الجمعة، 1 يوليو 2022

دوامي الليليّ

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

طلّابي المميّزون


وقفت المعلّمة سمى امام خزانتها بالمدرسة ، وهي تقول :

- عليّ ترتيبها قبل تناول طعامي

إلاّ أن زميلاتها نادينها لتناول الغداء معهنّ ، قبل صعود الطلّاب من الملعب.. 

***


بعد انتهاء فرصة الغداء ، تفاجأت سمى بخزانتها مُرتّبة !

فسألت زميلاتها وخادمة المدرسة ، اللآتي أنكرن ذلك ! 

فأكملت يومها الدراسيّ بعد تناسيها الموضوع

***


بعد ايام .. وقبل ذهاب سمى للفصل الثاني ، تأفّفت بضيق :

- عليّ مواجهة الولد المدلّل ، حفيد المديرة التي تمنعنا عقابه رغم مشاغبته المتواصلة 


لتعلم لاحقاً بأنه غائب .. فسألت صديقه الذي أخبرها إنه كسر قدمه البارحة اثناء ركوبه الدرّاجة ! 

ولم تمضي أيام ، حتى قامت امه بنقله لمدرسةٍ أخرى بجوار منزلهم..


وحصل الشيء ذاته مع مسؤولة الوزارة القاسية ، التي أُصيبت بعارضٍ صحّي قبل يومٍ واحد من مراقبتها حصّة سمى ! 

لتقوم لاحقاً بالإستقالة بعد تدهوّر صحّتها بشكلٍ مُفاجىء !

***


بعد إسبوعين .. طلبت المُشرفة من سمى ترتيب المكتبة المسؤولة عنها ، لتبقى بمفردها بعد نهاية الدوام..


وحين وجدّت القصص والكتب مُبعثرة في الصالة المُخصّصة للطلّاب ، تنهّدت بضيق : 

- عملٌ كثير ، سأرتّبها بعد قليل


وبعد خروجها من الحمام ، تفاجأت بالغرفة مُرتّبة بالكامل ! 

فأسرعت لحارس المدرسة الذي نفى صعوده للفصول ، كما عودة خادمة المدرسة الى منزلها ! 

فشعرت سمى بالإرتباك الشديد ! وعادت لمنزلها ، دون إيجاد تفسيرٍ منطقيّ لما يحصل معها

***


في المساء ، شاهدت مناماً غريباً لإمرأة عجوز بوجهٍ شاحب ، تقول لها :

- تنقصنا معلّمة في مدرستنا .. وبعد مراقبتنا المعلّمات طوال الشهر الماضي .. وجدنا انك الوحيدة المُتفانية بعملك ، ورغم ذلك لم تكرّمي يوماً على مجهودك ، بعكس المعلّمات الأخريات المُتنمّقات للمديرة .. لهذا كافأناكِ بالمساعدة بأعمالك الروتينيّة الصعبة ، وأبعدنا الناس البغيضين عن طريقك.. فهل ترضين العمل لدينا ؟ ..أعرف انه عملٌ إضافيّ بالنسبة لك .. لكن لا تقلقي ، ستكونين بكامل نشاطك لأن قضائكِ ساعة بتعليم اولادنا يساوي دقائق قليلة بزمانكم ، لهذا لن يلاحظ احد اختفائك .. فهل توافقين على تعليم طلّابنا دواماً مسائيّ ؟


لتستيقظ سمى فزعة من منامها الغريب الذي أشغل تفكيرها ، لدرجة جعلتها تخرج من منزلها (وأهلها نيام) مُتوجهةً للمدرسة .. فالحارس اعطاها المفتاح ، كيّ ترتيب حفلة طلّابها قبل وصولهم صباحاً ..

*** 


وصلت الساعة الواحدة ليلاً الى المدرسة ، وصعدت الى فصلها .. لتُصعق برؤية طلّابٍ يجلسون بهدوء امام طاولاتهم ، جميعهم بلباسٍ ابيضٍ موحّد  ووجوهٍ شاحبة وشعرٍ طويل يُغطي معظم وجههم !


