الخميس، 18 ديسمبر 2025

المغني الصاعد

تأليف : امل شانوحة 

الشهرة الوعرة


في نُزلٍ رخيص على أطراف المدينة ، وفي ساعة العصر .. تجمّعت عصابة الدرّاجات النارية بملابسهم الجلدية وضحكاتهم الصاخبة ، مما أزعج الجميع.. لكن لم يجرؤ أحد من النزلاء على الإعتراض ، إلا شاباً توجه إليهم بعينين متعبتين وصوتٍ غاضب:

- ألا يمكنكم خفض أصواتكم ؟! لديّ حفلة مساءً ، وأحتاج لبعض الراحة 


فأرادوا ضربه لجرأته ، لكن رئيستهم (جاكلين التي ورثت القيادة عن أبيها الراحل) منعتهم ، وهي تسأل الشاب الوسيم باهتمام:

- هل أنت مطرب ؟ 

فأجاب دون النظر إليها:

- مغني صاعد ، وأحتاج إلى الهدوء 

جاكلين: كما تشاء، اذهب واسترح 


فعاد جاك إلى غرفته ، بينما سألها أحد أفراد العصابة باستياء:

- لما لم تسمحي لنا بتأديبه ؟! 

فابتسمت بمكر:

- لأننا سنستمتع بحفلةٍ مجانية 

***


في المساء.. غنى جاك بحماس في مطعمٍ متواضع ، قبل اقتحام أفراد العصابة المكان! فهرب الزبائن مذعورين ، بينما أُجبر جاك على غناء أغنية صاخبة تناسب ذوقهم. 


وبعد ساعات من مواصلة الغناء، غادروا المكان دون دفع ثمن مشروباتهم ! مما أغضب صاحب المطعم الذي طرد جاك ، دون منح أجرته.

^^^


في موقف السيارات، وجد العصابة بانتظاره.. فصرخ عليهم:

- هل أنتم راضون الآن؟! خسرتُ عملي بسببكم !! 

فردّ أحدهم بامتعاض : أهذا بدل شكرنا على تشجيع موهبتك السخيفة! 

جاك غاضباً: لا أريد شيئاً منكم ، فقط اتركوني وشأني !! 

فاقتربت منه جاكلين : 

- لا تقلق عزيزي ، سنجعلك مشهوراً.. فمنذ اليوم ، ستصبح المغني الأول لعصابات الشوارع   


ولأن جاك لا يملك مالاً لهذه الليلة.. ركب مُرغماً خلفها على الدرّاجة ، وهو يشعر أنه يمضي نحو مستقبلٍ مجهول العواقب.

***


أمضى جاك بضعة أسابيع يغني في أوكار العصابات ، وسط السُّكر والقمار .. ورغم كسبه الوفير ، إلا أن اكتئابه ازداد كل يوم 


وفي إحدى الليالي.. خرج لتدخين سيجارة، فلحقته جاكلين وهي تسأله:

- لم أركَ تبتسم يوماً !

فرد بصوتٍ مخنوق:

- لأني لم أحققّ حلمي بعد! تركت شركة والدي لأصبح فنان الأجيال القادمة ، لا مُهرّجاً للعصابات.. وهآ أنا أُجبر على أغاني الروك الصاخبة ، رغم تفضيلي للأغاني الراقية ! 


ففكّرت قليلاً ، قبل أن تقول:

- برنامج (سوبر ستار) سيبدأ قريباً .. سأرسلك إلى العاصمة ، للإلتحاق بتجارب الأداء 


فابتسم لأول مرة ، بعد عودة الأمل إلى قلبه .. لكنه اشترط إخفاء الأمر عن بقيّة أفراد العصابة ، فوعدته بذلك.

***


وبالفعل ، نجح جاك في المرحلة الأولى.. لكن في المرحلة الثانية ، تفاجأ بأفراد العصابة يحضرون المسرح ، حاملين زجاجات البيرة ! 

وبسبب ضجيجهم الذي ضايق الجمهور ، وإفسد أداء جاك لأغنيته الهادئة .. تمّ إقصاؤه من البرنامج!


