الاثنين، 25 يوليو 2022

خيبة أمل

تأليف : امل شانوحة 

 

الطفل الداخلي


في تلك الليلة .. أرسل أحد الأقارب بمجموعة العائلة في الواتساب ، فيديو قديم لريمي (الأربعينيّة) حين كانت في العاشرة من عمرها ، وهي تقول بسعادة : ((حينما أكبر سأصبح مشهورة وثريّة ، وسأكون فخر عائلتي))


فعلّق إخوتها ساخرين على مقطعها لكونها عانس ، والوحيدة التي لم تتوظّف بينهم .. وهي تقبّلت نقدهم كالعادة ، وهي تُخفي حرقة قلبها

***


قبل نومها .. أعادت المقطع أكثر من مرة وهي تتمعّن بنظراتها الحادّة كطفلة ، وتحدّثها بثقة عن احلامها المستقبليّة !

سائلةً نفسها بحيرة : ((لما تغيّرت هكذا ؟ كنت طفلةً قويّة ، والجميع توقّع مستقبلاً باهراً لي .. فلما أصبحت فاشلة ؟ لما يئِست من الحياة ؟ لما لم يعد شيئاً يُفرحني ؟ ماذا فعلت بطفلتي الداخليّة ؟ هل قتلت طموحها ، ام إن نقد الناس المتواصل أفقدني ثقتي بنفسي ؟))

وأخذت تفكّر بماضيها ، حتى غلبها النوم ..


وشاهدت حلماً غريباً : ((وهي تقف امام مرآة غرفتها ، وتنظر الى طفلة تقلّد حركاتها : بالإبتسامة والغضب ! فعلمت إنها تواجه نسختها الصغيرة 

وما أن مدّت يدها نحو المرآة ، حتى جذبتها الصغيرة الى غرفتها في منزلهم القديم !


ورغم دهشة ريمي الكبيرة ! إلاّ ان الفرحة غمرتها بعد رؤية ألعابها القديمة فوق السرير.. فأخذت تقلّبهم وهي تستذكر الماضي ، قبل سماعها الصغيرة تقول بنبرةٍ غاضبة :

- إن أنهيت اللعب ، علينا التحدّث قليلاً !! 


فأزاحت ريمي الكبيرة العابها ، لتجلس الصغيرة بجانبها على السرير وهي تقول بحنق : 

- ماذا فعلتي بي ؟!

- لم افعل شيئاً !

- هذا ما قصدّته .. لما لم تحقّقي شيئاً من أحلامي ؟! 

فأجابتها الكبيرة بيأس : لأن الحياة أصعب ممّا تتصوّرين

- انت استسلمتِ بسرعة !!

- حلمت بالنجاح طوال عمري ، وعملت جاهدة لأجله .. حتى انهارت قوايّ


فقالت الصغيرة : 

- اذاً لا فرق بينك وبين الناس العادية التي تتوقف بعد إحساسها بالتعب .. اما نحن ، فنعلم إن النجاح يأتي بالجهد الإضافيّ.. أتذكرين كيف اكتفى الطلّاب بتلخيص الكتاب المقرّر ، بينما كتبنا بحثنا من المكتبة العامة ؟ لذلك حصلنا على الجائزة التقديريّة 

- أتذكّر جيداً

الصغيرة : وماذا عن عدم إكتفائنا بحلّ الواجبات المدرسيّة ، بل نقوم بتحضير الدروس القادمة للتفوّق على زملائنا ؟ 

- كنت أعشق الدراسة بالفعل ! 

الصغيرة معاتبة : وماذا حصل بعد تخرّجك الجامعيّ ؟ لما بقيتِ في المنزل ؟ لما لم تعملين ؟! 

- لست جيدة بالتعامل مع الناس

- منذ متى يا ريمي ؟! لطالما كنتِ اجتماعيّة مع الطلاّب والجيران

الكبيرة بيأس : الأمر يزداد صعوبة كلما كبرنا في السن !  


الصغيرة بعصبية : بل أنت تكاسلتِ عن إيجاد وظيفةٍ لائقة .. الم تعدي اهلك بالنجاح في المستقبل ؟ وهآ انت تضيّعين وقتك بتنظيف المنزل وخدمة الآخرين دون هدفٍ بالحياة !

