تأليف : امل شانوحة
بين شرفتيّن
في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفجر.. والثانية للممرّضة سهى (العشرينية) التي تعود مُنهكة ، بعد نوبات الليل الطويلة في المشفى.
كان لقاؤهما يقتصر على لحظاتٍ عابرة : فعندما يخرج إلى عمله ، تكون في طريقها الى عمارتها .. فيكتفيا بتحيةٍ سريعة وابتسامةٍ خجولة ، قبل ابتعادهما لإكمال يومهما المعتاد !
***
وذات صباح .. تجرّأ احمد على كتابة ورقة ، ارسلها على شكل طائرةٍ ورقيّة نحو شرفتها.. والتي لم ترها سهى إلا بعد الظهر ، حينما خرجت لنشر الغسيل !
وكان فيها : ((شاهدت البارحة فيلماً رومنسياً لبطليّن ، لا يلتقيا الا من وراء النوافذ))
وكتب اسم الفيلم ، في محاولة لفتح الحوار بينهما
***
في المساء التالي ، عاد أحمد متعباً بعد اغلاق محله مع غروب الشمس .. وقبل اغلاق نافذته للنوم ، انتبه لشيءٍ في شرفة سهى !
لوحٌ صغير (خاص بالأطفال) كتبت عليه بالطبشور :
((شاهدت الفيلم ، وكان جميلاً فعلاً.. يمكننا التحدّث عنه إن أردّت))
وكتبت رقم جوالها بخطٍ صغير ، خوفاً من فضول الجيران ..
فصوّر أحمد اللوح ، وكبّر الصورة.. ثم حفظ الرقم بجواله ، تحت اسم : ((جارتي الجميلة))
مُرسلاً رسالةً قصيرة :
((شاء القدر ، إختلاف ساعات عملنا ! أتمنى حصول معجزة تسمح لي بلقائك))
ووصلتها الرسالة خلال وجودها في المشفى .. فاكتفت بإرسال إيموجي لوجهٍ خجول
هكذا بدأت علاقتهما ، برسائل تُقرأ متأخرة .. وبمكالماتٍ تؤجّل حسب انشغالهما بعملهما الروتينيّ
***
وذات يوم .. طُلب من سهى تجهيز مريض ، لتجبير قدمه..
وما ان دخلت غرفة الطوارئ ، حتى تفاجأت بأحمد بعد وقوعه عن درّاجته الناريّة اثناء ذهابه لشراء المؤونة ! ورغم ألم قدمه ، الا انه كان سعيداً بوجوده بذات المشفى الذي تعمل فيه سهى (فهو لم يسألها يوماً عن مكان عملها)
وللمرة الأولى جمعهما القدر في المكان ذاته ، دون نوافذ أو شرفات!
فأصرّ أحمد على المبيت في المشفى على حسابه..
بينما بدّلت سهى نوبتها مع زميلتها ، للبقاء قرب غرفته..
حيث قضيا الليل في التحدّث بأمورٍ عدّة .. بينما يقاوم احمد النعاس ، بعد اعتياده على النوم في اول المساء.. لكنه لم يردّ تفويت فرصة الحديث مع حبيبته التي أصرّت على ترك جسده يرتاح قليلاً..
وقبل خروجها من غرفته ، امسك يدها .. وبصوتٍ متلعثم ، سألها بارتباك:
- هل تتزوجينني يا سهى ؟
فعاتبته بلطف :
- هذه أول مرة نلتقي فيها وجهاً لوجه ، ومع ذلك تقرّر أمراً مصيرياً بهذه السرعة ؟!
فردّ بابتسامة :
- صحيح هو أول لقاء بيننا ، لكنه ليس أول معرفة .. فأنا سألت عنك جارتك الفضوليّة .. وأخبرتني عن عصاميّتك بالدراسة في المعهد ، للصرف على نفسك ، بعد انشغال إخوتك بحياتهم الزوجيّة .. وكذلك راقبتك جيداً طوال العام .. فأنت لا تخرجين الا لعملك .. اما ايام العطل ، فتقضينها بترتيب منزلك .. حتى طبق الطعام الذي أرسلتِه لي ، يكشف مهارتك بالطبخ ..
فضحكت بدلال : أكنت تحقّق ورائي ؟!
- بالطبع سأفعل !! فأنت ستكونين ام أولادنا التسعة
فقالت بسعادة : التسعة ! .. على فكرة ، انا ايضاً سألت عنك بوّاب عمارتك الذي اخبرني عن برّك لوالديك قبل رحيلهما .. وهذا يكفي للوثوق بأخلاقك
- طالما اهتمّمنا بماضينا ، فهناك أمل ان يكون لدينا مستقبلاً معاً .. هذا إن وافقتي على الإرتباط بي ؟
***
وتزوّجا بعدها بأسبوعيّن ، ضمن حفلٍ بسيط جمع الأهل والأصحاب..
وانتقلت سهى الى شقته ، بعد تغيير نوبة عملها الى الدوام النهاريّ ، رغم اعتيادها على السهر منذ تخرّجها.. لكن النوم على صدره الدافئ ، أعاد ضبط توقيتها خلال أيامٍ معدودة !
***
وهاهما اليوم يُعرفان بالزوجيّن المثاليّن مع أولادهما الثلاثة ، ، في بيتٍ يملؤه التفاهم والطمأنينة .. حيث لم يعد اختلاف التوقيت سوى ذكرى جميلة ، لقصة حبٍّ صادقة بين جاريّن يافعيّن !

جميلة.. هادئة.. ملهمة..
ردحذفشكراً لدعمك المتواصل ، استاذ محمد
حذف