تأليف : امل شانوحة
بابا اللقلق
عاد اللقلق مُتعباً الى عشّه فوق الشجرة ..
وبعد تقديم الأم الطعام له ، قالت بحسرة :
- يا بنيّ .. تزوّج طائرة حنونة ، تساعدني باصطياد الطعام .. فأنا كبرت بالسن ، واريد رؤية ابنائك.. فمن غير العادل إفناء شبابك بتوصيل الأطفال البشريين الى عائلاتهم ، بينما تحرم نفسك من هذه النعمة !
فتنهّد ابنها بحزن : ربما معك حق
امه بدهشة : وأخيراً اقتنعت !! لي سنوات ألحّ عليك بهذا الطلب.. فمالذي تغير اليوم؟!
ابنها بتعب : الطفل الذي نقلته اليوم كان سميناً ، ومنزل عائلته بآخر القرية .. وكاد يقع مني اكثر من مرة ! لذلك بعد انتهائي من مهمّتي الصعبة ، قدّمت استقالتي
امه بسعادة : الحمد الله !! دعوت ربي كثيراً ، لتريح نفسك من عملٍ أحنى ظهرك وأوهن جناحيّك
- امي ، لا شيء اجمل من رؤيتي لفرحة والديّن بلقاء طفلهما.. لكن هذا الجيل ليس هادئاً كالجيل السابق ، بل لديه فرط حركة .. ولا يقبل نصائح الكبار ! لهذا تركت العمل
امه بحماس : اذاً سأخطب لك قريباً .. وإيّاك الإعتراض !!
ثم حضنته بحنان
***
لكن زواجه فشل بعد عام ، لعدم منح زوجته الأبناء بعد كبره بالسن .. مما قهر امه التي قرّرت الهجرة مع بقية الطيور ، تاركةً ابنها يقضي وقته في مراقبة الأولاد الذين نقلهم طوال سنوات عمله..
***
وذات يوم ، لم يعد يحتمل الوحدة .. فرمى رسائل وداع على عتبة منازل الأطفال .. ثم حلّق باتجاه ارضٍ زراعية ، يقوم صاحبها بحرق الأعشاب الضارّة بها .. وهو ينوي انهاء آلامه !
وبينما ينتظر توقّد النار ، تفاجأ بصرخات اولادٍ (يتراوح اعمارهم من ٦ سنوات الى سن المراهقة) يركضون باتجاه الحقل ..وأهاليهم يحاولون اللحاق بهم ، قبل وصولهم للحريق !
وفور رؤيتهم اللقلق (الذي حملهم داخل القماط القماشيّ) حتى سارعوا بمسك ايديهم ، وهم يحاوطون الشجرة .. ويردّدون اللحن الذي غناه لهم ، برحلة نقلهم الطويلة
ثم بدأوا بشكره على إتمام مهمّته باتقان ، وتوصيلهم الى عائلاتهم بسلام دون اكتراثه برداءة الطقس : من رياحٍ ومطر او بردٍ شديد ! محاولاً حمايتهم بجناحيه الدافئتيّن
ثم قال احد المراهقين :
- علمنا من رسائلك انك تنوي الرحيل من الدنيا ، بسبب عقمك ! فهل تقبلنا اولادك ، يا عم لقلق ؟ فلطالما اعتبرناك والدنا الحنون
وقالت فتاة : الحياة لا تعني شيئاً دونك ، بابا لقلق
احد الإمهات : انت ادخلت الفرحة الى بيوتنا ، ونحن مدينون لك بحياتنا
وارتفعت اصواتهم ، مطالبين نزوله من الشجرة .. والذهاب معهم لاحتفالٍ شعبيّ بالقرية ، لمشاركتهم الغناء والرقص ..
واثناء تردّده بقبول العرض .. ترجّاه الأهالي الإسراع بالموافقة ، قبل وصول النار اليهم .. وأذيّة اولادهم العنيدين الذين رفضوا الإبتعاد عن الشجرة ، دون قدومه معهم !
فأجاب اللقلق والدموع في عينيه :
- حسناً موافق ، يا ابنائي الأعزاء
وحلّق فوقهم .. بينما يسبقون اهاليهم باتجاه الحفلة التي استمرتّ طوال الليل وهم يمسكون جانحيّ اللقلق ، ويدورون بحلقات .. مشاركين غنائه ، كأنه والدهم بالفعل!
***
ومن يومها اعتاد الأهالي على زيارات اللقلق لمنازلهم من وقتٍ لآخر ، للإطمئنان على اولاده من اهالي القرية .. بعد فهمه أن الأبوّه : هي امتلاك قلبٍ مُتفهّم ، يحتضن الآخرين بمحبةٍ دافئة !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق