تأليف : امل شانوحة
إحتلال عائلة
نهاد فتاةٌ ثريّة مُدلّلة ، رفضت العديد من العرسان لعشقها للحرّية وكرهها لتحمّل المسؤولية .. وبعد تعرّض البلاد لأزمةٍ اقتصادية ، تضرّرت تجارة والدها الذي أصيب بنوبةٍ قلبية .. لهذا لم يعد بإمكانها رفض العريس الذي ترجّاها والدها الزواج منه ، رغم انه موظفٌ بسيط !
***
بعد 8 سنوات .. أخبر الزوج اباها بنيّته للطلاق بسبب إهمالها واجباتها المنزلية : فهي لا تتقن الطبخ ، والأوساخ تملأ منزله .. وابنه الوحيد (7 سنوات) يعاني بدراسته ، بسبب إنشغالها الدائم بالتسوّق ونزهاتها مع صديقاتها التافهات !
فعاتبها والدها باتصالٍ هاتفيّ : مُهدّداً بعدم سماحه بعودتها لمنزله ، وأن عليها إصلاح علاقتها بعائلتها قبل فوات الآوان
وقد صدمها كلامه كثيراً ، فهي متعوّدة على دلاله وسخائه الماديّ لإبنته الوحيدة !
وبعد خروج زوجها برفقة ابنه من المنزل .. بكت في غرفتها بقهر ، وهي تنظر في المرآة :
- والله حرام ان يُفنى جمالي بأعمال المنزل المملّة ، ورعاية ولدٍ مشاغب ، وتنفيذ طلبات زوجي التي لا تنتهي ابداً .. انا فعلاً متعبة
فسمعت صوتاً أنثويّ يقول :
- دعيني اساعدك
فارتعبت نهاد كثيراً ، قائلةً بفزع :
- من هناك ؟!!
فإذّ بإمرأة تشبهها ، تخرج من المرآة :
- انا قرينتك
فصرخت نهاد بعلوّ صوتها ، برعبٍ شديد :
- إبتعدي عني يا شيطانة !!
- لست شريرة ، بل العكس تماماً .. انا طيبة ، وأحب مساعدة الغير .. فرجاءً دعيني أهتم بأمور المنزل ، كيّ تتفرّغي لنزهاتك واصدقائك والإعتناء بجمالك
فهدأ روع نهاد قليلاً ، وسألتها : أحقاً !.. هل تعرفين الطبخ ؟
- أعرف كل شيء .. وسأريك حالاً
وفجأة ! تحرّكت القرينة بسرعةٍ هائلة حول الغرفة ..
وحين توقفت ، لاحظت نهاد بأن غرفتها أصبحت نظيفة ! بعد إعادة القرينة الملابس المبعثرة الى الخزانة ، وترتيبها السرير وادوات الزينة ..
نهاد بدهشة : كيف فعلتِ ذلك بدقيقةٍ واحدة ؟!
- انت شعرتِ أنها دقيقة ، لكن مرّت ساعتين بتوقيتي .. فالزمن يختلف بين عالمينا .. وإن إردّتِ ..أنظّف المنزل كله ، وأعدّ العشاء لعائلتك .. فهذا سيسعد زوجك ويخفّف غضبه ..
- لكن البيت وسخٌ جداً ، فأنا لم أنظفه منذ شهرين .. والبخيل لم يوافق على إحضاري الخادمة
- انا أفضل من خدمكم البشريين
نهاد : حسناً سأفتح لك الباب لتري الغرف
- لا داعي ، يمكنني إختراق الأبواب والجدران ..
وخرجت من الباب المقفل ، ولحقتها نهاد .. لتلاحظ على الفور نظافة كل غرفة دخلتها القرينة !
وماهي الا دقائق ، حتى تصاعدت رائحة الطعام من المطبخ !
فاقتربت نهاد من الطنجرة بحذر ..
القرينة : لا تخافي ، طعامنا مُتشابهٌ تماماً
فتذوقته نهاد بتردّد ، ثم قالت :
- لذيذ ، لكن ينقصه الملح
القرينة : نحن نكره الملح ، يمكنك إضافته بعد رحيلي
- والى اين تذهبين ؟
- سأعود للمرآة ، فزوجك على وشك الوصول .. حاولي ان تصالحيه ..وكلما أردتني ، نادني لأساعدك
- وما اسمك ؟
القرينة : رؤى
وفور دخول الزوج وابنه المنزل ، إختفت القرينة على الفور ..
بعد قليل .. دخل الزوج المطبخ مذهولاً وهو يقول :
- وطبختي ايضاً ؟!
رؤى : نعم ، رتّبت المنزل وأعدّدت العشاء .. هيا نأكل سوياً
ولأول مرة تناولوا طعامهم كعائلةٍ محبة ، مُعتقداً أن تهديده بالطلاق أتى بنتيجةٍ إيجابية ..
