الأحد، 12 ديسمبر 2021

برج الشيطان

تأليف : امل شانوحة 

 

عالم السحرة


فور سماع الأم لصرير باب البرج الشاهق (المبني وسط القرى الريفيّة) وهو يُفتح من بعيد ، حتى شدّت ذراع ابنها وهي تقول بخوف :

- إسرع الخطى دون النظر للبرج .. دعنا نصل بسلام لمنزلنا ، قبل غياب الشمس


لم يفهم ابنها ما حصل ! لكنه ركض معها ، إلى أن تجاوزا البرج الحجريّ الذي يبدو مهجوراً ، لولا النور الساطع من عليّته ..

***


بعد وصولهما الى المنزل ، سأل أمه عن سبب خوفها من البرج المضيء  

الأم باستغراب : لما سمّيته البرج المضيء ؟!

ابنها : لأن نور طابقه العلويّ يظلّ مُشعاً طوال الليل

فقالت جدته بضيق : هذا ليس نور المصباح ، بل نار الشيطان

الحفيد بخوف : الشيطان !

ابنتها معاتبة : امي رجاءً .. لا تخبريه عن الحوداث المخيفة ، فهو مازال صغيراً 

الجدة : إريد تنبيهه بعدم الذهاب الى هناك ، كما فعل الصغار المُختطفين قبل اعوام 


فقالت الأم لإبنها : يكفي يا بنيّ أن تعرف إن ذلك البرج مليء بالنّسوة الأشرار ، لذا إيّاك اللعب بجانبه او التحدّث مع الشابات والعجائز اللآتي تخرجنّ من بوّابته الكبيرة .. وعليك التواجد في المنزل قبل غروب الشمس ، هل كلامي مفهوم ؟!!

فأكملت الجدة : ولا تقترب من المقبرة ، فهنّ يتواجدنّ هناك طوال الليل

الولد باهتمام : وماذا تفعل النساء في المقابر ؟!

فقالت الأم للجدة : رجاءً توقفي عن إرعابه ..

ثم قالت لإبنها : أوعدني يا صغيري بعدم الإقتراب من البرج المخيف مهما حصل

فأومأ برأسه موافقاً ..

***


وفي منزلٍ ريفيٍّ آخر ، سألت فتاةٌ امها :

- لما لا نزور خالتي ؟ إشتقت لها كثيراً

الأم : منزلها خلف البرج ، وأخاف المرور بجانبه

- تقصدين برج السحرة ؟

- لا ترفعي صوتك ، حتى لا يسمعك الشيطان  

ابنتها : إذاً نذهب اليها صباحاً ، فالبرج يُضاء في المساء فقط  

- مهما يكن ، لن أجازف بالإقتراب منه .. الا ترين ما حصل لجارتنا ؟ فمنذ جِدالها مع الساحرة وهي طريحة الفراش .. وصديق والدك الذي أُصيب بالعمى ..وتاجر القماش الذي احترق محله ، بعد رميه الحجارة على بوّابة البرج .. أوعديني يا ابنتي أن لا تمرّي بجانبه ابداً

ابنتها بضيق : وإلى متى سنبقى على هذه الحالة ؟

الأم بغضب : الى أن يخسف الله ببرجهم اللعين !! 

***


في منزلٍ آخر ، أغلقت الأم النافذة بعصبية.. 

ابنها الصغير : لحظة امي !! كنت أنتظر إضاءة الطابق العلويّ للبرج 

- لا تنظر مُطلقاً الى تلك الجهة الملعونة !!

 

وبعد قليل سألها : هل صحيح إن البرج ظهر فجأة ؟ 

فتنهّدت الأم بضيق : نعم .. بناه الجن خلال ثلاثة ايام ، ليقطعوا التواصل بين القرى الأربعة 

- وهل صحيح ما تقوله الإشاعة : إن الشيطان إختبر جميع الساحرات في بلادنا .. ومن فازت منهن ، أعطاها غرفة في برجه؟

الأم بدهشة : من أخبرك بهذه القصص ؟! 

- سمِعها أصدقائي من اهلهم ، فهل الحادثة صحيحة ؟

- هذا ما يُقال 


الإبن : وماذا يوجد بالداخل ؟

- عدّة طوابق حسب منزلة الساحر او وظيفته .. لا أحد بالضبط يدري ما يحصل هناك ! حتى المشايخ لم تتجرّأ على اقتحام البرج ، واكتفوا بنصحنا : بتحصين أنفسنا بأدعية الصباح والمساء 

- وماذا عن الطابق العلويّ ؟ هل يظهر فيه الشيطان من وقتٍ لآخر ؟ وهل هو من يجلب الطعام للساحرات ؟ 

الأم بعصبية : وما دخلك انت بقصص الشياطين ؟ أحرقهم الله في القريب العاجل.. هيا الى سريرك !! وكفاك تفكيراً بأعداء الله 

*** 


في منزلٍ آخر .. عاد الرجل الى بيته مهموماً ، فسألته زوجته :

- لما أغلقت محلّك باكراً ؟ لم تمضي ساعة على غروب الشمس ! 

