تأليف : امل شانوحة
الحريّة الإنتحارية
في وادٍ معزول ، مُحاصر بجبالٍ شاهقة .. بُنيّ سجن شديد الحراسة ، مُخصّصاً لأعتى المجرمين الذين حاولوا بكل الطرق الهرب منه دون فائدة!
سنواتٌ مرّت دون جديد ، الى أن حلّ شتاءٌ قارص .. تساقطت فيه الثلوج فوق الوادي ، الى ان دُفنت بوّابة السجن تحت طبقاتها الكثيفة!
مما قطع إتصال المدير بالمدينة الذي قلق من موتهم ببطء ، لقلّة الطعام في مخزنهم الذي بالكاد يكفي شهراً .. عدا عن ثياب المساجين الغير سميكة ، التي لن تحميهم من صقيعٍ لم يعهدوه بطقسهم المعتاد !
***
وبعد انتهاء العاصفة الثلجيّة التي استمرّت اسبوعاً متواصلاً .. جمع المدير موظفيه والمحكومين في قاعة الطعام ، لإخبارهم بقراره الأخير :
- كل من يساهم بخروجنا من هذه الأزمة ، سيحصل على حرّيته !!
ورغم انه الخبر الذي انتظروه طويلاً ، لكنهم لم يُظهروا سعادتهم .. لأن حرّيتهم مرتبطة بمهمّةٍ شبه مستحيلة .. فهم وإن نجحوا بإزالة الثلوج عن البوّابة ، يبقى امامهم التسلّق (دون وسائل حماية) لإرتفاعٍ شاهق شديد البرودة ..
فهم نقلوا الى السجن على التوالي ، بواسطة مروحيّة .. فعدد المساجين (الأشد إجراماً في البلاد) لا يزيد عن المئة !
اما الحرس العشرون ، فعطلتهم سنويّة .. والمدير العجوز الأعزب ، يعيش بالسجن منذ بنائه !
والخطوة التالية التي اتخذها المدير : هو إجبار المساجين على ازالة الألواح الخشبية من سرائرهم ، وتجميعها بقاعة الطعام .. ثم تكسيرها ، لجعلها حطباً لتدفئة .. بعد ضعف الكهرباء بالسجن ، إثر تعطّل بعض اسلاكها بواسطة العاصفة الثلجيّة السابقة
ثم قسّم المساجين الى ثلاث مجموعات ، للتناوب على الحفر خارج السجن
فيما يتقاسم الجميع وجبتيّن يومياً ، بدل ثلاثة !
***
بعد ايام من العمل الشاق ، مات بعض المساجين الذين يعانون من امراضٍ مزمنة ..
وفي الليلة السابعة .. حصلت ثوّرة بقيادة السفّاح جاك الذي لم يعد يحتمل اوامر مدير السجن الذي سارع بخنقه حتى الموت ، امام مرأى الجميع !
ولم يستطع الحرس إنقاذه ، بعد تمكّن مساعدي جاك من السيطرة على غرفة الأسلحة بالسجن ! ليستسلم العساكر لخطة جاك الجديدة ، لنجاة من الأزمة الثلجيّة
لكن قبل تنفيذها ، أمر بإعدام الطبّاخ الذي لطالما قدّم لهم عصيدته المقرفة ! طالباً من احد المساجين إستلام المطبخ ، وطهوّ اللحوم المخصّصة للحرس الذي أجبرهم على إكمال الحفر بدلاً منهم .. وبسبب الجوّ القارص ، ماتوا الواحد تلوّ الآخر !
***
وبعد ايام .. لاحظ جاك قرب نفاذ الطعام ، مع انتهاء اخشاب التدفئة!
ورغم تمكنهم الخروج من السجن ، الا ان تسلّقهم الجبل الشاهق تبدو مهمةً انتحارية!
فاقترح اريك (آخر شرطي على قيد الحياة ، لديه خبرة جيولوجيّة) :
- الجبل طبشوريّ..الأفضل حفر نفقٍ فيه ، فهو يبقى أدفأ من قمته الثلجيّة
ولم يكن امام جاك الا قبول اقتراحه ، مُرغماً زملائه على استخدام كل ما ينفع بالحفر .. بدأً بالعصيّ المعدنية للحرس ، ووصولاً لسكاكين وشوك المطبخ !
ولم يكن الحفر صعباً ، الا ان الجوع والبرد قتل معظمهم ..
عدا عن الأحجار الزلقة التي انهار بعضها فوق مجموعة من المساجين ، أبادتهم بالحال !
وعندما وصل العشرون ناجياً (مع الشرطي) الى الجهة المقابلة من الجبل ، عبر نفقٍ امتدّ داخله.. وقفوا تائهين بجانب الطريق العام الذي يبعد 70 كيلو عن المدينة !
فاقترح إريك الإتصال بالشرطة من برج الإرسال القريب ، كونهم لا طاقة لهم لإكمال المسير !
فوافقوا جميعاً .. ماعدا اربعةً ، اختاروا الحرّية مهما كان الثمن !
^^^
لاحقاً وصلت الشرطة بحافلة ، لنقل المساجين 16 الى سجن المدينة .. حيث شهد اريك بشجاعتهم ونزاهتهم خلال الأزمة .. فتمّ تخفيف أحكامهم التي سيكملوها في سجنٍ دافئ ، بطعامه المقبول الذي يبدو حلماً عمّا مرّوا به سابقاً !
أما الأربعة الهاربون ، فلا أثر لهم !
فرجّحت الشرطة افتراس الحيوانات البرّية لهم ، لانتشارها بتلك المنطقة المنعزلة !
لكن الحقيقة ، لم ينجوا منهم : سوى السفّاح جاك الذي تمكّن من إيقاف شاحنة نقلٍ عابرة .. فقتل سائقها العجوز ، مُكملاً طريقه لمدينةٍ اخرى ، وهو ينوي متابعة سلّسلة جرائمه .. رغبةً بدخول موسوعة جينيس : كأسطورةٍ إجرامية !
لهذاً خطّط لاقتحام المنازل المنعزلة ، بملاّكها العجائز او الأشخاص الإنطوائيين الذي فضلوا العيش وحدهم بعيداً عن جيرانهم ..
واستغلّ انشغالهم بمشاهدة برامج رأس السنة ، لخنقهم بسلكٍ رفيع حتى الموت .. وآخر ما سمعوه ، هو جملته الشهيرة :
- أراك في الجحيم قريباً
^^^
((وهآ أنت أيها القارئ .. مُستمتعٌ بتصفّح جوالك ، دون الإنتباه للفحة الهواء الباردة التي تسلّلت من نافذتك المفتوحة !
نصيحةٌ مني لا تلتفت ، فهو خلفك الآن
وهذه آخر قصة تقرأها ، قبل سماعك ضحكته الشيطانيّة الماكرة !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق