السبت، 30 يوليو 2022

ثمن الشهرة

كتابة : امل شانوحة 

 

وسائل التواصل الإجتماعي


إشتهرت جاكلين (العشرينيّة) في الإنترنت ، بمقاطعها المضحكة وخفّة ظلّها اثناء تصويرها أشهر المطاعم والمحلاّت التجاريّة .. 


وخلال سنتين ، تابعها الملايين .. ممّا أكسبها مبالغاً ضخمة من قنواتها المتعدّدة على وسائل التواصل الإجتماعي ! 


وفي يوم أعلنت ببثٍّ مباشر : عن انتقالها للعيش وحدها في فيلا ساحليّة ، رغم اعتراض اهلها .. 

***


بعد شهور من انتقالها منزلها ، لاحظ المتابعون تشابه فيديوهاتها ! فجميعها مُصوّرة داخل غرفةٍ بإضاءةٍ منخفضة .. 

ورغم محاولتها الجاهدة على جعل فيديوهاتها ظريفة ، إلاّ أن ارتباكها كان واضحاً .. كما عينيها الدامعتين ورجفة صوتها ويديها! 


حتى إن البعض لاحظ ورماً على رقبتها ، وأظافرها المنكسرة ! 

وارسلوا تعليقاتٍ لها : يستفسرون عن سبب هبوط مستوى فيديوهاتها ، وعدم تصويرها المزيد من المطاعم والأماكن السياحيّة؟! 

كما سأل بعضهم : عن عدم تغيّر ملابسها ، كما فعلت سابقاً ؟!


فحاولت تجاهل تعليقاتهم بضحكاتٍ مُصطنعة ، وهي تتلفّت من وقتٍ لآخر الى جهةٍ معينة من الكاميرا ! 

***


وفي أحد الأيام ، إشتعل التيك توك بعد تعليق والدها على إحدى فيديوهاتها: 

((جاكلين ..هل انت بخير يا ابنتي ؟ لما لا تردّين على اتصالاتنا ؟ رجاءً أعطني عنوان منزلك الجديد لنزورك ، فنحن قلقين عليك !))


لكنها لم تردّ عليه ! رغم آلاف اللّايكات على سؤال والدها ، وهم يترجّونها بإجابته كيّ يطمأنوا عليها .. 

***


وبعد إلحاح المتابعين بتصوير بثٍ مباشر (بدل فيديوهاتها المصوّرة مُسبقاً)  

 

وافقت في ساعةٍ متأخرة على طلبهم ! حيث تكلّمت معهم بشكلٍ خالي من المشاعر ، مُتجاهلةً الكثير من اسئلتهم .. 

حتى عندما طالبوا بتصوير المنظر الساحليّ من نافذة غرفتها ؟ 

رفضت ، بحجّة انهم لن يروا شيئاً في الظلام !  

###


بعد ساعة من البثّ ، واثناء تصويرها المباشر : تنفّست الصعداء عقب ظهور صوت إنغلاق الباب ! كأنها ارتاحت لخروجٍ شخصٍ من غرفتها ..

وصارت تكرّر إشارةٍ مُبهمة بيدها ، دون فهم المتابعين ما تعنيه ! 

من بعدها انقطع البثّ ! 

***


على مدى اسبوعين ، لم تنشر المزيد من فيديوهاتها المصوّرة !

الى أن ظهر فيديو لفتاةٍ أخرى تُعيد مشهد حركة يد جاكلين ، وهي تقول بهلع :

- جاكلين ، هذه انا !! ديانا ، صديقتك في الثانوية .. انا من اخترعت تلك الإشارة ، للغشّ بالإمتحان .. وهي تعني :((ساعديني)).. فرجاءً إظهري عزيزتي وطمأنيني عنك .. هل انت رهينة ؟! 

***


إنتشر فيديو صديقة جاكلين على شكلٍ واسع في التيك توك ووسائل التواصل الأخرى .. ووصل صداه لوالدايّ جاكلين الذين طالبوا الشرطة التحقيق بالموضوع ، لعدم ردّ جاكلين على اتصالاتهم منذ شهور ! كما لم تحضر عيد ميلاد شقيقتها الوحيدة ، وهذا ليس من طباعها

***


لاحقاً ، قامت الشرطة بمراجعة فيديوهات جاكلين الأخيرة .. 

ليلاحظ المحقّق نظرتها الجانبيّة الخائفة ، كأن احدهم يلقّنها الكلام والأفعال! 


وبالبحث بالسجلاّت العقاريّة ، وجدوا عنوان جاكلين الجديد التي رفضت إخبار عائلتها واقاربها به ، خوفاً من حسدهم على فخامته! 

***


في تلك الليلة ، أُرسلت دوّريتان الى منزلها .. وعندما لم تفتح على رّنة الجرس المتكرّرة ، والطرقات العنيفة على الباب ! قاموا بخلعه .. لكنهم لم يجدوها بالداخل .. 


فبدأوا البحث عن الأدلّة : 

ليجدوا إن فيديوهاتها لآخر شهرين ، صُوّرت جميعاً في قبو الفيلا! 

حيث وجدوا هناك : فرشة مُمدّدة على الأرض المُتربة ، وبعض الملابس المُعلّقة على حبل ، وأصفاد حديديّة ! ممّا يؤكّد شكوك المحقّق أن دخيلاً احتجزها هناك .. فمن غير المعقول تفضيل تصويرها في قبوٍ بإنارةٍ باهتة على بقيّة غرفها الفخمة ! 


وبعد البحث الدقيق بأرجاء القبو الكبير .. وجدوا لافتة مرميّة بالزاوية ، مكتوباً عليها :

((ابتسمي ايتها السافلة !! لا تفضحينا))


وهذا دليلٌ واضح على تلقينها ما تقوله بالبثّ المباشر ! 

خاصة بعد ظهور إحمرار حول يديها بآخر فيديو لها ، كأنها قُيّدت بالأصفاد عند نومها 


وأثارت عبارة (لا تفضحينا) اهتمام المحقّق ، لأنها تعني أمرين :

* إمّا أن الدخيل هو صديقٌ لها ، فلا اثر لاقتحام منزلها.. 

* ام انهما اتفقا معاً لإثارة الرعب بحركاتها الغامضة ، لزيادة عدد المتابعين .. فهي تكسب ثروة من فيديوهاتها ، ربما لهذا السبب لم يمنعها من متابعة التصوير !  

***


أثار كلام المحقّق بالأخبار غضب المتابعين ، بعد علمهم باختطاف مشهورتهم المحبوبة ! وهرب المجرم الذي نقلها لمكانٍ مجهول ، عقب قراءته تعليقاتهم السابقة عن فتح تحقيقٍ بشأنها !

ويبدو انه خدعها بطريقةٍ ما لإدخاله منزلها ، بعد علمه بسكنها وحدها في منطقةٍ هادئة ! 

***


إستمرّ البحث عن جاكلين لعدة شهور ، بعد توقف فيديوهاتها المصوّرة تماماً ! 


لكن لا احد منهم علم بأمر المراهنات السرّية بالإنترنت المظلم ، والمبالغ الضخمة التي راهنوا بها ، ثمناً للفاتنة الغبية التي انعزلت عن اهلها ومجتمعها ، لتصبح فريسةً سهلة للطامعين المنحرفين الذين ينوّون استغلالها كرقيق بين الطبقة المخمليّة ، الى أن يقرّروا التخلّص منها نهائياً!  


الجمعة، 29 يوليو 2022

الأم البديلة

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة


التربية المُختلفة 

تعوّد الصبيّ لؤيّ على إرساله لغرفة المديرة من وقتٍ لآخر ، رغم تفوّقه الدراسيّ بسبب مشاغباته الكثيرة في الفصل ، فهو معروف بروحه الفكاهيّة وشعبيّته بين الطلاّب ..

لكن هذه المرة قرّرت المديرة معرفة السبب وراء عدم إلتزامه بالقوانين ، بدل عقابه السريع وإعادته للفصل..

فتنهّد لؤيّ بحزن ، قائلاً :
- والدايّ يعملان في مصنع الورق ، ويعودان عصراً للمنزل.. فأقضي معظم وقتي مع جدتي العاجزة.. وأحياناً اضطّر للطبخ لعائلتي ، بالإضافة لواجباتي المدرسيّة .. لذلك لا أجد وقتاً للعب بعد عودة والدايّ متعبان من عملهما ، والّلذين يكسبان أجراً بسيطاً لا يكفي لشراء حاسوبٍ ينفعني بدراستي وتسليّتي .. لهذا أشعر بالملّل طوال الوقت .. ولم يبقى امامي سوى المدرسة لألعب مع اصدقائي ..وفرصة الطعام لا تكفيني ، فأُكمل مُحادثاتي معهم اثناء الحصّة .. وصدّقيني لا أقصد المشاغبة ، ويهمّني النجاح كيّ لا أخيّب أمل اهلي اللّذين يرهقان انفسهما لتعليمي .. كل ما هنالك انني أشعر بالملّل من ساعات الدراسة الطويلة !

فسكتتّ المديرة قليلاً ، قبل أن تقول : 
-إخبرني يا لؤيّ ، ما حلمك حينما تكبر ؟
فردّ بحماس : ان أجوب العالم !! أكتشف الغابات والصحاري وأتسلّق الجبال ، وأقفز بالمظّلّة ..وأتناول أشهر المأكولات في الدول التي سأزورها 
- يبدو لديك روح المغامر !
- هل بإمكاني تحقيق ذلك ام هو مجرّد حلمٌ سخيف ، كما قال ابي ؟!
المديرة : يمكنك فعل ما تشاء ، فأنت من تحدّد مستقبلك
###

واستمرّ النقاش بينهما بضعة دقائق ، قبل أن تقول المديرة : 
- أتدري يا لؤيّ .. لن أعاقبك ، في حال وافقت على اقتراحي
باهتمام : ماهو ؟
المديرة : أن تلعب مع ابني
- لم افهم !
- هو يتيم الأب ، ولديه مرض العضال 
- ماذا يعني ؟!
- أيّ مرضه لا علاج له 
لؤيّ بقلق : وهل سيموت ؟!

