الخميس، 27 فبراير 2020

الثلاثاء، 25 فبراير 2020

كاميرات المراقبة

تأليف : امل شانوحة


فندق العرسان 

بعد حصول ندى على رخصة القيادة بعمر 21 , قادت أول مرة الى جامعتها دون مرافقة والدها , مما اشعرها بالقلق والإرتباك .. لهذا لم تنتبه  بتحرّكها عكس اتجاه السير .. 

وتصبّبت عرقاً حين أوقفها شرطي المرور الذي ابتسم حين رآها ترتجف بخوف وهي تقدّم له الأعذار .. وأعطاها الوصل الذي لم يكن ضبط مخالفة , بل رقم جواله ..

وقبل إستيعابها ما حصل ! أبدى إعجابه بوجهها الطفوليّ البريء , وبانجذابه لها من النظرة الأولى .. وبرغبته في التعرّف عليها , قبل تقدّمه لخطبتها .. 

ورغم ان هذا يخالف معتقداتها وتربيتها , الا انها شعرت براحةٍ غريبة اتجاهه , فهو بدى رجولياً وشهماً .. وهي عادةً تحترم رجال الشرطة .. لهذا وافقت على اقتراحه 

ومع مرور الوقت , توطدّت العلاقة بينهما من خلال محادثاتهما السرّية بالجوّال  
***

بنهاية الشهر الثالث لتعارفهما , فاجأها بقدومه مع والدته لخطبتها .. الا ان اهلها رفضوه بسبب فقر حاله .. 

فنامت تلك الليلة وهي منهارة بالبكاء , بعد مكالمة وداع بينهما .. 
ومن بعدها حذفت رقم جواله , على أمل ان تنساه يوماً رغم انه حُبّ حياتها 
***

بعد شهرين .. إنصدم احمد بموعد زواج ندى القريب من تاجرٍ ثريّ بعمر والدها !

وفي ليلة عرسها .. لم يستطع احمد النوم , فتوجه الى صالة الأفراح .. وانتظر ساعتين في موقف السيارات , على أمل ان يلمحها اثناء خروجها مع العريس .. 

بعد انتهاء الحفل .. لحقهما دون علمهما , الى ان وصلا الى فندقٍ رخيص بأطراف المدينة !

(وكان أحمد أجرى بحثاً مفصّلاً عن العريس .. والتقى بندى في الجامعة لينبّهها عن بخله المعروف بين التجّار .. لكنها أخبرته بكتب كتابها قبل يومين , وطلبت منه إكمال حياته دونها 
لهذا لم يتفاجأ احمد باختيار العريس لأرخص فندقٍ بالمنطقة)

وحاول بصعوبة مسك اعصابه الغاضبة حين رأى العريس يمسك يدها اثناء دخولهما الفندق .. ومن بعدها تنفّس بضيق مع شعوره بثقلٍ شديد فوق صدره .. ودعى لها بالتوفيق وقلبه يعتصر ألماً .. ثم توجّه الى الشاطىء , لينهار باكياً داخل سيارته القديمة 
***

في غرفتهما بالفندق .. دخلت العروس الحمام لتغير ملابسها .. 
وهناك حاولت خفض صوت بكائها , لعلمها بأن ذكرى حبيبها ستنتهي خلال دقائق 
***

وفي مكتب مراقبة الفندق .. جلس الموظفان يراقبان غرفة العريسين من شاشة الحاسوب , وهما متحمّسان لليلة العمر ..
ففاجئهما المدير بدخوله الغرفة :
- أمسكت بكما !!
فوقف الموظفان مرتعبان , وهما يعتذران منه .. 

فقال لهما معاتباً :
- الكاميرات في فندقي لمراقبة الخدم اثناء تنظيفهم الغرف , كي لا يسرقوا شيئاً من اغراض الزبائن .. وليس لمراقبة العرسان بأهم ليلة في حياتهما!! 
أحد الموظفين : آسف سيدي , لكننا شعرنا بالفضول حين رأينا عروس صغيرة برفقة عريسٍ عجوز
المدير باستغراب : أحقاً !.. أمازالت الأهالي تُرغم بناتها على الزواج من جيلٍ آخر ؟! .. دعوني ارى 
الموظف الثاني بدهشة : هل ستشاهدهما معنا ؟!

وكان المدير بهذه اللحظة يُقرّب كاميرا الحمام من وجه العروس:  
- المسكينة , انها تبكي بمرارة .. يبدو اهلها غصبوها عليه .. (وفكّر قليلاً) .. من الأفضل ان ننقذها
الموظف : ماذا تقصد سيدي ؟!
المدير : ليُسرع احدكما الى المطبخ ويطلب عشاءً رومنسي للعروسين , مع وضع حبتين من هذا الدواء داخل كل وجبة
الموظف : وماهذا الدواء سيدي ؟!
المدير : منوّم قويّ , استخدمه لعلاج الأرق 
الموظف باستغراب : أتريد تنويم العريسين ؟!
المدير بعصبية : قمّ بما أمرتك به دون اسئلة , هيا بسرعة !!

فأسرع الموظف نحو المطبخ .. 
بهذه الأثناء .. إتصل المدير بغرفة العريس الذي كان يطرق باب الحمام , مُطالباً عروسته بالإسراع قبل انتهاء مفعول الحبة الزرقاء!
ولهذا ردّ العريس بعصبية على هاتف الغرفة :
- نعم !! ماذا هناك ؟ الم اخبركم اننا عرسان , ولا نريد ازعاجاً حتى الصباح ؟

المدير : سيدي , سنرسل لكما عشاءً رومنسي بعد قليل
- نحن لم نطلب شيئاً ! ..وكنت حجزت الغرفة دون خدمة الطعام , لأني احضرت معي معلّبات من المنزل تكفينا ليومين قادمين
- سيدي , العشاء فاخر ومجاني
- مجاني ! اذاً ارسله فوراً 
واغلق المدير الهاتف وهو يقول : عجوز وبخيل ايضاً , يالها من عروس مسكينة ! 
***

وأكمل المدير مع موظفيه مراقبة العرسان اثناء تناولهما العشاء .. 
ولم تمضي دقائق حتى غفت العروس على السرير , والعريس على الكنبة .. ومن بعدها أخبر المدير موظفيّه بالخطة التالية 
*** 

في صباح اليوم التالي ..قدم اهل العروس لزيارتها , ليتفاجأوا بغرفتها فارغة ! 
وحين سألوا موظف الإستقبال : أخبرهم بأن العروس لم يعجبها طعام الفندق , فأخذها العريس الى مطعمٍ في الخارج , ولم يعودا منذ البارحة .. 

ورغم ان الموضوع أقلق الأم كثيراً ! الا ان الوالد أخبرها بأنهما عرسان جدّد , ومن حقهما الذهاب اينما شاؤوا .. وطمئنها أنهما سيزورانهم حتماً بعد انتهاء شهر العسل .. وعادوا الى بيتهم
***

بعد ساعتين .. قدم احمد الى الفندق , حاملاً باقة وردٍ كبيرة .. وطلب من الخادم إيصالها الى غرفة العريسين .. 
وشعر بالقلق حين عرف باختفائهما منذ ليلة أمس !
فأخرج بطاقة الشرطة , وأمر الموظف النهاري بأخذه الى غرفة المراقبة 

وهناك أراه الموظف الشريط الذي صوّر نوم العريسين المفاجىء , وينتهي التسجيل دون وجود عطلٍ ما !
أحمد : الم تخبرني قبل قليل انهما خرجا البارحة للعشاء ؟! 
- لحظة سيدي , سأريك تسجيلات كاميرا الباب الرئيسي 
وهنا شاهد احمد العريسين يخرجان مساءً من البوّابة..
أحمد : الشريط لم يظهر وجهيهما بوضوح ! 
الموظف : نعم , لكنهما العرسان الوحيدين الذين قدموا الينا هذا الشهر 

وفضّل احمد إخفاء شكوكه عن الموظف , لخوفه من تورّط الفندق باختفائهما المفاجىء : 
حيث ظهرت العروس في الكاميرا اطول بكثير من ندى , وشعرها المنسدل مصبوغاً بالأصفر .. بينما كان شعر ندى الأسود مرفوعاً ليلة البارحة (حين لمحها وهي تدخل الفندق) .. اما العريس فظهر بالكاميرا اكثر شباباً من العريس الحقيقي ! 
كما ليس منطقياً ان تخرج ندى بفستان عرسها المنتفخ الغير مريح لتناول الطعام في المطعم !
  
ولرغبة احمد باكتشاف الحقيقة , طلب من الموظف كوب ماء .. 
وحين خرج من الغرفة .. أسرع احمد بمشاهدة تسجيل كاميرا الباب الخلفي للفندق : ليشاهد موظفين ينقلان سجادتين ثقيلتين الى شاحنة معتمة الزجاج ..وكان توقيت ذهاب الشاحنة : بعد نصف ساعة من نوم العريسين المفاجىء .. فسجّل احمد رقم سيارة الشاحنة .. واطفأ شاشة الحاسوب , قبل ثواني من دخول الموظف اليه .. 

أحمد بابتسامةٍ مصطنعة : يبدو انني بالغت بشكوكي .. واظنهما يمضيان اوقاتاً سعيدة بالخارج .. آسف لإزعاجك , فأنا من اقارب العروس وأردّت الإطمئنان عليها , لذا لا داعي ان تخبر احداً بقدومي الى هنا 
الموظف : بالطبع !! فأنا موظف جديد , ولا اريد مشاكل مع المدير
- اذاً اتفقنا .. سلام
***

بعد خروجه من الفندق , اسرع الى مركز الشرطة الذي يعمل فيه ..وأخذ يشاهد تسجيلات مراقبة الشوارع ليلة أمس , دون إثارة انتباه احد .. ومن خلالها استطاع تتبّع حركة الشاحنة السوداء المظلّلة , التي وصلت بعد ساعتين الى مستودعٍ مهجور قرب الميناء .. فعلم احمد ان حبيبته مخطوفة هناك ..
*** 

لكنه فضّل الذهاب وحده , لعدم وجود دليلٌ قاطع على عملية الخطف .. 
وحين تسلّل من نافذة المستودع المكسورة , وجده مكاناً فارغاً وصدىء .. وقبل خروجه من هناك , سمع اصواتاً قادمة من الأسفل !

