الأحد، 26 نوفمبر 2023

الطريق المستقيم

كتابة : امل شانوحة 

 

الهداية الإلهيّة


- اخيراً وصلت الى ايطاليا ، بلد الحرّيات !!

وبعد ترتيب اغراضه في غرفة الفندق ، بدأ الشاب العربي بتخطيط برنامجٍ حماسيّ قبل بداية دراسته الجامعيّة .. فهو من عائلةٍ متديّنة ، إلاّ انه كره الدين لصرامة والده (إمام الجامع) الذي اجبره على حفظ القرآن بعمرٍ صغير ، والمداومة على الصلاة في المسجد المسؤول عنه !


ولأن الشاب مُغرمٌ بالحياة الأوروبيّة ، درس بجهدٍ كبير للحصول على منحة الماجستير في ايطاليا .. فهذا سيريحه من العادات والتقاليد المُتزمّتة (حسب رأيه) والأهم من ذلك ، يُبعده عن تسلّط والده الشيخ ! 


وكان ينوي تجربة الخمور وعشق النساء الأجنبيات اللآتي حلم بهنّ دائماً !


واثناء بحثه بالإنترنت عن اقرب بارّ من فندقه ، غفى من مشقّة السفر.. 

^^^


إستيقظ آخر الليل على صوت طرقٍ خفيف ! فنظر لساعته بتعب : 

- من الغبي الذي يوقظني قبل بزوغ الفجر ؟! 


وفتح باب غرفته غاضباً ، ليجد راهبيّن يقولان بصوتٍ منخفض :

- هل انت قادم من المدينة المنوّرة ؟!

- نعم ، ماذا تريدان ؟


فدخلا غرفته ، وأغلقا الباب خلفهما (مما اخاف الشاب) وأكملا حديثهما بحماس :

- نحن لدينا شغف على الديانة الإسلاميّة ، دون إعلان ذلك لأحد.. فأهلنا وضعونا في الكنيسة منذ صغرنا لخدمة المطران ، وبقينا هناك حتى أصبحنا رهباناً.. وكان حلمنا الإنتقال للفاتيكان ، رغم الشكوك حول ديننا ! لهذا اشترينا جوّالات دون علم الأساقفة ، واطّلعنا على دينك الذي أُعجبنا بكل تفاصيله ..ولأننا احياناً نبيت في هذا الفندق القريب من الكنيسة ، سمعناك بالصدفة تُخبر موظفة الإستقبال بأنك عربيّ وقادم من مدينة رسول الله ! لذلك انتظرنا لهذا الوقت ، لكيّ نستفسر منك عن بعض الأمور الدينيّة.. لربما تكون هدايتنا على يديك


الشاب بضيق : الا يمكنكما تأجيل الموضوع لبعد الظهر ؟

الراهب بحماس : لا !! لأننا في حال أسلمنا ، نريدك ان تؤمّنا لصلاة الفجر التي بقيّت ساعة على أذانها .. فهل نستطيع طرح الأسئلة حول ديانتك ؟


فقال الشاب في نفسه :

((يالا سخريّة القدر ! هربت من بلدي ، لأجد راهبيّن مُتعطشيّن لمعرفة ديني اكثر مني.. ليت ابي مكاني ، فهو ادرى بهذه الأمور))


ولعدم رغبته بإظهار جهله بالدين ، حاول إجابتهما حسب دروس والده وخطبه يوم الجمعة التي حضرها غصباً عنه ، في جامعه الصغير القريب من المسجد النبويّ

^^^


بعد عدّة اسئلة .. نظر الراهبان لبعضهما بسعادة ، قبل ان يسأله أحدهما :

- ماهي صيغة الدخول في الإسلام ؟

فسألهما الشاب بدهشة :

- هل اقتنعتما بهذه السهولة ؟!

الراهب : نحن قرأنا القرآن المترجم بلغتنا قبل شهرين ، ودرسنا العديد من الأحاديث النبويّة بالإنترنت .. لكننا رغبنا بمجادلة احد المسلمين ، قبل اتخاذ قرارنا المصيريّ 

الراهب الثاني بابتسامة : يبدو انك ستحصل على ثواب هدايتنا .. فماذا نقول للدخول في دينك ؟ 


فلقّنهما الشهادة ، ليحتضناه باكيّن من شدّة فرحتهما باعتناقهما الدين الجديد

احدهما بحماس : هل نصلي خلفك الآن ؟ فقد أذّن الفجر قبل دققتيّن ، حسب برنامج الصلاة في جوّالي

الشاب : عليكما الإغتسال اولاً

الراهب الثاني : اذاً سننزل فوراً الى غرفنا .. ثم نعود اليك لتؤمّنا ، لكيّ نحفظ  خطوات الصلاة .. رجاءً لا تنمّ ، إنتظرنا !!


وبعد ذهابهما ، قال الشاب بتعب :

- اشعر بنعاسٍ شديد ، لكن عليّ انتظارهما

^^^


وبالفعل صلّى إماماً لهما بصلاة الفجر.. وعندما جلس للتشهّد الأخير .. وجد انهما مازالا ساجديّن ، وهما منهاريّن ببكاءٍ مرير عن ذنوبهما الماضية !


فشعر الشاب بالذهول لقوّة ايمانهما ، رغم دخولهما حديثاً في الإسلام ! كما استغرب شعورهما بالروحنيّات التي أخبره عنها والده كثيراً (دون إحساسه بها) 

والأهم من ذلك : انه شعر بالخجل من نفسه لتخطيطه بإمضاء عطلته بالمنكرات ، بينما الراهبيّن يتوقان لتعلّم كل شيء عن دينه ، حتى السننّ النبويّة !

***


وخلال ايام .. أزال الشاب فكرة الخمور والساقطات تماماً من تفكيره ، بعد إحضار المسلمان الجدّد المزيد من الرهبان الى غرفته لدراسة الدين على يديه ! 

مما أجبره على التفقه بالدين من الإنترنت. .حتى انه اضّطر للإتصال بأبيه (الذي قاطعه لمدةٍ طويلة) لسؤاله عن بعض الأمور الدينيّة ..مما أسعد والده الذي اجابه عن جميع اسئلته بعيونٍ دامعة ، والذي ختم كلامه :

- لطالما دعوت لك بالهدايّة مع كل أذانٍ وصلاة ، يا بنيّ


ابنه : يبدو ان الله استجاب لك ، بعد سفري لأوروبا ! وبعد سماعي فضائح التحرّر من اصدقائي العربيين في الغربة.. عدا عن اعترافات اصحابي الرهبان بالتحرّشات التي تعرّضوا لها بالكنائس في صغرهم ! حتى زميلتي بالدراسة أخبرتني عن تعاسة النساء في الغرب ، ومعاملتهنّ كسلعةٍ رخيصة في العمل والشارع.. حينها فهمت كلامك بأن قوّتنا تكمن بالتزامنا بديننا .. وبأننا وصلنا لقمّة الحضارة في الماضي ، لخوفنا من عقاب الله ورجائنا عفوّه وبركته .. وكأن الغشاوة حول عينيّ عن حضارة الغرب وتخلّف العرب ، أُزيحت نهائيّاً بفضل الله.. لهذا قرّرت بعد حصولي على الماجستير بعلم النفس ، أن أعود لدراسة الشريعة في مدينة رسول الله ، كما تمنّيت دائماً يا ابي .. وسأستخدم علم النفس في حواري مع الديانات الأخرى لإقناعهم بديننا ، فلا شيء اجمل من هداية الناس للطريق المستقيم

الأب بفخر : ونحن بانتظار عودتك ، يا ابنيّ الغالي

***


بعد حصوله على شهادته ، وقبل عودته لبلده .. زاره عشرون شخصاً ممّن اعلنوا اسلامهم على يديه ، وهم يشكرونه على هدايتهم..

الشاب : بل انا أشكركم على إعادتي لرشدي وديني ، بعد إعجابي بتدبّركم لآيات الله وانبهاركم بأحكامه العادلة .. كما ذكّرتموني بتاريخ العرب المُشرق الذي كنت أستسّخفه سابقاً ! 

احدهم : طالما ستسافر غداً ، ما رأيك لوّ تشاركنا بمظاهرة غزّة التي ستُقام في السّاحة بعد قليل ؟

فرد الشاب مُبتسماً :

- يعني اسلمتم حديثاً ، وصرتم مناصرين للقضيّة الفلسطينيّة ايضاً !

- نعم ، فهي منطقة مُباركة لجميع الأديان .. ولا يحقّ لليهود إستحواذها لأنفسهم

***


وبالفعل شارك الشاب بالمظاهرة الضخمة .. ورقص مع المغتربين على الدبكة الفلسطينيّة وهو فخور للمرّة الأولى بهويّته العربيّة والإسلاميّة ، بعد سنوات من انبهاره بحضارة الغرب وقوانينهم المنحرفة ! 

***


في المطار .. ودّعه المسلمون الجدّد بامتنان ، ليعود الى احضان والده الذي وعده بأن يصبح شيخاً مثله بعد شعوره بالفخر لنشر دينه ، مع إستمراره بهداية الضّالين حتى آخر حياته التي أصبح لها معنى أخيراً !


الخميس، 23 نوفمبر 2023

الواقع الإفتراضي

تأليف : امل شانوحة 

 

المُخترق الإنسانيّ


في بداية العام الجديد.. طُرح جهاز متطوّر في الأسواق بسعرٍ يُناسب الأثرياء فقط ، بقيمة الف دولار : عبارة عن نظارةٍ للواقع الإفتراضي مع خوذة للرأس ، يسمح الشعور بكل شيءٍ تراه عبر وسائل التواصل الاجتماعي : فبواسطته يمكنك تذوّق الأطعمة المصوّرة في الفيديوهات ، عبر ذبذباتٍ تُبثّ من الجهاز الى مراكز معينة في الدماغ ، تجعلك تشعر بحلاوة الطعام او لذعته او حموضته او ملوحته وحتى مرورته .. وكأن شعور الشخص الذي تناولها في الفيديو ، إنتقل اليك ! 


ليس هذا فحسب ، فتلك الذبذبات يمكنها أن تُشعرك بأجواء المناطق السياحيّة التي تُعرض على شاشة النظّارة الموصولة بالجوّال او الحاسوب : كبرودة الطقس او حرارته ورطوبته ، وحتى الإحساس بالبللّ ان كنت تشاهد عالم البحار ! 

وكذلك باستطاعتك شمّ رائحة المطر والحيوانات والأطفال ، حتى عطر فنّانك المفضّل من خلال مقابلته التلفزيونيّة المنقولة بوسائل التواصل الإجتماعي.


والأغرب من ذلك هو مشاعر ابطال الأفلام الرومنسيّة وحماسة الممثلين في أفلام الأكشن او مشاعر القلق في المغامرات الحقيقيّة ، جميعها تنتقل اليك بسهولة عبر الجهاز المتطوّر الموصول برأسك وعينيك !

***


مع بداية طرح الجهاز بالأسواق .. إعترض اطباء الأعصاب ، كونه يؤثّر مباشرةً على الدماغ.. 

كما ارتاب اصحاب المطاعم من انخفاض عدد الزبائن ، في حال اكتفوا باكتشاف طعم اطباقهم الجديدة دون تجربتها لاحقاً ! 

كما قلق الأطباء النفسيين من مساهمة الجهاز في زيادة إنطوائيّة الشباب وتشجيعهم على عدم الإختلاط بالآخرين او اكتشاف العالم ، طالما شعروا بكافة الأحاسيس والتجارب دون خروجهم من منازلهم  


ورغم تلك المساوئ ، إلا أن معظم الأثرياء والمشاهير إشتروا نظّارة الواقع الإفتراضي فور عرضها بالأسواق ، والتي ظلّت حِكراً عليهم  


بينما تمنّى افراد الطبقة الوسطى والفقيرة (الذين شاهدوا العديد من الفيديوهات عن تميّز وروعة الجهاز) ان يرخص سعره في المستقبل ، ليُصبح متاحاً للجميع .. فهو حلم كل انسان بتجربة ما يراه في الفيديوهات المنتشرة حول العالم

***


إستمرّ الوضع على ماهو عليه ، الى ان خطرت ببال مُخترق مُحترف (هاكر) فكرةً جهنميّة بعد تمكّنه من إختراق برمجة الجهاز ، وعكس نتائجها .. فبعد ان كانت نعيماً على الطبقة المخمليّة ، قلبها جحيماً عليهم !


وذلك من خلال إجبارهم على تجربة حياة الفقراء حول العالم : كإسماعهم صوت الإنفجارات والطلقات الناريّة وصرخات العائلات المحاصرة في بيئةٍ تتعرّض لحربٍ مدمّرة .. وإشعارهم برهبة من عانوا من الكوارث البيئيّة : كالفيضانات والسيول وتسونامي والأعاصير والزلزال والبراكين ! مما صدم الأثرياء الذين شعروا لأول مرة بخوفٍ شديد ، أفقدهم القدرة على إزالة الجهاز حول رأسهم (وكأنهم أصيبوا بشللٍ مؤقت) !


وازدات التجربة غرابةً ورعباً بعد إحساسهم بألم المجاعات والبرودة القارصة ، وبضيق انفاسٍ يُشابه ما حصل لأشخاصٍ حوصروا تحت الأنقاض .. 

كما شعوروا بالآلام الجسديّة والنفسيّة التي يشعر به اصحاب الإعاقات والأمراض المزمنة .. وصولاً لمشاعر الخذلان والإحباط المُلازمة لحياة المساجين والمُعتدى عليهم والعبيد والرقيق حول العالم ! 


ولم يكن ليحصل ذلك ، لولا عرض الهاكر على شاشات نظّاراتهم الإفتراضيّة مُلخصاً سريعاً عن مآسي الفقراء ، دون تمكّن الأثرياء من التحكّم او تغيّر الفيديوهات التي أثّرت بشكلٍ كبير على نفسيّاتهم .. فهم لم يتوقعوا هذا القدر من الألم والظلم الذي شعر به اهالي الطبقة الكادحة ، كونهم بعيدين عن مناطقهم الشعبيّة! 


وقد تسبّبت التجربة بانتحار بعض الأثرياء المدلّلين.. بينما تغيّرت نظرة الأكثريّة للفقراء الذين ظنّوا سابقاً بافتعالهم الدراما لآلامهم الغير حقيقيّة ! 