فأخفضت رأسها بحزن : إن بقي يائساً هكذا ، ربما لن اراه شاباً 
- هل هو بمثل عمري ؟
- يكبرك بسنة 
لؤيّ : يدرس بأيّ مدرسة ؟
- يتعلّم في المنزل ، لاستخدامه الكرسي المتحرّك .. وقد حاولت كثيراً إخراجه بنزهاتٍ رائعة ، لكنه يرفض دائماً.. ويبقى طوال الوقت سارحاً في غرفته ، او يلعب بحاسوبه .. ولأني مُعجبة بروحك المرحة وطاقتك الإيجابيّة ، اريدك أن تخرجه من اكتئابه .. فهل يمكنك فعل ذلك ؟

لؤيّ بتردّد : إن وافق أهلي 
المديرة : سأحدّثهم اليوم 
- هل ستزوريننا ؟
- سأفعل ، عنوان منزلك موجود في ملفّك الدراسيّ 
لؤي بإحراج : لكن بيتنا في حيٍّ شعبيّ
- لا تهمّني تلك الأمور ، كل ما اريده هو صديقٌ مرح لإبني 
***

في البداية رفضت أم لؤيّ بقاء ابنها طوال النهار في بيت المديرة ، خوفاً من إهمال دراسته .. لكن المديرة أقنعت الوالدين بأنها ستتغاضى تماماً عن مشاغباته في المدرسة .. وستحرص على تناوله طعاماً جيداً .. ووعدتهما أن لا يلعب مع ابنها ، إلاّ بعد إنهاء واجباته المدرسيّة .. كما ستعيده بنفسها الى منزله كل يوم ، قبل غروب الشمس .. 
فوافقا على طلبها ، لإشفاقهما على مرض ابنها الوحيد المستعصيّ 
*** 

لم يكن صعباً على لؤيّ (الولد الإجتماعيّ) أن يفتح مواضيعاً جديدة مع أحمد (ابن المديرة) الذي غضب في بادىء الأمر من امه لإحضارها ولداً لا يعرفه الى غرفته .. لكن سرعان ما اندمجا معاً بالحديث عن برامج الكمبيوتر ، فحماس لؤيّ شجّعه على منافسته بالألعاب الإلكترونيّة.. 
###

بعد انتهاء المباراة الحماسيّة بينهما ، قال لؤيّ وهو ينظر للألعاب الكثيرة الموجودة في غرفة الصبي المُقعد :
- انت محظوظ يا احمد ، فوالدايّ بالكاد يدفعان إيجار البيت والمدرسة .. ولا املك سوى كرةٍ قديمة ، وسيارة صغيرة حصلت عليها في طفولتي !
احمد بحزن : بل انت المحظوظ ، تمشي على قدميك وتحلم بمستقبلك .. بينما انا سأموت قريباً
- من قال ذلك ؟!
- سمعت الطبيب يُخبر امي أن مرضي لا علاج له ، وأن حياتي قصيرة ! 
لؤيّ : أهذا سبب إكتئابك ؟
- الا يكفي ذلك لأحزن ! .. ثم امي لا تعرف أنني سمعت حديثهما ، فرجاءً لا تخبرها 

فسكت لؤيّ قليلاً ، قبل أن يقول : 
- ماذا لوّ كان كلام الطبيب صحيحاً ، فلما لا تستمتع بالمتبقي من عمرك ؟
احمد باهتمام : كيف !
- تخرج من المنزل
- لا احب شفقة الناس على إعاقتي
لؤيّ : ولما تهتم لهم ! دعنا نذهب للحديقة القريبة من منزلك ، ونلعب كما نشاء
- وكيف وانا بالكرسي المتحرّك ؟
لؤيّ بحماس : سأجد حلاّ .. هيا بنا
وجرّ كرسيه نحو باب الغرفة..

احمد بحزم : توقف يا لؤيّ !! لا اريد الخروج من المنزل بغياب امي ..
- هي ستُحضر البيتزا من المحل الإيطالي .. وكنت مرّرت بجانبه قبل وصولي الى بيتك .. يعني تحتاج على الأقل ساعة لتعود الينا .. نكون لعبنا فيها ، وعدنا قبل قدومها .. هيا بنا !! 
***

وبالفعل أخذه للحديقة ، وطلب من الحارس مساعدتهما .. فوافق الرجل على حمل احمد ، ووضعه على مقعد الأرجوحة .. 
وبعد قليل ، وضعه على الزحليقة .. ثم الكرسي الدوّار .. مما أفرح أحمد كثيراً .. 
###

لم تمضي ساعة .. حتى رأى لؤيّ المديرة تركض نحوه بهلع ، وهي تعاتبه على إخراج ابنها دون اذنها .. 
فردّ مبتسماً :  
- أنظري اليه ، هو يضحك بسعادة

فانتبهت على ابنها وهو يرمي الكرة للأطفال الذين تجمّعوا حوله .. فتبدّد غضبها واغرورقت عيناها بالدموع ، ومسحت رأس لؤيّ إمتناناً .. 
ثم جلست على كرسي الحديقة بانتظار انتهاء لعبهما .. 
***

في طريق عودتهما الى منزلها ، قالت لهما : 
- من الجيد إن جارتي رأتكما تتوجّهان للحديقة ، وإلاّ مُتّ رعباً لعدم وجودكما في المنزل .. رجاءً لؤيّ لا تخرج ابني دون علمي 
لؤيّ : كما تشائين 
*** 

بعد تناولهما الغداء .. أعادت لؤيّ الى بيته ، والذي أخبر والديه بسعادته بتمضية الوقت مع صديقه الجديد .. كما أخبرهم بوعد المديرة بأخذهما للملاهي بعطلة الإسبوع 

فلم يعترضا على زيارة احمد كل يوم ، طالما امه تُشرف على واجباته اولاً بأول 
***  

ومضت الأيام بنزهات لؤيّ مع المديرة وابنها الذي سرح معظم الوقت في صمتٍ مُقلق !
 
ورغم تحسّن علامات لؤيّ بالمدرسة بسبب مكافئات المديرة التشجيعيّة ، إلاّ أن احمد ساءت نفسيّته بعد عودته للإنزواء والإنطوائيّة ! 

فقرّر لؤيّ تعريفه على جدته التي أسعدها هدوء احمد وسماعه كلمتها ، بعكس حفيدها المشاغب !
###

وفي الوقت الذي تنزّه فيه لؤيّ لوحده مع المديرة (التي حلمت دائماً بنشاطات ترفيهيّة مع ابنها) 
أمضى احمد وقته بسماع قصص العجوز المثيرة لخياله الواسع ، كما مساعدتها بالطبخ ! 

اما والدا لؤيّ ، فانشغلا بعملهما معظم الوقت !
***

قبل نهاية السنة الدراسيّة .. ساءت حالة احمد الصحيّة ، ممّا استدعى نقله للمستشفى .. بينما عاد لؤيّ لحياته الروتينيّة ، والذي أصرّ على زيارة صديقه المريض من وقتٍ لآخر ، ليواسي المديرة التي بكت بصمتٍ وقهر على تدهوّر صحّة ابنها الوحيد !
***

في ذلك النهار الكئيب .. أمسك لؤيّ يد المديرة اثناء تقبّلها التعازي بوفاة ابنها ، وهو يمسح دموعه : 
- لا تبكي ارجوك .. هو الآن في مكانٍ أفضل ، ففي الجنة لن يحتاج الى كرسيه المتحرّك .. سيلعب ويقفز كالأطفال ، كما تمنّى دائماً

فانهارت باكية وهي تحتضنه امام اقاربها الذين لم يفهموا سرّ تعلّقها بتلميذها الذي وجدّت فيه رابطاً قوياً لم تجده مع احدٍ من قبل !
***

بعد شهور ، وفي حفلة تخرّج لؤيّ من مدرسته الإبتدائية .. أخذته المديرة الى مكتبها ، لتسأله :
- اين سيسجّلوك اهلك العام القادم ؟
فأخبرها بإسم المدرسة الحكوميّة المتوسطة..

المديرة بضيق : لكنها بعيدة جداً عن منطقتي !
- هي قريبة من منزل عمي الذي وافق على رعايتي ، بعد تدهوّر صحّة جدتي التي حزنت كثيراً على وفاة ابنك ، بعد تعلّقها به !
- ولما لم يختاروني انا ؟! يمكنني الإهتمام بك ، وهناك مدرسة جيدة قرب بيتي !
لؤيّ : تلك مدرسة خاصة ، وأقساطها غالية على اهلي 
- إترك الموضوع لي 
***

لاحقاً ..إقترحت المديرة على والدايّ لؤيّ التكفّل بأقساطه ، بشرط بقائه في منزلها ، وزيارته لهما في العطل الإسبوعية ! 
فوافقا مُرغمين ، لانشغالهما برعاية الجدة المريضة
***

في منتصف العام الدراسيّ .. تفاجأ الإهل برسالةٍ من المديرة تخبرهم باستقالتها وسفرها مع لؤيّ لأوروبا :
((سأهتم به جيداً ، وسأعيده لكم بعد تخرّجه الجامعيّ .. وفي المقابل سأدفع لكم راتباً شهرياً .. فأنا ورثت املاك زوجي بالخارج ، ولديّ ما يكفي للإعتناء بإبنكم .. تعازيّ الحارّة لوفاة الجدّة الحنون))

ورغم حزن أم لؤيّ بسفره المفاجىء ، إلاّ أن زوجها أقنعها بتقبّل الأمر .. فمن الصعب الإهتمام بولدٍ مشاغب مع حملها بمولودٍ جديد .. كما انهم بحاجة للراتب الشهريّ من المديرة..
###

اما لؤيّ فكان سعيداً بأمه البديلة التي تشاركه روح المغامرة ، حيث قضيا عطلتهما باستكشاف العالم وزيارة المتاحف والأماكن الأثريّة
***

بعد سنوات ، واثناء تواجدهما في طيارةٍ صغيرة .. قال لها بحماس:
- هذه احلى هدية عيد ميلاد ، يا امي !!
المديرة : هذه مكافأتك عن تفوّقك بشهادة الثانويّة 
- لكني قلق على مجازفتك بهذا العمر !
- لست عجوزاً يا ولد !!
لؤيّ مُحرجاً : لم اقصد !

المديرة : أتدري يا لؤيّ انك تذكّرني بطفولتي .. كنت مثلك اريد تجربة كل شيءٍ مثيرٍ وخطير في العالم .. لكني تزوجت من رجلٍ تقليديّ لا يهمّه سوى عمله.. والذي توفيّ اثناء حملي بأحمد ، فوضعت عليه كل آمالي .. لكنه للأسف وُلد مريضاً ، فعوّضني الله بك
لؤيّ : وعوّضني الله بكِ .. فأهلي لم يفهموني مُطلقاً ، وكلّ همّهم أن أبقى هادئاً في المنزل ! وهذا يُخالف شخصيّتي الثائرة .. أظن الأمر يتعلّق بالأبراج
- صحيح ، فوالداك من الأبراج الترابيّة والمائيّة المُحبّان للهدوء والروتين .. بينما انا هوائيّة مُتحرّرة 
لؤيّ : وانا ناريّ مُتهوّر 
المديرة بحماس : لن تكون مُتهوّراً اكثر مني .. هيا !! حان دورنا  

وقفزا معاً من الطائرة ضمن فريق المظلّيين ، بعد أن عقدا العزم على تجربة كل المغامرات الخطيرة والمثيرة دون تردّدٍ او خوف !

