأكمل تجذيفه باتجاه قريته دون اعتراضها ! 


وحين نزلا من القارب ، سألها :

- هل انت جائعة ؟

فأومأت برأسها إيجاباً ..فقال لها :

- بيتي هناك .. سأحضر شيئاً تأكليه 


وأسرع الى منزله ، لجلب الخبز والجبن .. وحين عاد الى قاربه ، لم يجدها في أيّ مكان !  

لكن حيرته تلاشت فور إنشغاله مع اهل قريته في مراقبة الحريق الهائل المشتعل بتلك الجزيرة ..والذي أُخمد وحده بعد ساعة !

*** 


في الأيام التالية .. إلتقى عثمان بالصبية (آسيا) من وقتٍ لآخر : اثناء غسلها الخضار او تنظيفها الملابس في مياه النيل .. والتي اعتادت السلام عليه بابتسامةٍ حنونة كلما مرّ قاربه بجانبها ، وأحياناً تشاركهُ الطعام والأحاديث العامة.. 

وهذا جعله يفكّر بها كثيراً ، لكنه طبعه الخجول منعه الحديث معها عن الحب والزواج ، وانتظر الوقت المناسب لمفاتحتها بالموضوع

***


في أحد الأيام .. طلب منه والده توصيل السماد الى مزرعة صديقه .. وأصرّ أن يقوم بالمهمة رغم حلول المساء


وقبل وصول عثمان لتلك المزرعة ، صادف آسيا برفقة رجالٍ يحملون الحطب ! 

وحين وضع يده على كتفه ، شهقت بخوف :

- عثمان ! أخفتني يا رجل

عثمان باستغراب : ماذا تفعلين بهذا الوقت المتأخر ؟!

- قدمت مع عائلتي الى مزرعتنا 


بهذه اللحظة .. لمح رجلاً يوقد ناراً في الأرض ، فسألها بدهشة :

- لما يحرق اخوكِ أرضكم ؟!

آسيا : ذاك والدي ، يُشعل الأعشاب اليابسة بعد تكاثر الأفاعي فيها 

عثمان : ولما في الليل ؟

- لأنها تتجمّع بهذا الوقت ، وبذلك نزرع صباحاً دون الخوف منها.. والآن إذهب رجاءً ، قبل ان تراك عائلتي

عثمان : كما تشائين 

وذهب لإكمال عمله ، ثم عاد الى بيته

***


في الصباح .. إستيقظ على صرخات خارج منزله ! ليعلم بأن حريقاً اندلع في إحدى المزراع ..

فأسرع بتجذيف قاربه الى الضفّة المقابلة من النيل ، خوفاً ان تكون النيران أحرقت ارض آسيا بالكامل ..


وحين وصل هناك ، وجدها تغسل شعرها بالنيل وهي تغني بسعادة .. فاقترب منها ليسألها بقلق :

- هل خرجت الأمور عن السيطرة البارحة ؟

آسيا : أتقصد الحريق الضخم الذي اندلع قبيل الفجر ؟ 

- نعم

- الحريق من جهتكم انتم .. نحن أطفأنا نارنا بسرعة .. ولا تقلق ، اهلي بخير 

عثمان : الحرائق تتزايد هذه الفترة ، وأظنها مُفتعلة !

آسيا : دعك من هذه المواضيع الكئيبة .. هل فطرت يا عثمان ؟ ام أتيت على عجل للإطمئنان على حبيبتك ؟ 


فتفاجأ من كلامها الجريّء الذي أعجبه ! وللمرة الأولى تحدّثا عن مستقبلهما سويّاً 

***


بعد شهر .. أخبر عثمان عائلته عن نيّته الزواج من آسيا ، فسألته جدته بقلق :

- أقلت انها تعيش مع عائلتها في الجزيرة الخالية ؟

عثمان : رجاءً جدتي ، ليس خرافة السحاحير ثانيةً 

فسألها ابن اخته الصغير : ماهي السحاحير يا جدتي ؟

عثمان : مجرّد اسطورة لإخافتنا ونحن صغار


الجدة بحزم : ليست اسطورة ، بل حقيقية !! السحاحير هو انسان له ذيل يُظهره عند الضرورة ، برمائيّ يعيش في النيل ، يخرج ليلاً ويأكل الصغار .. الشيء الوحيد الذي يكشفه هو كرههُ للبن

عثمان : جدتي .. تلك الخرافة اخترعها ثريّ تعمّد إيقاد النار في الجزيرة مع كل غروب ، لنشر إشاعته عن رؤيته مخلوقات مخيفة تشعل النيران في الجزيرة المهجورة .. كيّ يهجر الناس قُراهم ، ويستحوذّ على منطقتنا 


الجدة بعصبية : ليس صحيحاً !! الكثير منّا رأوا السحاحير ، وربما حبيبتك واحدة منهم 

عثمان : لا تقلقي .. رأيتها بأوقات مختلفة ، وليس في الليل كما تقول الخرافة .. وهي أجمل صبية رأتها عينايّ .. وانا مصرّ على الزواج منها .. وعرسنا سيكون قريباً

***


في يوم عرسه ، وبعد ذهاب اهل العروس .. إقتربت الجدة من آسيا وهي تحمل كأس اللبن ، وتقول :

- شرب العروس للبن هو فأل خير ، ومن عاداتنا المتوارثة .. إشربي قليلاً ، قبل دخولكما الغرفة


فارتبكت العروس قائلةً :

- لديّ حساسية من الألبان ، فهي تشعرني بالغثيان

عثمان : إشربي قليلاً يا آسيا ، فجدتي تظنك من السحاحير

العروس بدهشة : ماذا !

عثمان بابتسامة : هيا إثبتي لها العكس


فرشفت آسيا القليل بترددّ .. قبل وقوع الكأس منها وانكساره ، بعد ضغطتها على معدتها بألم ..

وقبل ان يفهم احد ما حصل ! تغيّر شكلها فجأة .. وتحوّلت لمخلوقٍ مرعب ، بذيلٍ طويل هاجمت به الجدة وبقيّة المعازيم .. 

ثم حملت العريس بيديها الضخمتين ، وقفزت من النافذة باتجاه النيل 


فأسرع الناس بملاحقتها وهم يحملون المصابيح ، لكنها اختفت فور وصولها الى الجزيرة ..

***


بمرور الأيام .. بحثت عائلة عثمان واهالي القرية عنه في كل مكان دون جدوى .. الى ان تفاجأ راعي بصرخاتٍ قادمة من البئر .. فأخرجوا عثمان من هناك ، وهو فاقداً للذاكرة والنطق ايضاً !

***


بعد شهر .. رأته اخته وهو يحاول إشعال كبريت في أرضهم الزراعية ، فسحبت العلبة منه وهي تعاتبه :

- عثمان ماذا تفعل ؟! إشعال النار بهذا الجوّ العاصف خطرٌ على الجميع 

فأشار الى ابريق الشايّ ..


اخته : نحن لا نغلي الماء فوق الأعشاب الجافة ، بل على موقدٍ مخصصّ له .. الا تذكر ؟

فأشار برأسه بالنفيّ..

- لا عليك اخي ، سأغلي الشايّ لك

وابتعدت سريعاً قبل ان يرى دموعها ، حزناً على مصابه الذي أفقده رشده

***


في إحدى الليالي .. اقترب منه ابن اخته الصغير وهو يحمل كوب اللبن الساخن ..

- خالي ، أتريد ان تشرب معي ؟

فهزّ عثمان رأسه بالنفيّ ، وهو يتابع مباراة كرة القدم باندماج ..


ففاجأه الصغير بوضع الكأس على شفّته ، لتتساقط قطرات اللبن في فمه ، والتي جعلت عثمان يصرخ بهستيريا بعد فقده أعصابه !


وأسرع اهل بيته الى الصالة لمعرفة ما حصل ، ليصعقوا برؤيته يأكل دماغ الطفل .. فأغميّ على اخته (ام الولد) ! بينما سارع الجد بتوجيه بندقيته الى ابنه صارخاً :

- أترك حفيدي يا عثمان !!


وهنا تحوّل ابنه لهيئة آسيا المخيفة !

فقال الأب بذهول : أهذا انتِ يا ملعونة ! اين عثمان ؟!!

فأجابته بابتسامةٍ صفراء : 

- أكله اهلي يوم عرسي في مأدبةٍ ضخمة ، واحتلّلت جلده المسلوخ لتجربة حياته المملّة .. سأرحل الآن ، وسآخذ جثة الصغير معي 


وقفزت من النافذة وهي تحمل بأسنانها جسد الطفل الهامد ، متمكّنة من الهرب رغم إفراغ الجد الرصاصات عليها ، لكنها لم تصبّ بأذى ! واختفت تماماً بعد قفزها بالنيل

***


بعد تلك الحادثة ، رحل الجميع عن قريتهم القريبة من الجزيرة المرعبة .. 

كما صار تقديم اللبن في يوم الخطبة من العادات المتوارثة ، زيادةً في الحرص 

***


بعد سنوات .. حاولت ام تنويم طفلها الصغير بعد تأخّر الوقت ، لكنه مصرّ على مقاومة نعاسه .. 

فاضّطرت لإخباره بقصة السحاحير .. ليردّ بابتسامةٍ طفولية :

- امي تلك خرافة ، لا يوجد شيء اسمه السحاحير


وهنا ظهرت آسيا خلف نافذته بشكلها البشريّ (دون ان تراها امه) وهي ترفع ذيلها ، وتضع اصبعها على فمها (كيّ يصمت) 

فقال الصغير لأمه فزعاً ، بعد تغطية وجهه باللحاف :

- سأنام فوراً !! ارجوكِ أغلقي الستارة .. انا خائفٌ جداً


وحين التفتت الأم ، لم تجد شيئاً خلف النافذة ! ومع ذلك أغلقت الستارة ، وهي تكتم سعادتها بنجاح قصتها لتخويفه .. 

