الثلاثاء، 17 ديسمبر 2024

سجن صيدنايا

تأليف : امل شانوحة 

السجين البطل 


ما ان رأت الأم فيديو السجين (فاقد الذاكرة) بالمستشفى ، حتى طلبت من ابنها الآخر إيصالها الى هناك .. فرغم تغيّر شكل ابنها البكر إلاّ انها عرفته على الفور ..حيث صوّرها الإعلام وهي تصفّق مع رقصات السجين الذي فقد عقله من أثر التعذيب بسجن صيدنايا ! رافضةً إقتراح الطبيب بأخذه لمشفى المعاقين للإهتمام به ، قائلةً بإصرار :

- حُرمت منه عشرين سنة ، سأخدمه بعيوني حتى آخر نفسٍ لي


ونقلته الى منزلها .. لتجد ابنتها أعدّت مائدة كبيرة ، بأشهى المأكولات التي يحبها .. لكنه خاف من تذوّقها ! 

وما ان رأى صحن البصل حتى سارع بأكل ثلاثة منها ، كونه الطعام الوحيد الذي تناوله طوال فترة إعتقاله الطويلة ، الى أن نسيّ عقله مذاق الأطباق الأخرى !


وفي المساء .. رفض إغلاق باب الغرفة ، او اطفاء النور.. فنامت امه بجانبه وهي تحضنه كطفلٍ صغير (رغم بلوغه الأربعين) وهي تغني انشودة نوم الأطفال ، وسط حزن الأخويّن على ضياع عقله !

***


بعد شهر.. قرّر الأخ الصغير مناداة طبيبٍ نفسيّ لمعاينته في المنزل ، والذي حاول لساعات إعادة ذاكرة السجين دون فائدة .. فاقترح أخذه لسجن صيدنايا الذي أصبح مزاراً للسوّاح ..ورغم خوف الأم من انتكاسة ابنها إلاّ ان الأخويّن أقنعاها بأنه من الأفضل مواجهة خوفه ..

***


عندما وصل السجين مع الطبيب وأخيه للسجن ، نزلت دموعه بعد تذكّره بعض المقاطع المرعبة : كالشاب الذي رفع اصبعه للتشهّد اثناء استلقائه على الأرض الباردة ..فشاهده الحارس الذي كسر اصبعه بالعصا ، لمعرفته انه يصلّي ! حيث مُنعوا من الصلاة في فترة إعتقالهم ، والتي أدّوها بعيونهم فقط ! كما أجبروهم على الإفطار طوال رمضان


وعندما وصل لمكتب التحقيق ، صرخ لأوّل مرة منذ تسريحه :

- لا !! .. الكلب لا !!

فأمسك الأخ يده : اهدأ رجاءً ..لم يعد هناك كلاب بالمعتقل ، فقد قتلناها جميعاً بعد ان أصبحت وحشيّة

فأشار السجين الى ذراعه المُصابة ، قائلاً بحزن :

- أكلت قطعةً مني

فقبّل اخوه ذراعه ، وهو يقول :

- لعنة الله عليهم !!

فسأله الطبيب :

- طالما استعدّت نطقك ، فهل تتذكّر السجّان الذي عذّبك ؟

السجين : عزرائيل

الأخ : هذا اللعين ذكره جميع المعتقلين ، لكننا لم نعرف هويّته حتى الآن !

فإذّ بالسجين يقول إسماً ثلاثيّاً ..

الأخ بصدمة : لمن هذا الإسم ؟!

السجين : عزرائيل


فنظر الطبيب والأخ منصدميّن ، لأن قادة الثوّار يبحثون عنه في كل مكان دون العثور عليه .. فلا احد من المسجونين يعرف اسمه ، فهو عذّبهم وهو يلبس قناعاً صوفيّاً حتى في فصل الصيف ! مانعاً بقيّة السجّانين والحرس من مناداته بإسمه الحقيقيّ ، كما لم يعثروا على سجلّه في مكتب المعتقل كبقيّة السجّانين الذين تمّ شنقهم جماعيّاً !

- اخي ، هل انت متأكّد بأن هذا هو اسمه ؟! 

السجين : نعم ..فالطبّاخ الذي دخل مكتبه ، لتقديم وجبته .. ناداه بإسمه الحقيقيّ ، مما اغضب عزرائيل الذي قتله على الفور .. رغم انني حينها كنت أمثّل دوّر الميت.. وبعدها نادى الحارس لرميّ جثتي بغرفة الملح

الأخ : وهذه الغرفة ايضاً ، لم نعثر عليها.. هل تذكر اين هي ؟

فأشار بيده للأمام :

- هي بآخر هذا الممرّ


وتوجّها حيث أشار ، ليجدا حائطاً إسمنتيّاً !

الطبيب : لا يوجد شيءٌ هنا


فقام السجين بفتح القابس الكهربائيّ بالحائط ، ليظهر خلفه مفتاح ! ما أن اداره ، حتى ارتفع الباب الإسمنتيّ الى فوق .. وعلى الفور !! فاحت رائحة الجثث المُتحلّلة داخل الأكياس البلاستيكيّة المكدّسة فوق بعضها.. وكل واحدة عليها اسم القتيل !