الثلاثاء، 26 يوليو 2022

الروح العاشقة

فكرة : حسين الهاشمي
كتابة : امل شانوحة 

 

لغز اللقاء !


إستلقى ماركوس (بطل سباق الدرّاجات) على سرير المستشفى ، موصولاً بالأجهزة والمحاليل الطبّية بعد تعرّضه لدهسٍ بسيارةٍ مجهولة ! حيث وجده مدرّبه صباحاً ، غارقاً بدمائه في الغابة القريبة من منزله 


ورغم حزن اصدقائه واقاربه على قدمه المُجبّرة وأضلعه المُحطّمة ، الا إن ماركوس كان سعيداً بتعرّفه على ممرضةٍ حسناء ، مسؤولة عن مراقبة حالته الصحيّة ، والتي اعتنت به جيداً

 

وبالأحاديث المطوّلة بينهما ، شعر ماركوس بتواصلٍ روحيّ قويّ يجمعه بها ، كأنه يعرفها من قبل ! فهما متشابهان بالصفات والأفكار ، حتى احلامهما المستقبليّة !

 

ورغم غضب مدرّبه من الشرطة لعدم إيجادهم السائق الذي صدم لاعبه المفضّل وهرب ، والذي بسببه انسحب من المسابقة الدوليّة التي تحضّر لها منذ بداية السنة .. إلاّ أن ماركوس لم يرغب بالشفاء العاجل ، رغبةً في البقاء مدةً اطول مع ممرّضته الفاتنة !

***


وبمرور اسبوعين ، عرف عنها الكثير من المعلومات : فهي طلبت الطلاق من زوجها لإدمانه المخدرات الذي أخسره ملكيّة متجر الخرداوات .. ورغم محاولتها إدخاله مصحّة علاج الإدمان ، الى أنه فضّل التشردّ بالشوارع على البقاء هناك ! 


فنصحها ماركوس بتركه وشأنه ، خوفاً أن يؤذيها او يعتدي عليها .. فأخبرته إنها تبحث عنه في كل مكان لأجل ابنها الذي يسأل عنه دائماً 


فشعر ماركوس بالضيق كلّما حدّثته عن طليقها ، وبدورها أُغرمت بغيرته وخوفه عليها ! 

***


قبل تسريحه من المستشفى ، وعدها بالزواج فور انتهاء مباراته الوطنيّة القادمة (رغم حزنه على البطولة العالميّة التي فاتته اثناء علاجه) 


فوعدته بالإنتظار ، مُعربةً عن رغبتها تعريفه بإبنها الصغير 

***


في الصباح التالي .. إستيقظ ماركوس ، ليجد مدرّبه نائماً بجانب سريره .. فسأله بتعب : 

- هل أنهيت اوراق خروجي من المستشفى ؟


وما أن قال ذلك ! حتى هجم المدرّب نحوه ، وهو يحضنه باكياً 

ماركوس بصدمة : ماذا حصل ؟!

- اخيراً استيقظت من غيبوبتك يا بطل

- غيبوبة !

المدرّب : نعم ، كنت قلقاً إن تدخل في غيبوبةٍ طويلة الأمد 

- لكني كنت واعياً طوال فترة إعتناء جاكلين بي

- من جاكلين ؟!

ماركوس : الممرّضة المسؤولة عن مراقبة صحّتي 

- بل كان ممرّضاً ذكراً إعتنى بك الأسابيع الماضية !  

- لا وقت للمزاح ، رجاءً نادها لأودّعها قبل خروجي من هنا


وأصرّ على مقابلتها .. فأحضر المدرّب رئيسة الممرضات ، وسألها امامه:

- هل يوجد لديكم ممرّضة إسمها جاكلين ؟

الرئيسة : لا ابداً 

المدرّب : إخبريه بنفسك ، فهو لا يصدّقني !

 

فوصف ماركوس الممرّضة بإدقّ تفاصيلها .. 

لكن المسؤولة أصرّت على عدم وجودها ! مُرجحةً توهّمه ، لكونه في غيبوبة منذ وصوله لغرفة الطوارىء 


وبصعوبةٍ شديدة تقبّل ماركوس أن حبيبته جاكلين مجرّد حلمٍ جميل ! خاصة بعد قدوم المحقّق الذي سأله عن السيارة المجهولة التي صدمته ليلاً بالغابة ؟ 

ماركوس : لا اذكر شيئاً ! 

المحقّق : ما آخر شيء فعلته قبل فقدانك الوعيّ ؟

- كنت أتدرّب في الغابة للمسابقة القادمة .. وحينها لمحت نوراً من بعيد يتوجّه نحوي بسرعة .. ثم شعرت بعظامي تتكسّر .. ولا ادري ما حصل بعدها !


المحقّق : ما نعرفه إنك تعرّضت لدهسٍ بسيارة ، وكنّا ننتظر إستيقاظك لتخبرنا عن السائق المتهوّر..

ماركوس : ربما كان مخموراً ، ولم يرني في الظلام .. وهرب خوفاً من السجن  

- ربما الأمر كذلك ، الحمد الله على سلامتك .. حاول أن لا تذهب وحدك الى أماكنٍ مجهولة

- حاضر سيدي

***


مرّت الأسابيع .. وعاد ماركوس لحياته الرياضيّة بالتدرّب كل يوم للمسابقة الدوليّة القادمة ، لكنه لم ينسى يوماً الممرّضة جاكلين .. وتساءل إن كانت موجودة بالفعل ، ام إن عقله اخترع شخصيّةً وهميّة ؟! 

***


في إحدى الليالي .. شاهد ماركوس مناماً لجاكلين وهي تهرب خائفة في الغابة ، كأن احداً يلاحقها ! وتناديه برعب :

- ماركوس !! ارجوك ساعدني


فاستيقظ مرتعباً ! 

ولم يجد نفسه إلاّ وهو يرتدي ملابسه ، ويُسرع بدرّاجته باتجاه الغابة !

***  


حين وصل هناك ، مشى في نفس الطريق الذي عبره يوم الحادثة .. مُتذكّراً أنه وقف امام شجرةٍ ضخمة مكسورة الأغصان ، كأن سيارة اصطدمت بها سابقاً !  


ورغم إنارة درّاجته الخافتة في الظلام الدامس ، إلاّ انه تمكّن من العثور على الشجرة في طريقٍ فرعيّ للغابة ، وهو قرب المكان الذي صُدم به لوجود آثار دماءٍ داكنة على الأرض ! 

والأغرب عثوره على شريطٍ أصفر حول الشجرة الخاص بالتحقيق الجنائيّ للشرطة ، كأنه موقع جريمة سابقة ! 

***


عاد ماركوس الى منزله ، وبدأ البحث بالإنترنت عن جرائم منطقته التي انتقل اليها حديثاً .. ليجد جريمة حصلت في بداية السنة ، بعد عثور الشرطة على امرأة مُهشّمة الرأس داخل سيارتها .. 

وأثبت التقرير الشرعيّ إن موتها لم يكن بسبب اصطدامها بالشجرة الضخمة ، بل بضربها مراراً بالعصا على رأسها حتى الموت ! 


وحين رأى صورة القتيلة بالجريدة الرسميّة ، كاد يقع عن كرسيه ! فهي نفسها جاكلين ، الممرّضة الفاتنة التي شاهدها بإحلام غيبوبته 

- كيف يعقل هذا ! لما رأيت امرأة مقتولة في منامي ؟ وما علاقتي بها؟


وأصرّ على معرفة الحقيقة ، دون إخبار أحدٍ بذلك ..

***


في الأيام التالية .. سأل اهل القتيلة وأصدقائها عن رأيهم بمقتلها وشكوكهم حول القاتل ، بما أن القضية أُغلقت ضدّ مجهول !


فأخبرته صديقتها المقرّبة بشكوكها حول طليق جاكلين المُشرّد الذي ربما أخبرها بمكانه .. فذهبت اليه لاقناعه بالعلاج ..

ماركوس : ما السيناريو الذي تخيّلته عقب معرفتك بمقتلها ؟ 

- إظنه تحرّش بها .. وحين رفضته ، ضربها بالعصا حتى الموت..ثم وضعها بسيارتها وهرب 

- ولما تظنين ذلك ؟!

صديقتها بقهر : لأن الشرطة لم تجد الكثير من دمائها داخل السيارة ، رغم تهشّم كامل رأسها ! وأظنه قتلها في الغابة .. قبل صدم سيارتها بالشجرة ، ليبدو موتها كحادث سير

***


عاد ماركوس الى منزله وهو يفكّر بكلام صديقتها ، المُطابق مع منامه (هروب جاكلين الخائفة في الغابة) ..  


وبالعودة الى صور الجريمة في الإنترنت ، رأى سيارة القتيلة .. وخلال ثواني عادت اليه الذاكرة : فهي نفس السيارة البيضاء التي صدمته !

***


في اليوم التالي .. ذهب الى ارشيف الشرطة للسؤال عن مصير سيارة القتيلة ؟ 

فأخبروه إن اهلها باعوها بالكراج الوحيد بالمنطقة 

***


لاحقاً توجّه للكراج ، لمعرفة من سجلّاتهم القديمة : بأنها بيعت لرجلٍ أصرّ على شرائها ، رغم إخباره بأن جريمة حصلت فيها ! بحجّة انها رخيصة 


وظلّ ماركوس يبحث مع الموظف في حاسوب الكراج ، الى أن علم بأن الشاري هو نفسه طليق جاكلين (التي عملت ممرّضة بدار العجزة)

*** 


تابع ماركوس البحث عن طليقها ، حتى وجده يعمل نادلاً في مطعمٍ رخيص .. حيث بدى من مظهره ، إنه تعافى من إدمانه ! 

***


وفي ذلك المساء .. واثناء معاينة ماركوس سيارة النادل في موقف المطعم ، تفاجأ به يسأله من الخلف :

- لما تقف امام سيارتي ؟!!

ماركوس بلؤم : انت لم تغسلها جيداً

النادل بقلق : ماذا تقصد ؟! 

- هذه البقعة على مقدّمة سيارتك ، تبدو كدماءٍ بشريّة


فارتبك النادل الذي سارع بركوب سيارته ، وهو يصرخ غاضباً :

- إبتعد عني يا رجل !!

ليُفاجأ بماركوس يُدخل رأسه من النافذة المقابلة ، وهو يسأله : 

- الم تعرفني ؟ أنظر لوجهي جيداً .. انا راكب الدرّاجة الذي دهسته في الغابة .. ولن اتركك قبل إخباري السبب 

النادل بخوف : انا لا اعرفك ، أُغرب عن وجهي !!

