الاثنين، 4 يناير 2021

الشهرة الزائفة

 كتابة : امل شانوحة

 

وسائل التواصل الإجتماعي


إشتهرت لورا (الفتاة العشرينية) برقصها الجميل والمثير على التيك توك ، لتحصد في غضون سنة على ملايين المتابعين .. 

وفي كل مرة تصوّر رقصةً جديدة ، تصلها عشرات التعليقات الداعمة والمشجّعة لموهبتها الفريدة .. 


وذات يوم .. آثار إهتمامها تعليقاً جاد من أحدهم :

((انت موهوبة حقاً ، وأريد دعمك لتصبحي راقصة عالمية .. إن كان يهمّك الأمر ، إتصلي بي)) 


وحين تواصلت معه ..أخبرها انه يعمل ضمن فرقةٍ داعمة للمواهب الشابّة ، ولديهم عروض بأهم مسارح العالم .. 

واثناء حديثها معه ، لاحظت صورة شابٍ وسيم موضوعة على صفحته ، فسألته إن كان هو ؟ 

فطلب منها فتح الكاميرا ، ليؤكّد لها انه الشخص ذاته .. 


ولم تمضي ساعات ، حتى أسرها بابتسامته الجذّابة وحديثه المعسول 

وفي غضون اسابيع ، توطّدت العلاقة بينهما ..

***


وفي أحد الأيام .. أخبرها أنه قادم الى مدينتها لأخذها في رحلةٍ كشفية مع زملائه الذين يعملون في تنظيم العروض الإستعراضية ، وأقنعها بأن مصادقتهم سيدعم عملها المستقبلي ..

فتردّدت خوفاً من رفض اهلها ، فاقترح عليها إخفاء الأمر..  

وبالفعل كذبت عليهم , بقضائها عطلة الإسبوع عند صديقتها 

*** 


وفي الموعد المحدّد .. أقلّها مارك من المطعم المُتفق عليه ، بسيارته المليئة بأغراض الكشّافة .. 

وانطلقا بالطريق الجبلي للوصول للمخيّم قبل غروب الشمس ، وهما متحمّسان للرحلة ..

***


وحين وصلا عصراً الى تلٍ مرتفع ، توقفت سيارته فجأة .. 

فقال متضايقاً :

- اللعنة !! ليس الآن

لورا بقلق : مارك ، ماذا هناك ؟!

- تعطّلت الخردة من جديد 

- إتصل بأصدقائك 

فأخرج جواله .. ثم قال بضيق :

- يالا غبائي ! نسيت شحنه

فأعطته جوالها :

- خذّ !! إتصل بشركة التصليح

- سأفعل .. لكن دعيني ارى العطل اولاً ، لربما أصلحته بنفسي .. إبقي هنا ، فالجوّ بارد في الخارج ..

ونزل وحده ، وفتح الغطاء الأماميّ .. 


بهذا الوقت ، خرج دخانٌ ابيض من فتحات المكيف ! فحاولت لورا الخروج من السيارة ، الا ان جميع الأبواب والنوافذ مقفلة بعد اطفاء المحرّك ..

فطرقت على نافذتها بقوة ، لكن مارك مختفياً خلف غطاء سيارته المفتوح.. 

فظلّت تصرخ بعلوّ صوتها ، حتى أصابها دوار شديد أفقدها الوعيّ!

***


إستيقظت لاحقاً ، لتجد نفسها مُستلقية على كنبة في غرفة مكتب .. فظنت انها في المشفى .. 

وحين خرجت ، وجدت صفاً من الفتيات يقفنّ بالطابور 

فسألت إحداهن :

- اين نحن ؟

فالتفتت اليها بوجهٍ مُزيّن بالمكياج الرخيص رغم صغر سنها ، حيث بدت تحت السن القانونية للبس ثيابها الفاضحة ! كما لم تجبها ، بل ظلّت تمضغ اللبان باستفزاز ..


وقبل سؤال لورا فتاةً أخرى ، تحرّك الطابور للأمام .. حيث رأت رجلاً ضخماً في المقدمة يتشاجر مع إحداهنّ :

- 30 دولار فقط !

فردّت الفتاة بصوتٍ مرتجف : سائق الشاحنة رفض إعطائي المزيد

فصفعها بقوة وهو يعاتبها :

- أسعارنا موحّدة !! 100 دولار على الليلة .. هل انت رخيصة هكذا؟ عقاباً لك ، ستنامين دون عشاء .. هيا أغربي عن وجهي !!

فبكت بقهر ، وهي تدخل الى غرفة ثانية ..

 

ثم نادى الرجل :

- من التالية ؟!!

فتقدّمت صبية أخرى : 

- سيدي .. إختارني إثنين ، وحصلت على 200 دولار

- ممتاز !!

- لكني لست بخير ، فأنا أنزف بشدة 

- دعي الممرضة تفحصك .. 

فمشت في ممرٍ طويل وهي تعرج بألم .. 


وهنا شعرت لورا بالخوف ! فملابس الفتيات المزركشة الفاضحة تُظهر أنهن بنات ليل ، والرجل قوادهنّ .. فمالذي أحضرها الى هنا ؟! واين صديقها مارك ؟ 

وانسحبت للوراء بخفة ، للعودة الى الغرفة التي خرجت منها 


وهناك بحثت في الأوراق المتناثرة فوق المكتب .. لتجد جداولاً بأسماء الفتيات تتراوح أعمارهن بين 13 و30 عاماً .. كما وجدت تاريخ انضمامهنّ للجمعية المشبوهة ، التي تبدو كعصابة خطف البنات وتوريطهن بالدعارة

 

فحاولت الهرب ، لكن جميع النوافذ مقفلة بالقضبان الحديدية .. 

فنظرت من خلال كسرٍ بإحدى النوافذ ، لترى من بعيد الجبل الذي تعطّلت سيارة صديقها فوقه ، لكن لا أثر للسيارة !

فهل قامت العصابة باختطافها ، وقتل صديقها وسرقة السيارة ؟


وبدأت تراودها افكارٌ مرعبة ، قبل إطلاقها صرخةً مفزعة بعد سماعها صوت امرأة من الخلف تقول : 

- إستيقظتي اخيراً .. هاى ! مابك تصرخين كالبلهاء ؟!

وكانت سيدة سمينة وكبيرة في السن .. فقالت لها لورا وهي ترتجف خوفاً:

- ارجوك اريد الخروج من هنا

- من ينضمّ الينا لا يخرج الا بإذني  

- هل اختطفتموني ؟! واين صديقي ؟ هل أذيتموه ؟ 


لكنها لم تجيبها .. بل جلست امام مكتبها ، بعد إخراجها ورقة وقلم من الدرج وهي تسألها :

- أعطني كافة المعلومات عنك لأدونها في ملفّك الجديد

لورا بعصبية : لا اريد العمل مع عصابتك النجسة !!

فأجابتها المرأة بنبرة تهديدٍ هادئة : 

- يمكنك استخدام الألفاظ البذيئة مع الجميع ، ما عدايّ !! والاّ قطعت لسانك .. والآن إخبريني بإسمك الكامل


بهذه اللحظة ، خطرت ببال لورا فكرةً ذكية .. وأخذت تسعل بقوة ، قبل ان تقول : 

- اللعنة نسيت أدويتي 

- هل انت مريضة ؟

لورا : ليتني سمعت كلام امي ولازمت غرفتي لإسبوعين ، لكني لم اردّ تفويت النزهة مع صديقي الجديد ..

- لم تجيبيني !! هل انت مريضة ؟

- نعم ، لكن رجاءً لا تخبري احداً .. فأنا مصابة بالكورونا


فابتسمت العجوز بلؤم : كذبة جيدة

لورا : لا حقاً ، انا اقول الحقيقة .. ويمكنني إثبات ذلك

- كيف ؟

- الا يُقال إن مُصاب كورونا يفقد حاسّة الشمّ والتذوق ؟ إحضري لي شيئاً حادّاً او حامضاً ، وسآكلهم امامك ..

 

فنادت الزعيمة مساعدتها لإحضار بصل وحرّ وحامض .. 

وأخذتا تراقبان لورا وهي تأكلهم بنهمّ دون تأثّر ، وهي تقول في نفسها :

((جيد انني شاركت بمسابقات تحدّي الطعام ، الى أن إعتّدتُ المأكولات الحارّة والحامضة).. 


وبعد إنهائها الأكل ، قالت لهما :

- لم أشعر بالطعم ، كأني آكل الورق !


فهربت المساعدة من المكتب ، بينما أسرعت الزعيمة بلبس كمّامتها وهي تقول : 

- ستبقين محجورة لإسبوعين 

وأقفلت باب المكتب عليها من الخارج .. 

 

ورغم شعور لورا بالإرتياح لابتعادها عن الإنغماس بالرذيلة ، الا انها تعلم ان عليها الهرب من وكر العصابة خلال اسبوعين ..