فقرّروا (بعد تجربتهم الصعبة) زيادة تبرّعاتهم للجمعيّات الخيريّة ، والمشاركة في المظاهرات السلميّة للمطالبة بحقوق الضعفاء ! عبر ضغطهم على الطبقة السياسيّة الحاكمة من خلال رفض دعمهم الماديّ او الإستمرار بدفع ضرائبهم ، لحين تغيّر معاملة الحكّام مع الدول الناميّة ، ومنعهم من إقامة حروبٍ عشوائيّة ضدّ الدول المُسالمة.. 


مما أدّى لاحقاً لخللٍّ بميزان القوى في العالم ، بعد وقوف الأثرياء لأوّل مرة جنباً الى جنب مع الفقراء لدعمهم فعليّاً ، دون الإكتفاء بالشعارات والخطب الرنّانة.. 


حيث تكفّل كل ثريّ بالأشخاص الأقل حظاً من افراد عائلته واقاربه واصدقائه ، مع دعمه لبعض الجمعيّات الخيريّة .. مما قللّ نسبة الفقر بالعالم ، ونسبة الثراء الفاحش ايضاً ! 

ليُعاد تقسيم العالم الى : اغنياء ذويّ الأعمال الرائدة وطبقة متوسطة ، مع إختفاء طبقة الفقراء المُعدمين ! 

***


لاحقاً ، طالب روّاد الأعمال بطرح النظّارة الإفتراضيّة بكثافة في الأسواق ، لتُصبح متاحة للجميع الذين صار بإمكانهم تجربة شعور الأثرياء ، مما خففّ الحقد عليهم ! 


وفي المقابل مكّن الأغنياء من الإحساس بمآسي الفقراء ، مُقللاً بذلك شعور النفور والإحتقار لديهم ، ومزوّداً تضامنهم وتعاطفهم مع الضعفاء . 


وكل ذلك حصل بفضل الهاكر المجهول (ذوّ المبادئ الإنسانيّة) الذي تمكّن بمفرده من موازنة مفاهيم الحياة التي أصبحت عادلة لكل طبقات المجتمع لأوّل مرة بتاريخ البشريّة !


الثلاثاء، 21 نوفمبر 2023

لعبة التخمين

تأليف : امل شانوحة 

هدايا الموظفين


قبل عطلة رأس السنة.. كرّم مدير مصنع الشوكولا ، افضل موظفيه في احتفالٍ صغير بالصالة السفليّة لشركته ..


وبنهاية الحفل ، قال لهم :

- بعد انتهائنا من الطعام والشراب ، حان وقت تقديم الهدايا !!


فابتسم الموظّفون الخمسة الذين ينتظرون مكافآتهم الماليّة قبل موسم الأعياد..


ثم اشار المدير بيده .. ليدخل حرّاس الأمن بأسلحتهم للحفلة ، وهم يحملون الهدايا الخمسة المُغلّفة !

فسأله شريكه بقلق : ماذا تفعل ؟!

المدير : لا تخفّ ، سنلعب لعبة التخمين 

الشريك : تبدو لعبةٌ جبريّة !

المدير بابتسامةٍ ماكرة : شيء من هذا القبيل


ووضع الحرس الهدايا على طاولة الطعام.. ثم طلب المدير ان يأخذ كلاً من موظفيه المُفضّلين جائزته ، حسب اسمه المكتوب على الهديّة

قائلاً : 

- لنبدأ اولاً ، بسكرتيرتي العزيزة

فأمسكت هديّتها ، وهي تقول بدلال :  

- غلّفت هديّتي بالأحمر ، وهو لوني المفضّل

المدير وهو يكتم غيظه : 

- أعتقد معظم عملائي يعرفون هذه المعلومة عنك

السكرتيرة بقلق : ماذا تقصد ؟!

المدير : بصراحة لا الومك على محاولة إغرائهم ، فقد قاربت على سن الخمسين وتحتاجين لعريسٍ ثريّ


السكرتيرة بارتباك : لا ! هم يكذبون ، أنا لم اغازل سواك

المدير : جميعهم اشتكوا من حركاتك الجريئة ، لدرجة إفشائكِ بعض اسرار شركتي لمنافسيّ ، للحصول على دعمهم الماديّ والعاطفيّ ! ولهذا اخترت لك هديّة تناسب قذارتك .. (ثم نظر لبقيّة الموظفين الذين تغيّرت ملامحهم) : جميعكم ستلعبون لعبة التخمين .. (ثم سأل السكرتيرة) .. وانت إخبريني ، ماذا تظنين داخل الصندوق ؟


فتنهّدت بحزن : قرار طردي 

المديرة : تفكيرٌ منطقيّ .. ماذا عنكم ؟!! ماذا تتوقعون ان تكون هداياكم ، بعد اكتشافي خيانتكم لي ؟

الموظف العجوز : نهاية الخدمة

ابنه : عقوبةٌ ماليّة

الموظف الجديد : حرماننا من حسن السيرة والسلوك

المدير بسخرية : يالك من متفائل

الشريك : تبليغٌ قانونيّ ضدّنا

المدير : إقتربت من الحلّ.. حسناً لن أثير حماسكم اكثر من ذلك.. (ثم قال للسكرتيرة) .. هيا عزيزتي ، إفتحي هديّتك 


وبيديها المُرتجفتين ، فتحت الصندوق الكرتونيّ الأحمر : لتجد داخله قفّازين للجليّ 

السكرتيرة بعصبية : ماهذه السخافة ؟!!


المدير : سيراقبك إثنان من حرّاسي لحين انتهائك من تنظيف دورة المياه ، الخاصّة بالموظفين في الطابق العلويّ

السكرتيرة بغضب : من تظن نفسك لتهينني هكذا ؟!!

- هذا يناسب قذارة روحك .. وعلى فكرة ، بعد تنظيفها بفستانك الفخم ..تعودين الى بيتك مع اغراض مكتبك ، لأنك مطرودة من العمل

- اذاً استقيل دون حاجتي لتنظيف قاذوراتك !!

المدير بلؤم : القرار ليس بيدك ..لأنك إن لم تنفذي طلبي ، سأرسل نسخة عن تجاوزاتك لنقابة الموظفين .. حينها لن تجدي عملاً لبقيّة حياتك ، فلا احد يريد سكرتيرة غير أمينة على اسرار شركته.. أمّا إذا قمتِ بما امرتك به ، فسأخبر بقيّة الموظفين باستقالتك بملء ارادتك دون تشويه سمعتك.. فماذا تختارين ؟


فنظرت لصندوقها من جديد..

المدير : عليك لبس القفّازات ، لحماية يديك الناعمتيّن

ثم قال للحارسيّن :

- بعد اخذ اغراضها من مكتبها ، تأخذان منها المفاتيح وكل ما يتعلّق بحاسوب العمل

وذهبت معهما ، وهي تحاول مسك دمعتها بعد فضح امرها

^^^


المدير : والآن دور كبير الموظفين .. هيا إفتح هديّتك

فاقترب ببطء .. ليجد ورقة إحالته على المعاش ، دون تعويض نهاية الخدمة !


الموظف العجوز بقلق : ماذا يعني هذا ؟!

المدير بعصبية : أتسأل ايضاً ؟! .. يا رجل !! انت اكبر مني ، ومن اوائل الموظفين في شركتي ..أتخونني ، وبقيّ شهر على إحالتك للمعاش ؟!

العجوز مُرتجفاً : سيدي ..ابنتي تغسل الكلى

- كان بإمكانك طلب زوّدة على معاشك ، بدل بيع بضاعة الشركة لحسابك ! ولهذا ستُحرم من تعويضك

- لكني بحاجة ماسّة للمال

المدير : إحمد ربك انني لم أسجنك لسرقة ربع مليون دولار من حساب الشركة.. أتدري كم عليك العمل مجّاناً لإعادتهم لحسابي ؟ .. هيّا وقع الإستقالة !! ثم اذهب مع حارسي الى مكتبك لأخذ اغراضك

فوقّع العجوز مُرغماً .. وخرج ذليلاً من الحفلة برفقة الحارس المسلّح !

^^^


المدير : الآن جاء دور موظفنا الجديد ، الذي عيّنته قبل شهرين فقط ! ماذا تتوقع ان تكون جائزتك ؟

فأجابه الشاب بثقة : مكافأة ماليّة عن نشاطي وتفانيّ بالعمل

فضحك المدير ساخراً :

- يالك من لصٍّ خفيف الظلّ.. أمعقول خلال مدّتك القصيرة بالشركة ، إستطعت اقناع عمّال مصنعي بعدم رميّ الخلطة التالفة ، وتغليفها وبيعها بالأسواق لحسابك الخاصّ ؟! وبسببك خسرت عملاء مهمّين بعد تشويهك جوّدة بضائعي التي حرصت عليها لأكثر من خمسين سنة ، ايها التافه !!


فطأطأ الشاب رأسه خجلاً :

- كنت أجمع مصاريف عرسي

المدير غاضباً : أتريد الزواج بالحرام ، يا رجل ؟!!

- سيدي ، يمكنك طردي.. فأنا استحق ذلك

المدير : لا !! الطرد لن يشفي غليلي.. إفتح هديّتك الآن


ففتحها الشاب ، ليجد تذكرة سفر !

المدير : ستسافر بعد قليل الى مزارع الشوكولا الخاصّة بشركتنا ، وستعمل مع المزارعين الأفارقة لسنةٍ كاملة

الشاب مُعترضاً : لن اسافر !! ولن تُرغمني على ذلك

- اذاً سأسجّنك لعامٍ كامل ، لتشويه سمعة شركتي المحترمة


فتردّد الشاب قليلاً ، قبل أخذ تذكرة سفره ..

المدير : كما تلاحظ ، طائرتك ستقلع بعد ساعتين من الآن .. وسيرافقك حارسي الى منزلك لترتيب اغراضك ، وتوصيلك مباشرةً الى المطار .. فإيّاك والمماطلة !!

فخرج مع الحارس مهموماً !

^^^


المدير : وانت !! يا شريك العمر الذي رافقني بمشوار عملي ، وعشنا معاً الفقر والغنى.. لما وضعت غلاف الشوكولا الخاص بك على شوكولاتتي الجديدة ، وبيعها لحسابك ؟!

الشريك بعصبية : لأنك لم تشاركني الوصفة السرّية !!

- انت من رفضت المخاطرة بمالك لإحضار طبّاخٍ ماهر الى مصنعنا ، لابتكار وصفتنا الجديدة .. ودفعت اجرته الكبيرة من حسابي الخاصّ ..ومن الطبيعي ان تكون ارباح الصنف الجديد ، لي وحدي !! لكن بسببك اصبحنا اضحوكة في الإعلام ، لوجود غلافين مُختلفين لنفس النكهة ! مُشوّهاً بذلك سمعة شركتي


فردّ بعصبيّة : هي شركتي ايضاً !! لكن كل الصيت والإعلام موجّهة اليك!

المدير : لم اظلمك يوماً ، وشاركتك دائماً بالأرباح العامّة .. لكني هذه المرة ، سأعاقبك على غيرتك وحقدك .. هيا افتح هديّتك ، يا صديق العمر


فوجد فيها اوراق قانونيّة لبيع حصّته للمدير..

الشريك مُعترضاً : هذا نصف استحقاقي الماليّ !

المدير : هذا ما يستحقه الخائن !! واحمد ربك انني لم أفضح فعلتك السخيفة امام كبار التجّار.. وقّع الآن !! فبهذا المبلغ ، يمكنك فتح شركة بإسمك لاختراع الوصفات التي تريدها .. والتي حتماً ستكون بمواصفاتٍ رديئة ، لرفضك شراء المكوّنات الفاخرة ، ايها البخيل المُتعجّرف


فوقّع الشريك غاضباً ، وهو يهدّد باكتساح بضائعه الجديدة الأسواق .. قبل خروجه برفقة الحارس ، لخارج شركته التي خسرها الليلة !

^^^


المدير : والآن دور سندي وظهري ، ابني الوحيد الذي اعتاد بيع بضائعي في المساء على حسابه ! أتسرق إخوتك البنات ، يا ناكر الجميل ؟! جيد ان امك توفيّت قبل أن يخيب املها بك ، كما حصل معي ! والمسكينة أقامت حفلاً ضخماً لولادتك ، دون علمها بأنك ستظلم إخوتك بأنانيّتك المُفرطة ! 

- ابي !

- أصمت !! الم يكن باستطاعتك إنتظار موتي ؟! .. اذا كنت تسرق إخوتك وانا حيّ ، فماذا ستفعل بهنّ بعد وفاتي ؟! لذا ستجد عقابك داخل الهديّة .. هيا إفتح الصندوق !!


فوجد ابنه عدّة تذاكر سفر ، مدفوعة مُسبقاً !

المدير : هذه تذاكر رحلتك حول العالم

ابنه بدهشة : أحقاً !

- لا تفرح كثيراً ، لأنك ستزور الدول الناميّة .. لتعيش مع فقراء العالم ، تأكل من طعامهم وتنام في أكواخهم المتواضعة

ابنه بضيق : ابي ! لن اتحمّل حياتهم المُقرفة

- اعرف إهتمامك الزائد بمظهرك امام الناس ، الذين حتماً سيتخلّون عنك بعد حرمانك من الميراث.. لذا أمامك خياريّن : إمّا تعيش تجربة الفقراء لتعرف قيمة النعمة التي انت فيها الآن ، او ابيع الشركة لبناتي الثلاثة من دونك .. فماذا قرّرت ؟!!


ابنه : زوجتي لن تتحمّل غيابي لسنةٍ كاملة

المدير : اذاً أخبرها بخياناتك المتعدّدة لها.. فقد عيّنت مُراقباً عليك قبل شهور ، والذي صوّرك مع اكثر من فتاةٍ رخيصة تعرّفت عليها في البارّ.. فهل ترغب بالطلاق وحرمانك من اولادك ؟

- ابي رجاءً .. اعتذر منك ، وأعدك أن لا اكرّر غلطتي.. 

المدير مقاطعاً : خذّ التذاكر ، وتوجّه مباشرةً للمطار !!

ابنه بصدمة : لكني احتاج وقتاً لحزم حقيبتي !

- الأماكن التي ستذهب اليها ، لن تحتاج فيها لثيابك بماركاتٍ عالميّة .. لأنك ستسافر اولاً الى القرى الأفريقيّة .. وبعدها تعيش بين قبائل الأمازون .. ثم ستناضل لحماية نفسك ، في أخطر مناطق البرازيل والهند والصين.. لهذا أنصحك بعدم اخذ حاسوبك وجوّالك وساعتك الثمينة ، كيّ لا يسرقوها منك


ثم نظر المدير لحارسه :

- خذه فوراً للمطار !! فهو سيركب عدّة طائرات ، قبل استخدامه البغال والحمير


وخرج الإبن غاضباً ، بينما يضحك والده ساخراً وهو يُخفي غصّة قلبه من الخيانات الخمسة لأهم موظفيّه الذين اعطاهم درساً قاسياً لن ينسوه طوال حياتهم !