زوجها بيأس : لم يأتيني زبونٌ واحد طيلة النهار ، أخشى أن أكون مسحوراً في رزقي !

فقالت مُطمّئنة : صحيح إننا نعيش قرب برج السحرة ، لكن لا أحد يستطيع العبث بالقدر .. فالرزق مثل الموت ، يلحقك أينما كنت ..ولن ينتهي أجلك قبل حصولك على رزقك كاملاً 

زوجها : لكن السحرة لديهم القدرة على تعسير أمورنا ، لهذا لا توبة لهم بعد تدخلهم بعمل الله .. 

- هذا صحيح .. لكنهم لا يلغون الرزق الذي كتبه الله لك ، منذ وجودك في بطن امك .. بل أرى أنه علينا شُكر من سحرنا 

- ماذا تقصدين ؟!


زوجته : إن كانوا سحروك بالفعل ، فهم أجّلوا رزقك لليوم الذي يقدّر فيه الله إنهاء شرّهم ، وحينها ستتفاجىء برزقك ينزل اليك دفعةً واحدة .. تماماً كالغيمة التي امتلأت بالأمطار ، او كسرك للحصّالة المليئة بالنقود .. الم تسمع بأشخاصٍ عاشوا طوال حياتهم فقراء ، وفجأة أصبحوا اثرياء بحصولهم على ميراث او صفقةٍ رابحة ؟

الزوج : أتمنى أن يكون كلامك صحيحاً ، فقد تعبت من كثرة العمل وقلّة الرزق .. وفي حال لم تتحسّن أوضاعنا قريباً ، سأفكّر جدّياً بانتقالنا من هذا المنطقة الملعونة 

*** 


في منزلٍ آخر ، بعد حلول المساء .. وفور عودة سيدة من عند جارتها ، بحثت في غرف منزلها عن آمنة (إبنة أختها) .. 

فأخبرها زوجها انه أرسلها للبقالة ، لشراء السجائر ..

فردّت زوجته بعصبية : هل جننت يا رجل ؟!! أترسل فتاةً صغيرة مساءً الى بقالةٍ قريبة من برج الشيطان ؟! 

- الا يكفي موافقتي على تربيتها مع اولادي ، الآن تمنعيني من إرسالها بمهمّاتٍ منزليّة ؟! 

- إرسل ابنك الكبير ، فإبنة اختي زوهريّة .. وإن عرفت الساحرات بذلك  سيقدّموها قرباناً للشيطان ، كما حصل مع اختها التوأم رحمها الله  

زوجها بلا مبالاة : لا تخافي ، ستعود بعد قليل

*** 


بعد شراء آمنة الدخان ..وقفت بجانب البوّابة الحديديّة ، وهي تعدّ طوابق البرج بعد إنارة طابقه الأخير.. 


لتتفاجأ بعجوز تلمس كتفها من الخلف ، وهي تقول : 

- لم ارك من قبل ! من انتِ ؟

آمنة بارتباك : انا أعيش عند خالتي ، في منزلٍ قريب من هنا

العجوز : ولما لا تعيشين مع اهلك ؟ 

آمنة بحزن : امي توفيّت ، وابي سافر بعد العزاء وانقطعت اخباره 

- وكيف ماتت امك ؟

- حزناً على أختي التوأم التي بيعت للعالم السفليّ ، بشوالٍ من الذهب

العجوز باهتمام : أحقاً ! وهل كانت اختك زوهريّة ؟ 

آمنة : لم أفهم سؤالك ! 

فسحبت العجوز كفّها الصغير نحو نظّارتها ، وهي تقول : 

- دعيني أرى 


وفور مشاهدتها الخطّ الطولي الذي يفصل راحة يدها ، حتى ارتسمت على وجهها ابتسامةٍ عريضة .. 

وأمسكت ذراع الصغيرة وهي تقول :

- ما رأيك أن اريك البرج من الداخل ؟

آمنة بحماس : أحقاً يا خالة !! لطالما أحببت الدخول الى هناك .. لكن خالتي تمنعني الإقتراب منه ، دون إفهامي السبب !

