الجمعة، 8 ديسمبر 2023

الشهرة المُتطفّلة

تأليف : امل شانوحة 

 

السرقة الأدبيّة


في تلك الليلة .. تلقّت اميرة اتصالاً من قريبتها التي تسكن اوروبا :

- لك مدة تتفاخرين بأن ميغيل (الكاتب الإسباني الشهير من اصول عربيّة) أعجبته قصّتك

اميرة بفخر : نعم ، هو استاذي في معهد الآداب

- هي اساساً له .. سأرسل لك نسخة عن قصّته الإسبانيّة ..ويمكنك ترجمة سطورها من جوجل ، وستجدين انها نفس احداث قصتك .. (وبنبرةٍ ساخرة) ..يعني كل الذي فعلته ، انكِ غيّرتي العنوان 


وكانت صدمة اميرة كبيرة بعد تأكّدها بسرقة استاذها قصتها ، بعد ترجمتها بلغته !

***


وفي اليوم التالي.. دخلت مكتبه في المعهد ، ووضعت نسخته الإسبانيّة امامه :

- لما نسبت قصتي اليك ؟! 

فسكت ميغيل بامتعاض لاكتشاف امره ! .. فتابعت كلامها بغيظ :

- كنت فخورة ان قصتي اعجبتك ، لكني لم اتصوّر ان تسرقها !

فضرب بيده بقوّة على مكتبه ، غاضباً :

- لن اسمح لك بإهانتي !! انا بدأت الكتابة قبل ولادتك 

اميرة : هذا صحيح ، لكنك توقفت لخمس سنوات بعد الحادثة التي أنهت حياة عائلتك .. وظنّ الجميع ان الإصابة القويّة في رأسك ، أفقدتك موهبتك.. لكن يبدو انك عدت الى بلدة امك ، لسرقة مواهبنا العربيّة !

ميغيل : اذا كنتِ تريدين المال ، فيمكنني اعطائكِ نسبة من الأرباح

اميرة بضيق : وماذا عن اسمي ؟

- ومن تكونين ايتها الكاتبة المُبتدئة ؟!!

- اذاً سأبلّغ عنك 


فتدارك الأستاذ الموقف ، فهو لا يريد الفضيحة : 

- حسناً ، لنهدأ قليلاً

وقدّم لها العصير ، وهو يقترح عملهما سويّاً..

***


لتستيقظ مساءً في قبوّ فلته التي يسكنها وحده ، وهي مقيّدة بالحبال !

اميرة بفزع : ماذا فعلت ؟! .. هل خدّرتني بالعصير ؟!

استاذها : وهل ظننتِ انني سأسمح لك بفضحي آخر عمري ؟!

- يبدو ان جميع قصصك بعد الحادثة ، مسروقة من طلاّبك المميّزين من عدة معاهد عربيّة ! 


فتنهّد بضيق : حاولت كثيراً الكتابة بعد إصابتي البالغة ، لكني افتقدّت للأفكار المناسبة ! وحين قدمت الى هنا .. أغاظني براعة الكتّاب المُبتدئين التي تفوّق موهبتي .. خاصة انت !! فقصصك تُشبه قصصي ايام شبابي ! وقد أعجبتني قصتك الأخيرة ، لدرجة جعلتني أترجمها وأبيعها في المكتبات الأوروبيّة.. فالنّقاد والقرّاء ينتظرونني منذ خمس سنوات ! 

اميرة بعصبية : وهل ظننت بترجمتك قصتي للغةٍ اجنبيّة ، إنني لن اعلم بسرقتك تعبي ومجهودي ؟!!


وهو يحاول كتم غضبه : مازلت اطيل بالي على تجاوزاتك اللفظيّة بحقّ استاذك

اميرة : أيّ استاذ !! انت تسرق مواهب غيرك 

ميغيل بلؤم : أتدرين عزيزتي .. لولا موهبتك الفريدة ، لتخلّصت منك اليوم .. لكني للأسف بحاجة اليك .. لهذا ستبقين هنا ، لكتابة القصص لي .. وهذه المرة سأنشرها بالإسبانيّة والعربيّة ايضاً.. طالما انك خرّيجة آداب ، فلن اخشى الأخطاء الإملائيّة والإعرابيّة ، وبذلك اضاعف ارباحي وشهرتي .. فمعجبيني متعطّشون لرواياتي الجديدة


اميرة بحزم : مُحال ان اساعدك !! فكّ وثاقي ، قبل إتصال اهلي بالشرطة

الأستاذ : آه ! نسيت أن اخبرك .. بعد تقيّدك هنا ، عدّت الى مكتبي .. فقدم والدك للسؤال عنك ، بعد تأخّرك بالعودة لمنزله.. فأخبرته انني رأيتك تذهبين مع زميلك الذي تعشقينه ، بدرّاجته الناريّة

اميرة بصدمة : ماذا ! أتشوّه سمعتي ايضاً.. اللعنة عليك !! انا من عائلةٍ محافظة

- أدركت ذلك بعد غضب والدك الشديد ، وهو يدعو عليك بالموت !

- يا لعين !! فكّ وثاقي حالاً

ميغيل : لن افعل ، فأنت كنز بالنسبة لي.. وطالما والدك هدّد بقتلك إن رآك ثانيةً ، فلا مكان تذهبين اليه.. لهذا وضعت لكِ آلةً كاتبة بزاويّة القبوّ ، لتدوين افكارك اولاً بأول بعد أخذي جوالك 

- آلةٌ كاتبة يا متخلّف !

- بالتأكيد لن اضع حاسوباً ، لتتواصلين فيه مع زملائك وتفضحينني.. الآن سأتركك تنامين بعد تأخر الوقت ، وغداً تبدأين قصتي الجديدة

اميرة : وإن لم افعل ؟

- طعامك ليس مجانيّ ، يا عزيزتي .. وكما تلاحظين الحبل المُقيّدة فيه طويل ، سيسمح لك بدخول حمام القبوّ .. ليلةٌ سعيدة


وأقفل باب القبوّ ..وعاد لغرفته ، وهو يفكّر بالأرباح التي سيحصل عليها من بيع قصصها المتميّزة

***


بعد يومين ، أعطته قصتها الجديدة .. 

فقرأها في مكتب فيّلته .. قبل عودته اليها ، ورميّ الأوراق في وجهها غاضباً :

- هل تظننيني غبيّاً ؟!! ماهذه القصة التافهة ؟!

اميرة : هذا الموجود عندي

فقال مهدّداً : إسمعيني جيداً !! انا اعرف عنوان منزلك ، وعنوان متجر والدك.

ثم اخرج مسدساً من جيبه :

- أتريدين ان يموت والدك بسببك ؟

اميرة بصدمة : هل انت رئيس عصابة ؟! .. ظننتك كاتباً محترماً

- الفقر بعد الغنى مؤلماً للغاية ..وبعد خسارة عائلتي ، سأفعل المستحيل للبقاء مشهوراً.. هيا ألّفي قصة تناسب مقامي الرفيع

***


وبعد ثلاثة ايام .. رمى ايضاً قصتها امامها ، بعصبية :

- هل تكتبين عن اختطافك ، ضمن احداث قصةٍ بوليسيّة ؟!! أتريدين التلميح لزملائك بما يحصل هنا ؟ انت تستخفّين بذكائي.. هيا أعيدي الكتابة .. وهذه المرة اختاري قصةً رومنسيّة ، وإلاّ سأنفّذ تهديدي بشأن عائلتك !!

***


وبنهاية الإسبوع .. نزل القبوّ سعيداً ، بعد قراءته قصتها الجديدة :

- احسنت !! هذه هي نوعيّة القصص التي تعجبني .. وطالما كتبتها بلغةٍ مُتمكّنة.. سأطرحها بالمكتبات العربيّة اولاً ، قبل ترجمتها للإسبانيّة

***


وظلّت أميرة تكتب له ، لمدة عام ! 

وبعد قرابة ٥٠ قصة ، إستطاعت الهرب اخيراً من القبوّ ! بعد عودته سكراناً في إحدى الليالي ، ونسيانه قفل الباب .. وذلك بعد تمكّنها من قطع الحبال السميكة بصعوبة .. 