الاثنين، 20 نوفمبر 2023

القرين التوأم

تأليف : امل شانوحة 

 

سحر الأقارب


اثناء صعود مريم مع اختها التوأم سلمى الى عمارة قريبتهما .. لمحت نفسها في المرآة ، دون ظهور إنعكاس سلمى التي سارعت بالخروج من المصعد !


وذات مرة .. لاحظت اثناء حديثها مع سلمى إن عينيها تحوّلتا لقطة خلال ثانيتين ، قبل عودتهما الى طبيعتهما ! مما ارعب مريم التي فضّلت عدم اخبار اختها بذلك


لكن الذي أفزعها بحقّ : هي رؤية سلمى تأكل بقايا الدجاج ، وتقرمش عظامها كأنها شيبسي ! قبل مُسارعتها برميهم في النفايات ، بعد ملاحظتها مريم في المطبخ..

***


وقد اعتادت سلمى البقاء مع امها المشلولة بنهاية كل اسبوع ، بينما تذهب مريم بنزهةٍ مع والدها وإخوتها الذين يتضايقون بعد عودتهم لرؤية امهم ترتجف رعباً ، وقد لوّثت ملابسها ! مع تحجّج سلمى بانشغالها بأعمال المنزل


وذات يوم .. وبعد تحرّك السيارة ، أوقفتهم مريم :

- ابي !! سأعود للمنزل ، للبقاء مع امي

الأب : سلمى تهتم بها 

مريم : اريد مساعدتها


وفور دخول مريم لوحدها الى المنزل ، سمعت موسيقى صاخبة قادمة من غرفة امها ! لتُصعق برؤية جنٍ مرعبة ترقص برفقة سلمى ، امام سرير امها التي أغمضت عينيها وهي ترتجف بقوّة !


فأضاءت مريم سورة قرآنية (من جوّالها) بصوتٍ عالي ، أفزعت الجن الذين فرّوا سريعاً من نافذة الغرفة.. بينما صُرعت سلمى وهي تنتفض بألم على الأرض ، طالبةً من اختها إطفاء القرآن فوراً


لكن مريم هدّدت بحرق الجني الذي يتلبّسها إن لم تُخبرها الحقيقة ، سائلةً بحزم :

- منذ متى يحتلّ الجني جسدك ؟!!

سلمى : انا لست ممسوسة .. انا قرينة اختك المرحومة

مريم بدهشة : المرحومة !

- هي ماتت بالحمّى بسن الثامنة .. أنسيتي ؟!


فتذكّرت مريم موت اختها بين احضان امها ، والتي عادت للحياة بعد دفنها بيومين ! بعد سماع حفّار القبور صراخها ، والذي أعادها الى منزلهم .. مما اصاب امها بشللٍّ كامل من شدّة الصدمة ! ومن يومها تعتني سلمى بها ، كونها المسؤولة عن مرض امها..


مريم بحزن : اذاً اختي ماتت فعلاً ؟!

القرينة : نعم ، وانا احتليّت جسدها ..والجن الذين رأيتهم قبل قليل ، هم عائلتي التي تزورني بنهاية الإسبوع .. ولسببٍ ما ، لا يمكنهم الظهور إلاّ في غرفة امك !

مريم بعصبية : يا لعينة !! بسببك انشلّت والدتي لسنواتٍ عديدة

القرينة : ليس بسببي !! بل بسبب خالتك التي سحرت اختك وامك.. بل إن سحرها مهّد لي الطريق لاحتلال جسد اختك بعد وفاتها ، وهو المُتسبّب بشللّ امك .. وإن كنتِ لا تصدّقينني ، فسحر والدتك مدفوناً في حديقة منزلكم اسفل الشجرة الضخمة.. والآن رجاءً !! إطفئي القرآن ، ودعيني اعود الى عالمي .. وأعدك ان لا تريني ثانيةً


فاطفأت مريم جوّالها ، وهي تأمرها غاضبة :

- إرحلي الآن !!


فخرجت روحٌ سوداء من جسد سلمى ، الى خارج النافذة.. ليتحوّل جسد سلمى لهيكلٍ عظميّ لطفلة في الثامنة (وهو العمر الذي ماتت فيه اختها)

بينما تسمّرت عينا الأم على رفات صغيرتها برعبٍ واضح !

مريم : لا تخافي يا امي ، سأنقذك بالحال


وخرجت للحديقة لنبش التربة بجانب الشجرة الضخمة ، لتعثر على دميّة مربوطة بالحبال المعقودة !


فاتصلت بوالدها للعودة للمنزل مع إحضاره الشيخ الذي استطاع لاحقاً فكّ السحر ، وتحرير جسد الأم التي استعادت صحتها ..وسط بكاء عائلتها المُنصدمة مما حصل ! وذلك بعد دفنهم بقايا اختهم سلمى في الحديقة ، خوفاً من إعادتها للقبر والتعرّض للمساءلة القانونيّة


كما نصحهم الشيخ بالإبتعاد عن المنطقة ، دون التواصل مع الخالة الشريرة التي ستُعيد جريمتها إن علمت بفكّ سحرها

***


وبالفعل رحلوا لحيٍّ آخر ، دون توديع الأهل والأصدقاء .. لكن هذا لم يشفي غليل مريم التي اتصلت بهيئة الأمر بالمعروف ، لإبلاغهم عن خالتها الساحرة وعنوانها..

فقاموا بمراقبتها ، حتى ثبتّ تردّدها لمنزل المشعوذة .. وحبسوهما معاً

***


وفي إحدى الليالي بالسجن ..إنتظرت الخالة نوم السجينات ، لإيقاظ المشعوذة وهي تهمس لها :

- ابنتي احضرت صورة مريم ..واريدك ان تسحريها بمرضٍ جلديّ ، يجعل الناس تشمئزّ من شكلها المُقرف


ثم بدآ بتلاوة التعاويذ الشيطانيّة بنيّة تدمير نفسيّة مريم ، وتحويل حياتها لجحيمٍ مُطلق !


السبت، 18 نوفمبر 2023

التربية القاسية

تأليف : امل شانوحة 

برّ الوالديّن


- ماهذا العقوق ؟! مُحال أن اقبل بوضع ابي في دار المسنين !

- لا تحكم علينا يا اخي .. فأنت هاجرت لدراستك الجامعيّة ، ونحن اعتنينا به لسنواتٍ عديدة .. لكن لم يعد باستطاعتنا تحمّل طباعه الصعبة

- حسناً انتظروني لحين انهاء اوراقي الرسميّة ، وسآتي للإعتناء به بنفسي

- معك اسبوعين فقط ، فزوجاتنا لن تتحمّله اكثر من ذلك

***


فور عودة اخوهم الطبيب للبلاد ..قدموا لزيارته ، ومعهم والدهم العجوز وأغراضه

الأخ الأوسط : الأمانة أصبحت عندك ، إعتني به لحين وفاته

الطبيب بصدمة : أهذه نهاية تعبه معكم ؟!

- والدنا ازداد صعوبة بعد وفاة امنا.. اعان الله زوجتك الأجنبيّة عليه

^^^


بعد ذهاب إخوته .. رتّب الطبيب غرفة الضيوف لوالده الذي مازال غاضباً من ابنائه العاقّين..

الطبيب : رجاءً ابي لا تدعي عليهم ، فكلاً لديه ظروفه.. وربما حان دوري للإهتمام بك ، بعد غربتي لسنواتٍ طويلة

العجوز بقهر : بارك الله فيك ، يا بنيّ

- هل تريد تناول العشاء معنا ؟

- لا ، اريد النوم باكراً

- كما تشاء ابي .. تصبح على خير

^^^


لكن العجوز ظلّ سهراناً حتى الصباح ، وهو يستذكر ماضيه مع ابنائه .. رغم عدم استغرابه جفاؤهم ، لقسوته عليهم طوال فترة طفولتهم ومراهقتهم  

كما لومهِ على وفاة امهم باكراً بعد حرمانها من رؤية اهلها وتعامله السيء معها ، وإهانتها باستمرار رغم لطافتها وحسن تدبيرها ، فهو لم يعرف قيمتها إلاّ بعد وفاتها ! وأكثر شيءٍ أخافه ، هو كلامها على فراش الموت : بأنها ستطلب من الله زوجاً آخر بالجنة ، يُعوّضها عن حياتها البائسة معه ! 

وأمنيّتها هذه قهرته .. لغيرته الشديدة عليها ، ولعدم تحمّله خسارتها في الآخرة ايضاً

***


بمرور الأيام .. تقرّبت زوجة الطبيب من عمّها الذي أخبرته عن لقائها بإبنه في المشفى الذي عملت فيه ممرّضة.. وبسبب معاملته اللطيفة معها ، أعلنت إسلامها بعد قبولها الزواج به


وقد لاحظ العجوز تصرّفات ابنه الحسنة مع زوجته الأجنبيّة ، حيث اعتاد تقبيل  رأسها بعد عودته من العمل ، وشُكرها على إعدادها الطعام واعتنائها بالأولاد في غيابه !


كما انتبه على سلوكه الرائع مع ابنائه .. خاصة عندما اراد طفله الصغير تناول الطعام بيده اليسار .. فظلّ الطبيب لنصف ساعة يعلّمه الأكل باليمين ، مع ابتسامةٍ حنونة وصبرٍ كبير ! 

ليتذكّر العجوز ضربه ليد طفلته مراراً في صغرها لأكلها باليسار ، حتى ابكاها من الألم ..


كما تذكّر ابنه المراهق الذي مازال لليوم يرفض الصلاة والصوم ، بعد إجباره وهو صغير على الذهاب معه لصلاة الفجر في صباحٍ بارد .. فلوّث ملابسه غصباً عنه ، ليقوم بضربه وأهانته امام المصلّين !

فكبر ليُصبح علمانيّاً ، تحدّياً لوالده الذي علّمه الدين بقسّوةٍ مبالغة.. 


وهاهو يرى ابنه الطبيب يُسمّع القرآن لإبنه البكر بابتسامةٍ وهدوء ، مع وعده بهديّة في حال أنهى جزء عمّ سريعاً .. ممّا شجع ابنه على حفظ المزيد من السوّر القرآنيّة


كما شاهد ابنه يضحك مع طفلته التي تصرّ على وضع المكياج له.. الى ان توصّل لاتفاقٍ معها على رسم شاربٍ له بألوانها ، بعد إفهامها بلطف بأن الرجال لا يتشبّهون بالنساء.. 


ليتذكّر العجوز ابنته الصبيّة التي اهانها امام صديقاتها ، حين رآهم يتزيّنون في غرفتها .. ومن يومها تتجنّب الحديث معه !


ففهم ان قساوته على اولاده ، وإهانة امهم امامهم جعلهم ينفرون منه .. مع ان معاملته مع الناس رائعة ، لتوقّعه الخير من الغرباء دون عائلته ! لكنه فشل بتحقيق الأمرين : بعد تخلّي الناس واولاده عنه ، بعد كبر سنه

***


وفي إحدى الليالي .. إستيقظ الطبيب ، ليجد والده مهموماً بالصالة :

- لما لم تنمّ يا ابي ؟!

العجوز : اريدك ان تصوّر وصيّتي

- لا تقلّ ذلك .. أطال الله عمرك

- صوّرني بجوالك ، ولا تجادلني رجاءً

- كما تشاء يا ابي


ثم سجّل العجوز وصيّته لإبنائه .. مُبتدئاً كلامه بتفسير قسّوته عليهم : خوفاً ان يكون ضعيف الشخصيّة كوالده الذي أُهين آخر عمره .. لكن جلافته أتتّ بنفس النتيجة !


ثم تنهّد العجوز مُطولاً ، قبل أن يقول : 

- سامحوني يا ابنائي ، فأنا لا اكرهكم مُطلقاً ولا اكره امكم .. فهي امرأة مثاليّة لم تقصّر يوماً في تنفيذ طلباتي ، وربّتكم افضل تربيّة بغيابي وبانشغالي الدائم مع أصدقائي.. ظناً بأن واجبي الوحيد : هو توفير المال لكم ! ولم ادري ان عليّ نصحكم والبقاء بجانبكم وتوفير الأمان لكم.. بل العكس !! ارعبتكم بصرامتي ، لدرجة جعلتكم تهربون لغرفكم فور دخولي المنزل ، خوفاً من عصبيّتي الزائدة ! بينما رأيت احفادي يهجمون على ابني الطبيب فور عودته من العمل ، لأنه الأمان بالنسبة لهم.. ففهمت انني خسرت حب زوجتي واطفالي.. 


ثم مسح دموعه ، مُكملاً كلامه : 

- ليت الزمان يُعيدني للماضي ، لأكون اباً جيداً لكم.. لكن الحياة كانت قاسية معي ، وأجبرتني على العمل بسنٍ صغيرة بعد مرض والدي وملازمته الفراش.. فكنت مراهقاً لديه الكثير من المسؤليّات .. وكم أشفقت على نفسي وانا ارى زملائي يكملون دراستهم ويلعبون بالشارع ، بينما عليّ العمل في وظيفتيّن صباحيّة ومسائيّة ، لتوفير المال لأهلي وجمع المال لعرسي.. فكبرت قبل سني ، لتصبح هناك فجوة زمانيّة بيني وبينكم.. وكان بإمكاني الشعور بطفولتي وانا ألاعبكم ، لكني اردّت ان اكون قدّوة لكم .. فلم اتنازل لطلباتكم البريئة بمشاهدة الرسوم المتحرّكة معكم ، او إخباركم قصصاً قبل النوم.. 


