الأربعاء، 29 ديسمبر 2021

جيران إبليس

تأليف : امل شانوحة

المبنى الخرساني الغامض !


لم يكن أحد ليعلم بوجود المبنى الخرساني الضخم قبل افتتاح جسراً يمرّ بجانبه ، والذي سرعان ما لفت أنظار السائقين اليه ! خاصة لعدم وجود طريقٌ فرعيّ يصلهم بالمبنى .. مُجرّد طريق ترابي يفصله عن الجسر ، كأن الذي بناه لم يرغب بوصول أحد اليه .. 

وكان عبارة عن مبنى عملاق لا يظهر عدد طوابقه ، مع خلوّه التام من النوافذ والشرفات .. مما جعل الناس تتساءل عن طرق التهوئة بداخله ؟ وماذا سيفعل سكّانه او موظفوه في حال اندلع حريقاً فيه ؟ 

وكل من مشى على قدميه للوصول للمبنى وحاول النظر لأعلاه ، أُصيب بدوارٍ مُفاجىء او صداعٌ شديد ، جعله يبتعد عن المكان الغامض ..


حتى في المساء ، لا تظهر انوارٌ في المبنى .. لهذا أشيع عنه انه مهجور ! ولولا الجسر الذي افتتح حديثاً ، لما عثر عليه أحد .. وتردّدت الإشاعات عن كونه مسكون بالأشباح ، مما جذب المغامرون لاقتحامه .. إلاّ أن مهمّتهم باتت مستحيلة لعدم وجود بابٌ رئيسيّ له ! فسخروا من غباء المهندس الذي بناه بشكلٍ غير قابل للإستخدام 


وتجرّأ بعض المتدينيين على حرق المبنى المشؤوم ، إلاّ أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل .. والمخيف إن الراهب الذي سكب البنزين على جدار المبنى ، وجدوه منتحراً في منزله باليوم التالي ! 

وبموته ازدادت الشكوك المُقلقة حول المبنى الغامض ، الذي حاول شاب فضولي كشف لغزه عن طريق إرساله طائرة درون لسطح المبنى ، ليكتشف مهبط لطائرة الهليكوبتر ! فعلم إن زوّار المبنى يدخلون اليه من باب السطح ، لهذا لم يُبنى له باب رئيسي او مخارج أخرى .. 


وحين ركّز بطائرته على الشقوق الموجودة في الطابق العلويّ ، شاهد اشخاصاً يلبسون الزيّ الرسمي وهم يضعون أقنعة مخيفة وغريبة على وجوههم ! والذين ما أن رأوا الطائرة ، حتى وجّه أحدهم جهازاً يُشبه تحكّم التلفاز ، جعلت الطائرة تسقط على الفور! 

ويبدو أن الجهاز أطلق شعاع ليزر دمّر إلكترونيّات الطائرة ، بما فيها الفيديو المصوّر !

حتى صاحب الطائرة لم يعد سليماً الى منزله بعد تعرّضه لحادثٍ مروريّ ،  أصيب بسببها بكسورٍ خطيرة في أنحاء جسمه ! ليس هذا فحسب بل عانى من كوابيس متكرّرة عن الأشخاص المقنّعين وهم يحاولون قتله ، لهذا التزم الصمت ولم ينشر تجربته بالإنترنت 


وما حصل معه ، حصل مع العديد من المغامرين الذين قتل بعضهم بظروفٍ غامضة .. 

ولكثرة الأحداث الغريبة والغامضة ، إنتشرت الإشاعة : أن المبنى بناه الشياطين لضمّ أهم الماسون في البلاد ، ليكونوا جيران إبليس بعد تقاعدهم من وظائفٍ مهمّة في الدولة ! 


ورغم قوّة الإشاعة التي أرعبت الجميع ، إلاّ أن جاك (كهربائي المصاعد) لم يصدّق الأكذوبة .. خاصة بعد تلقّيه طلباً على جواله ، لتصليح مصعداً موجود في المبنى الخرساني الغامض ! مما أشعره بالحماس لاستكشافه من الداخل 

***


في عصر اليوم التالي .. وفور خروج جاك من منزله وهو يحمل عدّة العمل ، وجد سائق سيارة مُظلّلة يطلب منه الركوب لتوصيله للمبنى..

فتفاجأ لإرسالهم سيارة فخمة اليه !


وبعد ركوبه ، قال السائق :

- علمنا انك أفضل ميكانيكي مصاعد ، لها استدعوك للمبنى

جاك : من استدعاني ؟

- السيد طلبك بالإسم  

قال الجملة برهبةٍ وخوف ، منعت جاك من الاستفسار عن هويّة السيد !

***


إقتاده السائق باتجاه الطريق الرمليّ الذي أوصلهما الى خلف المبنى .. وكانت الشمس على وشك المغيب.. 

فسأله جاك عن الباب الرئيسي .. ليتفاجأ بالسائق يدير ظهره ، ويرشّ مخدّراً على وجهه ، جعلته يسقط مغشياً عليه فوق المقاعد الخلفيّة !


ورغم شعور جاك بدوخةٍ شديدة .. إلاّ انه شعر بشخصٍ ضخم يفتح بابه الخلفيّ ليقوم بحمله ، ووضعه داخل طائرة الهليكوبتر ‏صعدت به الى السطح .. 

ثم عاد لحمله الى داخل المبنى ..


وهناك اشتمّ رائحة دواء قوية ، جعله يستعيد وعيه .. ليجد نفسه مُستلقياً قرب مصعدٍ ذهبيّ !

وحين نهض ، قال له السائق : 

- المصاعد الأخرى بحالةٍ جيدة ، العطل موجود فقط في هذا المصعد .. إصلحه في الحال ، كيّ أعيدك لبيتك قبل منتصف الليل

جاك باستغراب : منتصف الليل ! لا أظن عملي يستغرق كل هذا الوقت

- جيد ، الأفضل أن تسرع .. فهذا المصعد مُخصّص للإجتماعات المهمّة في الطابق السفليّ .. لذا ابدأ العمل فوراً

***


وكان عطلاً بسيطاً إستغرق إصلاحه أقل من ساعتين ، بعد تغيره سلكاً مُهترئاً .. وقبل ترتيب جاك عدّته ، سمع صبياً يقول من خلفه :

- هل تأخذني معك للخارج ؟ ملّلت البقاء هنا 


فالتفت المصلّح يميناً ويساراً ، للتأكّد أن الشخص الضخم المقنّع الذي راقبه منذ بدئه العمل غير متواجد في الممرّ .. ثم سأل الصبي بصوتٍ منخفض :

- منذ متى وانت في المبنى ؟ 

- أتيت الى هنا بعمر 7 سنوات .. والبارحة كان عيد ميلادي ، وأصبحت 12 عاماً

جاك باستغراب : الم تخرج من هنا ابداً ؟!

- لا أحد من الجيران خرج من المبنى .. وما يحزنني أن الأولاد الذين لعبت معهم ، إختفى الواحد تلوّ الآخر ! ..فلما سمحوا لهم بالخروج ، بينما يمنعوني من رؤية البحر او الذهاب للملاهي؟!


جاك : ولما انتقل اهلك الى هنا ؟ 

- والدي أخبرني إن عمله في الخارج انتهى باكراً ، وأن وجودنا هنا مكافئة عن جهوده السابقة .. لكني ارى الشقّق كزنزانات ذهبيّة ، وكأنه محكوم علينا بالسجن المؤبّد ! 

جاك : لاحظت الفخامة من الممرّات الداخليّة ، رغم انه من الخارج مُجرّد مبنى خرساني غير مدهون !.. إخبرني يا صغير ، من يحضر لكم الطعام؟ 

- يوزّعون الوجبات المجانيّة على الشقّق .. وهو أكل لا طعم له ، يطبخه رجال السيد .. وهو عبارة عن لحوم وبقوليات ، دون سكّريات او عصائر 


جاك : وماذا عن المدرسة ؟

- هناك معلّمة في الطابق العلويّ ، تدرّسني انا والخمسة الأطفال المتبقّين في المبنى 

- وما رأيّ اهلك بالموضوع ؟

الولد : والدي يقول بأني محظوظ لأن السيد وافق على بقائي معهما ، بعكس الكثير من ابناء الجيران الذين سجّلوهم في المدارس الداخلية قبل التحاقهم بالمبنى 

جاك : أراك تتكلّم كثيراً عن سيد المبنى ، فمن هو ؟

- لم أره من قبل .. كل ما أعرفه أن الجميع يهابه ويطيعون اوامره ، بما فيهم والدايّ ! 

- حسناً يا صغيري كنت اريد ..

الولد مقاطعاً : لا تناديني صغيري ، إسمي إريك 


جاك : حسناً يا إريك ، اريد سؤالك عن شيءٍ لفت انتباهي .. يوجد في المصعد ازرار ل 20 طابقاً اسفل المبنى ، فهل نزلت الى هناك من قبل ؟

- لا يسمح للأطفال النزول للطوابق السفلى ، فقط العجائز 

جاك باستغراب : العجائز !

- نعم .. الأشخاص المهمّين في الدولة ، هذا ما سمعت ابي يقوله لأمي بالخفاء 

جاك باهتمام : وماذ سمعت ايضاً ؟

- بأنهم حصلوا على ميزة البقاء في المبنى ، بعد تنفيذهم اوامر السيد من خلال قراراتٍ إداريّة اثناء عملهم السابق بالدولة 


وهنا سمع جاك خطواتٍ قادمة باتجاههما ، فسأل إريك :

- سؤال اخير .. هل المبنى مُخصّص للماسون المتقاعدين ؟ وهل في الأسفل قاعة يجتمعون بها مع إبليس ؟

  

وقبل أن يجيبه إريك ، صرخ الرجل المقنّع الضخم :

- اريك !! الى منزلك فوراً

الولد بخوف : حاضر سيدي !!

وأسرع بدخول إحدى الشقق .. فاقترب الرجل من المصلّح وهو يسأله :

- بماذا حدّثك الصبي ؟ 

جاك بارتباك : كان يخبرني عن اشتياقه للبحر ، فهل فعلاً تمنعون الأطفال من مغادرة المبنى ؟ 

فأجابه بلؤم : من يدخل هنا ، لا يخرج ابداً 


فشعر جاك بالقلق ، وأخذ يرتّب عدّته وهو يقول :

- عملي انتهى هنا .. إن احتجتم لشيء ، اتصلوا بي .. انا مستعد الآن للصعود معك للسطح ؟

فظلّ الرجل صامتاً ، فقال جاك بقلق :

- يكفي أن توصلني للشارع ، وأنا أكمل طريقي للبيت

الرجل : لا يريد رئيسي المجازفة بخروجك من هنا ، لربما فضحتنا في كل مكان

- أفضح ماذا ! انا لم ارى سوى مصعدكم


وإذّ بشخصين يهجمان عليه من الخلف ، ليضع أحدهم المخدّر على انفه .. جعلته يغفو على الفور !