وأسرع بقيادة سيارته ، مُبتعداً عن المطعم


بينما ركب ماركوس درّاجته لإبلاغ الشرطة عن السائق الذي دهسه ، والذي يشكّ بقتل زوجته جاكلين .. 

***


قبل وصول ماركوس للمركز ، توقف عند إشارة مرورٍ فرعيّة .. لم تتواجد امامها سوى درّاجته ، وسيارة قادمة من الخلف ! 

وقبل إنارة الضوء الأخضر .. شعر ماركوس بشيءٍ قاسي يضرب رأسه ، أفقده الوعيّ ! 

***


إستيقظ ماركوس في الغابة المظلمة ، بجانب النادل الذي يوجّه مسدسه نحوه ، وبيده الأخرى يحمل عصا بيسبول ! 

قائلاً بغيظ :

- أتظنّي سأتركك تُبلغ الشرطة عني ؟

ماركوس وهو يمسك رأسه بألم : اذاً انت الفاعل .. انت قاتل جاكلين!! 

- ومن اين تعرّفت على زوجتي ؟

- السؤال الأهم : كيف لم تشكّ الشرطة بطليقها المدمن ؟!

الرجل : لأني كنت وقتها في مصحّة الإدمان ، بعد أن رشوت الموظف لإبلاغ الشرطة : أني التحقت بهم قبل اسبوع

- ومن اين حصلت على المال ايها المتشرّد ؟!

- سرقته من حقيبة طليقتي 


ماركوس بغيظ : ولما قتلتها ؟!

الرجل : لأنها رفضت علاقةً عابرة معي ، وكنت مخدّراً تماماً .. وحين حاولت الهرب بسيارتها .. سحبتها من ملابسها ، وضربتها بمضرب البيسبول حتى الموت .. ثم وضعتها على المقعد الجانبيّ ..

- وقُدّت سيارتها باتجاه الشجرة 

- نعم ، ليبدو كحادث سير .. لكن التقرير الشرعيّ أفسد خطتي .. بجميع الأحوال ، أُغلقت القضية ضدّ مجهول 

ماركوس : ولما دهستني ؟!

- الا تذكر ؟!

- لا !!


الرجل : كما يُقال : القاتل يحوم حول مسرح الجريمة .. فرغم مرور ستة اشهر على وفاة جاكلين .. إلاّ انني ذهبت لموقع الشجرة من وقتٍ لآخر ، لأتأكّد أني لم أترك دليلاً ورائي .. حينها لمحتك تصوّر الشجرة بجوّالك

- ولما أصوّر شجرة مكسورة الأغصان ؟! 

- ربما أثارك الشريط الأصفر التابع للشرطة .. وظننتك شرطياً تصوّر دليلاً حديثاً وجدّته هناك .. لهذا صدمتك بسيارتي

ماركوس : تقصد سيارتها 

- نعم ، اشتريتها خوفاً أن تكون بصماتي مازالت فيها .. وحصلت على المال من ممرّضة اخرى ، أغويتها بالمصحّ 


ماركوس بقلق : طالما علمت إنني لست شرطياً ، فماذا ستفعل بي؟!

- أتظنّي سأتركك تُفسد محاولاتي لإخفاء جريمتي السابقة ؟

- انا بطل درّاجات ، ولديّ مسابقة دوليّة بعد شهرين ..ولا تهمّني جريمتك .. دعني ارحل ، ارجوك

الرجل : لن اراهن عليك ، لأقضي بقيّة حياتي في السجن..

ثم لوّح بعصا البيسبول ، قائلاً :

- مازلت أحتفظ بسلاح الجريمة ، فأنا لا احب استخدام المسدس بصوته المدويّ ..


وانهال ضرباً عليه بعصا البيسبول ، حتى فقد الإحساس بما حوله !

*** 


فتح ماركوس عينيه .. ليجد نفسه واقفاً في آخر الكنيسة ، والكثير من اقاربه واصدقائه يبكون بجانب تابوتٍ مفتوح في المقدّمة !

فتوجّه نحوه بخطواتٍ متثاقلة ، لمعرفة الميت .. 

ليتفاجأ بنفسه مُسجّى هناك !


وقبل استيعابه ما حصل ، سمع صوتاً مألوفاً يقول من الخلف : 

- أخيراً التقينا مجدّداً !! 

ماركوس بصدمة : جاكلين !

- كلانا قُتل على يد المجرم ذاته ، الذي أُلقيّ القبض عليه البارحة .. فطليقي الغبي لم يعرف إن الشرطة وضعت حديثاً كاميرات على مداخل ومخارج الغابة بعد حادثة دهسك .. وهاهو الآن يُعاقب على الجريمتين ، وأظنه سيحصل على الإعدام .. فشكراً لك ، بسببك حصلت على راحتي الأبديّة .. (ثم مسكت يده ) .. أتدري انني اشتقت اليك 

ماركوس بحماس : انا اشعر بيدك ! أهذا يعني اننا سنبقى معاً ؟

- ولن نفترق بعد اليوم .. 


وهنا اخترق نورٌ قويّ سقف الكنيسة ! 

جاكلين : لم ارضى التوجّه للنور من دونك .. إمسك يدي جيداً ، ودعنا نرحل سويّاً لعالم الآخرة .. هناك سنُحاكم عند ربٍ عادلٍ ورحيم .. هيا بنا عزيزي


وطفت روحهما بسلاسلة نحو نور السماء ، مُبتعدان عن قسّوة الأشرار والدنيا الظالمة ! 


الاثنين، 25 يوليو 2022

خيبة أمل

تأليف : امل شانوحة 

 

الطفل الداخلي


في تلك الليلة .. أرسل أحد الأقارب بمجموعة العائلة في الواتساب ، فيديو قديم لريمي (الأربعينيّة) حين كانت في العاشرة من عمرها ، وهي تقول بسعادة : ((حينما أكبر سأصبح مشهورة وثريّة ، وسأكون فخر عائلتي))


فعلّق إخوتها ساخرين على مقطعها لكونها عانس ، والوحيدة التي لم تتوظّف بينهم .. وهي تقبّلت نقدهم كالعادة ، وهي تُخفي حرقة قلبها

***


قبل نومها .. أعادت المقطع أكثر من مرة وهي تتمعّن بنظراتها الحادّة كطفلة ، وتحدّثها بثقة عن احلامها المستقبليّة !

سائلةً نفسها بحيرة : ((لما تغيّرت هكذا ؟ كنت طفلةً قويّة ، والجميع توقّع مستقبلاً باهراً لي .. فلما أصبحت فاشلة ؟ لما يئِست من الحياة ؟ لما لم يعد شيئاً يُفرحني ؟ ماذا فعلت بطفلتي الداخليّة ؟ هل قتلت طموحها ، ام إن نقد الناس المتواصل أفقدني ثقتي بنفسي ؟))

وأخذت تفكّر بماضيها ، حتى غلبها النوم ..


وشاهدت حلماً غريباً : ((وهي تقف امام مرآة غرفتها ، وتنظر الى طفلة تقلّد حركاتها : بالإبتسامة والغضب ! فعلمت إنها تواجه نسختها الصغيرة 

وما أن مدّت يدها نحو المرآة ، حتى جذبتها الصغيرة الى غرفتها في منزلهم القديم !


ورغم دهشة ريمي الكبيرة ! إلاّ ان الفرحة غمرتها بعد رؤية ألعابها القديمة فوق السرير.. فأخذت تقلّبهم وهي تستذكر الماضي ، قبل سماعها الصغيرة تقول بنبرةٍ غاضبة :

- إن أنهيت اللعب ، علينا التحدّث قليلاً !! 


فأزاحت ريمي الكبيرة العابها ، لتجلس الصغيرة بجانبها على السرير وهي تقول بحنق : 

- ماذا فعلتي بي ؟!

- لم افعل شيئاً !

- هذا ما قصدّته .. لما لم تحقّقي شيئاً من أحلامي ؟! 

فأجابتها الكبيرة بيأس : لأن الحياة أصعب ممّا تتصوّرين

- انت استسلمتِ بسرعة !!

- حلمت بالنجاح طوال عمري ، وعملت جاهدة لأجله .. حتى انهارت قوايّ


فقالت الصغيرة : 

- اذاً لا فرق بينك وبين الناس العادية التي تتوقف بعد إحساسها بالتعب .. اما نحن ، فنعلم إن النجاح يأتي بالجهد الإضافيّ.. أتذكرين كيف اكتفى الطلّاب بتلخيص الكتاب المقرّر ، بينما كتبنا بحثنا من المكتبة العامة ؟ لذلك حصلنا على الجائزة التقديريّة 

- أتذكّر جيداً

الصغيرة : وماذا عن عدم إكتفائنا بحلّ الواجبات المدرسيّة ، بل نقوم بتحضير الدروس القادمة للتفوّق على زملائنا ؟ 

- كنت أعشق الدراسة بالفعل ! 

الصغيرة معاتبة : وماذا حصل بعد تخرّجك الجامعيّ ؟ لما بقيتِ في المنزل ؟ لما لم تعملين ؟! 

- لست جيدة بالتعامل مع الناس

- منذ متى يا ريمي ؟! لطالما كنتِ اجتماعيّة مع الطلاّب والجيران

الكبيرة بيأس : الأمر يزداد صعوبة كلما كبرنا في السن !  


الصغيرة بعصبية : بل أنت تكاسلتِ عن إيجاد وظيفةٍ لائقة .. الم تعدي اهلك بالنجاح في المستقبل ؟ وهآ انت تضيّعين وقتك بتنظيف المنزل وخدمة الآخرين دون هدفٍ بالحياة !

الكبيرة : انا مضّطرة لمساعدتهم ، فهم مشغولين بأعمالهم

- ولما لا تتوظّفين وتُحضرين خادمة لعائلتك تهتم بشؤون المنزل ، بينما تحقّقين احلامنا ؟

فسكتت ريمي الكبيرة بقهر ..


فأكملت الصغيرة : انت خذلتني !! وطالما نهايتي هي الجليّ والطبخ والغسيل ، فلما أتعب نفسي بالدراسة ؟ 

وبعثرت كتبها عن طاولة..

الكبيرة بصدمة : ماذا تفعلين ؟!