فسامحوني يا ابنائي ، فأنا الخاسر بينكم.. وأملي الأخير ان تسامحني امكم في الآخرة .. لهذا وصيّتي ان تدفنونني في قبرها ، لربما تلتقي روحيّنا بالسماء لطلب السماح منها.. وانتم ايضاً ، حاولوا نسيان الذكريات السيئة التي تركتها بطفولتكم ..وسامحوا والدكم العجوز الذي قريباً لن يكون معكم.. اما وصيّتي لأخوكم الصغير : ان لا يترك دينه بسبب قسّوتي عليه ، حتى لا أُحرم انا وامه من لقياه في الجنة .. وساعدوه على إصلاح دينه لأجله .. هداكم الله جميعاً لما يُحب ويرضاه .. وأختم وصيّتي بهذا الدعاء : ((اللهم استودعتك ابنائي ، يا من لا تضيع عنده الودائع))


ثم أشار لإبنه الطبيب بإنهاء الفيديو الذي سارع بإرساله لإخوته الذين شاهدوه فور استيقاظهم

***


وفي الصباح الباكر وقبل ذهاب الطبيب الى عمله ، تفاجأ بقدوم إخوته الثلاثة الى منزله لرؤية والدهم ، بعد ان ابكاهم الفيديو كثيراً !


فأدخلهم غرفة الضيوف ، مُحاولين إيقاظ ابيهم .. لكن عينيه المفتوحتين ووجهه الشاحب جعلهم ينهارون بالبكاء ، بعد تأكّدهم من وفاته !

***


في المقبرة وبعد ذهاب المُعزّيين ، بقيّ ابنه الصغير لوحده امام قبر والديه:

- لي مدة طويلة لم ادخل الجامع ..واليوم دخلت للصلاة عليك يا ابي .. لهذا اعدك بالعودة الى رشدي وديني ، لألقاك انت وامي بالجنة.. فأنا سامحتك على قساوتك معي طوال حياتي.. وانت ايضاً سامحني على عقوقي معك


ثم قرأ الفاتحة ومسح دموعه وخرج من المقبرة ، دون علمه ببكاء روح والده فرحاً على هدايته اخيراً .. والذي عانق روح زوجته التي سامحته عن الماضي ، لينطلقا معاً مسروريّن الى جنّة الخلد  


الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023

النزهة المشبوهة

تأليف : امل شانوحة 

 

الزواج المشؤوم


شعرت مريم بهدوءٍ مُفاجىء ! جعلها تترك طفلها نائماً ، وتصعد لسطح اليخت المتوقف وسط بحرٍ هادئ.. لتجد الشمس على وشك المغيب ، دون أثرٍ لزوجها ! 

فأسرعت الى الكابينة ، لتجد جوّاله هناك ! فأخذت المنظار وراقبت البحر ، ظنّاً بسباحته بعيداً عن القارب .. دون عثورها عليه في أيّ اتجاه !


فأحسّت بالذعر لابتعاد السفينة عن الشاطئ ، وعدم معرفتها بقيادة اليخوت ..رغم انه صباحاً ، علّمها التحكّم بالمقوّد.. لكنها شعرت بالفزع لعدم إحضارها الكثير من اغراض طفلها ، بعد أن وعدها بالعودة للمنزل قبل المساء !

 

فلم يكن امامها سوى الإنتظار حتى الصباح ، لربما غاصّ في الإعماق دون إخبارها بذلك !

***


في الصباح ، لم يظهر زوجها بعد ! فخشيّت ان يكون غرق اثناء السباحة .. وكان عليها العودة للشاطىء ، بعد انتهاء حليب طفلها وغيّاراته .. 

وحاولت تذكّر طريقة قيّادته القارب ، كما شاهدته البارحة 


وبالفعل انطلق اليخت بسرعة ، بعد إدارته للجهة المُعاكسة.. مُتتبعةً طيور النورس القريبة من الشاطئ. .


وقبل وصولها الى هناك ، توقفت السفينة بعد نفاذ الوقود !

فصرخت بعلوّ صوتها وهي تلوّح للمصطافين من بعيد ، دون أن يلاحظها أحد !


فنزلت للأسفل ، وهي تحاول تهدئة طفلها الذي يبكي جوعاً .. ثم أخرجت مرآةً صغيرة من حقيبتها .. وعادت لسطح اليخت ، لتعكس بها أشعة الشمس في وجه الصيّاد (الأقرب اليها من بين السفن)


وما ان انتبه عليها ، حتى نادته بصوتٍ عالي : 

- ساعدني ارجوك !!

فقاد قاربه نحوها..


وبعد ركوبها وطفلها معه ، أخبرته باختفاء زوجها ..فنصحها بتبليغ خفر السواحل للبحث عن جثته..

فأفزعها كلامه ! لأنها مازالت تتأمّل ان يكون احدهم أنقذه بقاربه .. وهو متواجدٌ الآن في إحدى المستشفيات ، فاقداً للوعيّ او شيء من هذا القبيل

***


حين وصلت للميناء .. وجدت صديق زوجها بجانب يخته الفخم ، والذي شهق باستغراب لرؤيتها مع طفلها !

فأسرعت اليه ، لإخباره باختفاء زوجها..

فردّ بارتباك : بصراحة .. توقعت العكس !


ولم يكن هناك وقت لاستيضاح كلامه ، بعد بكاء ابنها تعباً وجوعاً.. 

فأوقفت سيارة اجرة للعودة لمنزلها ، بعد شعورها بالإرهاق 

***


بعد يومين .. أخبرها خفر السواحل بإيجادهم جثة زوجها تطفوّ وسط البحر ، وتقرير التشريح يؤكّد موته مسموماً ! .. لهذا استدعوها للتحقيق ..


في مركز الشرطة ، أخبرتهم بما حصل..

المحقق : رجاءً إخبريني بأدقّ التفاصيل

مريم وهي تمسح دموعها : 

- بعد تنويم ابني في الغرفة السفليّة لليخت ، صعدت لسطح السفينة لتناول الغداء مع زوجي الذي وصله إتصال على جوّاله.. فدخل الكابينه لإنهاء المحادثة ، بينما أُكمل طعامي .. وعندما خرج .. أخبرته بشعوري بالنعاس ، وأنني سأنام بجانب طفلي .. ويبدو كلامي اسعده ! لأنه ردّ بابتسامة : ((نوم العافية يا حبيبتي)) وهي المرة الأولى التي ينادينا هكذا ! فهو بالعادة قاسيّاً معي ، ويستهزأ دوماً من تصرّفاتي التي لا تليق بحياة الأثرياء.. لهذا أجبرني على أخذ دروساً في الإتيكيت ، لفرق الحالة الإجتماعيّة بيننا


المحقق : وكيف التقيتِ بزوجك الثريّ ؟

مريم : كنت أمرّ بالصدفة بجانب التِرعة .. فوجدت رجال قريّتي يُخرجون سعيد من الماء بعد انقلاب سيارته فيها ! ونادوني لمساعدته ، بعد رؤية وجهه مزّرقاً .. ولأني ممرّضة في العيادة الوحيدة بالقريّة ، قمت بالتنفّس الصناعي لإنقاذه .. مما فاجأ اهالي قريتي الذين لا يعلمون بهذا الإجراء الطبّي ! ووصل الخبر لأبي ، الذي يُعدّ زعيمهم .. فأبقى سعيد يومين في منزلنا ، حتى استردّ عافيته .. ثم طلب منه الزواج بي ، حمايةً لسمعتي .. لكنه رفض .. فهدّده والدي بالسلاح .. فاضّطر سعيد للزواج بي مُرغماً .. وعندما عدّتُ معه للمدينة ، واجهت غضب عائلته .. فوعدهم بتطليقي قريباً .. لكن يبدو ان حملي السريع ، أفسد خطته !


المحقق : ولما قدم السيد سعيد الى قريتكم ؟

- كان ينوي شراء ارضٍ مزروعة بالقطن ، لمصنع الملابس الذي يملكه في المدينة .. ولخوفه على مصالحه في قريّتي ، عاملني بسوء لكيّ يُجبرني على طلب الطلاق منه .. لهذا ظننت ان الرحلة البحريّة بعد انجابي ابنه ، هو تعويضٌ عن سوء معاملته لي طوال العام الماضي !

المحقق : وماذا كان شعور زوجك حين رأى ابنه لأول مرة ؟

- قال انه يشبهني فقط ، وسيكون احمقاً مثلي ، هذا إن كان ابنه من الأساس ..وقد جرحني كلامه ! فهو حرمني الخروج وحدي من قصره ، ومنعني الإتصال بأهلي .. فكيف يشكّ بخيانتي له ؟!


المحقق : دعينا نعدّ ليوم الحادثة.. كيف عاملك وقتها ؟ 

مريم : كان أكثر من رائع ! لاعب طفله حتى نام ، وتركني أقود المركب لبعض الوقت .. حتى انه رتّب المائدة لوحده

- تقصدين هو من أعدّ الغداء ؟!

- كنت طبخته في منزلي صباحاً ، وهو من رتّب الصحون وأعدّ الشايّ..

المحقق : بعدها اتاه الإتصال ، وابتعد عنك ؟

- صحيح .. ولأني أقوم بحميّةٍ غذائيّة بعد ولادتي ، لم أستسيغ كأسي المليء بالسكر ، فبدلّته بكأسه


المحقق باهتمام : لحظة ! أهو من وضع السكر لك ؟

- أخبرتك انني كنت أنوّم ابني ، اثناء إعداده الشايّ .. فلما تسأل؟!

المحقق : لأنه يبدو انه وضع السمّ لك ، لكنك بدّلتي الكاسات بغيابه.. وعندما شعرتِ بالنعاس .. أفرحه ذلك ، لظنه بسريان السمّ في دمك.. وربما لاحقاً أُصيب بالدوّار ..وسقط في البحر ، ومات غرقاً

مريم بصدمة : مستحيل ! لا أصدّق انه خطّط لقتلي

- الم تقولي انه شكّ بخيانته له ؟


مريم بعصبية : كان باستطاعته القيام بفحص الأبوّة ، ليعرف انه ظلمني !!

- اهدأي يا مريم ، واتركي الموضوع لي .. وانتِ اهتمّي بالعزاء ، لحين طلبك للشهادة في المحكمة .. فأهل زوجك يصرّون بأنك قتلته ، للحصول على الميراث الذي ضمنته بعد ولادة ابنك

فتنهّدت بحزن ، لضعف حالها امام سلطتهم الظالمة !

***


في العزاء .. تفاجأت مريم بقريبتها تمسك امرأة ثريّة ، وتناديها :

- تعالي يا مريم !! أمسكت امرأة تحاول خطف طفلك

فسحبت مريم ابنها من يد المرأة بعنف :

- لما خطفته من غرفته ؟!!

المرأة بغضب : لأنه ابني انا !!

مريم بصدمة : هل جنننتِ ؟! انا امه !!

المرأة بغيظ : زوجك وعدني بإعطائي الولد ، مقابل مبلغاً كبيراً.. وإن كنتِ لا تصدّقيني ، فانظري بنفسك ..فقد سجّلت اتفاقنا دون علمه ، ليكون دليلاً عليه بعد دفعي المال مُقدّماً


وأرتها فيديو :((لسعيد بالمطعم اثناء اتفاقه مع المرأة الثريّة :

- سأتخلص اولاً من زوجتي الخائنة ، ثم أعطيك لقيطها

فسلّمته ظرفاً ، وهي تقول :

- بداخله شيك بنصف المبلغ ، والباقي بعد استلامي الطفل ..فزوجي عقيم ، واريد مفاجأته بعيد ميلاده القادم))


وكانت صدمة مريم كبيرة ، لأنه دليلٌ واضح على تخطيطه لقتلها بالرحلة البحريّة !


فصرخت مريم غاضبة امام المُعزّيين : 

- لما يصرّ على خيانتي له ، رغم حبسي في قصره طوال زواجنا ؟!!


فاقتربت منها صبيّة (كانت ضمن المعزّيين) وهي تقول :

- آسفة سيدة مريم ، هذا ذنبي


وأخبرتها انها كانت على علاقة مع سعيد ، قبل زواجه بها .. وعندما طلبت منه مقابلة اهلها لخطبتها ، أخبرها انها كانت تسليّة وانتهى أمرها ! ممّا حطّم قلبها تماماً .. وبعد عام ، رأت بالصدفة فحوصاته في المستشفى التي تعمل فيها (دون علمه بتوظّفها هناك) للإطمئنان على صحّته.. 

ولأنها تعمل في المختبر ، بدّلت تقريره بفحوصات رجلٍ عقيم .. ولهذا شكّ بخيانة مريم له ، لظنّه بعدم قدرته على الإنجاب ..


الصبية (دكتورة المختبر) : اعتذر منك يا مريم .. كنت اريد عقابه على تسليّته ببنات الناس

مريم باكية : لكنك أذيتني انا !! فهو عاملني كساقطة ، منذ إخباره بحملي.

- سامحيني .. واحمدي ربك إن خطته الخبيثة انقلبت عليه ، وقتل نفسه بيده


وهنا تدخلت المرأة الثريّة : وماذا بشأني انا ؟!!

مريم : ماذا تريدين ايضاً ؟!

المرأة مُهدّدة : دفعت ٢٠٠ الف دولار مقابل الصبيّ .. وطالما خسرت الطفل ، فأريد استرداد مالي وإلاّ سأسلّم الفيديو للشرطة !!

مريم : لا تقلقي ، سأدفع مالك بعد تقسيم الميراث 

***


بعد شهادة المرأة الثريّة والممرّضة ، واعتراف صديق زوجها (الذي اخبره سابقاً بخطة تخلّصه من زوجته) ثبتتّ براءة مريم من قتل سعيد الذي لم يترك لها الكثير من المال ، لتورّطه بالقمار الذي أخسره شركته وسيارته ، وكذلك شيك بيع طفله !


فاضّطرت مريم لبيع القصر ودفع ديون زوجها ، وردّ الشيك للمرأة الثريّة 

ولم يتبقى لها سوى بعض المال ، لشراء ارضٍ زراعيّة بقريّتها بإسم ابنها الذي تنوي عدم إخباره بماضي والده المُظلم ..مُتمنيةً أن يُشابهها طفلها بالطباع ايضاً 

***


وذات يوم ، واثناء مرورها بالترعة .. تذكّرت لقائها الأول بسعيد ، فقالت في نفسها بقهر :

((ليتني تركتك تغرق هنا ، يا سعيد .. فأنت لا تستحق فرصة ثانية للحياة ، ايها القاتل الأحمق !!))


وابتعدت عن المكان بعد قرارها بعدم الزواج ثانيةً ، وتكريس حياتها لتربية ابنها الذي تتمنّى ان لا يُشابه والده بشيء ! 


السبت، 11 نوفمبر 2023

الحرب الخفيّة

تأليف : امل شانوحة 

 

الخير والشرّ


- لا فائدة منهم ! جرّبنا كل الطرق لتحويلهم لأشرار ، لكنهم فشلوا بجميع امتحاناتنا .. فما العمل معهم ، سيدي ؟

- أرسلوهم لقريّة المجرمين ، ربما يعلّموهم الخبث على اصوله

***


في قرية الخارجين عن القانون .. تفاجأ السكّان بأربعة شباب قادمين الى منطقتهم ، بنيّة العيش فيها !

