تأليف : امل شانوحة
الشهداء الصغار
تلقى مدير فندقٍ لبنانيّ إتصالاً من شخصٍ غامض ، يقول بنبرة تهديد:
- لديك نزلاء بالغرفة ١١٢ .. أطردهم بالحال ، وإلاّ سنفجّر فندقك بمن فيه !!
وانتهت المكالمة ، قبل استفسار المدير عن الموضوع !
وفوراً اتصل بموظف الإستقبال ، لسؤاله عن الشخصيّة المهمّة المتواجدة بتلك الغرفة ؟
الموظف : سيدي ..هم الأبناء الثلاثة للمناضل الفلسطيني ، الشهيد فلان الفلانيّ
ففهم المدير ان العدوّ ينوي القضاء على نسل البطل الذين قتلوه مع زوجته ، الشهر الماضي !
^^^
فتوجّه مباشرةً لتلك الغرفة التي تحوي سريراً واحداً.. وطرق بابها بشكلٍ متواصل ، الى أن أيقظ الأولاد الثلاثة : فكبيرهم ١٨ سنة ، وأخوه ١٤ ، اما اختهم الصغرى ف ١٠ سنوات (وهي من نامت على السرير ، بينما أخويّها افترشا الأرض)
وعندما سأله الإبن الأكبر ، عن سبب إيقاظهم باكراً (في الثامنة صباحاً) ؟!
طلب منهم المدير ، حزم أمتعتهم بالحال !! والرحيل لمكانٍ آخر ، بعد تلقيه تهديداً واضحاً بتدمير فندقه !
فأجابه الإبن الكبير بضيق :
- سيدي.. إن كنت سمعت الأخبار : العدوّ قصف منزلنا الشهر الفائت ، وقتل والدينا اللذين بقيّت جثتاهما تحت الركام ! فاضّطررنا للعيش في سيارة ابي لأسابيع ، لحين بيعنا محلّ أمي (مُصفّفة الشعر) للحصول على مبلغٍ يُمكّننا من الانتقال إلى شقةٍ صغيرة.. لكن الجميع رفض تأجيرنا ، خوفاً من انتقام العدوّ ! فقدمنا الى هنا لكيّ ..
المدير مقاطعاً : اولاً !! كيف لفلسطينيّين امتلاك محل في بيروت ، فهو ممنوع قانوناً ؟!
- ابي تزوّج امي اللبنانية من دار الأيتام ، لتسجيل المحل بإسمها .. ليست هنا المشكلة.. فأنا قدّمت حق اللجوء السياسي لبلدٍ اوروبيّ ، وهم وعدوني بإرسال الموافقة الأسبوع القادم.. لذا رجاءً ، دعنا نبقى هنا لثلاثة ايامٍ أخرى .. فنحن دفعنا ثمن..
فسلّمه المدير ظرفاً :
- هذه بقيّة اموالكم.. رجاءً إخرجوا فوراً !! لا اريد ان يُقصف فندقي بسببكم
ففاجأته الصغيرة باحتضانه ، وهي تبكي :
- رجاءً يا عم !! لا اريد النوم مجدداً بسيارةٍ ضيّقة ، بهذا البرد القارص .. دعنا هنا لبعض الوقت
الأخ الثالث :
- نعدك بالرحيل ، فور حصولنا على تذاكر السفر
الأخ الأكبر :
- سيدي .. العدو يخاف قيادتي للحركة الجهاديّة ، بدل والدي المرحوم .. لهذا سأرحل وحدي ، بشرط إبقاء أخوايّ هنا
اخته باكية : لا !! لن اعيش دونك
اخوه : هذا صحيح !! اما ان نبقى معاً ، او نرحل سوياً
المدير بحزمٍ ولؤم : كفوا عن تضييع وقتي !! وارحلوا من هنا ، خلال ساعةٍ واحدة
وخرج من غرفتهم ، تاركاً الأولاد خائفين على مصيرهم المجهول !
^^^
وبالفعل راقبهم المدير (من نافذة مكتبه بأعلى فندقه) وهم يحشرون اغراضهم في سيارة والدهم الصغيرة..
وما ان ابتعدوا بضعة امتار عن بوّابة الفندق ، حتى لحقتهم طائرة درون عسكريّة .. أطلقت صاروخاً صغيراً ، حوّل سيارتهم الى رماد خلال ثوانيٍ معدودة .. وسط صدمة المتواجدين بالشارع ! خصوصاً المدير الذي شعر بوخزٍ بقلبه ، كونه شاهد عيان على الجريمة المروّعة !
وهنا تلقّى اتصالاً آخر ، يقول :
- احسنت !! فأنت انقذت مئات النزلاء من موتٍ مُحتّم .. حيث كنا ننوي إحراق فندقك ، إن حلّ المساء دون طردك الملاعين الصغار .. وسنكافئك على جهودك معنا .. فقد حوّلنا قبل قليل ، مكافئة ماليّة على حسابك.. شكراً لتعاونك معنا
وأغلق ضابط العدوّ المكالمة.. تاركاً المدير يشعر بخيانته الوطنيّة ، بعد أن أُجبر على المساهمة في اغتيالهم اللا إنسانيّ !
^^^
فعاد حزيناً الى غرفة الشهداء الثلاثة التي ما تزال غير مرتبة ، بعد رحيلهم المُستعجل !
وعندما استلقى على السرير ، إشتمّ رائحة الصغيرة على وسادتها ..فنزلت دمعته وهو يقول :
((ما ذنبها ان تتحوّل لأشلاء بسبب بطولة والدها ، في زمنٍ انتهت به الرجولة والعروبة ؟!..(ثم تنهّد بضيق).. العزاء الوحيد انهم سيجتمعون مع امهم ووالدهم المناضل بالفردوس الأعلى .. فهنيئاً لهم بتلك الشهادة المُشرّفة))
وقبل غرقه بتأنيب الضمير ، سمع عامل النظافة يطرق الباب !
فتمالك المدير نفسه.. وخرج من الغرفة ، وهو يقول بحزم :
- نظّف الغرفة جيداً !! لا اريد حتى بصمات الملاعين الصغار في فندقي
^^^
ثم صعد الى مكتبه دون إظهار مشاعره الحقيقة .. خوفاً من خيانة بعض موظفيه الذين كانوا السبب في معرفة العدو ، رقم غرفة ابناء البطل في فندقه !
اما المكافئة المالية التي حصل عليها منهم ، فقد صرفها على إصلاح دورات مياه الفندق.. لشعوره بالاشمئزاز من مالهم القذر الذي يشترون به ضعاف النفوس ، لبناء إمبراطوريتهم الزائفة !

القصة منذ بدايتها حتى نهايتها ، كانت حلماً شاهدته البارحة !
ردحذفلا ادري ان كانت الحادثة حصلت بالفعل ام لا .. لكن ليس مستغرباً على العدو ، ابادة نسل المناضلين الأبطال !
رحم الله جميع الشهداء ، وجمعهم في فردوسه الأعلى