الكبيرة : انا مضّطرة لمساعدتهم ، فهم مشغولين بأعمالهم

- ولما لا تتوظّفين وتُحضرين خادمة لعائلتك تهتم بشؤون المنزل ، بينما تحقّقين احلامنا ؟

فسكتت ريمي الكبيرة بقهر ..


فأكملت الصغيرة : انت خذلتني !! وطالما نهايتي هي الجليّ والطبخ والغسيل ، فلما أتعب نفسي بالدراسة ؟ 

وبعثرت كتبها عن طاولة..

الكبيرة بصدمة : ماذا تفعلين ؟!

- بما أني سأصبح فاشلة ، سأترك الدراسة وأتفرّغ للعب كبقيّة الأولاد 

- لا !! لن تفعلي 


الصغيرة بحزم : اذاً تصرّفي !! إنتفضي على واقعك .. لا تقبلي نقد الآخرين ..ضعي حدوداً لهم ، حتى لوّ كانوا عائلتك .. خصّصي وقتاً لنفسك لمتابعة احلامك.. إبحثي عن وظيفة ، وإيّاك التحجّج بكبر سنك.. لا تنتظري العريس ، واهتمي بنفسك اولاً .. قومي بحميّة غذائية وحافظي على جمالك ، فهذا يزيد طاقتك الإيجابيّة .. إعملي واخرجي من المنزل وقومي بزيارة الأصدقاء ، واحضري المناسبات كيّ يراكِ الناس .. (ثم وقفت وهي تشير للمرآة)..والآن عودي لحياتك ، وإيّاك هدرها ثانيةً .. يكفي السنوات التي أضعتها من عمري بانتظار الفرج .. أيقظيني بداخلك وإلاّ ستقتلي حماسي بيديك.. لا تخيّبي أملي بك .. رجاءً ، لا تفسدي مستقبلي))


وهنا استفاقت ريمي وهي تتصبّب عرقاً .. ونظرت في المرآة لأول مرة دون نقد شكلها ، كما فعلت لسنواتٍ عديدة ! بل قالت بحزم :

- سأبدأ حميّتي الغذائية اليوم ..وسأعود جميلة ورشيقة.. وسأنجح كما حلمت دائماً .. أعدك بذلك ، يا ريمي الصغيرة

وهنا دخلت اختها ، لدعوتها الى تناول الكنافة..  

- لا شكراً

اختها بدهشة : لكنك تحبينها على الفطور !

- لن آكل الحلويات بعد اليوم


فعادت اختها الى الصالة ، وهي تقول لأمها واخوتها بسخرية :  

- أسمعتم !! ريمي قرّرت القيام بحميةٍ غذائيّة

وضحكوا ساخرين منها .. 


فخرجت ريمي لهم ، وهي تقول بجدّية : 

- سأحضّر طعامي بنفسي ، لا تحسبوا حسابي بأطعمتكم الدسمة  

اختها : ماهذا التغيّر المفاجىء ؟ هل تعرّفتِ على احد بالإنترنت ؟

ريمي : أفعل ذلك لصحّتي 

وعادت الى غرفتها ، لتبتعد عن انتقاداتهم الساخرة 


وأقفلت الباب على نفسها ، بعد وضعها السمّاعات .. وهي تقول بنفسها : 

((سأقوم بالتمارين الرياضيّة لحين انتهاء الأغنية ..ولاحقاً أغنيتين .. الى ان اصل لساعةٍ كاملة كل يوم))

*** 


ظنّت عائلتها انها ستتوقف عن حميّتها قريباً ، وحاولوا ذلك بتحضير مأكولاتها المفضّلة .. لكن ريمي التزمت بقرارها ، بشكلٍ أثار دهشتهم ! 

كما قضت وقتها بتعلّم الجرافيك ديزاين من الإنترنت ، لتطوير مهارتها في الرسم والتصميم ..

الى أن تمكّنت بعد شهور من نشر اول فيديو لها .. 

ومن بعدها حوّلت افكارها المبتكرة لرسوم ، وإرسلتها لشركاتٍ عالميّة بلغتهم الأجنبيّة 

***


بعد سنتين .. وصلت ريمي لوزنها الطبيعي الذي أعاد جمالها ، مع إهتمامها ببشرتها وشعرها .. 