فنزل الى القبو .. ليتفاجأ بمزادٍ علني لرجال اعمال , يراهنون على شيء ما بحماسةٍ شديدة !

فحاول الإقتراب قدر الإمكان دون لفت انتباههم , واختبأً خلف شباك صيد قديمة مركونة في الزاوية .. ليُصعق برؤية ندى مقيدة على كرسي فوق المنصّة وهي منهارة بالبكاء .. بينما وقف رئيس الفندق امامها , وهو ينادي بصوتٍ عالي :
- مئة الف دولار !! من يزيد ؟.. هيا يا اصدقاء .. عروس بعمر الورود .. وطبيبتنا أكّدت انها بتول .. وهي جميلة كما ترون .. هيا لا تكونوا بخلاء , كالمرحوم زوجها 
فتساءل احمد في نفسه برعب : ((هل قتلوا العريس ؟!)) 

وهنا صرخ أحد التجار , رافعاً يده : مئتا الف دولار !! 
مدير الفندق بحماس : أحسنت !! .. أيريد أحدكم زيادة المبلغ , قبل إقفال المزاد ؟!!

فعاد أحمد الى فوق .. ومنه الى خارج المستودع , ليتصل من لاسلكي سيارته على رفاقه , طالباً الدعم السريع ..

وبالفعل !! قدمت الشرطة بعد دقائق , وحاصرت المكان .. 
ونزل مع فرقته الى القبو , رافعاً سلاحه في وجه التجّار المذعورين ! 

ثم أسرع الى المنصّة لفكّ قيود حبيبته التي انهارت باكية بين احضانه , وهو يحاول تهدأتها ..

لكن لسوء الحظ تمكّن مدير الفندق من الهرب من بابٍ سرّي بإحدى زوايا القبو .. ولم يعد الى فندقه الذي ظلّ لأسابيع مراقباً من قبل الشرطة
***

بعد شهرين من الحادثة .. وافقت عائلة ندى على تزويجها للبطل احمد الذي أنقذها من العصابة , خاصة بعد ان كافأته الإدارة بدفع القسط الأول لشقته الصغيرة .. ووعد احمد أهل ندى بدفع جميع الأقساط , وكتابة الشقة بإسمها كمهرٍ لها ..
*** 

وبالطبع لم تقبل ندى أن تكون ليلة عرسها في إحدى فنادق المدينة بعد تجربتها المريرة , لهذا ذهبا مباشرةً بعد الحفلة الى بيتهما المتواضع ..
***

في مكانٍ آخر .. جلس المدير مع موظفيه يشاهدون العرسان من شاشة المراقبة
الموظف الأول : لم اكن اعلم ان مدير الشرطة صديقك , ووافق على اقتراحك بإهداء احمد شقة مراقبة بالكاميرات ! 
المدير : انا ورئيس الشرطة وقاضي البلدة جميعنا اعضاء في عصابةٍ سرّية 
الموظف الثاني بدهشة : أقلت القاضي ايضاً ؟! ألهذا لم تحزن على اصدقائك التجّار الذين قُبض عليهم ؟!
المدير : اكيد , فهم سيخرجون قريباً بكفالةٍ مالية 

الموظف الأول : أتدري سيدي .. أفكّر ان أحذو حذوك لأترقّى وأصبح شخصية مهمة في البلد
المدير : انا لم احصل على منصبي بهذه السهولة , لأن من عادة العصابة قتل الشهود ..لكنهم رقّوني بعد ان برهنت لهم عن جدارتي بتنفيذ خططهم الخبيثة 
الموظف الثاني : آه صحيح ! لم تخبرنا بعد بما فعلته للحصول على ثقة العصابة ؟
المدير معاتباً : أسنتكلم الآن , وندع كل هذا التشويق ؟
الموظف الأول : العروس مازالت في الحمام , وحين تخرج نسكت على الفور
الموظف الثاني بغيظ : الشرطة الأغبياء !! لما لم يضعوا كاميرات في الحمام ايضاً ؟

المدير مبتسماً : ايها المنحرف , انت تذكّرني بشبابي .. حسناً سأخبركم بما قدّمته للعصابة .. كنت مثلكم شاب متحمّس , أحب مشاهدة العرسان من كاميرات الفندق دون ان يلاحظني أحد .. الى ان جاء يوم وحجز لدينا شاب منضمّ لأخطر عصابة في البلد .. عرفت ذلك من وشم ذراعه المميز والمخيف .. فأتاني الفضول لمراقبة غرفته , مُعتقداً انني سأراه يدخن الحشيش , او يعدّ المال المسروق داخل حقيبته الضخمة .. الا انني تفاجأت به يتحدّث مع الشرطة
الموظف الأول : أكان يبلّغ عن نفسه ؟!
المدير : بل على عصابته
الموظف الأول : لم افهم !

المدير : كان شرطي متخفّي يا غبي .. حينها خطرت ببالي فكرة شيطانية .. فتلك العصابة تضمّ كبار الأغنياء .. لهذا بحثت كثيراً الى ان تمكّنت اخيراً من الوصول لفرد من العصابة اثناء بيعه المخدرات بالشارع.. وأخبرته بأن معي شريط فيديو يفضح شرطي متخفي بينهم .. وهو أوصل الخبر الى رئيسه الذي طلب مقابلتي , والذي كافأني لاحقاً بمبلغ مالي كبير 
الموظف الأول : يالا حظك !

المدير : المال لم يكن هدفي الرئيسيّ , لهذا طلبت منه ضمّي الى عصابته ..وبسبب خدماتي المتواصلة بفضح نزلاء من عصاباتٍ معادية , وإطلاعهم على سوّاح اجانب قدموا وحدهم البلاد , ليقوموا بخطفهم وبيع اعضائهم بالسوق السوداء , أهدوني رئاسة الفندق
الموظف الثاني : وماذا حصل لمديرك القديم ؟!
المدير : وضعت السمّ في قهوته 

الموظف الثاني باهتمام : وكيف لم تقبض الشرطة عليك ؟!
المدير : هل انت غبي ؟ الم اخبرك قبل قليل ان رئيس شرطة والقاضي معي بنفس العصابة , لهذا تمّ تبرئة جميع الموظفين .. خاصة بعد تقديم شهادة مزوّرة من طبيب تشريحٍ مشهور بموت مديري بسكتةٍ قلبية .. فكما قلت سابقاً , العصابة تضمّ كبار المسؤولين بالبلد 
الموظف الثاني : انت محظوظ سيدي

المدير وهو يتابع شاشة الحاسوب : 
- والآن اسكتا !! فالعروس خرجت اخيراً من الحمام .. آه ! يالا جمالها الفتّان !
الموظف الأول : نعم , تبدو كالملاك

وشاهدوها وهي تنهار باكية بين احضان حبيبها , وتعتذر منه لأنها مازالت خائفة مما حصل لها .. 
فوعدها أحمد بأن لا يستعجلها , الى ان تتعوّد على وجوده في حياتها 
وناما تلك الليلة بعد ان وضع الوسادات بينهما , ليشعرها بالطمأنينة

وما فعله أغاظ الفضوليين الثلاثة !!!
الموظف الأول بعصبية : ماهذا العريس البارد ؟! 
المدير : يبدو انه يحبها بالفعل , لهذا سينتظرها 
الموظف الأول : والى متى ؟  
المدير : ربما ايام , أو شهور 
الموظف الثاني بخيبة امل : يالها من ليلة عرسٍ مملّة ! 
المدير بابتسامةٍ خبيثة : اذاً لنزيدها حماسةً !! 
الموظف الثاني : ماذا تقصد سيدي ؟!

المدير : إذهبا فوراً الى هناك , وضعا غازاً منوّماً اسفل بابهم الخارجي
الموظف الثاني : هل سنقتلها ؟!
المدير : قلت منوّم يا غبي !!
الموظف الأول : هل ستخطفها من جديد ؟!
المدير : نعم !! ..واريدكما ان تقتلا العريس , وتثيران الفوضى بالشقة بعد ان تأخذا كل شيءٍ ثمين , ليظهر للشرطة وكأنها عملية سرقة .. ولا تنسيا ترك هذه الورقة قرب جثته 

وأخذ المدير يكتب تلك الورقة , وسلّمها لأحدهما الذي قرأها بصوت عالي: 
((لا تبحثا عن المرأة .. ففي الوقت الذي تقرأون فيه الرسالة , تكون اعضائها بيعت بالسوق السوداء))

الموظف الأول بقلق : أستقتل الفاتنة حقاً ؟!
المدير : لا يا غبي !! سأحتفظ بها لنفسي .. فقد اخطأت المرة السابقة حين عرضتها للبيع .. وقرّرت جعلها عصفورتي الصغيرة المسجونة في قفصي الذهبي , لتسلّيني متى أشاء 
الموظف الثاني : كنّا نتمنى مشاركتها معك !

المدير بغضب وتهديد : إسمع ايها الحقير !! ستكون تلك الفتاة عشيقتي .. وان حاولت لمسها , سأحوّلك الى اشلاء صغيرة 
الموظف الثاني بخوف : كنت أمزح سيدي !
المدير : تلك الجميلة ستبقى معي للأبد .. وحين أشعر يوماً بقرب أجلي , أقتلها على الفور كيّ تلحقني الى الجحيم .. والآن إسرعا الى هناك قبل ان تغير رأيها , فأنا لا اريد ان يلمسها أحدٌ سوايّ

وبعد ذهابهما .. جلس المدير الخمسيني يراقب نومها البريء من شاشة الحاسوب , وهو يتمّتم بشوق :
- ستنامين قريباً في حضني , يا ملاكي الصغير.. وسأملأ حياتك بالتشويق والمغامرات التي لن تخطر على بال ابليس 
وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة خبيثة ! 

