الخميس، 2 ديسمبر 2021

ثورة الشعب

كتابة : امل شانوحة 

17 تشرين الأول


في رحلةٍ سياحيّة داخلية ، تجمّع الأهالي امام العربات المُعلّقة (التلفريك) بانتظار ركوبها على التوالي ..

حيث رافقت إحداهنّ إبنها ذوّ الثماني سنوات الذي كان يبكي خوفاً: 

- لا اريد ركوب العربة ، ستنقطع بنا الكهرباء !!

فحاولت الأم تهدأته : لا تخف بنيّ ، سنصل للجهة المقابلة دون مشاكل ..

وسحبت ذراعه بقوة ، لتنضمّ الى السيدتين اللّتين جلستا قبلها 


وما أن تحرّكت العربة ، حتى انشغلنّ برؤية المناظر الخلّابة من الأعلى .. إلى أن استوقفهنّ منظر الغابة التي تحوّلت لأرضٍ جرداء! 

فسألت إحداهنّ باستغراب : الم يكن مُخضرّاً وجميلاً قبل فترة ؟!  

فأجابت صديقتها : الم تسمعي بالحرائق المئة التي أشعلت غابات لبنان في السنة الفائتة ؟ ويُقال إنها مُفتعلة !  

- شيءٌ محزن أن يدمّروا طبيعتنا بهذه الوحشيّة !


وفجأة ! توقفت العربة في منتصف الطريق .. فصرخ الصغير وهو يشدّ ثياب امه بعصبية :

- الم أقل لك ستنقطع الكهرباء !!

الأم : لا تخف بنيّ ، سيديرون المولّد في الحال .. إصبر قليلاً

ثم قالت للسيدتين بصوتٍ منخفض :

- أعتذر عن الإزعاج ، فإبني مصاب بالتوحّد .. وعادةً ما يتوقّع اشياءً تحدث بالفعل .. (ومسحت رأس ابنها الذي عاد لمراقبة المنظر من النافذة) .. هذا خطأي ، كان عليّ سماع كلامه 


فقالت السيدة بعصبية : متى يجدون حلّاً لمشكلة الكهرباء ؟!! .. أمعقول إن عام 2021 سينتهي ، ومازلنا نعاني من الأزمة ذاتها ؟! 

صديقتها : وهل نسيتي مافيا المولّدات المدعومة من بعض الأحزاب ؟ الموضوع ليس بهذه السهولة 

فقالت الأم بضيق : ما مرّ به لبنان في السنتين الماضيتين ، أرهق الشعب بجميع طوائفه وطبقاته الإجتماعية !

السيدة : على الأقل نحن بإمكاننا الصبر لأننا عاصرنا الحرب الأهلية ، لكن شبابنا يرفضون البقاء هنا .. وهاجر آلاف المتعلّمين للخارج ، دون أملٍ بعودتهم قريباً !


صديقتها : الا تلاحظون إن الأزمة الإقتصادية بدأت مع كورونا ؟ فالمسؤولون إستغلّوا الحجر الصحّي لتهريب اموال الشعب للخارج! 

الأم بضيق : عدا عن الودائع التي حرمونا منها .. صدّقوني كنت على وشك شراء منزل احلامي .. لأتفاجا بالبنك يخبرني أن ما ادخرته بالدولار ، لا يمكنني سحبه إلاّ بالعملة اللبنانية التي انهارت بفارقٍ كبير مع قيمة الدولار بالسوق السوداء.. وبدل أن اشتري منزلاً لأولادي ، صار بإمكاني شراء سيارةً صغيرة بحسابي الحاليّ في البنك !

السيدة : وأنا استغنوا عن خدمات زوجي ، بعد إفلاس البنك ! فاضّطر للعمل كمحاسب في السوبرماركت ، مما قلّل راتبه .. لهذا اشتركت معه في ثورة 17 تشرين الأول

فأجابت صديقتها والأم : ونحن ايضاً !!


فتمّتم الصغير ، وهو مازال منشغلاً بالمناظر الطبيعية : ((كلّن يعني كلّن!!))

فابتسمت امه قائلة : حفظها يوم المظاهرة ، وصار يردّدها من وقتٍ لآخر

السيدة : مساكين هؤلاء الصغار ، إنظلموا مع الإنهيار الإقتصادي .. فلم نعد باستطاعتنا شراء الألعاب والحلويات لهم ، كما فعلنا سابقاً !

صديقتها : هذا صحيح ، الأسعار ارتفعت بشكلٍ خيالي لا يناسب الطبقة المتوسطة في المجتمع .. (ثم تنهّدت بضيق) .. أعان الله الفقراء

الأم بغيظ : والأدهى إن الرواتب بقيت كما هي ! 