وأطفأت نور غرفته ، وهي تتمنّى له احلاماً سعيدة .. دون علمها أنها لن تجده في سريره صباحاً ، ولا في أيّ مكانٍ آخر !

*****

ملاحظة :

إستعنت بمقال في موقع كابوس يتحدّث عن هذه الأسطورة

رابط المقال :

https://www.kabbos.com/index.php?darck=8776


الجمعة، 29 يناير 2021

بائع الحلوى الشرير

فكرة : الأستاذ Ariz Maz
كتابة : امل شانوحة

كاره الأطفال


في تسعينات القرن الماضي .. أوقف بائعٌ عربته المليئة بالحلوى في منطقةٍ شعبية قرب ساحة للعب الأطفال .. وسرعان ما تجمّعوا حوله ، فسألهم بابتسامةٍ مصطنعة : 

- هل تريدون حلوى مجانية يا اطفال ؟


فقفزوا سعيدين بكرمه ، ليُسرع بتوزيع المصّاصات الملوّنة قبل لفت أنظار البالغين اليه .. وابتعد عن المنطقة وهو يكتم ضحكاته الخبيئة!

***


في تلك الليلة .. إنشغل الأهالي بأطفالهم بعد إصابتهم بالتقيّؤ والإسهال وارتفاع الحرارة ، وأعراض أخرى مفاجئة !


واكتظّت عيادة الطبيب بالمرضى الصغار ، مما اضّطره لنقل الحالات الصعبة بسيارات الإسعاف للمشفى ، لغسيل معدتهم من المادة السامّة الغامضة .. الا أن بعضهم فارق الحياة قبل وصوله لغرفة الطوارىء !

***


وفي إحدى سيارات الإسعاف .. ترجّت أم إبنها بأن يتذكّر الطعام الفاسد الذي أصابه بالمرض .. 

فأزال قناع التنفّس عن فمه ، قائلاً بصوتٍ متعب :

- تناولنا جميعاً الحلوى المجانية من البائع العجوز


وقبل إكمال كلامه ، أصابته نوبة سعالٍ مفاجئة ! 

وحاول المسعف جاهداً إنقاذه ، لكنه لفظ انفاسه الأخيرة وسط صرخات امه المنهارة 

***


في عزاءٍ جماعيّ أقيم في الحيّ الفقير لدفن 8 من اطفالهم ، أخبرت الأم الأهالي بما قاله ابنها قبل وفاته .. 


ووصل الخبر لرئيس الشرطة الذي أجرى اتصالاً مع صديقه المحقق ، مُعرباً عن شكوكه : 

- ما حصل يُشابه جرائم (جاك دايموند) الذي حقّقت معه قبل سنوات 

المحقّق إريك باستنكار : لكنه أُعدم ، على ما أظن ! 


رئيس الشرطة : هل تأكّدت من ذلك ؟ فأحدّ المارّة شهد أن البائع العجوز لديه أثر حرقٍ في يده .. والتشريح أثبت أن مصّاصات الكراميل مُختلطة بسيانيد البوتاسيوم .. وهي الطريقة ذاتها التي قتل بها جاك 17 طفلاً في الماضي ، كما لديه نفس العلامة في يده .. فهل هرب من السجن قبل إعدامه ؟

- سأتحقّق من الأمر

***


وفي تلك الليلة .. أخرج المحقق (اريك) صندوق المتهم جاك دايموند من إرشيفه ، لمراجعة ملفاته..


ومن تحقيقاته المطوّلة معه (بعد القبض عليه قبل سنوات) أخبره عن طفولته السيئة : فهو لقيط عاش بدار الأيتام حتى سن العاشرة .. ثم تبناه رجلٌ يملك مصنع حلوى ، جعله يعمل فيه بالمجّان .. وفي يوم حاول تذوّق قطعة حلوى ، فحرق يده بسيجارته (وهذه العلامة هي السبب في القبض عليه لاحقاً ، بشهادة الأطفال الذين نجوا من التسمّم) ..وبسبب سوء معاملة والده بالتبني ، هرب من منزله ..وبقيّ مشرداً طوال فترة مراهقته ، قبل عمله في مصنع كيماويّ في شبابه.. وحين سأله اريك عن سبب إرتكابه جرمه الأول : بتسميمه الأطفال في عيد الهالووين .. أجابه أنه اغتاظ من ضحكاتهم وسعادتهم المفرطة بأزيائهم المبهرجة السخيفة ..  وأطلق سراحه لاحقاً ، لأنه قام بخلط الزجاج المكسور مع مسحوق الحلوى ، مسبّباً نزيفاً في فمهم وجهازهم الهضميّ دون موت أحد ، ولذلك حُبس سنةً واحدة فقط .. واختفى بعدها لأعوام ، قبل قيامه بجرمه الثاني : بعد مروره بجانب حفل عيد ميلاد في حديقة منزل طفلٍ مدلّل مع رفاقه ..حينها خطرت بباله فكرة خلط السمّ الكيميائي بالحلوى ، والتنكّر بهيئة بائع حلوى ، مما أدّى لمقتل 3 اطفال .. ثم كرّر عمليته بمناطق اخرى ، الى ان قُبض عليه بعد سنتين بتهمة قتل 17 طفلاً .. فهل سيُضاف لسجّله مقتل الأطفال الثمانية بالحيّ الشعبي ؟ 

***


في الصباح .. إتصل اريك بالسجن المركزي الذين أكّدوا شنقهم للعجوز الإسبوع الماضي ، ودفنه في قبرٍ خارج اسوار السجن .. 

وبهذا الخبر ، سُجّلت القضية ضدّ مجهول ..

***


في الشهور التالية ، لم تحصل حوادث مشابهة بعد توعية الأهالي لأبنائهم بأخذ الحيطة والحذر من الغرباء ..


وبعد رأس السنة بأيام .. رفضت ام شراء الحلوى لإبنها ، بحجّة أكله الكثير من حلويات العيد .. فقال متضايقاً : 

- ليتني قبلت حلوى العجوز

فأوقت الأم سيارتها جانباً ، وسألته بقلق :

- عن من تتكلّم ؟!


((فأخبرها بأن عجوزاً اقترب منه البارحة اثناء لعبه مع اصدقائه في الشارع لإعطائه مصّاصة سكّرية ، لكن صديقه حذّرهم منه .. فابتعد العجوز غاضباً وهو يشتمهم بكلماتٍ بذيئة ، ورمى كيس حلوياته في الزبالة))

فطلبت الأم ان يدّلها على الحاوية التي رماهم فيها .. 


لكنها وصلت متأخرة ، بعد إفراغها من عمّال النظافة .. 

وقبل ابتعادها عن المكان ، لاحظت شيئاً ورديّاً خلف الحاوية الفارغة ! لتجد مصّاصة حلوى واقعة هناك .. 


فأسرعت بأخذها للشرطة وهي تقول :

- أمسكتها بالمنديل .. أظن بصمات القاتل مازالت عليها

***


وبالفعل وجد المختبر بصمة تعود لجاك دايموند ! 

وأوكلت الشرطة المحقق اريك لاكتشاف اللغز .. فسافر الى المدينة ، ومنها الى السجن المركزي الذي تؤكدّ سجلاّته بأن السجين أُعدم بالفعل .. 

ومع ذلك طلب اريك رؤية مسؤول الإعدام ، الذي حاول التهرّب من اسئلته! 


لكن بعد إصرار المحقق ، أخبره بارتباك : 

- كان المفترض ان يتواجد ثلاثة اشخاص عند تنفيذ الحكم في ساحة السجن الخارجية .. لكن الجوّ في تلك الليلة كان بارداً وعاصفاً ، والقاضي رفض تأجيل الحكم للصباح .. فلم يستطع صديقايّ البقاء في الخارج : فأحدهم يعاني من الربو ، والآخر لديه آلام مفاصل .. فقمت بشنقه وحدي .. لكن الحبل الرديء إنقطع بعد دقيقتين من انتفاضاته القوية 

اريك : الم تتأكّد من موته ؟

- كان وجهه مزرقاً ، وجسمه هامد .. فلم أشكّ بموته ، فهو كبير في السن 

المحقق : الم يتأكّد طبيب السجن من موته ؟

- كان سكراناً تلك الليلة  

اريك بسخرية : جميلٌ جداً ، ماذا حصل بعدها ؟

الموظف : ناديت حارسين لدفنه خارج اسوار السجن


المحقّق : هل حفرتم عميقاً ؟

- كان المطر على وشك الهطول ، فحفرنا متراً او مترين ..لا اذكر بالضبط .. وبعد ردمنا التراب فوقه ، عدنا سريعاً للداخل قبل تجمّدنا من البرد

المحقق اريك بحزم : خذني لمكان القبر

***


وفي خارج اسوار السجن .. طلب المحقق من الحارس نبش قبر المجرم ، ليتفاجأوا جميعاً بأنه فارغ !

الموظف بصدمة : اللعين ! هرب منا 

المحقق : وأظنه سرق ملابس منشورة في مكانٍ ما ، ليتخلّص من ملابس سجنه المخطّطة  

- هل تظنه عاد لمقرّه القديم بالغابة ؟ 

اريك : أرسلت دورّية قبل مجيئي الى هنا ، وأخبروني ان كوخه فارغ 

- ربما عاد لأهله او اصدقائه

اريك : هو يتيم ولا اصدقاء له 

- اذاً كيف صنع الحلوى ؟


اريك : آه صحيح ! المصنع .. 