***


إستيقظ جاك في اليوم التالي على فراشه بمنزله ، وهو يشعر بألمٍ شديد بفمه ! وما أن لمح قطعة لحم على الطاولة امامه ، حتى أسرع للمرآة ..ليلاحظ لسانه المقطوع !


ورغم صدمته الشديدة ! إلاّ أنه عاد لسريره لقراءة الملاحظة المتروكة هناك ، وكان فيها :

((هكذا ضمنّا عدم إخبارك احد بما رأيته في مبنانا ..وإن خطر ببالك كتابة شيء لعامة الناس ، سنعود لقطع ذراعيك .. مع العلم انك ستبقى مراقباً على مدار الساعة ، حتى نهاية عمرك))

فانهار جاك باكياً ، وهو يشعر بالندم لتصليحه مصعدهم اللعين

***


وبالطبع إريك الصغير لم يسلم من العقاب ، بعد سماع السيد كلامه مع المصلّح من خلال الكاميرات المزروعة بكل شبرٍ في المبنى .. وأخبر والديه بأنه اختاره لمؤدبة حفلة نهاية العام .. 


فتقبّل الأب قرار السيد بصعوبة .. بينما انهارت الأم وهي تحتضن ابنها باكية ، محاولةً إسترحام زوجها :

- دعني أهرب مع الصبي ، ارجوك !!

الزوج بيأس : سيعثر عليكما السيد أينما ذهبتما ، فرجاله منتشرون في انحاء الدولة..علينا تقبّل الأمر ، كما فعل بقيّة الأهالي

إريك بقلق : ماذا يحصل يا ابي ؟! لما امي خائفة لهذه الدرجة ؟

والده : لا تقلق بنيّ .. السيد اختارك ، لتنضمّ الى رفاقك القدامى .. علينا تجهيزك لحفلة اليوم 

إريك بحماس : هل أخيراً سمحتما بنزولي للقاعة السفليّة؟

الأب وهو يكتم حزنه : نعم حبيبي ، ستنزل معنا

فعادت الأم للبكاء ، دون فهم ابنها سبب حزنها الشديد !

***


في منتصف الليل .. نزل إريك مع والديه لأول مرة الى القاعة السفليّة .. وحين فُتحت البوّابة الضخمة ، شاهد جميع جيرانه العجائز مُقنّعين بوجوهٍ مخيفة ! 

ورأى في واجهة القاعة عرشاً ذهبيّاً ، يجلس عليه مخلوقاً مخيفاً بجلده الأحمر وقرونه الطويلة وذيله المدببّ ، والذي اشار إليه وهو يقول غاضباً:

- ما كان عليك أن تفضحنا يا إريك !!

الصبي بقلق : مالذي فعلته ؟!


المخلوق : تكلّمت مع الغرباء ..الم ينبّهك والديك أن اسرار المبنى تبقى بيننا ؟

إريك ممتعضاً : وكيف أتحدّث مع الغرباء بعد حرماني من جوّالي وحاسوبي ، فور سجني في المبنى الكئيب ؟!

المخلوق بغضب : الكئيب !!

وشهق الحاضرون بقلقٍ شديد !


فنزل المخلوق عن عرشه ، مُتجهاً لإريك .. ليخرّ الجميع سجّداً له ، بما فيهم والدايّ الصبي الّلذين يرتعشا خوفاً.. 

المخلوق صارخاً : وهل جيرة إبليس كئيبة لهذه الدرجة ، يا ولد ؟!!

أريك بصدمة : إبليس .. أتقصد والد الشياطين ؟!

المخلوق بغرور : بل آله الشياطين !! وآله هؤلاء البشر ايضاً (وأشار للحضور) 


إريك مُعترضاً : لا طبعا !! الله الذي في السماء هو من خلقنا جميعاً 

إبليس بصدمة : ماذا قلت ؟!

والد إريك بحزم : إسكت بنيّ !!

إريك : اليست هذه الحقيقة .. الم يطردك آله السموات والأرض من الجنة ؟.. اليس حقدك المدمّر على البشر ، هو بسبب قهرك على خسارة الجنة ؟ ..أكان عليك الإعتراض على اوامر الربّ ؟ ..لوّ انك سجدّت لآدم ، لوفّرت كل هذا الشقاء على جنسك من الجن والشياطين ، وعلينا ايضاً ..لكن غرورك أفسد كل شيء .. 

إبليس بغضبٍ شديد : أصمت !! 

وصفعه بقوة ، أسقطت الصبي أرضاً .. ثم نادى رجاله :

- جهّزوا الصبي الوقح ، ليكون قرباناً لي ولأبنائي


وضرب بشوكته الحديديّة الأرض ، ليخرج منها الجن والشياطين الذين زاحموا المتواجدين البشر في القاعة الضيّقة..

ثم هجم مخلوقان ضخمان على إريك ، وحملاه وهو يحاول مقاومتهما بالصراخ والإستنجاد بوالديه اللّذين تجمّدا مكانهما ! 

ثم ربطاه فوق بلاطةٍ ساخنة ، قرب العرش الذي عاد اليه ابليس وهو يقول:

- إبدأوا بالترانيم ، وجهّزوا السكين !! سأدع امه تقدّم القربان لي


الأم باكية : ارجوك سيدي ، ليس انا !

إبليس بإصرار : بل انت ستقدمين ابنك العاقّ لي ، ووالده سيشرب اول كأس من دمه .. وهذا شرفٌ كبير لكما .. وإن رفضّتما أمري ، سأجعلكما تندمان على اليوم الذي انضممّتما فيه الى جمعيتي السرّية!! 


ثم ارتفع صوت الترانيم المخيفة ، بعد إشعال النار حول الصبي المصدوم من امه التي اقتربت منه وهي تحمل السكينة الحادّة !  

- امي لا تفعلي ، انا إريك ابنك ..ابي أوقفها ارجوك !! 


وكانت هذه آخر كلماته قبل نحر رقبته ، وهجوم الحاضرون على جثته لاقتسام اشلائه وشرب دمائه ، وسط احتفالٍ مُهيب لا يمتّ للإنسانيّة بصلة!


الاثنين، 27 ديسمبر 2021

عقوبة الحبّ

تأليف : امل شانوحة 

إستغلالٌ مؤلم


كانت غلطة ريم الوحيدة إنها أحبّت صديقها الجامعيّ مروان من كل قلبها ، والذي استطاع أن يستغلّ طيبتها لعقد زواجٍ عُرفيّ .. 

وبعد حملها ، تخلّى عنها بحجّة سفره للخارج .. بعد أن دفع لها ثمن عمليّة الإجهاض التي لم تسرّ على ما يرام ، بعد حصول نزيفٍ شديد إستدعى بقائها يومين في المستشفى ، ليعلم أهلها بما حصل ! 

وكانت صدمتهم كبيرة لدرجة تخلّيهم عنها ، بما فيهم الأقارب والأصدقاء! 


فلم يكن امامها سوى اللجوء لأخيها الحنون الذي ترجّته أن يساعدها .. والغريب إن زوجته اللئيمة وافقت على طلبها بالعيش معهم ، برحابة صدر!


لكن بشروط !!

اولاً : أن تسكن ريم بالشقة المجاورة دون حصولها على المفتاح ، حتى لا تخرج من البيت دون إذن أخيها ، وتورّطهم مع شابٍ آخر! 

ثانياً : ممنوع إعطائها المال مهما كانت الأسباب ، مع حذف جميع الأرقام من جوالها.. وتركيب كاميرا في شقة ريم لمراقبتها على الدوام ، للحجّة ذاتها  

ثالثاً : طالما ستعيش على حسابهم ، فعليها العمل مقابل ذلك .. وهي أن تطبخ في شقتها ، وتُحضر الطعام لزوجة أخيها قبل حضور اولادها الصغار من المدرسة .. وأن تجلي الصحون مساءً أثناء نومهم .. 

رابعاً والأهم : يُمنع عليها التحدّث مع إبنة أخيها حتى لا تُفسد أخلاقها ، او أن تقابل اولادها الثلاثة فيتعلّقوا بعمّتهم ! 


ورغم شروطها الصعبة الاّ أن ريم وافقت على خدمة أخيها وعائلته ، مقابل سكنها ومأكلها ، بعد أن أخرجها والدها من الجامعة في سنتها الأخيرة !

***


واقتصرت مهمّة زوجة الأخ على إحضار حاجيات الطبخ كل يوم ، بعد إختيارها أصعب الطبخات والحلويات .. عدا عن إكثارها من العزائم والسهرات مع صديقاتها .. مُجبرةً ريم على التحضير للإجتماعات صبحاً ومساءً ، دون اكتراث زوجة أخيها بتعبها او مرضها ! 

***


وفي يوم ..وأثناء تحضير ريم الفطور لجارات زوجة أخيها ، سمعتها تقول لهنّ :

- ولما يضايقني وجودها ، فهي خادمة مجّانيّة 

وضحكت بلؤم ! 


وأحسّت ريم بقهرٍ شديد .. لكنها عاجزة عن فعل شيء ، بعد أن دمّرها حبيبها الوحيد الذي وهبته قلبها ! 

وعادت الى شقتها وهي تمسح دموعها .. مُلتجئة الى ربها بالدعاء وحفظ القرآن ، لعلّ الله يغفر ذنبها ..


وكانت زوجة أخيها كلما شاهدتها بكاميرا المراقبة وهي تصلي بخشوع ، تقول لزوجها بسخرية :

- تظن اختك الغبية إن الله سيغفر ذنبها الكبير ، مُحال طبعاً  

ولا يستطيع زوجها الردّ ، وهو يكتم حزنه على مصير اخته التي كانت مُدلّلة البيت في صغرها !

***


وفي إحدى الأيام .. لم تستطع زوجة أخيها الذهاب للسوبرماركت لإحضار الحاجيات ، بسبب مرضها .. 

فذهبت ريم مع أخيها الى هناك ، وكانت المرة الأولى التي تخرج فيها من العمارة منذ شهورٍ طويلة .. 

وعندما مرّا بجانب الحلويات ، قالت لأخيها :

- انت تحب هذه الشوكولا ، أتذكر كيف جمعت مصروفي المدرسيّ لشراء صندوقاً لك في عيد ميلادك ؟


وأخذت تذكّره بعلاقتهما الوطيدة ايام الطفولة .. فقال لها بحزن :

- كسرتنا يا ريم بفعلتك الشنيعة ! هل كان يستحق ذلك اللعين أن تفقدي ثقتنا بك ؟ 

فطأطأت رأسها بندم ، والدموع تسيل على وجنتها .. فقال لها :

- رجاءً إمسحي دموعك ، لا اريد أن تلفتي أنظار الناس اليك .. ولنُنهي شراء الحاجيات على عجل ، ونعود للبيت

***


وكان من واجبات ريم الكثيرة : تنظيف منزل أخيها بنهاية كل اسبوع ، اثناء ذهابهم برحلةٍ ترفيهية دون أخذها معهم ..