مما أغضب جاك الذي لام جاكلين على إفشائها السرّ ، فحاولت الإعتذار له:

- لم أستطع منعهم بعد أن شاهدوك في التلفاز   

فصرخ عليها : إذاً أنتِ لا تعرفين كيف تقودينهم !! 

فردّت بعصبية : جاك !! لا تتجاوز حدودك.. فأنا لا أقيّد حريّتك ، لأني مغرمةٌ بك 

فأجابها بلؤم: لا يهمّني أمركِ ، او أمر عصابتكِ.. انتهى كل شيءٍ بيننا ، ولا أريد رؤيتك ثانيةً !! 

وتركها ورحل ، بعد أن كسر قلبها ! 

***


وعاد جاك للغناء في مطعمٍ جديد .. وسارت الأمور على ما يرام ، إلى أن قابل رجلٌ عجوز طلبه على انفراد : 

- إن وقّعت هذا العقد ، أجعلك أشهر مغنٍ في أمريكا 


وما إن قرأ جاك السطور الأولى ، حتى انتفض رعباً:

- أتريدني أن أبيع روحي للشيطان ؟! 

فابتسم العجوز بمكر: الجميع فعلوا.. كيف تظنهم اشتهروا في يومٍ وليلة ؟ 

جاك بتهكّم : هذا صحيح ، لكنك نسيت ذكر حياتهم التي انتهت كمُشرّدين أو مفلسين ومدمنين .. والكثير منهم يعانون حتى اليوم من أمراضٍ نفسيّةٍ مُعقّدة.. لا شكراً ، لا أريد مالك القذر !! 

العجوز بنبرة تهديد : تأكّد أنني سأجعلك تندم على قرارك الغبي 


وبسبب رفض جاك للعرض ، خسر عمله مجدداً ! 

كما رفض بقيّة أصحاب المطاعم تعيينه ، خوفاً من العجوز الغامض المُنتمي لمنظمةٍ سرّية.

***


بعد منعه من العمل في كل مكان ، انتهى به المطاف مُشرّداً يغني في الشارع.. إلى أن قابله أحد أفراد العصابة ، الذي سارع بلكمه على وجهه ! 

وآخر شيءٍ سمعه جاك ، قبل إغمائه:

- هذا لأنك كسرت قلب زعيمتنا، أيها التافه !! 

***


استيقظ جاك في النزل القديم .. وجاكلين بجانبه ، تضع كمّادةً باردة على عينه المصابة.. فانتفض رعباً:

- ماذا تفعلين في غرفتي ؟! 


فسكتت جاكلين مطولاً ، قبل ان تقول : 

- سأكون صريحةً معك.. سأبلغ الأربعين قريباً ، ورغم أنك تصغرني بعشر سنوات ، لكني أرغب بإنجاب طفلٍ منك.. وعلى فكرة ، أفراد عصابتي بالخارج، لذا لا يمكنك الهرب من ليلتنا الأولى 


فلم يكن أمامه سوى التحجّج بعذرٍ واهي:

- في الحقيقة يا جاكلين ، أنا معجبٌ بك منذ البداية رغم فارق العمر 

فسألته بصدمة: أحقاً يا جاك ؟! 

فأكمل كذبته: 

- بالتأكيد !! لكني من عائلة محافظة ، لذا لا يمكنني الإقتراب منكِ.. 

فقاطعته بحماس : موافقة !! لنتزوّج في الحال 

فردّ بارتباك: ليس سريعاً.. أقصد ، لنجعله ضمن حفلٍ يجمع أفراد العصابة في نهاية الأسبوع 

جاكلين : ولما لا يكون غداً ؟! لما علينا الإنتظار ثلاثة أيامٍ أخرى ، طالما نحن مغرميّن ببعض ؟! 