الشرطي : أتقصد الذي عمل فيه بفترة طفولته ؟

اريك : نعم ، أظنه قريب من هنا 

- لكنه مهجور بعد موت صاحبه قبل سنوات 

المحقق : سنتأكّد من الأمر 

***


بعد ذهابهم الى هناك .. وجدوا القدر الكبير الذي يُستخدم لصنع الحلوى دبِقاً ، وهذا يعني ان المجرم استعمله منذ فترةٍ وجيزة .. لهذا مات الأطفال سريعاً : فهو عدا عن إضافته السمّ الكيميائي للحلوى ، إستخدم ايضاً ادواتٍ صدِئة ! 

كما وجدوا في مخزن المصنع ، فراشاً وبعض الملابس المهلّلة ! فعرفوا انه بات فيه ، قبل انتقاله للقرى المجاورة .. 


وقبل خروجهم من هناك .. أزال المحقق الوسادة العفنة ، ليجد تحتها دفتراً كتب جاك فيه : اعداد ضحاياه الذي قدّر أعمارهم .. ويبدو أن عددهم تجاوز المئة ! رغم انه حُوكم عن قتله 17 فقط .. 

فهل مات الكثير من الأطفال دون معرفة الأهل والأطباء السبب الحقيقي لوفاتهم ؟!  


وعلى مدار ايام ، بحثت الشرطة في محيط المصنع دون جدوى ..

***


بعد عودة المحقق الى منزله القرويّ ، وجد مسجّل هاتفه الأرضيّ مليئاً بالرسائل ، فضغط عليه اثناء عمله القهوة... ليسمع صوت طليقته تقول بفزع : 


الرسالة الأولى :

((اريك !! جون ليس بخير ، هو يتقيّأ كثيراً.. إتصل بي))

الرسالة الثانية :

((جاكلين إرتفعت حراراتها ايضاً ، ارجوك تعال الينا))

الرسالة الثالثة :

((سأنقلهما لمستشفى العاصمة .. فور سماعك رسالتي ، إلحق بنا))

الرسالة الرابعة :

((اللعنة عليك يا اريك !! لما لا تستمع لرسائلك ؟ اولادك يحتضرون !!!))

الرسالة الخامسة :

صوت طليقته وهي تنهج بالبكاء :

((لا داعي لقدومك ، جون وجاكلين ماتا مسمومين.. كم اكرهك يا اريك))


فوقعت القهوة من يده ، واتصل بطليقته وهو يرتجف بشدة ، لكنها لم تجيبه 

فأسرع لأخذ حقيبته التي لم يفرغها بعد ، وهو ينوي السفر اليهم ..


وقبل خروجه من الباب ، وصلته رسالة بصوت رجلٍ عجوز :

((تعازينا ايها المحقق .. ما كان عليك فتح الملفّات القديمة .. لوّ لم تنبش قبري ، لظلّ اولادك بخير))


فرفع اريك سمّاعة الهاتف ، وهو يصرخ بغضبٍ شديد : 

- جاك ايها الحقير !! سأقتلك بنفسي

- هذا إن وجدتني اولاً 

وأغلق المكالمة ..

***


فـأسرع اريك الى مركز الشرطة ومعه شريط المكالمات لمعرفة مصدرها ، ليكتشفوا أنه اتصل من كشك الهاتف العام بمنطقة قريبة من منزل طليقته 


ولاحقاً قامت الشرطة بعملية بحثٍ كبيرة هناك ، لكنهم لم يجدوا أثراً للعجوز الهارب ! 

***


بعد انتهاء العزاء .. ذهب اريك وحده لزيارة قبر ولديه ..

وبينما هو غارق بأحزانه ، إقترب منه ولدٌ فقير يعيش مع عائلته في المقبرة وهو يحمل مصّاصة حلوى ، ويسأله :

- سيدي ، هل تسمح لي بتناول حلّواك ؟

اريك باستغراب : حلوايّ !

- نعم ..أعطاني إيّاها العجوز قبل قليل ، وطلب مني توصيلها لك .. لكني أرغب في تذوّق مصّاصة الكراميل ، هل تسمح لي ؟ 


فأسرع اريك راكضاً الى خارج المقبرة ، لكنه لم يجد جاك هناك !  

فركب سيارته وأخذ يدور في محيط المقبرة ، الا ان العجوز اختفى تماماً  


وحين لفّ للمرة الثانية ، سمع صراخاً من داخل المقبرة .. 

فعاد الى هناك ، ليجد الأم تحمل صغيرها الذي ينتفض جسمه بقوة ، والرغوة البيضاء تخرج من فمه .. 

فعلم اريك إن الصغير تناول الحلوى المسمومة ، فنقله هو وامه للمشفى ..لكنه مات في الطريق ! 

 

وفي تقرير التشريح : وجدوا إن السمّ بالحلوى كان مضاعفاً عن المرّات السابقة ، فعرف انها رسالة تهديد من جاك  

***


وبسبب تلك الجرائم المتكرّرة ، تمّ توعية طلاّب المدارس والأهالي لمنع ابنائهم من أخذ حلوياتٍ مجانية من الغرباء ، خاصة من عجوز لديه أثر حرقٍ في يده او يلبس القفازات  

***


ومع مرور السنوات ، لم تتكرّر تلك الحوادث .. ولم يرى أحد جاك ثانية ، الذي ربما مات طبيعياً بعد إفلاته من العقاب عن جرائمه الوحشيّة ضدّ الطفولة ، والتي ظلّت محفورة بذاكرة الأهالي المكلومين للأبد !

***


ملاحظة : 

القصة مستوحاة من حادثة حقيقية لأب قتل ابنه واولاد آخرين بحلوى مسمومة في عيد الهالووين ، بنيّة حصوله على مال التأمين !

رابط الجريمة :

https://www.kabbos.com/index.php?darck=4074


الثلاثاء، 26 يناير 2021

الوهج المزيّف

 فكرة : أختي أسمى
كتابة : أمل شانوحة

حياة الأثرياء


لطالما أُعجبت (سما) بحياة الأثرياء التي تراقبها على الدوام من خلال مواقعهم للتواصل الإجتماعي .. حيث لم تمضي ليلة دون تخيّلها أنها تعيش  مثلهم ، فهم برأيها محظوظين بكل شيء : الحب والمال والعائلة .. 


اما هي فيتيمة فقيرة ، لم ترث من والديها سوى منزلٍ متآكل بالرطوبة والعفن .. تعيش على مبلغٍ بسيط من عمها كل شهر ، لعدم إنهاء تعليمها او إيجادها عمل .. 

***


في ذلك اليوم .. مرّت الحافلة التي تركبها من حيّ الأغنياء ، فأخذت تراقب فلّلهم الفخمة من النافذة ، وهي تتمنى تجربة حياتهم ولوّ مرة واحدة 

ولكثرة هوسها بالموضوع ! وجدت نفسها توقف الحافلة للنزول هناك ، رغم بُعد منزلها عن منطقتهم السّاحلية الفاخرة ..


وأخذت تمشي في شوارعهم النظيفة ، مُسترقةً النظر لحدائقهم الخارجية وهي سارحة بخيالها ..


الى ان توقفت ، بعد سماعها رجلاً ينادي زوجته :

- بسرعة يا نجوى !! تأخرنا على رحلتنا البحرية

- لا ادري لما تصرّ على الذهاب بهذا الجوّ الغائم ! 

فقال لها بنبرةٍ غاضبة : كم مرة سنتناقش الموضوع ؟!!

زوجته بارتباك : حسناً فهمت ، إنتظرني لحظة .. آه اللعنة ! نسيت الرقم السرّي ثانيةً 

- لا داعي لذلك ، سنعود سريعاً

- الحرص واجب ، إخبرني الرقم يا فارس


فأعطاها رقم قفل الباب الإلكترونيّ ، دون أن يلاحظ وقوف سما خلف شجرة حديقتهم .. 


وبعد ذهابهم باتجاه الشاطىء ، تجرّأت سما على ضغط الأرقام (التي حفظتها بذاكرتها القوية) ، لينفتح الباب الرئيسيّ دون إنطلاق جهاز الإنذار

 

ودخلت بحذر خوفاً من وجود خدم ، لكنها تفاجأت انها وحدها هناك ! فأخذت تتجوّل مذهولة في أرجاء المنزل الضخم ، كأنها في حلم .. فهو يشبه المنازل المصوّرة على تطبيق ((التيك توك)) وبقية وسائل التواصل الإجتماعي ، حيث يتباهى الأثرياء بممتلكاتهم دون المبالاة بمشاعر الآخرين ..

وأخرجت جوّالها القديم من جيبها لنشر صورها في موقعها الجديد ، وهي تنوي إدّعاء الثراء ..


ودخلت المطبخ اولاً ، حيث تفاجأت بالمأكولات الجاهزة التي تملأ الثّلاجة .. قامت بوضعهم جميعاً على الطاولة ، ونشرت الصورة بعنوان : 

((لا أدري ما سأتناوله على الغداء ، هل لديكم إقتراح ؟))


وبدأت تأكل من كل صنفٍ بشهية ونهم ، وهي مندهشةً من مذاقها الخياليّ 

والأجمل انها وجدت الكثير من علب الشوكولا الفاخرة والبطاطس بجميع انواعها تملأ الأدراج .. فأخذت تأكل منها حتى التخمة .. 


ثم أعادت الأطباق مكانها .. وصعدت للطابق العلويّ ، ودخلت غرفة نوم الزوجين .. 

وتمدّدت على سريرهم الضخم ، وأخذت تتقلّب فيه وهي مستمتعة بنعومة غطائه ووساداته المريحة 


وحين فتحت الخزانة ، رأت جميع انواع الفساتين بألوانها المختلفة وأقمشتها الناعمة المزركشة .. فاختارت منها : فستاناً لامعاً ومعطفاً من الفروّ ، ووصلة شعرٍ ناعمة وطويلة .. كما وجدت عشرات الأحذية المصفوفة في خزانةٍ خاصة ، إختارت منها : حذاءً عالياً برّاقاً .. لبستهم على عجل .. 