- سأريك كل الغرف ، حتى الطابق العلويّ 

آمنة : الطابق المُضاء بأنوارٍ قويّة ؟

- نعم !! فيها مصباحٌ عملاق ، أتريدين رؤيته ؟ 

آمنة بسعادة : بالتأكيد !! دعيني اولاً أوصل الدخان لزوج خالتي ، ثم أعود اليك

فسحبت العجوز العلبة من يدها ، وهي تقول : 

- سأوصلها بنفسي ، بعد اكتشافكِ لبرجي الجميل .. هيا بنا


ودخلت آمنة من بوّابته الصدئة .. لتجد أمامها سلالم طويلة حلزونيّة ، مُضاءة بشعلات النار على جوانبه ..

وأول ما لاحظته : هي خطوات العجوز السريعة على الدرج رغم كبر سنها ، وكأنها تطفو ! 


وبمرورها عند كل طابق ، لمحت آمنة أشياءً غريبة ! رفضت العجوز التوضيح لها ، مُكتفية بالقول : ((مرتبة الساحر ترتقي مع كل طابق ، حسب قوّة وتأثير تعويذاته على المسحور))


ففي الطابق الأول : رأت آمنة مجموعة من النساء بعباءاتٍ سوداءٍ مُجعّدة وهم يعقدون اطراف الثياب بعد نفثهنّ فيها ، وخلفهنّ اكوام الملابس الملوّنة بأحجامٍ مختلفة ! واللآتي ما أن رأين الصغيرة ، حتى توقفن عن تلاوة تعويذاتهنّ وهن ينظرن اليها بدهشة ! 

فقالت العجوز لهنّ بصوتٍ منخفض ، وهي تُشير لآمنة : 

- هذه زوهريّة

فابتسمن جميعاً بارتياح.. 

 

وأكملا صعودهما للطابق الثاني الذي فيه : مجموعة من الشابات يقمنّ بغرز الدبابيس في العابٍ قماشيّة .. وبعضهن يضعن الأقفال على اقدام اللعبة ، وهن يرتلن ترتيلاتٍ بنبرةٍ مخيفة ! 


وكن مندمجات بعملهنّ ، لدرجة عدم ملاحظتهن الصغيرة التي أكملت صعودها مع العجوز للطابق الثالث الذي فيه :

عجائز يعدّون الطعام الذي لم تستسيغ آمنة رائحته الغريبة ! 


فأغلقت أنفها وهي تُكمل طريقها للطابق الرابع الذي فيه : 

نساء تجلسن حول شعلة النار ، وهنّ يرمين التراب فوق رؤوسهن ويضربن بالعظام على الدفوف !  


اما في الطابق الخامس : فرأت أقفاصاً مُعلّقة بالسقف ، فيها هياكل عظميّة صغيرة الحجم تبدو لأولادٍ لم يتجاوزوا العاشرة ، وفي البعض الآخر : بقايا اطفالٍ رضّع ! 


فشهقت آمنة بخوف ، بعد تذكّرها كلام خالتها : عن إختفاء عددٍ من اطفال القرى الأربعة ، فور ظهور البرج الملعون !

وحين تجمّدت في مكانها ! شدّت العجوز ذراعها بعنف لإكمال طريقها الى العلّية المُضاءة ، التي فيها شعلة نارٍ تطفو وسط الغرفة!


وعلى الفور !! سجدت العجوز للنار وهي تقول :

- سيدي الشيطان .. أتيتك بطفلةٍ زوهريّة ، لتقديمها قرباناً لك

فازداد لهيب النار ، كأنه وافق على هديّتها !


فأخرجت سكيناً كبيراً من خزانة الحائط بعد تثبيت آمنة بالأرض التي سارعت بالقول ، بخوفٍ شديد :  

- أرجوك لا تقتلينني !! إعتبريني ابنتك زهرة 


فجاء كلامها صادماً للعجوز ! (التي أجبرها الشيطان قديماً على التضحيّة بإبنتها الوحيدة ، للحصول على المرتبة الأعلى بين السحرة)


فسألتها بصوتٍ متهدّج : من أخبرك عن زهرة ؟!

آمنة وهي تبكي : كل الناس تقول إنها أجمل طفلة في المنطقة

العجوز وهي تحاول كتم دموعها : نعم .. إبنتي كانت الأجمل فعلاً ، كحوريّةٍ من الجنة


وفجأة ! انطفأت الشعلة .. فعاتبتها بخوف :

- إنظري ماذا فعلتي !! لقد أغضبتي الشيطان بفتحك جِراح الماضي 

آمنة : رجاءً لا تقتليني ، وربّيني مكان ابنتك  

العجوز بصدمة : ماذا قلتِ ؟!