فسألهم زعيم القرية (بعضلاته المفتولة ، وجسمه المليء بالأوشام):

- كيف وصلتم لوادينا المُنعزل عن العالم ؟! فلا وسيلة للقدوم الى هنا ، إلاّ  باجتياز النفق الصخريّ الذي نسيّطر عليه.. حتى الشرطة تخاف المرور به !

فالتزم الشباب الصمت..


فأكمل الزعيم قائلاً : ثم اين متاعكم ؟!

فأجاب كبير الشباب : لا نحتاجها

الزعيم باستغراب : أستبقون بملابسكم الخفيفة خلال شهور الشتاء القادمة؟!

- نحن لا نبرد ، ولا نشعر بالحرّ

- تبدون غريبوا الأطوار ! ماذا تريدون بالضبط ؟

الشاب : يمكننا المساعدة في اعمالكم اليوميّة ، مقابل السكن وبقايا طعامكم

الزعيم باستغراب : بقايا طعامنا ! حسناً سنجرّبكم لأسبوعين ، فمعظمنا فوق سن الأربعين وبحاجة لشباب يساعدونا بحرث الأرض

- مرّرنا بها قبل قليل ، يبدو انكم تزرعون نوعاً واحداً من الحشائش! 


الزعيم : هي الماريجوانا

الشاب بضيق : مخدرات !

الزعيم : نحن نعتاش من بيعها 

- الآن فهمت لما أرسلونا اليكم !

الزعيم بغضب : من ارسلكم الينا ؟!! هل انتم شرطة مُتخفّيين ؟!!

الشاب : بل الصالحين الوحيدين في بلادنا ، لهذا عاقبنا رئيسنا بالنفيّ لقريتكم بعد سجننا لمدةٍ طويلة ، لعدم تغيّر طباعنا الحسنة !

- انتم ايضاً مساجين ، هذا جيد !! اذاً سآخذ كبيركم ، والبقيّة أوزّعهم لخدمة كبار السن في القرية


وبالفعل !! سلّم كل شابٍ مجهول ، لأحد العجائز المجرمين الذين فرحوا بحصولهم على خادمٍ مجانيّ !

***


وبمرور الأيام ، أُجبر الشباب الأربعة على زراعة الأرض المُحرّمة .. كما اضطرّ بعضهم لمرافقة الزعيم اثناء نقله المخدرات للمورّدين الذي ينتظرونه بالجهة الأخرى من النفق المظلم !


وفي إحدى حفلاتهم المسائيّة المعتادة التي يقضونها بشرب الخمور وشواء اللحوم والغناء طوال الليل .. إجتمع الشباب بعيداً عن العجائز السكارى ، قائلاً أحدهم بضيق :  

- أمضينا ثلاثة شهور بخدمة اولئك الملاعين ، فمتى نعود الى بلادنا؟! 

- وما الفائدة من العودة ، ومدينتنا مُحتلّة من الأشرار ؟ كأنه لم يبقى للأخيار مكاناً يلجؤون اليه ! 

- برأيّ البقاء هنا ، أفضل من إمضاء عمرنا في سجون التعذيب

- لكن بيع المخدرات يجعلنا سيئون مثلهم !

- اذاً ليس امامنا إلاّ تحسين حياتهم ، وتقييم سلوكهم قدر الإمكان

- وكيف نفعل ذلك ؟!

- الحلّ عندي 


الشباب باهتمام : ماهو ؟

- سأبدأ بإبنة زعيمهم ، فهي مسحورة

- أمتأكّد من ذلك ؟!

- انتم تعلمون قدراتي بهذا المجال .. وهي سُحرت من غجريّة ، عاملتها بلؤم قبل سنوات .. فألقت عليها تعويذة ، حرمتها من الزواج 

- ظننت أن عنوستها ، لخوف اهالي القرية التقرّب من ابنة زعيمهم !

- لا ، هي أحبت شاباً طاهراً مثلنا .. لكن سحرها منعه التقدّم لزواجها وإخراجها من بيئتها القذرة ، كما وعدها دائماً

- ومتى ستفكّ سحرها ؟

- غداً ، بعد سفر والدها للقاء موردٍ قرب الساحل  

- ربما شفائها يكون السبب بتطهير مجتمعها من قذارته 

- المهم ان لا نتأثّر نحن بذنوبهم 

- بالطبع لا !! إن كان أشرار بلدنا بكل قوتهم وجبروتهم لم يتمكّنوا منا ، فهل سيفسدونا هؤلاء الحمقى ؟ 

- لا تقلق بشأننا ، فنحن سنبقى على الوعد دائماً

***


وفي اليوم التالي .. إقترب الخادم (الشاب) من ابنة زعيم العصابة ، اثناء جلوسها سارحةً بحديقة منزلها .. وهو يقول بشفقة :

- أمازلتِ تفكّرين به ؟

فردّت باستغراب : من تقصد ؟!

- حبيبك الذي رحل بعيداً 

- ومن سمح لك بالحديث عن شؤوني الخاصة ؟! ثم من أخبرك عنه ، فأنت جديد بمنطقتنا ؟!

الشاب : هو مازال يتمنى الزواج بك ، لكن سحرك يمنعه من ذلك

- أيّ سحر ؟!

وأخبرها بشأن الغجريّة..


الفتاة بدهشة : أحقاً ما تقول !

الشاب : نعم .. وإن اردّت فكّ سحرك ، فعليك الإعتذار عن سوء معاملتك لها .. مع إعطائها المال ، مقابل تعويذتها لفكّ النحس عنك 

الفتاة : حصل ذلك قبل خمس سنوات ، فكيف سألقاها وانا لا اعرف مكانها؟!

- أتذكرين المكان الذي التقيتما فيه اول مرة ؟ 

- خارج النفق

الشاب : اذاً سأذهب معك ، لربما نجدها هناك

***


ورغم عدم فهم الفتاة بمعرفة الخادم لماضيها ! لكن شدّة شوقها لحبيبها ، جعلها تذهب معه .. لتتفاجأ بالغجريّة تأكل التوت البّري من الغابة القريبة من بوّابة النفق ..والتي ما أن لمحتها ، حتى قالت بضيق :

- أهذا انت ؟!  

الفتاة : اذاً عرفتني .. لما أوقفتي نصيبي ؟!

الغجريّة : لأنك متغطرسة .. طلبت منك المال .. لكنك شتمتني بألفاظٍ سيئة ، رغم كبر سني !  

- اعتذر منك ..ارجوكِ فكي سحري ، فأنا اريد..

فأكملت الغجريّة قولها : 

- رؤية حبيبك ، اليس كذلك ؟ حسناً سأفعل ، لكن ليس مجّاناً

فأعطتها الفتاة رزمة كبيرة من مال ، وهي تقول :

- أيكفيك هذا ؟

الغجريّة بصدمة : يا للهول ! بالطبع يكفيني 


ثم نفخت تعويذتها في وجهها ، وهي تقول : 

- سيعود حبيبك بعد ثلاثة ايام .. لكن والدك سيرفضه مجدّداً ، لعدم رغبته بتزويجك من موظفٍ بسيط .. 

- حينها أحلف أنني سأنتحر !! 

الغجريّة : لا داعي لذلك .. فحبيبك لن يعود ، قبل إثبات حبك له 

- وكيف أفعل ذلك ؟! 

- بالليلة التي تحرقين فيها ارض المارجوانا ، سيكون بانتظارك خارج النفق .. 

فأشارت الفتاة لخادمها الذي يقف بعيداً عنهما : 

- اذاً سآمر خادمي بحرق الأرض


فنظرت المشعوذة مطوّلاً للخادم الذي حاول عدم لفت نظرها ، قائلةً: 

- خادمك لا يمكنه أذيّة نملة او الإضرار بمصالح أحد ، عليك القيام بذلك بنفسك.. وانا اعدك ان تعيشي مع زوجك بأمان ، بعيداً عن المجرمين الذين لن يغضبوا منك لأنك شهيدتهم

- كيف شهيدتهم ، وانا سأهرب بعد الحريق مباشرةً ؟! 


فأشارت الغجريّة للخادم :

- لا تقلقي ، هو سيحلّ الموضوع 

ثم تعمّقت في الغابة وهي تعدّ رزم المال ، دون اكتراثها بنداءات الفتاة لمعرفة المزيد !


وبعد ذهابها ، سألت الفتاة خادمها :

- هل سمعت ما قالته ؟! 

- نعم .. وعليك تنفيذ شرطها ، لعودة حبيبك لك.. فمتى ستحرقين الأرض الملعونة ؟

- غداً مساءً 

فابتسم ، لشجاعتها على تحدّي الأشرار

***  


وفي ذات الليلة التي سيعود فيها والدها من سفره ، إستغلّت نوم رجال قريتها لإشعال الأرض بالبنزين .. 

ثم ركضت بظلمة الليل باتجاه النفق .. لتتفاجأ بحبيبها ينتظرها هناك ! والذي لم يعلم بشأن الحريق ، مُكتفياً بالقول :

- ثلاثة ايام وانا اشاهد في المنام انك تحترقين ! فأسرعت بالقدوم الى هنا


وهنا ! انتبهت على انوار سيارة والدها تقترب من النفق.. 

- دعنا نرحل بسرعة !! اين سيارتك ؟

حبيبها باستغراب : أوقفتها بجانب الغابة ! 

- اذاً لنهرب ، قبل ان يقتلني ابي على فعلتي 

- وماذا فعلتي ؟!

- سأخبرك بالطريق .. هيا بنا !!


وابتعدا عن النفق ، الذي دخله الزعيم بسيارته .. ليتفاجأ بتجمّع اهالي منطقته لإطفاء نار الأرض التي يعتاشون منها !

 

وقبل وصول النيران لأكواخهم ، سارع الشباب الأربعة باقتحام الحريق ..وسط صراخ الأهالي بعدم المجازفة بحياتهم 


ليقوم احد الشباب بالنفخ بقوة ، لإبعاد النار عن الأكواخ .. بينما الثاني : دار حول نفسه ، مُحدثاً زوبعة من الرمال ! اطفأت جزءاً من الحريق .. والثالث : إنطلق للبئر المهجور ، ونفخ بداخله .. ليندفع الماء منه ، كأنه مياه المطافىء .. بينما الرابع : اشار بيده لحصر النيران في بقعةٍ صغيرة ، الى ان انطفأت تماماً .. 


ولم يرى الأهالي معجزات خدمهم ، بسبب عتمة الليل وكثافة الدخان .. لكنهم تنفسوا الصعداء بعد رؤيتهم لشابيّن يخرجان سليميّن من الأرض التي انطفأت تماماً


لكن شعور الحزن والكآبة عاد لهم ، بعد رؤيتهم للشاب الثالث يحمل جثةً مُتفحّمة ، ظنوا بالبداية انها الخادم الرابع .. لكنهم عرفوها ، بعد سماعهم لصرخة زعيمهم المدويّة ، عقب رؤيته لجثّة ابنته الوحيدة! 


فقال خادمه (الذي يحملها) :

- البارحة أخبرتني بنيّتها الإنتحار ، لعدم ردّ حبيبها على رسائلها.. لكني لم أتصوّر ان تحرق نفسها وسط المزرعة ! أعتذر لمصابك ، سيدي


وقضت القرية ليلةً حزينة بعد دفن جثة الفتاة ، رغم غيظهم من حرقها لمصدر رزقهم الوحيد !

^^^


بعد ابتعادهم عن قبرها .. قام احد الشباب بنبش القبر ، لخروج زميله وهو ينفض التراب عن ملابسه : 

- تأخرت كثيراً ، إنكتمت انفاسي تحت التراب

- المهم اننا نفّذنا المهمّة ، والجميع يظنك ابنة الزعيم

- ممتاز !! اذاً سأعيد طمر القبر ، حتى لا يلاحظوا اختفاء جثتها المزعومة 

- هي بأمان مع حبيبها ، بعد ان خلّصتنا من الأرض الملعونة.. 

- لا تنسى ان علينا ايجاد مصدر رزقٍ حلال لأهالي القرية ، قبل ان يتاجروا بالممنوعات ثانيةً

- سنجد الحل غداً ، دعنا نبتعد من المقبرة حالاً

***


بعد يومين .. أحضر الخادم الشايّ لزعيم القرية ، الذي سارع بإخفاء دموعه :

- لا تحزن سيدي ، هي في مكانٍ افضل 

الأب بقهر : لطالما كرهت عملنا في المخدرات .. لكنها رحلت ، وأخذت معها رزق قريّتي !

- الرزق محفوظ ، إن تمكنّا بتحويلها لأرضٍ زراعيّة ؟

الزعيم : هذا مستحيل ، فالأرض احترقت مرتين : مرّة بالمارجوانا الذي أفسد تربتها ، ومرّة بالحريق الضخم .. سنحتاج سنوات ، لتصبح صالحة للزراعة

- اترك الموضوع لي ولزملائي ، فنحن قدمنا من منطقةٍ زراعيّة .. ولدينا وصفةً سرّية لتحسين خصوبة التربة .. لكن علينا اولاً حرثها جيداً للتخلّص من تربتها الميتة ، فهل تسمح باستخدامنا جرّافتك ؟

- طبعاً !! من حسن حظنا انها كانت بعيدة عن الحريق.. مع اني للآن لم أفهم كيف تمكّنت انت واصدقائك من اطفاء الحريق بتلك السرعة !

الخادم : ربما بركة ابنتك الطاهرة

فأومأ الزعيم برأسه حزناً ..

***  


وبالفعل !! وبغضون شهرٍ واحد .. بدأت الأرض تُخرج حصاداً ممتازاً ، والذي زاد عن حاجة القرية ! 

فتطوّع أحد الشباب ببيع المحصول الإضافيّ للقرى المجاورة .. وسرعان ما انغمس رجال القرية بزراعة ارضهم ، وهم سعداء بحجم الخضار والفواكه الضخم ! بالإضافة لطعمه المميّز الذي شهر قريتهم.. ليصبح حصادهم الأكثر مبيعاً في الأسواق ، خلال شهورٍ قليلة !