ثم أخذت تصبغ وجهها بأدوات الزينة بماركاتٍ فخمة مصنوعة من موادٍ طبيعية لا تسبّب تهيّج البشرة ، مثل زينتها الرخيصة منتهية الصّلاحية ..


وبعد تجميل مظهرها .. أخذت تصوّر نفسها في كل غرفة ، وتنشرها لمتابعيها الذين تضاعف عددهم خلال ساعة .. وهي تحدّثهم بصوتٍ ناعم ، وتتمايل كالمشاهير التي تعوّدت على مشاهدتهم .. 


وحين وصلت للمسبح الكبير الموجود في صالةٍ داخلية مزوّدة بتدفئةٍ دائمة ، بجانبها العديد من الأجهزة الرياضية .. أسرعت بتفتيش خزانة الحائط ، لتجد فيها ملابس سباحة .. لبستهم دون تردّد ، ونزلت المسبح وهي تتذكّر نزهة البحر في طفولتها مع والديها..


وأخذت تسبح دون انتباهها للوقت ، الى أن سمعت صوتاً رجوليّاً يصرخ خلفها بنبرةٍ غاضبة :

- أمسكتك ايتها الّلصة !!


وإذّ بصاحب المنزل يُشهر مسدسه نحوها ! فرفعت يديها بخوفٍ شديد :

- سيد فارس ! ارجوك لا تقتلني

- كيف عرفتي اسمي ؟!

- سمعت زوجتك تناديك به .. أرجوك دعني أرتدي ملابسي ، وأخبرك بكل شيء


فأخرج روب الحمام من الخزانة ، ومدّه نحوها : 

- هيا إصعدي من المسبح !!

- سأفعل بعد ان تدير ظهرك

- لصّة وخجولة ايضاً 

- ارجوك سيدي 


فأدار ظهره ، لحين لبسها المعطف .. ثم سألها : 

- كيف تسلّلتِ الى بيتي ؟ وماذا سرقتي منه ؟


فأخبرته بموجز ما فعلته في المنزل .. وبدوره تأكّد من كلامها بعد مراجعته كاميرات المراقبة

سما : ارأيت ، لم أسرق شيئاً 

فارس : أمعقول ان هوسك ب((التيك توك)) جعلك تغامرين بحياتك ! .. أتدرين لوّ رأتك زوجتي لظنّتك عشيقتي

- اين هي الآن ؟

فتنهّد بضيق : كالعادة .. تشاجرنا بالنّزهة بعد خوفها من الأمواج المضّطربة ، وأصرّت ان أوصلها للمطار لقضاء عطلتها مع اهلها

- هل طلّقتها ؟!

- بصراحة أفكّر بالموضوع فهي صعبة الإرضاء ، وشجارها الدائم أرهق روحي .. ماذا عنكِ ؟ ماذا ستفعلين الآن ؟


سما : سأعود الى بيتي ، بعد إعادتي كل شيء مكانه .. اما ثوب السباحة وروب الحمام وضعتهما في الغسّالة .. وكما ترى ، ليس في جيبي سوى جوّالي القديم .. فهل تسمح لي بالذهاب ؟ فالشمس على وشك المغيب 

- أظن عائلتك ستعاقبك على التأخير

- انا يتيمة 

- أتعيشين وحدك ؟

سما : يزورني عمي من وقتٍ لآخر


ففكّر فارس قليلاً ، قبل ان يفاجأها بالسؤال : 

- هل تتزوجينني يا سما ؟

بدهشة : ماذا !

- قبل عودتي الى المنزل ، إتصل سكرتير رئيس النقابة لإخباري عن حفلٍ عائلي لرجال الأعمال .. وبما أنني لا أحب إطلاع الآخرين بمشاكلي العائلية ، وزوجتي تكره تلك المناسبات ، أقترح عليك الذهاب معي بصفتك زوجتي .. في المقابل سأدفع لك 1000 دولار إن أتقنتي التمثيلية

- مبلغٌ كبير !

- ماذا قلت ؟


سما : وكم ساعة ستدوم الحفلة ؟

- تقصدين كم يوم ..فالمؤتمر يستمر ثلاثة ايام ، نجتمع فيه كل مساء ، يعني 3 حفلات عائلية .. ولا تقلقي ، سأحجز غرفة مستقلّة لك في الفندق 

- لكني لا أملك ملابس تليق بالمناسبة

فارس : ستهتم مساعدتي بكل شيء : الشعر والثياب والمكياج ايضاً 

سما بسعادة : أحقاً !

- الم يكن حلمك أن تعيشي حياة الأثرياء ، سأحقّق مرادك ..الآن عودي الى منزلك ، وغداً صباحاً تأتين الى هنا 

سما بحماس شديد : سأكون على الموعد !!

وخرجت من الفلة وهي تطير من الفرح

*** 


في اليوم التالي .. وصل فارس وسما الى فندق العاصمة المقام فيه المؤتمر..  

وأرسل مساعدته الى غرفتها لتحضيرها لحفلة المساء ، والتي قدمت مع إختصاصية بشرة وكوافيرة شعر وخبيرة ازياء .. 

وبعد ساعاتٍ طويلة ، إنتهوا من تجهيز سما للموعد ..

***


بعد خروج المساعدين .. دخل فارس غرفتها مندهشاً من جمالها ، فسألته بقلق : 

- كيف أبدو ؟!

- أجمل من زوجتي السابقة 

سما : لا تتكلّم كأنها طليقتك ، حاول مصالحتها بعد انتهاء المؤتمر

- سأحاول .. لحظة ، مازال ينقصك شيء

- ماهو ؟

- العقد 


وأخرج علبةً مخملية من حقيبته ، وألبسها العقد الماسيّ الذي أصابها بالذهول ! فأسرعت لتصويره بجوالها القديم .. لكن فارس سحبه من يدها ، ورماه بسلّة النفايات ..ثم أعطاها جوالاً آخر وهو يقول : 

- هذا هاتفك الجديد ، هو هديةٌ مني 

سما مستفسرة : يعني يمكنني الإحتفاظ به بعد انتهاء الحفل ؟ 

- نعم .. الآن أخبريني ، هل درّبتك مساعدتي على اسلوب حديثك مع الآخرين ، وكيفية اختيارك الطعام من البوفيه ، وطريقة.. 

سما مقاطعة : نعم أعطتني مئات التوجيهات ، أتمنى ان لا أنساها لاحقاً 

- المهم لا تتكلّمي إلاّ اذا سألك أحد ، وإجابتك تكون مختصرة ولبقة .. وإيّاك أن يشعروا أنك من مستوى آخر 


فقالت بامتعاض : لا تقلق ، أجيد تقمّص الشخصيات ، فمخيّلتي واسعة .. حتى أنظر !!

ورفعت رأسها بغرور وهي تقول :

- هيا عزيزي فارس ، الجميع بانتظارنا

 

فابتسم لخفّة ظلّها ، ولفّ يدها برفق تحت ذراعه ..وخرجا سوياً من الغرفة باتجاه الحفل الكبير في الصّالة

***


لكن الأمر لم يكن سهلاً كما تصوّرته سما .. فتحرّكها بالكعب العالي أتعب قدميها وظهرها ، كما كان عليها تناول كميات قليلة من الطعام رغم جوعها .. وقد حاولت جاهدة الإندماج مع زوجات رجال الإعمال .. 


لكن بعد مرور الوقت .. بدأ يضايقها حديثهنّ المصطنع ، وكذبهنّ الواضح عن عشقهنّ لأزواجهم وتفوّق ابنائهم بالدراسة وحياتهنّ السعيدة ! حتى ضحكاتهنّ المستفزة تُخفين خلفها حقدهنّ وخبثهنّ ، كأنهن يحاولن إخفاء مللهنّ وتعاستهن بابتساماتٍ زائفة ! 

وكلما رحلت إحداهن ، تكلّمن عنها بسوء وسارعن بفضح اسرارها ، على عكس ما أظهروه لها قبل قليل !

حتى لم يخجلن من قول خططهنّ للايقاع بالأخريات ، ورغبتهن بتفريقهن عن ازواجهن ! كما اشمئزّت من مزاحهنّ الجريء حول علاقاتهن العابرة! 


وقد حاولت سما التهرّب من اسئلتهن حول كيفية لقائها بفارس المعروف بزير النساء .. إلاّ أن بعضهن علمن انها ليست زوجته ، بل إحدى حبيباته لمعرفتهن بزوجته نجوى التي وصفوها بالنّكدية المتكبرة ..

***


ومرّ الوقت ببطءٍ شديد على سما التي شعرت برغبةٍ شديدة للعودة الى غرفتها ، لكن فارس كان منهمكاً بالحديث مع رفاقه .. فلم تجد حلاً سوى الجلوس بعيداً واللعب بجوالها الجديد التي انبهرت بجمال صوره .. فأخذت تصوّر نفسها بالقاعة وامام البوفيه ، ونشرها بموقعها تحت عنوان : 

((إحدى حفلاتي الكثيرة))

***


بآخر الليل .. تنفّست سما الصعداء بعد انتهاء الحفل الذي دام ثلاث ساعات ، وعادت الى غرفتها برفقة فارس الذي قال لها : 

- لديّ ملاحظات عن تصرّفاتك هذه الليلة

سما بتعب : رجاءً أجّلها للغد ، فرأسي يؤلمني من صوت الموسيقى المزعج 

- تلك أفخم فرقة جاز في البلد

- لا يهم ، عزفهم أزعجني كثيراً واريد النوم .. غداً نكمل كلامنا 

فارس : حسناً ، تصبحين على خير 


وتركها ترتاح في غرفتها ، وهي تشعر بثقلٍ في قلبها لكثرة الإدّعاءات الكاذبة التي سمعتها هذه الليلة

***


ومرّت الأيام الثلاثة بصعوبة ، الى أن انتهى المؤتمر أخيراً ..