الخميس، 20 فبراير 2020

القدرات المُهدرة

كتابة : امل شانوحة

 
إضاعة فرص تغير المصير

حاولت سيدة سبعينية (مرام) إلتقاط انفاسها بصعوبة , وهي تشير للممرّضة بإعادة ضبط إسطوانة الأكسجين ..  
الممرّضة : القناع يعمل جيداً , حاولي التنفّس بهدوء  
- أشعر كأن صحتي تزداد سوءاً .. ولمحت زوجي يبكي بعد تحدّثه مع الطبيب .. فماهي حالتي بالضبط ؟!
- الحقيقة إن جسمك لم يعد يتجاوب مع الدواء
- ماذا يعني هذا ؟!
الممرّضة بتردّد : أظنك تحتضرين .. 
مرام بخوف : يا الهي !
واعتذرت منها الممرّضة , قبل خروجها من غرفة المشفى..

فبكت مرام بحزن بعد علمها بقرب اجلها .. وحين فتحت عيناها , وجدت امامها ستة نساء مُتشحات بالسواد , تنظرنّ اليها بغضبٍ وقهر !
مرام بقلق : من أنتنّ ؟! 
- نحن مواهبك الضائعة
- لم افهم ! 
فقالت إحداهنّ : جميعنا نُمثّل فرصك المُهدرة التي لم تستغلّها جيداً 

مرام : انا لا أملك أيّةِ مواهب ! 
- أمازلتي تنكرين نعم الله عليك ! ..اذاً سنذكّرك بأنفسنا .. كنت موهبتك الأولى التي ظهرت في سن العاشرة , حين أبدعتي بغزل الصوف 
مرام : وماذا أستفيد منها , فالملابس الجاهزة تملأ المحلاّت ؟
فردّت عليها بعصبية : كان بإمكانك فتح مشغل لتعليم الفتيات , او إرسال اعمالك للفقراء لوقايتهم من برد الشتاء 

وقالت امرأة ثانية : 
- أجيبينا يا مرام !! كم مرة ضاقت الدنيا على زوجك ؟ ورغم ذلك لم تقدمي له العون , مع انك فزتي بمسابقة أفضل حائكة في منطقتك .. بل ورفضتي عرض السيدة الثرية بتسويق بضاعتك ! ولوّ انك ضاعفتي جهودك , لكنت صاحبة ماركة مشهورة 
فسكتت مرام بضيق ..

ثم عاتبتها إمرأة أخرى :  
- وماذا عني ؟!! فأنت لم تستفيدي بما وهبتك إيّاه , بأمرٍ من الله
مرام : ومن انت ؟!
- انا أبرز مواهبك : طلاقة اللسان .. فبسببي تقبّل الناس رئاستك لاجتماعاتهم .. ولوّ كنت طهّرت قلبك من الحقد , لأصبحتي محدّثة لبقة وسيدة مجتمع 
مرام بعصبية : ومن قال انني حقودة ؟!! 
- كان بإمكانك نصح الناس وتوعيتهم , لكنك استخدمتي موهبتك للإيقاع بينهم ! أتنكرين إنك تسبّبتي بطلاق عشرات الزيجات , ومشاكل بين الأقارب والأصدقاء بسبب قوّة إقناعك ؟ 

فسكتت مرام بارتباك .. فقالت لها المرأة الثالثة :
- امّا انا , فموهبتك الثالثة .. وبسببي أُغرم زوجك بك لحدّ الجنون , وكذلك اولادك .. وميّزتك بين افراد عائلتك 
- وانا احببتهم جميعاً
- غير صحيح !! فكل تركيزك كان على نفسك , بسبب انانيتك المفرطة .. ولوّ استفدّتي بما قدّمته لك , لكنت زوجة مُحبّة وأمٌ عطوف .. أنظري الى حالتك الآن , اصدقائك واقاربك وحتى اولادك يتحجّجون بمشاغلهم عن زيارتك , رغم معرفتهم بسوء حالتك الصحيّة  
فسكتت مرام بحزنٍ واليأس..

فقالت لها إمرأة أخرى : 
- وانا موهبتك الرابعة : جمالك الخارجي.. 
مرام بتهكّم : وماذا تريديني ان أفعل بموهبةٍ كهذه ؟ ..أكون ممثلة او راقصة إستعراضية ؟
- معاذ الله .. لكن لوّ نظّفتي نواياك الداخلية , لزاد بريقك الخارجي .. الا انه كل من اقترب منك , إنكوى بنار غيرتك.. فطباعك المُنفّرة أفسدت كل شيء 

وقبل ان تجيبها , تكلّمت إمرأة ثانية :
- وانا موهبتك الخامسة , وهي خيالك الواسع .. والذي شوّهتيه بنسب نجاحات الناس وتجاربهم اليك ! 
مرام : كنت أضيف بعد الأحداث الخيالية على الوقائع الحقيقية , لجعل أحاديثي اكثر حماسة 
- هذا يسمى كذباً .. وبسبب إستهانتك بعطائي , لم يعد يصدّقك أحد 

وهنا قالت المرأة السادسة والأخيرة : 
- اما انا , فأعتبر أهم مواهبك : وهي سرعة إستيعابك التي مكّنتك من تعلّم الحاسوب ولغتيّ الإنجليزية والفرنسية بسهولة
مرام : نعم , لطالما كنت فتاة ذكية
- لكنك لم تستفيدي مني لإكمال تعليمك !
- وماذا افعل ان كان اهلي زوجوني وانا مراهقة ؟ 
- هذه ليست حجّة , فزوجك لم يعترض يوماً على ذلك

مرام : كنت خائفة ان يرتفع مستوايّ عنه , فهو لم يكمل تعليمه ايضاً
- حجةٌ واهية !! فهو من شجعك دائماً على إكمال دراستك .. وأحضر لك معلمة خصوصية , وسجّلك بدورات تدريبية .. لكنك فضّلتي الكسل على متابعة أحلامك .. ولوّ كنت تخرجتي , لأصبحتي مديرة مدرسة مرموقة .. لكن وجّهتي ذكائك لتعلّم امور السحر والشعوذة !
مرام : لا , انا درست العلوم الروحانية  
- كاذبة !! فأنت تعلّمتها خصّيصاً لأذية المقرّبين منك , لا لشيء الا لتحطيم طموحاتهم واحلامهم التي أشعرتك بالدونيّة امامهم
مرام بعصبية : أحلف انني لم اؤذي احداً !!

وهنا ظهر شيطان في زاوية الغرفة , لتختفي النسوة الستة على الفور.. والذي اقترب منها ساخراً :
- عزيزتي مرام , أمازلتي تكذبين وانت على فراش الموت ؟
مرام بخوف : من انت ؟!
- انا شيطانك الذي رافقك منذ تخلّيك عن ايمانك وتعلّمك السحر .. وانا على عكسهم , فخوراً جداً بك .. فأنت لم تتجاهلي فقط نعم الله عليك , بل كفرتي بربك بتتبعك خطواتي
مرام بندم : انا لست كافرة !

فحرّك الشيطان عصاه , ليظهر دفترها امامها .. قائلاً لها : 
- الم تكتبي بهذا الدفتر اسماء الأشخاص الذين سحرتهم بحياتك , مع التواريخ واماكن دفن الأسحار ؟
فبكت مرام وهي تترجّاه : ارجوك دعني اعيش ليومين آخرين , وأعدك بفكّ جميع الأسحار 

فضحك الشيطان بغرور : انت تكفرين من جديد ! فمن انا كيّ ازيد عمرك .. انت يا مرام أضعتي جميع الفرص بهدر مواهبك التي كان بمقدورها تغير مصيرك .. حيث كان بإمكانك ان تصبحي حائكة مميزة , او متحدّثة لبقة ..او شخصية بارزة في المجتمع.. او حتى أم وزوجة حنون .. لكنك فضلتي طريق الحرام .. والآن أُغلق باب التوبة , فعزرائيل في طريقه اليك .. وانت تعرفين جيداً بأن الشياطين تحترق بنور الملائكة .. لهذا سأذهب من هنا .. ألقاك لاحقاً في الجحيم , يا تلميذتي المجتهدة 
وأطلق ضحكةٍ مجلّجلة , تردّد صداها في غرفة المشفى .. 

وبعد إختفائه .. ظهرت النسوة الستة من جديد وهي تندب حظها وتبكي , لأن قدرهنّ ان يدفنوا مع مرام التي لم تظهرهنّ للعلن طوال حياتها..

وفجأة ! ظهر عزرائيل بجانب سريرها .. فحاولت مرام قول الشهادتين , الا ان لسانها عُقد تماماً ! 
فقال لها الملك :
- أتظنين من السهل نطقها , خاصة لمن مُثقل بالذنوب مثلك ؟ 
مرام باكية : ارجوك اريد فرصة ثانية
- أضعتي جميع فرص الدنيا , ومازال امامك عقاب الآخرة

ثم سحب روحها من جسدها بقوةٍ وعنف , لتصرخ صرختها الأخيرة الموجعة التي حوّلت النسّوة الستة الى حفنةٍ من التراب .. وارتفع معها صفير جهاز القلب المزعج التي جعلت الطبيب والزوج يُسرعان للغرفة , لكن بعد فوات الأوان !

الثلاثاء، 11 فبراير 2020

الطفل المنغولي

تأليف : امل شانوحة


الأب القاسي

أنكرته منذ كونه جنيناً , بعد ان أخبرنا الطبيب إنه مُصاب بمتلازمة داون 
ومن يومها وانا ألحّ على زوجتي بإجهاضه .. لكنها رفضت بشتّى الطرق , وكأنها تتعمّد جعله عقبة في طريق نجاحي ! فأنا الإبن الوحيد المدلّل لعائلةٍ ثريّة , وصاحب اكبر شركة سيارات في الشرق الأوسط .. الرجل الوسيم الذي تتهافت عليه قلوب العذارى .. فكيف لشخصٍ مثاليّ ان ينجب طفلاً معاقاً ؟!  

