تأليف : امل شانوحة
الصدفة الرومنسيّة
- هل ستقابلينه اليوم ؟
سألتها صديقتها ، اثناء تصفيف شعرها بارتباك امام المرآة :
- نعم ، سنتغدى في المطعم
ثم ابتسمت بخجل ، وأردفت قائلة :
- رغم تحدّثنا بالإنترنت لثلاثة أشهر ، الا انني أشعر كأني أعرفه منذ مدةٍ طويلة ! رجلٌ متفهّم وحنون ، ولديّ رغبة لرؤيته..
صديقتها : ألم يرسل صورته طوال تلك المدة ؟!
- وهو ايضاً لم يراني ، ولا يعرف اسمي الحقيقيّ .. فنحن اتفقنا على التعرّف على طبائعنا اولاً
- وماذا لوّ لم يعجبك شكله ؟
- لا يهم ، فأنا مُعجبة بعقله وقلبه..
فحاولت صديقتها تنبيهها :
- كوني حذرة يا جيمري ، فأنت تعرفين عاداتنا التركية.. المُطلّقة لا يرحمها المجتمع إن فشلت ثانية
- وهو مطلقٌ أيضاً.. ولا تسأليني عن التفاصيل ، لأني تأخّرت على الموعد .. إدعي لي بالتوفيق ..
***
وكانا اتفقا على علامةٍ بسيطة : هو سيضع باقة ورود بيضاء على الطاولة ، وهي سترتدي قبعة صوفيّة حمراء.
وفور دخولها المطعم ، لمحته من بعيد ! فتسارعت أنفاسها ، وأوشكت على المغادرة .. لولا وقوفه ، والدهشة واضحة في عينيه !
فاقتربت منه غاضبة :
- أهذه مزحة ؟!! هل كنت تتلاعب بمشاعري ثانيةً ، يا جوك ؟!!
فقال مصدوماً :
- انا ايضاً لا اصدّق ما حصل ! فبالكاد تجاوزت الماضي .. ولهذا اشتركت بموقع التعارف ، بإسمٍ آخر.. ولوّ علمت بمصاحبة طليقتي ، لما قابلتك هنا
وهنا اقترب النادل منهما :
- من فضلكما ، إخفضا صوتكما لأجل الزبائن
مما أجبرها على الجلوس ، لإنهاء الموقف الغريب :
- مرّت خمس سنوات على طلاقنا ، فلما تعيد كابوسنا من جديد ؟!
فقال بنبرةٍ حزينة :
- لم يكن كابوساً بالنسبة لي ! بل أجمل سنتيّن في حياتي ، لولا تدخل أهلك.
فردّت بتهكّم :
- اهلي هم المشكلة اذاً ، وليس تعلّقك المرضي بوالديّك ؟
فتنهّد بقهر :
- ترحمي عليهما ، يا جيمري .. فقد رحلا
فقالت بصدمة :
- آسفة يا جوك ! لوّ علمت ، لحضرت العزاء.. فهما بمقام والدايّ اللذيّن انفصلا منذ عامٍ تقريباً
جوك بصدمة : هل تطلّقا فعلاً ؟!
فتنهّدت بقهر : أبي خان أمي مع السكرتيرة التي تزوّجها في الغربة .. وامي عادت للقرية ، للعيش مع جدتي .. اما انا ! فبقيت وحدي هنا ، لمتابعة عملي في الشركة
- اذاً كلانا اشترك بموقع الزواج ، لشعورنا بالوحدة
فأومأت بصمت..
جوك : غريبٌ أمرنا .. وكأن القدر خطّط للقائنا دون علمنا !
فابتسمت بحزن :
- ربما لهذا انجذبت اليك بسهولة ، وكأني اعرفك من قبل !
جوك : يبدو ان الفراق أجبرنا على النضج سريعاً
جيمري : أتدري يا جوك .. حين طلبت الإنفصال ، لم ادرك قساوة المجتمع مع المطلّقة !
- وانا وجدتُ صعوبة بالعودة لحياة العزوبيّة ، بعد ان كنتُ مسؤولاً عن زوجة وبيتٍ وأهل ! .. (ثم تنهد بحزن) .. مازلت اذكر تفاصيل شهر عسلنا الجميل
جيمري بقهر : كم اشتاق لتلك الأيام البريئة
جوك : وانا لم أنسها يوماً
ثم فاجأها بمسك اصابعها :
- مازالت يدكِ باردة ، كأيام الخطوبة
- انا لا اشعر بالدفء الا معك
فسكتا لبعض الوقت ، وهما يتأمّلان عينيهما التي امتلأت بدموع الشوق .. قبل ان يتجرّأ بالقول :
- طالما طباعنا متشابهة ، وتفكيرنا متقارب .. ونستطيع احتواء بعضنا .. والشي الذي كان يعيقنا ، ازاله الله من دربنا.. فلما البعد بيننا ؟
جيمري بخجل : اساساً لم ارتح لرجلٍ غيرك
جوك : وانا طوال فترة إنفصالنا ، لم ارغب التقرّب من فتاةٍ اخرى ! رغم الحاح والدايّ بالإرتباط والإنجاب
- رحمهما لله
- سلمتِ حبيبتي
بصدمة : هل قلت...
مقاطعاً بابتسامةٍ حنونة : نعم ، فأنت مازلتي حبي الأول والأخير.. وربما القدر أجبرنا على التحدّث معاً ، دون معرفة هويّتنا .. لكيّ ندرك مدى تشابه أفكارنا وأحلامنا ، كأننا روحاً واحدة
ثم نظر الى ساعته :
- على فكرة ، سينتهي دوام موظفي الأحوال المدنية بعد ساعة
جيمري بقلق : وغداً تبدأ الأعياد ، وتُغلق الدوائر الرسميّة طوال الأسبوع القادم
فوقف جوك وهو يقول :
- لن انتظر اسبوعاً .. هل هويّتك معك ؟
فأومأت برأسها ايجاباً ، وقد رُسمت على وجهها ابتسامة الرضا
***
في تلك الليلة ، أجرت جيمري إتصاليّن: (واحدة لوالدها في الغربة ، والآخر لوالدتها في القرية)
وللمرة الأولى ، لم يعترضا ! بل العكس ، إعتذرا من زوجها على تدخلهما السابق الذي أفسد علاقتهما .. وتمنّيا لهما حياةً سعيدة
***
واليوم كبرت عائلتهما مع أولادهما الثلاثة..
فالحب الحقيقي وإن تعثّر لبعض الوقت ، لكنه لا يموت أبدا.. بل يعود حين يشاء القدر ، في التوقيت الإلهي الصحيح !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق