سأتوقف عن الكتابة طوال الإسبوع القادم بسبب العمليّة الجراحيّة لوالدتي ، وبقائي معها في المستشفى .. دعواتكم يا اصدقاء
بسم الله الرحمن الرحيم.. أعرض بين أيديكم مدونتي التي سأكتب فيها أجمل أفكاري , متمنيّةً أن تعجبكم , تحياتي لكم .. صفحتي على فيسبوك : https://www.facebook.com/LonlyWriter-1495276960503244 ... إيميل المدونة : amal_shanouhawriter@hotmail.com
سأتوقف عن الكتابة طوال الإسبوع القادم بسبب العمليّة الجراحيّة لوالدتي ، وبقائي معها في المستشفى .. دعواتكم يا اصدقاء
العريس المقهور
اثناء جلوسها في مقعد الدرجة الأولى ، إقترب منها رجلٌ (في منتصف الأربعينات) وهو يغطّي وجهه بقبعةٍ رياضيّة ونظارةٍ سوداء ، كأنه يُخفي شخصيّته ! حيث بدى عليه الثراء ، رغم ثيابه الرياضيّة ذات الماركة المشهورة ..
ومدّ أصبعه نحوها ، وهو يقول :
- هل يمكني الجلوس امام النافذة ؟
ورغم حجّزها ذلك المقعد ، لكنها نهضت للجلوس على الكرسي بجانبه .. بينما وضع حقيبته الصغيرة اسفل قدميه .. ثم شرد بأفكاره وهو ينظر للمطار ، محاولاً إخفاء دموعه خلف نظّارته الشمسيّة (التي لا لزوم لها في ذلك المساء)
فلم تردّ مضايقته ، وتابعت كتابة قصّتها الجديدة على مذكّرة جوالها بانتظار إقلاع الطائرة
***
بعد التحليق في الجوّ .. قدِمت مراهقتان من الدرجة السياحيّة ، فأوقفتهما مضيفة الدرجة الأولى :
- غير مسموح الدخول الى هنا
فقالت إحداهنّ :
- رجاءً !! نريد توقيعاً من كاتبتنا المشهورة .. السيدة..
وفور نطقها الإسم ، إلتفتت الكاتبة نحو المضيفة وهي تقول :
- لا بأس ، سأكلّمهما على عجل
ثم وقفتا بجانب كرسيها ، وهما مُتحمستيّن لرؤيتها :
- نحن نتابع قصصك منذ سنوات
الكاتبة : حقاً ! وأيّ نوعٍ من القصص يُعجبكما ؟
فأجابت إحداهنّ :
- القصص المرعبة
المراهقة الثانية : وانا احب الرومنسيّة ، فهي واقعيّة للغاية
الكاتبة : ممتاز !! انا سعيدة إن قصصي لامست مشاعركما
- أتمنى نشر قصصي لأصبح مشهورة وثريّة مثلك
الكاتبة : إن أردّتي النجاح ، فلا تفكّري بالشهرة والثراء في بداية مشوارك المهنيّ.. كل ما عليك فعله هو إتقان الكتابة بكل قصةٍ تكتبينها .. فأنا مثلاً أتخيّل نفسي ككاتبٍ يكتب قصّته الأخيرة قبل الإعدام.. أعرف أن الصورة مخيفة ، لكن عليكِ الكتابة كأنها رسالتك الأخيرة في الحياة ! وعندما تتقنين هوايتك بشكلٍ يجعلك تكتبين تحت أيّةِ ظروف وفي أيّ مكان ، ستُفتح امامك ابواباً جديدة ، وستلاحقك الشهرة والمال أينما ذهبتِ.. قد يأخذ الأمر سنواتٍ عديدة .. فموهبة الكتابة لا تظهر سريعاً للعلن كبقيّة المواهب
- انت كتبتِ أكثر من نصف عمرك حتى شُهرتي ، اليس كذلك؟
الكاتبة : نعم !! وهذا لا يعني انني أفضل الكتّاب ، لكني حتماً أعندهم .. تخيلا الأمر كسباق الماراثون ، يُشارك فيه آلاف الّلاعبين .. والذي يحصل على الكأس ، هو صاحب النفس الأطول.. عليكما الصبر والجهد ، مع الكثير من الأمل والتفاؤل بالمستقبل ، حتى لوّ كان واقعكما عكس ذلك.. ولا تنسيا الدعاء لله : بأن يسخّر موهبتكما لطاعته.. وأن تكون نيّتكما : مساعدة الأقارب والأصدقاء ، فهذا سيساهم بنجاحكما سريعاً
- شكراً لهذه النصيحة ، يا كاتبتنا المفضّلة
- هل يمكننا الحصول على توقيعك ؟
الكاتبة : بالطبع !!
ووقّعت لهما على نسختين من قصصها ، التي وصلت لألف قصةٍ قصيرة !
^^^
بعد عودتهما الى مقعدهما في الدرجة السياحيّة ، تمّتم الثريّ بتهكّم :
- كاتبةٌ مشهورة !
الكاتبة بابتسامةٍ متواضعة : شيء من هذا القبيل
الرجل : نصائحك لا بأس بها
- شكراً لك ، فأنا امتهنت الكتابة بعد اكتشاف موهبتي الغريبة بقراءة العيون
الرجل بنبرةٍ ساخرة : أحقاً
- نعم ، يمكنني معرفة ماضي الشخص من نظرته الحادّة او الحزينة
فأزال نظّارته الشمسيّة ، وهو يقول باستخفاف :
- وماذا تقول عيوني ؟
فسرحت قليلاً وهي تتمعّن عينيه الدامعيتن ، قبل قولها باستغراب :
- يا الهي ! كيف تحمّلت كل هذا
- عن ماذا تتحدّثين ؟!
الكاتبة : الصدمة العاطفيّة مؤلمة للقلب ، فكيف اذا كانت من صديقٍ سرق حبيبتك !
فتوسّعت حدقتا عينيه بدهشة ! قائلاً بتلعثم :
- كيف عرفتي ؟!.. لا يعقل هذا !
الكاتبة : اهدأ رجاءً .. لن أخبر احداً بسرّك
فعاد للنظر الى النافذة ، رافضاً التحدّث بالموضوع !
فكتبت بقصاصة ورقٍ إقتطعتها من دفترها ، فيها :
((لربما اراد الله إزالة إمراةٍ مخادعة وصديقٍ ماكر من حياتك ، لطيبة قلبك.. لا تحزن ، فالفرج قريب))
قرأها على عجل ، قبل تجعيده الورقة .. فظنّت انه سيرميها .. لكنه دسّها في جيب قميصه ، كأن كلماتها لامست قلبه !
واستمرّ بسكوته طوال الرحلة ، لحين شعورها بالنعاس..
فقاومت النوم ، الى أن ذهب الى دورة المياه ..
وفور إسناد رأسها على طرف كرسيها ، غفت على الفور
^^^
بعد قليل ، شعرت بجسمها يهبط للخلف !
فاستيقظت مرتعبة ، لتجده يعدّل كرسيها للنوم ..وهو يقول :
- هكذا أفضل لظهرك
الكاتبة بنعاس : شكراً لك.. بالعادة لا أنام بالطائرة ، لكن رحلتنا طويلة
وهنا اقتربت المضيفة لتسأله :
- هل أجلب غطاءً لزوجتك ؟
فأجابها : نعم ، أحضري واحداً
فابتسمت الكاتبة وهي مُغمضة العينين ، لعدم إخباره المضيفة : بأن لا علاقة تجمعه بها !
^^^
بعد نومها لنصف ساعة (مع خفض انوار الطائرة ، عقب ساعتين على بداية رحلتهم المسائيّة)
فتحت عينيها ، لتشاهد إنعكاس نور جواله على نافذة الكراسي المقابلة (الفارغة)
وعندما أدارت رأسها نحوه ، مثّل دور النائم ! ففهمت رغبته بالعزلة
وبهدوء أزالت نظّارته الطبّية ، وإعادتها الى علبتها (على الطاولة امامه) وهي تُخفي فرحتها بعد لمحها على جوّاله المُضاء : حوارها مع الصحافة ! فعلمت انها أثارت اهتمامه
ثم اسندت رأسه على النافذة ، بعد وضع ملاءتها عليه.. ومسّدت غُرّته الناعمة بحنان ، قبل ذهابها الى دورة المياه
وكان لهذه الحركة البسيطة أثراً كبيراً في نفسه بعد فقد ثقته بالنساء ، عقب غدر حبيبته التي فضّلت صديقه (الأكثر ثراءً) عليه !
^^^
بعد خروجها من هناك .. رأته يراقبها من بعيد ، كأنه ينتظر قدومها ! وهذه المرة كان مستعداً للتحدّث معها عبر سؤاله :
- لما كاتبة مشهورة مثلك ، حسنة المظهر لم تتزوج حتى الآن ؟
فأجابته بحزن : سحرٌ قديم
بصدمة : ماذا !
- إحدى قريباتي اعترفت بسحرٍ لن يُفكّ إلاّ بموتها ! والآن تجاوزت السبعين بينما بلغت الأربعين .. لهذا لم يعدّ موضوع الزواج مُهمّاً بالنسبة لي
الرجل : الا يوجد حلٌّ آخر ؟!
- لا تقلق بشأني ، فأنا اؤمن بالقدر .. وإن كان لي نصيب في هذه الدنيا ، سيضع الله العريس في طريقي.
- هذا صحيح
الكاتبة : أرأيت ، كل شخصٍ لديه بلاء على قدر صبره .. الآن دورك !! إن إردّت الفضّفضة ، فالحديث مع غريبٍ لن تراه مجدّداً ، سيُريحك حتماً
فسكت بارتباك .. لتسأله :
- هل عرفتها ايام الجامعة ؟
فأجاب بحزن : نعم
- وصديقك ؟
- ابن جيراننا
الكاتبة : يعني تعرفه منذ طفولتك ؟
فأوما برأسه إيجاباً.. وسرعان ما مسح دمعته وهو يقول :
- هو لم يسرق حبيبتي فقط ، بل كل ذكرياتنا معاً : الطفولة والمراهقة والشباب .. حتى انّي لم أعدّ أذهب الى مطاعمنا المفضّلة!
ثم أخبرها عن علاقته بالخائنين لساعةٍ كاملة .. ويبدو أن الحديث خفّف قليلاً من ألم قلبه ، حيث ابتسم بعد إلقائها نكتةً مضحكة
بينما أمضى ساعته التالية في سماع موجزٍ عن حياتها الصعبة التي تعسّرت بالسحر ، والذي كان له دوراً كبيراً في تنميّة موهبتها الكتابيّة بسبب كوابيسها المتكرّرة التي حوّلتها الى قصصٍ مخيفة ، قبل تنوّعها بالكتابة !