آمنة : الم تكوني تحلمين بتعليمها أصول السحر ؟ 

- نعم

- وانا لديّ الشغف لتعلّم مهنتكم 

العجوز بصدمة : أحقاً !

آمنة : نعم ، لطالما أُعجبت بعالمكم الغامض 

- وماذا عن اهلك ؟


آمنة : قلت لك بأنّي يتيمة ، وزوج خالتي لن يُحزنه غيابي.. (ثم أمسكت يدها بحنان) .. هل تقبلين أن أكون ابنتك وتلميذتك النجيبة ؟ ..فكما يُقال : الجن تحب الزوهريين ، اليس كذلك ؟ 

العجوز : بل الجن يخشونكِ ، لأنك لا تتأثّرين بالسحر 

- وهذا سيجعلني أقوى ساحرة في المستقبل ، طالما لا تستطيع منافساتي إضعافي بسحرهنّ

العجوز باستغراب : كيف تعرفين كل هذه المعلومات ، وانت لم تبلغي 11 من عمرك ؟!

- عمري 12 ، وموت أختي التوأم جعلني اسأل كبار السن عن الموضوع 

- الم يخيفك الأمر ؟

آمنة : لا ابداً !! بل حسدّت أختي لانتقال روحها الى العالم السفليّ .. ومنذ موتها ، رغبت بمعرفة المزيد عن عالم الجن والشياطين الشيّق


ففكّرت العجوز مطوّلاً ، قبل أن تقول :

- حسناً موافقة ، لكن بشرط !! لا تفارقيني ابداً ، خوفاً أن تضحّي بك زميلاتي ، لأن دمك كنز بالنسبة لهنّ 

آمنة : لا تقلقي ، لن تخسري ابنتك الثانية يا امي

العجوز بصدمة : امي ! كم اشتقت لهذه الكلمة

آمنة بحزن : وانا اشتقت لقولها ثانيةً

وحضنتها بحنان ، لتنهار الساحرة بالبكاء بعد تذكّر ابنتها زهرة

*** 


في هذه الأثناء بالقرية ، بحثت الخالة وزوجها عن آمنة بعد تأخّر الوقت .. فأخبرهم صاحب البقالة : انه شاهد عجوزاً تنظر لكفّ يدها ، قبل إختفائهما عن أنظاره .. 


فعلمت الخالة انها خُطفت الى برج الشيطان .. وارادت الذهاب للمقبرة لإنقاذها ،  قبل ذبحها هناك .. لكن زوجها منعها ، خوفاً عليها من أذى السحرة إن أعاقت عملهنّ ، وذكّرها بلزوم حماية أولادها من شرّهن 

فعادت حزينة لمنزلها ، بعد معرفتها أن آمنة ستلاقي قريباً مصير أختها التوأم ! 

***


بهذه اللحظات ، نزلت آمنة مع العجوز الى الطابق الأرضيّ (حيث غرف نوم السحرة) .. 

وهذه المرة قرّرت العجوز شرح ما يحصل في كل طابق يمرّان به ، دون إخبارها عن الطابق الخامس التي اكتفت بالقول : إن الهياكل العظميّة عبارة عن تماثيل وليست قرابين قديمة ، كيّ لا تخيفها ..


وبنزولهما للطابق الرابع : أخبرتها إن النّسوة اللآتي تجلسن في الغرفة المُتربة وهن يضربنّ الدفوف بالعظام ، مهمّتهن سحر الأشخاص بتعويذة الموت بعد تقرّبهن لجن المقابر 


وفي الطابق الثالث : قلّت رتبة السحرة ! وانحصرت قدرتهنّ بإمراض المسحور دون قتله ، بوضعهنّ السحر في طعامه او شرابه 

آمنة : وكيف يصل الطعام الى المسحور ؟

العجوز : نُرسل الطلبيات لمنازل النساء التي دفعت مبلغاً كبيراً مقابل سحرنا 

آمنة بدهشة : لم اكن أعلم إن هناك متورطّين من خارج البرج !

- صدّقيني يا ابنتي .. لا أبالغ إن قلت : نصف سكّان القرى متواطئين معنا ، والنصف الآخر مسحورين .. المهم لنُتابع النزول  


وحين وصلتا للطابق الثاني ، حيث الدمى القماشيّة .. سألتها آمنة بحماس :

- هل يمكنني الحصول على إحدى اللعب ؟!! 

- لا طبعاً !! هي مُخصّصة للسحر 

آمنة : أتقصدين بسبب الدبابيس ؟

- نعم .. فكل واحدة منها ، تسبّب الأوجاع في جسم المسحور

- تعنين إن اللعبة تُمثّل جسم المسحور ؟

العجوز : أحسنت !! انت تتعلّمين بسرعة 

- الهذا تكتبون على وجه اللعبة ؟

- نكتب اسم الشخص المراد سحره

آمنة : وماذا عن الأقفال ؟

- هي للعرائس الجدّد

- ولماذا تقفلنّ أقدام اللعبة ؟

فضحكت العجوز : ستعرفين حين تكبيرين .. لنُكمل النزول الى غرفتي


ووصلتا للطابق الأول .. وسألتها آمنة عن اكوام الملابس ، ولما يعقدن اطرافها بعد النفث عليها ؟ 

فأجابتها العجوز :

- يُعدّ هذا أضعف الأسحار ، وهو يسبّب تعقيدات وتعسّرات في حياة المسحور من الناحية العاطفية والدراسيّة او العمليّة  

آمنة : لكن لا يقتل المسحور ؟!

- لا ، وبالعادة يُفكّ بعد مدة .. وساحرات هذا الطابق نجحنّ بتقديراتٍ مقبولة ، بعكس المتواجدات في الطوابق العليا


آمنة : وماذا كان إمتحان الشيطان ؟

العجوز بحزن : لا أريد تذكّر ذلك اليوم العصيب

- كما تشائين .. آه لم اسألك ، أنت تعملين في أيّ طابق ؟

العجوز : انا حصلت على المركز الأول ، وأُشرف حالياً على عمل الساحرات .. فمهنة السحر متوارثة بعائلتي منذ الأجداد ، لهذا تفوّقت عليهنّ بسهولة .. المهم لا تغيبي عن ناظري مهما حصل ، ولن تجرأ إحداهنّ على أذيّتك ...وهآ نحن وصلنا للطابق الأرضيّ ، دعيني اريك غرفتنا 

***


في الغرفة ، سألتها العجوز :

- هل أفرش لك على الأرضيّة ؟

آمنة بحزن : كنت أفضّل النوم بجانبك ، لاشتياقي لأمي 

- حبيبتي ، وانا ايضاً اشتقت لإبنتي .. اذاً سأضع لك وسادة بجانبي

- هل سننام في الحال ؟ اريد تعلّم المزيد عن عالمكم 

العجوز : ستتعلمين كل شيء في الأيام القادمة 


وبعد أن غطّتها بالّلحاف ..

آمنة : امي ، هل يُعتبر البرج مدرسة السحرة ؟

العجوز : مدرسة ! لا هي مدينتنا الصغيرة التي جمعنا فيها الشيطان من القرى والمدن المجاورة 

- اليس هذا خاطئاً ؟

- ماذا تقصدين ؟!

آمنة : أقصد الم يكن أفضل لوّ امتهنتنّ السحر في الخفاء ، بدل إمتناع الناس عن الإقتراب من برجكنّ ؟!

- بصراحة نعم ، فعملنا كان مزدهراً في السابق .. وما أن علموا الناس بانضمامنا للبرج ، حتى أحرقوا منازلنا القديمة.. وعلقنا هنا 

آمنة : وإن هدم الأهالي البرج او أحرقوه ، تتشرّدون جميعاً !

العجوز : لا تقلقي .. فالشيطان وجنوده الجن يعرفون المستقبل ، وسيحذّرونا للهرب قبل قضاء الناس علينا  

آمنة : وماذا لوّ علقتم في البرج بشكلٍ او بآخر ؟

- بسبب تضحيتي بابنتي ، ميّزني الشيطان بإخباري عن باب البرج السرّي الذي يُوصلني قرب البئر المهجور.. وهذا سرٌّ بيننا ، لا تخبريه للساحرات الحقودات


آمنة : حاضر امي .. وماذا بشأن الطعام ؟ من يحضره لكم ؟

- الجن تطبخ لنا 

آمنة : وهل طعامهم لذيذ ؟

- هو لا طعم له .. لكن لا خيار امامنا ، بعد رفض التجّار بيعنا او التعامل معنا  

- اذاً مارأيك لوّ توكّليني بهذه المهمّة ؟ 

العجوز : تقصدين شراء حاجياتنا ؟!

- نعم ، لن يشكّ أحد بطفلة

- أخاف إن خرجتِ من البرج ، أن يُعيدوك لخالتك

آمنة : الم تخبريني إن للبرج اربعة بوّابات ، كل واحدة منها تصلنا لقريةٍ مختلفة

- ألن تخافي السير في قريةٍ لا تعرفين طرقاتها ؟

- سأسأل الناس ، وهم سيدلّوني لأقرب بقالة .. لا تخافين عليّ 


ففكّرت العجوز قليلاً ، قبل أن تقول : 

- حسناً ، سأطلع زميلاتي على اقتراحك غداً .. والآن تعالي لحضني ، فقد اشتقت لتنويم ابنتي ، يا عزيزتي آمنة

- إن شئتِ ، يمكنك مناداتي بزهرة

فحضنتها بحنان والدموع في عينيها : حبيبتي زهرة ، كم اشتقت لمناداة اسمك الجميل

ونامت العجوز وهي تشعر بالسعادة لأول مرة منذ وقتٍ طويل 

***


في اليوم التالي ..هلّلت الساحرات فرحاً باقتراح آمنة ، وسارعن بطلب الأغراض الخاصة لهنّ ..  

العجوز : لحظة يا أصدقاء !! هي لا تستطيع حملهم جميعاً ، ثم لا نريد لفت أنظار البائع لشرائها الكثير من الحاجيات 

فقالت إحداهن : حسناً سنختار الأهم .. نريد كيس أرز ، وعدس وزيت 

الساحرة الأصغر سناً : والقليل من الشوكولا ، رجاءً 

آمنة : لا تقلقن .. يمكنني التسوّق أكثر من مرة ، من محلاتٍ مختلفة 

العجوز : لا نريد إتعابك 

آمنة : لا بأس امي .. انا صحّتي جيدة ، ويمكنني تحمّل التعب .. هيا اكتبن طلباتكن على ورقة ، كيّ لا أنساهم 

ففرحنّ بنشاطها وحيويّتها ..

***


ومع الأيام .. علّموها كل ما يعرفونه عن طرق السحر المختلفة .. وأخذوها معهن الى المقابر والبحر للرميّ الأسحار .. كما أوصلت آمنة الطلبيّات الى المنازل مساءً ، بعد لبسها القناع على وجهها (خوفاً أن تُعيدها خالتها الى منزلها) 

***


في إحدى الليالي .. إجتمعن في العلّية بحضور الشيطان (على هيئة نارٍ تطفو وسط الغرفة) والذي كان يزورهن مرة في الشهر .. 

وحين رأى آمنة ، عاتب العجوز قائلاً : 

- ألم تضحّي بعد بهذه الزوهريّة ؟!

العجوز بخوف : رجاءً سيدي ، لا اريد خسارة ابنتي الثانية 

ساحرة أخرى : هي تساعدنا بقضاء حوائجنا

- وتعلّمت الكثير عن السحر بوقتٍ قياسيّ

- هي موهوبة بالفعل

- وجميعنا نحبها


صوت الشيطان : اذاً لتثبت براعتها !!

العجوز بقلق : ماذا عليها فعله ؟!

الشيطان : تقدّم لي البديل !! أريدها أن تخطف قرباناً لي .. وليكن ذكراً وأصغر سنّاً منها ..  

العجوز : لكن ابنتي مازالت طفلة !

الشيطان مُعاتباً بعصبية : إذاً ساعديها بالتخطيط للمهمّة ، وكفاكِ أعذاراً!! 

فارتعبت العجوز من صراخه ..


فأسرعت آمنة بالقول : دعني ابدأ بمهمّةٍ سهلة .. وإن نجحت فيها ، أعدك سيدي بالقيام بما أمرتني به 

الشيطان : ماذا تقصدين ؟

آمنة : سأسرق حملاً صغيراً ، أقدّمه لك 

الشيطان : بشرط !! أن تذبحيه امامي 

فبلعت آمنة ريقها بخوف : سأحاول سيدي 

***


بعد انتهاء الجلسة .. أخرجتها امها آخر الليل ، من بوّابة البرج القريبة من الحقول .. وهي تقول لها : 

العجوز : أترين ذلك الكوخ المُضاء خلف المزرعة ؟ 

آمنة : نعم

- بجانبه حظيرة اغنام .. وهناك نافذة صغيرة علويّة ، يمكن لجسمك الهزيل الدخول من خلالها ..إسرقي أصغر حملٍ هناك ، وأخرجي من الباب الخلفيّ .. ولا تصدري ضجيجاً ، حتى لا يستيقظ كلب الراعي 

- سأحاول امي 


وظلّت امها تراقبها من بعيد بقلقٍ شديد ، الى أن عادت ومعها الحمل الصغير .. لتصفّق لها الساحرات بعد نجاح مهمّتها الأولى ، ليبقى امامها مهمّة ذبحه .. 