في بادىء الأمر ترجّيتها بإنهاء هذا الكابوس , ووعدتها بإنجاب عشرات الأبناء الأصحّاء .. لكنها تحجّجت بحرمة الأجهاض ! 
فهجرتها لأسابيع , لتُصرّ بدورها على البقاء في منزل اهلها لحين الولادة .. فبدأت أخونها لأثير غيرتها , لكنها فضّلت طفلها المشوّه عني !  

بعد شهور .. إتصلت حماتي لتخبرني بأنه وُلد في شهره السابع وبأن صحته في خطر , وطلبت مني زيارته لتوديعه .. 
لا أنكر مدى سعادتي بالخبر .. ودعوت ربي كثيراً بأن لا ينجو من محنته , علّ اموري تنصلح مع زوجتي .. لكنه أعند من امه , وقاوم الموت لأسبوعين ونصف ! 

وحين علمت بخروجهما القريب من المستشفى , شعرت برغبةٍ ملحّة لرؤيته ! وتعمّدت الذهاب متأخراً كيّ لا يراني احد .. وتوجهت مباشرةً لغرفة الحضّانات , رغم انني لم ارى زوجتي منذ شهور .. واستطعت تميزه على الفور , فهو أقبح طفلٍ هناك .. وشعرت بالغضب الشديد لاختلاف هيئته عن الملائكة الصغار من حوله ... 

وقبل خروجي من الغرفة , وضعته الممرضة الغبية بين ذراعيّ .. حيث كان يتثاءب بنعاس , وأسند رأسه الصغير على صدري وكأنه يحاول الإستماع الى دقّات قلبي القاسي .. وما شعرت به تلك اللحظة أخافني لدرجة انني أعدّته سريعاً الى الممرضة , بعد ان وضعت المال في يدها لتُخفي قدومي عن الأخرين .. واسرعت بالخروج وانا أحسّ بمشاعرٍ مختلطة .. 

لكن اهم ما كان يشغل بالي هو عدم رؤية اقاربي واصدقائي لإبني المعاق .. لهذا اتفقت مع عائلة زوجتي بأن نُعلن خبر وفاته , مقابل راتباً شهريّ أدفعه لهم .. فقبلت زوجتي مُرغمة لرغبتها في مساعدة عائلتها الفقيرة .. 
وعادت مع ابني رضا الى قصري , بشرط ان يعيش مع المربية في القبو بعيداً عن الأنظار .. وبذلك استرجعت حياتي السابقة .. 

لكن مع مرور الأيام خسرت حب زوجتي بسبب تجاهلي المستمرّ لإبني البكر الذي قارب سن المراهقة , رغم انني لم أضربه يوماً .. وقمت فقط بوضع القوانين له : كمناداتي بالسيد جهاد .. ومنعه الظهور امام الغرباء .. مع السماح له باللعب مع اطفالي الثلاثة الأصحّاء .. دون علمه بأنني والده الحقيقي , وبأنهم اخوته الصغار الذين أخبرتهم بأنني سرقته من الميتم حين كان طفلاً لأحميه من سوء معاملتهم , وانه سيُعاد الى حياته البائسة في حال أفشوا مخبئه السرّي .. فوافقوا على كتمان السرّ , لأنهم يحبون اللعب معه  

اما زوجتي فهدّدتها مراراً بالطلاق وحرمانها من ابنائها في حال أخبرتهم الحقيقية .. ولهذا اعتدّتُ على رؤيتها تبكي امام قبر رضا الوهميّ في فناء حديقتنا !

وخوفاً من انكشاف سرّي , إضّطررت لطردّ عدّة مربيات لشكّهم في الأمر .. مما حطّم قلب رضا الذي تعلّق بكل واحدةٍ منهنّ ! 
ويبدو ان كتمان زوجتي لحزنها كل هذه السنوات أرهق قلبها الضعيف , مما جعلها طريحة الفراش .. 

ومازلت أذكر يوم احتضارها ..حين ضغطت بما تبقى لها من قوة على يدي , وهي تترجّاني للمرة الأخيرة :
- ارجوك يا جهاد , إرحم رضا قبل ان يعاقبك الله بذنبه ..
فوعدتها بتحسين علاقتي معه , لإراحتها قبل وفاتها .. لكنه لم يتغير شيء بعد رحيلها !

اما الشيء الذي جعلني أكتب قصتي .. فهو ما حصل في تلك الليلة الكئيبة , خلال تغيّب الخدم والمربية بإجازة العيد .. 

في ذلك المساء .. أيقظني رضا (15 عام) من نومي , وهو يهزّني بعنف  
وما ان رأيت وجهه القبيح فوقي , حتى إنتفضت في وجهه غاضباً:
- أعوذ بالله , أفزعتني يا رضا !! الم أفهمك انه ممنوعٌ عليك الإقتراب من غرفتي ؟!!
فقال بكلماتٍ متلعثمة :
- أنقذهم !! .. نار !!  

وعلى الفور ! إشتممت رائحة دخان في الخارج ..فأسرعت مرتعباً الى غرفة اولادي ..

ويبدو ان الدخان أفقدهم الوعيّ , فهم لم يسمعوا صراخي انا ورضا .. كما لم استطع إخراجهم , بسبب النار المشتعلة من قابسٍ كهربائي في الممرّ الطويل الذي يفصلني عن غرفتهم .. 

أتدرون ما حصل بعدها ؟ .. تفاجأت برضا يخترق ألسنة النار متوجهاً نحوهم ! واختفى لبعض الوقت في غرفتهم , قبل خروجه حاملاً ابنتي (7 سنوات) ..واعطاني إياها قبل عودته ثانيةً الى الداخل , مُتجاهلاً آلام حروقه .. ليخرج بعد قليل , حاملاً أخويه التوأمين (5 سنوات)... ثم انطلقنا هاربين لخارج القصر , حاملين الأولاد (غائبيّ الوعيّ) .. 

واثناء وجودنا في حديقة القصر , سمعنا صافرات الأطفاء تقترب من المكان ! ويبدو ان الجيران اتصلوا بهم .. فتنفّست الصعداء لسلامة جميع ابنائي .. 

لكن ما حصل بعدها حطّم قلبي تماماً .. حين أسرع رضا الى القصر المحترق وهو يقول :
- نسينا الببغاء !!
ظانّاً بأن الطائر أغلى من حياته ! لأني لطالما فضّلته عنه , وقارنته به .. بل أخبرته مراراً انه أذكى منه .. 
ودخل القصر مُتجاهلاً صرخاتي .... لكنه لم يخرج ابداً !

لاحقاً , أعطيت الأذن للشرطة بدفن جثته المتفحّمة في حديقة قصري .. قبل ذهابي مع اولادي الى بيتي في الجبل , حيث قضوا ليلتهم في بكاءٍ مرير حزناً على موت صديقهم اليتيم , دون علمهم بفقدان أخيهم الأكبر.. بينما استطعت بصعوبة كتمان حزني ودموعي .. 
ورغم ان السرّ مات مع رضا , الا انني طلبت من اولادي كتمان وفاته عن الجميع !

في اليوم التالي , زارني الأقارب والأصدقاء للإطمئنان علينا بعد سماعهم الخبر , وهنأوني بالسلامة .. كما أبدى شريكي إستعداده لتصليح القصر على حسابه .. ومع ذلك بقيت صامتاً بحزنٍ شديد , فتساءلوا عن السبب ؟
فأخفيت الأمر , خوفاً من لومهم وتعليقاتهم القاسية لنكران إبني كل هذه السنوات ..

ومع إصرارهم على معرفة السبب , إنفجرت باكياً بصوتيّ المُنكسر : 
- مات ببغائي الغالي !!!  

فضحكوا ساخرين من رقّة قلبي ! ووعدوني ببغاءٍ آخر .. دون علمهم بأن رضا لا يمكن تعويضه .. 

ابني البكر الذي لطالما تساءلت ربي عن سبب وجوده في حياتي ؟ ليصلني الجواب بطريقةٍ موجعة : فلولاه لما نجوت واولادي من موتٍ محقّق 
لأعلم متأخراً انه ملاكي الحارس الذي سأفتقده للأبد ! 

*****
ملاحظة :
القصة مستوحاة من احداثٍ حقيقية حصلت في إنجلترا .. حيث قام الأب الثريّ بقتل رضيعه المنغولي برصاصةٍ من مسدسه الذهبي , ودفنه في قبو قصره .. 
الغريب ان بعد الحادثة بسنوات , إنتحر الوالد وزوجته واولاده الشباب الثلاثة بنفس المسدس الذهبي!
والى اليوم مازال يُسمع بكاء طفلٍ في قبو القصر المهجور الذي أصبح مزاراً لمحبي الأشباح والظواهر الخفيّة !  
***
وبرأيّ : المنغوليون هم البشر الوحيدين الذين لا يملكون حقداً وشرّاً في قلوبهم , وكأنهم ملائكة في مهمةٍ إلالهية خفيّة ! 

