الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

اختلاف التوقيت

تأليف : امل شانوحة 

بين شرفتيّن


في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفجر.. والثانية للممرّضة سهى (العشرينية) التي تعود مُنهكة ، بعد نوبات الليل الطويلة في المشفى.

كان لقاؤهما يقتصر على لحظاتٍ عابرة : فعندما يخرج إلى عمله ، تكون في طريقها الى عمارتها .. فيكتفيا بتحيةٍ سريعة وابتسامةٍ خجولة ، قبل ابتعادهما لإكمال يومهما المعتاد !

***


وذات صباح .. تجرّأ احمد على كتابة ورقة ، ارسلها على شكل طائرةٍ ورقيّة نحو شرفتها.. والتي لم ترها سهى إلا بعد الظهر ، حينما خرجت لنشر الغسيل ! 

وكان فيها : ((شاهدت البارحة فيلماً رومنسياً لبطليّن ، لا يلتقيا الا من وراء النوافذ))  

وكتب اسم الفيلم ، في محاولة لفتح الحوار بينهما 

***


في المساء التالي ، عاد أحمد متعباً بعد اغلاق محله مع غروب الشمس .. وقبل اغلاق نافذته للنوم ، انتبه لشيءٍ في شرفة سهى ! 

لوحٌ صغير (خاص بالأطفال) كتبت عليه بالطبشور : 

((شاهدت الفيلم ، وكان جميلاً فعلاً.. يمكننا التحدّث عنه إن أردّت)) 

وكتبت رقم جوالها بخطٍ صغير ، خوفاً من فضول الجيران ..  


فصوّر أحمد اللوح ، وكبّر الصورة.. ثم حفظ الرقم بجواله ، تحت اسم : ((جارتي الجميلة)) 

مُرسلاً رسالةً قصيرة : 

((شاء القدر ، إختلاف ساعات عملنا ! أتمنى حصول معجزة تسمح لي بلقائك)) 


ووصلتها الرسالة خلال وجودها في المشفى .. فاكتفت بإرسال إيموجي لوجهٍ خجول 


هكذا بدأت علاقتهما ، برسائل تُقرأ متأخرة .. وبمكالماتٍ تؤجّل حسب انشغالهما بعملهما الروتينيّ 

***


وذات يوم .. طُلب من سهى تجهيز مريض ، لتجبير قدمه..

وما ان دخلت غرفة الطوارئ ، حتى تفاجأت بأحمد بعد وقوعه عن درّاجته الناريّة اثناء ذهابه لشراء المؤونة ! ورغم ألم قدمه ، الا انه كان سعيداً بوجوده بذات المشفى الذي تعمل فيه سهى (فهو لم يسألها يوماً عن مكان عملها) 


وللمرة الأولى جمعهما القدر في المكان ذاته ، دون نوافذ أو شرفات! 

فأصرّ أحمد على المبيت في المشفى على حسابه..

بينما بدّلت سهى نوبتها مع زميلتها ، للبقاء قرب غرفته..


حيث قضيا الليل في التحدّث بأمورٍ عدّة .. بينما يقاوم احمد النعاس ، بعد اعتياده على النوم في اول المساء.. لكنه لم يردّ تفويت فرصة الحديث مع حبيبته التي أصرّت على ترك جسده يرتاح قليلاً.. 


وقبل خروجها من غرفته ، امسك يدها .. وبصوتٍ متلعثم ، سألها بارتباك:

- هل تتزوجينني يا سهى ؟

فعاتبته بلطف :

- هذه أول مرة نلتقي فيها وجهاً لوجه ، ومع ذلك تقرّر أمراً مصيرياً بهذه السرعة ؟!

فردّ بابتسامة : 

- صحيح هو أول لقاء بيننا ، لكنه ليس أول معرفة .. فأنا سألت عنك جارتك الفضوليّة .. وأخبرتني عن عصاميّتك بالدراسة في المعهد ، للصرف على نفسك ، بعد انشغال إخوتك بحياتهم الزوجيّة .. وكذلك راقبتك جيداً طوال العام .. فأنت لا تخرجين الا لعملك .. اما ايام العطل ، فتقضينها بترتيب منزلك .. حتى طبق الطعام الذي أرسلتِه لي ، يكشف مهارتك بالطبخ .. 

فضحكت بدلال : أكنت تحقّق ورائي ؟! 

- بالطبع سأفعل !! فأنت ستكونين ام أولادنا التسعة 

فقالت بسعادة : التسعة ! .. على فكرة ، انا ايضاً سألت عنك بوّاب عمارتك الذي اخبرني عن برّك لوالديك قبل رحيلهما .. وهذا يكفي للوثوق بأخلاقك 

- طالما اهتمّمنا بماضينا ، فهناك أمل ان يكون لدينا مستقبلاً معاً .. هذا إن وافقتي على الإرتباط بي ؟ 

***


وتزوّجا بعدها بأسبوعيّن ، ضمن حفلٍ بسيط جمع الأهل والأصحاب.. 

وانتقلت سهى الى شقته ، بعد تغيير نوبة عملها الى الدوام النهاريّ ، رغم اعتيادها على السهر منذ تخرّجها.. لكن النوم على صدره الدافئ ، أعاد ضبط توقيتها خلال أيامٍ معدودة ! 

***


وهاهما اليوم يُعرفان بالزوجيّن المثاليّن مع أولادهما الثلاثة ، ، في بيتٍ يملؤه التفاهم والطمأنينة .. حيث لم يعد اختلاف التوقيت سوى ذكرى جميلة ، لقصة حبٍّ صادقة بين جاريّن يافعيّن !