- بما أني سأصبح فاشلة ، سأترك الدراسة وأتفرّغ للعب كبقيّة الأولاد 

- لا !! لن تفعلي 


الصغيرة بحزم : اذاً تصرّفي !! إنتفضي على واقعك .. لا تقبلي نقد الآخرين ..ضعي حدوداً لهم ، حتى لوّ كانوا عائلتك .. خصّصي وقتاً لنفسك لمتابعة احلامك.. إبحثي عن وظيفة ، وإيّاك التحجّج بكبر سنك.. لا تنتظري العريس ، واهتمي بنفسك اولاً .. قومي بحميّة غذائية وحافظي على جمالك ، فهذا يزيد طاقتك الإيجابيّة .. إعملي واخرجي من المنزل وقومي بزيارة الأصدقاء ، واحضري المناسبات كيّ يراكِ الناس .. (ثم وقفت وهي تشير للمرآة)..والآن عودي لحياتك ، وإيّاك هدرها ثانيةً .. يكفي السنوات التي أضعتها من عمري بانتظار الفرج .. أيقظيني بداخلك وإلاّ ستقتلي حماسي بيديك.. لا تخيّبي أملي بك .. رجاءً ، لا تفسدي مستقبلي))


وهنا استفاقت ريمي وهي تتصبّب عرقاً .. ونظرت في المرآة لأول مرة دون نقد شكلها ، كما فعلت لسنواتٍ عديدة ! بل قالت بحزم :

- سأبدأ حميّتي الغذائية اليوم ..وسأعود جميلة ورشيقة.. وسأنجح كما حلمت دائماً .. أعدك بذلك ، يا ريمي الصغيرة

وهنا دخلت اختها ، لدعوتها الى تناول الكنافة..  

- لا شكراً

اختها بدهشة : لكنك تحبينها على الفطور !

- لن آكل الحلويات بعد اليوم


فعادت اختها الى الصالة ، وهي تقول لأمها واخوتها بسخرية :  

- أسمعتم !! ريمي قرّرت القيام بحميةٍ غذائيّة

وضحكوا ساخرين منها .. 


فخرجت ريمي لهم ، وهي تقول بجدّية : 

- سأحضّر طعامي بنفسي ، لا تحسبوا حسابي بأطعمتكم الدسمة  

اختها : ماهذا التغيّر المفاجىء ؟ هل تعرّفتِ على احد بالإنترنت ؟

ريمي : أفعل ذلك لصحّتي 

وعادت الى غرفتها ، لتبتعد عن انتقاداتهم الساخرة 


وأقفلت الباب على نفسها ، بعد وضعها السمّاعات .. وهي تقول بنفسها : 

((سأقوم بالتمارين الرياضيّة لحين انتهاء الأغنية ..ولاحقاً أغنيتين .. الى ان اصل لساعةٍ كاملة كل يوم))

*** 


ظنّت عائلتها انها ستتوقف عن حميّتها قريباً ، وحاولوا ذلك بتحضير مأكولاتها المفضّلة .. لكن ريمي التزمت بقرارها ، بشكلٍ أثار دهشتهم ! 

كما قضت وقتها بتعلّم الجرافيك ديزاين من الإنترنت ، لتطوير مهارتها في الرسم والتصميم ..

الى أن تمكّنت بعد شهور من نشر اول فيديو لها .. 

ومن بعدها حوّلت افكارها المبتكرة لرسوم ، وإرسلتها لشركاتٍ عالميّة بلغتهم الأجنبيّة 

***


بعد سنتين .. وصلت ريمي لوزنها الطبيعي الذي أعاد جمالها ، مع إهتمامها ببشرتها وشعرها .. 

حينها تلقّت اول ايميل من شركةٍ رياضيّة أُعجبت باختراعها ماكينة رياضيّة على شكل مقعدٍ مريح : يترنّح اوتوماتيكياً للأعلى والأسفل ، لنحت الخصر والأرداف ، اثناء جلوس الشخص عليه وهو مستمتع بالقراءة او متابعة جواله دون مجهودٍ او تعب 


وطلبت ريمي في المقابل 20 بالمئة من ثمن المبيع ..والذي وصلها في السنة التالية ، لتحصل على اول أجرٍ بحياتها .. 

لكنها لم تخبر اهلها بنجاحها ، بل جمّعت ارباح اختراعاتها .. الى ان اشترت شقة صغيرة بإسمها ، وفاجأت اخوتها بالإنتقال اليها !  


لكنهم اعترضوا على بقائها وحدها .. فأخذت امها للعيش معها ، تاركةً اخوتها الخمسة يدبّرون امورهم في شقتهم القديمة .. بينما اعتنت ريمي بأمها وعملها الذي ازدهر بمرور الأيام .. 

وحين تقدّم مدير اعمالها للزواج منها .. وافقت على طلبه ، بعد كتابة الشقة بإسم امها ..وسافرا للعمل في الخارج .. 

***


بعد سنوات ، أصبحت المخترعة الأولى في العالم العربي !

حينها حلمت بريمي الصغيرة ثانيةً ، وهي تقول من خلف المرآة :

- الآن إطمئنّيت على مستقبلي ، يمكنني الرحيل بسلام

ثم حطّمت المرآة بمطرقة ، الى قطعٍ صغيرة ! 


فاستيقظت ريمي وهي تشكر ربها على إتمام مهمّتها بنجاح ، بعد منح طفلتها الداخليّة الطمأنينة والسلام ! 


الأحد، 24 يوليو 2022

مصوّر الأزياء

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

 

حبّ الظهور


في إسبوع الموضة بإحدى شوارع (سول) عاصمة كوريا الجنوبية ، إبتدع مصورٌ شاب فكرة إلتقاط إجمل أزياء المارّة والمتسوّقين المهتمّين بمظهرهم الخارجي والمهوسين بالموضة العالميّة .. ثم نشر صورهم على موقعه الذي حصد ملايين المتابعين .. 


وسرعان ما أصبح الشارع محطّ انظار الشباب الذين لديهم حبّ الظهور ورغبة بتسليط الأضواء عليهم ! 

حيث لبس الشباب والصبايا أجمل ملابسهم وأغربها للتنزّه في ذات الشارع لكيّ يظهروا على موقع المصوّر العبقريّ 

***


وبعد شهور من عمله الجادّ ، وضع لافتة كبيرة : عن مسابقة لأجمل عارض ازياء ، يُصوّت عليه بناءً على رأيّ متابعيه .. 

ممّا أثار حماس الشباب الذين سألوه باهتمام عن نوعيّة المسابقة ويوم ظهور النتائج ؟

***


في اليوم المحدّد .. تجمّع الشباب الوسماء بزيّهم المميز الذي اختاروه بعناية ، ليوم المسابقة .. حيث قام المصوّر بتصويرهم الواحد تلوّ الآخر منذ وقت الظهيرة حتى غروب الشمس .. 


وبنهاية المسابقة .. إلتقط صورةً جماعيّة لهم ، ووعدهم بجائزةٍ مالية فور صدور النتيجة التي ستظهر بعد 3 ايام من تصويت المتابعين ، والتي سيستلموها من مغني محبوب بين ابناء جيله.. 

فعادوا الى بيوتهم وهم متشوّقين لمعرفة النتيجة ..

***


في مكانٍ آخر .. كُرّم المصوّر من قبل رئيس الماسون الذي وعده بجائزةٍ مالية ضخمة لمجهوده السرّي ، قائلاً له :

- في يوم النتائج ، سنرسل رجالنا لملاحقة الفائزين الذين اختيروا من عملائنا المتواجدين في كوريا ، وأثرياء العالم 

المصوّر : كنت ارسلت صورهم ومعلوماتٍ عنهم ، فهل سيُراهن عليهم بالإنترنت المظلم ؟ 

- المراهنة تسري الآن على قدمٍ وساق ، فالأثرياء يعشقون جمال الصبايا او الشباب اليافعين حسب ميولهم ! وطالما الأغبياء وافقوا على كتابة عناوينهم لأجل مسابقتك الوهميّة .. سنرسل من يخطفهم من بيوتهم او مكاتب عملهم ، لإرسالهم للعميل الذي دفع اعلى سعرٍ فيهم 


المصوّر : خطةٌ رائعة ، فالكثير من الشباب يحبّون الظهور والإهتمام الصحفيّ ، دون علمهم أن المغني الشهير الذي سيقدّم الجائزة مُنضمّاً لجماعتنا السرّية

- يكفي اننا أخرجناهم من مخابئهم ، فعملائنا أحقّ باستغلال جمالهم وحيّويتهم.. 

- وبعد الإعتداء عليهم ، هل يعادوا لبيوتهم ؟

الرئيس : بالطبع لا ، فزبائننا من اهم رجال الدولة ولا نريد فضحهم .. 

المصوّر بقلق : يعني ستقتلونهم ؟!

- بعد الإستفادة من اعضائهم .. (ثم نفث سيجارته) .. لا تكترث لهذه المواضيع ، واكمل مهمّتك باتقان  

- كما تشاء سيدي

***


لم يلاحظ احد علاقة المصوّر باختفاء أوسم الكوريين ، فخطفهم جاء في اوقاتٍ متباعدة .. وسُلّمت قضاياهم لمراكز شرطة لا خبرة لهم بالإنترنت المظلم والمراهنات المشتعلة حولهم 


الوحيد الذي انتبه هو سائحٌ صادف وجوده لحظة التقاط الصورة الجماعيّة للوسماء مع المصورّ ، قبل إعلان النتيجة .. والذي تابع قضايا الخطف على الإنترنت ، ليلاحظ إن معظمهم على علاقة مع المصوّر المجهول ! فأسرع لمركز الشرطة للإبلاغ عن شكوكه

***


في مكتب رئيس الماسون الكوري ، تلقّى إتصالاً من مدير الشرطة يخبره بشكوى السائح .. فردّ بحنق :

- تخلّص منه بطريقتك

مدير الشرطة : سأفعل سيدي ، الخوف أن يكون أطلع احداً على شكوكه .. لذا أفضّل إنهاء فكرة التصوير بعد انكشاف الخطة 

- سنطلب من المصوّر الإبتعاد عن شارع الموضة  

الشرطي : وكيف ستحصلون على الوسماء الجدّد ؟

- بطرقٍ عدّة : كبرامج المواهب او ترنّدات الوسامة بالتيكتوك ، مع إيهامهم بجوائزٍ مالية للإجتماع بهم لاحقاً .. لا تهتم للموضوع ، فالشياطين تعطينا افكاراً خبيثة اولاً بأول 

- وماذا عن خدماتي ؟ أقصد تخلّصي من السائح لن يكون مجاناً 

الماسوني : يالك من طمّاع .. سنرسل نصيبك قريباً ، المهم أن تُبقي عينيك مفتوحتين ، لا نريد فضائح .. واتفق مع الدوائر الأخرى على طمس الحقائق ، ونسب جرائم الخطف لأصحاب السوابق البسطاء

- سأفعل سيدي ، شكراً لثقتك بي 

***


لم تمضِ سنتان حتى لاحظ السكّان إختفاء عددٍ كبير من وسماء كوريا الجنوبية ، لدرجة تعليم الأهل اولادهم (حسني المظهر) في المنازل ، خوفاً من العصابة السرّية التي تخطفهم باستمرار .. 


