تأليف : امل شانوحة
الفرصة الثانية
دخلت العروس الى منزلها الجديد ، وهي تعاتب عريسها :
- لما تصرّفت هكذا بالعرس ؟! لما رفضت الرقص معي ، او التصوير مع عائلتي ؟!
فأجابها بلؤم : لا دخل لك بتصرّفاتي
- حبيبي ، ما خطبك ؟! لم تكن بهذا الجفاء قبل اسبوع !
فقال بحزم : هذه قوانيني الجديدة التي ستُنفّذيها بالحرف الواحد !!
- ما سبب تغيّرك المُفاجىء ؟ هل هي نصيحة اهلك ام اصدقائك؟!
العريس بعصبية : لا احد يُملي عليّ افعالي !! والآن إذهبي وجهّزي نفسك لزوجك
- ليس قبل ان نتفاهم ، فشخصيّتك الجديدة لا تُعجبني !
- هذه شخصيّتي الحقيقيّة
العروس بخيبة امل : وماذا عن حبنا ايام الجامعة ؟ هل كان إحترامك وحنانك مُجرّد قناعاً مخادعاً للزواج بك ؟!
العريس بلؤم : نعم !! هل لديك مانع ؟
- أهذا يعني وعدك السابق بالعيش بسعادةٍ مُطلقة مُجرّد وهم ؟!
فتأفّف بضيق : يبدو انك تحبين الجدال ، وانا مُتعب من العرس المُملّ .. لهذا انتظريني في السرير ، ريثما أُبدّل ثيابي
العروس بإصرار : لن ننام بذات الغرفة قبل توضيح سبب تغيّرك لهذه الشخصيّة الغريبة ؟!
فأجاب بلا مبالاة : حسناً ، كما تشائين
وأخذ وسادة وبطانيّة ، للنوم على اريكة الصالة .. غير آبه بحيرتها وقلقها من تغيّره المُفاجىء !
***
مع مرور الأيام .. إكتشفت إن عناده وجفائه معها ، لم يكن الإختلاف الوحيد بطباعه ، بل صار اكثر عنفاً ولؤماً ! حيث تعمّد معاملتها كخادمة او اسيرة مجبورة على طاعته وإسعاده ، دون استشارتها بأيّ قرارٍ منزليّ او شخصيّ !
واستمرّ بهذه التصرّفات لشهورٍ عدّة ، منعها فيها زيارة عائلتها او الخروج من المنزل دون رفقته المزعجة ! وفي حال لم تُنفّذ اوامره ، يستخدم الصمت العقابي لأيامٍ متواصلة الى ان تراضيه ، حتى لوّ كان هو المُخطئ .. فهو لا يعترف بذنبه مُطلقاً ، بحجّة غروره وكبريائه المُصطنع !
وكان املها الأخير بالعودة لطباعه القديمة (كعاشقٍ حنون ، كما أحبّته طوال السنوات الأربع الجامعيّة) هو حملها بطلفهما الأول.. لكن حتى ولادته ، لم تغيّره .. بل زاد بخلاً ، بعد رفضه شراء حاجيّات ابنه .. مما اضطّرها لأخذ الملابس المستعملة من صديقاتها اللآتي لديهنّ اولاد يكبرونه سنّاً .. وهذا أزعجها كثيراً ، كونه ميسور الحال ..لكن هذا لم يهمّه ، فهو نادرٌ ما يحمل طفله او يلاعبه !
ولم يكتفي بذلك ، بل كان يؤذي مشاعرها من وقتٍ لآخر : حين يُبدي استغرابه من تصرّفات ابنه التي لا تشبهه ! كأنه يُلّمح على خيانتها ، رغم انها لم تخرج دونه من المنزل الذي اعتاد قفله بعد ذهابه للعمل ، كما حرمها جوّالها او قدوم اهلها وصديقاتها الى بيتها!
عدا عن نقده الدائم لطبخها ، رغم براعتها فيه ! كما اتهامها بسوء تربيّتها لإبنها او اهتمامها بجمالها لأجله.. وكأنه يريد اخذ كل شيء من العلاقة ، دون المبادرة فيها..