وبعد صعودهنّ للعليّة ، إنتظرن ظهور الشيطان من جديد ..ثم أخذن يرتلنّ بألحانٍ مخيفة ، بعد إعطاء آمنة سكيناً حادّاً .. 

ولم يكن امامها سوى تنفيذ امر الشيطان ، خوفاً من عقابه ..

ونحرته وهي تكتم دموعها ، ليكتفي الشيطان بالقول : 

- حسناً ، يمكنها البقاء معكن

وفور اختفاء شعلة النار ، هنّئت الساحرات العجوز بنجاح ابنتها .. 

ثم طبخنّ الحمل للعشاء ..

***


ومرّت الأيام ، وآمنة مازالت تنجح من إختبارٍ لآخر !  

إلى أن جاء اليوم الذي أصرّ فيه الشيطان أن تقدّم له قرباناً بشريّاً ..

وظنّ الجميع انها ستعتذر له مجدّداً ، لكنها فاجأتهنّ بالقول :

- سأفعل ذلك !! 

الشيطان : ومن اخترتي ؟

- ولدٌ زوهريّ مثلي ، كانت امه صديقة والدتي .. سأحاول إحضاره الى البرج بعد إلقائي التعويذة عليه ، لسلب إرادته .. لكن أعذرني سيدي ، لن أذبحه بنفسي.. فمازلت صغيرة على هذه المهمّة 

الشيطان : حسناً يكفي أن تحضري القربان ، وامك تذبحه لحصولي على دمائه اللذيذة .. متى ستنفذين المهمّة ؟

آمنة : قبيل غروب الشمس ، سأذهب الى قريتي القديمة للقائه 

الشيطان : اذاً سأعود اليكنّ آخر الليل .. وإن وجدّتُ الطفل امامي ، أُعلنك ساحرة جديدة في برجي 


واختفى من جديد .. لتلتفّ الساحرات حولها ، وهن يسألنها عن جدّية ما قالته للشيطان .. فأجابت آمنة :

- بالتأكيد !! لن أمزح مع سيدي

العجوز : انا فخورة بك ، حبيبتي

ساحرة شابة : دعيها تُحضره اولاً ، لنصبح جميعاً فخورات بها  

***


وانتظرت الساحرات عودتها على أحرّ من الجمر ، ليتفاجأن بقدوم صبيٍ أصغر سناً منها الى البرج ، بعد إغرائه بالحلوى ! 

فأسرعت العجوز بفحص يده ، لتتأكّد انه زوهريّ كما قالت ابنتها !

العجوز : ممتاز !! نفّذت المهمّة بنجاح .. الآن إذهبي الى غرفتي ، ريثما انتهي من تحضير القربان للشيطان 


آمنة بحزم : لا !! اريد فعل ذلك بنفسي

فنظرنّ الساحرات لبعضهن بدهشة !

العجوز : أمتأكدة من ذلك ؟ الأمر لن يكون سهلاً ، كذبح الحمل  

آمنة بحزم : أستطيع فعل ذلك .. فأنا نفثت عليه التعويذات ، ولن يقاومني .. (ثم همست للصبي ، مسلوب التفكير) .. هيا سأريك المصباح العملاق في العلّية ..


وأمسكت يده ، ليصعدا الأدراج .. والساحرات تلحقهما ، وهما مندهشات من جرأة آمنة هذه الليلة ! 

***


في العلّية ، جلسن في حلقةٍ كبيرة بانتظار قدوم الشيطان ..

وما أن ظهرت شعلة النار ، حتى وضعت آمنة السكين على رقبة الولد المُستسلم لقدره ، وهي تقول للشيطان :

- إسمح لي بتقديمه لك 

فشعرت امها بالفخر ، والنّسوة بالدهشة !

الشيطان : حسناً إفعلي ، وسأعلنك أصغر ساحرة بالمنطقة


فهمست آمنة بإذن الصغير بضعة كلمات ، ليتفاجأ الجميع بترتيله القرآن بصوتٍ عذّب .. جعلتهنّ يسارعن بإغلاق آذانهنّ برعب ! بعد سماعهن صراخ الشيطان المتألّم الذي قال : 

- ايها الملعون الصغير !! أحرقت جلدي

وصارت شعلة النار تلتفّ بأرجاء الغرفة بطريقةٍ هوجاء ، أحرقت معها أطراف عباءات الساحرات اللآتي صرخن وهن يحاولن إطفاء ملابسهن ، قبل اختفاء الشيطان الذي توعّد بعقاب الجميع دون رحمة !