وعادا سوياً الى المنطقة الساحلية ..


في الطريق ، سألها فارس :

- ما رأيك أن تبيتي الليلة في فلتي ؟

سما : مستحيل !! أوصلني لمحطة الباصات لأعود الى بيتي

- وهل ستذهبين الى هناك بهذه الملابس الفخمة ؟

- آه معك حق ! ملابسي تركتها بفلتك

- اذاً نذهب الى بيتي اولاً ، ثم أوصلك للمحطة 


بعد قليل ، توقفا عند الإشارة .. فرأت عجوزاً متشرّداً يجلس على الرّصيف وهو يرتجف برداً .. وكان معها قهوة ساخنة .. 

وحين فتحت باب السيارة ، أوقفها فارس :

- الى اين تذهبين ؟

سما : سأعطي قهوتي للعجوز ليتدفأ قليلاً

- لا تشجّعي هؤلاء الحثالة ، دعيه يبحث عن عمل للصرف على نفسه

- هو كبير بالسن ، الا ترى ؟!

فارس بلؤم : اذاً ليمتّ ويريح الناس من قذارته !!


فنظرت اليه بصدمةٍ كبيرة ! لكنه لم يكترث ، وأكمل طريقه الى فلته

***


حين وصلا هناك ، غيّرت ملابسها على عجل .. ونزلت الصالة لتوديعه :

- شكراً على الألف دولار ، بصراحة إستحقيتها بجدارة !! فحياة الأثرياء صعبة ومعقّدة للغاية 

- أحقاً !

سما : نعم ، كان عليّ الإنتباه على كل شي .. طريقة مشيّ وأكلي وكلامي ، حتى رمشة عيني وكأني روبوت .. بينما حياتنا أسهل بكثير : نقول ما نعنيه ، ولا نجامل احداً .. ولا نخفي مشاعرنا 


فارس : لكنك تخفين حبك لي 

سما بدهشة : ماذا !.. سيد فارس ، كنت بالغرفة المجاورة لغرفتك بالفندق ، ورأيت النسوة الرخيصات التي استأجرتهنّ كل ليلة ، فعن أيّ حبٍ تتكلّم ؟! الآن فهمت سبب شجاراتك المتكرّرة مع زوجتك ، فلا احد يتحمّل الخيانة

- ليست خيانة .. هي علاقات عابرة ، مجرّد روتين في حياة الأثرياء

- يبدو عالمكم ليس برّاقاً كما ظننت ، ففي البساطة جمالٌ لا تعرفونه ..المهم ، عليّ الذهاب الآن .. 


وحين حاولت فتح الباب الخارجيّ ، وجدته مقفلاً ! فقال لها : 

- عليك وضع الرقم السرّي

- آه نسيته ، ماهو ؟

فارس : اساساً غيّرته بعد اقتحامك بيتي ذلك النهار 

- اذاً تعال واكتبه ، فقد تأخر الوقت

- ومن قال اني سأسمح لك بالرحيل


سما بصدمة : سيد فارس ! إتفقنا على ثلاثة ايام فقط 

- انت ستبقين هنا لحين عودة زوجتي ، وهذا قراري النهائيّ .. ولا تقلقي ، يمكنك إقفال باب غرفتك إن كنت تخافين مني

- هذا اختطاف !  

فارس : ليس تماماً ، لكني أكره الوحدة .. لذا ستكونين ونيستي .. بهذا الوقت يمكنك تصوير نفسك بأرجاء منزلي وعرضها على موقعك الإلكترونيّ .. الطعام تجدينه في الثلاجة .. كما ترين لا يوجد خدمٌ هنا ، فأنا أكره الغرباء .. 


سما بعصبية : وأنت غريبٌ عني !! ولا استطيع البقاء معك

- لم يكن هذا كلامك بالفندق ، حين ناديتني بحبيبي وروحي 

سما بغضب : كان تمثيلاً !! الا تفهم ؟! 

- سأنام قليلاً ، انا متعب من الرحلة


وصعد الى غرفته ، تاركاً سما في حيرةٍ وقلق ..

***


وبالفعل أصبحت رهينة منزله ! حيث أقفل باب فلته كلما خرج للعمل ، لتمضي ساعاتٍ طويلة وحدها بالفلة .. تدخل الغرفة تلوّ الأخرى وهي تصوّر سعادتها الزائفة بالفيديوهات .. وتسبح وتأكل ما تشتهيه ، ومع ذلك شعرت بمللٍ شديد ، فالهدوء قاتلٌ هنا .. بينما في منطقتها حتى لوّ ظلّت وحدها في المنزل ، كانت اصوات الناس في الشارع وصرخات الباعة والجيران ولعب الأطفال يُشعرها بالحياة .. فقلوب الناس على بعضها دون نفاقٍ او تعالي .. اما هنا ، كأنها تعيش في مقبرة .. لا شيء ممتع ، والوقت يمضي ببطٍ شديد ..


وكانت تقضي جلّ وقتها على جوالها ، وهي تقرأ تعليقات متابعيها : حيث حسدها الكثيرون على رفاهية حياتها ، بينما الحاقدين تمنّوا زوالها !

***


وفي إحدى الأمسيات .. عاد فارس الى منزله برفقة سيدة قالت لسما:

- لم يتوقف عن الشرب ، فاضّطررت لإعادته بسيارتي .. إخبريه حين يستيقظ ، ان سيارته مازالت في موقف المطعم


وبعد ذهابها ، حاولت سما إسناده وتوصيله لغرفته .. لكنه تقيّأ على نفسه ملوّثاً ثيابه والدرج ..

فبدّلت ملابسه ووضعته في سريره .. ثم أمضت ساعة في تنظيف المكان 


من بعدها عادت الى غرفتها وهي تقول :

- كان الله في عونك يا نجوى ، فزوجك خائن وسكّير ايضاً .. وانا  ظننت أن حياتك جميلة !

*** 


في آخر الليل .. إستيقظت مرعوبة على طرقاتٍ قوية على بابها ، وصرخات فارس : 

- إفتحي يا سما !! اريد النوم بجانبك

سما بفزع : سيد فارس ! مازلت مخموراً ، عدّ الى سريرك

- هيا حبيبتي إدخليني الغرفة ، انا أخاف النوم وحدي

سما بغضبٍ شديد : عدّ الى غرفتك حالاً ، والا اتصلت بالشرطة !!

فاختفى صوته فجأة !


بعد قليل .. إرتجفت سما بفزعٍ شديد عند محاولته كسر بابها بالمطرقة ، وهو يصرخ بهستيريا :

- كلكم متشابهات !! تصرفون اموالنا ، ولا يرضيكم شيء .. لتموتوا جميعاً !! 


فتجمّدت في مكانها من شدة الخوف ، الى ان سمعت تعثّره على الدرج ..ويبدو انه فقد وعيه ، لكنها لم تجرأ على الخروج من غرفتها ..

***


إستيقظت في اليوم التالي ظهراً ، لعدم نومها طوال الليل .. وخرجت بحذرٍ شديد ، لتجد ورقة إعتذار معلّقة على باب الغرفة : 

((سأصلح الباب لاحقاً ، سامحيني .... )) 

 

ويبدو انه خرج لعمله وهو مازال يعاني من السكر ، لأنه نسيّ محوّ الرقم السرّي عن جهاز الإنذار ..

فأسرعت سما بالخروج من سجنها التي بقيت فيه لأسابيع


وانطلقت مسرعة باتجاه الشاطىء.. 

واثناء انتظارها الحافلة .. مرّ بجانبها صيادين يتحدثان بصوتٍ عالي:

- لماذا لم تبلّغ الشرطة ؟

العجوز : وماذا أقول لهم ، لا أعرف إسم الرجل الثريّ الذي ألقى بزوجته في البحر اثناء العاصفة .. كل ما أعرفه انه باع سفينته قبل ايام 


فشعرت سما بالخوف ! لأن فارس تهرّب دائماً من سؤالها عن موعد رجوع زوجته ، فهل قتلها ذلك اليوم ؟!


ثم وضعت شريحة جوالها القديم (التي احتفظت به دون علمه) داخل جوالها الجديد ..وكتبت للشرطة :

((فارس نجيب ، رجل اعمال مشهور .. قتل زوجته بهذا التاريخ (#) عن طريق رميها ببحرٍ هائج .. هناك صياد عجوز أعرج ، شاهدٌ على الجريمة .. إبحثوا عن جثتها .. ستجدون اغراضها في صندوق بقبو فلتها ، فيه دفتر مذكراتها ، أظنها كتبت عن مخاوفها منه .. فهو زير نساء وسكّير ، ولديه نوبات غضبٍ مفاجئة وعنيفة.. رجاءً تحقّقوا من الأمر .. فاعل خير))


وبعد إرسالها الرسالة ، كسرت الشريحة خوفاً من تورّطها بالأمر .. وعادت بسيارة الأجرة الى منطقتها الشعبيّة ..

***


فور نزولها من السيارة ، إقتربت منها ابنة عمها معاتبة :

- أتصرفين مال ابي على سيارات الأجرة ، لما لا تأتين بالحافلة؟ 

سما : لم ألحق الباص هذه المرة


فابتعدت قريبتها وهي مازالت غاضبة ، بينما عادت سما الى شقتها القديمة التي اشتاقت اليها كثيراً رغم رائحة الرطوبة المُعبّقة في المكان ..