***


ومرّت خمس سنوات من الذلّ والإهانة ، كبر فيها اولاد أخيها دون معرفتهم بأن خادمتهم هي نفسها عمّتهم ! 


وفي يوم رافقت ريم أخاها الى السوبرماركت ، بعد ذهاب زوجة أخيها لزيارة أهلها .. 

وانشغل أخوها باتصالٍ مع مدير عمله ، فذهبت ريم لإحضار بقيّة الأغراض وحدها .. 


وفي أحد الأقسام ، رأت حببيها مروان هناك !

وقبل ابتعادها عن المكان ، أمسك يدها وهو يترجّاها أن تسمعه 

فقالت بصوتٍ منخفض :

- أتدري مالذي فعلته بي ؟ انت حطّمت كبريائي !! وجعلت زوجة أخي تعاملني كخادمة ، بعد أن قاطعوني اهلي لسنوات .. وخسرت إبننا بسببك ، ماذا تريد مني بعد ؟!!


مروان : أريد أن أخبرك إنه بعد سفري لإكمال تعليمي في الخارج ، تزوجت من أجنبية وأنجبت منها طفلاً .. وفي يوم اتصلت بالسلطات للإبلاغ عني ظلماً بأني أضربها ! وطُردت من هناك ، بعد خسارة الوصاية على ولدي .. فعرفت إن الله عاقبني لما فعلته بك

- وهل عليّ أن أحزن لمصيبتك ؟ رجاءً إذهب قبل أن يراك أخي


فأخرج بطاقة عمله ، وهو يقول :

- هذا رقمي الجديد ، رجاءً اتصلي بي مساءً ..اريد التحدّث معك بموضوعٍ مهم 

فأخذت منه البطاقة بتردّد ، وأسرعت بالعودة لأخيها الذي كان يبحث عنها

***


في المساء ، أثناء وجودها وحدها في شقتها .. جافاها النوم وهي تفكّر الإتصال بمروان .. وبعد صلاتها ركعتيّ إستخارة .. إتصلت به ، ليخبرها بنّيته إصلاح الوضع بالزواج بها

ريم : أهلي لن يوافقوا عليك

- هل يعرفون اسمي ؟

- لا ، لم أخبرهم بشيء عنك

مروان : اذاً سأتقدّم كعريسٍ جديد 

- لا أظنك ستنجح

- سأحاول ، مالذي سنخسره أكثر ممّا ضيّعناه يا ريم ؟ .. رجاءً أعطني عنوان منزل اهلك ، لأتقدّم لخطبتك بنهاية الإسبوع

وبعد تردّدٍ شديد ، أعطته عنوان اهلها ..

*** 


حين تقدّم لعائلتها ، أخبره والدها بماضي ابنته .. فأجاب مروان :

- يا عم ، عشت سنوات في الغربة .. وتعوّدت بأن هذه الأمور غير اساسيّة لبناء عائلة ، لهذا لا أجد مانعاً من الزواج بإبنتك 

- ومن اين تعرفها ؟

مروان : كانت زميلة اختي في الجامعة ، ومدحت بها كثيراً 

- هذا قرارك ، وانت المسؤول عنه

***


وبالفعل عُقد الزواج باجتماعٍ عائلي ، دون موسيقى او مظاهر فرح  

وذهبت العروس مع مروان الى بيته بحقيبة ملابسها الصغيرة ، بعد رفض إخوتها تجهيزها ! ودون أن يعلم أحد أن العريس هو نفسه الشخص الذي حطّم ريم سابقاً 

***


بعد إنجاب ريم لطفلها الأول ، أخبرت اهلها بالحقيقة .. فقاطعوها من جديد ، بعد شجارٍ عنيف مع زوجها الذي دمّر سمعة العائلة.. 


لكن الأمور انصلحت بعد شهور .. حين قدموا الى منزلها لوداعها ، بعد قرار ريم وزوجها بالهجرة الدائمة لأوروبا..

***


بعد سنوات .. وصلت لريم اخبارٌ صادمة من اهلها ، بعد هروب الإبنة الكبرى لأخيها مع حبيبها لوجهةٍ مجهولة .. مما تسبّب بشلل أمها من شدّة الصدمة .. وزواج أخيها من امرأةٍ ثانية !


فقالت ريم لزوجها : سبحان الله ! كانت تمنّ عليّ بأنها أنقذتني من التشرّد بالشوارع ، رغم معاملتها لي كخادمة .. وهاهي ابنتها ترتكب الخطأ ذاته! 

مروان : لوّ إن زوجة أخيك رحمتك ، لحفظ الله ابنتها .. لكنها استغلّت محنتك أسوء استغلال .. فلا تحزني عليها ، هي استحقّت ذلك .. 


ثم سألها بتردّد :

- هل حقاً سامحتني يا ريم على الذي عانيته بسببي ؟

ريم : القلّة من الرجال يصلحون خطأهم ، كما فعلت يا مروان .. بالنهاية الله غفورٌ رحيم ..

فحضنها بحنانٍ وامتنان !


السبت، 25 ديسمبر 2021

الإستغاثة الأخيرة

تأليف : امل شانوحة 

 الشاهد الوحيد 


في جزيرةٍ أندونيسيّة .. واثناء دراسة الشاب في غرفته ، وقف ببغاءٌ كبير على حافّة نافذته ، وهو يصرخ بصوت امرأة فزعة :

- ساعدوني !! دادويج يقتلني !!


وكان واضحاً من الصوت (الذي يقلّده الببغاء) إنه لسيدة تتعرّض لعنفٍ شديد ! 

وظلّ الببغاء يردّد الجملة ، إلى أن تمكّن الشاب الإمساك به .. والغريب إن الببغاء لم يحاول الهرب ، بل كان هادئاً للغاية !


ولأن عم الشاب يعمل في الشرطة ، أخذ الببغاء الى مكتبه في المركز .. وبعد أن سمع الشرطي صراخ المرأة ، قال لإبن أخيه :

- جيد انك أحضرته الى هنا 

الشاب : علينا إنقاذ المرأة في الحال

- هذا إن لم يقتلها المدعو دادويج

- إسمه ليس منتشراً في جزيرتنا ، على حدّ علمي !

الشرطي : لا هو اسمٌ قديم ، لم يعد أحد يسمي ابناءه به

- اذاً إبحث عن كل الذين إسمهم دادويج في جزيرتنا الصغيرة ، لعلّ زوجته مازالت تتعرّض للعنف حتى الآن ! 

***


فطلب الشرطي من زميله أن يبحث في ملفّات البلديّة عن جميع البالغين بإسم دادويج ..

واستغرق الوقت ساعتين ، حتى حصل على عناوين 6 رجال في الجزيرة يحملون الإسم القديم.. 


وأُرسلت الدوريات الى منازلهم ، وتمّ التحقيق مع نسائهم وبناتهم اللآتي نفينّ تعرضهنّ للتعذيب او الضرب !

وطلب مدير المركز من الشرطي إغلاق القضية ، بفرضيّة أن الببغاء حفظ الجملة من تلفاز أحد المنازل  

***


في اليوم التالي .. زار الشاب عمه لسؤاله عن مجريات القضية ، فأخبره بما حصل 

- لا عمي ! صراخ المرأة يبدو حقيقياً ، وليس تمثيلاً 

الشرطي : فعلنا كل ما بوسعنا بهذه القضيّة الغريبة

- أجريت بحثاً بالإنترنت ..والببغاوات المعروفة لدينا هو الببغاء أحمر الصدر ، وهو صغير الحجم .. أمّا الببغاء الضخم الذي معي ، فلا يتواجد إلاّ في الغابات 

الشرطي : الأشجار المرتفعة في جزيرتنا لا توجد إلاّ بجانب كهف الجبل 

- اذاً لابد أن الضحيّة مُسجونة هناك 


الشرطي : لا اظن مديري سيقبل إرسال دوريّة لتلك المنطقة الوعرة

- اذاً نذهب سوياً برفقة الببغاء ، وهو سيدلّنا على المكان الذي سجّل فيه صراخ المرأة

- تبدو مهمّةً صعبة !

الشاب بإصرار : هيا عمي !! فالله أرسل الطائر الينا ، لإنقاذها 


ففكّر العم قليلاً ، قبل أن يقول : 

- بما أن اليوم عطلتي ، فلا ارى مشكلة باستكشاف الجبل .. هيا بنا!!

***


وصعدا معاً باتجاه الغابة الصغيرة .. وكان الببغاء (الذي يحمله الشاب) مُتحمّساً لرؤية فصيلته النادرة فوق الأشجار .. 


وقبل دخولهما الكهف ، ناداهما رجلٌ من الغابة وهو يحمل فأساً حادّاً : 

- من سمح لكما بدخول منزلي ؟!!

الشرطي باستغراب : هل تسكن في الكهف ؟!

الرجل بلؤم : نعم !! هل لديك مانع ؟

الشاب : عمي يعمل شرطياً ، فتأدّب بحديثك معه 


فارتبك الرجل ! وحاول التحجّج بعمله للهرب من الموقف ، قائلاً :

- مازال عليّ قطع شجرتين ، إستعداداً لفصل الشتاء

الشرطي : ما اسمك ؟

فسكت الرجل بذهول ! فأراد الشاب إرباكه ، قائلاً بثقة :  

- نعلم ما فعلته يا دادويج

الرجل بخوف : كيف عرفتم اسمي ؟! 


فعلم الشرطي انه الشخص المطلوب ، فسأله بحزم : 

- اين زوجتك ؟

- لست متزوجاً !

الشاب : إذاً اين حبيبتك ؟ هل هي بالكهف ؟

الرجل بارتباك : لا !! انا أعيش وحدي .. آسف ، عليّ الذهاب لعملي 


وما أن ادار ظهره ، حتى نطق الببغاء بصوت المرأة :

- ساعدوني !! دادويج يقتلني !!


وعلى الفور !! إلتفت دادويج للوادي برعب ! 

فعلم الشرطي انه ألقى السيدة هناك .. وقام بالقبض عليه ، لينهار باكياً :

- أحببتها بصدق ، لكنها رفضت الزواج دون موافقة اهلها .. فضربتها لتكفّ عن الصراخ ، وفقدّتُ أعصابي !

***


بعد أخذه لمركز الشرطة ، قامت الدوريّة بتمشيط الوادي .. ليجدوا اشلاء المرأة التي يبدو انها ضُربت حتى الموت ! 

ويبدو أن الببغاء الذي كان متواجداً هناك ، هو الشاهد الوحيد على الجريمة! 


وكانت المرة الأولى التي تقبل القضاء شهادة طائرٍ في المحكمة ، بعد تسجيله الكلمات الأخيرة للضحيّة المظلومة !


الجمعة، 24 ديسمبر 2021

الزبون المشبوه

تأليف : امل شانوحة 

سلاح الجريمة


بحلول المساء في منطقةٍ أمريكية ، بجانب الشارع العام بين المدينة والريف .. دخل رجلً (ستينيّ) وهو يحمل كيساً اسوداً فيه ملابس وسخة ، يريد تنظيفها في محل الغسّالات العامّة .. 

فاستقبلته جاكلين (الموظفة الشابة التي تعمل بمفردها في الفترة الليليّة) ودلّته على غسّالةٍ كبيرة ، وهي تقول : 

- معك ساعة يا عمّ قبل إغلاقي المحلّ

- اريد مسحوقاً قويّاً يزيل البقع الصعبة 

فأعطته دواء غسيل ، بعد دفع ثمنه .. 


وحين ذهبت لوضع المال في درج المحل ، لاحظت بقعة دمّ امام البوّابة الزجاجيّة ! يبدو انها تسرّبت من كيس ملابس الرجل ، فانتابها الرعب .. 


وحين اقتربت منه ، وجدّته يحاول إزالة بقعة دمّ أخرى طُبعت على باب الغسّالة بعد وضعه الملابس داخلها .. 

وحين رأى وجهها الخائف ، قال لها :

- أعرف إن الوقت متأخّر ، لكن الآن حتى انتهيت من دهن الحظيرة باللون الأحمر ..  

فتنفّست الصعداء ، لوجود مزرعة دجاج قريبة من المكان 


ثم طلب منها دلواً من الصابون ، لغسل سيارته التي لوّثها بثيابه المصبوغة .. 

وبعد أن فعلت ، شاهدته يغسل مقعد السائق بكل جهدٍ وإتقان !


وعندما ذهبت لإحضار الممسحة لإزالة البقع الحمراء من محلّها ، وجدت بطاقة الرجل واقعة هناك ! والذي يعمل بالحقيقة ميكانيكي سيارات ، وليس دهّاناً كما قال.. فعاد اليها شعور الخوف ، بعد تأكّد شكوكها أنها دماء وليست صبغةً حمراء .. فهل قتل احدهم ، ويحاول الآن مسح الدليل من سيارته ؟!


فأسرعت الى غرفة الموظفين ، واتصلت بالشرطة وهي تقول بصوتٍ مرتجف :

- اريد الإبلاغ عن جريمة قتل 

وقبل أن تُكمل ، سمعت صوت الزبون يقول خلفها ، وهو يحمل العتلة (حديدة تُستخدم لفتح الصناديق الخشبيّة) :

- أخبرتك انها صبغةً حمراء ، الا تفهمين ؟.. هاتي الجوّال !! 


ولم تستطع معارضته ! وأعطته جوّالها الذي وضعه في جيبه ، بعد إقفاله المكالمة .. فأرته بطاقته وهي تسأله :

- لما كذبت بشأن وظيفتك ؟  

فقال غاضباً : هاتِ البطاقة !!

وسحبها من يدها بعنف ، ووضعها في جيبه .. فترجّته خائفة : 

- أرجوك لا تقتلني ، لن أخبر احداً بما حصل

الزبون بحزم : اذاً إمحي ما صوّرته كاميرا المحل ، واخبري مديرك غداً إنك أغلقتي باكراً 


ولوّح بالحديدة امام وجهها مُهدّداً ، فأسرعت قائلة :

- سأفعل ما تأمرني به ، لكن لا تؤذيني 

الزبون : وماذا ستقولين إن لمح أحدهم بقع الدمّ في محلّك ؟ 

- سأقول إن زبوناً صدم غزالاً في طريقه ، ولوّث ملابسه أثناء إزالتها عن الشارع 

- أحسنتِ !! كذبتكِ أقوى من حجّتي .. الآن لنمحي الفيديوهات معاً

***


وأخذته الى غرفة المراقبة .. وفي الوقت الذي كان يشاهد حذف فيديوهاته ، نقلت جاكلين ما تصوّره كاميرا الغرفة لمديرها ! 

 

ولحسن حظّها إن مديرها رأى النقل المباشر على حاسوبه ، وشاهدها وهي تشير بيدها بعلامة المساعدة ، وبجانبها رجلٌ يحمل العتلة المُسنّنة .. فعلم إنها بخطر ! وسارع بالإتصال بالشرطة التي ارسلت دوريّة الى هناك ، والتي قبضت عليه اثناء إخراجه ملابسه من الغسّالة 

*** 


في التحقيقات .. شهدت جاكلين بما حصل ، مُطلعةً المحقّق على شكوكها بكونه قاتلاً يحاول إخفاء جريمته ..

إلاّ أن زوجة المشتبه به (جاك) وولديه ، شهدوا برعايته وحنانه ! وكذلك فعل موظفوا الكرّاج الذي يملكه ، وسكّان منطقته الذين أخبروا المحقّق عن حسن سيرته واخلاقه الجيدة !


ولأن الشرطة لم يصلها بلاغ عن مفقودين في المدينة التي يعيش فيها جاك ، او القرية المجاورة ! فقد أسقطت التهمة عنه ، بعد أن أخبرهم أن ملابسه تلوّثت بدماء الغزال التي سحبها من الشارع 


ممّا أفقد جاكلين أعصابها التي أخبرت المحقّق إنها اخترعت تلك الحجّة ، وانه كذب بشأن وظيفته ، وهدّدها بالعتلة طوال وجوده بالمحلّ ! 

لكن الشرطة لم تجد إثباتاً على كلامها ، بعد حذفها ما صوّرته كاميرا المراقبة تلك الليلة !

***


بعد اسابيع من إغلاق القضيّة .. لمحت جاكلين سيارةً حمراء (تُشبه سيارة جاك) تسير ببطء بجانب المحل كل مساء ، وظنّت انها تتوّهم  


وفي يوم خرجت لتدخين سيجارة ، فرأته يلوّح بالعتلة اثناء مروره بجانب المحل .. فأسرعت للداخل وأقفلت الباب عليها .. ولم تتجرّأ على العودة لمنزلها حتى الصباح ، بعد تقديم إستقالتها للمدير 

***


بعدها بأيام ..واثناء بحثها بالإنترنت عن وظيفةٍ جديدة ، غفت فوق سريرها من شدّة التعب..

فشاهدت كابوساً غريباً : لمراهق بملابس ملوّثة بالدماء ، وهو يطلب منها المساعدة ! وجاك يضحك من بعيد ، وهو يحمل العتلة التي تقطر دماً !


فاستيقظت مرتعبة ! لتدرك إنها اشارة من الضحيّة لإكمال التحقيقات في القضية .. فأخذت تبحث في الإنترنت عن معلومات ضدّ جاك (الذي عرفت اسمه الكامل من التحقيقات السابقة) لكنها لم تعثر على شيءٍ يُدينه !

***


بعد شهرين .. ذهبت الى منزل صديقها (الهاكر) الذي أخبرها بنجاح مشروعه التقني الذي يُفسد تنكّر المشتبه بهم (بإطالة شعرهم وذقونهم) لأن برنامجه يعتمد على النقاط البارزة في الوجه وشكل الجمّجمة .. 

فسألته إن كان بإمكانه وضع صورة جاك ، لمعرفة إن كانت لديه سوابق بشكله القديم او بإسمٍ مزوّر ..

ولم يكن ذلك صعباً بعد نشر جريدة محلّية (في الإنترنت) صورة لجاك اثناء التحقيق معه ..


وبعد تمكّن صديقها من خرق إرشيف الشرطة ، لم يجد قضايا قديمة ضدّ جاك ! 

لكنه عثر على اسمه بأوراقٍ تخصّ دار الأيتام ! ويبدو انه تبنّى رضيعاً قبل 18 سنة .. 


وبعد البحث الدقيق في ملفّات جاك الرسميّة ، علما إن المرأة التي شهدت معه هي زوجته الجديدة (المُطلقة سابقاً) 

فقالت جاكلين : إذاً الولدان ليسا ابنائه ! ماذا عن ابنه المراهق ؟ لما لم تطلب الشرطة شهادته في القضيّة ؟! 


فبحث صديقها بملفّات دار الأيتام ، إلى أن عرف إسم الصبي قبل التبنّي والذي احتفظ بلقبه القديم اثناء دراسته في المنطقة الريفيّة التي لا تبعد كثيراً عن محل الغسّالات التي عملت فيه جاكلين ! 


وعلى الفور !! اتصلت جاكلين بالمحقّق لإطلاعه على المعلومات الجديدة ، وعن شكّها بأن جاك قتل إبنه بالتبنّي .. 

وأعطت المحقّق عنوان المنزل الريفيّ لجاك ، مُكتفية بالقول انها وجدته بالإنترنت .. وأخبرته إن لم يعثر على إبنه المراهق هناك ، فهذا يؤكّد مقتله ! 


وبعد إغلاقها المكالمة ، عاتبها صديقها على تسرّعها باتهام جاك 

فقالت له :

- رأيت مراهقاً مقتولاً في منامي ، لابد انه ابنه .. لندعّ الشرطة تحقّق بهذا الخصوص 

***


وبالفعل شعر المحقّق بارتباك جاك بعد سؤاله عن جون (ابنه بالتبنّي) .. 

فأجابه : انه يعيش بسكن الطلّاب الجامعيّ .. وهو لا يعلم أيّةِ جامعة التحق بها ، ولا رقم جوّال ابنه الجديد .. 

فلم يقتنع المحقّق بكلامه !

***


بعد اسبوع من التحقيقات بسجلّ جامعات الولاية ، لم يجدوا جون في أيّ سكن طلّابٍ منها .. ووجدوا ملفّه في جامعة قريبة من المدينة (التي يعيش فيها جاك حالياً) ..وأكّد مديرها بعدم حضور جون ، رغم بدء الدراسة قبل اسبوع ! 


فعلم المحقّق إن شكوك جاكلين في محلّها ، لكنه لم يردّ القبض على جاك قبل تأكّده من اختفاء المراهق .. 

***


وذهب المحقّق الى المنطقة الريفيّة التي عاش فيها جون طفولته مع امه المتوفية (الزوجة السابقة لجاك) .. 

وسأل عنه ، إلى أن وصل لصديقه المفضلّ الذي قال : 

- كان جون خائفاً من والده الذي نوى بيع منزله فور التحاقه بالجامعة ، رغبةً في توسيع عمله لأجل زوجته الجديدة

المحقّق : وهل تضايق جون من قراره ؟

- كثيراً ، فهو لا يريد التخلّي عن ذكريات امه داخل المنزل 

- يبدو انه كان على وفاق مع امه أكثر من ابيه ؟


الصديق : كانت امه عاقراً ، وهي من أجبرت زوجها على التبنّي .. لهذا رغب العم جاك بإعادته للميتم بعد وفاتها ..لكنهم لم يوافقوا بعد بلوغه 14 ، وأخبروه انه سيُسأل قانونياً إن تخلّى عنه قبل 18 .. لهذا فرح العم كثيراً بعد قبول جون في الجامعة

- ومتى آخر مرة رأيت فيها صديقك ؟

الصديق : ودّعني حزيناً بعد إجبار والده على التحاق بالجامعة باكراً ، والذي أصرّ على توصيله بنفسه للسكن الجامعيّ 

- أتذكر أيّ يوم ؟


وصادف انه اليوم ذاته الذي دخل فيه جاك محل الغسّالات لغسل ملابسه الملوّثة بالدماء ! 