بالإضافة لشجاراته على أتفه الأسباب ، مع شتائمه القذرة التي تخاف ان يحفظها ابنها الصغير !
***
الى ان اتى يوم ..عاد فيه من عمله ، ليجد قفل منزله مُحطّماً ! فدخل بحذر ، خوفاً من اقتحام اللصوص .. ليجد رسالة زوجته ، تقول فيها:
((لقد فرغ بئري تماماً ، لم اعد املك الطاقة الإيجابيّة التي تستقوي بها .. ولم يعد بإمكاني اعطائك المزيد من وقتي وجهدي ، والتفانيّ بالإهتمام بمأكلك وملبسك ومنزلك وضيوفك وعزائمك التي لا تنتهي ، وإسرافك على الغريب وبخلك عليّ وعلى ابنك ! وإن كنت تراهن على محبّتي ، فقد قضيّت عليها مع كل شتيمة ونقدٍ مُدمّر وإهمالٍ منك .. سأعود الى وظيفتي التي أجبرتني على تركها ، وسأصرف على ابني .. وعندما يبلغ سن 18 ، سأخيّره البقاء معي او العودة اليك.. الى ذلك الحين ، لا اريد رؤيتك ثانيةً او الإقتراب من الصغير الذي لم تعره اهتماماً منذ ولادته.. أتمنى إرسال ورقة طلاقي بأقرب وقتٍ ممكن .. ولا تقلق ..لا اريد الفراق ، رغبةً بزواجٍ ثاني .. فأنت كرّهتني صنف الرجال جميعاً !
ختاماً : لن اقول الى اللقاء ، بل وداعاً لا رجعة فيه))
ولأول مرّة ، شعر بخوفٍ شديد .. لدرجة ان اقدامه لم تعد تحمله ! وانهار امام السرير ، وهو مازال لا يصدّق خسارة حبّ حياته .. فهو عشقها منذ ان لمحها لأوّل مرة في الجامعة .. وهو من ألحّ عليها بالزواج ، وهو يعدها بالعيش معاً طول العمر!
وما ان اشتمّ فستانها (التي تركته على السرير) حتى انهار باكياً ، وهو يتذكّر صديقه الذي نصحه قبل العرس : بالقسّوة عليها ، لكيّ تُصبح خاتماً بإصبعه .. كضمانة لعدم تحوّله الى زوجٍ مطيعٍ وعديم الشخصيّة ، فيصغر بعيون الرجال !
^^^
وفي خَضمّ حزنه بعد انهيار زواجه ، إستفاق وهو يجلس في كوشة عرسه .. وزوجته تسحب ذراعه ، للرقص معها !
(فعلم ان سنوات معاناة حبيبته ، هي لمحة مستقبليّة لفشل زواجهما!)
فتنهّد بارتياح ، وهو يقول لعروسته :
- سنرقص حبيبتي ، لكن عليّ فعل شيءٍ اولاً
ثم نادى صديقه الذي استقبله (العريس) بلكمةٍ قويّة ، أسقطته ارضاً .. وسط دهشة العروس والمعازيم !
ثم قال لصديقه المُنصدم :
- أُفضّل ان يناديني الرجال بالخروف او المسحور ، على إفساد زواجي بسبب نصيحتك المدمّرة .. هيا أخرج من عرسي ، يا خرّاب البيوت !!
فخرج صديقه مذهولاً مما حصل ! بينما سارع العريس باحتضان زوجته بعيونٍ دامعة :
- اعدك هذه المرّة ان نحيا حياةً جميلة ، كما تخيّلناها معاً .. ولن أرفض لك طلباً ، او أبخل عليك وأُبكي عينيك الجميلتيّن .. وسنربّي ابننا بحنانٍ ومحبّة.. وعد يا حبيبتي ، ستعيشين معي اجمل سنوات حياتك
وصار يراقصها بلطفٍ ولباقة.. وهي تبتسم له ، رغم دهشتها والحاضرين مما فعله بصديقه المُقرّب !
وبدوره شكر الله على إعطائه فرصة جديدة لتحسين حياته التي ينوي عيشها بسعادةٍ وهناء مع صديقة الدراسة وحبيبته الوحيدة