***
ثم جاء وقت العشاء.. فأخذ يراقبها بطرف عينه وهي تتناول طعامها ، مُراعيةً اصول الأتيكيت التي تهمّه كثيراً ، فهو يهتمّ بمظهره امام الناس بسبب عائلته الراقية
كما أسعده كلامها اللطيف مع المضيفات ، وعفويّتها المرحة بعيداً عن الغرور
وبعد هبوط الطائرة.. وقبل خروجهما من المطار ، تبادلا على عجل ارقام جوّالاتهما
^^^
بعد شهرين على محادثتهما سويّاً كل ليلة ، إكتشفا تشابه طباعهما وطموحهما وآمالهما .. وكذلك شروطهما بالزواج الناجح ، وصولاً لتربية الأطفال الناجحة !
ولم تنتهي السنة حتى عُقد زواجهما ، خاصّة بعد وفاة قريبتها الساحرة ! ممّا شجّعها على اتخاذ هذه الخطوة الجريئة (بالنسبة لها)
***
بعد شهر العسل ، إجتمعت العروس مع المراهقتيّن (الّلتين التقت بهما في الطائرة)
- هآ خالتي .. اين مكافأتنا بعد نجاح خطتك ؟
فأعطت كلاً منهما ظرفاً من المال ، وهي تهمس بحذر :
- لنبقي السرّ بيننا .. مفهوم !!
- بالتأكيد ، يا كاتبتنا المشهورة
^^^
((فما لا يعرفه العريس : أن الكاتبة سمعته يُخبّر اخاه (بالجوّال ، اثناء جلوسه بصالة المسافرين) عن سفره للإستجمام بعد صدمته بحبيبته وصديقه ..دون ملاحظته جلوسها خلفه ، وهي تستمع لقصته الصادمة !
حيث كانت تسافر مع ابنتيّ أختها بالدرجة السياحيّة .. وبعد معرفتها بحجزّه في الدرجة الأولى ..دفعت كل ما معها لاستبدال بطاقتها بكرسي بجانبه ! وطلبت من المراهقتيّن أن تقوما بتمثليّةٍ صغيرة ، كيّ تُعرّفانه بموهبتها الكتابيّة.. وهي لم تكذب بهذا الشأن ، لكنها كاتبة مبتدئة وليست مشهورة كما أوهموه !
وبذلك نجحت خطتها بالزواج من رجلٍ ثريّ ووسيم ، كما تحلم دائماً .. وتعهّدت بنفسها : أن تلك الكذبة ستكون الوحيدة على زوجها (الذي يُشبه ابطال قصصها) والتي تنوي إسعاده بأفكارها الرومنسيّة الحنونة التي تستوحيها من خيالها الخصب))
الحاكم الظالم
في العصور القديمة .. أراد الشاب المدلّل (الذي استلم حكم البلاد حديثاً) إثبات قوّته لشعبه (المُعتاد على عدل والده المرحوم) من خلال حملةٍ واسعة للقبض على معارضيه : سواءً الشعراء والعلماء ، او القيّاديين البارزين الذين نصروا والده بالعديد من المعارك السابقة !
كما قام بتغيّر كل من حوله ، ممّن حصلوا على مناصبهم بجدارة .. رغبةً بتعيين زملائه وأصدقائه (الفاسدين مثله) بدل العجائز الذين اختارهم والده بحنكةٍ وذكاء !
ورغم الغضب المكبوت من شعبه وقادته ، إلا انهم التزموا الصمت بعد الإعدامات المتكرّرة من سيّاف الملك (الوحيد الذي بقيّ في عمله ، لقوّته وصلابة قلبه)
***
في أحد الأيام ، سمع الملك الفاسد شعراً غزليّاً مميّزاً.. فأمر بخطف خطيبة الشاعر ، وضمّها الى جواريّ قصره !
مما أفقد الشاعر صوابه ، وصار يهجوه في الأسواق كل يوم ..
وكما توقّع الجميع ، أمر بإعدامه دون محاكمة !
***
في الموعد المحدّد ، قدم السيّاف ومعه السيف الذي يقطر دماً .. فعاتبه الملك :
- أوسخت سجّادي العجميّ بدماء الفاسق .. هل قتلته ببطء كما أمرتك؟
السيّاف : بل فعلت أكثر من ذلك .. (وأشار للنافذة)
فنظر الشاب لساحته ، ليجد رأساً مُعلّقاً على سور قصره !
- يبدو وجهه مشوّهاً ! هل هو ذاته الشاعر الوسيم ؟!
السيّاف : طبعاً !! بعد قلع عينيه ولسانه الطويل ، وغليّ رأسه بالماء الساخن قبل قطعه
- انت حقاً تستحق وظيفتك ، فقلبك ميّت كما أخبرني والدي ! ..لكن ليتك سألتني قبل تعذيبه ! فأنا اردّت وجهه كما هو ، ليعلم الشعراء مصيرهم في حال هجوني او نقدوني ..
- كان عقاباً عادلاً بعد نقده ملِكنا المُعظّم
وانحنى احتراماً ..
الملك : حسناً ، شكراً لك .. أتعبتك بكثرة إعداماتي .. كم صار عددهم حتى الآن ؟
ففكّر السيّاف قليلاً ، قبل أن يقول :
- منذ توليّك الحكم .. خمسون معارضاً من كبار العلماء ورجال الدين والشعراء والقادة العسكريّن ، وبعض الرعيّة الذين ادّعوا محاربتهم الفساد!
الملك : وسأقتل المزيد إن اضّطررت لذلك ، كيّ لا يجرؤ احد على نقد حكميّ الرشيد .. الآن عدّ لمنزلك ، سأناديك عند حاجتي اليك
- برعاية الله ، يا مولانا المُبجّل
***
لم تمضي شهور ، حتى أصبح الحديث عن الملك مُحرّماً بين الناس ، بعد نشر المخابرات بينهم !
في بداية الصيف .. وصلت للملك رسالة من حاكم البلدة المجاورة : يطالبه بإيقاف مشروع السدّ الذي سيقللّ جريان النهر في دولته ..
لكن الشاب (عديم الخبرة) تجاهل تهديدات منافسه ، وردّ عليه باستخفاف .. مما أغضب العدو الذي أعلن الحرب عليه !
فأسرع الملك لجمع اصدقائه (الذي عيّنهم في ارفع المناصب بدولته) وأمرهم بتجهيز جيشٍ كبير ليوم المعركة .. ممّا أربكهم (فهم من الطبقة المخمليّة الفاسدة)
في البداية ، وعدوه بتنفيذ اوامره .. ليتفاجأ بهروبهم الى بلدانٍ بعيدة ، بعد سرقتهم المال من الصناديق المخصّصة لوظائفهم : سواءً التجاريّة او العسكريّة !
وخبر هروبهم أرعب الملك الذي جمع حاشيته ، لمشورتهم بحلّ الأزمة .. لكن لا احد منهم لديه خبرة القادة العشرين الذين أُعدموا منذ توليه العرش!
فأمر الملك بالتجنيد الإجباريّ .. ليتفاجأ برفض الأهالي تطوّع اولادهم لحمايته !
فصار يهددّ بقتل من يخالف اوامره .. ومع هذا لم يؤثّر على شعبه الذي يتمنّى موته بعد نشره الفساد بدولتهم ، بعكس والده العادل !
***
بعد اختراق جيش العدو حدود دولته ، لبس الملك زيّ قائد الجيش وهو يرتعد خوفاً فوق حصانه.. مع مئة رجلٍ ، وعدهم بمكافئةٍ ماليّة إن رافقوه للمعركة التي يعلم مُسبقاً بخسارتها ، فور رؤيته ألف فارسٍ من الجيش المنافس قادمين من بعيد !
وسرعان ما التقى الجيشان في السهل الواسع ، القريب من النهر المشترك بين الدولتين .. وكان واضحاً تقدّم جيش العدو على الملك (الذي بكى خلف قناعه الحديديّ) وهو يتراجع ببطء للوراء بعد مقتل العديد من جيشه ، الغير مُدرّب على خوض المعارك العنيفة !
وأوشك الملك على الإستسلام برميه رايته ، مُعلناً فوز العدو باحتلال بلاده .. قبل تفاجئه بمجموعة فرسان قادمين من قلعته ، بقيادة فارسٍ مقنّع ! قلبوا موازين المعركة بدقائق بعد قتلهم العديد من رجال الجيش المنافس ، وفرار الأحياء منهم لخلف النهر ..
وبذلك فاز مشروع الملك : ببناء سدّ النهر الذي ينبع من دولته !
^^^
بغمرة فرحته بالنصر ، إقترب منه الفارس المقنّع ..
فطلب الملك إزالة قناعه ، لتكريمه على شجاعته مع فريقه المميّز .. وإذّ به سيّاف القصر !
الملك بدهشة : أهذا أنت ؟!
السيّاف : نعم ، وهذا جيشيّ الصغير ..
ثم طلب السيّاف من فريقه ، إزاله الّلثام عن وجوههم : ليظهر الخمسون من القادة والشعراء وكبار التجّار والسياسيين ، الذين حوكموا بالإعدام سابقاً !
الملك بصدمة : كيف هذا ، وقد رأيت رؤوسهم مُعلّقه على سور قلعتي ؟!
السيّاف : كانت رؤوس كبار الّلصوص والقتلة الذين طلبت مني إطلاق سراحهم من السجن ، رغم ثبوت فسادهم لوالدك.. لهذا تعمّدت تشويه وجوههم ، لتظن بتنفيذ طلباتك الغبيّة : بقتل أفضل رجالنا !
الملك غاضباً : انت تعلم بأن عصيان أوامري يُعرّضك للإعدام !!
فرفع السيّاف سلاحه في وجه الشاب الذي ارتعد رعباً !
- إسمع ايها التافه .. لولاهم (وأشار لفريقه) لأصبحت عبداً للعدو .. لكني بدهائي ، خبّأتهم في سردابٍ اسفل قصرك .. وأطلعتهم أولاً بأول على قراراتك الحمقاء التي أفسدت دولتنا .. وسمحت بتدرّبهم على الأسلحة ، تجهيزاً لهذه المعركة.. فأنا من ارسلت رسالةٍ للعدو ، لإخبارهم عن سدّك السرّي
الملك بعصبية : انت ايها اللعين !!
السيّاف : نعم ، لرغبتي بقلب الحكم عليك
- لا يمكنك ذلك ، فأنا الإبن الوحيد للملك السابق !
فاقترب منه عالمٌ جليل :
- لا مُلك بعد اليوم .. فقد قرّرت انا وزملائي تحويلها الى حكومةٍ عادلة ، عن طريق تعيّن رئيسٍ كل اربع سنوات ، بإجماع مجلس الشورى الذي سيضمّ كبار التجّار ومثقفيّ بلادنا
الملك بتهكّم : تقصد انت ورفاقك ؟
فردّ العالم باستحقار : أتدري يا غلام .. ما وصلنا اليه الآن ، هو بسبب دلال والدك لإبنه الوحيد .. وهآ انت أفسّدت بتهوّرك ما بناه في اربعين سنة ! .. لهذا قرّرنا بالإجماع إقالتك عن العرش الملكيّ
فقال الملك للسيّاف غاضباً :
- كلّه بسببك !! لوّ أعدمتهم ، لما ورّطتني بهذا المشكلة
السيّاف : أتعلم لماذا لم أقتلهم ؟ لأن الفاسدين أمثالك متواجدين في كل زمانٍ ومكان .. بينما العلماء والموهوبين ، فنادروا الوجود .. فهم شرفنا وواجهة دولتنا ..
ثم اقترب سياسي بارز من الملك :
- لا تضعّ كل الحق على السيّاف ، فأنت من أضعت فرصتك لتكون حاكماً جيداً كوالدك ، لذلك لن نعدمك كما حكمت علينا .. بل سننفيك الى خارج البلاد
الملك بقلق : سترسلوني لدولة العدو ؟!
العالم : لوّ أردنا ذلك ، لتركناهم يأخذونك أسيراً
التاجر : نحن سنضعك في سفينةٍ تجاريّة ، برحلةٍ طويلة الى بلاد الغرب
الملك : لكني لا اريد الهجرة عن بلادي
السيّاف بحزم : إمّا أن ترضى بذلك ، او أقطع رأسك بسيفيّ !! فماذا تختار؟
فسكت الملك بقهر..
العالم : ولا تقلق بشأن دولتنا .. فنحن سنقيم انتخاباتٍ عادلة بين اعضاء مجلس شورى يضمّ وجهاء القوم ، لاختيار أفضلنا لحكم البلاد .. وستكون مهمّتنا نشر السلام والعدل بعد وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب
السياسي : حتى اننا سنقيم إتفاقيّة سلام مع الدول المجاورة ، نحدّد فيها نسب مياه الريّ بيننا
الملك : يعني ستهدمون سدودي ؟!
العالم : سنترك السدّ على النهر الصغير لمزارعنا ، أمّا السد الكبير فلا لزوم له
الملك : لكنه كلّفني الكثير من المال !
التاجر : نعلم انك أفلستنا بمشاريعك الغبيّة ، ونحتاج الكثير من السنوات لتعويض المال الذي صرفته على حفلات رفاقك الجبناء ، وجواريك اللآتي أحضرتهن من البلاد الأجنبية .. كان الله في عوننا
السيّاف وهو يشدّ ذراع الملك :
- هيا !! تعال معي
الملك بخوف : هل ستقطع رأسي ؟!
السيّاف : الم تسمع ما قلناه ؟! سآخذك الى الشاطىء ، لأتأكّد من ركوبك السفينة التجاريّة
الملك : على الأقل دعوني أعود الى قصري لتوديعه للمرة الأخيرة
القائد العسكري : أساساً شعبك متأكّد من موتك في معركتك الفاشلة ، وهذا ما سنخبرهم به .. وإن أردّت العودة ، لسرقة الأموال المُخبأة في غرفتك .. فهي ستُنقل الى بيت المال ، لإصلاح ما أفسدّته طوال الخمس سنوات من حكمك الظالم
الملك بقلق : وماذا سأفعل بالغربة دون مال ؟!
التاجر ساخراً : إعمل مزارعاً او حطّاباً ، واجني مالك من عرق جبينك .. (ثم قال للسيّاف) ..هيا خذه من هنا ، يا صديقنا الوفيّ
ثم لوّحوا لمليكهم ساخرين .. بينما يقتاده السيّاف الى الشاطىء ، برحلة اللّاعودة !
إتفاق المجرمون !
جرت العادة بإغلاق الأبواب والنوافذ وإطفاء جميع الأنوار ، ومنع النساء والأطفال الخروج من الأكواخ ، والحيوانات من الزرائب بعد مغيب الشمس ! فهو الوقت المُخصّص للمجرمين الرجال بالتحرّك بحرّية داخل الجزيرة : حيث يحقّ لهم أكل ما يريدونه من المزروعات ، بحدود وجبةٍ مُشبعةٍ لهم ! وصولاً لذبح وشواء الدواجن والماشية التي يرونها خارج الزريبة مساءً..
كما يمكنهم الإعتداء بالضرب ، او إستغلال جسد الأشخاص الخارجين من بيوتهم في الوقت المُخصّص لهم !
وفي المقابل يُمنع عليهم حرق الأراضي وإفساد الزرع ، او قطف المزروعات اكثر من حاجتهم.. ويعاقبون بقسّوة إن اقتحموا المنازل المغلقة ، قد تصلّ للإعدام من زعيمهم !
***
داخل إحدى الأكواخ (حيث يستعدّ الأهالي للنوم باكراً) سأل الصغير امه :
- لما تخافين كلما اقتربت من النافذة ، وتعاقبينني إن أزحت الستارة السوداء للنظر للخارج ؟!
فتنهّدت الأم بضيق :
- القصة حصلت قبل عشر سنوات .. ففي هذه الجزيرة الصغيرة ، بُنيّ سجنٌ ضخم ، ضمّ أعتى المجرمين في دولتنا.. الى أن اكتشف احد الحرّاس خصوبة الأراضي المجاورة للسجن ، ممّا شجّع بعض المزراعين على الإستفادة منها
الصبيّ : وحينها قدمت انت وابي الى هنا ؟
- أحضرنا جدك بعد زواجنا .. سامحه الله
- تبدين متضايقة من قرار المرحوم ؟!
الأم : بالطبع !! فبعد ثلاث سنوات من زراعتنا الأرض ، حصلت ثورةٌ عنيفة داخل السجن مساءً .. لنستيقظ على خبر هروب الحرّاس بقواربنا الصغيرة ! تاركين المساجين على حرّيتهم بعد خلعهم البوّابة الرئيسيّة .. لتعيش بعدها العوائل العشرة أسوء ايام حياتها بعد نشر الخمسين مجرماً الفساد بالجزيرة ، مُعتدين على الكثير من الفتيات والأولاد ! عدا عن قتلهم الحيوانات وإفسادهم الأراضي الزراعيّة
- ولما لم تهربوا من هنا ؟!
- أخبرتك أن الحرّاس الجبناء أخذوا سفننا ، ولم نستطع بناء غيرها بأمرٍ من زعيم المساجين الذي أجبرنا على العمل بالزراعة ورعيّ المواشي لإطعامهم ! وبما أن جدك كان أكبر المتواجدين بالجزيرة ، عقد إتفاقاً مع زعيمهم : ((بأن النهار لنا ، والمساء لهم .. وأن من يُخالف العقد ، يتحمّل العواقب وحده.. لهذا لا يمكننا إنقاذ أيّ شخصٍ يخرج من منزله ، اثناء وجودهم))
الصبيّ : وماذا بشأن المجرم الذي يُخالف اوامر زعيمه ؟
- تجرّأ اثنان سابقاً على ذلك ، بعد اقتحامهما منزلاً لخطف فتاةٍ بالقوّة .. فحكم عليهما الزعيم بالسباحة بعيداً عن الجزيرة ، تحت تهديد السلاح.. ولا أظنهما وصلا لشطّ الأمان ، فجزيرتنا تبعد اميالاً عن بقية المدن.. وأظنه عقابٌ عادل ، طالما التزمنا بالبقاء في منازلنا المظلمة كل ليلة !
الصبيّ : كنت اتساءل دائماً ، أين تختفي ثمارنا في الصباح ؟ والآن عرفت السبب
- لا تقلق ، فزعيمهم حدّد الكميّة المسموحة لكل مجرم حسب وزنه .. رغم أن كميّتهم ضُعف ما تحصل عليه العوائل المسالمة ! وهذا ظلم ، فنحن نزرع ونفلح طوال النهار ، وهم نائمين بسلام في زنازينهم المفتوحة .. عدا عن إجبارنا بنهاية كل اسبوع : بطبخ وليمةٍ لهم ، نضعها فوق الطاولات قبيل الغروب.. وكثيراً ما نمنا جياعاً ، وهم يحتفلون بالخارج بأكلنا الدّسم وحلوياتنا اللذيذة ! .. لكن ماذا نفعل ؟ فنحن الضعفاء بعد استيلائهم على اسلحة الحرس ، ولا يحقّ لنا الإعتراض !
الصبيّ : ولما لم ترسل الدولة سفناً ، لإخراجنا من هذا الجحيم ؟!
- أرسلوا مرة دوريتيّ شرطة .. فحصلت معركةٌ عنيفة ، ربح فيها المساجين بعد قتلهم عدداً من الشرطة ، وفرار الآخرين بقواربهم ! ومن يومها أصبحنا في عِداد الموتى ، ولم يقترب احد لإنقاذنا من جديد
- الأمر مخيف يا امي !
الأم بحزن : أكيد بنيّ ، فنحن نعيش كل يومٍ بيومه .. وهذا خطأنا منذ البداية ، لقدومنا الى جزيرة المجرمين ، هرباً من الضرائب المفروضة على المزارعين في دولتنا .. المهم الآن !! حاول النوم سريعاً .. وان اضّطررت لدخول الحمّام ، فلا تصدر صوتاً يُزعج الملاعين في الخارج
***
في الصباح .. تجوّلت الأهالي بين الأراضي والزرائب ، لتفقّد المسروقات من الحيوانات والزرع.. حيث اعتادت النساء على لبس رداءٍ اسودٍ يُخفي وجههنّ وجسمهنّ ، خوفاً من تلصّص المجرمين من نوافذ زنازينهم ! كيّ لا يعجبوا بإحداهن ، ويخطفونها مساءً.
حتى الأولاد ، عليهم اللعب في زريبةٍ مُغلقة بعيدة عن مقرّ السجن ، خوفاً من المنحرفين !
***
إستمرّ هذا الوضع المتشنّج لخمس سنواتٍ أخرى ، قبل إنتشار خبرٍ بين الأهالي عن وصول عجوزٍ الى جزيرتهم !
وبعد إسعافه وإطعامه ، أخبرهم انه صيّاد تعرّض لهجوم حوتٍ عنيف ، كسر سفينته بزعنفته ، فهرب بقاربه المطاطيّ .. وتاه في البحر لأربعة ايام ، الى ان وصل اليهم!
فأخبروه عن طبيعة حياتهم الصعبة وقوانينهم الصارمة.. ومن بعدها جهّزوا فرشةً من الصوف ، وضعوها له بإحدى الزرائب (فجميع الأكواخ العشرة مُكتظّة بالعوائل)
***
بحلول المساء .. راقب العجوز من شقّ الباب الوضع بالخارج ، بعد سماعه شابين يتجادلان امام زريبته :
- مللّت من اكل الخضروات والفواكه !!
زميله : إصبر قليلاً ، سنحصل على الطعام الفاخر بعطلة الإسبوع
- لا يكفي !! اريد تذوّق اللحم الآن
- وماذا تشتهي مولايّ ؟
بعصبية : لا تسخر مني !!
- أقصد .. هل ترغب بالدجاج ؟
- بل لحم خاروف
- مستحيل !! الخرفان معدودة على الجزيرة ، ويحتاجونها للحليب ومشتقّاته
- وانا أرغب باللحم المشويّ الذي حُرمت منه طوال سنوات اعتقالي
- كما ترى .. لا خرفان خارج الزرائب ، كما ينصّ العقد
- لا يهمّني إتفاقهم اللعين !! سأقتحم هذه الزريبة وأسرق إحداها ، لنتناولها بعيداً عن زملائنا
- أكيد سيشتمّون رائحة الشواء .. عدا أن اللحم يحتاج ساعتين على الأقل لينضج ! فكيف سنُخفي الأمر عن زعيمنا الذي سيعاقبنا على السرقة؟
- لنستولي على الخاروف اولاً ، ثم نفكّر بحلّ للمشكلة
ثم فتح القفل ، بسلكٍ حديديّ..
- أحقاً فتحته ؟! يالك من خبير
- طبعاً !! فأنا لصٌّ محترف .. هيا نختار أكبر الخرفان
ليتفاجآ ببندقية العجوز مُصوّبة نحوهما !
فسأله أحدهما : من انت ؟!
العجوز بحزم : انا حارس الزريبة ، وسأعاقبكما على مخالفة عقدنا
- لم نرك من قبل ! هل انت دخيل على جزيرتنا ؟
العجوز : هذا ليس من شأنك .. (ثم لقّم بندقيته).. أظن قتلكما لن يُغضب الزعيم ، اليس كذلك ؟
الشاب مُستسلماً بخوف : رجاءً لا تقتلنا !! فنحن جياع ، لا اكثر !
^^^
واثناء جدالهم ، مرّ الزعيم ومساعده ..
الزعيم : ماذا يحصل هنا ؟!
العجوز : جئت في وقتك
وأخبره بما حصل.. فصفع الزعيم المجرم المُخالف ، وهو يصرخ غاضباً:
- هل أقتلك الآن ، ام أؤجّلها للغد امام زملائك ؟!!
الشاب بخوف : سيدي ! كل ما أردّته هو تناول اللحم المشويّ .. أهذه جريمة أُعاقب عليها بالإعدام ؟!
الزعيم ساخراً : وهل انت امرأة حامل تتوحّم على اللحم ؟ الا تعرف يا غبي إن مخالفتنا للعقد سيحرمنا تناول الأكل الشهيّ بنهاية الأسبوع ؟
الشاب مُعترضاً : هم يطبخون الخضار والحلوى ، ونادراً ما يذبحون خِرافهم بحجّة الحليب والصوف .. رجاءً سيدي ، اريد تناول اللحم.. أكاد آكل الخاروف نيئاً من شدّة جوعي ! وأخاف أن ..
العجوز مقاطعاً : انا صيّادٌ ماهر ، ولي طريقة مسائيّة أستخدمها لصيد الأسماك الكبيرة .. ما رأيك ايها الشاب لوّ تستبدل اللحم بالسمك ؟
الشاب بحماس : موافق !!
فقال الزعيم : بشرط !! أن تعلمنا طريقة الصيد
العجوز : سأفعل .. وبذلك تصطادون طعامكم ، بدل سرقة مزروعات غيركم
^^^
وتتبّع المجرمون العجوز الى الشاطىء ، وهم ينيرون طريقهم بالقناديل..
ليراقبوا باهتمام طريقة العجوز الغريبة بالصيد : عن طريق حفره قناة بالشاطىء ، ووضع الطُعم (مجموعة ديدان) في نهايته !
وخلال دقائق ، سبحت عدة اسماك بالجدول الصغير.. ليتم صيدها بسهولة بعد وقوعها بالفخّ الضيّق.
ثم علّمهم طريقةً سريعة للشواء بنكهةٍ لذيذة ، مُستخدماً بعض الأعشاب البرّية .
وتركهم يأكلون بشهيّة ، ليعود للنوم بالزريبة ..
***
بمرور الأيام ، أصبح العجوز مُرحّباً به في الفترة المسائيّة للمجرمين.. فهو أكبرهم سناً : فزعيمهم يبلغ الأربعين ، بينما هو في منتصف السبعينات.. ولهذا استطاع إخضاعهم تحت سلطته ، برقّة إسلوبه ورزانته الحكيمة ..
حيث أخبرهم في إحدى الليالي : بأنه لا يمكنهم الإستمرار بهذه الفوضى ! وعليهم الإندماج مع اهالي القرية المُستعدين لتزويجهم بناتهم ، في حال أحسنوا التصرّف .
وبصعوبة استطاع العجوز الجمع بين الفريقين (عصراً) ضمن احتفالٍ كبير ، بعد إقناع الأهالي بتزيّن بناتهم لمشاركة المجرمين الحفل !
وكان لهذا وقعٌ كبير على قلوب الشباب الذين أبدوا استعدادهم للعمل مع الآباء ، كمهر لبناتهم الفاتنات.. حتى أن زعيمهم أُغرم بأمرأةٍ أرملة من جيله
^^^
بنهاية الحفل.. قسّم العجوز المهام على المجرمين الخمسين : حيث وافق بعضهم على العمل بالزراعة .. بينما أبدى الآخرون إهتمامهم بالمواشي .. وفضّل قسمٌ منهم الصيد البرّي او البحري .. ومنهم من تطوّع أن يكون حطّاباً ..وأثنين رغبا بتعلّم الطبّ البيطريّ من رجلٍ مُختصّ بهذه المهنة
وبذلك أُلغي العقد القديم : حيث سُمح للمجرمين الخروج صباحاً ، لبناء اكواخهم استعداداً للزواج .. بعد قيام زعيمهم بإغلاق بوّابة السجن القديم ، بزنّزاناته الرطبة بشكلٍ نهائيّ !
***
بنهاية العام .. أُقيم حفل زواجٍ جماعيّ للمجرمين الخمسين الذين أثبتوا للأهالي طوال العام ، حسن نواياهم من خلال نشاطهم ومواظبتهم على العمل الشريف. ..لتتحوّل الجزيرة الى مجموعة عوائل ، بعد اندماجهم اخيراً بالمجتمع !
***
بعد سبع سنوات ، امتلأت الجزيرة بالأولاد والأطفال حديثي الولادة
ولم يمضي وقتٌ قصير .. حتى أقيمت جنازة حضرها الجميع ، بعد وفاة العجوز الذي وحّد صفوفهم !
***
بعدها بشهرين .. قدمت سفينة من الدولة ، لنقل السجناء الى السجن المركزي ! ليُسارع الأهالي بتخبئة المساجين القدامى داخل زرائبهم وفوق اشجار الغابة .. مُدّعين بنائهم لسفينةٍ قبل سنوات ، والإبحار بها في جوٍّ عاصف .. وطالما لم يصلوا للمدينة ، فهذا يعني موتهم غرقاً
فاقترح القبطان على الأهالي ، ترك الجزيرة والعودة معه للمدينة.. لكنهم رفضوا ، بعد بنائهم مدرسة لأولادهم وعيادة للطبّ الشعبيّ..
فعاد القبطان مع الحرس بعد فشل مهمّتهم !
وذلك بعد قيام المسؤول بإغلاق السجن المهجور بالشمع الأحمر ..
ليعود المجرمون الى منازلهم وهم ينوّون إكمال حياتهم بسلام ، بعيداً عن انظار الإعلام والشرطة التي أغلقت ملفّاتهم القضائيّة ، كخاتمة لسجن الجزيرة المهجور !
العريس الوسيم
في مكتب مدير مجلّةٍ رسميّة في بلدةٍ خليجيّة (الذي استلم دار الصحافة عن والده المرحوم ، والمعروف بوسامته) وصله إتصال من امه ، تعاتبه على تطليقه زوجته الثالثة يوم عرسهما !
فردّ بعصبيّة :
- هذا ذنبك !! فأنا طلبت الزواج من فتاةٍ جميلة ، فاخترتِ لي أقبح النساء !
الأم بدهشة : أحلف إنها اجمل بنت رأيتها بحياتي ، بعد زيارتي لخمسين عائلة ! فعيونها عسليّة جميلة وشعرها ناعمٌ طويل ، تماماً كما طلبت
- خدعوك يا امي ، وأروك فتاةً غير التي زوجوني إيّاها ! .. وكلّه بسبب التقاليد الغبيّة التي تمنعني من رؤية العروس قبل الزواج!
- صدّقني بنيّ ، جميع زوجاتك كنّ فاتنات و..
مقاطعاً بغضب : يكفي يا امي !! لا اريد الزواج بعد اليوم.. (ثم تنهّد بضيق).. سأتصل بك لاحقاً ، فأنا مشغولٌ الآن
وأغلق المكالمة ، وهو يشعر بقهرٍ شديد..
***
بعد ساعة ، نزل لتفقّد الموظفين.. ليسمع فتاةً تجادل حارس الشركة ، مُطالبةً برؤية والدها (الموظّف في القسم الديني للمجلّة)..
فسأل الحارس من بعيد :
- ماذا هناك يا يعقوب ؟!!
الحارس : أخبرتها انه ممنوع دخول النساء ، لكنها تصرّ على ذلك !
وفور إلتفات الصبيّة اللبنانيّة نحو المدير ، حتى تجمّد في مكانه من شدّة جمالها ! والتي اقتربت منه بعيونها الدامعة ، وهي تترجّاه :
- اريد رؤية والدي في الحال ، فأمي نقلناها الى الطوارئ قبل قليل ..
فاتصل بسكرتيره لإخبار الموظف بالنزول فوراً لرؤية ابنته ، والذي استأذن للذهاب معها بسيارة الأجرة الى المستشفى .. لكن المدير أصرّ على توصيلهما بنفسه !
***
طوال الطريق .. راقب الشاب الصبيّة من مرآته العلويّة ، قائلاً في نفسه :
((حتى وهي تبكي ، تبدو كملاكٍ فاتن ! يبدو اني وقعت بالغرام الذي لطالما سمعت عنه !))
***
عندنا وصلوا للمستشفى .. أخبرهم الطبيب : انه أنقذ المريضة في اللحظة الأخيرة قبل انفجار زائدتها الدوديّة ، وأنهم بحاجة الى فئة دمها ..
فتطوّع الزوج بدخول المختبر ، لتبرّع بدمه .. بينما بقيّ المدير والصبيّة بالخارج ، مُحاولاً تهدأتها بكلامه الرقيق
وبعد طمّأنته على الأم ، عاد الى شركته بعد إعطاء موظفه إجازة يومين ..
***
في اليوم التالي .. شعر الشاب برغبة لرؤية الصبيّة ، لكنه لا يدري إن كان لائقاً الذهاب للمستشفى من جديد !
فأرسل مع سائقه : باقة ورد وعلبة شوكولا ، مُتمنيّاً للأم الشفاء العاجل..
***
بعد عودة المريضة الى بيتها ، زارهم الشاب مع امه .. وطوال السهرة ، نادى موظفه بالعمّ !
الموظف بإحراج : إستغفر الله ، سيدي
الشاب بارتباك : بالحقيقة يا عمّي ، اريد مفاتحتك بموضوعٍ خاصّ
وأخبره عن رغبته بخطبة ابنته .. فاستأذن الأب للسؤال عن رأيها ، والتي وافقت بعد حديثها المُنفرد مع العريس ..
ليتمّ الإتفاق بين العائلتين على يوم العرس ، في نهاية الشهر
***
في الفندق ، وبعد دخول العريس غرفتها .. وفور إزاحته الطرحة عن وجهها ، حتى صرخ غاضباً :
- لا !! ليس ثانيةً !
