السبت، 16 يوليو 2022

فدائي الوطن

كتابة : امل شانوحة

 

حارس السرايّ


أطلق النار عليهم جميعاً ! الفاسدون الخمسة الذين دمّروا البلد بغضون سنتين فقط .. 

لم يتوقع احد أن يقوم حارس السرايّ (الذي عمل بحراسة غرفة الإجتماعات الخاصّة برئيس الجمهوريّة لأكثر من عشرين سنة) بانقلابٍ عسكريّ لوحده !


كل هذا حصل بعد إصابة ابنه الوحيد بأزمةٍ صدريّة مُفاجئة.. 

ورغم عمله بالقصر طوال شبابه إلاّ انه غير مضمون صحيّاً ، ولا يسمح راتبه البسيط بنقل ابنه لمستشفى خاصّ !


واثناء انتظاره عمليّة ابنه الشاب (دون زيّه العسكريّ) إستمع الى مآسي الناس المتواجدين بقسم الطوارئ : من ازمة غلاء المعيشة وندرة الدواء وغلاء المازوت والوقود والإنقطاع الدائم للكهرباء والماء .. 

فتعاطف معهم لعيشه في منطقةٍ شعبيّة تعاني نفس مشاكلهم .. 

***


بعد ساعة من بدء العمليّة ، إنقطع التيّار الكهربائي عن المستشفى بأكملها ! فحصل هرجٍ ومرج بين الزوّار والموظفين من جهة ، والمرضى من جهةٍ أخرى !


والأسوء إن مروحة التبريد في مولّدهم الكهربائيّ تعطّلت بسبب استخدامها الدائم .. ولقدم المولّد ، لم يجدوا قطعة غيارٍ بعد توقف الإستيراد ، عقب الإنفجار الهائل للميناء ! وهذا يعني إن حياة ابنه في خطر ..


ومن شدّة خوفه ، إقتحم غرفة العمليات وهو يضيء جوّاله.. 

ليصرخ الطبيب وهو يأمره بالخروج .. 

فردّ الوالد بصوتٍ مرتجف :

- لن افعل شيئاً ، سأضيء لكم لإكمال العمليّة

الممرّضة : ملابسك غير مُطهّرة ، وهذا خطر على حياة ابنك

الأب بإصرار : لن اخرج قبل الإطمئنان على ابني الذي تشرّحونه في الظلام ، فنور بطاريتكم ضعيفٌ جداً.. سأبقى بجانبه حتى نهاية العمليّة 


فتركوه يسلّط نور جوّاله على صدر ابنه المفتوح ، وهو يحاول كتمان دموعه وهو يرى نبضات قلبه تتباطىء شيئاً فشيئا ، حتى أعلن الطبيب وفاته !


وبغمرة غضبه ، رفع مسدسه في وجه الطبيب الذي عاتبه :

- بدل أن تلومني ، عاقب الفاسدين الذين اوصلونا لهذه الحالة المزريّة

الممرّضة بيأس :

- ومن يستطيع الإقتراب من اولئك الملاعين ؟!


فخطرت ببال العسكري فكرةً مجنونة ! 

وخرج من الستشفى متوجّهاً للقصر الجمهوريّ ، بعد تذكّره الإجتماع السرّي المُقام بين الفاسدين الخمسة ..

***


ولأنه من حرس السرايّ القدامى ، لم يوقفه أحد اثناء توجّهه لغرفة الإجتماعات .. ليجد زميله يسأله بغرابة : 

- الم تطلب مني الحراسة ، لحين انتهاء عمليّة ابنك ؟! 

فكتم العسكري دموعه بصعوبة ، قائلاً بابتسامةٍ مزيّفة :

- ابني بخير ، نقلوه لغرفة العناية المركّزة .. إذهب لمنزلك ، سأبقى حتى نهاية الإجتماع

زميله : بقيّ نصف ساعة لانتهاء المشاورات بينهم

فتمّتم بصوتٍ منخفض : 

- وقتٌ يكفيني

***


بعد ذهاب زميله .. نظر العسكري لساعته ، وهو يستذكر ابنه الذي ربّاه وحده ، بعد وفاة زوجته اثناء الولادة.. والذي مات بنقص الدواء وانقطاع الكهرباء ، قبل ايام من عرسه !