حينها تلقّت اول ايميل من شركةٍ رياضيّة أُعجبت باختراعها ماكينة رياضيّة على شكل مقعدٍ مريح : يترنّح اوتوماتيكياً للأعلى والأسفل ، لنحت الخصر والأرداف ، اثناء جلوس الشخص عليه وهو مستمتع بالقراءة او متابعة جواله دون مجهودٍ او تعب 


وطلبت ريمي في المقابل 20 بالمئة من ثمن المبيع ..والذي وصلها في السنة التالية ، لتحصل على اول أجرٍ بحياتها .. 

لكنها لم تخبر اهلها بنجاحها ، بل جمّعت ارباح اختراعاتها .. الى ان اشترت شقة صغيرة بإسمها ، وفاجأت اخوتها بالإنتقال اليها !  


لكنهم اعترضوا على بقائها وحدها .. فأخذت امها للعيش معها ، تاركةً اخوتها الخمسة يدبّرون امورهم في شقتهم القديمة .. بينما اعتنت ريمي بأمها وعملها الذي ازدهر بمرور الأيام .. 

وحين تقدّم مدير اعمالها للزواج منها .. وافقت على طلبه ، بعد كتابة الشقة بإسم امها ..وسافرا للعمل في الخارج .. 

***


بعد سنوات ، أصبحت المخترعة الأولى في العالم العربي !

حينها حلمت بريمي الصغيرة ثانيةً ، وهي تقول من خلف المرآة :

- الآن إطمئنّيت على مستقبلي ، يمكنني الرحيل بسلام

ثم حطّمت المرآة بمطرقة ، الى قطعٍ صغيرة ! 


فاستيقظت ريمي وهي تشكر ربها على إتمام مهمّتها بنجاح ، بعد منح طفلتها الداخليّة الطمأنينة والسلام ! 


هناك 7 تعليقات:

  1. للاسف هذا الشي صعب جداً على فاقد للشغف و الحماس مثلي.💔

    استمري بابداعك و تحضير قصص انتقام عنيفة. 💙

    ردحذف
    الردود
    1. جميعنا مررّنا بأوقات فقدنا فيها الشغف بالحياة ، لكنه عمر وسيمضي ..فالنقضيه بطاعة الله وطاعة الوالدين ، وإنجاز عملنا بإتقان .. انا مثلاً لي دعاء أكرّره دائماً :(اللهم سخّر موهبتي لطاعتك ، واجمعني بأخيار مجال الكتابة واعمي عيون الأشرار عني ، واجعلني قدوة حسنة لغيري) ..اللهم آمين .. تحياتي لك

      حذف
  2. لافيكيا سنيورا

    رائعه القصه تشجعنا ع العمل والمثابره وتحقيق الطموح.


    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة انها اعجبتك اخي ابن اليمن ، لافيكيا سنيورا

      حذف
  3. ذكرني هذا بالمقوله : تكون الحياه جميله جدا وكل شيء مذهل ...حتى يرن المنبه !
    فهذه قصه خياليه بلا شك والا فلتثكلني امي ساءر اليوم ..قصدت ان افصح يعني عن شقاء العقلاء فانهم لا يصلون للحكمة التامة في تيكم المحرقه حتى يؤمنون بانها زريبة كبيره جدا من البقر ...يتبع

    ردحذف
  4. وذكرني العنوان بمثل امي اذ كلما خاب املها في حالي تقول خيبة الامل راكبه جمل . ههههه
    حتى فقدت الثقة في نفسي ..ثم فقدت الهاتف والمفاتيح ..حتى ولاعة السجاءر فقدتها ...
    ههههه

    ردحذف
    الردود
    1. احياناً نخيب الأمل بأنفسنا غصباً عنا ، فالحياة لا تطاق ببعض الأحيان .. لكن علينا اقناع انفسنا اولاً بأننا مميزين ، لتنعكس طاقتنا الإيجابية على من حولنا.. ربما اصعب شيء يقوم به الإنسان هو حبّ نفسه ! لا تقسو على نفسك ، ولا تنتظر المدح من احد .. إحمي قلبك من نقد القريب والغريب .. كان الله في عوننا جميعاً ، اخي عاصم

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...