الجمعة، 26 ديسمبر 2025

العشق المؤجل

 تأليف : امل شانوحة

 

الصدفة الرومنسيّة


- هل ستقابلينه اليوم ؟

سألتها صديقتها ، اثناء تصفيف شعرها بارتباك امام المرآة : 

- نعم ، سنتغدى في المطعم 

ثم ابتسمت بخجل ، وأردفت قائلة : 

- رغم تحدّثنا بالإنترنت لثلاثة أشهر ، الا انني أشعر كأني أعرفه منذ مدةٍ طويلة ! رجلٌ متفهّم وحنون ، ولديّ رغبة لرؤيته..

صديقتها : ألم يرسل صورته طوال تلك المدة ؟!

- وهو ايضاً لم يراني ، ولا يعرف اسمي الحقيقيّ .. فنحن اتفقنا على التعرّف على طبائعنا اولاً 

- وماذا لوّ لم يعجبك شكله ؟

- لا يهم ، فأنا مُعجبة بعقله وقلبه..

فحاولت صديقتها تنبيهها : 

- كوني حذرة يا جيمري ، فأنت تعرفين عاداتنا التركية.. المُطلّقة لا يرحمها المجتمع إن فشلت ثانية

- وهو مطلقٌ أيضاً.. ولا تسأليني عن التفاصيل ، لأني تأخّرت على الموعد .. إدعي لي بالتوفيق ..

***


وكانا اتفقا على علامةٍ بسيطة : هو سيضع باقة ورود بيضاء على الطاولة ، وهي سترتدي قبعة صوفيّة حمراء.


وفور دخولها المطعم ، لمحته من بعيد ! فتسارعت أنفاسها ، وأوشكت على المغادرة .. لولا وقوفه ، والدهشة واضحة في عينيه !

فاقتربت منه غاضبة : 

- أهذه مزحة ؟!! هل كنت تتلاعب بمشاعري ثانيةً ، يا جوك ؟!!

فقال مصدوماً : 

- انا ايضاً لا اصدّق ما حصل ! فبالكاد تجاوزت الماضي .. ولهذا اشتركت بموقع التعارف ، بإسمٍ آخر.. ولوّ علمت بمصاحبة طليقتي ، لما قابلتك هنا 


وهنا اقترب النادل منهما : 

- من فضلكما ، إخفضا صوتكما لأجل الزبائن 


مما أجبرها على الجلوس ، لإنهاء الموقف الغريب : 

- مرّت خمس سنوات على طلاقنا ، فلما تعيد كابوسنا من جديد ؟!

فقال بنبرةٍ حزينة :

- لم يكن كابوساً بالنسبة لي ! بل أجمل سنتيّن في حياتي ، لولا تدخل أهلك.

فردّت بتهكّم :

- اهلي هم المشكلة اذاً ، وليس تعلّقك المرضي بوالديّك ؟

فتنهّد بقهر :

- ترحمي عليهما ، يا جيمري .. فقد رحلا  

فقالت بصدمة :

- آسفة يا جوك ! لوّ علمت ، لحضرت العزاء.. فهما بمقام والدايّ اللذيّن انفصلا منذ عامٍ تقريباً 

جوك بصدمة : هل تطلّقا فعلاً ؟!

فتنهّدت بقهر : أبي خان أمي مع السكرتيرة التي تزوّجها في الغربة .. وامي عادت للقرية ، للعيش مع جدتي .. اما انا ! فبقيت وحدي هنا ، لمتابعة عملي في الشركة 

- اذاً كلانا اشترك بموقع الزواج ، لشعورنا بالوحدة 

فأومأت بصمت..


جوك : غريبٌ أمرنا .. وكأن القدر خطّط للقائنا دون علمنا ! 

فابتسمت بحزن :

- ربما لهذا انجذبت اليك بسهولة ، وكأني اعرفك من قبل ! 

جوك : يبدو ان الفراق أجبرنا على النضج سريعاً 

جيمري : أتدري يا جوك .. حين طلبت الإنفصال ، لم ادرك قساوة المجتمع مع المطلّقة !

- وانا وجدتُ صعوبة بالعودة لحياة العزوبيّة ، بعد ان كنتُ مسؤولاً عن زوجة وبيتٍ وأهل ! .. (ثم تنهد بحزن) .. مازلت اذكر تفاصيل شهر عسلنا الجميل

جيمري بقهر : كم اشتاق لتلك الأيام البريئة

جوك : وانا لم أنسها يوماً


ثم فاجأها بمسك اصابعها :

- مازالت يدكِ باردة ، كأيام الخطوبة

- انا لا اشعر بالدفء الا معك 


فسكتا لبعض الوقت ، وهما يتأمّلان عينيهما التي امتلأت بدموع الشوق .. قبل ان يتجرّأ بالقول : 

- طالما طباعنا متشابهة ، وتفكيرنا متقارب .. ونستطيع احتواء بعضنا .. والشي الذي كان يعيقنا ، ازاله الله من دربنا.. فلما البعد بيننا ؟ 

جيمري بخجل : اساساً لم ارتح لرجلٍ غيرك

جوك : وانا طوال فترة إنفصالنا ، لم ارغب التقرّب من فتاةٍ اخرى ! رغم الحاح والدايّ بالإرتباط والإنجاب

- رحمهما لله

- سلمتِ حبيبتي

بصدمة : هل قلت...

مقاطعاً بابتسامةٍ حنونة : نعم ، فأنت مازلتي حبي الأول والأخير.. وربما القدر أجبرنا على التحدّث معاً ، دون معرفة هويّتنا .. لكيّ ندرك مدى تشابه أفكارنا وأحلامنا ، كأننا روحاً واحدة


ثم نظر الى ساعته :

- على فكرة ، سينتهي دوام موظفي الأحوال المدنية بعد ساعة 

جيمري بقلق : وغداً تبدأ الأعياد ، وتُغلق الدوائر الرسميّة طوال الأسبوع القادم

فوقف جوك وهو يقول :

- لن انتظر اسبوعاً .. هل هويّتك معك ؟

فأومأت برأسها ايجاباً ، وقد رُسمت على وجهها ابتسامة الرضا

***


في تلك الليلة ، أجرت جيمري إتصاليّن: (واحدة لوالدها في الغربة ، والآخر لوالدتها في القرية) 

وللمرة الأولى ، لم يعترضا ! بل العكس ، إعتذرا من زوجها على تدخلهما السابق الذي أفسد علاقتهما .. وتمنّيا لهما حياةً سعيدة 

***


واليوم كبرت عائلتهما مع أولادهما الثلاثة.. 

فالحب الحقيقي وإن تعثّر لبعض الوقت ، لكنه لا يموت أبدا.. بل يعود حين يشاء القدر ، في التوقيت الإلهي الصحيح ! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العشق المؤجل

 تأليف : امل شانوحة   الصدفة الرومنسيّة - هل ستقابلينه اليوم ؟ سألتها صديقتها ، اثناء تصفيف شعرها بارتباك امام المرآة :  - نعم ، سنتغدى ...