الثلاثاء، 28 يونيو 2022

لعنة المظلوم

فكرة : أختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

 

قساوة الأغنياء


نادت رئيسة الخدم ، عاملة التنظيفات سعاد الى المطبخ :

- عليك الهروب من القصر ؟

سعاد بقلق : لماذا ؟!

- السيدة نجاح عرفت بحملك من ابنها الصغير ، وحجزت موعداً لإجهاض جنينك

- لن أسمح لها بقتل ابني !  

رئيسة الخدم : وهل تظني اصحاب القصر سيقبلون حفيداً منكِ ؟ 

- الا يكفي انني لم أبلّغ عن اعتداء ابنهم المدمن عليّ ؟!

- إفهمي يا سعاد ، هي تريد قتل الدليل


سعاد بقلق : لكن هذا خطر على حياتي ، البارحة أخبرتني القابلة بأنه يوجد إحتمال أن أصبح عاقراً إن أجهدّت حملي الأول !

- اذاً إهربي من القصر ، فالسيدة تُجهزّ نفسها لأخذك للطبيبة النسائيّة بعد قليل 

- وماذا عن راتبي ؟

رئيسة الخدم : إختاري إمّا طفلك او مالك .. هيا يا سعاد لا تكوني حمقاء واختفي عن الأنظار وإلاّ سيتخلّصون منك بطريقةٍ ما !  

- اذاً سأنتقل الى منزل خالتي ، فلا احد يعرف عنوانها 

وخرجت بحذر من القصر ، دون أن ينتبه لها الحارس  

*** 


مرّت السنوات .. وعاد فؤاد (الإبن الأكبر) من السفر ، بعد موت والده بنوبةٍ قلبيّة عقب خسارة امواله بالبورصة ! فموت ابنه الصغير بعد جرعة مخدراتٍ زائدة ، أثّرت على صحّة قلبه .. هذا عدا عن هروب ابنته الوحيدة مع عشيقها للخارج ، قبل عام من افلاسه !


ولم يبقى سوى فؤاد الذي استأجر لأمه شقةً صغيرة بما تبقى من مالهم ، والذي ذكّرها بالماضي : 

- هذه لعنة سعاد ، فنحن لم نعاقب اخي على ذنبه معها !

الأم : جيد انك فتحت الموضوع ، اريدك أن تبحث عن حفيدي الذي اصبح بعمر 26 عاماً .. فلديّ فضول لرؤية نسل اخيك المرحوم .. 

***


فبحث فؤاد مطوّلاً عن سعاد ، لكن الأمر لم يكن سهلاً بعد تغير عنوانها القديم ..


وبعد اسبوعين من البحث المتواصل ، اخبر امه أنه فقد الأمل بإيجاد سعاد وابنها.. فأصيبت بوعكةٍ صحيّة ، إستوجب نقلها الى مستشفى حكوميّ (ففؤاد يعمل محاسباً بشركة ، وراتبه لا يكفي علاجها بمستشفى خاصّ !)

***


بعد تلقّي السيدة نجاح علاجها في الطوارىء ، نُقلت الى غرفةٍ مشتركة بالطابق العلويّ للمستشفى .. 


وهناك لاحظت إنزعاج الممرّضة من ملاحقة دكتور لها ، فسألتها بفضول:

- بالعادة الممرّضات يرغبن الزواج من طبيب ، فلما تبعدينه عنك؟! 

فأجابت الممرّضة بضيق : لأنه بلا نسب

- ماذا تقصدين ؟!

- هو لا يعرف والده ، ومنسوب لعائلة أمه التي عملت خادمة قديماً 

السيدة نجاح باهتمام : وكم عمره ؟ 

- لما تهتمين ..

مقاطعة : كم عمره رجاءً ؟

- تجاوز 25 على ما اعتقد ، فأمره لا يعنيني 


في هذه الأثناء .. دخل فؤاد لزيارة امه ، فطلبت منه ملاحقة الطبيب الشاب بعد عودته المنزل ، لشكّها بأنه حفيدها !

***


وبعد ملاحقته الى منطقته الشعبيّة ، وجده يتكلّم مع امه امام عمارتهم المتهالكة .. فعرف سعاد على الفور ، رغم كبر سنها ! والتي فور رؤيتها فؤاد من بعيد ، طلبت من ابنها أن يسبقها للشقة..


وبعد صعود الطبيب الى العمارة ، إقتربت سعاد وهي تسأله بغضب:

- ماذا تريدون ايضاً ؟!!

فؤاد : كنت أبحث عنك لأخبرك بأن الله أخذ حقك منا

سعاد باهتمام : ماذا تقصد ؟!


فأخبرها بما حلّ بأخته وابيه وأخيه المُغتصب !

سعاد بدهشة : أحقا مات والد ابني ؟!

- نعم للأسف 

- لست منصدمة لإدمانه المخدرات .. بعكسك انت ، كنت مجتهداً بدراستك .. ورغم سفرك الدائم للخارج من اجل جامعتك ، الا انك كنت حنوناً على خدم القصر 


فؤاد : سامحيني يا سعاد ..لم يكن بإمكاني فعل شيء اتجاه اخي ، فأنت تعرفين إنه مدلّل والدايّ .. لكني حقاً تضايقت برحيلك مظلومة منكسرة .. ورغم هذا لا أنكر إعجابي باهتمامك بتعليم ابن اخي ليصبح طبيباً بارعاً ، كما أخبرني مدير المستشفى الذي يعمل فيها!  

- اردّتكم أن تفخروا بإبني احمد ، في حال اجتمعتم يوماً 

- أتدرين إن امي التي لاحظته اولاً ، فهي مريضة في مستشفاه .. وهي تريد التعرّف على حفيدها .. فهل يعرف بشأننا ، ام أخفيت الحقيقة عنه ؟

سعاد : أظنه حان الوقت ليتعرّف بعائلة والده..

- اذاً نلتقي غداً بالمستشفى

***


في غرفة السيدة نجاح ، دخل الطبيب احمد مُتجهّماً ..فسأله عمه فؤاد :

- هل اخبرتك امك ..

احمد مقاطعاً بعصبية : نعم !! عرفت كل شيء

فؤاد : واين امك ؟

احمد : منعتها من القدوم 

نجاح : كنت اريد رؤيتها كيّ .. 

احمد مقاطعاً بغضب : كيّ ماذا ، يا سيدة القصر المحترمة !!

فؤاد معاتباً : تكلّم جيداً مع جدتك

احمد مستنكراً : جدتي ! أتقصد السيدة التي ارادت قتلي قبل ولادتي؟

نجاح : أعترف إنه كان قراراً غبياً 

احمد بقهر : لوّ لم يمت والدي ، لما اعترفتي بي .. فأنت لم تعتذري عن اعتدائه الوحشيّ على امي المسكينة 


فؤاد : عزيزي احمد ، نحن نتفهّم غضبك..

احمد مقاطعاً بعصبية : لا تمثّل دور العم اللطيف !! فأنت لا تعرف ما مرّرت به طوال حياتي ، واستهزاء الناس ونظرتهم المُشمئزّة حين يعرفون إنتسابي لعائلة امي !.. أتعرفان كم كان صعباً استخراج اوراقي الرسميّة من الدوائر الحكومية ، ونظرات الموظفين على كوني ابن حرام ؟! ..ولولا إصرار امي على إكمال تعليمي وتخرّجي كطبيب ، لما فكّرتم بالتعرّف بي .. تكلّم يا عمي !! لوّ وجدتني عامل نظافة او مجرماً في سجن ، هل كنت ستطلب من امي إخباري الحقيقة ؟

فؤاد : اهدأ بنيّ..

احمد مقاطعاً : لست ابنك !! ..وانتِ لست جدتي !! والأفضل ان تكملا حياتكما كأني غير موجود  

وخرج من الغرفة غاضباً..

***


لم تمضي ساعات ، حتى أصيبت الجدة بنوبةٍ قلبيّة ثانية ! (ربما بسبب خيبة املها مع حفيدها الوحيد)


وأُدخلت غرفة العمليات .. ليُعلن الجرّاح خبر وفاتها لفؤاد الذي غضب لدرجة صفعه أحمد بقوة امام الموظفين والزوّار :

- قتلت جدتك !! هل انت سعيدٌ الآن ؟

وخرج مقهوراً من المستشفى..

***


في المساء ، إعترفت سعاد لإبنها بأمرٍ صادم ! 

- صحيح انك طلبت مني عدم الحضور للمستشفى ، لكني اردّت رؤية السيدة نجاح مذلولة ، فهو حلم حياتي .. لهذا استرقت السمع من شقّ باب غرفتها .. وبعد رحيل عمك ، وعودتك للعمل .. دخلت اليها ، لأجدها نائمة .. فلم اتمالك نفسي 

احمد بقلق : ماذا فعلتي امي ؟! 

- وجدّت ابرة في سلّة النفايات ، فملأتها بالهواء وأفرغتها بمصل ذراعها 

احمد بصدمة : أأنت من تسبّبت بموتها ؟ لا اصدّق ما اسمعه ! 

- لم يرني احد ، فقد هربت فور ارتفاع صفير جهاز القلب 

- هذه جريمة قتل ، يا امي !! 

- ولست نادمة على ذلك ، فتلك السيدة دمّرت حياتي .. 


احمد : إحمدي الله إن كاميرا غرفتها معطّلة.. ولولا وجودي بغرفة الجراحة اثناء تدهوّر صحتها ، لحقّقت الشرطة معي بعد اتهام عمي بقتلها امام الجميع ! 

- أعدك أن لا اتهوّر ثانيةً بعد انتقامي من اعدائي 

- وهل نسيتِ عمي ؟

سعاد : لا !! عمك لا دخل له ، فهو الوحيد الذي وقف بجانبي بعد اعتداء والدك عليّ .. صدّقني بنيّ .. فبعد قضائي على ملاعين القصر ، طويت صفحة الماضي تماماً 

***


بعد شهرين ، أخبر امه بأن عمه في الطوارىء..

سعاد باستغراب : مالذي حصل له ؟!

احمد : ورمٌ في المخّ ، ولديه عمليةً خطيرة غداً

امه بارتباك : رأسه .. اللعنة ! كيف نسيت الموضوع ؟!

- عن ماذا تتحدثين ؟

لكنها كتمت السرّ !

***


في الصباح الباكر .. تسلّلت سعاد الى إحدى المقابر الشعبيّة ، لإخراج بعض ملابس العائلة الثريّة (التي سرقتها قبل هروبها من القصر) وبداخلهم تراب السحر الأسود الذي وضعته قبل اكثر من 26 سنة..والذي بدأ مفعوله اولاً مع الشاب المعتدي.. وبعدها بسنوات مع اخته اللئيمة ..ثم الأب المتغطرس .. وهاهي السيدة المغرورة تموت ايضاً ، او بالأصحّ تُقتل .. 