***


وفي إحدى حفلاتهم المسائيّة التي اقتصرت هذه المرة على الطعام ، بعد توقفهم عن شرب الكحول وتدخين المخدرات ، إحتراماً لذكرى ابنة زعيمهم 

سأل الزعيم خادمه : 

- الا تفكرون بالزواج يا شباب ؟ 

فردّ احدهم : هذه الأمور لا تهمّنا  

الزعيم : طباعكم غريبة ! فلا تقتربون من النساء ، ولا تسكرون ..ولا تبردون او تشعرون بالإجهاد .. على الأقل إخبرونا عن المحلول السحريّ الذي استخدمتموه على ارضنا ، لتحويلها لجنان في وقتٍ قياسيّ ؟

الخادم : هي تركيبة كيميائيّة خاصة بأهل قريتنا ، ولا يحقّ كشفها لأحد 

فسأله احدهم : آه صحيح ! من أيّةِ قريّةٍ أتيتم ؟ 


وقبل أن يجيبه ، إقترب رجلٌ من الحفلة (معروف بين الأهالي بقسوته) : 

- علينا حرق الملاعين الأربعة بالحال !! 

الزعيم باهتمام : ماذا تقصد ؟! 

الرجل : هم أفسدوا حياتنا السابقة 

عجوز : الن تتوب يا رجل ؟ فجميعنا سعداء بالكسب الحلال الذي يكفينا نحن وعائلاتنا 

الرجل : كانت لديّ شكوك حولهم ، خاصة بيوم الحريق : حين لمحت احدهم يُخرج الماء من البئر المهجور .. والآخر ينفخ على الريح التي حاصرت النيران.. 


وقبل ان يُكمل ، ضحك الحاضرون : 

- هم شبابٌ ابطال ، وليسوا رجالاً خارقين 

- يبدو انك متأثّر بالأفلام السينمائيّة

الرجل غاضباً : اذاً شاهدوا افعالهم بأنفسكم !! 


ووضع شريط فيديو بالتلفاز القديم الموجود بالحفل : 

الزعيم بضيق : لا نريد مشاهدة افلام ، نحن سعداء بالحديث مع بعضنا

الرجل : اريد ان اريكم ما صوّرته الكاميرات التي وضعتها خفيّة بأرجاء القرية


ليشاهدوا احد الشباب يُشعل النار لشواء سمكة ، بإشارةٍ من يده .. والآخر يُخرج من يده زوبعة هواء صغيرة ، لإسقاط جوزة هند من الشجرة .. والثالث : نفخ على تربة ارضهم ، لتخرج شتلةً زراعيّة بنفس اللحظة .. والرابع : حفر بيده ، ليتدفّق ينبوع ماءٍ وسط الأرض ، دون مجهودٍ يُذكر! 


لكن الشيء الذي ارعبهم بالفعل : هو رؤية الشباب وهم يتناولون بآخر الليل ، بقايا عظام الدجاج المرمية في سلّة النفايات !

فرفع الزعيم مسدسه بوجههم :

- من انتم ؟!

كبير الشباب : اهدأوا جميعاً !! نحن من الجنّ الصالحين

الجميع بصدمة : جن ! 

- نعم .. وفي عالمنا ، كان هناك جن طيبون وجن سيئون .. قبل ان يحتلنا ابليس ، الذي سلّط علينا شياطينه الذين أجبرونا على القيام بأفعالٍ سيئة ضدّ البشر ، كالشعوذة والوسّوسة .. لكن انا وزملائي رفضنا الإنغماس بذنوبهم .. فقاموا بتعذيبنا في سجونهم لسنوات .. وحين فشلوا بإفسادنا .. حُكم علينا بالنفيّ الى عالمكم ، لتعلّم الشرّ من مجرمين محترفين أمثالكم.. لكننا تمكّنا بتطهير رزقكم .. وأقنعنا الكثيرين منكم بالتوقف عن الخمر والمخدرات ، فتحسّنت علاقاتكم بزوجاتكم وابنائكم .. أتريدون قتلنا بعد فضلنا عليكم ؟!


الزعيم غاضباً : ولما احرقتم ارض المارجوانا ، وابنتي بداخلها؟!! 

- نحن لا نقوم بأفعالٍ تخريبيّة ، فهي تُعارض معتقداتنا .. والفاعلة هي ابنتك ، لكنها بالحقيقة لم تمت .. بل تجسّد صديقي بهيئتها .. وهي الآن متزوجة من حبيبها ، ولديها طفلٌ صغير  

الأب بصدمة : ماذا قلت ؟!

فأخبره خادمه بشرط الغجريّة لإجتماع ابنته مع حبيبها ..


الزعيم بعصبية : المشعوذة اللعينة !! لوّ رأيتها ، سأقتلتها بيديّ

الشاب : ولما انت غاضب ؟! فمالكم لم ينقص .. بل العكس ، زاد بعد بيع حصاد مزرعتكم الخصبة .. ولولانا ، لما استطعتم زراعتها لعشر سنواتٍ على الأقل 

الرجل الشرير : يا زعيم !! عليك قتلهم بالحال ، قبل أن تنقلب قدراتهم الغريبة علينا

الشاب : نحن فقط نتحكّم بالماء والهواء والتراب والنار ، واستخدمناها جميعها لصالحكم ! 

الرجل غاضباً : سيدي !! إن لم تقتلهم انت ، سأقتلهم بنفسي 

ورفع مسدسه نحوهم .. فأخرج الشاب النار من يده ، قسم فيه المسدس لنصفين ..وسط دهشة الجميع !


الشاب بحزم : طالما انت الوحيد الذي لم تهتدي من قريتك ، سنُنفيك الى قريتنا .. فالشياطين سيُفرحهم وجود شريرٌ مثلك بينهم

وقيّده هو وزملائه بالحبال ..وأخذوه الى النفق ، ليلحقهم بقيّة الرجال .. ويشاهدوا بأنفسهم بوّابةً ضوئيّة تُفتح في جدار النفق ! 

الشاب : من هنا ارسلونا اليكم !! وبما انه ممنوع علينا العودة من بوّابة العالميّن ، سنكتفي بإبعاد هذا الشرير عن الجميع

ودفعوه للداخل ، لتختفي البوّابة مع الرجل !

الشاب : لا تقلقوا !! هو لم يمت ، بل انتقل لبيئته الطبيعية


وتوقّع الجميع غضب زعيمهم ، الذي فاجأهم بالقول بعيونٍ دامعة :

- اذا كان بإمكانكم التواصل مع ابنتي ، فاقنعوها بالعودة الى هنا .. واخبروها بأن والدها يعدها أن تكون قريتها آمنة لحفيده الصغير 

الشاب مُبتسماً : سأخبرها بطريقتي ، اعدك بذلك

***  


ورغم قلق ابنة الزعيم وزوجها من العودة لقريتها ، خاصة بعد معرفتهم بحرقها لرزقهم الوحيد .. لكنها تفاجأت باحتفالٍ ضخم من الأهالي الذين استقبلوها بالورود ، وهم سعداء برؤية حفيد الزعيم الذي حضنه بحنان ..وسط تصفيق الجميع

*** 


في عالم الشياطين ..استقبلوا المجرم بحفاوة ، لعلمهم بخبثهم الذي يوازي شيطنتهم..

وفي المقابل : طالبهم بتعليمه كيفيّة السيطرة على عناصر الماء والتراب والنار والهواء ، مثل الشباب الأربعة 


فأوصلوه عند ابليس الذي قال له : 

- اذا كنت تريد إكتساب تلك القدرات معاً ، فعليك ترويض الحصان الطائر الذي ستستخدمه لاحقاً للإنتقال بين الدول بوقتٍ قياسيّ .. لكن عليّ تحذيرك ، فهو شرسٌ للغاية 


واستطاع الشرير بطرقه الخبيثة تشتيت انتباه الحصان ، الى ان استطاع ركوبه بعد السقوط عنه عدة مرات ، مما أفقده عينه .. لكن الشرير لم يكترث لألمه ، وظلّ يركبه لحين ترويضه تماماً 

^^^


في مجلس إبليس ، قال له بفخر : 

- أحسنت ايها الأعور !! وبسبب شجاعتك وعنادك ، وافقت على منحك القدرات الخارقة .. وسأعيدك قريباً الى عالم البشر مع جيشٍ من شياطيني ، لمساعدتك بإفساد البشريّة بالكامل 

الأعور بقلق : وكيف سأفعل ذلك ؟!

- انت تعيش معنا منذ ثلاث سنوات .. وما لا تعلمه عن البشر انهم يعانون من جفافٍ حادّ ، وانت بقدراتك ستوهمهم بالرزق والمطر .. بشرط ايمانهم بأنك إلاههم ، وبذلك تضلّ آلاف البشر 

الأعور : اذاً أعطني جن سليمان ، وأعدك بإفساد الملايين

إبليس : احب ثقتك بنفسك .. وسأسمّيك منذ اليوم : الأعور الدجّال ، وهو لقبك الجديد .. فهل انت على قدر المسؤوليّة ؟

الأعور بثقة : بكل تأكيد !!

وابتسما بخبث !

***


في القرية .. شعر الجن الأربعة اثناء مرورهم بالنفق المظلم ، بطاقةٍ سلبيّة تخرج من جداره الجانبيّ !  

الشاب بقلق : أتشعرون يا رفاق بما أحسّ به ؟!

- يبدو ان هناك شرّاً مُتفاقماً من الجهة المقابلة لبوّابة العالميّن !


وهنا ! ظهر نور البوّابة التي لم تُفتح بعد ، وكأن أحدهم في طريقه اليهم !

فتحضّر الجن الأربعة بقدراتهم لمواجهة المجهول ، وهم لا يعلمون بجيش الدجّال الذي يقف بالجهة المقابلة .. بانتظار اوامر ابليس لفتح البوّابة ، لبدء معركةٍ دمويّة  بين الخير والشرّ ، للقضاء على البشريّة بالكامل .. فمن تُرى سيفوز بالمعركة الحاسمة ؟! 


الأربعاء، 8 نوفمبر 2023

مسابقة الرُهاب النفسي

فكرة : ابن العراق
كتابة : امل شانوحة 

 

العلاج او الموت !


إستيقظ سبعة اشخاصٍ من تخديرهم داخل قبوٍّ مهجور ، بعد سماعهم للموسيقى عالية أزعجتهم جميعاً ، خصوصاً أصغرهم سناً الذي أغلق اذنيه بقوّة وهو يطالب بإيقافها بالحال


ثم عمّ الصمت لبعض الوقت .. قبل سماعهم لصوتٍ من الميكروفون المُعّلق ، بجانب كاميرا السقف ..لشخصٍ مجهول يقول لهم :

- اهلاً بكم برحلة العلاج الجبريّ !! ..وكما لاحظتم ، الباب الرئيسيّ للقبوّ مُغلق من الخارج بإحكام

- ماذا تريد منا ؟!!

الصوت : كما قلت قبل قليل ، اريد علاجكم من امراضكم النفسيّة التي عانيتهم منها لسنواتٍ عديدة

- ومن انت ؟!

- يمكنكم إعتباري صديقكم او عدوّكم ، حسب ردّة فعل كل واحدٍ منكم على خطّتي لعلاجه من الرهاب الذي يعاني منه.. وسأبدأ بكبيركم .. سيد جاك !! توجّه نحو..


العجوز (السبعينيّ) مُقاطعاً : لما علينا إطاعة اوامرك ؟!

الصوت : لأني لغّمت المبنى بقنابل موقوتة ، ستنفجر عند بزوغ الفجر ..وكما ترون من الساعة المعلّقة على الجدار ، فقد تجاوزنا منتصف الليل.. أيّ معكم 4 ساعات حتى الصباح .. يعني كل واحدٍ لديه ما يقارب النصف ساعة ، للتخلّص من عقدته التي أضرّته معظم حياته .. ومن يماطل منكم ، يُضيّق الوقت على المشترك الذي يليه.. لهذا ستنفذون اوامري بالحرف الواحد !! وكما تلاحظون ، وضعت سواراً إلكترونيّ مُحكماً حول ايديكم .. لمراقبة نبضات قلبكم ، لأن حياتكم تهمّني .. 


شاب : وماذا سيكسب الفائز بمسابقتك ؟

الصوت : ربما يكون هناك اكثر من فائز .. وجميعهم سينالوا حرّيتهم ، بالإضافة لعلاجٍ نهائيّ من مشاكلهم النفسيّة 

- ولما يهمّك مرضنا ؟

- لأن نجاحي بعلاجكم ، سيُفيدني علميّاً .. ولن أبوح بأكثر من ذلك.. المهم انني سأراقبكم من خلال الكاميرات الموزّعة بين طوابق المبنى .. والآن اريدك يا جاك ان تدخل المصعد الذي سأديره لك ، لإيصالك للسطح


العجوز بفزع : مستحيل !! لن اصعد للسطح في عتمة الليل

الصوت : اعرف جيداً رُهابك من المرتفعات ، وهذا سيكون امتحانك.. ان نجحت فيه ، تنزل بنفس المصعد للطابق الأرضيّ .. وستجد بموقف السيارت ٧ درّاجات ناريّة ، كل واحدة فيها مفتاحها .. تختار أيّ لونٍ تريد ، للعودة بها الى منزلك .. فهذا المبنى المهجور موجود على اطراف مدينتكم .. هيا !! ماذا تنتظر ؟! 

العجوز بحزم : لن أصعد !! فلا شيء يُجبرني على تنفيذ أوامرك

الصوت : يالك من عجوزٍ طمّاع .. كنت اريد إخباركم بالمفاجئة بنهاية المسابقة : فكل شخصٍ ينجح بامتحانه ، يحصل على مئة الف دولار

الشباب بدهشة : أحقاً !

الصوت : نعم ، هذا وعدي لكم.. وانت يا جاك !! المبلغ حتماً سيُسعد زوجتك التي عاشت معك في ظروفٍ ماديّةٍ سيئة ، بسبب رهابك النفسيّ 

^^^


فدخل العجوز طواعيّةً الى المصعد الذي يتحكّم به الشخص المجهول ، الذي عاد للتكلّم معه بعد وصوله للطابق السابع والأخير:

- أحسنت بضبط اعصابك يا جاك !! ستجد على يمين المصعد خمسة ادراجٍ للأعلى ، ستوصلك لباب السطح المفتوح 


وحين فتح جاك الباب العلويّ ، تراجع للخلف بعد رؤيته السطح دون حوافه الإسمنتيّة!  

