الثلاثاء، 7 يونيو 2022

رغم الفروقات

كتابة : امل شانوحة 

لا للعنصريّة


في وقت الظهيرة ..إقتربت ديانا بسيارتها امام كشك للطلبات السريعة ، لشراء قهوةٍ داكنة .. وحين مدّ العامل آدم (الأفريقي) يده لإعطاء طلبيّتها ، وجدها تبكي بقهر وهي تحاول أخذ الكوب بيدها المرتجفة ! 

فسألها بشفقة :

- مابك سيدتي ؟!

- آسفة ، احاول التماسك بعد إنفصال حبيبي عني قبل قليل


فأعطاها شوكولا مع القهوة ، وهو يقول :

- رجاءً لا تفكّري به كثيراً ، فهو الخاسر .. انت حتماً تستحقين أفضل منه .. ولوّ لم يتواجد زبائن خلفك ، لمدحت جمالك بأشعارٍ وقصائد .. فأنا كاتبٌ جيد .. أتمنى لك يوماً سعيداً 

فشكرته على معاملته اللطيفة ، وابتعدت بسيارتها ..

***


عصراً ، تذكّرت انها لم تدفع ثمن القهوة ! 

فأسرعت الى الكشك قبل إغلاقه .. لتجد آدم خارج عمله ، فأوقفته :

- عفواً ! لم ادفع لك .. إظنك لا تذكرني ، أتيتك باكية..

آدم مقاطعاً : أذكرك جيداً .. لا تقلقي ، دفعت عنك .. 

- لماذا !

- لم اردّ مضايقتك بطلب الحساب .. المهم إخبريني ، هل تحسّنت نفسيّتك ؟

ديانا : تحسّنت بعد تناولي الشوكولا اللذيذة ، هل دفعت ثمنها ايضاً ؟

فأومأ برأسه إيجاباً ، بابتسامةٍ لطيفة ..


فحاولت الدفع له ، لكنه رفض قائلاً : 

- إن كنت تريدين ردّ الجميل ، فبإمكانك توصيلي الى منطقتي لأنه لم يتبقّى معي اجرة التاكسي

ديانا : بالطبع !! إركب بجانبي 

***


في الطريق .. أخبرها إنه يدرس في معهد لكتابة سيناريوهات سينمائيّة .. وحلمه أن يصبح كاتباً مشهوراً .. والى ذلك الحين سيظلّ يعمل بوظيفتين للإهتمام بإخوته الصغار ، بعد وفاة والديه بحادث سير 


ديانا : يبدو انك عصاميّ ومجتهد ، وأتوقّع لك مستقبلاً بارعاً 

- شكراً لك .. (ثم نظر للشارع) .. رجاءً لا تقتربي اكثر ، سأنزل هنا

- لا يوجد مباني بالجوار ! 

آدم : شقتي على بعد كيلومترين ، سأتمشّى الى هناك

- ولما لا تريدني ان اوصلك لمنزلك ؟!

- لأنك ستدخلين الى منطقةٍ شعبيّة عشوائيّة ، فيها الكثير من رجال العصابات .. لذا سأنزل هنا ، وانت عودي الى الطريق العام 


لكنها أصرّت على الإقتراب أكثر ، قبل أن يوقفها لصّ اعترض طريقها بدرّاجته الناريّة .. ونزل وهو يصوّب سلاحه نحوهما ، طالباً المال والجوّالات ..

 

وجين رأى جوّال آدم القديم ومحفظته الفارغة ، إكتفى بالمال الذي سرقه من ديانا .. قبل ابتعاده مسرعاً ، بعد سماعه سيارة شرطة من بعيد 


آدم بضيق : هذا خطئي ، ما كان عليّ إحضارك الى هذه المنطقة المشبوهة .. أعتذر منك ، لوّ كان معي المال لعوّضتك عمّا سرقه منك  

- لا مشكلة ، مجرّد مئة دولار 

- المئة دولار هي أجرتي لأسبوعٍ كامل .. المهم !! الحمد الله على سلامتنا .. جيد انه لم يسرق أغلى شيء بحياتي


وأخرج آدم عقده من قميصه ، وفيه خاتم فضّي .. وهو يقول :

- هذا خاتم امي ، هو الذكرى الوحيدة لها .. كنت سأموت لوّ سرقه مني .. الآن عليّ الذهاب ، سأعطيك رقمي لكيّ تطمّئنيني عن وصولك سالمة الى منزلك .. ويمكنك حذف رقمي بعدها 

ديانا : ولما أحذفه ؟ لربما اصبحنا اصدقاء 

قالتها بابتسامةٍ حنونة .. فابتسم بدوره وهو ينزل من سيارتها

***


بعد شهر من اتصالهما الهاتفيّ كل مساء ، إلتقيا أخيراً في حديقة جامعة ديانا للحقوق .. 


واثناء ضحكها مع آدم ، رأت جاك (حبيبها السابق) يقترب مع صديقته الجديدة وهو يقول ساخراً بعد رؤيته صديقها الأسمر : 

- أهذا صديقك الجديد ؟

ديانا بلؤم : هل عندك مانع ؟

جاك : يبدو لي كعامل توصيل البيتزا 

فردّ آدم : انا أدرس في المعهد الفنّي ، وموظّف في دوامين : محل قهوة وسوبرماركت 

فضحك جاك باستحقار : يعني ظنّي صحيحاً .. الم تجدي غيره ليحلّ مكاني ؟ هل جعلتك يائسة لهذه الدرجة يا عزيزتي ؟


ديانا بعصبية : آدم أفضل منك بكثير ، ويوماً ما سيصبح كاتباً مشهوراً 

جاك باستهزاء : آه نعم .. الكاتب الأول في هوليوود ، اليس كذلك ؟

ديانا : ولما لا ؟!!

جاك باستحقار : لا تقولي انك تفكّري بالزواج من هذا العبد ؟


فاستفزّت الكلمة آدم الذي كاد يلكمه على وجهه ، لولا أن أوقفته ديانا التي ردّت على جاك :

- ربما أفعل يوماً ما

جاك : يا غبيّة ، انه يتسلّى بك 


فإذّ بآدم يجثو على ركبته بعد إزالته خاتم امه من عقده ، الذي وجّه نحوها وهو يسألها :

- هل تتزوجينني يا ديانا ؟

فأجابته وهي تنظر لجاك بتحدّي :

- بالطبع أقبل !!


فقال جاك ، بعد وضع آدم الخاتم الفضّي في أصبعها :

- ياله من خاتمٍ رخيص ، انه يناسبك جداً .. أظن والدك المتغطرس سيفرح بأحفاده السود 

وابتعد ضاحكاً ، وهو يحتضن صديقته الجديدة..

***


بعد هدوء الوضع المتوتّر ، ازالت ديانا الخاتم من اصبعها وهي تقول : 

- أشكرك على موقفك النبيل ، يمكنك استعادة خاتم امك

آدم بقلق : لما أزلته ؟! هل ترفضينني ؟

ديانا بدهشة : وهل فعلاً طلبتني للزواج ؟! 

- طبعاً ، لا مزاح بهذه الأمور

- وأعطيتني خاتم امك الغالي على قلبك ؟!

آدم : لأنك مهمّة بالنسبة لي  

- انا مصدومة بحقّ ! 


آدم بإحراج : أعرف اننا تعرّفنا منذ وقتٍ قصير ، وأدرك تماماً إختلافنا من حيث العرق والمستوى الإجتماعي .. 

ديانا مقاطعة : توقف يا آدم ، هذه الأمور لا تهمّني .. انا فقط سعيدة لثقتك بي لهذه الدرجة !

- وسأكون أسعد إن وافقتي على الزواج بي ، فور تخرّجي من المعهد 

ديانا : اذاً دعنا نتفق على كوننا مخطوبين .. وإن بقينا على وفاق بعد التخرّج ، نتمّم مراسم الزواج 


آدم بقلق : وماذا عن اهلك ؟

- سأخبرهم بالوقت المناسب .. الى ذلك الحين ، إبقي الخاتم معك

- لا !! هو لك 

ديانا : حسناً ، سأخبئه في غرفتي لحين إعلام والدي بالأمر .. عليك الإنتظار قليلاً.. 

آدم : سأنتظرك لآخر يومٍ في حياتي

فوضعت رأسها على كتفه :

- انا محظوظة لإيجاد رجلٍ حنون مثلك يا آدم  

***


توطّدت علاقتهما خلال سنوات الدراسة .. وتخرّج آدم من معهده بعد تفوّقه على زملائه الكتّاب .. 

بعدها بسنة .. دعته ديانا لحضور حفلة تخرّجها الجامعيّ ، وعرّفته على اهلها على كونه صديقها المقرّب..

*** 


بعد شهر من تخرّجها .. فاتحت والدها بالموضوع ، فحصل شجارٌ عنيف بينهما ! .. ورغم اعتراضه الشديد ، الاّ ان ديانا أصرّت على الزواج من آدم بعد توظّفه في شركة سينمائيّة ، ونجاح فيلمه الأول .. مما تسبّب بمقاطعة اهلها لها ، الذين رفضوا حضور عرسها التي اقامته في منطقته الشعبيّة برفقة اهله والأصدقاء 

***


مرحباً ..انا ديانا صاحبة القصة ، زوجة أشهر كاتبٍ في هوليوود.. أتمّمت البارحة عاميّ الستين .. اما والدي : فتوفيّ بأزمةٍ قلبيّة بعد خسارة ثروته بالبورصة ، فاهتممّت بمصاريف أمي واخوتي من ارباح زوجي بأفلامه العديدة التي حصدت شهرة وجوائز عالميّة .. والذي عشت معه اجمل سنوات عمري .. اما صديقي القديم جاك : فتطلّق مرتين بسبب عقمه وسكره المتواصل وفشله بإيجاد وظيفةٍ ثابتة ! .. اما انا : فأصبحت اماً لثلاثة اولاد متفوّقين بدراستهم الجامعيّة ، بسبب إهتمام والدهم وثقافته وحسّه الإبداعيّ الذي اكتسبوه منه .. لست نادمة ابداً على زواجي من عاملٍ بسيط ، تمتّع بطموحٍ قويّ أوصله لأعلى المراتب .. وبسبب التفاهم والإحترام والتضحيّة الذي بيننا ، إستطعنا تأسيس زواجٍ قويّ لم تزعزعه فروقات العرق والمكانة الإجتماعيّة .. فالحب برأيّ هو المفتاح الوحيد للسعادة الأبديّة ، فهل توافقوني الرأيّ ؟ 


هناك 4 تعليقات:

  1. شاهدت البارحة بالتيك توك : صبية تبكي بعد أن اعطاها عامل ستاربكس شوكولا مجانيّة مع قهوتها ، بعد أن رآها تبكي بسبب إنفصال حبيبها عنها .. وأخبرتنا كيف إن مبادرته اللطيفة حسّنت من نفسيّتها المتعبة .. فخطرت ببالي هذه القصة البسيطة ، أتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. لافيكيا سنيورا

    نعم اعجبتني
    وهذا like
    وكمان subscribe
    وكمان فعلت الجرس
    وكمان فعلت حالة الطوارئ


    والاهم من ذالك عندي:

    :لافيكيا سنيورا




    ردحذف
    الردود
    1. انا اعتبرها من قصصي البسيطة ، سأحاول في القصة التالية ان تكون اكثر عمقاً وفائدة .. شكراً لإخلاصك لمدونتي المتواضعة .. لافيكيا سنيورا ، اخي ابن اليمن

      حذف
    2. لافيكيا سنيورا

      لابأس اختي اعانك الله فأنتي تكتبين كل ثاني او ثالث يوم قصه وهذا مو بسيط ..ما شاء الله عليك ..لذا اختي عشان هيك صحتك اهم فلاتجهدي نفسك لكي لا تصاب افكارك بالشيخوخه المبكره ههههه

      اتمنا لك الخير دائما

      لافيكيا سنيورا

      حذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...