وحين عثرت على الورقة المكتوب فيها (المٌ خطير في الرأس) ..مزّقتها لقطعٍ صغيرة ، بعد فكّها عقدة ملابس فؤاد المسحورة..

ثم خرجت من المقبرة دون أن يراها احد ، مُتوجهةً للمستشفى 

***


وهناك سألت عن فؤاد ، ليخبروها بأنهم يجهّزونه للعملية ! 

فأسرعت للطابق العلويّ ، لتلتقي بفؤاد وهو نصف واعي بعد ابرة المخدّر

وأمسكت يده وهي تترجّاه :

- لا تقمّ بالعملية ، أصبحت بخير .. أعدك أن الألم سيزول فور انتهاء المخدّر .. فالورم في رأسك اختفى تماماً ، صدّقني 

فحاول التكلّم معها ، لكن المخدّر جعل كلامه غير مفهوم ! 


وهنا أبعدها الممرّض جانباً :

- يا سيدة ، عليّ ادخاله العملية .. فالجرّاح ينتظرنا بالداخل

سعاد : إنتظر قليلاً .. إبني هو الطبيب احمد ، سأحضره حالاً ليتكّلم مع الجرّاح لإلغاء العملية 

الممرّض : الطبيب احمد مُختصّ بالعظام ، وهذا المريض لديه ورم في رأسه .. لذا ابتعدي عن طريقنا لوّ سمحت

وأكمل دفع السرير الى غرفة العمليات ..


فأسرعت سعاد الى مكتب ابنها ، لإخباره الحقيقة 

***


احمد بصدمة : أتقصدين إن ما حلّ بعائلة ابي هو بسبب سحرك لهم؟!

سعاد وهي تمسح دموعها : 

- كنت غاضبة لدرجة انني رغبت بتعسير حياتهم .. لكن يبدو إن السحر تضاعف لحقدي الشديد عليهم ، وتحوّل من أذى لموت ! ..رجاءً بنيّ أنقذ عمك ، فهو الوحيد الذي وقف ضدّ اخيه المعتدي 

احمد : طالما كان جيداً معك ، فلما سحرته ايضاً ؟!

- كنت بثورة غضبٍ ، أعمت بصيرتي.. رجاءً ساعده 

احمد : لا يمكنني فعل شيء بعد إدخاله العملية.. والأفضل أن تدعي له ، لعلّ الله يغفر ذنبك 

***


بعد ساعتين ، علما بوفاة العم بعد نزيفٍ حادّ في المخّ .. 

فقالت لإبنها بندم :

- هل انت غاضبٌ مني لما فعلته بعائلة والدك ؟

احمد : لا اشعر بشيء اتجاههم ! ربما هي لعنة ابن الحرام التي سترافقني طوال عمري ، والتي ستحرمني الزواج من الفتاة التي احبها .. اما انت ، فعليك الإستغفار كثيراً ليسامحك الله على ذنبك الكبير ..


فخرجت سعاد من المستشفى وهي تشعر بتأنيب الضمير ، بعد تحوّلها من خادمة مظلومة الى امرأةٍ ظالمة للعائلة الثريّة المُتغطرسة ! 


السبت، 25 يونيو 2022

جزيرة المحبة

تأليف : امل شانوحة 

الطائرة المُحطّمة


سبحت ريم بكلّ قوتها إلى أن وصلت لجزيرةٍ صغيرة غير مأهولة ! بعد أن قذفها الهواء لمسافةٍ بعيدة عن الطائرة التي راقبتها وهي تغرق على بعد اميالٍ من الجزيرة .. حيث تصاعدت ألسنة النيران ، قبل اختفاء دخانها الأسود بعد غرق الطائرة بركّابها المئتين ، والتي كانت ريم من ضمن ركّأب درجتها السياحيّة .. 


وقبل غروب الشمس ، بحثت على طول شاطىء الجزيرة الصغيرة عن ناجيين غيرها .. 

وحين لم تجد احداً ، صعدت فوق تلٍّ مرتفع .. لتنتبه بوجود شيءٍ يُشبه الجثة العالقة بين صخرتين بالشطّ الخلفيّ !


فركضت نحوه ، لتجد رجلاً فاقد الوعيّ .. وحين قلبته على وجهه ، عرفت أنه المغني المشهور (مراد) الذي جلس في مقاعد الدرجة الأولى ! 

فواصلت الضغط على صدره ، إلى أن بصق الماء الذي ابتلعه .. 


وما أن فتح عينيه ، حتى سألها بخوف :

- اين انا ؟!

ريم : وقعت طائرتنا في البحر ، ويبدو اننا الناجيّن الوحيدين من الحادثة !

- تحطّمت الطائرة !.. اللعنة على مدير اعمالي !!

- وما دخله بالحادثة ؟!

مراد بغيظ : هو من اقترح ذهابنا معكم ، بعد تأخّر طائرتي الخاصّة بسبب الأحوال الجويّة .. وبسببه ستُلغى حفلتي الغنائيّة


ريم بصدمة : أهذا ما يهمّك ؟! ألست حزيناً على وفاته ؟ 

- كان سافلاً طوال حياته 

- يا الهي ! الم يكن مساعدك لسنوات ؟

- عشرون سنة 

- الإنسان يحزن على وفاة قطته او كلبه ، وانت لست حزيناً على شخص لازم مشوارك الفنّي لعشرين سنة ؟! لا أصدّق ما اسمعه !


مراد بلا مبالاة : الدنيا علّمتني أن لا أتعلّق بأحد ، فعملي يأتي اولاً 

- بل تقصد المال ، لا غرابة إنك كنت تغيّر عشيقاتك كتغيّر ملابسك ! هيا قمّ يا رجل ، ودعنا نجد حلاً لهذه المشكلة

مراد باستنكار وغرور : يا رجل ! أتدرين كم صبيّة تتمنى مكانك الآن ؟ 

ريم بحزم : سيد مراد !! علينا الإسراع بتنفيذ بعض الأمور قبل غياب الشمس

- مثل ماذا ؟


ريم : علينا كتابة كلمة (HELP) او(SOS) في حال ارسلوا طائرة إنقاذ الى مكان غرق السفينة  

مراد : سنحتاج آلاف الأحجار الصغيرة لكتابتها بخطٍ كبير ، لتراه الطائرة من السماء

- لن نستخدم احجاراً بل اوراق الشجر ، ونحرقهم فور سماعنا هدير طائرة تُحلّق فوقنا

- وهل معك ولّاعة ؟

ريم : سنُشعل حطباً ، شاهدت الطريقة ببرنامجٍ ثقافيّ .. عمليةٌ غير سهلة ، لكنها ليست مستحيلة.. سأحاول إشعال النار ، بينما تكتب الكلمة بالحشائش .. هيا ماذا تنتظر !!

فنهض مُتأفّفاً : لست متعوّداً على العمل بنفسي

- سيد مراد !! لست في قصرك او بين معجبينك ، عليك مساعدتي للخروج سالميّن من هذه المصيبة


وابتعدت عنه .. فقال بصوتٍ منخفض :

- يا ربي ! من بين كل الفتيات الرقيقات ، علقت مع سيدة مُسترجلة

فصرخت ريم من بعيد : سمعتك !!

***


ومرّ الوقت ومراد مازال يجمع الورق الكبير ، لكتابة كلمة المساعدة .. بينما استطاعت ريم بعد جهدٍ جهيد ، وبعد تورّم يديها من إشعال الحطب .. ثم حمل شعلتها لإنارة كلمة الإنقاذ العشبيّة


فصرخ مراد معاتباً : ليس الآن !! علينا الإنتظار لحين قدوم طائرة الإنقاذ

- الشمس قاربت على المغيب ، وربما يأتون مساءً

- حينها تكون النار انطفأت !!  

- ما المشكلة ؟ نُشعلها مرة أخرى 

مراد بغيظ : يعني جمع الأوراق من جديد ، وتضيّع ساعتين من وقتي !! 

فردّت بتهّكم : وماذا ورائك سيد مراد ؟ 

- صحيح لا شيء نفعله بهذه الجزيرة المملّة ، لكن عليّ المحافظة على طاقتي وصحّتي قدر الإمكان 

- حين نعود سالميّن للوطن ، تتدرّب في النادي للمحافظة على لياقتك .. أمّا الآن فعلينا الإجتهاد للبقاء أحياءً ، مثل إيجاد مكانٍ نبيت فيه


مراد بابتسامةٍ خبيثة : أخيراً تكلّمتِ عن شيءٍ ممتع

ريم بحزم : لا تسرح بخيالك ، فأنت في مقام اخي طوال مكوثنا في هذه الجزيرة .. مفهوم !!

- هل انت متزوجة او مرتبطة ؟

- لا ، لكنك لست نوعي المفضّل

مراد بسخرية : أحقاً ! لا يعجبك أوسم شاب عربي بقدراتٍ صوتيّة مميزة ، عدا عن ملاييني وقصوري ويختي ؟

ريم بسخرية : ولا تنسى طائرتك الخاصّة

- لا تذكّريني بمساعدي الأحمق .. رحمه الله 

- هيا تعال معي ، أظني رأيت كهفاً اسفل التلّ ..

***


وبالفعل وجدا كهفاً يمتدّ للداخل ! 

مراد : جيد انك أحضرتي شعلة النار ، فلا ندري اين ينتهي الكهف

- سبحان الله ! كأنه طابق سفليّ للجزيرة ، ففيه دهاليز عديدة ..آه !! أنظر هناك ، تبدو كبركة ماء

- هل هي صالحة للشرب ؟

ريم : سأجرّب

- ماذا لوّ كانت مسمومة ؟ 

- هي ليست بركة راكدة ، بل تنبع من الأحجار ! سأتذوّق القليل منها .. الحمد الله !! المياه عذبة .. تعال واشرب ، انها لذيذة وباردة

وشربا حتى ارتويا..


ريم : كنت خائفة أن نموت عطشاً في هذه الجزيرة

- وماذا عن الطعام ؟

- نصطاد غداً 

مراد : واين السنّارة ؟

- نصنع واحدة

- آه نسيت انك شاهدت برامج عن البراري والأدغال 

ريم : أتستهزئ بي ؟! معلوماتي هي التي ستنقذ حياتك ، ايها الشاب المدلّل

- لست مدلّلاً !!


ريم : أحقاً ؟ انت اكثر شخص محظوظ بالعالم العربي ، بعد شهرتك بعمر المراهقة 

مراد : انت لا تدرين ما ضحيّت به لأجل شهرتي ، كما عشتُ طفولةً صعبة 

- مهما يكن ، فحياتك تبدو مُترفة للعديد من الناس 

- وماذا عنك ؟

ريم : لا وقت الآن لدردشة ، علينا إحضار بعض الأوراق والأعشاب لصنع سرائرنا داخل الكهف .. وسنشعل النار امامنا للتدفئة ، حتى لا نتجمّد مساءً

- فعلاً الجوّ يزداد برودة ! 

- يبقى الكهف ادفأ من التعرّض للرياح الخارجيّة .. هيا نسرع قبل حلول المساء 

***


وناما تلك الليلة ، كلاً على جانب الكهف .. 

وقبل غفوها ، دنّدن مراد أغنيته المشهورة .. 

ريم بنعاس : سيد مراد ، رجاءً توقف .. اريد ان انام 

- يعجبني صدى صوتي الجبليّ داخل الكهف 

- كفى غروراً ، ونمّ قليلاً 

مراد بغرور : أتدرين لوّ انك اردّتي سماع صوتي ، لكان عليك دفع مبلغاً كبيراً لحجز مكان في حفلاتي الصاخبة  

- وانا ممتنّة لسماعه من وقتٍ لآخر ، لكن غداً علينا تأمين طعامنا .. وانا احاول النوم رغم جوعي الشديد

- لا تقلقي ، بالغد نعود للوطن.. فحتماً الإعلام حالياً يضجّ بخبر وقوع طائرتي ، وسيضغط جمهوري على المسؤولين لإرسال طائراتهم للبحث عني 

ريم بتهكّم : طائراتهم ! سيكون جيداً لوّ ارسلوا هليكوبتر واحدة للبحث عن ناجين .. وبرأيّ لا تتفاءل كثيراً ، فربما نبقى هنا سنوات


مراد بقلق : اعوذ بالله ، لن أتحمّل هذه الحياة الشاقة اكثر من يومين

- انا راقبت الطائرة اثناء غرقها على بعد اميالٍ من الجزيرة ، فإن تتبّعوا صندوقها الأسود لن يتوقعوا وجودنا هنا ..

- لا تتشائمي هكذا ، سيرون كلمة الإنقاذ المشتعلة  

ريم بابتسامة : اذاً ستعود لجمع الحشائش غداً ؟

- بشرط !! انا أشعلها بالوقت المناسب 

- هذا إن لم يطيّرهم الهواء قبل وصول الطائرة الينا 

مراد : يا الهي ! علقت مع بومةٍ متشائمة

- حسناً ايها المتفائل ، نمّ قليلاً .. فأنا حقاً متعبة بعد سباحتي ساعتين للوصول للجزيرة

- ساعتين ! انا استيقظت لأجد نفسي بين احضانك

ريم بعصبية : بين احضاني ايها الكاذب !! كنت سأكسر اضلاعك وانا أضغط بقوة لإخراج الماء من رئتيك !!


مراد بابتسامةٍ خبيثة : هيا اعترفي ، الم تقومي بالتنفّس الإصطناعي؟

- أفضّل الموت على ذلك

مراد : بصراحة بدأت أشكّ بميولك ! 

- انا لا يعجبني الرجال المغرورين وعديميّ المسؤولية

بنبرة تهديد : نامي يا ريم قبل أن أريك شخصيّتي الغاضبة

ريم : أشكّ بوجود شخصيّة قوية خلف قناعك الناعم .. (ثم غطّت نفسها بالأوراق الكبيرة) .. رجاءً لا تغني الليلة ، فنومي خفيف 


فأدار وجهه وهو يتمّتم بضيق : مُسترجلة

لتردّ بصوتٍ منخفض : مغرور

وناما متضايقين من بعضهما

***


في ظهر اليوم التالي .. خرج مراد من الكهف ، ليراها تنحت السنّارة من غصنٍ طويل ، بحجرةٍ مُسنّنة .. فسألها :

- متى استيقظتي ؟

- منذ الصباح ، الآن أصبحنا وقت الظهيرة يا كسول

مراد : بالعادة أستيقظ بهذا الوقت ، فطبيعة عملي تستلزم السهر ليلاً 

- الم تتعب من السهر ثلاثين سنة ؟

- بالطبع تعبت ، لكني احب عملي الذي يُكسبني الكثير من المال


ريم : المال الحرام يأتي بكثرة لكنه لا يدوم ، فالله لن يبارك فيه

فردّ مُستنكراً : وما الحرام بامتاعي الناس ؟!

- الحرام هو ما يحصل بالكواليس

- ماذا تقصدين ؟!

ريم : الجميع يعرف أنك زير نساء

- هنّ يلاحقنني في كل مكان بسبب وسامتي التي منحها الله لي ، وهذا ليس ذنبي 

- لكنك استغلّيته بطريقةٍ خاطئة ، فهآ انت تُحاكم بقضيّة نسب طفلٍ ..

مقاطعاً بعصبية : ذلك الولد ليس ابني !!

- هل انت متأكّد مئة في المئة ؟ قمّ بالتحليل وأرحّ الرأيّ العام


فردّ ساخراً : الم تقولي إن امور الفن لا تهمّك ؟ يبدو انك تتابعين قضيّتي جيداً !  

ريم : ليس باختياري ، فأخبار الفنانين تظهر اثناء متابعتي لوسائل التواصل الإجتماعي ، لكني لم اهتم يوماً بفضائح المشاهير

- لنغيّر الموضوع .. ماذا سنأكل ؟ فأنا جائع منذ البارحة

- إنتهيت أخيراً من صنع السنّارة 

- ومن اين أحضرتي الحبل ؟! 

ريم : هو نوع من الأعشاب قمت بتجديله ليصبح حبلاً ، وربطت بآخره دودة 

- دودة يا مقرفة !!

- أخرجتها من الصدفة .. هيا خذّ السنارة ، لتصطاد لنا


مراد : هل جننتِ ؟!! أتريديني أن انزل البحر ، وانتظر ساعات لحين اصطيادي سمكة

- الم تصوّر عشرات الأغاني وانت تركب يختك الفاخر ؟ هيا أرني براعتك بالصيد .. (وأعطته السنّارة) .. لا تقلق ، الدودة لن تؤذيك عزيزتي 

مراد : أتسخرين ؟ على الأقل عشت حياة الملوك ، واعتدّت خدمتي ممّن حولي .. 

ريم : لا خدم هنا ايها المدلّل ، إذهب وقمّ بواجبك.. فأنا صنعت السنّارة ، وسأقوم ايضاً بطبخ السمكة وتنظيفها ، وهذا الجهد يكفيني 


فابتعد مُتأفّفاً.. لتصرخ قائلةً :

- إصطدّ واحدة كبيرة !! أكاد اموت من الجوع

فتمّتم بضيق : سأصطاد سمكة قرش ، لتلتهمك ايتها المسترجلة

***


بعد ساعتين ، إصطاد سمكة متوسطة الحجم .. فقامت ريم بشوائها وتنظيفها ، ليأكلاها بنهمٍ شديد .. 

مراد : كان ينقصها الملح والحامض 

ريم بسخرية : وبعض التوابل والزعتر البرّي والكريما .. أشكر الله يا رجل انك اصطدّ غدائنا هذا اليوم

- وماذا عن العشاء ؟

ريم : هذا يتوقف على مجهودك ، فمهمّتك الصيد .. وأنا سأتكفّل بالطبخ 

- وكأننا عدنا للعصر الحجري ، الفرق الوحيد : إن آدم المسكين غير مسموحٍ له الإقتراب من حوّاء المتوحشة  

- قلت لك !! لست نوعي المفضّل

مراد بعصبية : وانت كذلك !! 

- اين انت ذاهب ؟

- سأتجوّل بالجزيرة ، إن لم يكن لديك مانع !!

***


بعد ساعة .. عاد ، ليجدها تتسلّق شجرة جوز الهند !

- ماذا تفعلين يا مجنونة ؟!! ستقعين على رأسك !!

فصرخت ريم من فوق الشجرة : 

- ربطّت نفسي جيداً بالحبل !! لا تقلق ، أوشكت الوصول لجوزة الهند .. سأرميها لك !! حاول أن تمسكها ، فأنا اريد تذوّق مائها

مراد بقلق : سأحاول !! إنتبهي جيداً


ورمت واحدة ، لكنها وقعت بقوّة على الأرض وانكسرت..

ريم : لا عليك ، سأقطع جوزة ثانية 

- اين وجدتِ السكين ؟!!

- معي الحجرة المسنّنة .. آآآآخ !!

مراد بقلق : مابك ؟!

- جرحت يدي

- إنزلي حالاً !!

ريم : أوشكت على قطعها .. هاهي ، سأرميها لك !! 

- أمسكتها !!

- ممتاز !! سأنزل اليك 


وما أن وصلت للأرض ، حتى حضنها بقوة !

- مابك ترتجف ؟!

مراد : خفت عليك يا مجنونة ، فالشجرة على ارتفاع طابقين

- هي فعلاً مرتفعة ! المهم أن نفتح الثمرة بحرص ، لأتذّوق مائها

- الم تشربيها من قبل ؟

- لا 

مراد : انا تذوّقت كل الفواكه النادرة بالعالم

- أعليك تذكيري دائماً بأنك مليونير ؟

- يبدو انكِ من الطبقة الكادحة ، فأنت لم تخبريني بعد عن حياتك


ريم : لاحقاً ، ساعدني الآن بثقبها

- تحتاج لجهدٍ كبير ، وأخاف على نعومة يدايّ

- يا الهي ! من بين كل الرجال ، علقت مع سندريلا

مراد بضيق : وانا مع عبسي الهمجيّ ، بدل لينا الحنونة (رسوم متحركة) 

- هذه اول مرة تضحكني..الآن دعني أتذوّق ماء جوز الهند.. يا سلام !! انها منعشة حقاً ، إشرب قليلاً

- لا يعجبني طعمها .. سأكتفي بأكل قطعة من جوز الهند ، لتغيّر طعم السمك في فمي 


وتناولاها معاً في اثناء حديث ريم عن حياتها واستلامها مسؤولية إخوتها الصغار بعد وفاة امها بسن المراهقة .. وتوظّفها فور تخرّجها لمساعدة والدها في مصروف المنزل .. وسفرها بالطائرة كان بعد إنجازها مهمّة للشركة التي تعمل فيها .. كما أخبرته عن قلقها على عائلتها بعد غيابها..

 

مراد باهتمام : وهل انت محامية جيدة ؟

- انا المسؤولة عن العقود الماليّة للشركة ، لما تسأل ؟

- لأن لديّ مشاكل مع بعض المنتجين الذين لم يوفّوا بالتزاماتهم الماديّة معي ، فهل يمكنني توكيلك بتلك القضايا ؟

ريم : نتكلّم في الموضوع بعد عودتنا سالميّن للوطن

- سأوكّلك بمهمّةٍ سهلة اولاً .. فإن نجحتِ ، تصبحين المسؤولة عن اموري الماليّة ، وبراتبٍ مجزّي

- وماذا عن موظّفك السابق ؟ 

مراد : طردّته قبل رحلتي المشؤومة ، بعد تحويله جزءاً من مالي لحسابه الخاصّ .. وهو ثالث موظّف اطرده لسوء امانته !


ريم : وهل تثقّ بي لهذه الدرجة ؟!

- للآن تبدين امرأة جديرة بالثقة ، وفي الأيام القادمة سأتأكّد إن كان قراري صائباً ام لا ..