فبدأت البحث في أرجاء المكتب التي لم تجد فيه سوى الملفّات المكدّسة لعشرات الفتيات اللآتي إختطفن قبل سنوات ، بينما البعض الآخر عملنّ طواعية بسبب الفقر والإدمان !

***  


بعد ساعتين .. فتحت المساعدة الباب (وهي تضع الكمّامة) وتحمل صحن العصيدة وتفاحة وقارورة ماء ..وضعتهم جانباً ، وهي تقول :

- ستنامين على الأريكة .. وهناك بطانية ووسادة في الخزانة ، ويمكنك استخدام حمام المكتب .. وبعد اسبوعين نطهّر كل شيء لتبدأي العمل ، فموهبتك فريدة بالرقص وستعجب زبائننا .. مفهوم!!

وعادت لإقفال الباب من جديد .. 


فارتعبت لورا من كلامها ، وتساءلت في نفسها :

((كيف عرفت بموهبتي ؟! هل يتابعون صفحتي ؟ أم مارك إعترف لهم بعد تعذيبه ؟ واين يحتجزونه الآن ؟ هل يفكّرون باستغلال وسامته ؟ إن فعلوا ذلك ، فسأخسره تماماً بعد تحويله الى شاذّ ! يا الهي ماهذه الورطة ؟ ليتني سمعت نصيحة اهلي وحذفت التيك توك اللعين !!))

ثم تناولت عصيدتها السيئة ، وهي منهارة بالبكاء ..

***


في المدينة ، كانت الشرطة تبحث عن لورا في كل مكان .. 

وبعد تفتيش المحقّق لحاسوبها ، وجد محادثاتها مع مارك واتفاقهما على الرحلة الكشفية .. فأمر رجاله بالبحث في أماكن التخييم المعتادة في الجبال المحيطة بالمدينة ..

***


بعد مرور اسبوعين .. فتحت الزعيمة باب مكتبها وهي تقول :

- توقف المطر اخيراً .. بإمكانك الذهاب مع السائق للعمل هذه الليلة في الأحياء الشعبية.. 

لورا مقاطعة بارتباك : لا ! مازلت متوعّكة

- كاذبة !! الحارسة التي وضعتها خارج بابك أخبرتني انها لم تسمعك تسعلين او تعطسين او تختنقي بأنفاسك طوال الفترة الماضية 

- مازلت مصابة بالكورونا ، فلا تخاطري بحياتك

الزعيمة بلا مبالاة : خطرك الحقيقي على الزبائن ، وليس عليّ

لورا بعصبية : لن أعمل بمهنتكم القذرة !! الا تفهمين ؟!!  

- ستعملين مقابل ما دفعته ل... 


وقبل إنهاء جملتها .. دخل الرجل الضخم وهو يقول لرئيسته بفزع :

- معلمتي !! الشرطة تقترب من هنا .. يبدو انها تبحث عن المخطوفة الجديدة  

الرئيسة بقلق : حسناً إجمع الفتيات بالحافلتين ، وابتعدوا عن هنا .. وخذّ لورا معك

- لا !! لن أضعها معنا ، حتى لا نصاب بالمرض

- لقد مرّ اسبوعين على ..

الرجل مقاطعاً : لن أخاطر يا معلمتي ، فرزقنا يعتمد على صحّة البنات

الزعيمة : حسناً ، سآخذها معي بسيارتي

- اذاً لا تنسي وضع الكمّامة .. سنسبقكما !!


وخرج مسرعاً من المكتب .. بينما وجّهت الزعيمة مسدسها نحو لورا وهي تقول :

- تعالي معي 


فاضّطرت لورا لمرافقتها الى موقف السيارات المتواجد أسفل مقرّهم السرّي .. وجلست في المقعد الخلفي لسيارة الزعيمة التي تبعت الحافلتين المليئة ببنات الليل 


وكان الوقت عصراً حين سلكت العصابة الجهة المقابلة للجبل ، بعيداً عن اضواء سيارات الشرطة التي تبحث في الغابة ...


وبعد ابتعاد الحافلتين ، إستغلّت لورا بقائها وحدها مع العجوز .. وقامت بفكّ رباط حذائها الرياضيّ وربطهما معاً كحبلٍ قصير .. خنقت به رقبة الزعيمة من الخلف ، التي أفزعها الأمر لدرجة إنحراف سيارتها ووقوعها في الجرف ، بعد إنقلابها عدّة مرات ..