فعلم المحقّق إن جدالاً حصل في الطريق ، أدّى لمقتل المراهق.. 

حينها طلب إذناً من مركز الشرطة لتفتيش سيارة جاك .. 


لكنه تفاجأ إن جاك طلب من موظفيه تفكيك سيارته الحمراء لبيعها قطعاً في المعرض ، بعد شرائه سيارة جديدة عقب بيعه منزله الريفيّ ! 


فتذكّر المحقّق العتلة الحديديّة التي هدّد بها جاكلين .. فطلب من جاك فتح صندوق سيارته الجديدة ، وأخذ العتلة التي وجدها هناك للمختبر .. وكان واضحاً إرتباك جاك الذي نسيّ التخلّص من عدّة سيارته القديمة !

***


في المختبر .. عثروا على نقطة دمّ على مقدّمة العتلة ، التي لم تُمحى رغم تنظيفها بمساحيق قويّة .. وكانت تعود لجون ، حسب سجلاّته الطبّية في الميتم !


وتمّ القبض على جاك بعد اعترافه بجدالٍ حادّ وقع بينهما ، لرفض جون بيع منزل امه التي وعدته بتسجيله بإسمه ، لولا موتها قبل إنهائها الأوراق الرسميّة

 

وتحوّل الجدال لعراكٍ بالأيديّ في الطريق الصحراويّ .. واستطاع المراهق رمي جاك خارج السيارة التي لم يستطع قيادتها ، لاستحواذ والده على المفاتيح !

فحاول إدارة المحرّك بتوصيل الأسلاك اسفل المقوّد ، ليتفاجأ بجاك ينهال بالعتلة على رأسه ، الى أن قتله .. 


ثم سحبه لخارج السيارة ، ودفنه بالصحراء .. وأكمل قيادة سيارته وهو يعلم إنه لا يستطيع العودة الى منزله بملابسه الملوّثة بالدماء .. فلبس ثياب ابنه التي وجدها في الحقيبة ، ثم دخل المحل لغسل ملابسه 


فسأله المحقّق : ولما لم ترمي ملابس الجريمة ، كما فعلت مع الجثة؟ 

جاك : لأن زوجتي اختارت بنفسها الملابس التي ذهبت بها الى الريف .. وإن عدّتُ مساءً بملابس جديدة ، ستظنّ إنني خنّتها فهي غيورةً جداً .. لهذا أردّت غسلها وتجفيفها ، للبسها ثانيةً قبل عودتي للمدينة .. وكنت سأنجح لولا فضول الموظفة التي أفسدت خطتي !!

***


ولاحقاً مشّطت الشرطة الصحراء ذهاباً وإيّاباً دون عثورها على جثة جون ، بعد نسيان جاك مكان دفنه !  

وأُغلقت القضية بالحكم عليه مؤبّداً ، لقتله المتعمّد لإبنه بالتبنّي..

***


اما جاكلين فارتاحت نفسيّاً بعد رؤيتها جون في المنام وهو يشكرها ، قبل تحليقه بخفّة للسماء ! 

فعلمت إن روحه حصلت على السلام بعد عقاب المجرم .. 


ووعدّت اهلها وصديقها أن لا تعمل في الفترات المسائية ، كيّ لا تلتقي بزبائن مشبوهين يسبّبون لها عقداً نفسيّة دائمة ! 


الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

عنصريّة القانون

تأليف : امل شانوحة 

الميزان المقلوب !


في الصباح الباكر .. طلب حارس السجن في ولاية شيكاغو من سجينٍ أبيض القدوم معه الى غرفة الزيارة ، للحديث مع المحامي الأفريقي .. 

فردّ السجين باستغراب :

- انا لم أعيّن محامياً ! وبالتأكيد لن توكّله الدولة ، بعد سجني ما يزيد عن عشرين سنة .. فهل انت متأكّد انه يريد مقابلتي ؟!

الحارس : نعم ، وأظنه سيدفع كفالتك 

السجين بدهشة : أحقاً ! ولما يقوم احد بدفع كفالة مُغتصب اطفال ؟

- إذهب إليه ، وسيُخبرك بكل شيء

***


في مكتب للزيارات الخاصة ، سأل المجرم المحامي عن إسم كفيله الذي دفع المبلغ الكبير لإخراجه ؟ 

فأصرّ المحامي على الإحتفاظ بالمعلومات (حسب رغبة موكّله) مُكتفياً بالقول :

- سأرافقك الى منزلك الجديد في حيٍّ شعبي ، وسأدبّر لك عملاً بنهاية الإسبوع 

السجين : وماذا عن الطعام ؟

- ستجد كل ما تحتاجه في ثلاّجة المنزل 

- لا أصدّق ما أسمعه .. مازال في عقوبتي عشر سنواتٍ أخرى ، والآن أُسرّح بهذه السهولة !

المحامي : انت محظوظ لأن رئيسي اختارك من بين المساجين

السجين ساخراً : وهل اختارني لحسن سيرتي والسلوك ؟

فوقف المحامي وهو يقول بحزم : جهّز نفسك !! سآخذك بعد قليل 

- ماذا عن الكفالة ؟

- دفعتها قبل قليل .. هيا لا تتأخر ، سأنتظرك خلف بوّابة السجن

وعاد السجين الى زنزانته لأخذ حاجياته ، وهو لا يصدّق ما حصل!

***


في المساء .. سأل الثريّ (الأفريقي الأمريكي) محاميه :

- هل استقرّ السجين في منزله ؟

المحامي : نعم سيدي ، وبعد يومين آخذه للعمل في السوبرماركت القريب من بيته 

- هل حرصت أن يكون منزله قرب مدرسة الأطفال ؟ 

- أجل ، رغم خطورة الوضع ! فهو سُجن بعد اعتدائه على 5 اطفال : قتل ثلاثة منهم ، ونجى اثنان بصعوبة

السيد : أعرف تهمته ، فقد قرأت ملفّه جيداً

- سيدي ! لا أفهم مالذي يحصل .. فهذا سابع مجرم بتهمة التحرّش بالأطفال تدفع كفالته ، وتُسكنه بالحيّ الشعبي الخاصّ بالأفارقة ..فلما تصرّ على المكان ذاته ؟!

- هذا شيء لا يعنيك .. وظّف مصوراً جديداً لمراقبة تحرّكات السجين ، كما يفعل بقيّة المصوّرين مع السجناء الطلقاء الآخرين

المحامي : وماذا لوّ كرّر أحدهم جريمته ؟ 

- حينها تُرسل صور خطفه الطفل ، وأنا أكمل الباقي 

- كما تشاء سيدي !

***


لم يجرأ أحد من السجناء السبعة على الإقتراب من الأطفال (رغم رغبتهم الشديدة بذلك) خوفاً من عودتهم للسجن .. 


واستمرّ الوضع هادئاً ، حتى نهاية الشهر الثالث للإفراج عنهم .. حيث أقدم أحدهم على خطف فتاةٍ صغيرة لعبت قرب منزله .. 


وعلى الفور !! أرسل المراقب الصور للثريّ (التي توضّح لحظة إختطاف المجرم للفتاة ، الى وقت إدخالها منزله) 


وما أن رأى السيد الدليل ، حتى أمر محاميه بتنفيذ الخطة التالية .. قائلاً له:

- إرسل الصور لوالد الطفلة .. وضع عنوان المتحرّش داخل الملف ، مع ورقة مكتوباً عليها ((القرار بيدك : إمّا أن تتصل بالشرطة ، او تقتل المعتدي بيديك))

المحامي : وهل ستتركه يقتل السجين بالفعل ؟!

- هذا قراره .. ودعّ المراقب يخبرني بردّة فعل الوالد ، فور استلامه الملف 

- انا لا أفهم شيئاً !

السيد بعصبية : نفّذ ما قلته لك !! 

***


وبالفعل أثارت الصور جنون الوالد الذي حمل عصا البيسبول ، راكضاً باتجاه عنوان المتحرّش الذي لا يبعد كثيراً عن متجره .. 


وقام المراقب بتصوير الأب وهو ينهال ضرباً على السجين حتى قتله .. ثم دخل منزل المعتدي ، لإخراج طفلته وهي تبكي بين ذراعيه 

***


حين شاهد الثريّ صور الوالد المنتقم ، قال بفخر :

- ممتاز !! هذا ما اريده بالضبط

المحامي بضيق : رجاءً سيدي ، إفهمني خطّتك .. فأنت دفعت مبلغاً كبيراً لإخراج المجرم من السجن .. والآن انت سعيد بموته !

- بالطبع يُفرحني موت مُتحرّش الأطفال 

- وهل أخرجته من السجن لتقتله ، وتريح المجتمع منه ؟

السيد : لا يهمّني رأيّ المجتمع ، بل تركيزي على الأفارقة الأمريكان .. اريدهم أن ينتقموا بأنفسهم ، دون اعتمادهم على الشرطة البيض العنصريين .. 

- وهل ستكرّر ذات الخطة مع السجناء الآخرين ؟

- فقط لمن تسوّل نفسه الإنحراف ثانيةً .. لهذا أطلب من رجالك أن يراقبوهم على مدار الساعة

المحامي : كما تشاء سيدي !

***


لم تعلم الشرطة بما حصل ليلتها ، لقيام اهل الطفلة المُختطفة بدفن السجين المقتول ، وإخفاء جميع الأدلّة .. 


وظلّ الوضع هادئاً لإسبوعين ، قبل قيام متحرّشٌ آخر بالخطأ نفسه ! بعد اختطافه ولداً اسود فور خروجه من المدرسة ..


فقام المحامي (بناءً على طلب الثريّ) بإرسال صور الإختطاف ، وعنوان المتحرّش لوالد الطفل الذي سارع بالإتصال بالشرطة التي قدمت للتحقيق في الجريمة ..


وعند ذهابهم لمنزل المتحرّش ، وجدوه خالياً ! بعد قيام رجال الثريّ بتهريب المتحرّش وضحيّته لمكانٍ آمن .. 


ومن بعدها طلب الثريّ من محاميه ، إرسال ورقة الى والد الطفل مكتوباً فيها :

((ايها الجبان ، كان عليك الإنتقام بنفسك .. ولأنك اخترت الإستعانة بالشرطة البيض ، فقد خسرت ابنك للأبد))

وقام المراقب بتصوير الأب وهو منهار بالبكاء ، بعد معرفته بضياع ابنه! 