ريم : كما تشاء .. المهم أن تعتبرني اختك لحين خروجنا من الجزيرة ، فأنت معروفاً عنك تحرّشك بموظفاتك

- أعتبرك اختي ! بل أنتي تشبهين أخي ثقيل الدم 

ريم : لأن اكون سيدة مسترجلة ، أفضل من شابٍ ناعم 

مراد بعصبية : والله إن قلتها ثانيةً ، سأريك رجولتي بحقّ !!

- آسفة ! يبدو انني تجاوزت حدودي

 

وهنا هبّت رياحٌ قوية مفاجئة !

- مالذي حصل ! لما تغيّر الجوّ هكذا ؟! 

ريم : أنظر !! الأمواج ترتفع من بعيد

- تسونامي !

- لنهرب الى الكهف

مراد : لا اظنه قراراً صائباً ، فالماء سيغمرنا في الداخل .. الأفضل صعود الشجرة الموجودة فوق التلّ ، فهي اعلى شيءٍ هنا

ريم بخوف : اذاً لنسرع !! الأمواج العالية في طريقها الينا 

***


وأسرعا بتسلّق الشجرة ، لتصلّ الأمواج العاتية الى قمّة التلّ ! وينجوا بإعجوبة من تسونامي مفاجىء..

 

وبعد هدوء الوضع ، نزلا الى الكهف .. ليجدا مياه البركة العذبة إختلطت بمياه البحر ، وأصبح طعمها مالحاً 

- اللعنة ! مالعمل الآن ؟

ريم : هل تسمع شيئاً ؟! 

- انها تمطر بالخارج !

- اذاً لنُسرع بجمع مياه المطر ، لحين تنظيف البركة نفسها بالأيام القادمة

مراد : وكيف نجمع المطر ؟!

- بأوراق جوز الهند .. هيا بسرعة !!


وخرجا من الكهف ، وبدءا بلمّلمة الأوراق الكبيرة التي ربطوها على شكل قمع ، لجمع مياه المطر في عدّة اماكن متفرقة من الجزيرة .. فالمطر يعتبر حالياً المصدر الوحيد لمياه الشرب

***


بحلول المساء ، عادا مُرهقيّن الى الكهف بعد تجميعهما مياهً تكفي يومين فقط ! 

لكن قلقهما زال بعد تنظيف البركة نفسها بمياهٍ صالحة للشرب ، بغضون ساعاتٍ قليلة !

مراد بدهشة : معجزة كيف تخرج مياهٌ نظيفة من بين الأحجار ! ترى اين مصدرها ، ونحن في منتصف البحر ؟!

ريم : سبحان الخالق ! كأنها معجزة لإنقاذ من يصل لهذه الجزيرة الغير مأهولة  


فتنهّد بضيق : وهل سنبقى على هذه الحال ؟ 

- ليس امامنا سوى عيش كل يومٍ بيومه 

مراد : بالمناسبة .. انت تصطادين غداً ، وانا أطبخ السمكة كنوعٍ من التغيّر  

- كما تشاء ، أميري المدلّل

***


في ظهر اليوم التالي .. سبحت ريم باتجاه صخرةٍ عائمة قريبة من الشاطىء ، للاصطياد من فوقها .. تاركةً مراد يحاول جاهداً إشعال النار 


وقبل نجاحه بإخراج الشعلة ، سمعها تصرخ من بعيد

- مراد !!!!

مراد : إنتظري قليلاً !! النار على وشك الإشتعال

ريم برعب : إنقذني !!

واختفى صوتها !


ليلمح يدها وهي تغرق في البحر ! فركض مُسرعاً نحوها ، لكنه لم يستطع القفز اليها بعد رؤيته التيّار يسحبها لعمق البحر .. 

فأسرع نحو شجرةٍ لكسر غصنها الطويل ، في محاولة لسحب ريم الى الشاطىء التي لا تبعد كثيراً عنه.. 

- إمسكي الغصن يا ريم !! إمسكيه بقوة !!

وبصعوبةٍ بالغة ، إستطاعت التشبّث فيه.. ليقوم بسحبها الى برّ الأمان

 

ثم اقترب منها للقيام بالتنفّس الإصطناعي ، ليُفاجأ بصفعة على وجهه !

ريم وهي تلهث بتعب : مازلت أتنفّس ايها المنحرف

فحضنها باكياً : الحمد الله على سلامتك ، يا عبسي المجنون

- على الأقل نادني عدنان 

مراد ممازحاً : لا !! إمّا عبسي او الفتاة المسترجلة ، ماذا تفضّلين ؟

- لا ، عبسي أهون


وضحكت رغم تعبهما بعد أن اوشكت على الموت ، بينما أخفى قلقه من فقدانها .. 

***


في المساء ، داخل الكهف .. وقبل نومهما ، قالت له :

- لا تنكر خوفك عليّ من الغرق

مراد : لا تسرحي بخيالك عزيزتي ، أنت لستِ نوعي المفضّل .. كلّ ما هنالك انني لم اردّ البقاء وحدي في الجزيرة ، دون خبرتك بوسائل الإنقاذ للخروج من هذا المأزق 

- لا يهمّك سوى مصلحتك 

مراد : الدنيا علّمتني ذلك 


ريم : لديّ فضول لمعرفة ما حلّ بحياتك لتتغيّر هكذا ؟

- ماذا تقصدين ؟!

ريم : مازلت أذكر ظهورك الأول ببرنامج المواهب ، كنت شاباً خجولاً ولبقاً للغاية  

- لأني من عائلة متديّنة 

- ولماذا انغمست في الشهوات لهذه الدرجة ؟!

مراد بحزن : أجبروني على ذلك وإلاّ خرجت من اللعبة

- أتقصد الماسون ؟

- هم المسيطرون على الإعلام ، وعليك تنفيذ اوامرهم ليعطوا الإذن للملحنين بتأليف الأغاني للمواهب الشابة


ريم : وما التنازلات التي قدّمتها لأجل الشهرة ؟

- لا اريد ذكرها

- هل صحيح ما يُقال عن العلاقات بين المنتجين.. 

مقاطعاً بضيق : توقفي يا ريم !! لست شاذاً ، لكن تلك الأمور حصلت مع مطربين آخرين

- وهل اقتصرت علاقتك بالنساء الثريّات ؟

مراد : رفضّت مرة ، فمنعوني من الغناء لأربع سنوات ! لدرجة انني أوشكت على العمل كمدرّس بمعهد الفنون ، لتوفير لقمة العيش

ريم : وبعدها انشهرت ، عقب إشاعات إدمانك الكحول والمخدرات والقمار؟

- لم يصل لدرجة الإدمان ، فقط علاقات عابرة مع الثريّات العجائز .. ورجاءً أغلقي الموضوع ، فأنا اكره نفسي كلما تذكّرت معاملتهنّ لي كعاهرٍ رخيص !


ريم معاتبة : كل هذا لأجل المال ! .. يا رجل ، لن يبقى بعد موتنا سوى سمعتنا .. أتريد لبناتك أن يعرفنّ بذنوبك ؟

مراد بقهر : تنازلت لأجلهنّ بعد أن هدّدوني بأذيّتهن ، فأنت لا تعرفين المستنقع الغارق فيه  

- ألا يمكنك الخروج منه ؟ أقصد بعد جمعك الملايين ، لما لا تفتح سلسلة محلاّت تجاريّة ومطاعم ؟ دون معرفة أحد (حتى المقرّبين منك) انك مالكها ، كيّ لا يحاربوك بها .. ومن بعدها تنسحب تدريجيّاً من عالم الفن ، بحجّة تدهوّر صحّتك بعد اقترابك من سن الخمسين


مراد بحزن : حاولت مرة الإنسحاب دون اذنهم ، وكادوا يقتلونني 

- أتقصد إن حادثة السير كانت مُفتعلة ؟! 

- احدهم زارني في المستشفى ، وهمس في أذني : انهم عطّلوا مكابح سيارتي ، وفي مرة الثانية سيقتلونني إن لم أطعّ اوامرهم

ريم : الهذا رقصت بغباء في البرنامج الإذاعيّ ، بعد اعترافك بفسادك وخيانتك لزوجتك ؟! 

- عالم الفن أوسخ مما تظنين 


ريم : وهل ستسمح لبناتك بدخوله ؟ 

مراد بغضب : أقتلهنّ إن فعلنّ !!

- يا خوفي أن يجرّوك لعالم الشواذّ والمخدرات ، كما حصل مع بعض الإعلاميين والفنانين الذكور ؟!

- الإنتحار أهون لي 


فسكتت ريم قليلاً ، قبل أن تقول : 

- ربما القدر وضعك في الجزيرة ، لإعطائك فرصة جديدة لتغيّر حياتك .. فكما ترى ، لم يصبك أذى من بقائك دون مالك ويختك وطائرتك الخاصة ومعجباتك الحمقاوات ، فأنت مازلت تأكل وتنام

مراد : بل الحقّ يُقال ، انني لم أنمّ دون خوف إلاّ على هذه الجزيرة 

- اذاً اترك عالمهم القذر !! 

- لا ادري كيف ! 

ريم : بإمكانك تغيّر هويّتك بعد خروجنا من الجزيرة ، فالجميع يظنّ بموتك بعد سقوط الطائرة .. هذه فرصتك للعودة للحياة النظيفة التي تربّيت عليها 


مراد بقهر : أتدرين يا ريم .. أحمد الله إن والدايّ توفيّا قبل شهرتي ، فأنا لا استطيع النظر في عينيهما بعد توسخّي مع عشرات النساء ، بل المئات .. ولا ادري كم ولدٌ غير شرعيّ سياقضينني على نسبه في المستقبل !

ريم : لنخرج اولاً من هنا ، ثم تُصلح حياتك

- وهل ستساعدينني ؟

- بالتأكيد !!

مراد : انت تذكّريني بنفسي قبل دخولي هذا المجال .. كنت مثلك واثقاً من نفسي وانا أنصح غيري .. الآن بتّ اخاف النظر في المرآة من كثرة ذنوبي !

- الله أنقذك من الموت من بين مئتيّ راكب لهدفٍ ما ، ربما تعرفه بالمستقبل القريب .. هدّئ من روعك وحاول النوم ، فغداً يومٌ أفضل

***


إستيقظت ريم في اليوم التالي على صوت تأوّهات مراد ! 

فاقتربت منه لتجد حرارته مرتفعة .. وربما فضّفضته البارحة عن ماضيه ، أتعبت قلبه وصحّته 


فأمضت النهار بجانبه ، وهي تغيّر الضمّادات المبلولة على جبينه الساخن .. وهي تراقب دموعه التي تتساقط وحدها اثناء نومه ، كأنه يرى كوابيس مؤلمة ! 