العروس بقلق : ما الأمر ؟!
العريس بقهر : لما يصرّ الأهل على تزويجي بأمرأةٍ ثانية غير التي اخترتها ؟!
وصار يشتمّ عائلتها ، ويهدّد بطرد والدها من العمل !
وقبل نطقه لفظ الطلاق .. طلبت منه انتظار والدها .. والذي عاد الى الفندق على عجل ، محاولاً حلّ المشكلة..
فعاتبه الشاب على تغيّر عروسته ..
العم بصدمة : هذه ابنتي التي رأيتها في المستشفى ! اساساً هي ابنتي الوحيدة
لكن الزوج أصرّ على قبح وجهها ، بعكس الملاك التي أُغرم بها !
ولأن والدها مُتديّن ، سارع بقراءة المعوّذات .. لينهار العريس على الأرض وهو يرتجف بقوة ! الى ان ظهر صوت جنيّة تتلبّس جسده ، وهي تصرخ غاضبة :
- لن أسمح بزواجه من غيري !!
حينها فهم الأب بأنه مسحور !
وعلى حسب كلام الجنيّة : فإبنة جيرانه سحرته بسن المراهقة.
فظلّ يقرأ عليه الأيات القرآنيّة ، الى ان أخرج الجنيّة من جسده بالقوّة !
^^^
بعد استيقاظ العريس ، رأى عروسته أجمل مما توقعه ! والتي انزوت على طرف السرير حزينة ومقهورة ، بعد صراخه عليها !
فاعتذر منها مُحرجاً .. وبدروها سامحته ، بعد أن أقنعها والدها بأنه لم يكن في وعيّه ..
ثم تركهما بمفردهما بالفندق ، وهو يدعو لهما بالسعادة والهناء
***
بعد انتهاء شهر العسل ، ذهبت مع زوجها الى فلّته .. لتراه مساءً يبحث بين اغراضه ! الى ان وجد ألبوم صور أعراسه الثلاثة السابقة ، التي التقطتها امه من الصالة المُخصّصة للنساء (قبل دخول العريس)
فسألته بقلق :
- هل تشعر بالندم على تطليقهنّ ؟!
الزوج بضيق : بل أشعر بتأنيب الضمير ! فهنّ فعلاً فاتنات ، كما أخبرتني امي.. لكن الجنّية اللعينة شوّهت أشكالهنّ يوم العرس
الزوجة بخوف : وهل تريد إعادتهنّ الى عصمتك ؟
- لا تقلقي ، فالله عوضهنّ بأزواجٍ غيري .. لكن من واجبي إفهام أهلهنّ بما حصل .. وتعويضهنّ ماديّاً عن الأذى النفسي اللآتي تعرضنّ له بعد تطليقهنّ يوم عرسهنّ ، وسوء ظنّ الناس بأخلاقهنّ!
- وماذا بشأن صورهنّ ؟
فسلّمها الألبوم ، وهو يقول :
- تصرّفي به
فأخذت تمزّق صورهنّ بعصبية .. وهو يراقبها مُبتسماً :
- أميرتي الغيّورة
ثم حضنها بحنان..
السكّان الجددّ
بعد اسبوع على إنتقالهم للقرية الهادئة وترتيب اغراضهم في المنزل الجديد الذي اشتروه من المالك العجوز ، وصلتهم رسالةً بريديّة مخيفة .. وفيها :
((اهلاً بالجيران الجدّد.. أرى أن لديكم ثلاثة اولاد ، وأظنهم سيسبّبون الضوضاء والإزعاج لمن حولهم .. لهذا أحذّركم منذ الآن !! إن كانوا اشقياء ، سنتخلّص منهم تباعاً.. السؤال الأهم !! هل تبيتون جميعاً في الطابق العلويّ ، ام اختار احدكم غرفة الضيوف في الطابق السفليّ ؟ .. فالجواب سينفعني اثناء إقتحام منزلكم.. وماذا عن النافذة المكسورة في القبو ؟ هل أصلحتموها ، ام تركتموها مدخلاً لتنفيذ خطّتي ؟ ماذا عن السلك الكهربائي المُعطّل بأنوار حديقتكم ؟ فهو سهلٌ إستخدامه لافتعال حريقٍ ضخم وانتم نيام ، فيظن الجميع أن موتكم بفعل ماسٍّ كهربائيّ.. لديّ الكثير من الأفكار للقضاء عليكم ، سأختار إحداها قريباً.. أتمنّى لكم احلاماً سعيدة))
هذه الرسالة المجهولة أرعبت الوالدان على اولادهما ، وبحثا عن حلٍّ للمشكلة :
الزوجة بقلق : هل تظن أن المالك القديم يتلاعب بأعصابنا لطردنا ، بعد حصوله على ثمن المنزل ؟
الزوج : هو عجوزٌ هرم .. وجاري أخبرني إن ابنه أجبره على بيع المنزل ، بعد وضعه في دار العجزة !
- أتقصد المُغترب ؟
- هو لديه ولدٌ وحيد .. باعنا المنزل ، قبل سفره للخارج
الزوجة : ربما عليك زيارة العجوز لحلّ الّلغز ، فهو سيدلّنا على مُرسل التهديد من بين جيراننا
- سأفعل ذلك غداً .. المهم !! اريدك ان تحضري الأولاد من المدرسة .. وأن تحرصي على قفل الأبواب جيداً
الزوجة : معك حق ! لن نستخدم حافلة المدرسة ، لحين كشفنا الفاعل
***
في اليوم التالي ، تفاجأ الأب بخبر موت العجوز في الدار !
- هل تسمّم من طعامكم الرديء ؟!
الممرّضة معاتبة : لا نسمح لك بهذا الإتهام ، فطعامنا صحيّ للغاية
الأب : اذاً لماذا دفنتم الجثة قبل تشريحها ؟!
- لأن ذلك يتطلّب موافقة ابنه الذي طلب منا إقفال الملف ، بحجّة أن والده تجاوز سن الثمانين ، ومن طبيعي أن يموت لأتفه الأسباب !
***
عصراً ، عاد الى زوجته لإخبارها بما حصل..
الزوجة : وانا بدوري ذهبت لجارتي ، وهي زوجة رئيس البلديّة .. وأطلعتها على الرسالة المشبوهة.. فأخبرتني ان المالك القديم شعر دائماً بالخوف في منزله ، بسبب الأصوات الغريبة التي تخرج من القبو !
- أتقصدين ان منزلنا مسكون ؟!
- هو عاش بعد وفاة زوجته وسفر ابنه في غرفة الضيوف بالطابق السفليّ ، فمرضه لم يسمح له بنزول القبو او الصعود لطابق العلويّ.. وأظن خلال ١٥ سنة على إغلاقه الغرف الفارغة ، أصبحت مسكونة بالأرواح الشريرة !
الزوج : عزيزتي ، الأشباح والجن لن يرسلوا رسالةً مكتوبة بخطّ اليد .. ثم نحن نقلنا منذ فترةٍ قصيرة ، فهل ضايقناهم لدرجة تهديدنا بالموت ؟!
- على حسب كلامها : جميع الجيران من العوائل المحترمة ، فهم قريّة صغيرة مُحافظة ، ولم تحدث بها مشاكل كبيرة !
فسكت الزوج مطوّلاً ، قبل أن يقول :
- أفكّر جديّاً بإبلاغ الشرطة ..
مقاطعة : دعنا ننتظر قليلاً .. ربما كانت مزحة ثقيلة من اولاد الحيّ ، لرفضهم وجود غرباء بينهم
- بجميع الأحوال ، علينا توخّي الحذر
***
مرّ الشهر التالي بسلام ، وتناست العائلة أمر الرسالة ..الى ان وصلهم تهديداً آخر :
((يبدو علينا إخافتكم بشكلٍ ملموس ، كيّ ترحلوا من هنا ! فأنتم غير مرحّب بكم معنا .. لهذا سأدعكما تختاران الولد الشقيّ الذي تريدان التخلّص منه اولاً : هل هو جوني ذوّ ١١ سنة ، ام جاك ٩ سنوات ، ام جيمي ٧ سنوات ؟))
هذه الرسالة أرعبت الوالدان أكثر من سابقتها ! ولم يعدّ امامهما سوى إبلاغ المحقّق المتقاعد الذي يعيش في الشارع الخلفيّ ، والذي قال بعد قراءته الرسالتين :
- غريب أن تحصل هذه الأمور في قريتنا المسالمة !
الأم : هل تعرف جميع الجيران القريبين من منزلنا ؟
المحقّق : نعم وجميعهم طيبون ، ولم يرتكبوا خطأً في حياتهم
الأب بقلق : وماذا نفعل بهذا الشأن ؟
المحقّق : سأوكّل شرطيّاً لمراقبة شارعكم ، وملاحقة الدخلاء.. بجميع الأحوال ، لا تسمحوا لأولادكم اللعب في الشارع هذه الفترة
^^^
اوامر المحقّق ضايقت الأولاد الثلاثة الذين رغبوا بلعب الكرة مع زملاء مدرستهم في حديقة القرية .. لكن والدهم إستطاع إلهائهم بعد شرائه العاباً إلكترونيّة ، لإبقائهم في المنزل اطول وقتٍ ممكن !
***
في احد الأيام ، غاب الولد الصغير عن المدرسة بعد إصابته بالإنفلونزا.. واضّطرت الأم لتركه وحده في المنزل ، لشراء الدواء من الصيدليّة .. بينما اخوانه في المدرسة ووالده بالعمل ..
وعندما عات للمنزل ، قال الصغير فزعاً :
- رأيته يا امي !
- من هو ؟
الولد : الشخص الذي يراقب منزلنا
الأم باهتمام : أهو احد الجيران ؟
- بل ساعي البريد
- ماذا !
الولد بفزع : رأيته ينظر من نافذة الصالة .. حتى انه حاول خلع الباب ! وقد أخافني ذلك كثيراً
^^^
حينما عرف الأب ، أخبر المحقّق بشكوكه .. وبدوره ارسل دوريّة الى منزل ساعي البريد الذي لم يكن موجوداً هناك !
فدخلوا منزله ، ليجدوا مُغلّفاً : فيه صور كل غرفة من منزل العائلة ، يبدو انه صوّرها بزمن المالك القديم !
وشملت الصور : العلّية والقبو ، وكذلك الأعطال الموجودة داخله : مثل نافذة القبو المكسورة ، والأسلاك المعطلّة بالحديقة !
وهذا يعني ان ساعي البريد دخل مراراً الى المنزل قبل بيعه !
^^^
وأثناء البحث عن المشتبه به ، ذهب المحقّق الى دار العجزة .. ليجد من الفيديوهات المصوّرة : ان ساعي البريد كان آخر من زار العجوز ، قبل وفاته مسموماً !
ومن كاميرا حديقة الدار : ظهر انه يُخفي الشوكولا في جيب العجوز ، قبل ذهابه
وكان هذا دليلاً كافياً للبحث عن الشاب الهارب في كل ارجاء القرية ..الى ان وجدوه في كوخ صديقه بالغابة ، مُتحجّجاً بالصيد في يوم عطلته !