وفي ظلّ ارتباكهنّ ، سألتها العجوز :

- لما فعلتي هذا يا زهرة ؟

- إسمي آمنة !! وهذا الصبي قريبي ، وكلانا حفظة قرآن ..واتفقت معه سابقاً على الإنتقام من قتلة أختي التوأم .. والآن سنهرب لنترككن تحترقن بنار الدنيا والآخرة

فصرخت إحدى الساحرات : انت مذنبة مثلنا !!


آمنة : بالعكس !! انا فكّكت جميع الأسحار قبل توصيل الطلبات وقبل دفنها بالقبور او رميها بالبحار ، وأزلت جميع الدبابيس من اللعب القماشيّة دون علمكنّ .. وسأبلّغ رئيس بلديتنا عن المتورّطين معكم من اهل القرى ، لينالوا عقابهم .. ولوّ كان شيطانكم يعرف الغيب لفضح فكّي لأسحاركم ، او أفسد خطتي هذه الليلة 

العجوز بخوف : ابنتي رجاءً لا تحرقينا !!

آمنة : قلت لك سابقاً إن الشيطان اخطأ بجمعكنّ في البرج ، فهذا سهّل التخلّص منكن دفعةً واحدة 

ثم قالت لقريبها الذي مازال يتلو القرآن : لنهرب على الفور !!

 

ونزلا الأدراج بسرعة ، بعد أن أمسكت النيران بالمفروشات الخشبيّة بالبرج.. وحاولت الساحرات الّلحاق بهما ، دون علمهن بسرقة آمنة لمفاتيح البوّابات الأربعة من غرفة العجوز .. وبذلك هربت مع قريبها من البرج ، بعد إقفالها جميع مخارجه !


ثم وقفا بجانب الناس التي تجمّعت مذهولة لمشاهدة حريق البرج ، وسماعهم للساحرات يتعذّبنّ بالداخل ! 

إلى أن اختفى صراخهنّ تماماً ، دون معرفة الناس ببطولة الصغيرين اللذين تعاهدا على إخفاء السرّ للأبد ..

***


في اليوم التالي ، تساعد الأهالي على هدم البرج بالكامل .. والغريب انهم لم يجدوا جثث الساحرات ، كأنهن إختفين عن الوجود! 

وانتشرت إشاعة : ((إن الجن استولت على عظامهنّ المحترقة))


ومن يومها عادت العلاقات بين القرى بعد انقطاع سنوات (لخوفهم المرور بجانب البرج الملعون)

وعاد الأولاد للعب في الشارع مساءً ، دون قلق الأمهات من إختطافهم وتقديمهم قرابين للشيطان .. 


وبعد إيجاد المتورّطون بالسحر من اهالي القرى على ورقة تهديد من آمنة على عتبة منزلهم ! إنتقلوا تباعاً للمدينة ، خوفاً من فضيحتهم  

وبذلك عمّ الأمان والسلام في القرى الأربعة ، بعد خلوّها من الأشرار 

*** 


في مكانٍ بعيد ، وصلت العجوز الى إحدى الفنادق الرخيصة (بعد هربها وحدها من الباب السريّ للبرج) ..


وبعد جلوسها في الغرفة ، أخرجت بيدها المُحترقة (من جيبها) ربطة شعر آمنة (التي فيها شعرتين من رأسها) التي وجدتها قرب البوّابة اثناء الحريق 

قائلةً بحنق :

- سأسحرك لدرجة تتمنّين فيها الموت ، يا ابنتي العزيزة

وابتسمت بخبث !


هناك 3 تعليقات:

  1. عجبتني القصة من بداية الرجل اللي ارسل امنة لشراء السجائر فما قبل ذلك كان من الممكن اختصاره هذا لو سمحتي لي القول ان الجزء الاول جعلني اتنبأ ان البرج به رجل عجوز مسكين وهو من بدأ اشاعة ساحرات البرج والشيطان ليبعد الناس عن تدخلهم في شئونه وبمرور السنين انتشرت الاشاعة ليصدقها الصغار
    عجبني كمان شجاعة الطفلة فيما فعلته وخطتها العبقرية مع الصغير وان كنت اتمني ان تصرح الطفلة لخالتها وللناس بما حدث
    المهم ان القصة كانت جميلة وشكرا لك لترحيبك بالتعليقات حتي وان كانت تتسم بالنقد

    ردحذف
  2. ابداااااع والله ابداععع.......
    لا امل ابدا من قراءة قصصك الكثير من المرات

    ردحذف

طبيب الأسنان المشبوه

فكرة : اختي اسمى كتابة : امل شانوحة    جنّية الأسنان جلست سلمى على كرسي طبيب الأسنان وهي ترتجف رعباً ، فهي المرّة الأولى التي تخلع فيها سن ا...