فأشفقت على حالته ، لدرجة جعلتها تدنّدن أغينة نومٍ للأطفال

ففتح عينيه بصعوبة ، وهو يبتسم بألم : 

- ذكّرتني بأمي رحمها الله ، كانت تغنيها لأخي الصغير وهي تهزّه على قدميها لينام .. فرغم نشازك بالغناء ، إلا انني استمتعت بسماعها من جديد

ريم : لست محترفة غناء .. (وسكتت قليلاً) ..ما رأيك أن اسمعك أغنية من تأليفي ؟


وغنّت له اغنية رومنسيّة رقيقة ..

مراد بدهشة : أأنت ألّفتِ كلماتها ؟! 

- ولحنها ايضاً .. هل أعجبتك ؟ 

- جميلةٌ جداً ! لم اعرف انك تملكين موهبة التأليف والتلحين !

ريم بنبرةٍ حزينة : كتبتها لخطيبي 

- ولما لم تتزوجا ؟!

- سافر للغربة ، وتزوّج من أخرى  

- أعتذر منك 


ريم : أردّتك أن تعلم اننا جميعاً مررّنا بتجربةٍ عاطفيّة سيئة .. تماماً كما حصل معك ، فأنت مازلت تلبس هديّتها لليوم !  

(قالتها وهي تنظر لعقده الذي فيه بلّورة زجاجيّة ملوّنة) 

فمسك عقده وهو يقول بحزن : 

- كانت حبيّ الأول ، وموتها بالسرطان قتلني .. وكما قلت بمقابلتي التلفازيّة الأخيرة : سأبقي عقدها برقبتي حتى آخر يومٍ بحياتي والذي أظنه قريباً ، فأنا لا اشعر انني بخير


ريم بحزم : إيّاك أن تتركني وحدي هنا ، عليك مقاومة المرض بكل قوتك ، مفهوم !! 

- هل ارى دموع في عيون عبسي الهمجيّ ؟!

- نعم ايها المدلّل ، لا اريد دفنك .. سينكسر ظهري بعد جرّ جثتك الضخمة

مراد ساخراً : وها هي المسترجلة الفظّة تعود من جديد !


فاقتربت منه ، وقبّلت عينه ! ثم خرجت مُسرعة من الكهف قبل رؤيته دموعها .. ليشعر للمرة الأولى منذ سنوات بخفقان قلبه ، بعد شعوره بحنانها وخوفها الصادق عليه !


ولأجلها قاوم مرضه بإجبار نفسه على الخروج من الكهف والمشيّ بالهواء الطلق لاسترداد صحته .. وهو يراقبها من بعيد وهي تحاول الإصطياد له 


وبعد صعوده التلّ بصعوبة ، راقبها من فوق .. ليرى شيئاً كبيراً يسبح باتجاهها ! 

فصرخ بكل قوته :

- سمكة قرش !! أهربي


ونزل مُسرعاً نحوها ، ورمى نفسه بالبحر .. وسبح باتجاهها ، ليسحب ذراعها بقوة باتجاه الشاطئ.. قبل لحظات من هجوم القرش عليهما !

***


ووقفا على الرمال وهما يراقبان بفزع ، القرش الضخم وهو يبتعد الى عمق البحر..

ريم بخوف : يا الهي ! لم أتخيّله بهذا الحجم

فحضنها باكياً : كاد قلبي يتوقف من خوفي عليك

ريم : لحظة ! الم تكن فوق التلّ قبل قليل ؟ هل ركضت كل هذه المسافة لتنقذني ؟! 

- ارأيتي كم انا سريع

- أقصد انك تجاوزت مرضك ، دعني أرني حراراتك

ووضعت يدها على رأسه ..


ريم : مازالت هناك حرارة

- لم أفكّر بشيء سوى إنقاذك 

- يبدو لديك بعض الصفات الجيدة ! 

مراد : بل لديّ العديد منها ، لكني لا أظهرها إلاّ للأشخاص المهمّين بحياتي 

- وكم عددهم ؟

- واحدة فقط .. ولن اخبرك من هي ، يا غيّورة

ريم : ولما اغار عليك ؟ 

- نكمل كلامنا الشيّق في الكهف ، فقد عاد شعوري بالدوّار 


ريم : وماذا عن الصيد ؟ 

مراد : نأكل الجوز الهند المشوي لهذا اليوم ، وغداً أصطاد بعد استرداد عافيّتي

- معك حق ، الصيد مهمّة شاقة تناسب الرجال 

- اخيراً بدأت تظهر الأنوثة الكامنة في عبسي المجنون  

ريم ساخرة : يبدو انني أُصبت بالعدوى من اميرتي الناعمة 

مراد غاضباً : ريم !!

- آسفة 

***


ومرّت الأيام .. قضاياها بالصيد والتحدّث عن الماضي والمستقبل ، ليجدا الكثير من صفاتهما المشتركة : فهما من نفس الجيل الذي عاش الطفولة البريئة ذاتها ، بدراستهما الصارمة وتربيتهما المثالّية التي اشتاق مراد اليها كثيراً..

***


بعد اسبوعين على الجزيرة .. 

وفي الصباح .. إقتربت منه ريم اثناء نومه ، وقطعت عقده وهي تقول : 

- أحتاج البلوّرة في الحال !! 

وخرجت مُسرعة من الكهف ، ليحقها للخارج ويرى السفينة من بعيد !


في الوقت الذي كانت فيه ريم تسلّط ضوء الشمس على البلّورة الزجاجيّة ، كإشارة للسفينة ، وهي تصرخ : 

- مراد !! ماذا تنتظر ؟!.. أضيء شعلة النار ، ولوّح بها !! 

مراد : انهم بعيدون جداً

- اذاً سأقترب أكثر


وسبحت قليلاً باتجاه الصخرة العائمة ، ووقفت عليها وهي تعكس ضوء الشمس على البلّورة .. 

وفي غمرة حماسها بعد رؤيتها السفينة تغيّر وجهتها نحوهما ، وقع العقد منها ! 

فحاولت اللّحاق به ، لكن الأمواج أخذته بعيداً .. فعادت سابحة الى الجزيرة ، لترى مراد يلوّح للسفينة بسعادة

- انهم يتّجهون نحونا !!

- آسفة مراد

مراد : على ماذا ؟!

- أوقعت عقدك بالبحر .. 


وقبل أن تكمل كلامها ، تفاجأت بصفعةٍ قويّة منه !

- قمت بذلك عمداً يا غيّورة !! انت تعرفين كم هو مهم بالنسبة لي 

ريم : صدّقني ، وقع غصباً عني ! 

مراد بغضبٍ شديد : إخرسي !! لا اريد سماع صوتك حتى نصل لبلدنا


فالتزمت الصمت وهي مصدومة من ردّة فعله العنيفة ! وبدوره بقيّ صامتاً حتى بعد صعودهما السفينة وبقائهما وحدهما في غرفةٍ صغيرة ، أعطاها لهما الكابتن الأسيويّ مع وجبة غداءٍ خفيفة .. 


وبعد استلقاء مراد على سريره الصغير ، أشاح بوجهه بعيداً وهو مازال غاضباً منها .. لتبكي ريم بصمت في سريرها المواجه له ! 

***


أمضيا يومين هادئين على السفينة ، قبل حصول مشاجرة بين مراد وملّاح حاول التحرّش بريم .. 

وبعد قدوم القبطان لمعرفة المشكلة .. اشار مراد الى اصبعه ، لإفهامه أنها زوجته ! 

فأمر القبطان ملّاحيه (الذين تجمّعوا حولهما) أن لا يقترب احد من زوجة مراد الذي عاد معها الى الغرفة وهو يقول بحزم :

- إيّاك الخروج من الغرفة اثناء نومي !! أيّ شيء تريدينه من الخارج تطلبينه مني .. مفهوم !! 

ريم : طالما الحمام في غرفتنا ، فلن اخرج لحين وصولنا الى برّ الأمان

- أحسنت !!

ثم استلقى على فراشه ..

ريم : شكراً لحمايتك لي

- هذا واجبي 

وأكمل نومه كأن شيئاً لم يكن ! 

***


وصلا مساء اليوم التالي الى شاطىء بلادهم .. وهناك أوصلهم خفر السواحل الى مركز الشرطة .. وسرعان ما وصل الخبر للإعلام الذين تزاحموا خلف اسوار المركز ، لتصوير المغني المشهور الذي عاد حيّاً بعد سقوط الطائرة قبل ثلاثة اسابيع ! 

ولم تستطع ريم توديعه ، بعد تفريق المصوّرين بينهما .. لتعود برفقة اخيها الى منزلهما .. بينما عاد هو مع حارسه الشخصي الى منزل اهله ، بعد علمه بتقسيم ورثته جميع امواله (ظنّاً بوفاته) حتى قصره الذي بناه بنفسه ! ..فعاد غاضباً وهو ينوي عقابهم جميعاً

***


رفع المغني دعوى لاسترداد املاكه ، لكن الأمر يتطّلّب شهوراً لحلّ المشكلة .. 

فعاد مُجبراً للغناء ، لكنه شعر بفقدان حماسه وشغفه ! فهو مازال يتذكّر نصائح ريم بالإبتعاد عن طريق الشيطان والمال الحرام 

لهذا قرّر الشراء بماله (الذي احتفظ به ببنك سويسرا ، والذي لم يستطع الورثة سحبهم) مطعماً فاخراً ، والغناء فيه بسهراته الإسبوعيّة .. حيث امتلأت الطاولات بمعجبيه المخلصين .. 


ليشعر مراد للمرة الأولى بحرّيته باختيار اغانيه ، وتوقيت سهراته حسب راحته ، بدل العقود الفنيّة الإلزامية للشركات المخصّصة لحفلات المشاهير بالدول العربية .. رغم نقد الصحافة وزملائه على تقصيره ، والذي تحجّج  امامهم بتدهوّر صحّته بعد أزمة الطائرة (مُخفياً سعادته براحة البال التي لم يعهدها من قبل!)..

*** 


بعد شهر ، وصلته اخبار عن تقدّم عريسٍ عجوز لريم ! 

فقام بزيارةٍ مفاجئة لوالدها والشرح له : بعدم حصول علاقة بينه وبين ريم طوال مكوثهما بالجزيرة..

فردّ والدها بقهر : أعرف هذا ، فأنا متأكّد من اخلاق ابنتي .. لكن الإشاعات انتشرت عن حملها بإبنك ، لكونك زير نساء ! 

- الهذا اردّت تزويجها من عجوز ؟

- هو الوحيد الذي وافق على الزواج بها ، رغم الإشاعة المسيئة بسمعتها !  

مراد بحزم : لكني غير موافق !! 

- ماذا تقصد ؟!

- يا عم .. بحياتي كلها لم اجد فتاة خلوقة كإبنتك ، وسأكون غبياً إن ضيّعتها من يدي .. لهذا أتيت اليوم لخطبتها ، وأظنه وصلتك اخباري بأني لم اعد اسافر لإحياء الحفلات بالخارج .. وسأصرف على بيتي من مدخول المطعم فقط .. وأعدك أن أبعد ريم واطفالنا عن الإعلام والإشاعات القذرة

***


وبالفعل تزوجا بحفلةٍ عائليّة ضيّقة .. وأكملا حياتهما بعيداً عن الأضواء بعد إستلام ريم لأموره الماديّة ، بالإضافة لتأليفها أغاني جديدة وتلحينها له .. لينشرها بدوره في وسائل التواصل الإجتماعي بعيداً عن شجع دور الإنتاج .. ويحصدا مبالغاً ضخمة ، من ملايين المتابعين لمشواره الفنّي .. 