***
طوال التحقيق معه ، رفض الإتهام الموجّه له .. وأخبرهم انه تلصّص من النافذة بعد سماعه صرخةً مدويّة من داخل المنزل ! جعلته يحاول خلع الباب ، لإنقاذ من في الداخل .. لكن بعد لمحه امرأة عجوز تراقبه من نافذة العلّية ، فرّ هارباً بسبب الإشاعة القديمة : بأن المنزل مسكون بالأرواح الشريرة !
المحقّق بعصبية : كفّ عن هذه السخافات !! فقد وجدنا صور الغرف في منزلك .
الشاب : العجوز سمح بذلك بعد وعده بإعطائي المنزل عقب وفاته ، لأسكن فيه مع خطيبتي
- ولماذا يهبك المنزل ولديه ابن في الغربة ، هو أحقّ به منك ؟!
- لأني اعتنيت به لخمس سنوات ، واستحقيت الهِبة عن ابنه العاقّ الذي لم يراسله ابداً ! .. وخطأي انني أخبرت اللعين بمرض والده ، فعاد لبيع المنزل بعد تخلّصه من والده المسكين !
المحقّق : الهذا تركتك خطيبتك ؟
- هي انتظرتني طويلاً للعثور على منزلٍ يجمعنا بعد الزواج ، لكن راتبي القليل لا يكفي لاستئجار غرفةٍ صغيرة
- ألهذا حقدّت على العجوز ، وأهديته الحلوى المسمومة ؟
الشاب : لا طبعاً !! فالعجوز بمقام والدي ، وهو وصّاني بإحضار شوكولاتته المفضّلة عند زيارتي له .. وأخفيتها في جيبه ، لأنهم يمنعونه من تناول السكّر.. وبرأيّ الشيء الذي أوقف قلبه ، هو حزنه الشديد من تصرّف ابنه العاقّ
المحقّق : لكن تقرير المستشقى يؤكّد موته مسموماً .. وانت آخر من زرته ، قبل تدهوّر حالته الصحيّة
الشاب : أذكر بنهاية زيارتي له ، سحبت الممرّضة كرسيه المتحرّك لتناول غدائه .. لكنه رفض الذهاب لصالة الطعام ، فأخذته الى غرفته.. وأظنها أعطته طعاماً بائتاً ، تسبّب بوعكةٍ حادّة في معدته .. والأفضل أن تحقّقوا معها لا معي !! انا مجرّد ساعي بريد ، كل ذنبي انني عطفت على العجوز الذي شعر بوحدةٍ قاتلة
المحقّق بحزم : إذاً أجبني على هذا السؤال !! إن كان إلتقاطك لصور الغرف ، كيّ تريها لخطيبتك (كما أخبرتني) .. فلماذا صوّرت النافذة المكسورة بالقبو ، والكهرباء المعطّلة بالحديقة ؟
الشاب : حتى أجمع المال لإصلاح الأعطال بالمنزل ، قبل انتقال حبيبتي اليه .. صدّقني ، لست مُرسل الرسالتين المخيفتين ! .. أحلف لك !!
لكن المحقّق لم يصدّق شهادته ، وأرسله للسجن ..
^^^
لم يمضي اسبوعان في سجنه الإنفراديّ ، حتى وجدوه مشنوقاً بملاءته .. وعبارةٌ مكتوبة بالدم على الجدار :
((الأرواح الشريرة تلاحقني !))
وبوفاته ، أُغلقت القضيّة..
^^^
مع ذلك قرّرت العائلة العودة للمدينة ، بعد تشاؤمها من المنزل !
لتحلّ مكانها عائلة جديدة مكوّنة من والدين وطفلٍ صغير .
***
بعد اسبوعين على انتقالهم ، وصلتهم رسالة تهديد :
((إن لم ترحلوا بنهاية الشهر ، سنخطف رضيعكم الذي أذانا بصراخه الدائم .. إخرجوا من منزلنا ، ايها المتطفّلين !!))
ورغم فزع الأم من الرسالة ، إلاّ ان زوجها فضّل تجاهل الأمر !
***
ولليوم لم يقترب احد من المنزل المهجور بعد عثور الشرطة على الطفل محروقاً بالفرن ، والأم مشنوقة بالحمّام ، والأب مطعوناً بالقبو !.. ليبقى وفاتهم لغزاً محيّراً حتى يومنا الحاليّ !
الحرب العالميّة السفليّة
- إبليس مات !!! .. إبليس مات !!!
نداءٌ عاجل من مِرسال القصر الملكي في العالم السفليّ ، مُعلناً وفاة إبليس المُفاجىء
فتجمّهر الجن والشياطين حوله ، غير مصدّقين بما حصل !
قائلاً أحدهم باستنكار :
- إبليس لا يموت ! هو مُخلّد ليوم القيامة
المرسال : لهذا انتحر .. وإن كنتم لا تصدّقون الخبر ، سنسمح للجميع بدخول ساحة القصر ، لرؤيته مشنوقاً على الشجرة الضخمة
جني عجوز : ربما قتله احد ابنائه ، طمعاً في السلطة
المرسال : وجدنا رسالة في مكتبه ، يُعلن فيها مللّه عن حياته الطويلة .. وانه حينما طلب من الله الخلود ، لم يعلم دوام الدنيا كل هذه القرون ! .. لهذا قرّر قتل نفسه ، تاركاً السلطة للأقوى بين ابنائه وأحفاده الشياطين .. حتى إن كان من رجال الجن العاديين ، طالما فرض إستحقاقه لهذه المكانة العظيمة !
- يعني لا شروط لاستلام السلطة !
المرسال : هذه اوامره الأخيرة
- هو يعلم جيداً إن الحكم دون قيود ، سيؤدي لحربٍ شعواء في عالمنا!
فقال جني عجوز :
- ولما تستغربون تصرّفه ؟ فهو معروف بخبثه ودهائه .. حيث كان بإمكانه تسميّة أكبر ابنائه ، وكنّا سنحترم وصيّته.. لكنه لا يرغب الموت وحيداً ، لهذا اتخذ قراراً متهوّراً سيؤدي لإبادة الملايين من جنسنا
فقال شيطانٌ شاب بقهر :
- لا أكترث لمن يستلم القيادة .. المهم ان اراه ميتاً ، فهو قتل والدي ظلماً لتباطئه في العمل !
- وانا استغلّ زوجتي وجعلها إحدى جواريه ، لجمالها بين نساء الجن!
- إذاً لنذهب الى قصره ، ونرى موتته الشنيعة !!
^^^
ودخلت طوابير الشياطين تباعاً ، من كبيرهم الى صغيرهم باتجاه حديقة القصر المُهيب ..
ليصل الدور بعد شهر الى الأجناس المختلفة من الجن التي قدمت لرؤية جسد إبليس المُتحلّل والمُتدلي من الشجرة ، وهم يغلقون انوفهم من رائحته النتنة !
***
وبعد تحوّله لعظام بمرور الشهر الثالث على وفاته ، قرّر ابنه البكر أن يقيم له جنازةً مهيبة ، حضرتها مخلوقات العالم السفليّ جميعاً !
حيث مشت عربته المُذهّبة بتابوته الأسود اللامع على مجمّعات الجن الأرضي..
ثم حُلّق بتابوته على اقوام الجن الطيّار..
كما وُضع تابوته فوق سفينةٍ زجاجيّة ، لتشاهده قبائل الجن المائيّ..
ومن بعدها أُحرق رفاته الذي نُثر في الهواء والبحر !
وبذلك انتهى عصر إبليس .. لتبدأ فترةٌ عصيبة على سكّان العالم السفليّ ، بعد إعلان ابنه البكر أحقيّته بالملك ، قبل إعتراض قائد الجيش (الحفيد الأكبر لإبليس)
كما أحتجّ ملك جن البِحار ، لحكمه اكبر مساحة في العالم..
بينما هدّد حاكم الجن الطيّار : الإطاحة بجيوش الشياطين من خلال رميّ جنوده لآلاف الأخشاب المحترقة من السماء ، وإبادة قراهم عن بِكرة ابيها!
وبذلك أُعلنت الحرب العالميّة في عالمهم الخفيّ .. وفُرض التجنيد الإجباريّ على شباب الجن بكافة طوائفها ، بقيادة العفاريت والمردة .. كما انشغل مشعوذي الشياطين بإرهاق الجيوش المُتحاربة بتعويذاتهم المخيفة!
^^^
في البداية ، إتفق ملوك الجن الثلاثة : الترابي والمائي والهوائي ، ضدّ فريقيّ الشياطين : احدهما بقيادة الإبن البكر لإبليس ، والثاني بقيادة قائد الجيش (اكبر احفاد ابليس)
ودامت الحروب العنيفة عدّة أعوام ، ربح فيها جيشيّ الشياطين بمكرهم وخبثهم الذي يفوق ذكاء الجن بأشواط !
والّلذان عيّنا ملوك الجن الثلاثة ، بعد قتلهما الملوك القدامى (المُتمرّدين) .. بينما خضع الجدّد ، لحكم الشياطين وأوامرهم الظالمة .
^^^
في المقابل .. عمّ السلام عالم البشر ، بعد انشغال العالم الخفيّ بمشاكلهم الدمويّة بعيداً عنهم.
***
بعد خمسين عاماً من الحروب المتوالية ، وموت كبار وقادة الجن والشياطين مع ملايين من شعبهما ! أعلن حفيد إبليس (قائد الجيش) فوزه على اعدائه ومنافسيه ، مُحتلاً بجدارة منصب : حاكم العالم السفليّ ، بعد خسارته عينه وقدمه مع بدء المعارك الدمويّة ..
حيث اعتلى العرش بعكّازته وعصابه عينه السوداء ، مُعلناً سيادته على جميع المخلوقات الخفيّة !
واثناء مراسم تنصيبه المُلك ، تفاجأ الحضور برؤية المارد الطيّار العجوز وعلى ظهره مخلوقاً يلبس رداءً اسوداً طويلاً ، مُخفياً وجهه بقناعٍ مخيف!
حيث حلّق المارد العملاق فوق جموع الجن والشياطين في حفلهم الجماهريّ ، الى أن هبط قرب العرش الذهبيّ .. ليُصعق الجميع بنزول إبليس من ظهر الطائر ، بعد إزالة قناعه !
فلم يكن امام الملك الجديد الا النهوض عن العرش ، وهو يرتجف خوفاً :
- جدي ! اهلاً بعودتك.. كيف حصل هذا ، بعد نثرنا رمادك في الجوّ والبحر ! هل خلقك الله من جديد ؟!
فردّ إبليس : كنت طلبت من مشعوذي المفضّل (الذي حبسته في مخبأي السرّي طوال مدّة إختفائي) أن يحوّل وجه احد المتمرّدين (المحكوم عليهم بالمؤبد) الى هيئتي ، كي تصدّقوا انتحاري
الحفيد : يعني المشنوق ، كان احد اقاربي المساجين ؟!