السيدة : ولا تنسي اقساط المدارس والجامعات التي حرمت الكثير من الطلّاب من إكمال تعليمهم !

صديقتها : كان الأفضل لوّ لغوا المدارس ، وأكملوا الدراسة على الإنترنت

الأم : هذا محال !! فوجود الأولاد في المنزل عذاب بحدّ ذاته .. فأنتِ مضّطرة للجلوس معهم حتى انتهاء الحصص ، خاصة طلاّب الإبتدائي 

السيدة : فعلاً تغير العالم كثيراً في آخر سنتين 


صديقتها : ولبنان كان له النصيب الأوفر من الأزمة ، أنسيتما إنفجار المرفأ ؟

الأم : يا الهي ! كان يوماً مخيفاً بالفعل ، تحطّم فيه زجاج منزلي بالكامل

السيدة : إحمدي ربك انك لم تكوني من ضمن 200 ضحيّة ، أعان الله أهاليهم

الأم : بالفعل ما حصل كان اسوء بكثير من الحرب الأهلية ، لأنه حصل دون سابق إنذار ! 


الصديقة : لو كنّا في بلدٍ آخر لاستقال جميع الوزراء والنوّاب بعد تلك الحادثة ، لكنهم مستمرّون في سرقتنا ! الأمر يحتاج لمظاهراتٍ مستمرّة ، لحين تحقيق مطالب الشعب 

السيدة : انا عضوة بجمعيّة المرأة ، وطالبنا في المظاهرات بحقّ الأمهات بإعطاء الجنسيّة لأولادهم ، والعقوبة العادلة للمتحرّشين وحقوق العمالة .. وقمنا بالسلّسة البشريّة من الشمال الى الجنوب ، كتجربةٍ أولى بتاريخ البلد .. أمّا الأكثر تأثيراً ، فكان الإعتراض بقرع الطناجر 

الأم بحماس : كلنا شاركنا فيها ، حتى الأولاد الصغار !!.. لكنها للأسف لم تصل لآذان المسؤولين الصمّاء !

السيدة : وهل تظني إن السياسيين الذين سيطروا على البلاد منذ إتفاق الطائف سيرحلون بهذه السهولة ؟ الأمر يحتاج لمعجزةٍ الآهيّة


صديقتها : ربما يتغير كل شيء بالإنتخابات القادمة

الأم بيأس : لا ، سيحصل مثل كل مرة : سيدفعون المال لرجالهم لإنتخابهم من جديد .. بينما الطيبون امثالنا ، سنختبئ في بيوتنا خوفاً من أذيّة شبّيحتهم ! 

السيدة : عدا عن تزوير بطاقات المنتخبين ، وبذلك نعود لنقطة الصفر


وهنا فاجأهنّ الصغير قائلاً : 

- سنصبح أجمل دولة عربية ، والسوّاح في كل مكان .. لبنان لا يموت ابداً

فنظرت السيدتان لأمه ، ليسألوها باهتمام : 

- هل بالعادة تتحقّق توقعات ابنك المستقبلية ؟

الأم بثقة : دائماً !!


وجاء كلام الصبيّ مع تحرّك العربة بعد أن أعطاهنّ جرعة تفاؤل ، خفّف فيها ظلمة النفق الذي يسير فيه البلد بالوقت الراهن .. 

وربما يصدق كلامه قريباً ، من يدري ؟!  


هناك 3 تعليقات:

  1. كنت ارسلت هذه القصة بتاريخ (10-11-2021) الى موقع (Nadi Lekol Nas) ، كانوا طلبوا قصة تحكي عن الثورة (17 تشرين الأول) ..وطالما لم أحصل منهم على جواب ، قرّرت نشرها في مدونتي .. هي تدوين لأحداث حصلت في لبنان السنتين الفائتتين ، ومازلنا نعيشها حتى اليوم .. فرجٌ قريب يارب

    ردحذف
  2. والله العرب تاريخ مشرق و واقع مظلم

    ردحذف
  3. عندما كنت صغيرا كنت اسمع عن لبنان وروعتها وجمالها كنت اتمنى أن أعيش فيها كان ذلك ايام الشهيد رفيق الحريري رحمه الله لكن لم اكن اعلم أن لبنان سبق وان مر بإيام سودا حرب أهليه وطائفيه اكلت الاخضر واليابس حرب لا زالت أثارها باقية في النفوس الى يومنا هذا انها الطائفية التي مزقت ابناء الشعب الواحد فالذي مزق اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفرق الشمل العربي هي الطائفية واشد الطوائف خطرا هي التي تنشر الفتنه باسم الدين والدين منهم بريء كل البراءة
    تحية طيبة لكاتبتنا العزيزة ودمتي في الله

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...