وفتحت جميع النوافذ لتهوية المنزل المغلق منذ اسابيع .. وأخذت جوالها لتصوير كل ركنٍ في بيتها .. ثم نشرت المقطع وهي تقول بنبرةٍ حزينة ونادمة : 


((مرحباً انا هيام .. إسمي الحقيقي هو سما .. وهذا المنزل المتواضع هو بيتي الحقيقي .. اما الفلة الفخمة فهي لصديقتي .. انا واحدة مثلكم ، إنبهرت بحياة الأثرياء .. لكن اريد إخباركم إنه وهجٌ زائف .. فحياتهم مملّة للغاية .. هم محرومين من حب الناس وفرحة العطاء وشفافيّة المشاعر .. معظمهم ماكرون ولديهم دسائس وأحقاد دفينة .. كلامهم نفاق ومجاملاتٍ كاذبة .. صدّقوني ، انا عشت التجربة كاملة .. حياة البسطاء أجمل بكثير ..أتسمعون تلك الضجّة بالخارج ، هي أجمل من عزف أفخم فرقةٍ موسيقية بالبلد ..أنصحكم ان تحبوا حياتكم وأنفسكم ، وأن ترضوا بما كتبه الله لكم .. حاولوا مساعدة من هم أقل منكم ، ولا تنظروا لمن هو فوقكم .. ولا تنخدعوا مثلي بالمظاهر الزائفة ، فعيشتنا الشريفة أجمل بكثير ..(ثم مسحت دموعها).. في الختام أريد الإعلان إن هذا المقطع هو آخر فيديو أنشره بموقعي .. ارجوكم سامحوني ، دمتم بخير))


وقد أحدث الفيديو ضجّة بين المراهقين والشباب الذين تناقلوه بينهم ، مع  الكثير من تعليقاتهم الغاضبة : فمعظمهم وصفوها بالكاذبة المصطنعة التي أوهمتهم بثرائها الزائف ، وأن دموعها دموع تماسيح .. بينما القلّة منهم فهموا مغزى تجربتها ... 


بجميع الأحوال أقفلت سما موقعها نهائياً بعد فهمها درساً عميقاً ، على إثره تغيّرت حياتها بعد إنتقالها لمنطقةٍ بعيدة ، للعمل في مشغل خياطة والإعتماد على نفسها مادياً ..

*** 


بعد سنوات .. سألها ابنها فارس :

- لما نحن فقراء يا امي ؟

سما : صدّقني حبيبي ، حياتنا البسيطة أجمل من ثراء الأغنياء


قالتها بابتسامةٍ مصطنعة وهي تُخفي سرّاً حزيناً لا يعلمه أحد : 

وهو أن السيد فارس الهائج إستطاع اقتحام غرفتها تلك الليلة !


الجمعة، 22 يناير 2021

عجوز الجبال

 تأليف : امل شانوحة

 

الوحدة القاتلة 


((أضعت طريقي ! كيف النزول من هذا الجبل ؟ ... تأخّر الوقت كثيراً ! عليّ العودة قبل حلول المساء .. خسرت الكأس بخطتي الغبيّة !!))


عبارات ردّدها بيأس مُشتركٌ في سباق دراجاتٍ للمسافات الطويلة ، بعد قراره الخاطىء بسلك طريقٍ مختصر للوصول لخط النهاية في البلدة المجاورة 


وكلما تقدّم خطوة للأمام إزدادت وعورة الطريق بحجارته الصغيرة التي تُسبّب الإنزلاق نحو وادٍ سحيق .. لهذا قاد درّاجته بحرص ، محاولاً إيجاد مكانٍ مناسب للهبوط من سفح الجبل الشاهق


بهذه اللحظات العصيبة .. سمع نباحاً من بعيد ، فاستبشر خيراً ..وسار قدماً باتجاه الصوت ، الى ان وجد كوخاً قديماً بُنيّ داخل كهفٍ صغير !


وحين وصل لبوّابته الخشبية : شاهد عجوزاً تُطعم الدجاج ، برفقة كلبها الصغير ..

فسألها باستغراب : يا خالة ! كيف تعيشين وحدك بهذا المكان الموحش ؟


ويبدو انه فاجأها بوجوده ! حيث ارتبكت كثيراً .. وأسرعت بإدخال الطيور للقنّ الصغير .. وحملت كلبها لمنزلها التي أقفلته بإحكام ، دون الإلتفات نحوه او الحديث معه ! 


فأكمل سيره متأمّلاً أن يكون بجانبها طريقٌ سالك يوصله للمدينة .. فعودته من حيث أتى يستغرق وقتاً طويلاً ، خصوصاً بعد أن قاربت الشمس على المغيب


وتابع قيادة دراجته عدّة امتار ، قبل تمزّق إطارها الأماميّ ! وبالكاد تمكّن من تفادي سقوطه فوق الأحجار المدبّبة الحادّة ..

ولم يعد امامه سوى العودة لكوخ العجوز ، لعلّها تشفق عليه وتدعه يبيت عندها ، لإكمال طريقه في الصباح ..


وسار نحوها وهو يحمل دراجته المحطّمة ، مُتتبّعاً النور الخافت من بعيد بعد ان ساد الظلام أرجاء المكان 


وحين سمع عواء قطيع الذئاب في الطرف الآخر من الجبل ! أسرع راكضاً باتجاه الكوخ ، وطرق بابه بفزعٍ شديد :

- سيدتي !! إفتحي الباب ، الذئاب تقترب مني .. أنقذيني ارجوك !!

ففتحت له بوجهٍ عبوس وهي تقول : 

- أترك دراجتك بالخارج وادخل بهدوء ، فكلبي نائم

ففعل ما أمرته به ، بعد خلع حذائه عند الباب .. 


ليتفاجأ بجمال بيتها ، فهو مبني حرفياً داخل الكهف ! حيث أن الجهة الخارجية للكوخ هي الوحيدة المصنوعة من الخشب ، اما الصالة وغرفة النوم والمطبخ ، جميعها نُحتتّ في الجبل !

فسألها باستغراب :

- من صنع هذا الكوخ الرائع ؟!

فأجابته وهي تُكمل طبختها فوق الجمر : 

- هو مبني منذ الأزل

- لم أفهم !


العجوز : هو مكانٌ أثريّ ، إستخدمه الصيادون للإستراحة  

- وهم من نحتوا السرير وخزائن الحائط ومقاعد الجلوس بهذه البراعة؟

- نعم ، استطاعوا تحويل الكهف لمفروشاتٍ صخرية .. وحفروا حجرةً داخلية للنوم ، دون ابوابٍ تفصلها عن الصالة كما تلاحظ

الشاب : وكيف وجدته ؟

- إكتشفته بصغري خلال نزهةٍ عائلية ، وكأن القدر أرشدني اليه لاستخدامه بعد ان طردني زوجي من منزله في تلك الأمسية الباردة 

- ولما فعل ذلك ؟! 

العجوز بحزن : أراد الزواج بأخرى .. وحين اعترضت ، طلّقني ورماني خارجاً .. فمشيت تائهة عدة ساعات ، الى ان تذكّرت الكوخ .. ومن يومها وانا أسكن فيه .. وقبل ان تسألني ، أجيبك .. لم أعد لمنزل عائلتي لأني هربت معه ، بعد أن رفضوا زواجي بغريب عن قريتنا .. وليتني لم اعترض 


فالتزم الصمت بعد تأثّره بقصتها .. الى أن سألته :

- الطعام جاهز ، هل انت جائع ؟

فأومأ برأسه إيجاباً .. فسكبت له بعض الحساء الساخن الذي شربه على عجل..

العجوز : تمهّل !! ستحرق لسانك

- انا جائعٌ حقاً

- يبدو من ملابسك انك متسابق درّاجات

- نعم ، لكني ضلّلت الطريق


العجوز : وهل ستعود للمسابقة غداً ؟

- للأسف تحطّمت دراجتي ، وبجميع الأحوال خسرت المسابقة

- لكن عليك المغادرة صباحاً ، فأنا لا اريد أحداً من اقاربك ان يصل الى بيتي

الشاب : لا تقلقي ، لم أخبر عائلتي بالمسابقة .. كنت أخطّطّ لمفاجأتهم بالكأس 

- جيد انك فعلت ، هكذا لن يشمتوا بخسارتك .. علينا دائماً قضاء حوائجنا بالكتمان 


الشاب : معك حق .. المهم لم تكملي قصتك .. كيف تدبّرت امورك هنا ؟ وكيف اشتريتي الدواجن و.. 

فقاطعته قائلة : سرقتهم

- أحقاً !

- من مزرعة رجلٍ ثريّ ، يملك زريبة كبيرة في الوادي القريب من هنا .. وعلى مدى اسابيع ، نجحت بسرقة 4 دجاجات وديك ، وخروف ونعجة 

الشاب : ماذا عن الكلب ؟

- وجدته تائهاً في الطريق ، فاعتنيت به .. ومن يومها لا يفارقني 


الشاب : ماذا عن مستلزماتك الأخرى ؟

العجوز : ما يزيد عندي من بيضٍ وحليب أبيعه في سوق القرية ، لشراء ما ينقصني من اغراض .. فما تراه حولك ، هو حصيلة عملٍ ومجهود لأربعين سنة

- أبقيت وحدك كل هذه المدة ؟! 

- للأسف !

الشاب : الم تفكّري يوماً بالإعتذار من اهلك والعودة لحياتك القديمة؟

- ماتوا جميعاً ، حضرت جنائزهم من بعيد دون ان يلاحظني احد


الشاب : قصتك حزينة بالفعل .. ماذا عن طليقك ، ماذا حصل له ؟

العجوز بغيظ : يبدو اللعين انتقل مع عروسته لمكانٍ آخر ، لأني وجدت بيتنا القديم مهجوراً .. فاستوليت على بعض مفروشاتي القديمة ونقلتهم الى هنا 

الشاب : أتدرين يا خالة ..أفكّر بإخبار الناس عن قصتك ، لعلّي أجمع التبرّعات لبناء منزلٍ لك في المدينة 

العجوز بحزم : إيّاك أن تفعل !! فأنا اعتدّت الهدوء ، واريد الموت وحدي هنا 

- لكن يا خالة ، ماذا لوّ مرضتي او أصبتِ بكسرٍ ..