إبليس : ابن عمك الأعور الذي حاول سابقاً ، قلب الحكم عليّ .. وهو من أقمتم له جنازةً ملكيّة (التي تابعتها من بلّورتي السحريّة) ممّا يؤكّد غبائكم ! .. فأنا مخلّدٌ ليوم الدين.. وإن كان بأمكاني الإنتحار ، لفعلتها منذ قرون
الحفيد : ولماذا أوهمتنا بموتك الذي أدّى لقتل الملايين من شعبنا ؟!
إبليس : هي خدعة أكرّرها كل ١٠ قرون ، كيّ يموت الضعفاء من ابنائي ورعيّتي ، ويبقى الأقوى والأخبث بينكم.. تماماً كما يفعل الصقر الذي يقتل أفراخه التي لا تأكل بمفردها بعد ايام من ولادتها ، حتى لا يضيّع وقته مع الأغبياء .. لكن لا تقلقوا !! فمن نجى من المعارك الطاحنة ، كافياً للوسّوسة للبشريّة بأكملها.. (ثم نظر لحفيده) .. والآن أغرب عن وجهي !! ودعني أعتلي كرسي الحكم.
فابتعد حفيده وهو مُطأطأ الرأس .. وبعد جلوس إبليس على العرش ، تمتّم قائلاً :
- شيءٌ غريب بهذا المنصب ، يجعلك تعشق كُرسي المُلك ! لا غرابة أن حكّام البشر لا يتزحّزحون عنه بسهولة
ثم نظر لحفيده :
- لا تحزن !! فلك مكافأة ، لتفوّقك على اعمامك وملوك الجن ... (ثم فكّر قليلاً).. سأجعلك تحكم الصينيين وحدك
الحفيد : أحقاً !
إبليس : هم شعبٌ مقرف يأكلون الحشرات والحيوانات الغريبة ، مما يُشعرني بالغثيان .. ولك كامل الحرّية بالتصرّف معهم ، دون تدخلٍ مني
الحفيد (وهو يكتم غيظه لخسارته المُلك) : شكراً جدي
إبليس بصوتٍ جهوريّ :
- والآن يا معشر الجن والشياطين !! اريدكم بإشارةٍ من يدي ، أن تسجدوا لي بعد الرقم ثلاثة.. ١ .. ٢ .. ٣ !!!
ثم أشار بأصبعه للأسفل ، ليسجد الملايين له !
فتمّتم إبليس بارتياح :
- لا شيء اجمل من السلطة
بينما تعالت اصوات شعبه :
- يحيا مليكنا الأبديّ !! .. يحيا إبليس المُعظّم !!!
فابتسم إبليس وهو يشعر بغرورٍ لا مثيل له ، بعد عودته من عطلته وفي جعبته مئات الخططّ المُدمّرة للبشريّة التي حصلت على سلامٍ مؤقّت ، لن يدوم طويلاً !
معاناة طفلة
في منطقةٍ ريفيّة .. مرّت سيدة برفقة ابنتها بجانب عجوز يبيع اغراض مدرسيّة وألعاب اطفال على عربته المتحرّكة .. ولفت انتباه الصغيرة حقيبة مدرسيّة !
- امي !! إشتريها لي
- تبدو مستعملة !
الطفلة : بحثنا في ثلاث مكتبات عن تلك الشخصيّة الكرتونيّة ، ولم نجدها.. ولا اريد أن اكون الطالبة الوحيدة التي لم أحصل عليها .. رجاءً إشتريها لي !!
الأم : حسناً ، كما تشائين
***
بعد شراء الحقيبة ، وعودتهما الى المنزل ..
الفتاة بحماس : سآخذ الحقيبة الى غرفتي !!
الأم : دعيني أغسلها اولاً ، لأطهّرها من الجراثيم
- وهل ستجفّ قبل اليوم الدراسي الأول ؟
- مازال هناك اسبوعاً على بدء المدارس ، أكيد ستجفّ !!
فذهبت الصغيرة الى غرفتها مُتأفّفة !
^^^
بحثت الأم في جيّب الحقيبة الجلديّة قبل وضعها بالغسّالة ، لتجد دفتر مذكّرات تعود لفتاةٍ بعمر ابنتها !
((تُدعى إيميلي ، 11 سنة ..
في البداية ، كانت مذكّراتٍ عاديّة .. وبعد عشر صفحات : دوّنت إيميلي حزنها العميق بعد وفاة والدها بحادث سير !
في منتصف المذكّرة : عادت الحياة روتينيّة لإيميلي بعد عودتها للمدرسة ، عقب إيجاد امها عملاً كنادلة مسائيّة في مطعم المحطّة .. كما تفهمّت إقتصاد امها بالمصاريف ، لقلّة راتبها ..
لكن في الصفحات الأخيرة : أعربت إيميلي عن خوفها من زوج امها ، الذي تعرّفت عليه بالبارّ .. والذي انتقل الى منزلهما ، مُحتلاً مكان والدها بعد رميه اغراضه الشخصيّة ، بحجّة غيرته على عروسته ! فكرهته بشدّة ، لكونه دخيلاً على حياتهما
والأمر زاد سوءاً بعد مبيت امها في المستشفى لعمليّة الزائدة.. حين دخل غرفتها وهي نائمة ، هامساً في اذنها : انه مغرمٌ بجمالها !
وعندما حاول لمسها ، صفعته ..وهربت الى بيت الجيران الذين اتصلوا بالشرطة..
فانكر زوج امها تقرُّبه منها .. وبأنها اتهمته ظلماً ، رغبةً في طرده من منزل والدها!
فحقّقوا مع والدتها بالمستشفى التي انصدمت من تصرّف ابنتها الطائش ! وادّعت بأن حنان زوجها مع ابنتها ، جعلها توافق الزواج به ..
فاكتفت الشرطة بتحذير الزوج من الإقتراب من غرفة إيميلي !
وحسب المذكور بالصفحات التالية : فقد تحوّل إنجذابه لها الى كرهٍ شديد ، حيث جلدها عدّة مرات بحزامه على ظهرها .. وهدّدها بالطرد من المنزل ، إن اخبرت احداً بذلك !
وأنهت مذكّراتها بعبارةٍ مخيفة :
((سمعت زوج امي يُخبر صديقه : أنه باعني لعصابةٍ مُختصّة بدعارة الأطفال ! ولا ادري لمن أشكي همّي ، فهو سيقتلني إن أبلغت الشرطة .. وامي تعشقه بجنون ، ولا تصدّق كلامي عنه ! ماذا أفعل يا ربي ؟ انا جداً خائفة .. ساعدوني رجاءً))
ما ذُكر بالدفتر الزهريّ ، حرَم الأم من النوم طوال الليل ! لرغبتها بمعرفة مصير إيميلي المسكينة .. لذلك قرّرت البحث عنها ، مهما كلّف الأمر
***
في الصباح ، وبعد إيصال ابنتها الى منزل جدتها .. بحثت في شوارع الحيّ ، حتى وجدت العجوز يرتاح على الرصيف ، امام عربته المليئة بالأغراض المستعملة الخاصّة بالأطفال
واقتربت ، لتسأله :
- من اين اتيت بها ؟
(وأرته صورة الحقيبة المدرسيّة ، من جوالها)
العجوز : تلك الحقيبة حصلت عليها ، قبل شهرين او ثلاثة !
الأم : وهل تذكر عنوان المنزل الذي أخذتها منه ؟
- لما تريدين تلك المعلومة ؟!
- لديّ اسبابي الخاصّة
(ولم تخبره بشأن المذكّرة)..
العجوز : بالعادة لا أفشي اسرار عملائي .. (ثم فكّر قليلاً) .. لكن هذه المرة سأوافق ، مقابل 200 دولار
- هذا مبلغٌ كبير !
فردّ بلؤم : طالما رفضّتي ، يمكنك الرحيل !!
فبحثت الأم بحقيبتها :
- معي 150 فقط
فمدّ العجوز يده : لا بأس ، فأنا بحاجة للمال
ثم كتب العنوان على قصاصة ورق ، وأعطاها لها وهو يقول :
- إن لم ترني بعد اليوم ، أكون انتقلت للحيّ المجاور
وجرّ عربته مبتعداً !
فعادت الأم الى سيارتها .. للذهاب الى عنوان إيميلي ، والإطمئنان عليها ..
***
بعد ساعة .. وصلت للعنوان البعيد ، لتجد منزلاً مُحترقاً منذ سنواتٍ طويلة!
فوقفت مذهولة هناك ! الى ان نادتها سيدة من سيارتها :
- بكم باعك المذكّرة ، ذلك المحتال ؟
الأم بدهشة : ماذا تقصدين ؟!
- كنت مارّة من هنا ، ورأيتك تنظرين من النوافذ المحطّمة .. فعرفت انك وقعت بكمين العجوز ، كما حصل معي الشهر الماضي
ثم تناقشتا بشأن المكتوب بالمذكّرة ..
السيدة : يبدو انه يُخبّئ المذكّرة في الأشياء التي نشتريها منه ، لنعود اليه مجدّداً ! فأنا وجدتها في علبة دميّة اشتريتها لإبنتي .. وأعطاني عنوان إيميلي ، مقابل 300 دولار .. انت محظوظة انك خسرتي نصف المبلغ..
- 300 دولار !
- نعم ، يبدو انني فضوليّة اكثر منك !
الأم : أهي نفس المذكّرة الزهريّة ؟!
- يبدو ذلك .. فهو اشترط أن أعيدها له ، بحجّة عدم رغبته بيعها مع اللعبة .. وانا الغبية ظننت ان إيميلي خبّأتها بعلبة الدمية ، خوفاً من زوج امها الذي باع أغراضها لسببٍ ما ! .. هذا عدا عن المبلغ الكبير الذي دفعته للعجوز ، مقابل إخباري العنوان .. الم يفعل الشيء ذاته معك ؟!
الأم : اساساً لم أخبره عن المذكّرة !.. برأيك لما اخترع الكذبة الغريبة ؟!
- هو يعلم بفضول النساء ، خاصّة الأمهات مثلنا .. وأظنه قلّد خط الأطفال لإيهامنا بأنها تعود لفتاةٍ مظلومة
الأم : اذاً لا وجود لإيميلي ؟
- لا اظن ! فالمنزل احترق قبل عشرين عاماً كما أخبرني رئيس البلديّة ، أيّ قبل ولادة إيميلي .. ونحن لم نلاحظ المنزل المحروق ، لأنه في اطراف قريتنا كما تلاحظين ..(ثم ابتسمت) ..المحتالون يزدادون ذكاءً كل يوم !
الأم بقلق : الا تظنين انه اعطانا العنوان الخطأ ، وإيميلي تتعذّب بمكانٍ آخر ؟
- أمعقول ان يُخطئ مرتين ، ويستخدم حيلة المذكّرة ذاتها معنا.. (ثم تنهّدت بضيق) .. هذا ذنبنا ، لثقتنا بالغرباء .. فالعجوز إستغلّ طيبتنا ، ولهفتنا لمساعدة الفتاة المظلومة !