ليكون مراد اول متّبعي هذا الإسلوب في نشر اغانيه ، ليقلّده العديد من الفنانين الصاعدين .. كما ضجّ مطعمه بالزبائن والمعجبين المخلصين الذين استمعوا لأغانيه الجديدة بسهراته الإسبوعية ..


وكلما سألوه عن زوجته ، أجابهم :

- هي من أعادتني الى نسختي الأصليّة ، وأزالت قناع الشاب الناعم المدلّل الذي يضرّ بسمعتي ورجولتي..هي رفيقة الجزيرة وسفينتي المُنقذة

***


وبمرور السنوات .. عاش مراد وريم مع اولادهما الثلاثة ، بالإضافة لبناته بعد تنازل طليقته عنهنّ عقب زواجها وسفرها للخارج .. ليعيشوا بهناءٍ ووفاق ، بعيداً عن أطماع اصحاب النفوذ الجشعة بأفكارهم الشيطانيّة الخادشة لحياء وأخلاقيات المُحافظة للمجتمع العربي !


الاثنين، 20 يونيو 2022

زوجة الثريّ

الفكرة الرئيسيّة : أختي اسمى
حوار المحاكمة : امل شانوحة 

 

من القاتل ؟! 


صرخ جون المخمور امام المعازيم بغضبٍ شديد :

- ديانا !! تزوجتِ العجوز لترثيه ، يا عبدة المال !! سأنتقم منك ، أعدك بذلك ايتها النادلة الرخيصة !! 

فطرده والده من حفل زفافه ، رغم انه ابنه الوحيد !

***


هذه الحادثة حصلت قبل سنتين ، وتمّ ذكرها امام هيئة المحلّفين بعد اتهام جون بقتل والده الثريّ في قصره ، في الوقت الذي كانت فيه ديانا (زوجته الشابة) تحتفل بعيد ميلادها مع صديقاتها في مطعمٍ فاخر ، والتي سألها محامي المتهم جون (الإبن) باهتمام :

- سيدة ديانا ، لما لم تحتفلي بالقصر مع زوجك ؟

فأجابت : كان يشعر بتوعّك ذلك المساء ، واراد النوم بهدوء .. لهذا سمح لي الإحتفال في الخارج  

- وماذا حصل بعد عودتك ؟

- أوصلتني صديقتي الى القصر ، وهي من سمعت صراخي بعد رؤية زوجي مقتولاً ! 

المحامي : اليس غريباً أن تنتظرك صديقتك لحين صعودك الى غرفة النوم في الطابق الأول ! أقصد لما لم ترحل بعد توصيلك الى القصر ؟


ديانا : انا طلبت منها الإنتظار

- لماذا ؟ 

- لأن الشرطة حجزت سيارتي بعد إيقافها خطأً في موقف المعاقين الخاص بالمطعم .. فأصرّيت أن تنتظرني بالحديقة لإعطائها ما دفعته للشرطة .. وقبل أن تسألني ، أجيبك : كنت سأخرج سيارتي من الحجز صباحاً ، لأني ليلتها كنت مخمورة قليلاً

المحامي : نحن سمعنا شهادة صديقتك قبل قليل ، والتي أكّدت رؤيتها لرجلٍ يقفز من النافذة لحظة صراخك.. ورغم انه مقنّع الوجه ، الا أنك تصرّين أنه ابن المرحوم ؟ 

ديانا بعصبيّة : لأنه هدّدني امام الجميع ، كما ظهر بفيديو العرس ! 

- نعم ، لكنه هدّدك انت وليس والده ؟


فرفع محامي ديانا يده : أعترض سيدي القاضي !! فأنا سلّمتُ حضرتك وهيئة المحلّفين ورقة تُثبت خسارة جون مبلغاً كبيراً بالقمار .. وأظنه اقتحم قصر والده لسرقة خزنته ، كما ظهر بكاميرا مكتب ادوارد في الطابق الأرضيّ .. ورغم عدم وجود كاميرا في غرفة نوم ابيه ، الا أن وقت خروجه من القصر (كما ظهر من كاميرا الباب الخارجيّ) تُثبت بقائه نصف ساعة في غرفة النوم ! وأظنه تجادل مع والده بعد رؤيته هناك


فأكملت ديانا قائلةً : نعم !! هو اعتقد اننا نحتفل بعيد ميلادي في الخارج ، كما فعلنا السنة الفائتة .. وأظنه تفاجأ برؤية والده نائماً بغرفته ، فتجادل معه قبل إطلاقه النار على رأسه


فاعترض محامي جون : هذه مجرّد تكهّنات ، فربما يكون الرجل المقنّع لصّاً عادياً .. ثم موكّلي جون لم يفلس تماماً بعد خسارته لعبة القمار الأخيرة .. وهو أكّد بشهادته : انه لم يفكّر يوماً بأذيّة والده ، وانه لن يدمّر سمعته لأجل نادلة

ديانا بغضب : اسمي ديانا لوّ سمحت !! ولست خجلة من عملي كنادلة .. فأنا عملت لتوفير اقساط جامعتي

فأكمل محامي جون : التي دفعها السيد إدوارد كاملةً ، اليس كذلك ؟ فهل انت طلبت منه ذلك ، ام وضعكِ بموقفٍ محرج لإجبارك على الزواج منه؟

ديانا : انا تزوجت ادوارد عن إقتناع ، رغم فارق السن بيننا .. فأنا لم ارى ابي البيولوجي ! وهو كان حنوناً عليّ ، لهذا أحببته

- وكيف التقيتِ به ؟

- المطعم الذي عملت فيه كان بجانب شطّ القوارب


محامي جون : أتقصدين السفن الخاصة بالأثرياء ؟

ديانا : نعم ، وكان ادوارد يأتي مع صديقه للغداء بعد رحلتهما البحريّة 

- وكيف وقع في حبك ؟

- بل أنا أحببته بعد دفاعه عني امام المدير الذي اراد طردي لخطأي بتقديم الطعام للزبائن.. ومع الأيام أصبح يأتي للمطعم قبل ساعة من إغلاقه ، ويتكلّم معي عن احلامي وطموحي للمستقبل .. وقد أعجبه حماسي ، ورغبتي بالعمل الوظيّفي فور تخرّجي .. 

محامي جون : انت درستي المحاسبة ، اليس كذلك ؟

- نعم وكنت جيدة بها ، وهو عرض عليّ العمل في شركته بعد التخرّج

- لكنك لم تعملي عنده ، ولم تكملي حتى دراستك ! 

ديانا : كان يغار عليّ كثيراً .. ففي يوم قدم للجامعة ورآني ادرس مع زميلي ، فخيّرني بين زواجي به وإكمال تعليمي .. فتركت الجامعة بسنتي الأخيرة


محامي جون : هل كان المرحوم رجلاً متسلّطاً ؟ ألهذا خطّطتِ لقتله للحصول على ثروته ؟

ديانا بعصبيّة : لما تحاول تغيّر احداث القضيّة ؟! فأنا كنت خارج القصر لحظة الجريمة ، وصديقتي شاهدة على رؤيتها القاتل .. وليس عندي اعداء سوى ابنه الذي عاملني بجفاء طوال السنتين الفائتتين ، والذي قلّل من شأني في كل المناسبات العائليّة.. فاسألوه عن سبب كرهه لي ؟

محامي جون : سيدي القاضي ، أطالب مجدّداً بسماع اقوال موكّلي جون 

 

فصعد جون للإدلاء بشهادته : وهو يصرّ بأنه كان نائماً في منزله لحظة الجريمة .. وأن ديانا هي من خطّطت لقتل والده بسبب غيرته الشديدة وتحكّمه بتصرّفاتها وقراراتها ، لهذا ارادت التخلّص منه 

***


واستمرّت المحاكمة لأسابيع ، قبل إنقلاب الأحداث مع شهادة رجلٍ اربعينيّ إلتقى بجون في البارّ قبل يومين من جريمة القتل..حيث شهد امام الجميع :

- كنت أتسامر مع عامل البارّ عن إنجازات شبابي ، وحصولي على ميداليات ذهبيّة بالقنصّ وبراعتي باستخدام المسدس .. وقبل خروجي من البارّ ، قدم هذا الرجل .. (وأشار الى جون)..وأخرج دفتر شيكاته قائلاً : أُطلب أيّ مبلغٍ تريده مقابل قتلك والدي !

فصرخ جون غاضباً : كاذب !! انا لم اره بحياتي !

الشاهد : صدّقوني هذا ما حصل 


محامي ديانا : وهل أخبرك عن سبب رغبته بقتل ابيه ؟ 

الشاهد : قال إن محامي والده أخبره أنه كتب الميراث بإسم زوجته فقط ، ممّا أفقده صوابه .. وأخبرني أنه سيعطيني الرقم السرّي لإيقاف جهاز الإنذار الخاصّ بالقصر ، وكذلك الرقم السرّي لخزنة والده .. فظننت في البداية انه يخطّط لسرقته ، لكنه أكمل قائلاً : بأن لي الحرّية بقتل والده وزوجته إن صادفتهما في القصر !

 

محامي ديانا : اذاً جون علم تلك الليلة أنه لن يوجد خدم بالقصر بسبب إجازتهم السنويّة ، اليس كذلك ؟

الشاهد : هو أخبرني أنه لن يكون هناك شهود على جريمتي .. لكني بالطبع رفضّت طلبه ، فأنا بطل اولمبياد ولست قاتلاً مأجوراً ! ونصحته بحلّ مشاكله مع والده بعقلانيّة .. ومن بعدها لم اره مجدّداً .. وحين سمعت مجريات القضية في الأخبار ، قدمتُ للشهادة

محامي ديانا : يبدو انه وجد قاتلاً غيرك لتنفيذ المهمّة ، او قرّر فعلها بنفسه

فصرخ جون غاضباً : هذا شاهد زور ، ولم اره في حياتي .. أحلف لكم!! 


فطلب القاضي من محامي ادوارد الصعود للشهادة : والذي أكّد ثورة غضب جون بعد معرفته بحرمانه من ميراث والده ، قبل اسبوع من وقوع الجريمة ! 


وبسبب الأدلّة الجديدة أُودع جون في الحجز ، لحين صدور قرار المحكمة النهائيّ .. 

***


خلال شهور المحاكمة ، تفانى محامي ديانا بالدفاع عنها وإثبات التهمة على جون .. الى أن ربح القضيّة ، وحُكم على جون بعشرين سنة .. 