فحاولت تغير الموضوع : 

- ستنام الليلة في غرفتي 

الشاب : ماذا عنك ؟ 

- سأنام بالصالة ، انا متعوّدة على ذلك .. إذهب الآن ، فعليك الإستيقاظ باكراً


ودخل حجرة نومها .. واستلقى على السرير الصخريّ قرابة ساعة ، قبل ملاحظته اوراقاً مكدّسة في زاوية الغرفة .. فشعر بالفضول لتصفّحها على ضوء القنديل ، خاصة بعد سماعه شخير العجوز من الصالة


وكانت عبارة عن اوراقٍ مطبوعة بتواريخ قديمة ، وقصاصات جرائد تعود لمئتيّ سنة ! تحدّثت عن غرق التيتانيك ووباء الجدري والحربين العالميتين واحداث قديمة جداً تعود لبدء الطباعة الورقة ، واستغرب بقاء نسخها القديمة بحالةٍ جيدة !


واثناء تعمّقه بقراءة عناوين الصحف ، تفاجأ بالعجوز تقول بنبرةٍ غاضبة: 

- لا شيء يوقف فضول الشباب !

- آسف خالتي ، كنت أقرأ ..

فقاطعته قائلة : سأريك شيئاً أكثر إثارة  


وحاولت إخراج صندوقٍ ثقيل من خزانة الحائط ، فأسرع بمساعدتها .. وكان يحوي منحوتات أثريّة !

وحين قرّب قنديله من الصندوق ، وجد فيه : ريشة وخاتم وقطعة خشبية وصفحات مكتوبة بلغةٍ غريبة واشياء أخرى ! .. وحين رأى قميصاً ملوثاً بالدماء ، تراجع للخلف بفزع 


العجوز : لا تخف ، انها دماء مزيفة 

- ماهذه الأشياء الغريبة ؟! 

- سأشرح لك .. الريشة السوداء هي ريشة الغراب الذي علّم قابيل كيفية دفن اخيه هابيل

- ماذا !

- لا تقاطعني .. وتلك الزخرفة الخشبية الصغيرة إقتطعتها من مقدّمة سفينة نوح .. والقميص الملوّث بالدم هو قميص يوسف الصغير الذي أحضره إخوته لأبيهم بعد رميه بالبئر

- ما هذه الخرافات ؟!


العجوز : دعني أكمل .. وهذا سن الحوت الذي بلع النبي يونس .. وهذه إحدى الواح النبي موسى التي سرقتها من احد اتباعه ، بعد فشلي بإيجاد عصاه السحريّة 

- لم تكن سحريّة ، بل كانت ..

فقاطعته بغضب : إستمع بصمت !! وهذه صفحة من صفحات كتاب الزبور لداوود .. وهذا المسمار الصدىء الطويل الذي ثُبّت به قدميّ عيسى اثناء صلبه

- هو لم يصلب !! بل رُفع الى السماء ..

العجوز : عرفت ذلك لاحقاً .. اما أجمل ما حصلت عليه ، هو خاتم سليمان الذي يبحث اليهود عنه في كل بقعةٍ من فلسطين ، لكني أحتفظ به لصديقي الدجّال


الشاب بصدمةٍ وخوف : الدجّال !.. من انتِ يا امرأة ؟!!

- انا من المخلّدين ، الم تسمع بهم ؟  

- ماذا عن القصة التي أخبرتني بها قبل قليل ؟ 

فقالت بابتسامةٍ ماكرة : ألّفتها خصيصاً لك 

- انت مجنونة ، لا يوجد شيء اسمه المخلّدين  


العجوز بثقة : بلى .. أحلف لك انني جلست في سفينة نوح اثناء الطوفان ، وراقبت نجاة إبراهيم من الحرق .. ومشيت في البحر بعد أن شقّه موسى بالعصا .. وشهدتُ صلب شبيه المسيح .. كما هجرة محمد الى المدينة وحروبه مع أنصاره لرفعة الإسلام  .. وعشت الأزمنة التالية لسقوط الخلافات الإسلامية ، والحربين العالمين والنهضة الصناعية .. وصولاً لعصرنا الحاليّ 

- لا صحة لكلامك !! فلا خلود بالدنيا ، حتى الأنبياء ماتوا ..  


العجوز مقاطعة : ماذا عن الخضر ، معلّم موسى ؟ .. وحوت يونس الذي مازال يسبح لليوم في المحيط .. وهاروت وماروت اللذان تعلّم على يديهما آلاف المشعوذين والسحرة .. حتى ماء زمزم يجري دون مصدرٍ له .. وجميع الأنبياء حذّرهم الله من الدجّال ، هذا يعني انه من المخلّدين ايضاً ..

فقال لها بسخرية : آه حقاً ، نسيتي ابليس ايضاً

- انت أذكى من الفضوليين السابقين


قالتها بصوتٍ رجوليّ أجشّ ، أرعب كيان الشاب .. قبل تحوّلها لمخلوقٍ ضخم ، بأرجل ماعز وقرونٍ عظيمة وجلدٍ أحمر وعيون كعيون القطط .. حتى أوشك الرياضيّ على الإغماء ، بعد معرفته أنه في منزل ابليس الذي جمع بالصندوق تذكارات مهمّة من العصور السابقة ! والذي قال غاضباً :


   -لا ادري ماذا افعل مع نسل آدم الفضوليين ؟!.. لي قرون اعيش في جوٍّ خانق تحت الأرض .. وكلما نويت الإستجمام ، يظهر لي احد البشريين لتعكير مزاجي !.. يعني اين اهرب منكم ؟!.. تحوّلت لمعاق وعجوز وطفل وممسوخ ، وظهرت في اقاصي العالم وفي القطب المتجمّد ومثلث برمودا وعلى رأس الجبال دون فائدة ! دائماً يلاحقني احد المغفلين .. هل عليّ أن أوسّوس بعقل الرئيس الكوري الغبي كيم ، ليفجّر العالم بالنوويّ وارتاح منكم جميعاً !! 

فقال الشاب وهو يرتجف بخوفٍ شديد : 

- آسف ابليس ، ارجوك دعني اذهب ..لن اخبر احداً بمقرّك السرّي ، أعدك بذلك

ابليس بلؤم : لا يا عزيزي ، لا أثق بوعود البشر 


وشدّ مقبضاً خشبياً في جانب الغرفة ، أوقعت الشاب في حفرةٍ عميقة داخل الجبل ، منادياً بعلوّ صوته لجنوده : 

- أرسلت لكم البشريّ رقم (100) إستعبدوه او احرقوه ، هو هديةٌ لكم 

فظهر صوتٌ جماعيّ من باطن الأرض : حاضر سيدي !!


وبعد إغلاقه الحفرة ، قال بامتعاض :

- آه يا آدم ! بليّتني بسلالتك الحمقاء التي أنوي قطع نسلهم بالحروب والفيروسات القاتلة ، وضغطي على الماسون لإجبار حكّام الدول لدعم الشواذّ وتقليص عدد البشر للمليار الذهبي ، بحجّة الدجّال .. ولن يهدأ بالي قبل إرسال احفادك الى الجحيم بكل الطرق الممكنة .. أعدك بذلك يا عدويّ اللدودّ !!!


ثم استلقى على سريره الحجريّ ، مُستمتعاً بصرخات الشاب الأخيرة!


الثلاثاء، 19 يناير 2021

لحن الموت

تأليف : امل شانوحة

 

العزف الدمويّ


في يومٍ وليلة إكتسح ألبوم (لحن الموت) الأسواق ، وتنافست وسائل الإعلام على إذاعة الموسيقى الصاخبة بألحانها المرعبة التي أعجبت المراهقين والشباب ، خاصة عبّاد الشياطين الذين صاروا يردّدونها بمناسباتهم في محافلهم السرّية ..


وفي ساحة المدينة .. تجمّع الآلاف لحضور الحفلة الأولى للموسيقار الصاعد جاك اندرسون المعروف ب(الموسيقي المقنّع) دون معرفتهم شكله الحقيقي الذي أخفاه خلف قناعه وردائه الفضّفاض الأسود ، مُتنكّراً بهيئة تُشبه رسومات (ملك الموت) ! 


والغريب انه لا يملك فرقة موسيقية ، بل يعزف على جيتاره الإلكتروني مُتزامناً مع ألحان آلاتٍ أخرى سُجّلت مُسبقاً في ستديو خاص وسرّي ، مُفضّلاً الظهور وحده بحفلاته المتتالية طوال العطلة الصيفية ! 

***


في الساعات الأخيرة من الليل .. إنتهى حفله الموسيقيّ بهتافات وصرخات معجبيه الذين تأثّروا بإلحانه الغريبة التي جعلتهم يشعرون بأحاسيس مختلفة : كالخوف والحزن والإحباط والغضب والحماس الشديد !


وقبل نهاية الحفلة ، أعلن الموسيقار الغامض عن حفل توقيع إلبومه الأول (لحن الموت) في أكبر مولات العاصمة ، الذي ازدحم لاحقاً بمعجبيه الذين قدموا من كل مكان للحصول على توقيعه ، واستمرّت الطوابير لساعاتٍ طويلة 


كان من بين الحضور : شاب إقترب من طاولة جاك المقنّع وهو يحمل جيتاره ، قائلاً بحماس :

- استاذ جاك !! اسمي مايكل ، حصلت على المركز الأول لخرّيجي المعهد الموسيقيّ ، ولديّ لحن رائع من تأليفي 

- دعني أسمعه

- سيدي ! إن عزفته هنا ، سيُسرق على الفور


فقال جاك لمساعده :

- أعطه موعداً في ستديو التسجيل بنهاية الأسبوع ، الساعة 1 ليلاً

مايكل باستغراب : 1 ليلاً !