***


في المكتب ، سأل المحامي الثريّ :

- ماذا سيحصل للطفل المُختطف ؟

السيد : أضاع والده حياته بقراره الخاطئ 

- حقاً لا أفهم ما تريد إثباته !

السيد بعصبية : اريد للسود أن يأخذوا حقّهم بأيديهم دون الإستعانة بالشرطة البيض ، كم مرّة عليّ إفهامك ذلك ؟!!

المحامي بخوف : آسف سيدي ! لم أقصد إزعاجك

- غداً صباحاً تذهب للسجن المركزي ، وتدفع كفالات اسوء المتحرّشين البيض ..وتسكنهم في منطقة الأفارقة 

المحامي : والى متى سنستمر في فعل ذلك ؟

- الى أن يفهم الأغبياء أن الشرطة البيض لا يكترثون لأبنائهم ، وأن عليهم إنشاء قوانين خاصة للدفاع عن منطقتهم الشعبيّة .. فإما أن يستوعبوا ذلك ، أو أخسر ثروتي وتنتهي القصة ... والآن أُغرب عن وجهي !!

***


بعد ذهاب المحامي ، صعد الثريّ للطابق العلويّ .. وفتح غرفة ابنه (الثلاثيني) الذي يشاهد التلفاز على سريره ، لكونه مشلول شللاً كاملاً !


وأخذ يمسّد شعره بحنان ، وهو يقول بعيونٍ دامعة :

- أعرف انك تسمعني وتفهمني .. اريد إخبارك أنني حالياً أعاقب السكّان السود الذين شهدوا ضرب الشرطة البيض لك ، دون تحرّكهم ساكناً ! وسأنتقم ايضاً ممّن اتهمك زوراً بالتحرّش بالولد الأبيض .. 

فحرّك ابنه عينيه بقوة ، فقال الأب : 


الثريّ بحزن : أعرف حبيبي ، أعرف انك بريء .. هذا ليس خطؤك ، بل ذنب أهل مدينتي الذين أغرقتهم بالأموال والمشاريع الإنمائيّة ، وكيف ردّوا لي الجميل ؟.. إكتفوا بتصويرك وأنت تُضرب ، حتى شُلّلت بالكامل ! والأسوء إن القضاء برّأت الشرطة الملاعيين الذين سينالون عقابهم قريباً .. فهمّي الآن هو تعليم السود درساً قاسياً ، بأن لا يثقوا بالشرطة البيض ثانيةً .. سأجعلهم ينامون بعينٍ مفتوحة ، خوفاً على اولادهم من المتحرّشين الكُثر الذين سأنشرهم بينهم .. ولن يهدأ بالي قبل قلب ميزان العدالة في اميركا كلّها !!

ثم حضن ابنه الوحيد ، وهو منهار بالبكاء ! 


الاثنين، 20 ديسمبر 2021

جِراحةٌ طارئة

تأليف : امل شانوحة 

مريض المصعد


دخل الممرّض الى غرفة الأطبّاء المتدرّبين .. وطلب من الدكتور جاك القدوم معه ، دون إخباره السبب !

وحين خرج جاك الى ممرّ المستشفى ، وجد مريضاً مُخدّراً فوق سريرٍ جراحيّ .. فسأله :

- مالذي يحصل ؟!

الممرّض : عليّ نقله الى قسم الجراحة لبتر قدمه ، بعد إصابته بحادثٍ مروريّ 

جاك : اذاً انقله على عجل ، مالذي يوقفك ؟

- البروفيسور طلب قدومك لمشاهدة الجراحة 

- لكنه منع المتخرّجين الجدّد من حضور العمليات الجراحية ، قبل إنهاء تدريباتنا في قسم الطوارئ !  

الممرّض : لا وقت للمجادلة ، تعال معي قبل استيقاظه من المخدّر  

فدفع جاك السرير معه لداخل المصعد ، الذي ما أن صعد طابقين حتى تعطّل ! 

***


ضغط الطبيب على زرّ الطوارئ في المصعد ، ليُخبره الكهربائي إن مصعدهم بحاجة لتصليح ! 

الطبيب : لما لم تلصق ورقة تحذّرنا من استخدامه ؟

الكهربائي : لا تقلق ، سأصلح العطل في الحال .. كم شخص عالق في المصعد ؟


فأخبره الممرّض عن الحالة الحرجة التي معهم .. 

وطلب منه جاك أن يخبر البروفيسور (الذي ينتظرهم في غرفة الجراحة) بتأخّرهم عن الموعد المحدّد للعملية ..

فذهب الكهربائي لإخبار الإدارة بالعطل ..  

***


في هذه الأثناء .. قال الممرّض للطبيب :

- قبل إستيقاظ المريض ، هل يمكنك الكشف على قدمه لمعرفة إن كان  ممكناً إنقاذها ام لا ؟ 

الطبيب : طالما البروفيسور قرّر بترها ، فهذا يعني إن حالتها ميؤوساً منها

- إفحص قدمه لربما وجدّت الحلّ ، فأنت أذكى الأطبّاء الجدّد 

- من قال ذلك ؟!

الممرّض : الجميع يتحدّث عن براعتك وذكائك ، وبرأيّ أنت الوحيد الذي يمكنك إنقاذ قدمه 

- حسناً ، سألقي نظرة عليها


وفكّ الشاشّ عن قدم المريض ، ليجد إنها مُعلّقة بساقه من خلال الشراين فقط ! بعد انكسار عظامه وتقطّع جلده وعضلاته .. فقال للممرّض :

- الشريان الأساسي سليم ، بخلاف الشريانين الصغيرين 

- اذاً لا مشكلة بإنقاذ قدمه 

الطبيب : ستحتاج عمليته لوقتٍ طويل  

- يمكنك فعل ذلك

- مستحيل إجراء عملية دقيقة في المصعد ، دون ادوات الجراحة 


فأخرج الممرّض من اسفل سرير المريض ، حقيبة فيها جميع احتياجات الجراحة ! بالإضافة لجهاز تخدير وشاشّ ، والحديد المُستخدم في تثبيت العظام المنكسرة .. ووضعهم بجانب الطبيب وهو يقول :

- هل يمكنك إنقاذه الآن ؟

الطبيب بدهشة : من وضع المستلزمات الطبّية في الحقيبة ؟!

- طلبها البروفيسور من جرّاح العظام الذي جهّزها بنفسه ، لكيّ أنقلها مع المريض لغرفة الجراحة 


فتفحّص جاك الأدوات ، ليجد كل ما يحتاجه للعملية .. فقال بتردّد :

- عليّ استئذان البروفيسور ، لأن فيها مسؤولية قانونية ..فأنا مازلت طالباً 

الممرّض : هو سيمنعك من إجراء العمليات الجراحيّة لسنوات ، وهذه فرصتك لإثبات براعتك .. ثم البروفيسور لا يهمّه سوى الإسراع بالعملية الجراحية ، دون اكتراثه بتحويل شاب الى معاق لبقيّة حياته

- ولما انت مهتمّ لهذه الدرجة بمصير الشاب ؟!

- التقيت بعائلته بقسم الطوارىء ، وأخبروني انه رياضيّ ينوي الإحتراف في الأولمبياد ..وترجّوني أن لا يضيع مستقبله ببتر قدمه 


الطبيب بارتباك : لا مازالت مُجبراً على استشارة البروفيسور ، فهو صاحب المستشفى

- وهل تظنه سيهتم بمصير شابٍ فقير ؟ رجاءً قمّ بالعملية .. وإن لم تنجح ، سيبترون قدمه في جميع الأحوال ، على الأقل تكون أديت واجبك اتجاه المريض .. اما في حال نجحت العملية ، فستوضع علامة جيدة في سجلّك الطبّي .. هيا دكتور جاك قمّ بالعملية ، وسأكون مساعدك 


ففكّر الطبيب قليلاً ، وهو يتمعّن في وجه الشاب اليافع .. ويستجمع قواه ، قائلاً للممرّض :

- حسناً ، إعطني المطهّر والقفازات الطبّية .. وانت اهتمّ بتخديره ، حتى لا يستيقظ في منتصف العملية

الممرّض بحماس : أحسنت يا بطل !! 


وبدأ الطبيب بالجراحة على الفور ، محاولاً ربط الشريانين الصغيرين المقطوعين ببعضهما ، بعد وضعه النظّارة المكبّرة التي وجدها في الحقيبة الصغيرة ! 

وقد احتاج لساعةٍ كاملة لإنهاء مهمّته الصعبة ..


وقبل تثبيته الحديدة لربط العظام المنكسرة ، سمع صوت البروفيسور من جهاز المصعد :

- دكتور جاك !! ماذا تفعل ؟

الطبيب بارتباك : بروفيسور ! كنت أقوم ب..

البروفيسور مُقاطعاً بعصبية : من أعطاك الإذن للقيام بعمليّةٍ خطيرة في المصعد؟!!  

الطبيب باستغراب : وكيف عرفت انني ..

البروفيسور مُقاطعاً بغضب : انا اراك من كاميرا المصعد ، وبجانبي الفريق الطبّي .. ستُعاقب يا جاك لتجاوزك القوانين !!

الطبيب بقلق : لكني نجحت في ربط شراينه الدقيقة ، ولم يعد امامي سوى تثبيت العظام وتقطيب عضلاته الممزّقة .. هذا يعني انني أنقذت قدمه من البتر


البروفيسور بإصرار : القدم مُدمّرة تماماً ، ولا مجال لإنقاذها

جاك بجرأة : أظنك مُخطئ 

البروفيسور بدهشة : ماذا قلت ؟!

الطبيب : انت تستعجّل دوماً في قرار البتر ، بينما اراعي انا الحالة الإجتماعية للمريض .. فبعد قراءتي ملف المريض : عرفت انه الإبن الوحيد الذي يعيل والديه من خلال مبارياته الرياضيّة .. لهذا قرّرت إنقاذ قدمه مهما كلّفني الأمر

البروفيسور مُهدّداً : ستُطرد من عملك !! وبتقريرٍ واحد مني ، أمنعك من مزاولة الطبّ طوال حياتك 

جاك بعناد : لا يهم !! سأنقذ قدم الشاب بجميع الأحوال


وهنا سمع الطبيب والممرّض صراخ البروفيسور على الكهربائي :

- كم الوقت الذي تحتاجه لإصلاح المصعد اللعين ؟!! 

الكهربائي : انا وفريقي نعمل على ذلك ، ونحتاج لساعتين على الأقل لإصلاح العطل 

البروفيسور غاضباً : ساعتين ! يكون المريض توفّى وانتهى امره

جاك بحزم : لن يموت المريض !!