الخميس، 6 فبراير 2020

الصندوق العشوائي

تأليف : امل شانوحة
وشكر خاص لإبن اختي (محمد ابو الفضل) لتزويدي ببعض افكار القصة


الإنترنت المظلم

بعد شهر على وفاة امهما , إقترح جاك على اخيه جون زيارة والدهما الشرطي .. لكنه رفض ذلك بعصبية :
- ولماذا نزوره وهو لم يأتي الى جنازة امنا ؟!!
جاك : ربما ما زال غاضباً لحصولها على حضانتنا بعد تطليقه بالمحكمة 
جون بغضب : هذا لا يبرّر تخلّيه عنا لعشر سنوات !! 
- انا رغبتُ في محادثته لشعوري بالملل اثناء انشغالك في العمل 
- اذاً أدرس !! فقد قارب موعد امتحانات الجامعة
جاك بضيق : راجعت المنهج اكثر من مرة , ماذا تريدني ان افعل؟ 

فاقترح عليه فتح قناة يوتيوب للإستفادة منها مادياً كما فعل هو , بشرط ان يختار موضوعاً مختلفاً عنه 
جاك : أساساً لا احب الأماكن المهجورة , خوفاً من الجن والعفاريت
جون ضاحكاً : هذه خرافة , فأنا لم أصبّ بشيء في السنتين الماضيتين رغم تجولي بأكثر الأماكن المسكونة رعباً في بلدتنا .. المهم , ماهو موضوع قناتك ؟
جاك : لا ادري , سأفكّر بشيءٍ يهمّ المراهقين أمثالي
***

بعد اسبوع .. إشترى جاك بكل مصروفه صندوقاً عشوائيّاً من الإنترنت المظلم .. وصوّر نفسه اثناء فحصه الأغراض التي آثارت إشمئزازه وقلقه .. حيث وجد فيه :

سكينٌ ملطّخ بصبغةٍ حمراء تشبه الدماء , واظافر بشريّة , وخصلة شعرٍ سوداء , وملابس نسائية مُستخدمة , ودمية سحرية مغروسة بالدبابيس .. و(USB) وضعه في حاسوبه لرؤية محتواه 
وكان فيه :((فيديو مصوّر لغرفةٍ إضاءتها خافتة , بداخلها فتاة مضّطربة تتلّفت حولها بخوفٍ واضح , وهي منهارة بالبكاء .. 
بعد خمس دقائق .. تصرخ بفزعٍ شديد فور رؤيتها لرجلٍ مقنّع يدخل غرفتها .. وانتهى الشريط !))
جاك بارتباك : هل هذه تمثيلية ؟ ام هي فتاة مختطفة بالفعل ؟!

وقد ضايقه الأمر لدرجة انه ألغى قناته الحديثة , ورمى اغراض الصندوق في الزبالة .. 
ومع ذلك لم يستطع النوم طوال الليل , بعد ان أشغلت الفتاة المسكينة تفكيره  
***

في صباح اليوم التالي .. تفاجأ بملف مشروعه الجامعي بجميع نسخه محذوفة من كمبيوتره ! مما ضايقه كثيراً لأن عليه تسليمه خلال اسبوعين 
ليس هذا فحسب , بل صوره الشخصية وصور امه المتوفاة حُذفت ايضاً من الحاسوب ..
وظلّ يبحث عنهم , الى ان وصلته رسالة غامضة على ايميله :
((كان بحثك مملٌ للغاية , فقمنا بحذفه))

فعلم جاك ان هكر لعين من الإنترنت المظلم إخترق حاسوبه ..
ولم يكن لديه وقت للردّ عليه , لتأخره عن المحاضرة
***

حين وصل الى الجامعة , تفاجأ بنسخٍ من محادثاته الرومنسية مع حبيبته جسيكا مُلصقة على خزانات الطلبة ! .. وصُعق اكثر حين رأى صورتهما الخاصة على باب الحمام 
وتوجهت انظار الطلبة اليه اثناء تمزيقه الصورة بعصبية , وهم يكتمون ضحكاتهم الساخرة .. بينما نظرت الفتيات اليه باشمئزاز لفضحه حبيبته

وأسرع باحثاً عن جسيكا في جميع القاعات , الى ان أخبرته صديقتها بأنها غادرت الجامعة وهي منهارة تماماً ..
فحاول الإتصال بها , لكن جوالها مقفل ..

فذهب الى غرفتها في سكن الطلاب .. 
وقبل تبريره ما حصل , صفعته بقوة مُعلنةً فسخ العلاقة به ..وأغلقت الباب في وجهه , دون السماح له بالتفوه بكلمةٍ واحدة ..
فعاد الى منزله منكسراً وحزيناً !
***

في غرفته .. وفور فتحه الحاسوب , وجد رسالة جديدة على ايميله:
((هل أعجبت الطلاّب صورتكما الخاصة , وكلامك الرومنسي ؟))
فأرسل ردّاً غاضباً على نفس الإيميل :
((من انت ايها اللعين ؟!! ولما تفضح خصوصياتي ؟))
فجاءه الردّ سريعاً :
((هذا رابط صفحتي على الفيسبوك , تواصل معي)) 
لكنه لم يردّ الحديث معه , وأقفل كمبيوتره وهو يشعر بغضبٍ شديد
***

بحلول العصر.. إيقظه أخوه الأكبر :
- أحضرت البيتزا التي تحبها , تعال نأكلها سوياً
جاك بيأس : لا رغبة لي في الطعام , أتمنى الموت فقط 
- ماذا حصل لك ؟!
- جسيكا تركتني 
- لماذا ؟

وبترددٍ شديد أخبره بكل ما حصل .. واراه محتوى (USB) بعد إخراجه من سلّة النفايات
جون بقلق : هل هي فتاة مختطفة بالفعل ؟!
جاك : لا ادري , أفكّر بإرسال المقطع الى والدي ليتأكّد من الأمر 

وهنا قام جون بتقريب الصورة على الشعار المرسوم اعلى باب غرفة الفتاة , قائلاً :
- لا داعي لذلك .. أنظر الى الشعار
- مابه ؟!
جون : انه شعار ناديٍ رياضيّ مهجور
جاك : كيف عرفت ؟!

فأخرج جون جواله .. وفتح فيديو قديم على قناته باليوتيوب ..
- انظر هنا .. انا وصديقي جيمي صوّرنا الغرفة ذاتها قبل عام .. وهو مكانٌ مهجور يمكن لأيّ احدٍ دخوله .. ولا اظن عصابات الإنترنت المظلم سيختارون مكاناً سهلاً كهذا .. واعتقد انها تمثيلية سخيفة استخدموها لإلهائك قليلاً , الى ان يتمكّن الهكر من إختراق حاسوبك .. وأقترح ان تستبدله بحاسوبٍ جديد .. أعرف محل كمبيوتر في آخر الشارع يقبل ان ..

جاك مقاطعاً : أفكّر بسؤال ابي عن الموضوع , فالشرطة أدرى بعمليات الخطف 
جون بعصبية : لما انت متعلقاً به , رغم تخلّيه عنا ونحن صغار؟!! 
- آسف أخي , لم أقصد مضايقتك
- إنسى موضوع ابي والهكر .. وحاول غداً الإعتذار من جسيكا بعد إفهامها المشكلة .. والآن قمّ لنأكل قبل ان تبرد البيتزا 
***

في المساء .. ذهب جون مع صديقه جيمي الى النادي المهجور (دون اخبار جاك) .. بنيّة تصوير الغرفة , وهو على يقين بأنها خالية من آثار الفتاة المخطوفة , لكيّ يُطمّئن اخاه ..
لكنه تفاجأ بوجود اسلاكٍ شائكة امام بوّابة النادي !

جيمي : لا اذكر انه كان مغلقاً السنة الفائتة ! أتعتقد ان العصابة استخدمته وكراً لها ؟ 
جون : لا ادري .. لنتجاوز الأسلاك ونذهب مباشرةً الى الغرفة .. وإن وجدناها مقفلة من الخارج , نبلّغ الشرطة في الحال .. هيا بنا
***

حين وصلا الغرفة .. وجداها مفتوحة , ولا أحد بالداخل ..
جون : ارأيت !! كنت متأكداً إنها تمثيلية 
جيمي : ما هذه الرائحة العفنة ؟ يبدو وكأن أحدهم قضى حاجته مراراً في الغرفة.. (ثم صرخ فزعاً بعد ان داس على شيءٍ رخو)

فوجّه جون إضاءة جواله على المكان الذي أشار اليه صديقه , ليجدا أصبعاً بشريّاً متعفّناً !
جيمي : يا الهي ! هل قطعوا أصبعها ؟!
جون بخوف : دعنا نخرج من هنا فوراً 

لكن قبيل خروجهما من الغرفة ..أُلقيت شبكة صيد فوق رأسيهما , ليعلقا اسفلها !
***

في صباح اليوم التالي .. بحث جاك عن اخيه في ارجاء المنزل  
- غريب ! ليس من عادته الإستيقاظ باكراً 

ثم عاد الى غرفته لترتيب حقيبته الدراسية , وإذّ برسالةٍ جديدة تصل إيميله , بعنوان : 
((رسالة من جون))  

ففتحها وهو يظن أن اخاه ارسلها , ليتفاجأ بفيديو قصير لجون وصديقه محتجزين بذات الغرفة القذرة ! وهما مثبّتان بالجدار بالسلاسل , ومكمّما الفم .. 
وبعد دقيقتين .. إقترب منهما رجلٌ مقنع يحمل منشاراً كهربائي , قام بقطع رجل جيمي (صديق اخيه) الذي صرخ بهستيريا من شدة الألم .. وانتهى المقطع ! 

فسقط جاك عن كرسيه , وهو يرتجف بخوفٍ شديد ..
وإذّ برسالةٍ اخرى تُرسل اليه : 
((ان كنت تريد انقاذ اخيك , فعليك تنفيذ امرنا))
فكتب جاك بيدين مرتجفتين : 
- كم تريدون ؟
- لا نريد فدية .. نريدك ان تصبح مثلنا 
جاك : لم افهم !
- نريدك ان تخطف فتاة مجهولة , وتصوّر نفسك وانت تعتدي عليها .. وبعد إرسالك الفيديو , نُطلق سراح اخيك .. اما صديقه ..  فمازال ينزف الى الآن , ولا اظنه سيعيش طويلاً 

فكتب جاك , بعد مسحه دموعه : 
- رجاءً اطلبوا شيئاً آخر 
- إن لم تنفذ طلبنا , سنرسل لك اول اصابع جون
جاك : لا انتظر !! سأفعل ما امرتني به , لكني احتاج الى بعض الوقت
- نريد الفيديو هذا المساء , مفهوم !!
وانتهت المحادثة ..

