الاثنين، 8 ديسمبر 2025

القرار الصعب

تأليف : امل شانوحة 

الشهداء الصغار


تلقى مدير فندقٍ لبنانيّ إتصالاً من شخصٍ غامض ، يقول بنبرة تهديد:

- لديك نزلاء بالغرفة ١١٢ .. أطردهم بالحال ، وإلاّ سنفجّر فندقك بمن فيه !!

وانتهت المكالمة ، قبل استفسار المدير عن الموضوع !


وفوراً اتصل بموظف الإستقبال ، لسؤاله عن الشخصيّة المهمّة المتواجدة بتلك الغرفة ؟

الموظف : سيدي ..هم الأبناء الثلاثة للمناضل الفلسطيني ، الشهيد فلان الفلانيّ


ففهم المدير ان العدوّ ينوي القضاء على نسل البطل الذين قتلوه مع زوجته ، الشهر الماضي !

^^^


فتوجّه مباشرةً لتلك الغرفة التي تحوي سريراً واحداً.. وطرق بابها بشكلٍ متواصل ، الى أن أيقظ الأولاد الثلاثة : فكبيرهم ١٨ سنة ، وأخوه ١٤ ، اما اختهم الصغرى ف ١٠ سنوات (وهي من نامت على السرير ، بينما أخويّها افترشا الأرض)


وعندما سأله الإبن الأكبر ، عن سبب إيقاظهم باكراً (في الثامنة صباحاً) ؟!

طلب منهم المدير ، حزم أمتعتهم بالحال !! والرحيل لمكانٍ آخر ، بعد تلقيه تهديداً واضحاً بتدمير فندقه !


فأجابه الإبن الكبير بضيق : 

- سيدي.. إن كنت سمعت الأخبار : العدوّ قصف منزلنا الشهر الفائت ، وقتل والدينا اللذين بقيّت جثتاهما تحت الركام ! فاضّطررنا للعيش في سيارة ابي لأسابيع ، لحين بيعنا محلّ أمي (مُصفّفة الشعر) للحصول على مبلغٍ يُمكّننا من الانتقال إلى شقةٍ صغيرة.. لكن الجميع رفض تأجيرنا ، خوفاً من انتقام العدوّ ! فقدمنا الى هنا لكيّ ..

المدير مقاطعاً : اولاً !! كيف لفلسطينيّين امتلاك محل في بيروت ، فهو ممنوع قانوناً ؟!

- ابي تزوّج امي اللبنانية من دار الأيتام ، لتسجيل المحل بإسمها .. ليست هنا المشكلة.. فأنا قدّمت حق اللجوء السياسي لبلدٍ اوروبيّ ، وهم وعدوني بإرسال الموافقة الأسبوع القادم.. لذا رجاءً ، دعنا نبقى هنا لثلاثة ايامٍ أخرى .. فنحن دفعنا ثمن..

فسلّمه المدير ظرفاً :

- هذه بقيّة اموالكم.. رجاءً إخرجوا فوراً !! لا اريد ان يُقصف فندقي بسببكم


ففاجأته الصغيرة باحتضانه ، وهي تبكي :

- رجاءً يا عم !! لا اريد النوم مجدداً بسيارةٍ ضيّقة ، بهذا البرد القارص .. دعنا هنا لبعض الوقت 

الأخ الثالث :

- نعدك بالرحيل ، فور حصولنا على تذاكر السفر

الأخ الأكبر :

- سيدي .. العدو يخاف قيادتي للحركة الجهاديّة ، بدل والدي المرحوم .. لهذا سأرحل وحدي ، بشرط إبقاء أخوايّ هنا

اخته باكية : لا !! لن اعيش دونك 

اخوه : هذا صحيح !! اما ان نبقى معاً ، او نرحل سوياً

المدير بحزمٍ ولؤم : كفوا عن تضييع وقتي !! وارحلوا من هنا ، خلال ساعةٍ واحدة


وخرج من غرفتهم ، تاركاً الأولاد خائفين على مصيرهم المجهول !

^^^


وبالفعل راقبهم المدير (من نافذة مكتبه بأعلى فندقه) وهم يحشرون اغراضهم في سيارة والدهم الصغيرة..


وما ان ابتعدوا بضعة امتار عن بوّابة الفندق ، حتى لحقتهم طائرة درون عسكريّة .. أطلقت صاروخاً صغيراً ، حوّل سيارتهم الى رماد خلال ثوانيٍ معدودة .. وسط صدمة المتواجدين بالشارع ! خصوصاً المدير الذي شعر بوخزٍ بقلبه ، كونه شاهد عيان على الجريمة المروّعة ! 


وهنا تلقّى اتصالاً آخر ، يقول :

- احسنت !! فأنت انقذت مئات النزلاء من موتٍ مُحتّم .. حيث كنا ننوي إحراق فندقك ، إن حلّ المساء دون طردك الملاعين الصغار .. وسنكافئك على جهودك معنا .. فقد حوّلنا قبل قليل ، مكافئة ماليّة على حسابك.. شكراً لتعاونك معنا 


وأغلق ضابط العدوّ المكالمة.. تاركاً المدير يشعر بخيانته الوطنيّة ، بعد أن أُجبر على المساهمة في اغتيالهم اللا إنسانيّ ! 

^^^


فعاد حزيناً الى غرفة الشهداء الثلاثة التي ما تزال غير مرتبة ، بعد رحيلهم المُستعجل ! 

وعندما استلقى على السرير ، إشتمّ رائحة الصغيرة على وسادتها ..فنزلت دمعته وهو يقول :

((ما ذنبها ان تتحوّل لأشلاء بسبب بطولة والدها ، في زمنٍ انتهت به الرجولة والعروبة ؟!..(ثم تنهّد بضيق).. العزاء الوحيد انهم سيجتمعون مع امهم ووالدهم المناضل بالفردوس الأعلى .. فهنيئاً لهم بتلك الشهادة المُشرّفة)) 


وقبل غرقه بتأنيب الضمير ، سمع عامل النظافة يطرق الباب ! 

فتمالك المدير نفسه.. وخرج من الغرفة ، وهو يقول بحزم : 

- نظّف الغرفة جيداً !! لا اريد حتى بصمات الملاعين الصغار في فندقي

^^^


ثم صعد الى مكتبه دون إظهار مشاعره الحقيقة .. خوفاً من خيانة بعض موظفيه الذين كانوا السبب في معرفة العدو ، رقم غرفة ابناء البطل في فندقه !


اما المكافئة المالية التي حصل عليها منهم ، فقد صرفها على إصلاح دورات مياه الفندق.. لشعوره بالاشمئزاز من مالهم القذر الذي يشترون به ضعاف النفوس ، لبناء إمبراطوريتهم الزائفة !


هناك تعليق واحد:

  1. القصة منذ بدايتها حتى نهايتها ، كانت حلماً شاهدته البارحة !
    لا ادري ان كانت الحادثة حصلت بالفعل ام لا .. لكن ليس مستغرباً على العدو ، ابادة نسل المناضلين الأبطال !
    رحم الله جميع الشهداء ، وجمعهم في فردوسه الأعلى

    ردحذف

القرار الصعب

تأليف : امل شانوحة  الشهداء الصغار تلقى مدير فندقٍ لبنانيّ إتصالاً من شخصٍ غامض ، يقول بنبرة تهديد: - لديك نزلاء بالغرفة ١١٢ .. أطردهم بال...