- رجاءً عزيزتي .. هذه الأمور تصبح أجمل بالترويّ والهدوء 

فردّت بابتسامةٍ حنونة : كما تشاء حبيبي  


وحاولت تقبيله ، فابتعد قائلاً: 

- فلتكن قبلتنا الأولى شرعيّة 

فردّت ساخرة : هل أنت من طائفة الأميش ؟ 

- لا، لكن عائلتي متمسكة بالتعاليم المسيحية

- وهل سيحضرون عرسنا ؟ 

- هم يعيشون بعيداً   

جاكلين باهتمام: أنت لم تخبرني عنهم ، في أيّ منطقة يعيشون ؟ 


لكنه لم يرغب الإفصاح عن المزيد ، فتحجّج بإرهاقه الشديد وحاجته للنوم.. فخرجت من غرفته ، لتزفّ الخبر السعيد لعصابتها.. 


وبينما كانوا يحتفلون بصخب في الخارج ، كان جاك يخطّط للهرب من ورطته المرعبة.

***


في الصباح الباكر.. تسلّل جاك من غرفته بخفّة ، ليتفاجأ بمراقب من العصابة يجلس بالخارج:

- الى أين يا عريس ؟!! 

فردّ بارتباك: سأستنشق بعض الهواء.. لا تقلق، سأعود بعد ساعة 

- أتريد أن أوصلك بدرّاجتي ؟ 

- لا داعي، لن أبتعد كثيراً.. ثم جميع أغراضي هنا، وبالتأكيد لن أهرب دونها 


وتمشّى بهدوء وهو يدخن سيجارته .. إلى أن وصل للطريق العام، وهناك سارع بإيقاف السيارات.. لكن الجميع رفض التوقف لغريب ، ما عدا سائق شاحنة وافق مقابل سيجارتيّن على توصيله لمحطّة وقود.. ومن هناك طلب سيارة "أوبر" لتوصله إلى المطار.


ورغم أن الطائرة المتجهة إلى كندا (حيث تعيش عائلته) ستنطلق بعد ساعتين ، إلا انه وافق على الإنتظار بقلقٍ شديد ..  

^^^


وفي الوقت الذي بحث فيه أفراد العصابة عنه في الجوار ، لم يتوقع أحد رحيله دون هويّته التي استولوا عليها .. لكنهم لم يعرفوا بحمله لجواز سفرٍ كنديّ.. 


وبعد أن يأسوا من إيجاده ! اتفقوا على مراقبة جميع المطاعم ، للقبض عليه اثناء غنائه .. وإجباره على الزواج من زعيمتهم التي انكسر قلبها بهروبه المفاجئ.


بينما شعر جاك بعد إقلاع طائرته ، انه غادر جحيم العصابة وتهديدات المنظّمة السرّية معاً.. 

***


وعند وصوله إلى كندا ، ارتمى في حضن والده باكياً:

- كنت على حق يا أبي ، لن أغني بعد اليوم.. وسأعمل محاسباً في شركتك ، كما نصحتني دائماً


لم يعرف أهله شيئاً عن الجحيم الذي نجا منه ، لكنهم فرحوا بعودته.. بينما حمد جاك ربه على سلامة روحه دون بيعها ، ثمناً لشهرةٍ زائفةٍ قذرة.

*** 


وبينما كان جاك يعتاد على حياته كموظفٍ عاديّ .. كان العجوز الغامض يجري محادثة من مكتبه في اميركا : 

((إذاً هرب الفاشل إلى كندا ! ألا يعلم ان لدينا اتباع في كل العالم ؟ سأجعله يندم على اليوم الذي رفض فيه عرضي المغري .. وانتم !! تابعوا البحث.. أريد جميع المعلومات عنه .. وحدّدوا حجم شركة والده ، وعدد حرّاسه وموظفيه.. لنرى إن كان جاك العنيد سيخضع لنا ، أم يُفضّل رؤية تعب عائلته يحترق أمام عينيه)) 


وانتهى الاتصال بضحكةٍ مجلّجلة ، تردّدت صداها في ارجاء المكتب الفخم للعجوز الذي اعلن الحرب على الشاب الموهوب الذي سيظلّ مستقبله عالقاً بين النجاة والهاوية ! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المغني الصاعد

تأليف : امل شانوحة  الشهرة الوعرة في نُزلٍ رخيص على أطراف المدينة ، وفي ساعة العصر .. تجمّعت عصابة الدرّاجات النارية بملابسهم الجلدية وضحكات...