فانهار جاك باكياً وهو يلعن نفسه لدخوله عالم الإنترنت المظلم , لكن ليس لديه وقتاً للندم ..
وأسرع الى السوبرماركت لشراء قناعٍ شتويّ (لإخفاء معالم وجهه) , وشريطاً لاصقاً وحبلاً سميكاً ..

فمازحته محاسبة السوبرماركت قائلة :
- هل ستخطف احدهم ؟
فأجابها دون النظر اليها , كيّ لا ترى عينيه الخائفتين :
- لا , سنستخدمهم بمسرحيةٍ جامعية ..

وخرج من هناك وهو يفكّر بطريقة لتنفيذ أوامر العصابة دون الوقوع بمشاكل قانونية 
*** 

وقاد سيارة والدته القديمة دون وجهةٍ محدّدة , ليتوقف مع غروب الشمس امام بارٍ في أطراف مدينته .. 
فلبس قناعه في السيارة , وهو يراقب الفتيات السكارى الخارجة من البار 

بهذه اللحظات.. إتصلت صديقته جسيكا قائلةً :
- مع انني مازلت غاضبة لفضحك اسرارنا , لكني قلقت عليك لتغيبك عن الجامعة 

وهنا خطرت في باله فكرة , فأسرع قائلاً : 
- جسيكا , اريدك بخدمةٍ انسانية عاجلة 
- ماذا هناك ؟!
جاك : اريد ان اراك حالاً , فحياة اخي في خطر
- ماذا به ؟
- انا قادم الى سكن الطلاّب , إنتظريني
***

وعادا معاً الى منزله , وهناك اخبرها بكل شيء..
جسيكا بخوف : يا الهي ! لما دخلت عالمهم القذر يا جاك ؟
- ارجوك جسيكا لا وقت الآن للعتاب , عليّ ارسال الفيديو هذا المساء
- أتريدني ان أمثّل دور الضحيّة ؟! 
جاك : يبقى أفضل من اعتدائي على فتاةٍ بريئة , وبقائي في السجن مدة طويلة كافية لتدمير مستقبلي .. ارجوك ساعديني 
***

بعد ساعة .. ارسل لهم الفيديو المصوّر للإعتداء المُفبرك : حيث ظهر فيه بقناعٍ يغطي وجهه .. وهو يُخفي وجه صديقته تحت الوسادة , التي أتقنت دور الضحيّة وهي تصرخ بكل قوتها محاولةً الإفلات من بين يديه 

بعد خمس دقائق , وصله الردّ :
- أتستغبينا يا جاك ؟!! انها صديقتك جسيكا
جاك بدهشة : لا ! ليست هي
- لقد سمعنا خطتكما منذ البداية 
جاك وهو يتلفّت حوله بخوف : أوضعتم كاميرات في بيتي ؟!
- ربما , وربما لا .. لنعد الآن الى حديثنا .. بما انك لم تنفذ طلبنا , فسنبدأ بتعذيب اخيك 

فكتب جاك بخوف : لا , أتوسّل اليك !! .. أعدك بإرسال الفيديو غداً ..سأصوّر عملية الخطف كاملةً .. ارجوك أعطني فرصة ثانية 
- حسناً .. معك الى مساء الغد , والا سيلقى اخوك مصير الفتاة المختطفة وصديقه جيمي الذي مات قبل قليل .. أفهمت ؟!!
وانتهت المحادثة ..
*** 

فأعاد جسيكا الى سكن الطلّاب والتي وعدته بكتمان الموضوع , كما طلب منها .. 
ثم أخذ حاسوبه , وأسرع الى منزل والده الذي يعيش بضواحي مدينته ..
***

في هذه الأثناء .. كان والده على وشك الخروج من المنزل (ببذلة الشرطة) لعمله المسائي , حين تفاجأ بإبنه متوجهاً نحوه !
- جاك ! أخيراً زرت والدك 
فارتمى في حضنه باكياً وهو يقول : 
- ابي ارجوك , أنقذ جون من الموت
الوالد بقلق : ماذا حصل له ؟!
- عليّ اولاً ان اريك ما بداخل حاسوبي

فأدخله المنزل ليريه فيديو الفتاة المخطوفة , وفيديو تعذيب صديق اخيه
الأب فزعاً : يا الهي ! مالذي جعلك تدخل الى الإنترنت المظلم ؟!
- انا نادمٌ جداً .. (وتنهد بضيق) .. علينا إيجاد جون بأسرع وقتٍ ممكن
- الم تخبرني انه صوّر المكان المهجور في قناته ؟
جاك : آه صحيح ! كيف لم أفكّر بالأمر

وبحثا في قناة جون , الى ان عرفا عنوان النادي المهجور الذي ذكره في اول الفيديو ..
الوالد بحزم : جاك !! إبقى هنا ريثما اعود , وإيّاك ان تفتح حاسوبك ..
- حاضر ابي 

ثم أسرع الأب الى مركز الشرطة لطلب الدعم , لاقتحام وكر المجرمين 
***

واثناء وجود جاك في منزل والده , رنّ جواله ! 
وحين فتحه , سمع صوتاً مشوّشاً يقول له :
- الم ننبهك بعدم الإتصال بالشرطة ؟ .. بتصرّفك الغبي قضيت على حياة أخيك 
- لا ارجوك .. دعنا نتفاهم  
وانتهت المكالمة..

فحاول جاك الإتصال بوالده , لكن جواله انطفأ فجأة ! فعلم بأن الهكر عطّله عن بعد !
فرفع هاتف المنزل ليجده معطلاً ايضاً !

بهذه اللحظات .. أُضيء حاسوبه لوحده ! لتظهر عليه مجموعة من الصور آثارت الرعب في قلبه .. ولم تكن صور تعذيب اخيه , بل صوره وهو صغير : حين خطفه رجلٌ مجهول اثناء ذهابه الى المدرسة , واعتدى عليه في قبوٍ مظلم , قبل ان يعيده ظهراً الى منزل والدته .. 
وأخفى جاك الأمر عن الجميع الى هذا اليوم !

بعد دقائق .. وصلته رسالة على ايميله : 
((الرجل الذي أذاك وانت صغير هو أحد زبائننا المهمّين , الذي تذكّرك البارحة بعد رؤيته لوحمة وجهك المميزة .. 
وغداً سننشر صورك الفاضحة في جامعتك (كما فعلنا سابقاً) ليعرف الجميع إنك شاذّ , خصوصاً جسيكا))

فاسند جاك ظهره على الكنبة , بأنفاسٍ ثقيلة وقلب مفعمٌ بالهموم .. فتلك الصور أعادت ذكريات طفولته السيئة التي حاول طوال حياته نسيانها 
***
في هذه الاثناء .. بحث والده بهستيريا في ارجاء النادي المهجور , بعد عثور الشرطة على جثة جيمي الذي تصفّى دمه من قدمه المبتورة , وإيجادهم لأصبع الفتاة المختطفة المتحلّل .. لكن لا أثر لجون ! 

فسبقهم الوالد المذعور الى قبو النادي , ليتفاجأ بعبارةٍ مكتوبة على الجدار بالدماء : 
((المراهق جاك لعب مع الأشخاص الخطأ , وسينال عقابه قريباً))

فأسرع الأب نحو سيارته , وهو يقول لزملائه :
- جاك في خطر !! سأعود فوراً الى بيتي  
***

وفور دخوله المنزل , بحث عنه في جميع الغرف .. الى ان انتبه على صور اعتداء ابنه على الحاسوب 
- يا الهي ! ماذا فعل بك هذا الحقير ؟

وهنا سمع شيئاً يقع في القبو ..
فأخرج مسدسه ونزل بحذر الى هناك , ليتفاجأ بإبنه مشنوقاً !
- جاك !! ماذا فعلت ؟!!!
وأسرع بقطع الحبل والقيام بالتنفس الإصطناعي , لكنه فارق الحياة 

بعد دقائق من البكاء المرير .. حاول تمالك نفسه ليتمكّن من حمل جثة ابنه الى فوق , فإذّ بورقة تسقط من جيبه .. كان فيها : 
 ((آسف ابي , لم استطع نسيان ما حصل في طفولتي .. لذا قرّرت إنهاء حياتي .. لكن ارجوك أنقذ جون , لا تجعله يموت بذنبي))

وهنا رنّ جوال الأب , ليردّ وهو مازال يشهق بالبكاء .. 
فسمع صوتاً مشوّشاً يقول :
- أتريد شراء صندوقاً عشوائياً من الإنترنت المظلم ؟

فصرخ الأب غاضباً :
- يا ملاعين !! ماذا فعلتم بولدايّ ؟!! 
- عليك اولاً شراء الصندوق بألف دولار , وستجد فيه ما يرشدك الى مكان جون .. سنرسل جميع المعلومات على جوالك .. وننصحك بعدم التأخر بالدفع , فبيع اعضاء جون بالسوق السوداء يُكسبنا اضعاف ما ستدفعه لنا .. وأنبهك منذ الآن بالحفاظ على السرّية التامة , والا ستخسر كلا ولديك
وانتهت المكالمة ..