فقال له الصوت :

- أترى الكشّاف الصغير المُضاء عند حافة السطح ، اريدك ان تُنزله معك في المصعد .. وبعدها تخرج من المبنى ، ومعك الجائزة الماليّة .. فالأمر سهلٌ جداً

فنزلت دموع العجوز خوفاً :

- رجاءً ، إرحم كبر سنّي.. سأُصاب بالدّوار إن نظرت للأسفل ، وأسقط ميتاً بعتمة الليل !


الصوت : انا افعل ذلك لمصلحتك ، فهذا علاجك الوحيد.. عليك مواجهة مخاوفك ، لأني حقاً اريد شفائك من رهابك

- ولما يُهمّك علاجي ؟! فقد تجاوزت السبعين ، ولم يعد يهم إن تعالجت من مشكلتي ام لا

- لا تطلّ الوقت على زملائك .. هيا اقترب بخطواتٍ ثابتة ، واحضر الكشّاف.. وسنضع جائزتك في المصعد.. فالمال سينفعك بدفع مصاريف بيتك الذي رهنته ، لعلاج زوجتك

العجوز بصدمة : كيف عرفت بمرضها ؟!

- اعرف كل شيء عن حياتك.. فرغم حصولك على درجة الإمتياز بالهندسة المعماريّة إلاّ انك تخليّت عن مهنتك ، لرفضك صعود المباني التي رسمتها ، لمعاينتها من وقتٍ لآخر .. وفضلّت التوظّف في مكتبةٍ عامة براتبٍ زهيد ! ولأن زوجتك تحبك ، لم تتخلّى عنك ، وتحمّلت الفقر معك.. على الأقل كافئها عن صبرها معك بأيامها الأخيرة


وكلامه شجّعه على الإقتراب ببطء من الحافّة المُهترئة ، وهو يتصبّب عرقاً رغم الجوّ البارد ! حيث ترنّح جسمه الهزيل مع الرياح التي تزداد قوّة ، كلما اقترب من الحافّة !

ثم انحنى بصعوبة دون عكّازه ، لإلتقاط الكشّاف المُضاء .. لكنه اخطأ بالنظر للأسفل .. فاختلّ توازنه ، وسقط مباشرةً من الطابق السابع !

***


بعد قليل في القبوّ ، قال الصوت لبقيّة المشتركين : 

- للأسف ! فقدنا المتسابق الأول ، بعد فشله بعلاج رهابه من المرتفعات 


فضجّ القبوّ بصراخ المشتركين الستة ، بعد إيقانهم خطورة المسابقة المُحتجزين فيها

الصوت : حسنا اهدأوا !! فجائزته أُضيفت لجائزة الرابح

- ماذا تعني ؟!

الصوت : كل شخص سيخسر المسابقة ، ستُضاف هديته للجائزة النهائيّة

الشاب باهتمام : يعني الفائز سيحصل على ٧٠٠ الف دولار ؟!

الصوت : بشرط !! ان يكون شجاعاً لعلاج عقدته المُزمنة ، بأقل من نصف ساعة


فتحمّس الشباب لأن معظمهم من الطبقة الكادحة ، مُضمرين أمنيتهم بالفوز وحدهم بالجائزة الكبرى !

 

الصوت : والآن دور المتسابق الثاني !! هيا يا جيم ، إقترب من المصعد

جيم بارتباك : سيدي ، الا يمكنك فتح باب الدرج ؟ فأنا مصاب بفوبيا الأماكن الضيّقة

الصوت : اعلم ذلك

جيم : صدّقني !! يمكنني الركض نحو السطح بزمنٍ قياسيّ ، فأنا رياضيّ مُحترف

الصوت بلؤم : انت من عليك تنفيذ اوامري ، وليس العكس !! إقترب من المصعد دون جدال

- لم أصعد فيه طوال حياتي ، ولا اعرف طريقة استخدامه

- لا تقلق ، فأنا من أتحكّم فيه  

ودخل جيم الى المصعد مُرتجفاً..

^^^


واثناء صعوده لفوق .. أغمض جيم عيناه ، وهو يحاول التحكّم برجفة جسمه التي تزداد كلما أطال البقاء في المصعد الذي توقف بين الطابق السادس والطابق الأخير


وفور توقفه عن الصعود ، إنهار جيم وهو يصرخ بهستيريا :

- إفتح الباب يا ابي ، ارجوك !! اعدك ان لا اخطأ ثانيةً !!

الصوت : اهدأ يا جيم ، فأنا اعرف قصة زوج والدتك الذي حبسك مِراراً في الخزانة الضيّقة

فوقع جيم على ارضيّة المصعد باكياً :

- طالما تعرف رهابي جيداً ، لما حبستني في هذا المصعد الضيّق ؟! أتريد قتلي كالمتسابق الأول ؟!

الصوت : بل اريد علاجك .. لهذا سندردش معاً لنصف ساعة ، الى ان..


جيم مُقاطعاً بعصبيّة : رجاءً إخرجني من المصعد الآن ، وسأتحدّث معك كيفما تشاء

- بل ستبقى بالمصعد ، حتى أتأكّد من شفائك التامّ

- لكن نصف ساعة كثير .. والله كثير !

الصوت : وقد تبقى الليلة كلّها ، إن لم أقتنع بعلاجك من عقدتك.. وربما تكون السبب بتفجير المبنى بمن فيه ، إن ماطلت بالشفاء

- ارجوك ، لا استطيع التنفّس

- خُذّ شهيقاً وزفيراً بهدوء ، وحاول ضبط اعصابك .. فالأمر اسهل مما تظن


وبعد ثلاث محاولات لضبط انفاسه ، سقط جيم مغشياً عليه بعد تذكّر ماضيه الأليم الذي جعل وجهه مُزّرقاً ! 

مما اربك الرجل المجهول الذي حاول رفع صوته لإيقاظه :

- هيا يا جيم ، إستيقظ !! لا تنسى جائزة المليون.. حسناً ، سأقلّل مدة احتجازك الى خمسة دقائقٍ فقط

لكن جيم لم يتحرّك مُطلقاً ! 

الصوت بخوف : تماسك يا جيم ، سأنزل المصعد الآن !!


لكن قبل نزوله للطابق الأرضيّ ، ارتفع رنين السوّار الإلكترونيّ حول مِعصم جيم ! مُؤكّداً توقف قلبه من شدّة ما عاناه في طفولته الصعبة !

ليقوم مساعد الرجل الغامض بسحب جثة جيم ، ووضعها بجانب مدخل المبنى !

***


بعد قليل ، نزل المصعد فارغاً الى القبو .. ليُخبر الصوت بقيّة المشتركين بنتيجة جيم :

- للأسف ! فشلت ايضاً بعلاج عقدة المتسابق الثاني الذي توقف قلبه ، لجبنه من مواجهة ماضيه 

- هل مات ؟!

الصوت بلا مبالاة : نعم .. والآن الدور على ..

الشاب غاضباً : توقف !! انت أخبرتنا في بداية المسابقة عن نيّتك بعلاجنا من امراضنا المُزمنة ، لكن اتضح انك تريد قتلنا جميعاً !


الصوت : الموضوع يتوقف على شجاعتكم في مواجهة عقدكم السخيفة ، لهذا حتماً سيفشل الجبناء.. وانا عند وعدي !! فمن ينجح بالمسابقة ، يحصل على جائزته الماليّة ، كتعويض عن ليلته الصعبة .. والآن من يجرأ منكم على دخول المصعد ، لبدء الإمتحان التالي ؟

فرفعت صبيّة يدها..

الصوت باستغراب : أحقاً !

جاكلين : نعم ، اريد الخروج من هنا بأسرع وقتٍ ممكن

- اذاً اقتربي من المصعد ، يا عزيزتي 

^^^


ثم صعدت الى الطابق الثالث .. حيث طلب الصوت منها دخول غرفةٍ فارغة ومضاءة !


وعندما دخلت ، لاحظت ان نوافذها مُغلقة بألواحٍ خشبيّة ! فلم يعد لديها مخرج بعد إقفال باب الغرفة عليها اوتوماتيكيّاً ..

جاكلين بقلق : ماذا تحاول فعله ؟!

الصوت : أنظري للأعلى


فشاهدت صناديق بلاستيكيّة ، مُعلّقة بالسقف ..

وقبل ان تستوعب ما بداخلها ! إنقلبت فجأة ، لتسقط عليها آلاف الحشرات من الديدان والصراصير التي تعلّقت في ثيابها .. 

فأصيبت بهستيريا مُطلقة ، لأن لديها رهاب من الحشرات (لأن بطفولتها : لاحقتها الدبابير بعد إسقاط عشّهم بكرتها ، فلدغوها في كل جسمها.. ومن يومها تخاف بشدّة من كل انواع الحشرات)

فحاول الصوت تهدأتها : نصف ساعة ، وسيدخل مساعدي لإنقاذك من الحشرات .. أصبري قليلاً !! 


لكنها ظلّت تحاول خلع الباب دون فائدة ، وكذلك خلع الألواح الخشبيّة من النافذة الكبيرة .. ولشدّة فزعها من الحشرات التي تسلّلت اسفل ملابسها ! ركضت بقوّة باتجاه النافذة .. لينكسر الّلوح الخشبيّ ، مع النافذة التي خلفه! 

وتسقط من فوق مباشرةً على رأسها ، وتموت على الفور !

***


وفي القبوّ ، أخبرهم الصوت بموتها .. ليعمّ الحزن بينهم ، بعد تأكّدهم من نيّته بقتلهم جميعاً ! 

الصوت ساخراً : أعجبتني ردّة فعلكم الهادئة ! ..والآن دورك يا اريك !! إقترب من المصعد

لكن الشاب تجمّد في مكانه ، وهو يحاول كتم غضبه !


الصوت : انت تعلم بأن مماطلتك ، ستقللّ الوقت على اصدقائك

اريك : انا لا اعرفهم !! ولم ألتقي بهم سوى اليوم .. لهذا لن أصعد الى أيّ مكان ، وسأبقى هنا حتى تفكّ أسري ، او تُفجّرني مع المبنى ..فهو اسهل من موتي بامتحانك المروّع


فإذّ بشاشة التلفاز القديم (الموجود بزاوية القبو) يُضاء لوحده : على مشهد ابنة اريك وهي تلعب مع صديقتها خارج المدرسة !

اريك صارخاً بصدمة : يا ملعون !! متى صوّرتها ؟!

الصوت : قبل يومين ..وقاتلي المحترف امام منزلك الآن .. فإن لم تنفّذ اوامري ، أقتل زوجتك ، وأخطف الصغيرة لتسليّتي الخاصة

اريك مُهدّداً بعصبية : أحلف إن وجدتك ، أن أقتلك بيديّ ايها السافل!!

- اذاً إصعد ايها الجبان ، وربما نتواجه في الطوابق العليّا


فاقترب غاضباً من المصعد الذي فُتح بابه ، للصعود الى امتحانه المجهول!

^^^


وعند الطابق الخامس ، أمره الصوت بالتوجّه ناحية الغرفة المضاءة..

ليحصل له كما حصل لجاكلين ، فالنوافذ مُغلقة بالأخشاب السميكة .. اما الباب ، فأقفل عليه فور دخوله الى هناك !


وفجأة ! فُتحت مرطباناتٍ ضخمة مُعلّقة بحبال السقف (اوتوماتيكيّاً) ليسقط فوق رأسه ، فضلات وروث حيوانات برائحتها النتنة التي لوّثت ملابسه بالكامل ..مما جعله ينهار تماماً ، ويبكي كطفلٍ صغير رغم عضلاته المفتولة ! 

((ففي مراهقته : سقط ببلاّعة اثناء لعبه قرب الغابة ! ولم يجدوه إلاّ بعد يومين ، أمضاهما وهو مُحاط بالأوساخ والقاذورات .. جعلت لديه فوبيا قويّة من القذارة التي تسبّبت بفشله في علاقاته السابقة بسبب هوسه بالنظافة والترتيب ، والإستحمام مرتين في اليوم !)) 


اريك بصوتٍ مرتجف : إخرجني من هنا ، ارجوك 

الصوت : سأسمح لك بالإستحمام لاحقاً ، مع ملابس نظيفة .. لكن عليك تحمّل القذارة لنصف ساعة على الأقل

اريك : لا استطيع !! ..أكاد أختنق ، فأنا مصابٌ بالربو

- هذا وهم !! ففحوصاتك الصحيّة تؤكّد انك سليم ، وأن ضيق انفاسك هي نتيجة لمرضك النفسيّ

اريك بصدمة : كيف عرفت ذلك ؟! لا احد يعرف بمشكلتي ، سوى طبيبي النفسيّ مايكل.. أهو انت ؟!


ليعمّ الصمت فجأة ! وبذلك تأكّدت شكوكه .. فصرخ غاضباً :

- ايها اللعين !! آمنتك على اسراري الخاصة .. وبدل علاجي ، تريد قتلي ! أتدري ما سأفعله بك ، بعد خروجي من هنا ؟ سأذهب مباشرةً لنقابة الأطبّاء ، وسأفضح قتلك لمرضاك بمسابقتك الإجراميّة .. ولن أتركك قبل سجنك مُؤبّداً او حصولك على الإعدام ، ايها الحقير !! 


وعمّ السكوت لبضعة دقائق ! تابع فيها اريك تهديداته .. قبل سماعه خطوات تقترب من بابه ..

اريك : يبدو انك خفت ايها الجبان .. هيا افتح الباب ، لأضربك مباشرةً على وجهك


لكن حارس الطبيب (المُقنّع) هو من دخل عليه ، مُشهراً مسدسه كاتم الصوت وهو يقول :

- هذه هديّة من طبيبك 

وأطلق رصاصة في رأس اريك ، أردته قتيلاً !

***


في القبوّ ..

الصوت : يؤسفني إبلاغكم بمقتل اريك ، بعد فشله بامتحانه البسيط !

الشاب غاضباً : بل انت الفاشل بعلاجاتك الوهميّة !!

الصوت : أكل مرّة عليّ تذكيركم بأن موتهم في صالحكم ، فهي تزيد من قيمة جائزتكم .. فقد مات اربعة حتى الآن ، يعني أصبحت الجائزة 400 ألف دولار .. (ثم سكت قليلاً).. أتدرون شيئاً ؟!.. لقد قرّرت رفع قيمة الجائزة النهائيّة الى مليون دولار ، ستكون من نصيب الناجي الوحيد بينكم  


فتغيّرت نظراتهم لبعض ، وأصبح كل واحدٍ يتمنّى موت الآخر لكسب الجائزة الكبرى !

الصوت : والآن دور ديانا !! هيا اقتربي من المصعد

^^^


وصعدت للطابق الرابع ، لتجد غرفة في وسطها مائدة مليئة بالحلويات واللحوم !