وقبل هروبها ، أوقفتها المرأة العجوز ذاتها التي شاهدتها بالمنام ! والتي تكلّمت مع الطلّاب بلغةٍ غريبة ، قبل قولها لسمى :

- أخبرتهم انك وافقتي على تعليمهم 

سمى برعب : لم اوافق على شيء !

- بلى وافقتي وإلاّ لما اتيت على الموعد ..وهاهم طلّابنا تحت امرك.. وكما أخبرتك بالمنام ، لن يلاحظ احد إختفائك .. وستعودين سالمة الى منزلك بعد ساعتين من الآن .. وسنكافئك على جهودك بطريقتنا .. اراك لاحقاً

سمى : لحظة !! لم تخبريني عن المادة التي سأعلّمها لهم ؟

لكن العجوز خرجت من الصف ، بعد غلق الباب خلفها !


فلم يعد امام سلمى سوى التحدّث مع طلّابها الجدّد التي لا تعرف إن كانوا جناً ام أشباحاً ! قائلةً بصوتٍ مرتجف :

- هل تتكلّمون العربية ؟

فأجابوها بلغةٍ لم تفهمها !

سمى : اذاً سأعلّمكم لغتي لأستطيع التحدث معكم في المستقبل 

وأخذت تكتب الأحرف الأبجديّة على السبّورة ، وهي تقول :

- ردّدوا ورائي : حرف الألف .. ألف !!

فردّدوا : أأأأأأ

- لا !! ألف ، إنطقوها كما اقولها 

- ألف !!

سمى : ممتاز !! وهذا حرف الباء 


وراقبتهم المديرة العجوز من شقّ باب الفصل ، وهي سعيدة بنجاح خطتها 

*** 


بعد انتهاء الدرس ، شعرت سمى بدوارٍ مفاجىء .. لتستيقظ في فراشها بالمنزل !

- ما هذا الكابوس المفزع ؟!


ثم جهّزت نفسها للذهاب لمدرستها ، وهي تشعر بنشاطٍ وحيويّة لم تعهدها من قبل !

***


في الليلة التالية .. تكرّر المنام ، حيث سمعت مديرة الجن تعاتبها :

- لما سهرتِ الليلة ، الا تعلمين إن ورائك دوامٌ ليليّ ؟

سهى : كنت أصحّح امتحانات الطلّاب 

- لا تقلقي بشأنها ، وكّلت من يصحّحها عنك .. الآن إسرعي ، فطلّابنا بانتظارك 


وفجأة ! وجدت سمى نفسها بالفصل المسائيّ ، فتساءلت بقلق : 

((أمازلت احلم ؟!))

ليقاطع تفكيرها أحد الطلّاب :

- هل سنُكمل الحروف الأبجديّة يا معلّمتي ؟  

سمى باستغراب : كيف تعلّمتم العربية بهذه السهولة ؟!

- تعلّمنا النطق فقط ، ومازلتي تعلّمينا كتابة الحروف 

سمى : وهل أنهيتم الواجب ؟

- نعم ، كتبنا كل حرف ثلاث مرات 


فمشت بين طاولاتهم ، وهي تنظر لإجاباتهم بدفاترهم الشفّافة.. وهي مُتعجّبة من تعلّمهم السريع ، حيث فاق ذكائهم طلاّبها الإنسيين !

***


في الصباح ..إستيقظت سمى في غرفتها ، وبجانبها اوراق امتحانات طلاّبها (الإنسيين) مُصحّحة بالكامل ، كما وعدتها مديرة الجن ! 

سمى بقلق : اذاً الأمر حقيقي ، انا أدرّس طلاّب الجن .. غريب إن الموضوع لم يعد يُخيفني ! بل العكس ، أشعر بطاقةٍ مضاعفة كأني عُدّت لسن المراهقة ! .. الأفضل كتمان الأمر ، كيّ لا يصفونني بالمجنونة او المسحورة  

***


بعد عودتها من المدرسة ظهراً ، مرّت بجانب متجر الملابس .. وأعجبها فستاناً معروضاً على الواجهة ، لم تستطع شرائه لغلاء سعره .. فأكملت طريقها لبيتها .. لتُصعق برؤية الفستان مُمدّداً فوق سريرها !