فأسرع الأب بإرسال الف دولار من بطاقته الإئتمانية الى إيملهنّ الخاص الذي ارسلوه على جواله  .. 
وبعد إتمام العملية , وصلته رسالة أخرى :
((سيصلك صندوقنا المميز في القريب العاجل))

بهذ اللحظات .. نزل رفيقيه الشرطيين الى قبو , ليتفاجآ بجثة جاك بين احضان والده
- ماذا حصل له ؟! من قتله ؟!
الأب وهو يمسح دموعه : إنتحر شعوراً بالذنب لتوريط جون مع العصابة .. رجاءً ساعداني بحمله الى فوق
***

بهذا الوقت , وفي مكانٍ بعيدٍ مظلم .. كان رجلٌ مقنّع يراقب الوالد من خلال الحاسوب , اثناء إخراجهم جثة جاك من المنزل.. 
ثم التفت الرجل المجهول خلفه , ليتكلّم مع جون المحتجزّ في صندوقٍ حديديّ : 
- ممتاز !! والدك لم يخبر صديقيه عن اتصالنا , يبدو انه تعلّم الدرس من اخيك الغبي

جون : كيف استطعتم وضع الكاميرات في منزلنا , ومنزل والدي؟!
- جاك كان مستهدفاً منذ الصغر , لوسامته التي أعجبت احد عملائنا الأثرياء ..لهذا ساعدناه بعملية الخطف والإعتداء .. ولسوء حظ اخيك , اعاده القدر الينا حين راسلنا بشأن الصندوق .. لكننا بصراحة لم نتوقع انتحاره ! .. لهذا ليس امامنا سوى خداع والدك لدفع المزيد من المال في سبيل إنقاذك .. وفي حال تصرّف بغباء , نتخلّص منه .. ومن بعدها نقنع عميلنا باستغلالك بدلاً عن جاك , لأنك وسيمٌ مثله 

وأطلق ضحكةً مجلّجلة مُستفزّة .. بينما كان جون يبكي بصمت داخل  زنزانته الضيقة حزناً على انتحار اخيه , وخوفاً على مصيره هو ووالده بعد تورّطهما في عالم الشياطين البشريّة المخيف !

السبت، 1 فبراير 2020

الجندي البدين

تأليف : امل شانوحة
رسوم متحركة .. الجزء الثاني من الطباخ الصغير
رابط الجزء الأول :
https://www.lonlywriter.com/2018/11/blog-post_24.html

بطولة طبّاخ الجيش 

مع استمرار الحرب العالمية الثالثة للسنة الرابعة على التوالي , وموت ملايين البشر حول العالم , إضّطرت الحكومات لتجنيد إجباري للمراهقين , حتى لوّ كان الولد الوحيد لوالديه !

وكان بوب في عامه 15 حين أُخذ جبراً من بيته , دون اكتراث الحرّاس لتوسّلات وبكاء امه الأرملة .. 

ثم اقتيد للإنضمام مع رفاقه في جيشٍ ضمّ جنوداً من صغار السن .. وكان واضحاً منذ البداية إنه غير مناسب للتجنيد بسبب وزنه الزائد .. لكن النقيب أمِل بأن التدريبات القاسية لثلاثة شهور كفيلة بتنحيفه , قبل إرساله مع دفعته الى جبهة الحرب

وكان الأمر شاقاً على بوب منذ ليلته الأولى في المهجع حيث نام باكياً شوقاً لأمه , ولشدة جوعه لأن العشاء لم يكن سوى عصيدة سيئة الطعم .. وبصعوبة استطاع النوم مع تباشير الصباح .. ليتفاجأ بالنقيب يصرخ في وجه بعد ساعاتٍ قليلة للنهوض والقيام بالتدريبات العسكرية الصباحية !
***

بعد ساعات من التمارين المتواصلة , تنحى بوب جانباً محاولاً التقاط انفاسه , وهو يشعر بنبضات قلبه تمزّق صدره من شدة الإرهاق والتعب .. لتنهال عليه انتقادات النقيب القاسية التي جعلته يتابع التدريبات الشاقة لساعةٍ أخرى , قبل سقوطه مغمياً عليه !

واستيقظ لاحقاً في غرفة التمريض على صوت الطبيب يُخبر النقيب بضعف قلبه بسبب الكوليسترول الزائد في دمه .. وكان هذا سبباً لحصوله على إذنٍ رسمي بتقليل تمارينه البدنية  

بعدها بأيام , فشل بتمارين الرماية ! لتأتي نتيجة الفحص الطبي وتثبت ضعف نظره ايضاً .. 

ورغم عيوبه الجسدية الا ان الإدراة العسكرية رفضت تسريحه , خوفاً من تشجيع غيره على التهرّب من واجبهم الوطني !
***

بعد اسبوعين من تجنيده .. أصبح بوب اسوء مجنّد في المعسكر بعد فشله بجميع التدريبات العسكرية .. 

وكان أكثر ما أغضب النقيب منه : هو تقيؤه للطعام وسط القاعة (لسوء طعمه) .. فعاقبه بالوقوف طوال الليل في الساحة تحت المطر , ليُصاب لاحقاً بنزلة بردٍ شديدة ! 

ولسوء لياقته الصحية فقد تعود الطبيب العسكري على رؤيته من وقتٍ لآخر في المستشفى الميداني , والذي نصحه باستمرار بإنقاص وزنه لسلامة قلبه الضعيف 
***

مع نهاية الشهر الأول في المعسكر التدريبي .. لم يستطع بوب تحمّل المزيد , فحاول الهرب مساءً من الثكنة .. الا ان ثقل وزنه منعه من القفز فوق الأسلاك الشائكة , ليتم إسعافه لاحقاً في غرفة التمريض بعد التواء قدمه إثر سقوطه من فوق السور ! 

واثناء وجوده هناك , قال له الطبيب معاتباً :
- كفّ عن البكاء يا بوب , فالرجال لا تبكي
بوب بحزن : انا لست رجلاً , مازلت مراهقاً صغيراً
- وكذلك جميع افراد دفعتك
- وما ذنبنا ان نُقتل في حربٍ إفتعلها الساسّة الكبار ؟ الا يكفي موت ابي في بداية الحرب , وبقاء امي وحدها دون معيل ؟
الطبيب : وهل كنت تساعدها ؟
- نعم , كنت اطبخ معها في مطعمنا الشعبي
- هل انت طباخ ؟!
بوب : أكيد !! وبارعٌ جداً في عملي 
- اذاً اخيراً وجدنا شيئاً يبقيك معنا في الجيش
- لكني لا اريد البقاء هنا !!
- لحظة , سأعود بعد قليل

وذهب الطبيب الى النقيب ليخبره بما قاله بوب .. 
النقيب : أتقترح نقله الى مطبخنا ؟!
الطبيب : نعم .. طالما انه فشل بجميع الإختبارات , فليس امامنا الا الإستفادة من مهارته في الطبخ ..
النقيب بعصبية : حسناً.. فور تشافي قدمه , أرسله لمساعدة طباخنا العجوز .. لكني أحلف ان كان طبخه سيئاً , سأفرّغ مسدسي في كرشه الكبير !! فقد أتعبني قلّة همّته وبكائه كالأطفال
الطبيب : لتكن هذه فرصته الأخيرة
***

بعد اسبوع .. نُقل بوب الى مطبخ الجيش ..
وهناك قال له الطباخ العجوز : 
- عليك ان تفهم منذ الآن انك مساعدي فقط .. ولن اسمح لك بالتدخّل في قائمة الطعام او المقادير.. هل فهمت ؟!!
بوب : حاضر شيف , فالعمل هنا أهون من التمارين القاسية
- لا تفرح كثيراً .. أرايت الصندوق الكبير الذي هناك ؟
- نعم
الطباخ : انه مليء بالبصل .. خذّ السكين وابدأ العمل فوراً

وكان فيه ما يقارب 10 كيلو بصل .. 
فشرع بوب في العمل , وهو يقول في نفسه :
((يبقى البصل أفضل من إصابتي برصاصةٍ طائشة اثناء التمارين , وبحجّتها أبكي شوقاً لأمي دون ان يلومني احد))
***

بعد انتهاء الغداء ..واثناء إزالة بوب للصحون من قاعة طعام , إقترب منه النقيب غاضباً :
- الشوربة لم تكن جيدة يا بوب !!
بوب : أعلم ذلك .. فملحها كثير وبهاراتها قليلة , والصلصة لم تُسبّك جيداً
- اذاً لما لم تصلحها ؟!
- الطبّاخ لم يسمح لي بلمس الطعام , وقمت فقط بتقطيع الخضار
النقيب : أحقاً ! سأذهب للتحدّث معه  

وفي المطبخ .. طلب النقيب من الطباخ السماح لبوب بإعداد طبق الغد , لتقييم موهبته في الطبخ .. 
وبعد مناقشةٍ طويلة , وافق الطباخ العنيد على ذلك !
***

في ظهر اليوم التالي .. ساد الهدوء ارجاء قاعة الطعام , بعد تلذّذ الجميع بمذاق اللازانيا التي فاقت توقعاتهم ..وكان النقيب اكثرهم إعجاباً بالطبق الذي شابه طبخ والدته المتوفاة , والذي جعله يُصفّق لبوب فور دخوله القاعة , قائلاً بصوتٍ عالي :
- أُعلنك منذ اليوم , رئيس مطبخنا الجديد !!

وضجّت القاعة بالتصفيق والصفير .. وأدمعت عينا بوب فرحاً بوظيفته الجديدة التي أغضبت الطباخ القديم بعد إعلان تنحيته عن وظيفته , قائلاً في نفسه بقهر : 
((أفنيت عمري بالطبخ لهم دون تقديرٍ منهم , بينما حصل الصغير الأرعن على وظيفتي من طبقٍ واحد .. غداً , سأجعلهم يندمون جميعاً !!))
***

في غداء اليوم التالي .. شكر الجميع بوب للمرة ثانية على طبق الأرز بالدجاج الفاخر .. 

لكن بعد ساعة على انتهاء الغداء , أُصيب الكثيرون منهم بالإسهال والتقيؤ .. وتأهّب الأطباء العسكرين لمعالجتهم , بعد إعلان حالة تسمّم للدفعة بكاملها !

ولاحقاً أجرى النقيب تحقيقاً مع الطباخ العجوز الذي أخلى مسؤوليته بعد استلام بوب لمهمة إعداد الطعام .. وبدوره أكّد للضابط مراعاته لقوانين النظافة , واستخدامه مكونات غير منتهية الصلاحية !