فقالت بارتباكٍ شديد : رجاءً لا تجبُرني على تذوّقهم !!

الصوت : تذوّقهم ! بل عليك انهاء المائدة كلّها ، لكيّ أفتح باب الغرفة من جديد .. وإلاّ ستعلقين هنا الى موعد تفجير المبنى ، مع المشتركيّن الذيّن لم يتسنّى لهما خوض الإمتحان بسببك

- سيدي .. انا لديّ رهاب من زيادة الوزن ، ولا استطيع الأكل كثيراً ..كما انني نباتيّة ، وأشمئزّ من اللحوم القذرة

- لكني اخترت لك أغلى وأشهى اطباق الّلحوم


ديانا : صدّقني لم اتناولها بحياتي

- هذا لأن امك (عارضة الأزياء) ربّتك منذ الصغر على الإهتمام بشكلك ، وعاقبتك بشدّة إن تناولت الحلويات كبقيّة الأطفال

بصدمة : كيف عرفت ؟!

الصوت : لا يهم !! ابدأي فوراً بقطعة الكيك الدسمة التي امامك

- ارجوك سيدي ..انا حقاً لا استطيع تناول اكثر من ثلاثة ملاعق

- انت هزيلةٌ للغاية ، وتبدين كفتاةٍ صغيرة !

ديانا : هذا مهم لعملي كمضيفة طيّران

الصوت مُهدّداً : إن لم تُنهي المائدة بأكملها ، سأرسل مساعدي لإجبارك بالقوّة على فعل ذلك !!


وبعيونٍ دامعة ، بدأت الأكل باشمئزازٍ شديد ((وهي تتذكّر نقد امها المتوفاة التي نعتتها بالسمينة والقبيحة ، كلما رأتها تأكل اكثر من الكميّة المسموحة لها !))

وبالكاد أنهت صحنها الأول ، حتى تقيّأت بزاوية الغرفة !


وبعد انتهائها ، قال الصوت بلا مبالة :

- إذا انتهيتي ، يمكنك العودة للطاولة لتناول المزيد

ديانا باكية : ارجوك ارحمني ، فمعدتي صغيرة وغير متعوّدة على الأكل بشراهة

الصوت بحزم : لن تخرجي من الغرفة ، حتى إنهائك جميع الأطباق


وتكرّر تقيّوئها عدة مرات ، حتى سقطت دون حِراك !

فسأله الحارس (الذي كان يراقب معه كاميرا غرفتها) :

- سيدي ! هل ارسلها للمستشفى ؟ فسوّار يدها يؤكّد إحتضارها

الشخص الغامض : مع انها لم تُنهي الا صحنين من خمسة ! لكن إذهب وافتح قفل بابها.. وإن استجمعت قواها ، يمكنها الخروج والنجاة بنفسها دون حصولها على الجائزة لفشلها بالإمتحان. .

المساعد : وفي حال ظلّت مكانها ؟! 

- حينها تمتّ كبقيّة المتسابقين الفاشلين

^^^


بعد قليل ، في القبوّ :

الصوت : والآن جاء دور ..

الشاب مُقاطعاً بقلق : ماذا حصل للجميلة ديانا ؟!

- تركتها تحتضر

- ماذا ! ارجوك ساعدها !!

الصوت : الأمر متروكٌ لها .. آه لحظة ! هل سمعت ؟ انه رنين سوّارها ، يبدو انها لفظت انفاسها الأخيرة

الشاب صارخاً : ايها المجرم !!

- دورك الآن ايها العاشق .. هيا اقترب من المصعد

^^^


وصعد للطابق الأول.. وما أن أُقفل عليه باب الغرفة ، حتى سمع الصوت يقول :

- هل بدأت تشعر بالدوّار ؟!

الشاب بقلق : يعني قليلاً ! لما تسأل ؟!

الصوت : لأنه عندما خدّرناك بعد خروجك من منزلك ، حقناك ايضاً بكبسولةٍ صغيرة في ذراعك .. وقبل قليل ، فعّلتها إلكترونيّاً لضخّ السمّ (الذي فيها) في جسمك الذي يبدو انه يتفاعل معها ، حسب نبضات قلبك التي تظهر على شاشتي من سوّار معصمك .. وخلال دقائق ، ستنهار وظائف جسمك الواحدة تلوّ الأخرى


الشاب بصدمة : لما فعلت ذلك ؟!

- لعلمي برهابك من العلاج الطبّي ، وخصوصاً الإبر .. بعد قيام مريض الإيدز بغرز إبرته في يدك ، لعقابك على سوء معاملتك له.. لكن لحسن حظك انه لم ينتقل المرض اليك ، بسبب لبسك قفّازين سميكيّن .. ومع ذلك عشت رعباً ليومٍ كامل ، حتى ظهور نتائج تحليل دمك .. وبسبب ما حصل لك ، تركت مهنة التمريض الذي كنت بارعاً  فيها ! لهذا ستجد بدرج الطاولة ، ثلاثة إبرٍ بألوانٍ مختلفة .. عليك اختيار احدها ، لحقن نفسك..

- وهل فيهم علاج للسمّ الذي نشرته في جسمي ؟!

الصوت : سأكون صادقاً معك .. إحدى الحقن فيها العلاج ..اما الثانية ، فمجرّد محلولٌ ملوّن .. والثالث سيضاعف السمّ في جسمك ، ويقتلك بغضون دقائق معدودة.


فتجمّد الشاب وهو ينظر للحقن الثلاثة بألوانها : الأحمر والأصفر والأبيض!

الصوت : من الأفضل ان تستعجل ، فنبضات قلبك تباطأت بشكلٍ ملحوظ

- لا !! انت لم تحقني بشيء ، وتحاول إيهامي بذلك

- اذاً إسمع رنين سوّارك الذي يظهر على جهازي


وأسمعه صوت دقات قلبٍ بطيئة ! وهو يقول :

- هذا هو صوت قلبك ، وأظنك كممرّض تعرف بأنها ضعيفة للغاية ..لهذا لا تتأخّر بأخذ العلاج ، وانهي الفوبيا التي لديك ..ثم أخرج من هنا مليونيراً ، ومُتشافياً للعودة للمهنة التي تتقنها


فأسرع الشاب بحقن نفسه بالمحلول الأبيض..

فضحك الصوت ساخراً :

- يالك من منحوس ! فالأبيض فيه سمّ ثعبانٍ قاتل .. بينما الإثنان بهما محلولاً ملوّناً

الشاب صارخاً : ايها الكاذب !! الم تقل ان في احدها العلاج ؟!

- علاج ماذا ؟ لم نحقنك بشيء .. فحارسي أحضرك الى هنا ، ببخاخٍّ منوّم .. وهاهو قلبك يتسارع بشكلٍ خطير !

وأسمعه نبضات قلبه السريعة..


الصوت : للأسف ! فشلت بالإمتحان ، لأن قلبك على وشك الإنفجار

فسقط الشاب على الأرض وهو يشعر بخوفٍ شديد .. واضعاً يده على قلبه الذي شعر بنبضاته السريعة التي توقفت بعد دقائق ، لشدّة خوفه !

***


في القبوّ .. 

الصوت : مبروك مُقدّماً !! فأنت الناجي الوحيد.. وإن فزت بالإمتحان ، تكسب المليون دولار ، بالإضافة لشفائك من عقدتك النفسيّة .. فهيا يا بطل ، إقترب من المصعد


وبعد صعود المتسابق الأخير .. توقف المصعد قبل وصوله للطابق الثاني ، امام حائطٍ اسمنتيّ بين الطابقيّن ! 

ليعلو صوت الموسيقى المزعج ، لدرجة جعلته يُغلق اذنيه بقوّة .. 

فرأى كلاماً مكتوباً إلكترونيّاً على شاشةٍ صغيرة ، مُعلّقة على مرآة المصعد:

((أعرف انك لن تسمعني بسبب الضوضاء التي لديك رهاب منها ، بعد ان رفع والدك صوت الموسيقى عالياً ، اثناء تقطيعه لجثة امك بالمنشار في قبوّ منزلك.. ولذلك تكره الضوضاء ، بعد إرسالك للميتم عقب إعدام والدك.. لهذا عليك تحمّل الموسيقى العالية لبعض الوقت))


الشاب صارخاً : الى متى ؟!!

فظهرت الإجابة على الشاشة : 

((الى ان اتأكّد بأن هذا الإزعاج لم يعدّ يُؤثّر على نبضات قلبك التي تبدو مُتسارعة الأن ! وعندما تتحكّم بانفعالك ، تكون تعالجت تماماً .. حينها أُخرجك من المبنى المهجور))


فجلس على ارضيّة المصعد وهو مازل يضغط بقوّة على اذنيه (مُستذكراً منظر الدماء في قبوّ منزله بعد عودته باكراً من المدرسة ، لرؤية جريمة والده ..ولولا هروبه لمنزل الجيران الذين أبلغوا الشرطة ، لكان قتله ايضاً!)


وظلّ يتنفّس بصعوبة ، حتى توقفت الموسيقى اخيراً .. ليقول الشخص المجهول بحماس :

- مبروووك !!! انت الفائز الوحيد بين المشتركين الفاشلين .. الآن سأنزلك للطابق الأرضيّ .. وعليك التوجه مباشرةً لموقف السيارت .. ستجد حقيبة المليون دولار ، فوق مقعد أفخم الدرّاجات الناريّة (السبعة) المتواجدة هناك .. فأنت استحقيّتها بجدارة ، بعد تجاوزك لفوبيا الضوضاء .. ومنذ اليوم ، أصبح بإمكانك الإختلاط مع اصدقائك بحفلاتهم ومناسباتهم الإجتماعيّة التي كنت تتهرّب منها ..هنيئاً لك ، يا بطل !!


الشاب بغيظ : لن أخرج من هنا ، حتى أعرف من انت ؟

- ولما يهمّك الأمر ؟

- لأنك أردّت علاجنا في بداية المسابقة ، لكنك لم تكترث لموتهم جميعاً !

الصوت : كنت اريد علاجكم بالفعل لإنهاء بحثي ، وحصولي على جائزة علميّة لاكتشافي بأن علاج الفوبيات : هو بإجبار المريض على مواجهة مخاوفه ..لكن كل شيء تغيّر ، بعد سقوط العجوز الأخرق من المبنى .. حينها لم يعد يهمّني امركم

- وماذا استفدت من المسابقة ، سوى خسارتك للمليون دولار ؟


الصوت : لا تقلق بهذا الشأن ، فلديّ الكثير من المال.. وسأكسب المزيد بعد نشر المسابقة بالإنترنت المظلم ، مع مراهنات الأثرياء المُنحرفين على كل واحدٍ منكم .. قبل معرفتهم بالنتيجة النهائيّة ، وفوزك انت على بقيّة المنافسين

الشاب باشمئزاز : وهل حياة البشر بالنسبة لك ، أفلام ومراهنات ؟! أحلف انني سأبلّغ عنك الشرطة !!

- ومن سيصدّقك ؟

- سوّارك مازال في يدي ، وأكيد عليه بصمات حارسك الذي وضعه لنا بعد تخديرنا .. وحينما تقبض الشرطة عليه ، سيعترف عليك ايضاً


فتنهّد الصوت ، قبل أن يقول : 

- أتدري ما الحماقة ؟ .. هي ان تُخبر عدوّك بخطتك ، للإيقاع به .. وانت غبيّ لدرجة انك لم تنتظر لحين إخراجك من المصعد ، الذي يبدو انك ستبقى فيه حتى تلفظ انفاسك الأخيرة 

الشاب بقلقٍ شديد : ماذا تقصد ؟!

- أعني انني سأرحل مع حارسي ، ومعنا حقيبة المليون دولار .. ونتركك وحيداً بعد اطفائنا الكهرباء .. وبهذا تكون اخترت اسوء موتة من بين رفاقك : مُحاصراً بمصعدٍ مظلم ، حتى الموت خوفاً وجوعاً .. وكلّه بسبب لسانك الطويل الذي حرمك العودة ثريّاً الى أهلك !


فانهار الشاب باكياً : آسف ! ارجوك سامحني .. أعدك أن لا أتفوّه بكلمةٍ لأحد عن مسابقتك السرّية .. ولا اريد مالك ، فقط أخرجني من هنا .. أتوسّل اليك !!

- بصراحة لم أعدّ أثق بك ، بعد تهديدك المستفزّ.. وقبل ذهابي ، سأخبرك من اكون .. فالموضوع واضحٌ للغاية ، لأنه من المستحيل ان يعرف شخصٌ مجهول بأسراركم إلاّ اذا كان طبيبكم النفسيّ 

الشاب بصدمة : الدكتور مايكل ؟! 


الطبيب : نعم .. ففي جلستكم العلاجيّة الأخيرة ، قمت بتنويمكم مغناطيسيّاً لكيّ تحذفوني تماماً من ذاكرتكم ، تحضيراً للمسابقة .. لكن اللعين اريك ، هو الوحيد الذي تذكّرني بينكم .. ولا ادري كيف ! .. بجميع الأحوال ، فشلت خطتي بعلاجكم .. لكن بصراحة استمتعت بالتجربة ، فقد كنتم بالنسبة لي كفئران تجارب .. خاصة لعدم خسارتي الجائزة المالية بعد تهوّرك بتهديدي .. والآن !! أتمنى لك نوماً هانئاً ، ايها الأحمق المنحوس


ثم اطفأ نور المصعد .. فصار الشاب يطرق بكل قوته على جدران المصعد الجانبيّة (الحديديّة ، لمواجهته للحائط الإسمنتيّ بين الطابقيّن) 

وهو يصرخ بهستيريا :

- أخرجوني من هنا !! ..ليساعدني أحد .. ارجوكم !!


ليرتدّ صدى صرخاته ببن ارجاء المبنى ، بعد ابتعاد الطبيب النفسيّ المجنون مع مساعده الذي لحقه بشاحنته المليئة بالدرّاجات الناريّة (الغير مُستخدمة) عائديّن للمدينة ، بعيداً عن الجثث الستّة مع الشاب الذي يحتضر ببطء وهو عالقٌ في العمارة المهجورة التي لن تنفجر ، لكذب الطبيب بتلغيمها من الأساس !


الطريق المستقيم

كتابة : امل شانوحة    الهداية الإلهيّة - اخيراً وصلت الى ايطاليا ، بلد الحرّيات !! وبعد ترتيب اغراضه في غرفة الفندق ، بدأ الشاب العربي بتخ...