السبت، 16 يناير 2021

قرارٌ مُتسرّع

 تأليف : امل شانوحة

لا تثق بأحد


في تلك الليلة .. نُقل جاك لإحدى غرف المشفى ، بعد علاج كسرٍ في ذراعه .. 

واثناء قيام الممرضة الشقراء بسحب عيّنة من دمه ، سألها باستنكار:

- لما نقلتموني الى هنا ؟! ولما أجريتم الكثير من الفحوصات ، وصوّرتم ظهري بالأشعة رغم انه لا يؤلمني ؟ .. كان مجرّد حادث بسيط بدراجتي النارية ، فلما لم يسمحوا بذهابي بعد تجبير يدي ؟

- لأن الطبيب يشكّ بحدوث نزيفٍ داخلي إثر سقوطك بقوة على الرصيف ، لذا عليك الإنتظار لحين ظهور نتائج الفحوصات 

وغادرت الغرفة ، بعد أن أرعبته بكلامها !

***


في صباح اليوم التالي .. أيقظته ممرضة سمراء وهي تحمل ورقة قانونية وقلم ، قائلةً بابتسامةٍ عريضة :

- الربّ يحبك يا جاك

- هل اختفى نزيفي الداخلي ؟

- لا ، لم تظهر نتيجته بعد .. فقط نتائج فحص الدم ، وأشعة كليتك

جاك بقلق : وهل كل شيء سليم ؟

- بل أفضل من ذلك .. فئة دمك وكليتك الصحيّة تناسبان المريض تماماً

- لم أفهم !

الممرضة : إن وقّعت بالموافقة ، ستخرج من هنا غنياً .. فهناك عائلة ثرية لديها ولد في العاشرة مُصاب بفشلٍ كلويّ ، وزمرة دمهُ نادرة مثل دمك


جاك بعصبية : ومن قال اني موافق على التبرّع بكليتي ؟!!

- لا تستعجل ، فهم سيدفعون لك مليون دولار .. كما ستنقذ حياة ولدٍ صغير ، إحتمالية نجاته معدومة .. وطالما انك تدفع للمستشفى عن طريق الضمان الإجتماعي ، فهذا يعني انك بحاجة للمال ..

جاك بحزم : لن أبيع كليتي بكنوز الدنيا ، وهذا قراري النهائيّ !! 


وحاول النزول من سريره ، لكنها أوقفته :

- لحظة ! لم تظهر بقية نتائجك المخبريّة 

- كذب !! انت صوّرتم كليتي لأجل زبونكم الثريّ

الممرضة : صدّقني هناك نزيف ، إنتظر للغد حتى لا تسوء حالتك ..

فعاد لسريره على مضضّ

***


في المساء ، نُقلت سيدة بقدمٍ مكسورة الى غرفة جاك .. وقبل خروج الممرضة السمراء من الغرفة ، قالت له :

- جاك .. غرفة النساء مكتظّة بالمرضى ، لهذا نقلناها الى هنا .. ليشفيكما الرب 


وحين التفت جاك الى المريضة الشقراء ، سألها :

- هل أعرفك ؟!

فأجابت بتعب : انا الممرضة التي سحبت عيّنة دمك البارحة

جاك بدهشة : أحقاً ! وكيف كسرتِ قدمك ؟

- صدمني سائقٌ مخمور اثناء عودتي الى المنزل .. (وسكتت قليلاً) ..آه صحيح ! سمعت قبل قليل زميلتي تتحدث مع الطبيب عن رفضك التبرّع بكليتك للصبي ! 

- انا لا اؤمن بالتبرّع بالأعضاء 

المرأة : الصغير يتعالج عندنا منذ شهور ، وصحته تدهور كل يوم 

- لا اريد المخاطرة بصحتي ، فأنا المسؤول عن والدايّ 

- معك حق ، الصحة اهم شيء... 


وصمتا قليلاً ، قبل ان يقول :

- اسمي جاك ، وانت ؟ 

- جاكلين

جاك : تشرّفنا.. يبدو إصابتك سهلة ، فهم جبّروا قدمك بالجبيرة البلاستيكية ، بينما انا بالجبيرة التقليدية الثقيلة 

- نعم ، مجرّد شعرٍ بالقدم 

- أنصحك بعدم فكّ جبيرتك بنفسك ، والا ستضرّين ساقك

جاكلين : انا ممرضة ، هل نسيت ؟ 

فابتسم لها بحنان .. ثم أخذا يتبادلان الحديث من وقتٍ لآخر ، بعد ان لاحظا توافقهما بالأفكار والمعتقدات .. 