***
ومرّت الشهور بسعادة على نهاد التي قضتها بالتنزه والتسوّق ، تاركةً قرينتها تهتم بعائلتها بعد السماح لها بالظهور امامهم ، بشرط إختفائها فور عودتها المنزل .. كما اشترطت عليها ان لا تلمس زوجها ، لأنها شديدة الغيرة ..
فكان العمل والشقاء لرؤى ، والدلال والليالي الرومنسية لنهاد .. كما تحسّنت علامات ابنها لاهتمام رؤى بتدريسه ، واللعب معه وإخباره القصص الخيالية قبل النوم .. في المقابل ، زاد حبه لأمه نهاد !
***
وفي إحدى الأيام .. تأخرت نهاد بالعودة لبيتها ، بعد ذهابها بنزهةٍ سياحية مع صديقاتها ..
وعادت مساءً ، لتتفاجأ بنوم زوجها بجانب رؤى في السرير !
وكادت تصرخ ، لولا ان رؤى أسرعت بأخذها الى المطبخ ..
- رجاءً لا توقظي زوجك وابنك
نهاد بعصبية : جيد انك مازلتي تذكرين انه زوجي ، يا خائنة !!
- تأخرتي كثيراً ، ولم أستطع إبعاده عني بعد إلحاحه الشديد
- خالفتِ شروطي ، ومنذ اللحظة لا اريدك في بيتي !!
رؤى بقلق : لن تقدري على اعمال المنزل وحدك ، فعائلتك تعودّت على اهتمامي الزائد
نهاد بنبرة تهديدٍ غاضبة : عودي فوراً والا كسرت مرآتي ، وحرمتك من رؤية عالمك من جديد !!
رؤى بحزن : حسناً .. لن تريني ثانية
واختفت القرينة من المنزل ..
***
في الأيام التالية .. حاولت نهاد جاهدةً الإهتمام بمنزلها ، مما أرهقها كثيراً .. فرجعت لتصرّفاتها القديمة بإهمال عائلتها ، وهذا أحزن ابنها الذي عاد لانطوائه ، وأغضب زوجها الذي تشاجر معها ثانيةً
في الوقت الذي كانت فيه رؤى تراقب الوضع من بعيد بحسرةٍ وقهر
***
وذات يوم .. عاد الزوج الى منزله ، وهو يسألها بحماس :
- اين هديتي ؟
نهاد باستغراب : أيّة هدية ؟!
زوجها بدهشة : هل نسيتي إن عيد ميلادي في 10 يناير ؟!
فارتبكت نهاد لأنها نسيت التاريخ بالفعل !
وفجأة ! دخلت رؤى الصالة ، حاملةً الكيك المليء بالشموع وهي تغني أغنية شيرين :
((كل عام وانت حبيبي .. كل عام وانت بخير....))
فقاطعتها نهاد بعصبية : مالذي أحضرك الآن !!
الزوج بدهشة : لم تخبريني إن لديك اخت توأم !
نهاد بغضب : ليست اختي ، بل ضرّتي التي تنوي سرقة عائلتي !!
الزوج : لم أفهم شيئاً !
رؤى : لا اريدك إخافتك ، لكني قرينتها
الزوج بفزع : انت شيطانة ؟!
رؤى : لا ابداً !!.. انا طيبة وحنونة وأحب مساعدة الغير ، بعكس زوجتك الغيورة الحقودة .. أظن ادوارنا معكوسة !
نهاد بغضب : عودي لعالمك السفليّ يا حقيرة ، فلا مكان لك بيننا !!
فاقتربت رؤى من الزوج وهي تقول بحنان :
- أمجد .. أتذكر ليلتنا الرومنسية التي قلت عنها انها أجمل من ليلة عرسك ؟
فارتبك الزوج مذهولاً ! وعاتبتها نهاد بعصبية :
- أتقولين ذلك امامي يا خائنة ؟!!
لكن رؤى لم تكترث لغضبها ، وأكملت كلامها مع الزوج :
- انا من اهتمّمت بك في مرضك ، وطبخت لك الأكلات الشهيّة
نهاد : طبخها خالي من الملح !!
الزوج : أخبرتني أن هذا يخفّف ضغطي العالي !
نهاد بصدمة : أتقف معها ضدّي ؟!
وهنا دخل ابنها الصالة ، ليتفاجأ بشبيهة امه ..والتي سألها :
- هل انت خالتي ؟!
رؤى : بل امك التي أخبرتك قصص النوم ، ولعبت معك في الحديقة
نهاد بلؤم : كل هذه الأشياء أستطيع فعلها مع ابني حبيبي
رؤى بعصبية : كاذبة !! لم تحبي يوماً ابنك او زوجك ، بل تهتمين بنفسك فقط لأنك انانية !!