 

فسألت امها واخوتها اللآتي أنكرن دخول غرفتها بغيابها !

فعرفت انها هدية من الجن على مساعدتها المجانيّة لهم ..

*** 


مع الأيام .. تعوّدت على انتقالها اليهم عن طريق النوم ، وقيامها بتدريسهم منهج اللغة العربية ، كما تفعل مع طلاّبها الإنسيين .. 


ولم يمضي وقتٌ طويل ، حتى اتقنوا اللغة العربية قراءةً وكتابة ، كأنهم انتقلوا للمرحلة الثالثة بغضون ثلاثة أشهر ، فذكائهم يفوق اطفال الإنس بأشواط !

*** 


وفي عصر ذلك اليوم .. واثناء تحضيرها حفلة نهاية السنة ، تفاجأت بطلاّبها الجن يلعبون في ملعب المدرسة !

سمى معاتبة : ماذا تفعلون هنا ؟! 

- نعلم انه غير مسموح لنا التواجد في مدرستكم صباحاً ، لكن عطلتنا السنويّة بدأت مبكّرة ، وأردنا اللعب بمراجيح حديقتكم


بهذه اللحظة .. سمعت مديرتها الإنسيّة تناديها من بعيد

- سمى !! هل انتهيتِ من تزين الحديقة ؟

سمى للجن : هيا اختفوا حالاً !!


فاختفوا ، قبل ثواني من اقتراب المديرة منها :

- آه تذكّرت ! أخبرني بعض الأهالي عن رؤية اطفالهم أشباحاً في المدرسة 

سمى بارتباك : ماهذا الهراء !.. أقصد إن الأولاد بهذا العمر لديهم اصدقاء وهميين 

المديرة : وهذا رأيّ ايضاً ، لكني توتّرت بسبب إشاعةٍ قديمة

- وماهي ؟!

- رجاءً إبقي السرّ بيننا ، فالمدرسة بُنيت فوق مقابر

- أحقاً !

المديرة : نعم ، مديرنا السابق زوّر اوراق المقبرة لبناء ملعبنا 


سمى : ولما لم يشتكي اهالي الموتى عليه ؟

المديرة : هي مقبرةٌ قديمة لم يتواجد فيها سوى جثة امرأة مُشرّدة ، واطفال الشوارع ماتوا ايام المجاعة قبل مئة عام .. 

سمى بصوتٍ منخفض : اذاً طلاّبي ليسوا جنّاً ، بل أشباحاً !

المديرة باهتمام : عن ماذا تتكلمين ؟! أرأيت جناً بالجوار ؟


وفجأة ظهرت العجوز الجنّية ، ونفخت في وجه المديرة التي تجمّدت بمكانها ! .. ثم اقتربت من سمى التي ترتجف بقوة :

- نحن لسنا مستائين منك ، فلا ذنب لك بهدم قبورنا  

سمى بقلق : وماذا فعلتم بالمدير القديم ؟ 


العجوزة الشبح : توقف قلبه بعد ظهوري انا واطفال المقابر بجوار سريره ، وبذلك انتقمنا منه .. ولأن روحي علقت مع الصغار ، أردّت تعليمهم ، ولم اجد افضل منك لهذه الوظيفة .. فأنت لم تعلّميهم اللغة العربية فحسب ، بل ايضاً الأخلاق والأدب ..فهم اعتادوا على ايذاء من يضايقكِ ، لإعجابهم الشديد بك .. لكنك علّمتهم إحترام الآخرين ، فشكراً لك 

- وماذا عن مديرتي ؟ هي سمعتني أتحدّث عنكم ..

- لا تقلقي ، سأغيّر الفكرة برأسها قبل رحيلي ..  