لكن الأمر لن يكون سهلاً بوجود الجوّالات ومسابقات الجمال والأزياء والغناء الوهميّة على وسائل التواصل الإجتماعي التي تجذب اليافعين والشباب الراغبين في المال والشهرة السريعة .. وهذا سيعزّز عمل الماسون المنحرفين من تجّار البشر والرقيق لمدةٍ غير محدودة .. وهذا ليس متوقفاً على كوريا الجنوبية ، بل العالم أجمع !


السبت، 23 يوليو 2022

التعلّق المرضي

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

هوس العاشق !


لطالما تفوّق سيّد على طلّاب مدارسه ، ومع ذلك عانى الوحدة والإنطواء! 

كل هذا تغيّر بدخوله الجامعة ، بعد تقرّب صبيّةٍ حسناء (ريهام) لمساعدتها بالدراسة .. 

فتفرّغ لتعليمها وتلخيص الدروس لها .. وتشجيعها على تحسين مستواها الدراسيّ ، بمرافقتها للمكتبة العامة واختيار أفضل الكتب لها 

وكان سعيداً بتخرّجها معه ، رغم تفوّقه بالدرجات النهائيّة .. 

***


لاحظت عائلة سيّد إهتمامه لإيجاد عملٍ بأسرع وقتٍ ممكن ، خوفاً أن تُثير ريهام إعجاب الخطّاب بجمالها الفاتن 

وبنهاية شهره الأول بالعمل .. إشترى خاتم خطوبة يناسب راتبه البسيط ، فهو مازال متدرّباً في شركةٍ تجاريّة ..


واتفق على ملاقاتها في الجامعة لأمرٍ مهم .. واستجمع قواه (بما يخالف طبيعته الخجولة) وجثا على ركبته ، وهو يرفع الخاتم نحوها .. ويطلبها للزواج امام صديقاتها ..

ليُفاجأ بضحكاتهنّ الساخرة بعد تعليق إحداهن :

- نحتاج مكبّراً لرؤية الإلماس الصغير فوق خاتمك الرخيص  

فشعرت ريهام بالإحراج ، وابتعدت عن الجموع .. 


فلحقها وهو يناديها : 

- فراشتي !! توقفي ارجوك 

فردّت بعصبية :

- كم مرة أخبرتك أن لا تناديني هكذا !! ماذا تريد مني ؟

سيّد بقلق : لم أسمع جوابك بعد ! 

- سأكون صريحة معك .. صحيح مستوانا الإجتماعي مُتقارب ، لكن على الأقل لديّ فرصة لتحسين حياتي .. فالله وهبني جمالاً يُعجب الأثرياء ، فلما أعيش حياة اهالينا الفقيرة ؟! 

- أهذا يعني انك صاحبتني لتعليمك فقط ؟! 

ريهام : نحن اصدقاء ، والأفضل ان نبقى هكذا .. فأحلامي وطموحي يتخطّيان واقعك المتواضع .. رجاءً لا تقرب مني ثانيةً


وجاء كلامها صادماً لسيّد الذي اعتبرها ملاكاً على الأرض .. وهاهي تعترف باستغلالها له ! 


والأمر أثّر عليه من جميع النواحي : بعد فقد شهيّته للطعام ونقص وزنه بشكلٍ ملحوظ ! كما انعزاله عن الجميع ، بما فيهم عائلته .. وأدّى إهمال عمله ، إلى طرده من الشركة .. 

كما حاول الإنتحار مرتين ، لولا إنقاذ عائلته باللحظة الأخيرة ..

***


بعد مرور عام على الإنفصال.. تحوّل حبه لتعلّقٍ مرضيّ ، وصار يراقب اصحابها الجدّد وتحرّكاتها من بعيد .. حتى امتلأ جوّاله بصورها التي التقطها دون علمها ! 


أمّا هي ، فتناسته تماماً .. الى أن وصلتها مجموعة من الهدايا لعملها على دفعاتٍ متفرّقة ، دون معرفة مُرسلها ! 

لحين تلقّيها دميّةً قطنيّة ، مكتوباً عليها : ((الى فراشتي العنيدة))


فاتصلت بسيّد وهو تأمره بتركها وشأنها ، ونصحته بالعلاج النفسيّ قبل تطوّر مرضه ! 

ورغم نقدها الّلاذع ، الا انه فرح بسماع صوتها ! فهو مهووس بها لحدّ الجنون .. 

***


وبعد اسابيع ، واثناء نزهتها مع صديقها على الكورنيش .. تفاجأت بسيّد يهجم عليه ، ويلكمه بقوّة على وجهه .. وكان هذا سبباً للإبلاغ عنه .. 

***


في الحجزّ .. ضرب الحرّاس سيّد بقسّوة ، كتأديبٍ له .. 

وأُطلق سراحه باليوم التالي ، بعد كتابته تعّهداً بعدم ملاحقة ريهام التي أقنعت صديقها بالتنازل عن المحضر ، رغم اعتراض اهلهما .. فهي أشفقت على سيّد بعد رؤية آثار الضرب على وجه ! 

***


بعد عودة سيّد الى منزله .. حاول اهله إقناعه بالسفر او إكمال تعليمه او إيجاد وظيفة لائقة ، او حتى السماح لهم بخطبة فتاة أخرى له ..فوعدهم التفكير بالموضوع 

 

لكنه عاد لمراقبة حبيبته بعد شهر ، عقب رؤيته خطوبتها على صفحتها بالفيسبوك ! 

حيث راقب منزلها ليل نهار ، الى أن خرجت من هناك وهي تمسك يد خطيبها .. 

فجنّ جنونه ، وانهال ضرباً بالعصا على العريس ..حتى أفقده الوعيّ ، وسط صرخات ريهام المرتعبة ! 

***


اثناء محاكمته ، قالت له ريهام بحنق : 

- الأشخاص المعقّدين نفسيّاً لا يستحقون فرصةً ثانية 

 

ورغم تعافي خطيبها من جراحه ، إلاّ أن القاضي أصرّ على حبس سيّد عشرين سنة ! (بعد إحضار والدها واسطة قوية من قريبه بالجيش ، بحبسه اطول مدةٍ ممكنة)

ولم تجدي محاولات اهله لتخفيف حكمه ، لكونه من اوائل خرّيجي الجامعة ومعروفاً بحسن سلوكه .. 


وفي الوقت الذي نُقل فيه سيّد لسجن العاصمة لقضاء محكوميّته ! سافرت ريهام مع عريسها للخارج

*** 


ظنّت ريهام بأنها محظوظة لزواجها من رجلٍ ثريّ ، لكنها سرعان ما تطلّقت بسبب خياناته المتواصلة ! 

وقرّرت العودة لعملها ، بعد إلغائها فكرة الزواج .. 

*** 


ببلوغها سن الأربعين ، ضغط الأهل عليها للزواج من مروان (المُعيد في الجامعة) رغم عدم شعورها بالراحة من لحيّته وشعره الطويلتين ، ونظراته الحادّة المُربكة !  

***


مرّ شهر العسل بسلام .. رغم اهتمام مروان بأدقّ التفاصيل ، وإلحاحه برفع صوت مكالمات جوّالها ! لغيّرته الشديدة التي زادت ، لدرجة منعها الخروج من المنزل دون رفقته !  


ورغم معاملته الجيدة ومدحه المتواصل لها امام اصدقائه وزملاء عمله ، إلاّ انه ينتقدها بقسّوة في المنزل على تقصيرها بالتنظيف والطبخ ! 

***


لم تمضي شهورٌ على زواجهما ، حتى أجبرها مروان على الإستقالة من عملها ، بحجّة انه المسؤول عن مصاريفها .. 

وكان يصرّ على تناولها الكثير من الحلويات ، بل ويثور غضباً إن أخبرته باتباعها حميّةٍ غذائية ! 

كما يدقّق على ملابسها وطريقة كلامها مع الناس .. حتى انه منعها الوقوف في الشرفة طوال النهار ! 

***


وفي يوم .. شعرت بضيقٍ شديد ، فخرجت بنزهة مع صديقاتها دون علمه .. مما تسبّب بشجارٍ عنيف بينهما ، إنتهى بقرار حبسها في المنزل طوال ساعات عمله ، بعد وضعه قفلاً من الخارج ! 


وبعد منعها من إكمال تعليمها او العمل ، لم يكن امامها سوى قضاء نهارها بتناول الطعام .. حتى زاد وزنها وتبدّد جمالها ، مما اسعده كثيراً ! 

***


لاحقاً ، إتبعت اسلوباً آخر معه .. وقامت بتدليله وسماع كلامه دون معارضة ، لكن هذا زاد من نرجسيّته وشدّ الخناق عليها.. فمهما فعلت ، لا يرضيه شيئاً !  

***


ثم حاولت العودة لشخصيتها القديمة ، وبدأت تعارضه وتطالبه بزيارة اهلها الذين لا تراهم إلاّ في المناسبات العائلية التي يصرّ على الذهاب معها ، كيّ لا تخطىء بالكلام وتخبرهم عن معاناتها معه ! 

***


وفي إحدى الليالي .. أخبرته برغبتها الإنجاب ، لكنه رفض الموضوع لأن الطفل سيُلهيها عن واجباتها نحوه !  


ومنذ ذلك اليوم ، غرقت ريهام بدوّامة الإكتئاب .. وقلّ كلامها كثيراً ، حيث أمضت وقتها بمراقبة الشارع من نافذة غرفتها بصمتٍ مُقلق  


لكن مروان لم يهتم لأمرها ، فهو اعتاد تناول الطعام وحده بالخارج! 

وفي المنزل ، يقضي وقته على الحاسوب لإكمال عمله المكتبيّ ، دون اكتراثه بصحّة زوجته التي تذبل كل يوم ! 


اما ريهام ، فشعرت أن ما يحصل معها هو عقاب ربّاني على ما فعلته بسيّد .. قائلةً في نفسها ، بعد رؤيتها التاريخ على جوالها :

((بقيّ 5 سنوات للإفراج عن سيّد الذي حبسته لحبه الشديد لي ، فعاقبني الله بزوجٍ مجنونٍ ظالم ! سامحني يا صديقي))

***


في أحد الأيام .. زارها اهلها (اثناء وجود زوجها في العمل) .. وكسروا القفل للإطمئنان على ابنتهم التي لم يروها منذ شهورٍ طويلة .. 

ليصدق حدس امها بعد رؤيتها مُغميّاً عليها في الصالة .. 

وأسرع اخوها بحملها للمستشفى .. ليُصدمهم الطبيب بخبر محاولتها الإنتحار ! 

***


حين وصل مروان للمستشفى ، هجمت امها عليه وهي تضرب صدره وتلومه على تردّي صحة ابنتها .. لكنه لم يهتم لتهديدات عائلتها ، ودخل غرفة العناية المركّزة للإطمئنان على زوجته..