وتمكّنت لورا الخروج من السيارة المحطمة بجسمٍ مليء بالرضوض والجروح ، بينما سحق سقف السيارة رأس العجوز وقتلها على الفور 


ثم تسلّقت التلّ بسرعة ، خوفاً من عودة حافلتيّ العصابة (في حال سمعوا صوت الحادثة) 


وكانت تنوي الركض باتجاه الشرطة المنتشرين بالغابة القريبة من المكان ..الا انها فور وصولها قمّة الجبل ، تفاجأت بسيارة مارك متوقفة هناك !


فاختبأت خلف الشجرة ، لترى صديقها يقوم بالحيلة ذاتها .. ويترك الصبية محتجزة داخل سيارته المليئة بالدخان المخدّر ..


ثم سمعته يتكلّم بجواله بعصبية :

((ماذا يعني انك لن تأخذ الضحية ؟! هي من مشاهير التيك توك .. وراقصة بارعة ، وعذراء ايضاً .. لا يهمّني إن كانت الشرطة قريبة من مقرّكم ، فأنا لا استطيع العودة بها الى المدينة .. إستلمها مني وادفع نصيبي من العملية ، ودعني أعود الى بيتي قبل المساء .. آه !! لا تريد المخاطرة .. اذاً سأترك الفتاة فوق التلّ .... لا يهمّني أمرها !! .. إسمعني جيداً ..سأبحث عن عصابة أخرى ، فأنتم لم تقدّروا جهودي بخطف زميلاتي بالجامعة والنادي الرياضيّ ، لذا لن أخاطر ثانيةً بوسامتي وسمعتي لأجلكم .. إبلغ معلمتك انني أنهيت عملي معكم .. سلام)) 


وأغلق المكالمة بعصبية .. ثم أخرج الفتاة الغائبة عن الوعيّ من سيارته ، ووضعها على الأرضٍ العشبية المُبتلة .. 

وقبل إغلاقه الغطاء الأماميّ لسيارته ، رأى انوار سيارة الشرطة تقترب من الجبل ! فركض هارباً باتجاه الأشجار الكثيفة .. 


فأسرعت لورا الى الفتاة للإطمئنان عليها ، لتلاحظ سكينة مارك واقعة بقربها .. فأخذتها لقطع سلك الفرامل (فهي تدرس الميكانيك) .. قائلة في نفسها بغضب : 

((لنرى كيف ستنزل الطريق الجبلي المُبتلّ دون فرامل ، ايها التافه اللعين؟!!) 


ثم حملت الفتاة النحيلة .. ونزلت التلّ لإيقاف سيارة الشرطة التي أسرعت بنقلهما الى مركز الشرطة .. 

***


وهناك اجتمعت الفتاتان المخطوفتان مع عائلاتهما بدموع الفرح لنجاتهما من العصابة الخطيرة ..


اما الشاب الوسيم ، فوُجد ميتاً داخل سيارته المحطّمة في الوادي !

وبالنسبة للعصابة .. فقد تمّ القبض عليهم بعد شهورٍ من إعطاء لورا مواصفات القوّاد ومساعدة الرئيسة للشرطة .. ليتفاجأ المجتمع بعودة بعضهن للشارع هرباً من عائلاتهم بعد إنغماسهنّ بحياة الرذيلة ، وعملهن منفردين .. بينما الأكثرية تعاقدن مع قوّادين آخرين ! 


فحمدت لورا ربها الذي حماها من التورّط بتلك الحياة القذرة ..وأكملت دراستها ، بعد إغلاق صفحاتها على وسائل التواصل الإجتماعي .. 


ولاحقاً قامت بحملات توعية في المدارس والجامعات .. كما حذّرت الأهالي من خطر الشهرة الزائفة على الإنترنت ، ونيل النفوس المريضة من المواهب الصاعدة ، خصوصاً صغار السن الذين مازالوا يتعرضون للإستغلال حتى يومنا الحالي !  

******


ملاحظة :

القصة مستوحاة من حادثة إختطاف حصلت بسبب وسائل التواصل الإجتماعي ، لهذا وجب التنبيه لأخذ الحيطة والحذر .. 

حمانا الله من شرور البشر وخبثهم ... اللهم آمين 


هناك 4 تعليقات:

  1. قال الله تعالى (خذوا حذركم من البينات)

    ردحذف
    الردود
    1. الآية تقول : ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُوا۟ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا۟ جَميعا﴾ [النساء ٧١] .. فهل كنت تقصد حديث نبويّ ؟

      حذف
    2. لا لا اقصد حديث ولكن نفس الاية كتب الله اجرك. ووفقك الله

      حذف
  2. القصة راااااااااااااااااااااااائعة
    سلمت يداك

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...