لكن الشاب المدلّل لم يُكمل شهره الأول في السجن ، بعد العثور عليه مُنتحراً في زنزانته ! 

وبذلك أُقفلت القضية ، وحصلت ديانا على ميراث اداورد كاملاً 

***


لم يمرّ شهران على نهاية القضيّة ، حتى نشرت ديانا بوسائل التواصل الإجتماعي زواجها من محاميها الوسيم الذي كان مغرماً بجمالها منذ البداية .. والذي انتقل للعيش معها في القصر .. 

وبعد سنتين ، أنجبا طفلهما الأول 

***


بعد بلوغ ابنهما عامه الخامس ، بدأ يشعر المحامي بانزعاج زوجته وأرقها الدائم وخوفها كلما رنّ جوالها ! 

ولرفضها إخباره مشكلتها ، إلتجأ لطرقٍ قانونية لمراقبة مكالماتها .. ليُصعق بتهديدات قاتلٍ مأجور ، يبدو انها استأجرته لقتل زوجها اداورد !


فلم يعد امام زوجها المحامي إلاّ مواجهتها بالحقيقة .. لتنهار باكية وهي تقول بغيظ :

- ادوارد كان عجوزاً مسيطراً ومتحكّماً بشكلٍ خانق ، لم يكن بإمكاني التنفّس دون إذنه ! وأتعبني بكثرة اوامره التي لا تنتهي ، حيث منعني من رؤية احد او الخروج من القصر 

زوجها : لكن يوم الحادثة كنت تحتفلين مع صديقاتك ؟! 

- بعد وضعي سمّاً خفيف المفعول على مدى شهرٍ كامل ، حتى انهارت قواه .. ولأني كنت أضع قطراتٍ صغيرة في قهوته ، لم تظهر أثرها بالتقرير الشرعيّ .. وبعد إغمائه تلك الليلة ، خرجت للإحتفال في المطعم كيّ تكون لديّ حجّة غياب .. وركنت سيارتي في موقف المعاقين لتُحتجز من الشرطة ، ويكون لديّ دافع لإبقاء صديقتي خارج القصر لحظة هروب القاتل الذي اتفقت معه على هذه التمثيليّة .. لكن القاتل اللعين لم يكفه الخمسين الفاً الذي أعطيته اياه ، وصار يطالبني بالمزيد كل شهر!  


زوجها باهتمام : ومن هو القاتل ؟

ديانا : الشاهد الذي قلب مجريات المحكمة لصالحي

- تقصدين بطل اولمبياد ؟!

- لم يكن بطلاً ، بل مجرم شوارع .. ومن حسن حظي إن محامي جون لم يتأكّد من تلك المعلومة .. فبعد أن طالت مدة المحاكمة ، طلبت من القاتل (المقنّع) الشهادة ضدّ جون ، مقابل نصف مليون دولار 


زوجها : وهل أعطيته المبلغ بعد فوزك القضيّة ؟

- بالطبع لا ، أخذته للبارّ للإحتفال معه .. وبعد سكره ، سجّلت إعترافه وهو يفضح اسرار عصابته .. وأرسلتها لهم بكونها إعترافاته ضدّهم لدى الشرطة .. فأوقعوه بكمين ، وزُجّ بالسجن لثماني سنوات .. فاتصل بي من داخل السجن وهو يهدّدني بالقتل ، فوعدّته بتوكيل محامياً بارعاً له ، مقابل قتله جون في زنزانته بطريقة تبدو للشرطة كأنه انتحر .. وبعد قيامه بالمهمّة ، غيّرت رقم جوالي دون أن أوفّي بوعدي له .. وهاهو خرج من السجن باكراً ! ويطالبني بمليون دولار وإلاّ سيخطف ابننا الصغير..


زوجها بصدمة : لا أصدّق انني تزوّجت شيطانة !

فأجابته بخبث : لا يمكنك فعل شيء ، فأنت متورّط معي بالقضيّة .. وإن حاولت فضحتني ، سأخبر الإعلام انك ساعدتني بالجريمة بسبب علاقتنا السرّية خلال حياة ادوارد

- انت سافلة كما قال جون ، وسأطلّقك قريباً .. اما القاتل ، فتعاملي معه بنفسك .. سأخرج من القصر ، وآخذ ابني معي

ديانا بيأس : حسناً إحمي طفلنا ، لحين إنهائي المشكلة مع ذلك اللعين

***


في المساء .. إنتهى الزوج من ترتيب اغراضه ، وحمل شنطته وطفله النائم الى خارج القصر ..


وقبل ابتعاده بالسيارة ، لمح رجلاً مقنّعاً يقتحم نافذة القصر ! 

فشعر بالقلق على ديانا ، فهي مازالت زوجته .. 


وترك ابنه نائماً في المقعد الخلفيّ ، وأخرج المسدس من درج سيارة.. وأسرع لداخل القصر

***


في الداخل .. سمع صراخ ديانا من الطابق العلويّ ، فأسرع نحوها ..ليجد الرجل المقنّع يحاول خنقها بقوة .. 

فلم يجد نفسه إلاّ وهو يطلق الرصاصة على ظهره ، ليسقط المجرم مقتولاً على الأرض !


فانهار المحامي امام الجثة وهو لا يصدّق إرتكابه الجريمة ! ونظر الى زوجته باكياً :

- إتصلي بالشرطة ، واشهدي أنه كان دفاعاً عن النفس

ديانا بخبث : لن اتصل بأحد 

- ماذا تقصدين ؟!

- إن قدمت الشرطة ستعرف بتورّطي مع هذا السافل

زوجها صارخاً : لا يهمّني امرك !! اريد الخروج من هذه المصيبة


ديانا بخبث : اذاً لندفنه سويّاً وننهي القضيّة ، فالجميع يظنّ أن جون مات منتحراً لإحساسه بالذنب لقتله والده .. وانا ورثت مالاً كثيراً يكفي عائلتنا لأعوامٍ طويلة .. اما هذا اللعين (وأشارت الى القتيل) فأنت أنهيت إبتزازه لزوجتك ، وبموته أغلقنا صفحة الماضي .. هيا عزيزي لا تفكّر كثيراً ، فتورّطك بالقتل سيمنعك من مزاولة مهنتك طوال حياتك .. وانت تعشق مهنة المحاماة ، اليس كذلك ؟

فأومأ برأسه إيجاباً وهو مازال بحالة صدمة !

ديانا : اذاً ساعدني بحمل اللعين ودفنه بحديقتنا ، ثم نتعاون معاً لمسح الدماء .. وغداً نوصل ابننا لمدرسته كأن شيئاً لم يكن .. هيا حبيبي ، إمسك قدميه

***


وبعد أن ساعدها بدفن القتيل ومسح ادلّة الجريمة ، وضع ابنه الصغير بجانبه في السرير ، وحضنه باكياً .. فهمست بإذن زوجها بلؤم :

- الآن انت متورّط معي بالجريمة ، ودليل إدانتك مدفون بالحديقة .. فإن بلّغت عني ، أفضحك !! .. لهذا سنطمر ماضينا كما دفنّا القتيل ، ونعيش بهناء من ثروة العجوز التي تكفينا لآخر عمرنا ، إتفقنا حبيبي ؟


فهزّ رأسه موافقاً بيأس فهو لطالما تمسّك بالقوانين والمبادىء الأخلاقيّة ، وهاهو عالمه المثاليّ ينهار بعد زواجه من امرأة طمّاعة لا تعرف الرحمة!


الجمعة، 17 يونيو 2022

المؤامرة الطبيّة

تأليف : امل شانوحة 

 

الخطّة العالميّة !


في ذلك المساء وبعد استيقاظ احمد من العمليّة ، زاره والده الذي اقترح نقله الى مستشفاه الخاص .. لكن احمد رفض قائلاً :

- ابي ، كانت حادثة سيرٍ بسيطة .. والطبيب أعاد كتفي الى مكانه بعمليةٍ ناجحة .. وغداً أخرج من هنا ، فلا داعي لنقلي الى مستشفاك 

والده بعصبيّة : أيُعقل إن ابن رئيس نقابة الأطبّاء يوضع في غرفةٍ مشتركة مع مرضى آخرين ، في مستشفى شعبيّ قذر ؟!!

- سيارة الإسعاف نقلتني الى هنا ، لقرب المستشفى من موقع الحادث.. ثم لا يوجد معي سوى مريضٌ عجوز ، وهو نائم طوال الوقت .. لا تقلق ابي ، يمكنك العودة لعملك.. وغداً أتصل بك ، فور وصولي الى منزلي 


فوصّى والده الممرّضة برعاية ابنه الوحيد جيداً .. ثم خرج من المستشفى مع انتهاء موعد الزيارات 

***  


بعد خروج الزوّار من المستشفى بحلول الساعة العاشرة ، أُخفضت الأنوار  لترك المرضى ينامون على راحتهم .. 


وقبل غفو احمد بقليل ، شعر بالممرّضة تتوجّه بهدوء نحو المريض العجوز الذي يفصله عن سريره ستارةً بيضاء .. 

وكان العجوز مُصاباً بنزيفٍ في المخّ ، جعله غائباً عن الوعيّ معظم الوقت ..

وقبل استسلام احمد للنوم ، سمع الممرّضة تقول بصوتٍ منخفض :

- هذه الإبرة ستريحك من آلامك


وما أن خرجت من الغرفة ، حتى ارتفع صفير ماكينة القلب لإعلان وفاة العجوز !


وعلى الفور !! دخل الطبيب وممرّضين آخرين لفحص المريض ، وتأكيد خبر وفاته ..

وأوشك احمد على إخبار الطبيب بالإبرة القاتلة ، لكنه تردّد خوفاً أن يكون الطبيب متورّطاً بالموضوع !

وأوهمهم بنومه ، لحين إخراجهم جثّة العجوز من الغرفة ..

***


بعد ذهابهم .. توجّه الى الإدارة لمراقبة الممرّضة المشبوهة ، بعد لبسه زيّ الممرّض الذي وجده مُعلّقاً في خزانة الموظفين.. 

وأمسك بيده تقريراً وجده فوق المكتب ، كيّ يتمكّن الإقتراب من غرفة الطبيب التي دخلت اليه الممرّضة قائلةً :

- دكتور لا تنسى زيادة نصيبي بعد تخلّصي من مريضين بائسين 

الطبيب : سعاد يكفي هذا الشهر ، فنحن لا نريد إثارة شكوك النقابة

- وماذا عن مريضة غرفة 222 ، فهي بغيبوبة منذ اسابيع ؟ واهلها فقراء ولن يتمكّنوا من دفع المصاريف .. والمريض الثريّ دفع مبلغاً كبيراً مقابل كليّتها 

- حسناً قومي الليلة بحقنها بإبرة..

الممرّضة مقاطعة : تقتلها دماغيّاً ، أعرف هذا .. لكن هذه المرة اريد نسبةً أعلى ، طالما ستحصلون على مبلغٍ كبير من العائلة الثريّة


الطبيب : لا تطمعي يا سعاد ، وقللّي من حماسك .. فزيادة عدد موتانا ، سيشكّك المسؤولون بإشرافنا الطبّي ..