وأخبرهم ان الشيء الذي انقذه من الموت ، هو ارتباك الحارس بعد سماعه تكبيرات المجاهدين تقترب من المعتقل .. فأعاد إغلاق غرفة الملح ، وهرب .. بينما اختبأ هو في إحدى الزوايا المظلمة ، لحين اقتحام الثوّار السجن وإنقاذه


فأعاد الأخ إغلاق الباب من جديد ، هامساً للطبيب :

- لن نخبر احداً بهذا الإكتشاف ، قبل اتصالنا بقادة الثوّار لمسك اللعين عزرائيل اولاً !! 

^^^


وبالفعل قبضوا عليه وهو يحاول الهرب من الحدود البرّية .. حيث اعترف بجرائمه بعد التحقيق معه لثلاث ايامٍ متواصلة : وقيامه بإحراق ملفّه من سجّلات الجنود بالمعتقل ، فور سماعه بانتصارات المجاهدين واقترابهم من سجن صيدنايا .. وأخبرهم ان القلّة من الحرس يعرفون اسمه الحقيقي ، او حتى شكله الذي يخفيه طوال وجوده بالمعتقل !

***


واحتشد الشعب في ساحة العاصمة لرؤية شنق عزرائيل ، كونه المسؤول عن مقتل آلاف المساجين بأسوء طرق التعذيب .. وذلك بحضور المعتقلين السابقين وأهاليهم الذين كبّروا الله فور شنقه !


ثم قام المسؤولون بإخراج آلاف القتلى المشوّهين من غرفة الملح ، والإتصال بالأهالي لمعاينة الجثث .. وبعدها أقيمت جنازة جماهيريّة ، بصلاةٍ جماعيّة على ارواح الشهداء بعد دفنهم معاً في مقبرة العاصمة.. 


ثم حمل الشعب السجين على الأكتاف لاكتشافه مكان الجثث المفقودة ، ولإراحته قلوب الكثيرين بعد شنق اسوء السجّانين بالبلد .. وهو يصفّق بغباء دون فهمه ما حصل ! بينما أمه ترقص مع الجماهير ، وهي فخورة بإبنها المجاهد البطل الذي كان له دوّر في تغيير بلاده لمستقبلٍ أفضل !


هناك 8 تعليقات:

  1. كنت سأنشر قصة عادية ، لكني شاهدت هذه الأحداث ضمن منامٍ هذا الصباح .. فرأيت من واجبي تحويلها لقصة

    ردحذف
    الردود
    1. عدنان كردستان23 ديسمبر 2024 في 2:06 ص

      اختي طالما ترى هذة الاحداث بالمنام فالافضل تبتعدي عن مشاهدة ماسي السجون والمعتقلات حتى لاتتاثري نفسيا ، فنحن بشر لنا حد معين على تحمل ما نشاهده

      حذف
  2. لا اعتقد ان هناك دواء في العالم قد ينسي اي انسان ما يحدث في المعتقلات ..في افضل الحالات قد ينعزل عن العالم والبشر وعن اي تجمع عام عاءلي او اجتماعي او قد ينقلب للنقيض من زاهد عابد تقي ورع لماجن فاسق معربد سكير ..
    اما ان ينسی فهذا محال ..

    ردحذف
    الردود
    1. البطل في القصة تذكّر كل شيء عندما رأى السجن من جديد .. لكن احياناً العقل لكي يحمي نفسه ، يجعلنا نتعمّق في عالم الخيال للهرب من آلامنا..
      كان الله في عونهم وعون عائلاتهم ، هم يحتاجون لسنوات طويلة للشفاء مما عانوه !

      حذف
    2. عدنان كردستان23 ديسمبر 2024 في 2:32 ص

      اكيد ياعم عاصم ماكوا نسيان ، لكن عندما تتواجد عقيدة قوية فانه يعود للحياة بالمجتمع مع ذكريات مؤلمة ، مثل اخواننا المعتقلين بفلسطين فبالعقيدة يعودون للحياة ثم يعود الاحتلال اعتقالهم او قتلهم

      حذف
  3. عدنان كردستان23 ديسمبر 2024 في 2:10 ص

    لافرق بين سجون ومعتقلات الصهيونية وسجون ومعتقلات الاسد الاب وابنه ، مجرمين الى ابعد الحدود

    ردحذف
  4. عدنان كردستان23 ديسمبر 2024 في 2:53 ص

    نظام الاسد لم يكن وطني او قومي وليسا له اي ارتباط بحزب البعث العراقي بل كان يطبق نفس النظام الصهيوني بالقمع والاعتقال.

    ولاننسى فدائيون صدام حسين رحمه الله عليه انهم ساندوا اخواننا السورين ضد الطاغية بشار
    وهاهي اليوم الحرب تنتهي ولم يذكر الشهداء فدائيون صدام حسين بسوريا ، رحمه الله عليهم قدموا ارواحهم من ايمان واقتناع بان بشار مجرم فشاركوا بالحرب مع اخوانهم السورين لايريدون منصب او مكسب شخصي بل العدل والوفاء للقومية الاسلامية والعربية

    ردحذف
    الردود
    1. معظم المعتقلين السوريين لأكثر من 20 سنة ، عندما اخرجوهم من السجون ، ظنوا بأن صدام حسين حرّر سوريا ! لا اظن احد نسيّ مساهمته في قمع الظلم في سوريا

      حذف

الرصاصة الطائشة

فكرة : الأستاذ احمد السيد كتابة : امل شانوحة  الطلقات المُميتة عُيّن رئيس بلديّة جديد (قادم من المدينة) في قريةٍ شعبيّة.. ولم يمضي شهر على ت...