فحاول الطبيب تحذيره :

- سيد مروان ، قلب زوجتك ضعيفٌ جداً 

- رجاءً أتركنا بمفردنا ..

- هي مخدّرة الآن

مروان : ستسمع صوتي ، انا واثق من ذلك

- معك نصف ساعة ، فهي بحاجة للراحة التامة 


وبعد خروج الطبيب ، همس مروان في اذنها :

- الم تموتي بعد يا فراشتي اللعينة ؟ 

وما أن قال ذلك ، حتى فتحت عيناها برعبٍ شديد :

- سيّد !

مروان : نعم ، سيّد .. صديقي بالزنزانة ساعدني بتغيّر هويتي ، بعد إكمال تعليمي في السجن .. وبإسمي الجديد استطعت العمل كمعيد في الجامعة ، بعد تسريحي من السجن الذي قضيت فيه 15 سنة لحسن سلوكي .. وبعد تجميع رواتبي ، أجريت عمليّة تجميل لتغيّر معالم وجهي ، كيّ أتقدّم لك بهدف تدمير غرورك .. فأنا كنت متفوّقاً بدراستي ، وبسببك أصبحت خرّيج سجون ! .. لهذا اردّت تشويه جمالك بزيادة وزنك ، وإبعادك عن اهلك واصدقائك ، ومنعك من التعليم والعمل .. كما مدحتك امام الناس ونقدّك في المنزل ، كيّ أدمّر ثقتك بنفسك


ريهام بعصبية : ايها النرجسيّ اللعين !!

سيّد : أتقنت الدور جيداً ، اليس كذلك ؟ حتى انني لم أزرّ عائلتي منذ زواجنا ، فهم يظنون اني مازلت في السجن بعد طلبي من الشرطة منع زياراتهم لي .. ولم اذهب لعزاء والدي ، كيّ لا يفضحوا تنكّري 

ريهام باشمئزاز : انت فعلاً مريض نفسيّ !

- ذنبي الوحيد انني أُغرمت بك لحدّ الجنون ؟ فأنت من حوّلتني لوحش ، لهذا استحقّيتِ أشدّ العقاب 

- وحصلت على ثأرك بعيشي معك في الجحيم لسنواتٍ عدة .. وحرمتني من الأطفال بعد كبر سني .. وأصبحت مريضة جسديّاً ونفسيّاً .. وحاولت الإنتحار ، فماذا تريد ايضاً ؟

سيّد : انت لم تري شيئاً بعد ، يا فراشتي العزيزة

وابتسم بخبث ! 

***


لاحقاً .. وقف سيّد امام قبر ريهام ، وهو يسقي الزهور ويقول : 

- معك حق عزيزتي .. المُعقّدون نفسيّاً لا يستحقون فرصةً ثانية  

وخرج من المقبرة بهدوء !

***


ترى كيف انتهت معاناة ريهام ؟! هل قتلها زوجها بالمستشفى ؟ أم انتحرت بعد عودتها الى منزله ؟ هل شعر بالندم ، ام أسعده انتقامه ؟ ..وهل هو مظلوم ام ظالم ؟ وهل ريهام استحقّت العقاب ؟ وهل هناك علاجاً للتعلّق المرضي او النرجسيّة ؟ 


القصة مستوحاة من جريمة قتل نيّرة أشرف .. فهل تؤيدون حكم إعدام محمد عادل ؟ ام هي ظلمته بسوء معاملتها له ، مما أفقده رشده بارتكاب جريمته الشنعاء ؟ 

إخبروني رأيكم بالتعليقات ..


الأربعاء، 20 يوليو 2022

ستكونين لي !!

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

 

إغفريلي


في القرن الماضي ببريطانيا ، وفي إحدى الأمسيات الباردة.. تلصّص رجلٌ من خلف الشجرة على نافذة كوخٍ ، تتراقص فيه صبيّةٌ جميلة مع زوجها على ألحان الموسيقى !

وتركّزت نظراته على الفتاة الفاتنة بفستانها الشفّاف وشعرها الناعم المُنسدل فوق ظهرها ، وضحكاتها العفويّة وهي تحتضن زوجها بشغف !


كل هذا أثار غيرة الرجل الغامض الذي لم يعهد مشاعراً فيّاضة من قبل ! والذي تمّتم بحرقة :

- يا قلبي لما اخترتها من بين النساء ؟!


ثم ترك العرسان يُكملان سهرتهما بهدوء ، وعاد حزيناً الى قصره المجاور لكوخ خادميه !

***


في اليوم التالي ، بوقت الظهيرة .. نزل السيد هنري لتناول غدائه ، ليجد زوجته ترمقه بنظراتٍ حادّة امام طاولة السفرة :

- الآن استيقظت ! ليتني اعرف اين تقضي لياليك ؟!

هنري بلا مبالاة : أمشي قليلاً بالهواء الطلق

- سهرك كل مساء يُتعب صحّتك

فقال في نفسه بحزن : ((كأنه يُهمّك أمري ، فأنت لم تشعري يوماً بوحدتي ومعاناتي !))  

  

(فإليزابيث لم تعلم بغرامه لسالي : عروسة حارسهم جون ، وخادمتها في القصر !) 

***


بعد الغداء ، صعد السيدان الى غرفة النوم .. فأدار هنري الإسطوانة الموسيقيّة وهو يمدّ يده لزوجته ، ليراقصها .. فردّت باشمئزاز :

- ما هذه السخافة ! 

هنري : انها موسيقى رائعة

- ستبلغ الخمسين يا رجل ومازلت تهتم لهذه الأمور ، ثم متى رقصنا دون مناسبةٍ إجتماعيّة ؟!


فإطفأ الموسيقى وهو يتنهّد بضيق :

- آسف ، هذا خطأي

اليزابيث : الى اين تذهب ؟

- سأتمشّى قليلاً بالحديقة


وبعد خروجه من الغرفة ، تمّتمت زوجته بضيق :

- ترى ما الذي يُشغل تفكيره بالأسابيع الماضية ؟!

***


بعد ايام .. دخل السيد هنري الى الإسطبل ، ليجد سالي تُطعم الأحصنة .. ومن دون وعيٍّ منه ، حضنها من الخلف ! 

وقد أرعبها الموقف ، لدرجة صفعه بقوة ..

هنري بإحراج : آسف ! لم اقصد إخافتك 

سالي بخوف : مالذي فعلته .. سيدي ؟!

- لم استطع تمالك نفسي

- انت متزوج ! وأنا مُغرمة بزوجي 

هنري : لكني لا احب زوجتي

- هذه مشكلتك وحدك 


وخرجت مُرتبكة من الإسطبل ، بينما غرق هنري بأحلامه الرومانسيّة التي زادت بعد دفاعها عن شرفها !

***


بنهاية الإسبوع .. دخل الحارس جون الى كوخه ، لإخبار زوجته أن السيد هنري وصديقه جاك دعياه لمرافقتهما برحلة الصيد .. 

فشعرت سالي بنغزة في قلبها ، وحاولت منعه من الذهاب .. لكنه اجابها بحماس :

- لطالما عشقت الصيد ، لكني لا املك ثمن البندقية .. وهما وعداني بإطلاق النار على الأرانب والطيور 

سالي بقلق : رجاءً لا تذهب ، فالموضوع غير مريح ! 

- ما الأمر ؟ إخبريني 


لكنها فضّلت كتمان تحرّش السيد بها ، وحاولت إقناعه بعدم الذهاب .. لكنه أصرّ على ذلك !

*** 


في الصباح التالي ، وبينما تقوم سالي بجليّ الصحون .. إرتبكت فجأة ! ووقع الصحن من يدها ..

***


بعد ساعة ، وصلها خبر وفاة زوجها بطلقةٍ في صدره !

ولم تستطع لوم السيد هنري الذي لم يذهب مع صديقه برحلة الصيد ، بعد تعثّره صباحاً على الدرج والتواء قدمه !

بينما برّر صديقه جاك : بأن زوجها جون أطلق النار على نفسه خطأً ، اثناء تعبئته المسدس !

اما السيدة اليزابيث فاكتفت بإعطائها يومين إجازة لدفن جون بقريته!

***


بعد شهور على الحادثة ، إستغلّ السيد هنري ذهاب طبّاخته العجوز للسوق برفقة زوجته ، لدخول المطبخ بقبو قصره .. ليجد خادمته سالي (الأرملة الحسناء الثلاثينيّة) مُنشغلة بغسل الصحون.. 

وللمرة الثانية لم يتمالك نفسه ، وقبّل عنقها .. 

لتدفعه بقوّة للخلف ! وتهرب باكية الى الحديقة ..

***


بعد ساعة ، طلب قهوة الى مكتبه .. فاقتربت سالي بخطواتٍ مُتثاقلة لوضع الفنجان امامه ، بيدها المرتجفة وعيونها الدامعة ..

فسألها هنري : أتدرين لما طلبتك ؟ 

سالي بحزن : لطردي من القصر

- لا ابداً ، انا فخورٌ لدفاعك الشرس عن شرفك

سالي بدهشة : أحقاً سيدي !

- نعم هذا يقويّ ثقتي بك ، فأنا لا احب الفتاة سهلة المنال .. (ثم ارتشف قليلاً من قهوته).. أعلم بخوفك وقلقك ، لكني لا استطيع السيطرة على مشاعري اتجاهك !  

- رجاءً سيدي .. إن عرفت زوجتك بالأمر ، ستطردني من هنا .. وانا لا اريد العودة لقريتي البعيدة ، فلا تقطع بلقمة عيشي

هنري : سأحاول جهدي أن لا اضايقك ثانيةً 

فانحنت له بأدب ، وخرجت من مكتبه 

*** 


على مدى شهرين ، إكتفى هنري بمراقبة خادمته من بعيد .. ليلاحظ احترامها لجميع العاملين بالقصر.. وتعاملها الراقي مع ضيوفه .. وحنانها على اطفالهم الصغار .. ورعايتها للحيوانات الأليفة.. 

كما اخلاقها العالية بعدم ردّها على التعليقات الساخرة لرفيقات زوجته المغرورات !


كما أُعجب بصوتها العذب اثناء سقيّها المزروعات فجراً .. ولأجلها تخلّى عن عادة السهر ، للإستمتاع بغنائها الرقيق ! 

وسؤالٌ واحد يختلج صدره : 

- لما تزداد نبضاتي كلما سمعت صوتها او لمحتها من بعيد ؟! وكأن قلبي يموت بغيابها !

***


وفي احد الأيام .. أصرّت اليزابيث على الذهاب مع صديقتها لحفلٍ مسائيّ ، رغم مرض هنري وملازمته الفراش ..