***


بعد يومين .. فحص الطبيب جاك للمرة الأخيرة :

- لقد خفّ النزيف ، يمكنك العودة الى منزلك .. وبعد شهر تأتي الينا لإزالة جبيرتك .. الحمد الله على سلامتك

جاك بارتياح : شكراً لك دكتور 

الطبيب : وانتِ جاكلين ، يمكنك الذهاب لبيتك .. فقد وقّعت على إجازتك لحين شفاء قدمك 

جاكلين : شكراً دكتور

***


قبل خروج جاكلين وجاك من المشفى ، فاجأته بسؤالها عن رقم جواله .. وقد أسعده ذلك ، فهو منجذبٌ لها ايضاً .. وبعد تبادلهما الأرقام ، عادا لبيوتهما 

***


وفي ليلته الأولى في منزله ، إتصلت جاكلين للإطمئنان على يده ، وبدوره سألها عن قدمها .. وتحدثا لساعتين عن الصعوبات التي واجهتما بأطرافهما المكسورة .. 


ونام جاك تلك الليلة وهو سعيد بصديقته الجديدة الذي ظلّ يحدّثها كل يوم  الى ان مر شهرٌ كامل .. واتفقا على لقاءٍ في المشفى لفكّ جبيرتهما ..

***


في المستشفى .. وبعد الإطمئنان على سلامتهما ، عزمها جاك على حلوى بالمقهى القريب من الطوارىء .. 


وبعد ان تحدثا مطوّلاً ، سألته : 

- لما لم تتزوج حتى الآن ؟

جاك : أعيش في غرفة بفندقٍ رديء ، ومعظم راتبي أرسله لوالديّ بالقرية ، فعملي هو توصيل الطلبات للمنازل .. فمن ستقبل العيش معي بهذا الفقر؟


فلم تجيبه ، بل وقفت قائلةً :

- هل توصلني الى بيتي ؟

فقال بحماس : نعم ، سأوصلك بدراجتي 

فأعطته المفاتيح وهي تقول :

- الأفضل ان نذهب بسيارتي ، هي بموقف المشفى .. انت ستقودها 

*** 


وقد تفاجأ جاك من طراز سيارتها الفاخرة ، لكنه لم يقل شيئاً الى ان وصلا لفلةٍ كبيرة !

جاكلين : نعم توقف هنا .. هذا بيتي

جاك بدهشة : لم أكن اعرف انك ميسورة الحال ! هل والداك بالداخل ؟

- كلاهما توفيا منذ سنوات ، ولا إخوة لي

- أتعيشين وحدك بهذا البيت الضخم ؟!

- نعم

جاك باستغراب : ولما تعملين بمجال التمريض ؟!  

- لأني احب مساعدة الغير 


ونزلت من السيارة .. وقبل فتحها بوّابة الفيلا ، وجدته خلفها 

فأدخلته وهي تكتم سعادتها ..

*** 


في الداخل .. صبّت له الكأس تلوّ الآخر ، اثناء تجوّلهما في المنزل الكبير 

وقبل وصولهما غرفة نوم ، كاد يتعثر .. فأسندته قائلة :

- يبدو انك لا تسكر بالعادة 

جاك مترنّحاً : لست متعوداً على هذا النوع الفاخر من الشراب 

- أتريد الذهاب الى بيتك ام البقاء معي ؟

فأجاب بابتسامة : وهل ستسمحي برحيلي وانا أشعر بالدوار هكذا ؟

- لا طبعاً ، إدخل واسترح على السرير ريثما اعود 

***


بعد قليل .. عادت ومعها أصفاد حديديّة بلونٍ زهريّ ..

فقال جاك بحماس : جميلٌ جدا !!


وبعد تقيديها يديه ، جلست بجانبه مُخفضة الرأس وهي تتنّهد بحزن!

- لما توقفتِ ؟!

جاكلين : آسفة يا جاك ، قيّدتك لأني لا أثق بك

- لم افهم !

- لديّ عقدة نفسية من الرجال بسبب ما حصل لصديقتي

- وماذا حصل لها ؟!


جاكلين بحزن : هربت مع حبيبها بعد رفض اهلها الإرتباط به 

- وهل كان عاطلاً عن العمل ، او يعاملها بقسوة ؟

- كان يتخصّص بالجراحة بعد تخرّجه من كلية الطب ، لكنه سيء الأخلاق والطباع 

- وهل خوف اهلها في محلّه ؟

جاكلين بقهر : نعم .. رحمها الله


جاك بارتباك : هل .. قتلها ؟!

- للأسف .. بعد إزالته كليتها

- ولما فعل ذلك ؟!