الا ان كلاهما لم يعلما بوجود كاميرا خفية في سقف المطبخ , التي فضحت الطباخ العجوز وهو يضع بهاراً اخضراً في قدر الدجاج قبل تقديمه ..

وبعد البحث في اغراضهما , وُجد المرطبان الصغير في خزانة العجوز ..لتأتي نتيجة المختبر العسكري وتؤكّد بأنه دواء مسحوق للإسهال .. فتمّ طرد العجوز من الخدمة .. بينما ازدادت شعبية بوب بين افراد دفعته بسبب اطباقه الفاخرة التي أبهرهم بها كل يوم 
***

مع مرور الأيام .. أصبح الجميع يتوقون لفترة الغداء لتجربة اطباق بوب المميزة , حيث كانوا يطرقون بالشوك والملاعق على الطاولات لاستعجاله في تقديمها .. كما ألفوا له مقاطعاً غنائية , أدخلت السرور الى قلبه
***

بعد انتهاء الشهور الثلاثة للتدريبات العسكرية , حان وقت إرسال الدفعة الى وجهة الحرب .. ونُقل بوب معهم كطباخ الكتيبة الذي حرص على أخذ كل ما يلزم مطبخه الميداني , وهو مطمئن على حياته بعد ان وعده النقيب بأن مهمته تقتصر على إطعام الجنود دون الإنخراط بالمعارك 
***

لكنه احتار هناك كيف ينوّع طبخاته من مكوناتٍ محدودة من الخضار التي لا تفسد سريعاً : كالبطاطا والبصل والكرنب والجزر , محاولاً ما في وسعه إسعاد اصدقائه العائدين من المعارك الدامية .. رغم تعبه النفسيّ  كلما أُصيب أحدهم او قُتل في ساحة الحرب 
***

في ليلةٍ مظلمة , أسر رفاقه ملازماً من الفرقة المعادية .. وكان على بوب إطعامه لحين مبادلته مع اسرى فرقته ..
ومما سهّل عمله هو إتقان الملازم العدو للغة بوب , والذي شكره كثيراً على طعامه اللذيذ الذي أسعده داخل سجنه الكئيب
***

بعد شهر , عُقدت إتفاقية مبادلة .. وتمّ إعادة الملازم الأسير , مقابل عودة خمسة من الجنود التابعين لفرقة بوب

وبعد عودة الأسير الى سرّيته , بدأ يتملّل من طعامهم السيء ومقارنته بطعام بوب اللذيذ الذي قال عنه : 
- لدى كتيبة العدو طباخاً مراهقاً اسمه بوب .. هو بدين ومنظره مضحك , لكن طعامه من الجنة رغم استخدامه مكوّناتٍ بسيطة 
جندي باستغراب : وهل يطعمون أسراهم من طعامهم الخاص ؟! 
الملازم : ليس هذا فحسب , بل أضاف الى وجبتي الرئيسية : كعكٌ بالزنجبيل , او كيكة البرتقال والبودينغ ..

الجندي الآخر بدهشة : أأعطاك حلويات ايضاً ؟!
- نعم , وهي جيدة الصنع .. ولن تصدّقوا براعته في الطبخ
- انت محظوظ سيدي , فطباخنا سيءٌ للغاية ولا يحضّر لنا سوى الفاصوليا اليابسة 
الملازم : اذاً ما رأيكم ان نقوم بهجمةٍ مفاجئة لخطف طباخهم البدين ؟
- أتتكلم بجدّية , سيدي ؟!
الملازم بحماس : نعم !! لوّ ذقتم طعامه الفاخر , لفكّرتم بالأمر ذاته
- حسناً , لما لا .. 
***

وبالفعل تفاجأت ثكنة بوب بهجومٍ مباغت بالقنابل الصوتية (لأن سرّية العدو لم ترد إصابة بوب بالخطأ)
واثناء انشغال الجنود بالإشتباكات معهم , تسللّ الملازم (الأسير السابق) الى مطبخ الثكنة لخطف بوب المُختبئ اسفل الطاولة , بعد ان هدّده بالسلاح

وبعد وضعه في الشاحنة , إنسحب جنود العدو من المكان دون حدوث اصابات او قتلى من الجهتين !
***

بعد ساعة .. لاحظ الرفاق إختفاء بوب بعد بحثهم عنه في كل مكان , فأصيب الجميع باليأس والحزن على اسر العدو لطباخهم البارع 

في هذه الأثناء , داخل شاحنة العدو.. سأل بوب الأسير السابق بقهر :
- أهذا جزائي لأني اهتممت بطعامك ؟!
النقيب : ولأجل هذا أردّت ضمّك الى مطبخنا المجهّز بكل شيء , فنحن لدينا الكثير من الإمكانيات عكس دولتكم الفقيرة
بوب : أتقصد ان لديكم لحوم ودجاج ؟!
- نعم كل ما يلزمك لإعداد اطباقك الشهيّة 
بوب بحماس : ممتاز !! فلي شهرين لم اطبخ سوى الخضروات , وانا بارعٌ اكثر باللحوم 

النقيب : جيد .. لكننا سنضع مراقباً عليك , خوفاً من ان تضع السمّ في طعامنا
- انا لا تهمّني نتائج حربكم السخيفة , كل ما يهمّني هو اعجاب الناس بطبخي مهما كانت جنسيتهم
النقيب : أحسنت !! وعلى فكرة , جميع الجنود متشوقين لتناول طعامك بعد ان أخبرتهم ببراعتك في الطبخ .. لكن لا أحد منهم يتقن لغتك .. فإن اردّت شيئاً , أطلبه مني وانا أترجمه لهم 
فأومأ بوب برأسه إيجاباً ..
***

ومنذ طبخته الأولى حصل على إعجاب الجميع , لكنه شعر بخيانة بلده لخدمته العدو , لكنه مُجبر على تنفيذ الأوامر

بعد شهرين ..إعتاد جنود العدو على طعام بوب , ووثقوا به لدرجة انهم لم يعودوا يراقبونه في المطبخ واعطوه كامل الحرية 
***

في أحد الأيام .. أدخل بوب الطعام الى قائدهم في غرفة الإرسال , ليجده يستحم في الحمام الخارجي .. 

وقبل خروجه , سمع رسالةً صوتية من جندي المراقبة : 
- هل يسمعني احد ؟!!
(وكان بوب قد حفظ بعض الكلمات الأجنبية خلال الشهرين التي قضاها في معسكرهم) .. فأجابه بتردّد : 
- نعم , انا القائد .. ماذا هناك ؟
فأخبره بأن جنود العدو (ايّ كتيبة بوب) يقتربون منهم , وهناك احتمال لهجومٍ مباغت هذا المساء..
بوب وهو يكتم فرحه : حسناً عُلم .. ولا ترسل رسائل اخرى الينا , كيّ لا تلقتطها أجهزتهم اللّاسلكية
- حاضر سيدي

وخرج بوب سريعاً من خيمة القائد بعد تركه الطعام على طاولته .. وذهب الى المطبخ وهو يفكّر بطريقة لمساعدة اصدقائه في هجمتهم القادمة.. فتسلّل الى غرفة التمريض , وسرق منها ادوية المنوّم .. وعاد الى المطبخ لطحنها جيداً
*** 

في المساء .. وضع بوب مسحوق المنوّم في حساء العشاء الذي قدّمه لجنود العدو .. 
وما ان انهوا طعامهم حتى أحسّوا بالكسل والنعاس , فعادوا الى ثكنتهم ليناموا على الفور 

كما توقف الحارسان عن المراقبة في أعلى البرج بعد شعورهما بالإرهاق الشديد , وغفيا على كرسيهما !

وبعد ان ساد الهدوء المعسكر , أسرع بوب الى خيمة القائد الذي وجده نائماً في سريره , حيث دلّ شخيره العالي على نومه العميق 

فتوجه الى جهاز المعلومات التلغرافية , ليرسل بشفرة مورس رسالة قصيرة :
((انا الطباخ بوب .. وضعت منوّماً في طعامهم .. إسرعوا باقتحام المعسكر , فالمنوّم سيدوم ساعتين فقط)) 

وفور قراءة نقيبه الرسالة , أمر جنوده بالهجوم على معسكر العدو الذين استيقظوا مرتعبين بعد إقتحامهم الثكنة ! 

وكانت هجمةً سريعة وناجحة , إنتهت بنقل جنود العدو الى معسكرات الأسر , دون سقوط جرحى او موتى بالطرفين !  

وفي تلك الليلة .. كُرّم بوب بميدالية الجشاعة ضمن احتفالٍ كبير مع رفاق دفعته الذين سعدوا بعودته سالماً اليهم .. 

وكان عمله البطولي سبباً في فقد العدو سيطرته على تلك المنطقة , مما شجّع جيش المراهقين للمُضيّ قدماً مُحققين انتصارات متتالية , أدّت لتقهقر العدو الى الخلف 
***

وكمكافأة لبوب , تمّ إعادته الى بلدته التي استقبلته بحفلٍ شعبي ضخم .. 
وحضنته امه بفخر لعودته اليها بطلاً ورشيقاً وبشخصية أكثر قوةً وصلابة 
ولاحقاً وضع بوب نيشانه في صندوقٍ زجاجي فوق قبر والده 
***

وقبل احتفالات رأس السنة الجديدة , أعلن انتهاء الحرب العالمية الثالثة بعد سحب الدول الكبرى جنودها من المناطق المتعاركة .. وعُقدت اتفاقيات السلام بين الحكومات والأحزاب المتحاربة.. 

وبهذه المناسبة .. أقام بوب حفلاً ضخماً إحتفالاً بعودة اصدقائه سالمين الى بلدتهم , وقدّم لهم أطباقاً مجانية .. كما أسعده قبول النقيب دعوته والذي عبّر عن فخره بشهرة المطعم في ارجاء البلاد , ليصبح لاحقاً من زبائنه الدائمين !  

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...