البروفيسور : وماذا ستفعل إن استيقظ وسط العملية ؟ 

فأجابه الممرّض : لا تقلق دكتور ، معنا مخدّر يكفي لأربع ساعات

البروفيسور بعصبية : ومن سمح لك بإخراج جهاز التخدير من غرفة الجراحة ؟! 


فسكت الممرّض بارتباك ! 

فهمس جاك له : الم تقل إن البروفيسور طلب من جرّاح العظام تحضير الحقيبة ؟ 

فأغلق الممرّض جهاز الصوت من المصعد..

جاك باستغراب : ماذا تفعل ؟!

الممرّض : انت تحتاج لتركيز في العملية ، والبروفيسور لا يهمّه سوى سمعة المستشفى .. دعك منه واكمل عملك

جاك : يبدو كلانا سنُطرد ، فور خروجنا من هنا

- لا يهم ، طالما سننقذ حياة الشاب 

- جيد انني علقت مع شخص يفكّر بإنسانيّة مثلي  

الممرّض : لا تهتم لتهديداته ، واكمل عملك يا بطل !!


ولم يكن امام البروفيسور إلاّ متابعة العملية من الشاشة .. 

لينتشر الخبر بين موظفيّ المستشفى ، ويُسارع زملاء جاك (المتخرّجين الجددّ) للإجتماع بغرفة المراقبة بجانب البروفيسور لمشاهدة صديقهم وهو يقوم بعمليةٍ خطيرة لوحده ! والتي دامت ساعتين إضافيتين ، بعد قيامه بتثبيت قدم المريض بالحديدة الطبّية ، وتقطيب العضلات وطبقات الجلد الممزّقة .. ومن بعدها لفّ القدم بالشاشّ عقب تطهيرها ..


ليتنهّد جاك بتعب ، وهو يقول بارتياح : أخيراً انتهيت !!

الممرّض باهتمام : هل نجحت العملية ؟ 

- أنظر بنفسك


وأزال جاك بطاقته من روبه الأبيض .. وغرز دبّوسها في قدم المريض النائم ، لتنتفض قليلاً !

جاك بارتياح : ارأيت !! عاد الإحساس لأصابعه

الممرّض بفرح : أحسنت يا بطل !!

وحضنه بسعادة ، وجاك مُتفاجئ من حماسه !

***


في غرفة المراقبة ، صفّق الطلّاب بفخر لنجاح صديقهم.. بينما كتم البروفيسور غيظه ، بعد إثبات جاك خطؤه بتشخيص إصابة المريض !


وفجأة ! تحرّك المصعد للأعلى .. ليُسارع الطلّاب باستقبال جاك امام باب المصعد .. 

ثم سكتوا جميعاً بعد وصول البروفيسور الذي طلب من الممرّض إحضار المريض الى غرفة الأشعّة للتأكّد من نجاح العملية ..

***


وبعد نقل المريض الى هناك ، انتظر الجميع رأيّ البروفيسور بالعملية .. 

والذي قال بعد فحصه صور الأشعّة : 

- الدم يتدفّق جيداً للقدم .. والحديدة ثُبّتت بإحكام .. والتقطيب يُعتبر محترفاً بالنسبة لخبرتك المتواضعة

جاك باهتمام : أيعني هذا إن قدمه لن تُبتر ؟

البروفيسور : لا ، العملية ناجحة


وصفّق الطلّاب لجاك بحماس ، وهم يباركون نجاحه في اول عمليةٍ له .. 

لكن البروفيسور أوقفهم ، بعد طلبه من الطبيب والممرّض والكهربائي الإجتماع معه في المكتب ! 

وشعر الجميع بغضبه المكبوت .. بعكس عائلة الشاب التي تلقّت خبر إنقاذ قدم ابنها الرياضيّ بسعادةٍ غامرة 

***


في مكتب البروفيسور ، صرخ عليهم غاضباً :

- ما هذه المسرحية السخيفة التي حصلت في مستشفايّ ؟!!

جاك : أيّ مسرحية دكتور ؟! 

البروفيسور : تعطّل المصعد لثلاث ساعات .. وفور انتهاء العملية ، تحرّك من جديد !

الكهربائي : ماذا تقصد ؟!

البروفيسور : أقصد انك أوقفت المصعد مُتعمّداً ، لإجراء جاك العملية بدلاً مني اليس كذلك ؟!! 

فسكت الكهربائي بارتباك..


البروفيسور : وانت !! سألت جرّاح العظام الذي أنكر إعطائك معدّات الجراحة ، التي سُرقت من مكتبه هذا الصباح .. فكيف عرفت بمستلزمات العملية ؟!

فسكت الممرّض قليلاً ، قبل أن يقول :

- شاهدت عملية ترميم القدم المقطوعة من الإنترنت ، وحضّرت الشنطة بنفسي .. واخترت جاك لأنه أبرع طلّابك ، وهو الوحيد القادر على إنقاذ قدم ابن عمي


فسأله جاك بصدمة : هل المريض قريبك ؟!  

الممرّض : نعم ، وأهله ترجّوني لإنقاذه 

البروفيسور : جميلٌ جداً ! وماذا عنك ؟

الكهربائي : انا والد الشاب المُصاب .. وحين عرفت بالحادثة ، اتفقت مع ابن اخي (الممرّض) لإنقاذه مهما كلّفنا الأمر 

جاك باستغراب : لكني تقابلت مع عائلة الشاب قبل قليل ، وسلّمت على والده !

الكهربائي بحزن : هذا زوج امه الذي ربّاه طفلاً ، بعد طلاقي والدته .. وهو الذي ترجّاني بإيجاد حلٍّ لإنقاذ مسيرته الرياضيّة 


البروفيسور : اذاً جميعكم متواطئين بهذه المهزلة ؟!! 

الممرّض : لا !! الدكتور جاك لا يعرف شيئاً ، أحلف لك

الكهربائي : نحن اتفقنا على اختياره ، لأنه الأكفأ بين طلبتك 

البروفيسور غاضباً : أكفأ مني ؟!!

الكهربائي : أعتذر منك .. لكن بعد شهرة مستشفاك ، لم تعد تكترث للحالات الإنسانيّة الخاصة بالفقراء


البروفيسور باستنكار : انا بنيت المستشفى لرعايتهم

الكهربائي : وكنت رحيماً في الماضي ، لكنك تهتم الآن للأمور الإداريّة فحسب 

البروفيسور بغضب : طالما هذا رأيكما بي ، فكلاكما مطرودين من مستشفايّ !!

الممرّض : توقعنا ذلك .. المهم اننا أنقذنا شاباً موهوباً ، الذي ربما يرفع اسم بلادنا في الأولمبياد القادمة 


وبعد خروجهما من مكتبه .. سأله جاك بقلق :

- وماذا عني ؟

البروفيسور : لا يمكنني إنكار براعتك بالعمل .. لهذا سأسمح لك بدخول الغرف الجراحية ، للتعلّم مباشرةً من الجرّاحين المحترفين 

جاك بدهشة : شكراً جزيلاً لك !

البروفيسور : بل الشكر لك ، فأنت أثبتّ خطأي بتقيّم الحالة .. ورغم طردي للممرّض والكهربائي ، إلا انهما قالا الحقيقة ! فأنا أهملت الحالات الإنسانية ، لهذا سأترك الجراحة واهتمّ بالأمور الإدارية للمستشفى  

- لكنك جرّاحٌ مُحترف !

- سأتدخّل فقط بالجراحات المعقّدة.. عدا عن ذلك ، سألتزم مكتبي ..(ثم سلّم عليه) .. مبروك يا جاك !! إستحقّيت الترقية من دكتورٍ مُبتدئ الى جرّاحٍ مُتدرّب


وخرج جاك من مكتبه وهو فخور بنفسه بعد نجاحه بعمليةٍ مُعقّدة ، لم يجرأ أحد على القيام بها ضمن إمكانياتٍ محدودة داخل مصعدٍ معطّل ! 


السبت، 18 ديسمبر 2021

زيف النوايا

تأليف : امل شانوحة

الثقة في غير محلّها 


مع غروب الشمس ، وفي سيارة الأجرة .. تحدّث السائق مع الشيخة سعاد عن أقاربه الذين تعرّضوا للسحر ، ثم طلب منها :

- لوّ سمحتِ يا حجّة .. اريد رقم جوّالك لإحضار ابني ، للقراءة عليه .. فرزقه قلّ كثيراً منذ إيجاده ماءً قذراً على عتبة محله

العجوز سعاد : حسناً ، سأحدّد موعداً لفكّ سحره

- بارك الله فيك .. كما اريد موعداً لإبنتي ، فهي تجاوزت الثلاثين ولم تتزوج رغم ذكائها وجمالها

- الم يتقدّم لها العرسان ؟


السائق : الكثير منهم ، لكن أمورها تتعسّر قبل كتب كتابها دون سببٍ واضح !

- لا بأس ، سأقرأ عليها ايضاً 

- نحن نتعبك يا حجّة ، لكنك انسانة مبروكة والجميع يمدحك .. يكفي تحفيظك القرآن للفتيات الصغيرات

سعاد : انا اقوم بواجبي تجاه اهل مدينتي 

***


وأوصلها الى صالة عرس .. وقبل نزولها من السيارة ، سألها :

- هل انت من اهل العروس ام العريس ؟

سعاد : ليسوا اقاربي .. أتيت للمباركة لهم ، فهم جيراني القدامى 

السائق : بارك الله فيك

***


في المساء ، عادت العجوز مع سيارة أجرة ثانية .. وما أن عرفها السائق ، حتى سألها : 

- الحجّة سعاد ! كيف حالك ؟ هل عرفتني ؟

العجوز : لا ! ذكّرني بنفسك

- أنت قرأتي على ابنتي العاقر قبل سنتين ، والآن لديها ولدٌ جميل

- الحمد الله على سلامتها


السائق : ما كانت لتحمل ، لوّ لم تفكّي سحرها .. نحن مدينون لك .. 

- لم افعل شيئاً 

- كيف لا ، وأنت تدرّسين النّسوة علوم الدين بنهاية كل اسبوع .. وبناتي من طلاّبك ، فبارك الله فيك

- انا أقوم بواجبي وحسب

***


حين أوصلها منزلها ، وجدت قريبها في انتظارها .. فنزلت مُتأفّفة ، وهي تقول في نفسها :

((ماذا يريد بهذا الوقت المتأخّر ؟))


وساعدها بالصعود الى شقتها .. فحاولت الإعتذار منه ، لرغبتها النوم بعد تأخّر الوقت .. فقال قريبها :

- سأحدّثك كلمتين وارحل 


وما أن أدخلته الصالة ، حتى وضع امامها سرّة قماشيّة ! 

وبعد أن فتحتها ، سألته :

- هل وجدت السحر في منزلك ؟

الرجل : فوق عتبة منزلي 

- لا حول ولا قوّة الاّ بالله .. حسناً إتركها لي ، وسأحاول فكّها قريباً 

- خالتي ، تعرفين إنني أعمل في المختبر

سعاد : ماذا تقصد ؟!