جاكلين : لإنقاذ ابنه الكبير الذي يعاني من فشلٍ كلويّ 

- لكني لست مثله ! انا انسان بسيط ، فلا تخافي مني

فهمست جاكلين في اذنه : بالحقيقة ... انا خائفة عليك


وقبل ان يفهم ما تقصده ! دخل رجلٌ غرفة النوم بثياب الجرّاح الخضراء ، وهو يضع الكمّامة والقفازين الطبّيبن الزرقاوين ، ويجرّ طاولة حديدية عليها انواع السكاكين الجراحية ..قائلاً لها :

- جاكلين ! لما لم ينمّ بعد ؟

فأجابته : لا ادري ، مع اني وضعت حبتيّ مخدّر في شرابه .. لكن لا تقلق ، عندي الحل


وأخرجت من الدرج ، حقنة مخدّر .. ما ان رآها جاك حتى حاول جاهداً فكّ اصفاده ، وهو يصرخ بعلوّ صوته :

- ماذا تريدان مني !!! .. أنقذوني يا ناس !!!


فأسرعت جاكلين بغرز الحقنة في ذراعه ، وهي تقول :

- عزيزي جاك .. كان قرارك مُتسرعاً برفضك المليون دولار ، وبذهابك لمنزل امرأة غريبة .. حاول ان تنام ، فبعد قليل تستيقظ في الجنة


وبعد فقده الوعيّ ، قال لها الطبيب :

- إنزلي واطمأني على الولدين 

جاكلين : أتمنى ان لا يكونا سمعا صراخه .. الا تريد المساعدة ؟

- لا ، سأضع كليته بالحافظة الثلجية ، وغداً أنقلها للمشفى 

- بالتوفيق حبيبي

***


ونزلت زوجته جاكلين الى القبو ، حيث يوجد غرفة طبّية للإعتناء بإبنها الصغير المريض بالفشل الكلويّ ، والذي كان نائماً بجوار آلة غسل الكلى .. وبجانبه اخيه التوأم الذي سألها : 

- امي ! هل أصبحت قدمك بخير ؟

- هي لم تصبّ بأذى ، كنت أضع الجبيرة البلاستيكية للإيقاع بال.. 


لكنها لم تكمل كلامها ، بل إحتضنته وهي تقول بابتسامة :

- هيا إمسح دموعك ، فقد وجدنا متبرعاً لأخيك 

- أحقاً امي ! الم يقل والدي ان زمرة دم اخي (O) مثلي ؟

جاكلين : نعم ، لهذا أجرينا العديد من الفحوصات الطبّية على حسابنا للكثير من المرضى .. الى ان تطوّع شاب فئة دمه (O) ولديه صحة ممتازة .. وبعد مزجّ عينة من دم المتبرّع مع دم حبيبي الصغير ، وجدنا ان الأجسام المضادة لأخيك لم تحاربه ، وهذا يعني ان جسمه لن يدمّر الكلية بعد زراعتها .. 


ابنها مقاطعاً : امي أعرف كل هذه المعلومات ... متى موعد العملية؟ 

امه : غداً يُجريها والدك له ، كما فعل معك قبل سنوات 

فحضنها وهو يبكي بسعادة لنجاة أخيه الصغير من موتٍ محتّم ! 

***


بهذا الوقت .. وضع الطبيب كلية جاك في الحافظة الثلجية ، قائلاً له:

- الآن عليّ التخلّص من جثتك قبل بزوغ الفجر .. سأدفنك بجانب صديقتي البلهاء التي رفضت المليون ايضاً 

وابتسم بخبث !


هناك 6 تعليقات:

  1. قواك الله ياكنز الابداع

    ردحذف
  2. تسلمي اختي انتي بحر من الادب..

    ردحذف
  3. مرحبا أختي أمل أرسلت لك في الفيس بوك رسالة فيها أفكار بسيطة ستساعدك جدا في انتشار كتب لك وفي تحويل قصصك إلى رسوم متحركة تحقق على الأقل 300 ألف مشاهدة وفي حصول قصصك المكتوبة على 3 ملايين قرأة إن سار الأمر بشكل جيد، لكن يبدوا أنك أختي لم تنتبهي للرسالة لذا أردت أن أطلب منكي هنا أن تتجهي للفيس بوك وتطالعي الرسائل، صدقيني أختي الطرق التي إقترحتها عنك كلها سهلة وأغلبها مضمونة. إسم حسابي في الفيس بوك هو Ariz Maz.

    ردحذف
    الردود
    1. سأقرها اليوم مساءً بإذن الله ، وأردّ عليك .. شكراً لك مقدماً

      حذف
  4. قصصك رائع لاكن نهايتها دائما مأ تكون مأسوية لاكننك أعطيتني فكرة لقصة سأنشرها بأذن الله على موقع الكابوس أسمها قدرات نفسية تحكي عن فتاة تمتلك قدرات متنوعة وتستخدمها لأنزال العاقاب على المجرمين والطغة وأقتبست بعض أشرار قصصك أمل ألا تمانعي

    ردحذف
    الردود
    1. حاولي ان تضيفي بعضاً من افكارك الى الشخصيات الشريرة ، واخبريني حين ينشرون قصتك بكابوس لكي اقرأها وأعلّق عليها .. بالتوفيق لك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...