وبعد ذهابها ، إستيقظ فور شعوره ببرودة الضمّادات التي وضعتها سالي على رأسه المُلتهب ! والتي اهتمّت به لساعات ، الى حين عودة زوجته .. مما حسّن نفسيّته ، مُتمنيّاً أن يطول مرضه لتبقى حبيبته بجواره 

***


وفي إحدى الأمسيات .. دخلت سالي الى الصالة لتقديم العصير لأصدقاء هنري اثناء تقامرهم بلعبة الشدّة ..

وبينما هي تضع الكؤوس امامهم ، إسترقت النظر الى اوراقهم ..


وحين اراد هنري المراهنة بما لديه ، اشارت بعينيها بأن لا يفعل !

ففهم أن لدى منافسه اوراقاً اقوى منه ، فانسحب من اللعبة ..

ليلاحظ صديقه حركة سالي ، ويشتمها بقسّوة .. مما جعلها تنسحب مقهورة وباكية من الصالة.. 


ليتفاجأوا بهنري يطردهم من القصر ، لعدم احترامهم موظفيه (على حدّ تعبيره) .. وجاءت ردّة فعله العنيفة ، صادمة لأصدقائه الذين اعتادوا حسن تصرّفه وهدوئه الرزين !

*** 


وسرعان ما انتشرت إشاعة عن إنجذابه لخادمته ، والتي جعلت زوجته تشكّ بهما ، خاصة بعد إيقاع هنري بالخطأ صحن الفاكهة .. ليُسارع بمساعدة سالي بلمّلمة حبّات العنب ! 

فعاتبته زوجته بعصبية :

- دعّ الخادمة تقوم بعملها !!


وبعد خروج سالي من غرفة الطعام ، قالت زوجته :

- إنتبه على تصرّفاتك يا هنري ، فأنت لست صغيراً لتقوم بحركاتٍ طائشة


فأكمل طعامه بصمت ، وهو يكتم غضبه من تحكّمات زوجته التي لم يعد يُطيقها !

*** 


في ظهر احد الأيام ، شعر هنري بالملّل .. فعزف على البيانو الكبير في الصالة ، ليلاحظ سالي تتنصّت اليه من طرف الباب .. 

فطلب منها الإقتراب .. فأخبرته بإسم المعزوفة ، ومدى عشقها للموسيقى الكلاسيكيّة .. 


فردّ بحزن :

- وأنا ايضاً أعشق الموسيقى الهادئة .. لكن زوجتي لا يهمّها سوى  التسوّق ، لإغاظة صديقاتها الحمقى ! 

سالي : أتدري سيدي ، لطالما تمنّيت إتقان العزف 

هنري : صوتك جميل وسيتماشى مع انغام البيانو.. هيا إجلسي قربي ، سأعلّمك بعض النوتات الأساسيّة

***


بعد إمضائهما ساعة بتعلّم العزف ، قال لها :

- انت ذكيّة يا سالي ، وتتعلّمين بسرعة

- لأني اعشق الفن بأنواعه

هنري : حتى الرقص ؟

فأجابته بحزن : كان زوجي راقصاً بارعاً ، وهو من حبّبني فيه  

- رجاءً لا تبكي


ثم اضاء إسطوانة موسيقى كلاسيكيّة وهو يمدّ يده نحوها : 

- هل ترقصين معي ؟ 

سالي بارتباك : اعتذر سيدي ، لا استطيع 

وقبل خروجها من الصالة ، إلتفتت اليه بخجل :

- ربما أفعل يوماً ما

 

وذهبت لإكمال عملها ، بينما غرق هنري بأحلامه الرومانسيّة التي قاطعتها زوجته التي كانت تراقبهما من زاوية الصالة الكبيرة ! وسألته باشمئزاز :

- هل عُدّت مراهقاً تافهاً ، تُلاحق الخادمات ؟

هنري بارتباك : منذ متى تراقبيننا ؟!

فردّت بغيظ : منذ تعليمك العزف لخادمتنا الحقيرة

- لوّ سمحتِ ، نادها بإسمها .. سالي

- حبيبتك سالي ستُطرد الليلة من قصري


فهجم نحوها ، مُهدّداً بنظراتٍ حادّة أرعبتها :

- إيّاك ان تفعلي ، وإلاّ سترين وجهي الآخر !!

وصعد غاضباً الى غرفته .. 


فأسرعت اليزابيث لطبّاختها العجوز (المسؤولة عن الخادمات) وطلبت منها إشغال سالي بأعمالٍ خارج القصر ، وإلاّ ستُطرد معها في حال رأتها بجوار زوجها العاشق المتهوّر !

***


إختفت سالي عن انظار هنري لعدة ايام .. فسأل الخدم وزوجته عنها دون حصوله على إجابةٍ وافية .. فبحث عنها بنفسه ، الى ان وجدها مُنهمكة بأعمال الإسطبل !


فخلع معطفه الفخم ، لمساعدتها بإطعام الخيول..

سالي بارتباك : لا سيدي ، ارجوك ! 

هنري وهو يحمل العشب : 

- أتدرين هذه كانت وظيفتي القديمة ؟ فقد كنت عاملاً في إسطبل السيدة اليزابيث ، المرأة العانس التي ورثت القصر من والدها .. والتي افتُتنت بوسامتي .. وهي اقترحت زواجي منها ، رغم انها تكبرني بالعمر ! .. فوافقت ، لرغبتي مساعدة عائلتي الفقيرة .. لكني بالحقيقة لم أشعر يوماً أنني زوجها ، بل مرافقاً لها بالحفلات الراقية المتصنّعة ! فقلبي لم يخفق إلاّ لك ، عزيزتي 


سالي بقلق : سيدي ، أخبرتك سابقاً عن رفضي فكرة العشيقة 

- اذاً تزوجينني ؟ 

- كيف وانت متزوج ؟! 

هنري : سأطلّقها فور قبولك طلبي 

- لكنها ستحرمك من كل شيء

- صدّقيني لم يعد المال يهمّني بقدر إيجادي امرأة توافقني فكريّاً وروحيّاً وعاطفياً ، وأظنني وجدتها أخيراً  

سالي : لكني ما اسمعه بالحقيقة هو قتل الرجال لعشيقاتهم ، بدل تطليقهم لزوجاتهم النكديات ! فأيّ نوعٍ من الرجال انت ؟

- انا اريد راحة البال 

- اذاً عليك إخبار زوجتك بمشاعرك نحوي .. والى ذلك الحين ، سأبقى خادمتك فحسب

وخرجت من الإسطبل ، تاركةً هنري بحيرةٍ وقلق

*** 


بعد اسبوع .. اضّطرت اليزابيث بقبول طلب طبّاختها بإعادة سالي للقصر ، لمساعدتها بالمأدبة الضخمة التي ستُقام لوالدة السيدة القادمة مع اقاربها من السفر

***


وفي ليلة العزيمة ، واثناء تقديم سالي الطعام للضيوف .. ضربت اليزابيث بمروحتها القماشيّة على يدها بقوة ، مُعاتبة :

- قدّمي الطعام لأمي اولاً ، يا غبيّة !!

- آسفة سيدتي

ونظرت سالي لهنري بحزن ، والذي يحاول كتمان غضبه ..


وبعد تقديمها الطعام ، أوقعت الطبق من يدها بعد تعثّرها بطرف السجادة ..فنهضت اليزابيث لصفعها على كسر طبقها الغالي ، لتُفاجأ بهنري يمسك يدها بقوة ! 

مما قهر زوجته التي طردت سالي من قصرها ، والتي خرجت باكية بعد شعورها بالظلم الشديد !  


أما هنري فصعد الى غرفته غاضباً .. لتلحقه زوجته ، وسط دهشة امها والضيوف مما جرى امامهم !

***


في غرفة نومهما .. عاتبته اليزابيث على تصرّفه الأحمق امام الضيوف .. فانفجر بعصبية :

- حاولت تحمّلك لسنواتٍ طويلة ، ولم أعدّ أحتمل اكثر من ذلك

زوجته بصدمة : أكل هذا لأجل خادمة ؟!

- قلت لك الف مرة أن تناديها بإسمها !! 

اليزابيث : هي تحاول التقرّب منك لأجل المال ، فاعطها بعض النقود ولترحل من حياتنا

- انت تظنين إن بإمكانك شراء الناس بأموالك القذرة ، ولم تفهمي يوماً قيمة المشاعر والعواطف ! 


فردّت بتهكّم : وانت !! ألم تقبل زواجك من سيدة تكبرك بالسن ، لكيّ تصبح سيد مجتمع ؟

هنري : كنت شاباً غبياً ، وظننت إن المال والجاه سيشعراني بالسعادة ..لكني كرهت كل لحظةٍ معك

- اذاً فلتعدّ من حيث اتيت !!

- وهذا ما سأفعله الآن


ودخل غرفة الملابس .. ليخرج بعد قليل ، ببذلة عامل الإسطبل 

زوجته بدهشة : الم ترمي زيّك القديم ؟! 

- هذه هي هويّتي الحقيقية ، وسأخرج من قصرك كما دخلته .. وسأنهي إجراءات الطلاق قريباً 


وخرج من الغرفة ، تاركاً اليزابيث مصدومة من تصرّفه الجريء! 

ولم يكن بوسعها فعل شيء سوى مراقبته (من نافذة غرفتها) وهو يصعد الى عربة أحصنة برفقة سالي ، مُبتعدان عن حياة الرفاهية بالقصر !

***


لاحقاً علمت اليزابيث بزواجهما ، وعيشهما في كوخٍ قديم قرب النهر ! والّلذان أمضيا فيه لياليٍ سعيدة بالغناء والرقص وضحكاتهما العفويّة 

***


بعد شهرين .. إلتقى هنري بصديقه جاك في كوخ الغابة المُخصّص للصيد ، والذي عاتبه على قراره المفاجىء :

- لا أصدّق انك تخلّيت عن ثروة زوجتك لأجل خادمة ! 

هنري : ولست نادماً على قراري ، فسالي هي توأم روحي

- وهل ستظلّ تعشقك إن عرفت بأنك أمرتني بقتل زوجها بطلقة صيدٍ غادرة ؟

هنري وهو يكتم غضبه : ألم تعدني أن يبقى الأمر سرّاً بيننا ؟ 

فاكتفى جاك بابتسامةٍ خبيثة ! 


وهنا أخرج هنري زجاجة خمرٍ غالية من خزانة المطبخ ، وهو يقول : 

- جيد انني احتفظت بها قبل طلاقي .. لهذا دعوتك الى هنا ، كيّ نحتفل سوياً بزواجي السعيد  


وصبّ له كأساً ، ليشربها جاك دفعةً واحدة دون علمه بأن هنري دسّ فيها سمّاً ، لعلمه المُسبق بحقارة جاك ..فهو لن يجازف بخسارة حبيبته ، ولوّ أُجبر على القتل ثانيةً ! 


التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...