جاك : هل عندك مانع ؟

- لا ابداً ، سأكون على الموعد 

جاك بحزم : بشرط !! إيّاك اخبار احد باتفاقنا ، فأنا اتشاءم من الحسد 

- كما تشاء سيدي


وذهب مايكل وهو سعيد بحصوله على البطاقة الخاصة بالموسيقار جاك التي فيها عنوان الإستديو وفرقته السرّية

***


وفي الموعد المحدّد ، مساءً .. رافقه المساعد لمكان الإستديو الموجود في القبو .. وبعد نزولهما العديد من الأدراج ، وصلا لغرفة تسجيل الألحان .. حيث تفاجأ مايكل بوجوده وحده هناك ! 

بينما جلس جاك المقنّع خلف الزجاج كاتم الصوت ، وتكلّم معه بالميكرفون: 

- مايكل !! ستعزف لحنك بعد خمس دقائق


ثم دخل مساعده غرفة التسجيل لوضع الأصفاد في قدم الشاب وتقيده بالكرسي الحديدي المثبّت بالأرض !

مايكل باستغراب : ما الداعي لذلك ؟! أنا لن أهرب منكم سيدي !


فردّ عليه جاك (بعد خروج مساعده من الغرفة) :

- لا تخف ، مجرّد روتين .. إبدأ العزف !! والأفضل ان يكون جميلاً ، فأنا لا أحب تضيع وقتي


فبدأ مايكل العزف بألحانٍ ناعمة جميلة ! 

فأوقفه جاك في منتصف التسجيل ، قائلاً بعصبية :

- أنت تعرف نوعية ألحاني ايها الشاب !! 

مايكل بثقة : معزوفتي عبارة عن قصةٍ قصيرة 

- وما نوع القصة ؟

- قصة عاشقان ..

جاك مقاطعاً بامتعاض : يعني رومنسية !

مايكل : ليس تماماً ..ففي منتصف اللحن ، يفقد الشاب محبوبته .. وتبدأ وتيرة العزف بالتصاعد بين ألحانٍ حزينة وغاضبة

- اذاً انتقل لهذا الجزء ، فالألحان الهادئة تزعجني

وبدأ عزف مايكل يقوى تدريجياً ، ليزداد حدّة وسرعة ..


وبعد انتهائه من معزوفته ، قال جاك بتردّد :

- ألحانك  .. لا بأس بها

مايكل بقلق : الم تعجبك ؟!

- هناك بعض المقاطع الحماسية ، لكنها لم تشعرني بالخوف .. لذا اريدك ان تشاهد ما سأعرضه امامك 


وأضيء التلفاز الكبير .. ليظهر فيه 6 شاشات مقسّمة ، تَعرض فيديوهات مصوّرة ل 6 اشخاص يعزفون كلاً على حدة ، وأقدامهم مقيدة بكراسيهم :(أحدهم عازف بيانو ، والآخر طبول ، والثالث الفلوت ، والرابع كمان ، والخامس سكسفون ، والأخير جيتار إلكترونيّ)


مايكل : هل اولئك فرقتك السرّية ؟

جاك : نعم ، هم من لحنوا البومي الأول (لحن الموت)

- لما تبدو نظراتهم خائفة ؟!

- ستعرف بعد قليل  


وكان التعب واضحاً عليهم ! وكلما ابطأوا العزف ، صرخوا بألم

فسأل مايكل بقلق : مالذي حصل ؟! لما صرخوا فجأة ؟

جاك : لأني صعقتهم كهربائياً عن طريق أصفادهم الحديدية  

- ولماذا ؟!

- لأنهم تعبوا بعد عزفهم عشرين ساعة متواصلة

مايكل بدهشة : 20 ساعة !

- نعم ، تلك البداية فقط .. سأسرّع الفيديوهات لترى ما حصل لهم


فشاهد مايكل : مساعد جاك الضخم وهو يستخدم وسائل متنوعة لتعذيبهم كالصعق والجرح والمياه ساخنة واللكم والضرب والتهديد النفسي ، لتزداد ألحانهم خوفاً وغضبا ! 

الى ان انهاروا تماماً ، وصاروا يبكون ويتوسّلون جاك بأن يطلق سراحهم او يقتلهم .. 

وبالفعل قام جاك بإطلاق النار على رؤوسهم ، ليموتوا فوق آلاتهم الموسيقية !


فارتجف مايكل بخوف :

- أقتلت فرقتك ؟!

جاك : نعم بعد تسجيل ألحانهم المبدعة ، التي جمعتها لاحقاً في إلبومي الأول .. لهذا وصل شعور الخوف والفزع لجمهوري من خلال ألحانٍ أُلفت تحت وقع التهديد

فصرخ مايكل بغضبٍ شديد : انت مجرمٌ حقير !!

جاك : كانوا مجرّد مشرّدين وفقراء يعزفون في الشوارع والأنفاق لسنوات مقابل عملات نقدية من المارّة .. على الأقل شهرت اعمالهم بعد موتهم

- هم فنانون مبدعون !!

- بعالمٍ لا يقدّر الفن

مايكل بعصبية : لوّ الأمر كذلك لما أصبحت مشهوراً على حساب ..

وقبل ان يكمل كلامه ، أحسّ مايكل بصعقةٍ كهربائية بقدمه .. فصرخ بألم 


فقال جاك :

- إكمل العزف !! فألحانك الرومنسية لم تعجبني .. وسأضاعف قوة الصعقة تدريجياً ، الى ان تخرج أفضل ما لديك .. اريد الوصول للحن الخوف الخاص بك

مايكل بخوف : لن تنجو بفعلتك ، فأهلي سيبلّغوا الشرطة عن إختفائي 

- كيف وهم لا يعرفون عنوانك ، ولا شكلي ولا حتى إسمي 

- الكل يعرف انك جاك اندرسون 

جاك : ومن قال انه اسمي الحقيقي 


فسكت مايكل قليلاً ، قبل ان يقول بغضب :

- لن أعزف مجدداً ، حتى لوّ قتلتني !!

جاك : توقعت عنادك 


وهنا نادى مساعده الذي عاد الى الغرفة الزجاجية ومعه صبية مقيّدة بالسلاسل ومكمّمة الفم ، التي انهارت بالبكاء فور رؤيتها خطيبها مايكل في غرفة التسجيل الذي بدوره صرخ بغضب : 

- كيف وجدتم حبيبتي ؟! أتركوها حالاً !! 


جاك : راقبك مساعدي عدة ايام الى ان رآكما معاً ، وعرف عنوان منزلها ، وخطفها قبل مجيئك الينا .. تماماً كما أرعبنا العازفين بصور اولادهم اثناء ذهابهم للمدرسة .. والآن ستعزف غصباً عنك ، والا سنعذّبها امام عينيك .. إبدا فوراً ، والا !!

وقام جاك بصعق خاصرتها بآلةٍ صغيرة كهربائية ، جعلتها تصرخ بألمٍ شديد ..  

فبكى مايكل بغضب : أتركوها يا ملاعيين !!!

فقال جاك بالميكرفون : إذاً إعزف لأتوقف عن تعذيبها


فبدأ مايكل العزف بألحانٍ غاضبة .. فهلّل جاك بحماس : 

- ممتاز !! هذه الألحان التي اريدها .. تابع ايها العاشق البطل


وظلّ مايكل يعزف لساعاتٍ طويلة .. وكلما توقف ، قام جاك او مساعده بأذيّة الفتاة من خلف الزجاج ..


واستمرّ الوضع الى ظهر اليوم التالي .. وبعد ان فقدت الفتاة وعيها من شدة التعذيب ، ترجّاهم مايكل بتعبٍ شديد :

- لم أعد أشعر بأصابعي ، ارجوكم دعوني ارتاح قليلاً ..او على الأقل أطعموني شيئاً .. الا يكفي انكم جعلتموني أتبوّل على نفسي كالأطفال

جاك : أمازلت تملك ألحاناً مبدعة لم نسمعها بعد ؟ 


وهنا جنّ جنون مايكل ، وحطّم جيتاره بقوة وهو يصرخ غاضباً بيأسٍ شديد:

- لن أعزف طوال حياتي !!!


فأعطى جاك الإشارة لمساعده الذي أطلق النار على الفتاة اولاً ، قبل دخوله غرفة التسجيل لقتل خطيبها مايكل !


من بعدها سأل جاك مساعده :

- هل سجّلنا جميع ألحانه ؟

المساعد : نعم سيد جاك 

- جيد

- مازلنا بحاجة الى عازف بيانو جديد وكمان وطبلة لإكمال البومك الثاني :(عشق الجروح)

جاك : لا تقلق ، سنجدهم بعد نشر إعلانٍ بالإنترنت عن رغبتنا بتكوين فرقة جديدة .. وأراهنك أن المئات سيتهافتون على الوظيفة التي سأخصّص لها راتباً وهميّاً كبيراً 


المساعد : وهل لديك شروط معينة أضيفها على الإعلان قبل نشره ؟

- أكتب :((الأفضلية لمن لديهم نزعة إنتحارية او من أتباع الشيطان)) فهؤلاء نوعيّة عزفهم مخيفة وغاضبة ، كالألحان التي أعشقها

- ماذا عن الجثتين ؟

جاك : إدفنهما بجانب العازفين السابقين .. وحين يزدحم قبونا بالموتى ، ننقل الإستديو الى مكانٍ سرّي آخر .. والآن إبعدهما عن وجهي لأتفرّغ لعملي 

***


وفي الوقت الذي كان فيه مساعده يدفن الجثتين ، إستمع جاك ثانيةً لألحان المبدع مايكل لاقتطاع الأجزاء التي يحتاجها لألبومه الجديد الذي يتوقع ان يُضاعف اعداد معجبيه وشهرته الموسيقية ، طامحاً لتحقيق هدفه بأن يصبح العازف الأول للموسيقى المرعبة حول العالم ، مهما كلفه الأمر !


التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...