- لم اقتل سوى اثنين هذا الأسبوع : العجوز والسيدة الميؤوس من حالتها ، ولا اظن موتهما سيضايق أحد حتى عائلتهما .. دعني أتوّلى الليلة موضوع فتاة الغيبوبة ، كيّ أحصل على مكافئةٍ مجزّية لإجازتي الشهريّة 

الطبيب : حسناً أعطها الإبرة قبيل الفجر

- كما تشاء ..وحين يرونها اهلها غداً تنازع الموت ، سيوافقون على إزالة جهاز التنفّس لإراحتها من عذابها .. طبعاً بعد إزالتك جميع اعضائها الصالحة للبيع .. القاك قريباً  


وابتعد احمد قبل خروج الممرّضة سعاد وعلى وجهها ابتسامةً عريضة ، كأنها تتخّيل إجازتها القريبة !

***


بحث احمد عن الغرفة 222 .. ووجد فتاة في العاشرة موصولة بأنابيب واسلاك كهربائية للتنفّس ، وأخرى لقياس نبضات قلبها .. 

فأراد تغيّر مكانها ، قبل وصول الممرّضة المجرمة اليها .. 


ولأنه بلباس الممرّض وكمّامة تُخفي معظم وجهه ، لم يشكّ احد وهو يجرّ سريرها بصعوبة (بسبب الم كتفه الذي لم يُشفى تماماً من العملية ، لكنه تحمّل الوجع لإنقاذ الصغيرة) باتجاه المصعد .. 

***


بعد وصوله للطابق الأرضيّ .. وضع سريرها في آخر الغرفة المشتركة للنساء اللآتي أنجبنّ حديثاً ، فسعاد لن يخطر ببالها أن الصغيرة هناك .. 


وقبل خروجه من الغرفة ، سمع الفتاة تأنّ بألم .. فأمسك يدها وهو يدنّدن أغنية نومٍ خاصة بالأطفال .. 

فشدّت على يده ، كأنها سمعتها من قبل ! فعرف انها مازالت واعيّة لما حولها !


فعاد الى غرفة الموظفين في الطابق الرابع للبحث عن ملفّها الطبّي ، والتي أعطته إيّاه الممرّضة الجديدة التي لم تشكّ بانتحاله شخصيّة الممرّض..

 

وبعد قراءته الملف ، وجد رقم جوال امها .. فاتصل بها ، قائلاً بصوتٍ منخفض :

- رجاءً سيدتي ، تعالي الى المستشفى لنقل ابنتك الى مكانٍ آخر

- ما الخطب ؟!

- سيحاولون قتلها سريريّاً للإستفادة من اعضائها

الأم بصدمة : ماذا تقول ؟!

- لا وقت للشرح ، رجاءً إخرجيها من المستشفى المرعبة

- قادمة حالاً !!

احمد : حين تصلين لا تسألي أحداً عنها ، خوفاً من كون إدراة المستشفى متورّطة ببيع الأعضاء .. فقط أدخلي الى غرفة رقم خمسة بالطابق الأرضيّ ، سأنتظرك هناك ..  

***


وخلال دقائق ، وصلت الأم الفزعة الى المستشفى ..واستطاع أحمد (بشخصيّة الممرّض) إدخالها بعد تحدّثه مع الحارس الذي رفض قدوم الزوّار بهذا الوقت المتأخر من الليل ..

 

ثم أخذها الى غرفة النساء لرؤية ابنتها النائمة ، وطلب منها أن تغني الأغنية ذاتها ! 

وحين سمعتها الطفلة بصوت امها ، فتحت عينيها بصعوبة .. 

وكادت الأم تصرخ من فرحتها ، لكن احمد منعها خوفاً من لفت الأنظار اليها .. 


ثم طلب منها تغيّر ملابس ابنتها ، وإخراجها خفيّة من المستشفى

الأم : وكيف أفعل ذلك دون تصريحٍ بالخروج ؟!

احمد : إن عرفوا باستيقاظها ، سيوهمونك بسوء صحتها لتنويمها من جديد .. فالثريّ دفع ثمن كليّتها مُقدّماً

- اللعنة عليهم !! يجب إخبار الشرطة بأمرهم

- أتركي الموضوع لي ، سأحرص على فضحهم .. فقط أخرجيها من هنا بهدوء 

***


وبالفعل استطاعت الأم وضع ابنتها بالسيارة ، والإسراع بها لمستشفى خاصّ في المدينة المجاورة للإطمئنان على صحة ابنتها..


بينما عاد احمد الى الطابق العلويّ .. وقبل عودته الى غرفته ، لمح سعاد تتوجّه الى غرفة طبيبٍ آخر .. 

فلحقها .. وتنصّت عند الباب ، ليسمعها تسأله :

- اين الإبرة الخاصّة بالصغيرة ؟

فبحث الطبيب بين مجموعة ابر امامه :

- أنهيت تعبئتهم قبل قليل .. أقصد : ابر الموت الرحيم .. 

سعاد : رجاءً إخفض صوتك ! أتريد فضحنا ؟! 


ثم رفع الطبيب إبرة بلقاحٍ احمر اللون ، وهو يقول :

- حضّرتها خصيصاً لموت الصغيرة سريريّاً.. امّا بقيّة الأبر ، سأحفظها في الثلاجة لحين احتياجكم اليها.. مع اني اراكم متباطئين بالعمل ! فخمسة قتلى كل شهر ، قليلٌ جداً

سعاد : وهذا رأيّ ايضاً ، لكن الإدارة خائفة من النقابة 

- الم يكن قرار قتل العجائز والميؤووس منهم والمعاقين أمراً من الجمعية السرّية ؟

سعاد : نعم لكن علينا الحذر ، فنحن لا نريد إثارة الناس ضدّ مستشفانا .. (ثم نظرت لساعتها).. آه تأخرت ، عليّ الذهاب


وابتعد احمد قبل أن تراه !

*** 


بعد المؤامرة التي سمعها أحمد ، لم يعد بإمكانه النوم في هذه المستشفى المشبوهة .. ولأنه لا يستطيع الخروج دون تصريحٍ من الطبيب ، بقيّ في سريره وهو يترقّب ساعته وحركات الممرّضين بحذرٍ شديد.. 

***


ما أن حلّ الصباح وبدأ الزوّار يتوافدون للمستشفى عند الساعة الثامنة ، حتى لبس ملابسه واندسّ بينهم .. 


وقبل خروجه من الباب الرئيسيّ ، إنطلق جهاز الأنذار ! بعد تلقّي الحارس عبر اللاّسلكي أمراً بإيقافه..

ويبدو أن مدير المستشفى راجع الفيديوهات عقب اختفاء الصغيرة ! ليجد احمد وهو يخلع ملابس الممرّض قبل عودته الى سريره.. 

لهذا مُنع الزوّار من دخول وخروج المستشفى بعد هروب احمد باتجاه سلالم الطوارىء ! 


واثناء لحاق الحرس به ، دخل الى الغرفة التي فيها إبر الموت الرحيم .. فكسر زجاج الثلاّجة الشفّافة ، وبدأ بتحطيم الأبر على الأرض ..

ليتفاجأ بالطبيب يخرج من حمام الغرفة ، مُحاولاً إيقافه عن تحطيم آخر ابرة في يده .. 

الطبيب صارخاً : ماذا تفعل يا مجنون ؟!! لما كسرت الأبر غالية الثمن ؟!

احمد غاضباً : بأيّ حقّ تقتلون الأبرياء يا ملاعين !!

- ستُعاقب على إثارتك الفوضى 

- بل انا سأعاقبكم !! فوالدي هو نقيب الأطبّاء ، سأجعله يُغلق مستشفاكم بالشمع الأحمر

الطبيب بتحدّي : على جثتي !!


وهجما على بعضهما ، ليغرز احمد الإبرة برقبة الطبيب الذي سقط على الأرض وهو ينتفض بقوة .. قبل توقفه تماماً عن الحِراك ! 


وهرب احمد فور سماعه الحرس يتوجهون لغرفة الطبيب المقتول .. وتزحلق من فتحة الحائط المُخصّصة لرميّ النفايات .. 

ليسقط في سلّة الغسيل الوسخ في زاوية موقف سيارات المستشفى 

 

ثم أسرع راكضاً باتجاه الشارع العام ، واستقلّ سيارة اجرة أوصلته لفندقٍ إعتاد هو وعائلته المكوث فيه .. خوفاً أن يكون مراقباً ، فهو لا يريدهم أن يعرفوا عنوان منزله ..

***


في غرفة الفندق .. فكّر احمد بحلّ مشكلة المستشفى المشبوه بنفسه ، لإثارة إعجاب والده .. 


وبحلول المساء .. شعر بالضيق ، فخرج للشرفة لتدخين سيجارة .. فسمع شخصين يتحدثان بالشرفة التي فوقه :

- علينا قتل اكبر عددٍ من الناس : فتعقيم اطفال المدارس بالتطعيمات الوهميّة ، وكثرة لقاحات الرضّع التي تسبّب التوحّد ، ومشاركة منظّمة الغذاء بوضع السموم في المواد الحافظة وتغيّر التركيبات الجينيّة للقمح ، كل هذا لم يساعد بتخفيف عدد البشر ! 

- لا تقلق سيدي .. فقد وزّعنا مهمّتنا الجديدة على مستشفيات الدرجة الثانية ، فالفقراء لن يرفعوا دعاوي ضدّ الأطباء الذين قتلوا أحبّائهم .. اما الأطبّاء الشرفاء : فأرسلناهم للمناطق موبوءة ، لقتلهم بالعدوى .. 

- نريد موت 5000 آلاف مريض كل عام ، على أقل تقدير  

- في المستشفيات العربية فقط ؟

- بل في جميع مستشفيات العالم ، كما امرنا رئيس الماسون .. فكورونا لم توفّي بالغرض بعد فضح المؤامرة من قبل الأطباء الأغبياء الذين نبّهوا الناس بواسائل التواصل الإجتماعي 

- كما سمعت إنه تمّ اعتقالهم ، وقُتل الآخرون بالسمّ البطيء ! 

- ومع هذا فشلت المهمّة !

- لا تيأس سيدي .. فأغلبيّة الناس لن تشكّ بنوايا الأطبّاء الشريرة ، وسنفي بوعدنا في المستقبل القريب .. وأظن الأعداد ستزداد بعد استلام ابنك الرئاسة 

- لولا ضغطي عليه لأصبح محامياً ، لكني أدخلته الطبّ على امل أن يصبح باراً للجمعية السريّة مثل والده 


وضحك ضحكته المبحوحة التي عرفها احمد بأنها ضحكة والده الذي ظلّ لسنوات رئيس نقابة الأطبّاء ، ممّن يخطّطون سرّاً لإفناء البشريّة تمهيداً لخروج الدجّال !  


التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...