هناك 8 تعليقات:

  1. الردود
    1. شكراً لدعمك المتواصل ، استاذ محمد

      حذف
    2. نحن الذين نشكرك..
      لأنك جعلتينا نشعر بصقيع أرجاء روسيا وألاسكا وشممنا رائحة زهور أوروبا وروائح التوابل الهندية في هضبة الدكن وجعلتينا نتجاذب أطراف الحديث مع حكماء الصين قبل الميلاد وتجولنا في أدغال أفريقيا رغم الحيوانات المفترسة
      جعلتينا نسافر إلى الفضاء رغماً عن ناسا ونزور هوليوود وديزني لاند
      كل ذلك عبر قراءة قصص مدونتك

      حذف
    3. تعليقك اسعدني جداً استاذ محمد .. كما قلت سابقاً : الأفكار هي من تختارني ، وليس العكس .. لذلك انا ايضاً اتفاجأ من هذه التنقلات بين البيئات المختلفة لقصصي المتنوعة !
      تحياتي لك ، يا زميل المهنة

      حذف
  2. دائما قصصك جميله ولكن هذه القصه اين الاحداث فيها
    واريد ان اسالك سؤال هل تكتبين القصه فقط خلال يوم ام انها قصص قديمه لديك واذا كانت القصه تؤلفيها يوم واحد هل هذا يكفي ، احس بانك تضغطين على نفسك ان تنزلي كل يومين قصه
    ، والافكار من اين تاتيك ، يجب ان يراكي احد الاعلاميين ويتحدث عن اانجازاتك بالقصص وان مدونتك كل يومين قصه يجب ان تظهر قصتك واصرارك على النجاح ع الملأ ويعرف الجميع قصه نجاحك انا ارى ان الفرج قريب لديك وارى اسمك يتلألأ في سماء الاعلام العربي، حاولي ان تتواصلي مع احد الاعلاميين اللبنانيين ارجوكي حاولي لو لمره واحكي قصتك في برنامج

    ردحذف
    الردود
    1. سألني احد القراء سابقاً : جميع المواهب تعرف منذ الصغر ، ماعدا الكتابة .. فمتى عرفتِ موهبتك ؟
      بالحقيقة ، امي من اكتشفت ذلك .. بسبب انني بصغري كنت ازوّد ملحاً وفلفل على الأحداث .. كما نقول باللبناني : فنّاصة .. وهي لا تعني كاذبة ، بل احب تضخيم الأمور .. مثلاً بسن السادسة اخبرت امي :
      - اخي سقط من الدرّاجة ، وهناك نافورة دماء تخرج من رأسه
      انا لم اكذب .. هو فعلاً سقط ، لكن الجرح بسيط

      ولأن امي كاتبة ، عرفت ان خيالي زائد .. فأحضرت لي مجموعة من قصص الأطفال ، وأخبرتني ان الخيال موهبة بحد ذاتها ، لا يملكها الكثيرون .. وهي ما تتحول الى قصص وافلام .. وبذلك وجّهتني للإستفادة من خيالي الزائد .. حتى عندما كانت تراني اتحدث حوارات كثيرة مع لعبتي ، رغم انني بالثانوية .. لم تكن تلومني ، بل تتركني على راحتي .. كما كنت أخبرها دائماً بمناماتي غريبة ، فتنصحني بتحويلهم لقصص ..

      وبذلك تعودت على تشغيل مخيّلتي طوال الوقت .. لا ابالغ ان قلت انني اعيش بالخيال ، ضعف حياتي بالواقع .. لهذا احاول ايجاد افكار جديدة كل يومين ..

      فمثلاً بسنة 2016 ، عندما فتحت المدونة .. كنت انشر مرة كل اسبوع .. لكن مع مرور السنوات ، ضغطت على نفسي للإسراع بتحقيق هدفي الأول : بأن اكون صاحبة الألف قصة قصيرة ..
      ولليوم وصلت الى (910) .. وسأحاول قبل نهاية 2026 بإذن الله تعالى ، ان احتفل معكم بتحقيق الهدف الكبير لي ..

      اما موضوع الإعلام والمقابلات ، فهو شيء ثانوي لا يهمني كثيراً .. فأنا فتاة انطوائية من الدرجة الأولى ، ولا تهمني الشهرة ..

      على كلٍ ، ما كنت لأنجح لولا دعمكم المتواصل لمدونتي المتواضعة.. فشكراً لجميع القرّاء المخلصين

      حذف
  3. الرقم غير واضح بالمره ايتها الممرضه !.. ظننتك جاده حقا في توطيد علاقتنا ايتها الجاره ؟!!..
    اليس للجار حقوق ? فلم العقوق ايتها النيرس ?
    وما معنى طلب لي ميغا من فيل ? هه
    اهذا اسم المطعم ؟ ام اسم أكلة ما ؟
    عموما اليك هذا الموفي :
    love , rosie مع حبي روزي
    بطولة السفاحه مصاصة الدماء ليلي كولينز والامير الصادق النبيل سام كلافلين ..لكن حضري الكثير من المناديل لان سمعت ان عيون الممرضات التمساحيات سابلات منهمرات كالسماوات وإن كن قاتلات كاذبات @

    ردحذف
    الردود
    1. تعليقك يذكرني بالأستاذ عاصم الذي اختفى فجأة من المدونة ! اتمنى ان يكون بخير

      اما الأفلام ، فيا ليت عندي وقت لمشاهدتها .. فأنا بالكاد اجد الوقت للكتابة !
      وعلى فكرة ، لست من محبي القصص الرومنسية .. بل الدرامية والمخيفة

      حذف

اختلاف التوقيت

تأليف : امل شانوحة  بين شرفتيّن في مبنيين متجاورين ، تتقابل شرفتان .. إحداهما للشاب احمد (الثلاثيني) صاحب الفرن صغير الذي يفتحه مع بزوغ الفج...