ثم عادت السيدة الى سيارتها ، وهي تقول للأم :
- حاولي ان لا تنخدعي بالباعة المتجوّلين في المرّة القادمة !!
***
رجعت الأم الى منزلها وهي تسخر من وقوعها ضحيّة خدعة ، لبائعٍ خبيث أتقن اسلوب الأطفال بالكتابة والتعبير !
وحمدت الربّ أن مجتمعهم الريفيّ المسالم لا توجد به جرائم ضدّ الطفولة البريئة ، كقصة إيميليّ الوهميّة !
***
في غابة القرية ، عاد المتجوّل العجوز الى كوخه .. ليجد حفيدته الصغيرة أنهت كتابة مذكرةً جديدة ، سلّمتها له وهي تقول :
- عندما تتجوّل بعربتك في القرية الجديدة ، إستخدم هذه المذكّرة التي فيها قصة ديانا
- وما مأساتها هذه المرة ؟
الحفيدة : مع والدها المُقامر .. وكتبت عباراتٍ حزينة تثير عاطفة أمٍ حنون تختارها بنفسك ، فأنت لديك نظرة بالنساء اللآتي لديهنّ حسّ المسؤولية
- لا ادري من اين تأتين بتلك الأفكار الدراميّة ؟!
- حفيدتك ستصبح كاتبة مشهورة.. الى ذلك الحين ، سأستخدم موهبتي للحصول على مبالغ إضافيّة من النساء الفضوليّات ..
الجد : المهم ان لا نستخدم المذكّرة اكثر من مرتين ، كيّ لا ينفضح امرنا
- لا تخفّ جدي ، فلديّ العديد من القصص المأساويّة .. (ثم تنهّدت بارتياح) .. جيد اننا انتقلنا للقرى .. فأهلها سُذجّ وسهلٌ خداعهم ، أكثر من اهل المدينة
الجد معاتباً : لا تقولي ذلك .. هم طيبون ، ولا خبرة لهم بخبث البشر
- لسنا خبثاء يا جدي ، فقط فقراءٌ أذكياء .. (ثم سكتت قليلاً).. آه ! لا تنسى ان تبحث في القرية المجاورة عن منزلٍ مهجور او مُهدّم ليكون عنوان ديانا ، كيّ تستوعب الضحيّتان غبائهنّ لاحقاً
- انتِ إمّا ستصبحين كاتبة عظيمة ، او نصّابة كبيرة !
الحفيدة : المهم أن نصبح ميسوريّ الحال ، فالغاية تبرّر الوسيلة .. يا جديّ الماكر
وضحكا بخبث !
إمتحان الصداقة
تعالت أصوات ركّاب الدرجة السياحيّة بعد أن أشهر المقنّع سلاحه ، مُهدّداً بتفجير قنبلة دسّها بين أمتعة الطائرة ، في حال لم يحصل على مبلغٍ ماليّ ضخم !
من بعدها توجّه الى ركّاب الدرجة الأولى ، الذي كان من بينهم شرطيّاً مُتدرّباً على فنون القتال ، ومع ذلك فضّل التفاوض مع الخاطف بهدوء :
- إخفض سلاحك لوّ سمحت ، ودعنا نتفاهم .. فأنا شرطيّ ، ويمكنني التواصل مع المركز لتحقيق طلبك
وفور رؤية الخاطف جرحاً قديماً في جبين الشرطيّ ، حتى أمره بالذهاب معه الى قسم المأكولات ، لإجراء حديثٍ خاصٍّ بينهما !
^^^
بعد إغلاقه ستارة المطبخ (للبقاء وحدهما) فاجأ الشرطيّ بسؤاله :
- انت جيم ، اليس كذلك ؟
الشرطيّ بدهشة : كيف عرفت اسمي ؟!
الخاطف : من علامة رأسك المميزة التي أُصبت بها ، بعد دفعي درّاجتك بقوة دون قصدّ ، لتسقط على حافّة الرصيف .. هل تذكر ؟
الشرطي بصدمة : آدم !
فأزال الخاطف قناعه :
- نعم ، صديقك الذي دمّرت حياته بشهادة الزّور
((واستذكرا صداقة الطفولة منذ المرحلة الإبتدائيّة حتى الثانويّة : حيث تفوّق جيم بالدراسة ، بعكس آدم المشاغب .. ورغم ذلك ! ارتكب جيم جريمة قتل بعمر 16 اثناء نزوله الدرج بمزّلاجته ، فدفع بالخطأ عجوزاً إعترض طريقه ، تدحرج على طول السلّم ومات على الفور !
حيث شهد المتواجدون بالسوق ضدّ المراهقيّن الّلذين قدمت عائلاتهما مع وصول الشرطة لمكان الحادثة .. حينها أقنع والدا جيم بكتمانه الحقيقة بحجّة مستقبله الزاهر ، بعكس صديقه الكسول !
ولأن المحقّق بالقضيّة كان عنصريّاً ، وضع الذنب كلّه على آدم الأسمر الذي اقتاده الى سجن الأحداث بعد الحكم عليه بسبع سنوات ! وهناك أُعتديّ عليه مراراً ، كما تعرّف على عصابةٍ دمّرت مستقبله ..
لهذا لم يجد عملاً لائقاً بعد تسرّحه من السجن .. فتوظّف في المطار ، حيث عمله تنظيف الطائرة قبل إقلاعها..
وفي هذا اليوم قرّر تغيّر زيّ عامل النظافة .. والجلوس في قسم الدرجة السياحيّة ، مُخفياً اسفل مقعده المسدس الذي استخدمه لإرهاب الركّاب ، بعد إقلاع الرحلة !))
الشرطي بارتياح : أفهم من كلامك انه لا يوجد قنبلةٌ موقوتة ؟
آدم بتهديد : إن اخبرتهم بذلك ، أفجّر رأسك !!
- وكيف برأيك سيوصلون مبلغ الفديّة ، ونحن في الجوّ ؟!
- لست احمقاً !! فبعد تنصّتي على مكتب الإدارة لعدة ايام ، عرفت انهم ينقلون مبلغاً من المال الى المطار الثاني .. وانا اريد تلك الحقيبة ، يا جيم
الشرطي : إن افترضنا انك أخذتها ، فكيف ستهرب من شرطة المطار ؟
- جدّ لي الحلّ !! فأنت مدينٌ لي بحياتك
- وهل تعرف اين حقيبة المال ؟
آدم : مع الراكب الذي بجانبك
- أتقصد العجوز الذي قيّد يده بالحقيبة الصغيرة بالأصفاد ؟!
- نعم هو !! ومعه نصف مليون دولار ، وهي تكفي لتغيّر حياتي
الشرطي : حسناً ، سأتفاوض مع إدارة المطار .. وهذا كلّه لحماية الركّاب من عمليّتك الإرهابيّة
آدم بقهر : لا تمنّن عليّ !! .. فلولايّ ، لأصبحت شاذاً في السجن
- اهدأ قليلاً ، ودعني أحلّ المشكلة .. هيا إلبس قناعك ، قبل ان يراك احد
^^^
وتواصل الشرطي (من كابينة الطيّار) مع إدارة المطار الذين وافقوا على اعطاء المبلغ للخاطف (على امل القبض عليه ، بنهاية الرحلة) مُتحدّثين مع موظفهم العجوز الذي قبِل بصعوبة إعطاء الأمانة للمقنّع ، بعد ان أخبره مديره : بأن خسارتهم المال أهون من انفجار الطائرة ، وتعويضهم اهالي الركّاب.
وبعد حصوله على الحقيبة ، أخذ جيم جانباً وهو يهمس له :
- اريد الهروب من الطائرة الآن !!
فنظر الشرطي من النافذة :
- نحن فوق الحدود المكسيكيّة !
آدم : أعرف هذا ، سمعت الطيّار يُخبر برج المراقبة بخطّ سيّرنا .. وأظن بقائي بالمكسيك ، أفضل حلّاً لي
- وهل تنوي تكوين عصابة هناك ؟
- لم أكن مُنحرفاً في صغري ، بل أصبحت مشاغباً بسبب خططك الشيطانيّة التي لم تجرأ على تنفيذها ، لتعمّدك الظهور كملاك امام الناس .. ولهذا اتهموني ظلماً بذنبك الحقير !!
الشرطي بندم : رجاءً لا تذكّرني بالماضي ، فأنا لم انسى يوماً وجهك اثناء إعتقالك على جريمتي الغير المُتعمّدة .. لهذا سأجدّ طريقة توصلك للمكسيك ، أعدك بذلك يا صديقي
^^^
ثم ذهبا الى غرفة الطوارئ المخصّصة للمضيفين ، وأخرج جيم مظلّة من الخزانة وهو يسأله :
- لن اخبر احداً بشأن المظلّة .. لكن السؤال الأهم !! هل تعرف طريقة إستخدامها ؟
آدم : تعلّمتها بالإنترنت
- لا يكفي ذلك ، فربما تقذفك الرياح بعيداً عن الشاطئ ، وتغرق بين الأمواج
- انا ميت بجميع الأحوال ، على الأقل أموت ثريّاً
ثم ألصق حقيبة المال حول جسمه ، ولبس المظلّة جيداً ..
^^^
من بعدها ، نزلا الى مستودع الأمتعة ..
آدم بحماس : هيا أطلب من الطيّار فتح الباب ، لأقفز فوراً باتجاه الثراء والحرّية !!
جيم بقلق : أبلغت الطيّار انني سأنزل معك ، لإيقاف القنبلة .. فأخبرني سرّاً بأن شرطة المطار تخطّط القبض عليك فور وصولنا ، تماماً كما توقعنا !
- أعلم ذلك ، لذا ليس امامي سوى القفز بالمظلّة.. هيا اتصل بالّلاسلكي ، واخبر الطيّار بعجزّك عن إيقاف القنبلة بعد رفضي تعليمك الطريقة .. وعليه فتح باب الأمتعة ، لرميها بالهواء قبل انفجارها
الشرطي : حسناً سأفعل .. رجاءً إنتبه على نفسك
آدم : إن وصلت سالماً ، نُصبح متعادلين !!
- يعني لن تكرهني بعد اليوم ؟
آدم : لا عداوة بين رفقاء الطفولة ، يا صديقي
وحضنه بقوة..
ثم قفز من الطائرة نحو المجهول ! بينما عاد الشرطي الى مقعده وهو يتنفّس الصعداء ، وسط تصفيق الركّاب بعد إخبارهم برميه الخاطف (الذي ألصق حقيبة المال بجسده) مع القنبلة في الهواء (دون ذكره المظلّة) وإنقاذ الرحلة من العمليّة الإرهابيّة .. مُخفّفاً بذلك شعور الذنب اتجاه صديقه الذي حصل أخيراً على تعويضٍ ماليّ عن شبابه الذي ضاع في السجون ، بسبب العنصريّة الظالمة !
سأتوقف عن الكتابة طوال الإسبوع القادم بسبب العمليّة الجراحيّة لوالدتي ، وبقائي معها في المستشفى .. دعواتكم يا اصدقاء