ثم اقتربت من المديرة (المتجمّدة) ، ونفخت في وجهها قبل اختفائها .. لتستيقظ المديرة وهي تقول :

- ماذا كنت اقول ! آه صحيح ، سأزيد راتبك السنة القادمة

سمى بدهشة : أحقاً ! 

- نعم ، انت الوحيدة التي لم تحصلي على ترقية رغم تفانيك بالعمل

- شكراً جزيلاً لك

المديرة : إكملي عملك ، اراكِ بعد وصول الأهل والأولاد للإحتفال بنهاية عامنا الشيّق


وبعد ذهابها..

سهى : بالفعل ، كانت سنة مميزة بحقّ ! 

***


في السنة التالية ، وبيوم عيد المعلم .. تفاجأت ام سمى بعشرات الهدايا تملأ غرفة ابنتها ، فسألتها بدهشة : 

- انت تدرّسين ستين طالباً ، فمن اين اتت كل هذه الهدايا ؟

سمى : لديّ الكثير من المعجبين يا امي

- وفقك الله يا ابنتي


وخرجت من الغرفة .. لتقول سمى بنفسها :

((كيف لوّ عرفت إن طلاّب دوامي الليليّ يزيدون عن 300 طالب!))

وهنا ظهرت جملة على مرآة غرفتها :

((عيدٌ سعيد يا معلّمتنا العزيزة))

فتمّتمت سمى :

- شكراً لكم يا طلاّبي المميزين

وابتسمت للمرآة بامتنانٍ ومحبّة !


هناك 10 تعليقات:

  1. كما ذكرت على صفحتك بالفيس مبدعة دائما جدا بخصوص القصص التي تنشريها وتحتوي على قصص الجن أجدها فكاهية أكثر مما هي مخيفة


    واريد

    ردحذف
    الردود
    1. صدّقني اخ ربيع ، كنت شاهدت الكثير من الجن في كوابيس متعددة ، وهم لا يختلفون عن اشكال الوحوش بقصة ديزني (Monsters) او بالنسخة العربية (شركة المرعبين المحدودة) وبمجرّد قراءتي للمعوذات يختفون فوراً .. لهذا لا اجد الجن اقوياء او مخيفين ، بعكس الشياطين ! اما ابليس فشاهدته مرتين بالمنام ، وهو يشبه الممثل التركي ميماتي بمسلسل وادي الذئاب ، رغم اني لم اشاهد المسلسل مطلقاً ! لكن لديه نفس عيونه الحادّة والمخيفة !

      حذف
    2. ما بعرف اذا تعرفي اني ملحد استاذة أمل ولا اؤمن لا بالجن ولا ابليس وطبيعي تشاهدي بالأحلام يلي ذكرتيه نظرا لانه تفكري فيهم وتكتبي عنهم

      حذف
    3. الله يهديني ويهديك ، لن اقول اكثر من ذلك !

      حذف
    4. المهم لا ننحرم من ابداعتك الرائعة تحياتي 😊🌷🌷

      حذف
    5. عليّ تأليف 17 قصة كيّ اصل الى 500 قصة ، ربما سأحتاج شهرين لإتمام المهمّة بإذن الله.. والأمر مرهقٌ جداً مع انقطاع الكهرباء الدائم وسخونة الطقس وصداعي المستمرّ ، كان الله في العون

      حذف
  2. لافيكيا سنيورا

    كالعاده قصه رائعه من ثنائي روووووعه

    ههههههههه سبحانه مقلب القلوب
    كان القلب ينبض بالحب ثم صار القلب ينبض بالجن والاشباح ههههههههههههه

    ربما الفكره القادمه ستكون عن الفضائيين او الرماديين ...كل شي وارد

    اسما
    سما

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. تعليقك أسعد اختي كثيراً ، لافيكيا سنيورا اخي ابن اليمن

      حذف
  3. الى ربيع شهاب
    كما تقول
    تخيل
    ان في يوم قيامه وابليس وجن
    كيف يكون ردة فعلك وقتها

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...