نهاد : أمجد قل شيئاً ! فهذه الشيطانة تريد احتلال عائلتي
الزوج : إخبريني اولاً يا نهاد .. ما الأغنية التي تجعلني أغفو حين أصاب بالأرق ؟
نهاد باستهزاء : وهل انت صغير لأغني لك ؟
رؤى : انا أجيبك .. أغنية (لذبحلك طير الحمام)
فضحكت نهاد بسخرية : هل هو طفل يا غبية ؟
الزوج : بالفعل أنام عليها ، لأنها تذكّرني بأمي المرحومة التي ماتت في صغري
فسكتت نهاد بامتعاض.. فاقترب منها ابنها وأمسك يدها :
- امي ، هل ستكملين لي رحلة سندباد ؟
فأبعدته عنها ، وهي تأمره بقسوة :
- عدّ الى غرفتك !! لست بمزاجٍ جيد لقصصك السخيفة
فاقتربت رؤى منه ، ومسحت رأسه بحنان :
- لا تحزن حبيبي ، سأخبرك الليلة ما فعله سندباد بجزيرة القرود
الصبي بسعادة : أحقاً !! وهل ستنامين بجانبي ؟
نهاد : لا أنصحكِ بذلك ، فهو يعاني من التبوّل اللا إرداي
الصبي بغضب : لم أعد أبلّل سريري !!
رؤى : لأني أيقظه مساءً لدخول الحمام ، وانتِ غارقة في النوم
نهاد بعصبية : أمجد !! قلّ شيئاً يا رجل
الزوج : هل تريدني ان أختار بين امرأة حوّلت حياتي جنة بالشهور الماضية ، وبين امرأة أنغصت عيشتي منذ عرسنا ؟
نهاد بصدمة : هل تفضّلها عليّ ؟!
الزوج بلؤم : بالحقيقة نعم ، انا أختارها هي .. ماذا عنك بنيّ ؟
الصبي : اريد هذه (وأشار على رؤى) .. فهي تخبرني القصص الجميلة ، وتساعدني في دراستي ، وتصنع لي الحلوى اللذيذة
رؤى بلؤم : كما سمعتي نهاد ، عائلتك إختارتني .. يمكنك الذهاب
نهاد بقلق : الى اين ؟ والدي يرفض عودتي لمنزله !
رؤى : لن تعودي لأبيك ، بل لعالمي .. فنحن سنبدّل الأدوار
نهاد : أتريدين إخافة الصغير حين يراني أختفي فجأة من امامه ؟
رؤى : لا تقلقي .. زوجك وابنك سينسيان كل شيء فور ذهابك ، وسأكون نهاد بالنسبة لهما
وصفّقت القرينة بيديها .. لتنسحب روح نهاد الى داخل مرآة غرفتها ، ومنها الى العالم السفليّ المخيف المليء بالقرائن الشيطانية !
***
في البداية شعرت نهاد بالخوف الشديد من حياتها الجديدة في باطن الأرض .. لكنها مع الأيام تعوّدت على احاديثهم الماكرة ، وكوّنت العديد من الصداقات مع الجنيات اللآتي تشابهن معها بالصفات السيئة : كالغيرة والشك واللؤم والنوايا الخبيثة !
ورغم ذلك لم تنسى نهاد ما حصل ، وظلّت تراقب رؤى من بعيد بغيظ لفوزها بقلب زوجها وابنها الصغير ..
***
في احد الأيام .. إلتقت نهاد بقرينة ابنه عمتها التي اخبرتها بنوايا قريبتها :
- على فكرة ، ابنة عمتك تنوي سحرك
نهاد بدهشة : لماذا ؟!
القرينة : لأنها تغار من حياتك الزوجية السعيدة
نهاد بغيظ : التي احتلّتها رؤى
- هي لا تعرف بشأنها
- ولما تغار مني ! هي التي ارسلت العريس لبيتنا ؟
القرينة : ما لا تعرفينه ، انها عشقت امجد من ايام الجامعة .. لكنهما اختلفا في العمل ، فأخبرها برغبته الزواج بأخرى .. فدلّته عليك ، لأنها تعلم أنك ستكونين زوجة فاشلة .. وراهنت على طلاقكما بغضون سنة ، وعودته اليها نادماً
نهاد بدهشة : اللعينة ! لم اعلم بخبث نواياها
قرينة ابنة عمتها : اذاً ستمنعيها من سحر رؤى ؟
نهاد بقهر : هل جننتِ ؟!! بل سأدعم قرارها .. فأنا أحلم كل ليلة بقلب حياة رؤى رأساً على عقب .. ولن أرتاح قبل طلاقها ، ومقاطعة والدي لها .. وسأفعل المستحيل لجعلها تندم على استيلائها حياتي
القرينة مبتسمة : الم أقل انك تنتمين لعالمنا ؟
نهاد : يبدو اني إنسيّة متشيّطنة بالفعل !
وضحكتا بمكرٍ وخبث !
قصة جميلة ، أظهرت حكمة بين ثنايا قصة يشوبها الرعب و الخيال ، بوركت يا أمل
ردحذفحقيقة إنها جميلة جدا ياكنز الابداع وفقك الله
ردحذفجميلة جداا 💛
ردحذفهل هناك تكملة
ربما بالمستقبل ، من يدري !
حذف