ولعلمها بعصبية والدها ، لم تعد الى منزلها .. بل الى بيت خالتها التي اخبرتها بكل شيء.. والتي صدّقتها ، لآثار الحبال الواضحة على يديها وقدميها !

الخالة بقلق : وماذا ستفعلين الآن ؟

اميرة بقهر : سأنتقم منه

^^^


وكانت اميرة تركت على طاولة القبوّ ، روايةً رائعة لم تُنهي فصلها الأخير 

مما اغاظ استاذها الذي بحث عنها في كل مكان ، حتى انه زار والدها لسؤال عنها.. ليجيبه الأب مقهوراً :

- لم نرى المغضوبة منذ عام .. اكيد أنجبت ولداً غير شرعيّ من ذلك السافل ..لعنة الله عليها !!

فعرف الأستاذ انها لم تعدّ الى بيتها !


ولأن الرواية أعجبته كثيراً .. عصر مخّه لليالي طويلة ، حتى استطاع انهائها .. ثم باعها في المكتبات..

***


وفي حفل توقيع الرواية ، سأله الناقد :

- بداية القصة رائعة وقويّة لغوياً .. لكن نهايتها لا بأس فيها ، ولغتها ركيكة وفيها اخطاء اعرابيّة ، وكأن شخصاً آخر كتب لك النهاية 

ليظهر صوت من آخر الصالة : 

- بل قلّ شخصاً آخر كتب معظم الرواية !! 


فتوجهّت الأنظار نحو اميرة التي اكملت كلامها :

- جميع القصص التي نشرها السيد ميغيل قبل عام ، وحتى منتصف هذه الرواية .. هي من تأليفي !!

ثم أخبرت الموجودين بما حصل لها ..


ميغيل غاضباً : كاذبة !! هي كاتبةٌ مبتدئة من تلاميذي ، وتريد الشهرة على ظهري

اميرة : أحقاً ؟ أتظنني سآتي الى هنا ، دون التحضير لعقابك العادل .. هيا يا اصدقاء ، إدعموا كلامي


فاقترب منها ثلاثة شباب ، ومعهم نسخاً من قصصه الإسبانيّة

- هذه القصة لي !!

الشاب الثاني : وهذه لي !!

اميرة : هو سرق اجمل قصص تلاميذه من عدّة معاهد عربيّة ، وترجمها للإسبانيّة.. إستطعت معرفة ذلك ، بعد نشري قصصه المترجمة على مواقع الكتّاب المبتدئين العرب .. خاصة القصص التي نشرها بعد حادثة عائلته ، التي أفقدته موهبته.. واستطعت التواصل مع هؤلاء الشباب ، الذين كانوا ضحايا مثلي !

ميغيل بلؤم : لا دليل بأنها قصصكم

الشاب الأول : معي جميع مسودّات قصتي

الشاب الثاني : وهذا الكشكول المكتوب بخطّ يدي ، هو مسودة القصة التي سرقتها

ميغيل بإصرار : هي أدلّةٌ ضعيفة جداً 


فوضع الشاب الثالث على الشاشة الكبيرة في الحفل ، صفحة مدوّنته:

- في هذه المدونة .. تجدون قصتي التي سرقتها استاذي ، بعد شهرين من نشري لها ! كما هو واضح من تاريخ قصتي ، وتاريخ نشر كتابه ..(ثم نظر لميغيل بحنق).. وإن لم تعطنا حقنا الماليّ من بيعك قصصنا ، سنرفع القضيّة للمحكمة !!

الأستاذ بلا مبالاة : إفعلوا ما تشاؤون .. فأنا كاتبٌ مشهور ، وانتم حثالة مٌتطفّلين

***


وبالفعل صدّق القاضي أدلّة الكتّاب المبتدئين ، وأمر ميغيل بدفع التعويضات الماليّة لهم او السجن.. فاضّطر ميغيل لدفع جزءاً من ارباحهم .. ثم الهرب الى خارج البلد قبل دفعه بقيّة مستحقاتهم ، وقبل محاكمته بتهمة الخطف بعد ان وجدت الشرطة بصمات اميرة في قبوّ فلّته التي وصفته جيداً ! 