فوقف بجانب الباب وهو متردّد لتنفيذ خطّته ، الى أن سمع ضحكاتهم المجلّجلة من الداخل التي استفزّته كثيراً ، فما الشيء المضحك بعد تدميرهم الوطن ؟!


فأسرع بتلقيم مسدسه ، مُقتحماً غرفتهم .. ليقتل الرئيس اولاً ، ثم اعضائه الأربعة الفاسدين .. ولم يبقى في مسدسه سوى رصاصة واحدة ! 

فانتظر قدوم العسكر الذين حتماً سمعوا صراخ المسؤولين وتوسّلاتهم ، قبل تلوّث المكان بدمائهم وأشلاء أدمغتهم الماكرة ! 


وما أن رأى زملائه (الذين عمل معهم لفترةٍ طويلة) يركضون في الممرّ باتجاه غرفة الإجتماعات ، حتى صوّب المسدس على رأسه وهو يصرخ باكياً : 

- إخبروا الشعب انني ضحيّت لأجلهم ، ولأجل وطننا المظلوم!!

ثم أطلق النار على نفسه مُنتحراً !

***


كان الأمر مفاجأة سارّة للمواطنين ، إلاّ أن البعض أحزنه الخبر بعد إستفادتهم من الفوضى السائدة بالبلد ! بينما الأكثريّة أطلقوا المفرّقعات مع التصفيق والتصفير ، تحيةً للفدائي البطل..

***


لاحقاً دُفن الفاسدون الخمسة خارج الوطن ، بعد إجماعٍ شعبيّ على نفيّ جثثهم للخارج ! بينما انطلقت مسيرةٌ ضخمة خلف جنازة العسكريّ البطل الذي أنقذهم من حياتهم البائسة ، وأعطاهم أملاً لإحياء بلدهم بقوانين سياسيّةٍ عادلة ، بعيداً عن النظام الطائفيّ المُهترئ !  


هناك 7 تعليقات:

  1. مازلنا دون كهرباء ولا ماء لليوم الخامس ، على امل إصلاح مولّد العمارة غداً .. فكهرباء الدولة تأتي ساعة باليوم ، وماء الدولة مقطوعة منذ قرابة شهر .. كان الله في عون الشعب الطيّب ، المغلوب على امره !

    ردحذف
  2. لافيكيا سنيورا

    قصه رائعه ولكن الفسادين لن ينتهو بدولنا

    اعانكم الله اختي امل واعان جميع شعوبنا المظلومه ...

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف



  3. فوق الخرائب
    قفوا حول بيروت صلوا على روحها واندبوها
    وشدوا اللحى وانتفوها
    لكي لا تثيروا الشكوك
    وسلوا سيوف السباب لمن قيدوها
    ومن ضاجعوها
    ومن أحرقوها
    لكي لا تثيروا الشكوك
    ورصوا الصكوك
    على النار كي تطفئوها
    ولكن خيط الدخان سيصرخ فيكم: "دعوها"
    ويكتب فوق الخرائب
    "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها".

    ردحذف
    الردود
    1. شعرٌ جميل أخ عاصم ، يلامس واقعنا الأليم .. كان الله في عون جميع الدول العربية .. تحياتي لك

      حذف
  4. صفت النية يالبنان ، صفت النية ،
    لم نهملك ولكن كنا مختلفين على تحديد الميزانية ،
    كم تحتاج من التصفيق؟
    ومن الرقصات الشرقية ؟
    مامقدار جفاف الريق في التصريحات الثورية ؟
    وتداولنا في الأوراق، حتى أذبلها التوريق ،
    والحمد له صفت النية ، لم يفضل غير التصفيق ،
    وسندرسه ، في ضوء تقارير الوضع بمـوزمـبـيـق ،
    صفت النية ، فتهانينا يالبنان ،
    جامعة الدول العرية تهديك سلاما وتحية ،
    تهديك كتيبة ألحان ، ومبادرة أمريكية .

    ردحذف
  5. هذا شعر صنوي وشق روحي المعذب احمد مطر .

    ردحذف
    الردود
    1. عذراً ، معلوماتي بالشعر قليلة .. المهم ، شكراً لذكرك هذه الأشعار الجميلة كتعليق على قصتي

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...