- وجدّت شعرة شائبة داخل السرّة ، فحلّلتها .. ولأني أشكّ بأحدهم ، إحتفظت بكوب الشايّ الذي شربه عندي البارحة .. وتطابقت الجينات فيما بينها 

سعاد بقلق : ومن زارك البارحة ؟


فوضع التقرير الطبّي والكأس الفارغ امامها ، وهو يقول :

- انت !!

سعاد بعصبية : أتتهمّني ظلماً ؟

- انا لم أجد السحر إلاّ بعد زيارتك .. وكنت أشكّ بك ، عقب كوابيسي وأنت تسحرين عائلتي ! لهذا قرّرت الإحتفاظ بكأس الشايّ الذي شربته ، ليؤكّد التقرير الطبّي إنها شعرتك .. فلما فعلت ذلك ؟ لما تدّعين الإيمان والصلاح إن كنت تعصين الله ؟ هل تأخذين المال من العملاء لعقد السحر ، ثم تأخذين المال من المسحورين لفكّ السحر ذاته ؟ الهذا اشتهرتي بقدرتك العظيمة على علاج المسحورين ، وأنت بالحقيقة تنبشين السحر الذي دفنته بنفسك ؟ ..كما اعتدّتِ الذهاب للأعراس دون عزيمة لسحر العرسان ، وبسببك زاد الطلاق في منطقتنا .. (ثم اقترب منها مهدّداً) .. لن أخرج من هنا قبل سماع اعترافك بأنك مذنبة !!


سعاد بغضب : لا أسمح لك بإهانتي يا ولد !!

- سأفضحك يا خالتي !! وسأخبر الناس أن الشيخة سعاد هي ذاتها الساحرة المجهولة التي يرغب الجميع في طردها من منطقتنا 


وقبل خروجه من بابها الخارجيّ ، رفعت صوتها بالتعاويذ الشيطانية وهي تشير بأصبعها على ظهره .. ليسقط مغشيّاً عليه !

وتخرج زوبعة سوداء من سقف الصالة ! .. فتأمرها سعاد :

- خذوه الى عالمكم !!

فظهر صوتٌ من الزوبعة : هل تتخلّين عن ابن اختك ؟

- ان كان سيفضحني ، فلا يهمّني أمره


فسحبت الزوبعة الرجل من اقدامه ، ليختفي خلف الجدار بعد أخذه لعالمهم السفليّ! 


ثم قالت العجوز بلؤم :

- سأبقى الشيخة الجليلة سعاد ، لحين سحري جميع أهالي منطقتي الأعزّاء 

وابتسمت بخبث !  


الجمعة، 17 ديسمبر 2021

قصة أطفال (الملح والسكّر)

تأليف : امل شانوحة

الوقاية خيرٌ من العلاج


في الصباح .. دخل الولد الى المطبخ لشرب الماء ، فوجد السكّر والملح يتجادلان بصوتٍ خافت فوق طاولة الطعام .. 

وحين لمحاه ينظر إليهما بدهشة ! توقفا عن الكلام والحركة ..

فسألهما عن سبب الشجار ؟

فلم يجيباه .. فقال لهما :

- لا تخافا لن أخبر والدايّ ، فهما لن يصدّقاني بجميع الأحوال .. فقط إخبراني عن سبب الخلاف ، لربما استطعت مساعدتكما 


فتحرّك الملح باتجاهه قائلاً : 

- إختلفنا من الأهم بيننا .. فأنا أعتبر نفسي من أساسيات الطبخ ، ومن دوني الأكل لا طعم له .. كما إنّي مهم في صنع المخلّلات واللحوم المقدّدة والجبن والشيبسيات اللذيذة 

الولد : هذا صحيح 

الملح : وقديماً استخدموني كعملةٍ نقديّة .. وكان الهنود الحمر يدفعون الذهب مقابل الملح الصخريّ

الولد باستغراب : الصخري ! ظننتك من البحر 

- هناك انواع مني : الملح البحري والصخري والخشن والناعم ، وتكاد لا تخلو المطابخ والمطاعم من الممالح 


وهنا اقتربت السكّر وهي تقول : 

- وانا لا أقلّ أهميّة عنه .. فأنا أُستخدم في الحلويات والمشروبات ، وفي الطعام الآسيويّ ايضاً .. ولابد من تواجدي على السفرة بكل المناسبات السعيدة ، بأنواعي المختلفة : فمن دوني الشكولا مرّة .. وبحلاوتي تتحوّل الفواكه الى مربيات .. وعند إذابتي أصبح قطراً او كراميل .. ولا أحد يمكنه مقاومتي حين أتشكّل كحلاوة قطنٍ او مصّاصات وسكاكر .. ولديّ العديد من الأنواع التي يعشقها الصغار والكبار


الولد : فعلاً جميع انواعك لذيذة ، وحياتنا أصبحت أجمل بعد اكتشاف السكّر

الملح باستنكار : تقصد السكّر الصناعي المُضرّ 

السكّر بعصبية : لست مُضرّة !! فعندي انواع صحّية : كسكّر الفواكه والأسمر وسكّر الرجيم.. اما الملح فمضرّ بجميع انواعه


وهنا سمعا والدا الطفل ينادونه ! فقال لهما :

- عليّ الذهاب الى المستشفى لزيارة جدي 

الملح والسكّر : خذنا معك

الولد : سأضعكما في حقيبتي ، بشرط أن لا تصدرا صوتاً 

- لن نفعل

وأخفاهما في حقيبة ظهره ، وأسرع للّحاق بوالديه ..

***


في غرفة المريض ، إنشغل الوالدان بزيارة الجدّ .. فخرج الولد يتمشّى في ممرّات المستشفى .. 

ودخل الغرفة المجاورة ، لسؤال العجوز عن مرضه .. فأجابه بتعب: 

- أحضرتني سيارة الإسعاف الى الطوارىء بعد ارتفاع ضغطي 

الولد باهتمام : ولما ارتفع ؟ 

- لأني أكلت طعاماً مالحاً 

الولد باستغراب : لم اكن اعرف إن الملح مضرّ !


فقال المريض في السرير المجاور :

- مضرٌّ جداً .. فأنا هنا لأعالج صداعي المؤلم ، بسبب الملح الزائد في الطعام الجاهز  

الولد : الضغط والصداع ، هل يوجد اضرار اخرى للملح ؟


فأجابته الممرّضة التي تعمل هناك :

- وامراض القلب والسكتات الدماغيّة .. لكن أتعلم من أكثر عضو جسدي يتضرّر بالملح ؟ 

الولد : لا ، ما هو ؟ 

- تعال لأريك 

***


وأخذته الى قسم غسيل الكلى .. ليرى المرضى المتعبين ، وهم متصلين بجهازٍ كبير امامهم .. 

وقالت الممرّضة :

- يجلسون لساعاتٍ طويلة لتنظيف كليتهم  

الولد : وهل هذا بسبب الأملاح ؟

- نعم ..فهو أحيانا يدمّر الكلية بالكامل ، ويحتاجون لمتبرّع لإكمال حياتهم 


فخرج الولد من الغرفة ، وجلس على كرسي في الممرّ .. وفتح حقيبته ، ليجد السكّر تضحك ساخرة على الملح المُنصدم ممّا سمعه والذي قال :

- لم أكن أعرف انني أضرّ جسمكم لهذه الدرجة ! 

الولد : أظن السكّر مُضرٌ ايضاً

السكّر مُعترضة : مستحيل !! انا أجلب السعادة للبشر

الولد : إنتظري ، سأسال الطبيب عن أضرارك


ولحق بالطبيب الخارج من إحدى الغرف ، وسأله :

- دكتور !!

- ماذا تريد ؟

الولد : هل هناك اضرار للسكّر ؟

- بالطبع

- مثل ماذا ؟ 

الطبيب : كثرة السكّر يسبّب تسوّس الأسنان 

- آه صحيح ! نسيت هذا ..وماذا ايضاً ؟

- مرضى السكّري يمنعون تماماً من أكل السكّر


الولد : وماذا يحصل لوّ فعلوا ؟

- في بعض الأحيان ينقلون للمستشفى بحالةٍ حرجة .. فمرض السكّر يقلّل تدفّق الدم لأطرافهم ، وقد نضطّر الى ..  

الولد بصدمة : هل يخسرونها ؟!

- للأسف نعم .. عدا أن السكّر يسبّب السمنة المُفرطة ، أتريد أن ترى مصاباً بها ؟

- إن سمح وقتك لذلك 

***


وأخذه الطبيب الى غرفة فيها رجلٌ سمين للغاية ، بالكاد يستطيع التقلّب على فراشه !  

الولد : الن تساعده ؟

الطبيب : هو بانتظار عملية لإزالة الدهن الزائد

- وهل سيعود نحيفاً ؟

- ربما ، مع الكثير من الندوب والجروح .. وسيحتاج وقتاً طويلاً للمعافاة الجسديّة والنفسيّة  


الولد : اذاً أكل السكّر مضرّ ؟

- بالطبع !! فهو يؤدي لسوء التغذية ، بسبب إعطائنا كميات كبيرة من السعرات الحرارية الغير مفيدة لجسمنا .. لهذا لا تُكثر من تناول السكّريات ، فالأمراض تصيب الصغار والكبار

- وكم الكمية المعقولة كل يوم ؟

الطبيب : يُسمح بالسكّر بحدود 6 الى 12 ملعقة صغيرة في اليوم

- وماذا عن الملح ؟

- أقل من 5 غرامات في اليوم ، يعني ملعقة صغيرة فقط

الولد : هذا قليل جداً !

- لما انت مهتم هكذا ؟ أهو واجبٌ مدرسيّ ؟ 

- نعم دكتور .. وشكراً لنصيحتك  


وابتعد عن الطبيب ليفتح شنطته ، ويرى السكر مذهولة مما سمعته ! والملح يضحك ساخراً وهو يقول : 

- أسمعتِ !! انت مضرّة أكثر مني

الولد : اذاً ماذا نستنتج من هذه المعلومات ؟ 


فتهامست السكّر والملح ، قبل أن يقولا :

الملح : صحيح إننا مهمّان لطعامكم اليوميّ ، لكن نُفضّل أن لا تُكثر منّا حتى لا تضرّ صحتك .. ((فكل شيء زاد عند حدّه ، إنقلب ضدّه))

السكّر : كلّ طعامك بتوازن ، فجسم الإنسان لا يتحمّل كميات كبيرة منا .. هل تعدنا بذلك ؟

الولد : أعدكما أن أحافظ على صحّتي ، بتقليلي من الملح والسكّر في طعامي 


وما أن قال ذلك ، حتى عادت المملحة وعلبة السكّر لطبيعتهما الجامدة ! عُقب تعلّم الولد الدرس الذي يحتاجه لحياةٍ صحّية خالية من الأمراض  


التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...