***


لاحقاً ، إعتذر والد اميرة عن شكّه بإبنته الموهوبة التي أصبحت مشهورة اعلاميّاً بعد فضحها الكاتب اللصّ الذي انتقل للهند بعد تعلّم لغتهم .. وبدأ بتدريس كتّابهم المبتدئين على امل سرقتها لاحقاً ، وترجمتها للغاتٍ اجنبيّة بإسمٍ مستعار (بعد تشكّيك الناقدون بموهبته من الأساس) مُتوجّهاً هذه المرة للسينما العالميّة ، بعد سرقته لأهم المواهب الشابة من البلدان الناميّة الفقيرة!


هناك 9 تعليقات:



  1. اخبريني هل وجدتي اشخاص يوتيوبر او مدونات تسرق قصصك ..

    ردحذف
    الردود
    1. احدهم سرق اول قصة كتبتها بحياتي بعنوان (الحافلة المظلمة) ونشرتها بكابوس
      ..وقام بوضعها في قناته على اليوتيوب ، بعد تغيّر اسمها الى (رحلة الاإنتقام) وهذا رابطها :
      https://www.youtube.com/watch?v=Bm6ZwKuO3PY

      لا ادري ان قام شخصٌ آخر بسرقة قصة من قصصي ، بعد تغيّر العنوان ايضاً
      ..المشكلة بالبلاد العربية انه لا عقاب على السرقات الأدبيّة ، مع الأسف !

      حذف
  2. لابأس دعي الناس تسترزق من السرقات الادبيه ..

    ردحذف

  3. ✍️ ساهر
    ياأهلاً وسهلاً أخت أمل،

    سرقة المحتوىٰ هو سرقة هو سرقة أو إغتصاب مجهود الغير،
    مثل الشخص الذي يذهب يومياً إلى عمله لأجل قوت يومه أو راتبه الشهري فيأتي آخر فيسرق مجهود وتعب غيره؟
    وهنا أُحب أن أذكر نفسي والجميع بأن رسولنا عليه الصلاة والسلام لم يكن فقيراً ولكنه كان يعيش حياة الفقراء،
    يأكل معهم يسأل عنهم يمازحهم يجالسهم حتى لا تتمكن الدنيا من قلبه،
    كان يزهد في النظر إلى الدنيا بعين الزوال،

    لهذا نجد في زماننا من اعتاد على حياة المال أو الرفاهية والبدخ فما أن أُصيب في ماله تضعف نفسه فيتجه إلى المال الحرام سرقة أو ربا أو عمل غير مشروع مثل الخمر والمخدرات أو حتى الغش في بيع السلع الغذائية!!!
    وحديث هذه الرسالة «كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»
    {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾

    لهذا أحياناً يحرم الله العبد الرزق هي لحكمة يعلمها سبحانه لأنه علم مافي نفسه هذا الشخص حتى لايطغى،
    ۞ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ۞

    شكراً لكِ أمل، قصة رائعة ومفيدة،،
    أنا فخور بقراءة هذه القصة،
     ساهر،،،

    ردحذف
  4. كيف يجرأون
    فعلاً لا عقاب لذلك سرقوا قصصك

    محمد بيومي آل غلاب

    ردحذف
  5. تبا .. عليكي بدعوة اولءك الاوغاد الى حفل راس السنه ثم تطبخين لهم طبق المعكرونه بالصلصه والبوفتيك بالسم الهاري .. هههه
    كما فعلت ليلى علوي في غرام الافاعي ...😈

    ردحذف
    الردود
    1. ما أغاظني انه سرق قصتي الأولى ، وهي عزيزة عليّ .. لكن لا بأس ، فبسببه فتحت المدونة.. ربّ ضارةٍ نافعة !

      حذف
    2. من المؤسف أن يتم سرقة قصه من مدونتك .. حسب ما اذكره وكأني قرأت في مدونتك نفس هذه القصه .. لكن نسيت اسمها ! أيضاً تم خطف فتاةٌ من نفس الشخص الذي علمها الكتابه .. على كلٍ سلمت يداك ..

      حذف

الوجبة المُفضّلة

تأليف : امل شانوحة  المهمّة الصعبة في ثمانينات القرن الماضي .. وبعد اندلاع حربٍ شعواء بين طائفتيّن من نفس البلدة التي انقسمت لطرفيّن ، توقفت...