الخميس، 26 ديسمبر 2024

الحساب الدنيويّ

تأليف : امل شانوحة 

المحاولة التذكيريّة


في الصباح الباكر .. إستيقظت الصبيّة من نومها ، وهي تشعر بطعمٍ مُزعجٍ في فمها.. وعندما نظرت في مرآة الحمام ، رأته مليئاً بالدماء! 

فأخذت تبصق مِراراً ، ظنّاً بأنه نزيف لثّة .. لكن اتضح انه نزيف من لسانها ! 

فقالت بنفسها بقلق :

((هل عضضّت لساني بقوّة اثناء نومي ؟! مع اني لا ارى شقّاً فيه ! فمن اين تأتي هذه الدماء ؟ ولما لا تتوقف ؟!))

وحشرت المناديل في فمها ، وأسرعت لأقرب مستشفى

^^^


وفور نزولها بجانب الطوارىء .. لاحظت مجموعة من المصابين يعانون من نزيفٍ متواصل ، كحالتها ! لكن اختلفت الأعضاء المُصابة : فبعضهم ينزف من يده ، والآخر من قدميّه .. والبعض من وسطه ! والأخطر من عينيه .. وجميعهم اشتكوا الأمر ذاته : ان النزيف حصل فجأة اثناء نومهم .. وانه لا يتوقف ، رغم عدم تعرّضهم لجروح او حوادث !


لكن الطبيب اعتذر عن مداواتهم ، لأنه يعاني ايضاً من نزيف اصابعه ! مما شكّك الجميع بانتشار مرضٍ مُعدي في مدينتهم الصغيرة ، التي امتلأت عياداتها بالمصابين الذين اوشكوا أن تُصفّى دمائهم التي سالت بالطرقات وفي ممرّات المشافي.. 

والأغرب ان جميع فحوصاتهم المخبريّة والشُعاعيّة تؤكّد خلوّهم من الأمراض او جروحٍ عميقة في اعضائهم التي استمّرت بالنزيف دون توقف! 

وكان اسوء المصابين : هو حاكم المنطقة الذي تمّ تصويره وهو ينزف من كامل جسمه ! 


ولم يفهم المواطنون ما يواجهونه إلاّ بعد سماع صوتٍ رخيم ، جمّدهم في اماكنهم ! حيث سمع كل واحدٍ منهم ، ملاكه (الموجود على كتفه الأيسر) يهمس في اذنه ، بنفس الجمل التالية :

((هذه ذنوبكم !! فمن نزف لسانه : هو إمّا تكلّم بالسوء او شهد زوراً ، او ساهم في نشر النميمة والإشاعات الباطلة.. ومن نزف من عينيه : فقد شاهد مقاطع قذرة في ليلته الماضية.. ومن تنزف يده : فهو حتماً سارق او مُرتشي ، وحتى قاتل .. ومن تنزف قدميه ، فقد ذهب لأماكن مُحرّمة : كالبارات ومحلاّت القمار.. ومن ينزف من اسفل بطنه : فقد أقام علاقةٍ مُحرّمة ، او اعتدى على غيره .. والأطباء الذين نزفوا من اصابعهم : فبسبب قيامهم بعمليّاتٍ جراحيّة لا لزوم لها ، لأجل الكسب الماديّ .. اما من نزف من كل جسمه ، فقد ارتكب جميع تلك الذنوب ، تماماً كما حصل لحاكمكم ..وإن لم تستغفروا حالاً وانتم تتعهّدون ربكم بعدم ارتكاب تلك الذنوب ثانيةً ، سيتصفّى دمائكم بنهاية هذا اليوم ..وتموتون جميعاً !!))


وفجأة ! علا صوت الإستغفار في ارجاء المستشفيات ، تردّد صداها للمنازل والشوارع ..وصولاً للحاكم الذي سجد باكياً ، وهو يعدّ ربه بإقامة العدل بين مواطنيه ومراعاة مصالحهم .. 


وإذّ بالدماء تتوقف تماماً ! حينها سمعوا ملاكهم الآخر (الموجود على كتفهم الأيمن) يهمس لهم : 

((يوم القيامة سيحصل لكم الشيء ذاته .. لكن ليست دماء ، بل ستتعرّقون تحت الشمس الحارقة ، حسب ذنوبكم .. فالبعض عرقه سيُغطّي قدميه .. والبعض الآخر سيصل الى وسطه.. بينما الآخرون سيغرقون بعرقهم ، كنوع من الفضيحة امام الملأ .. وما حصل اليوم هو مجرّد تحذير لما ينتظركم بالآخرة ، فلا تكرّروا ذنوبكم!!))

^^^


وعقب انتهاء الأزمة المرضيّة .. عاد الجميع الى بيوتهم للإستحمام وتغيّر ملابسهم المُلطّخة بالدماء بعد شفائهم التام .. لينهار بعضهم باكياً ، ندماً على إنحرافه السابق .. بينما سارع الآخرون الى دوّر العبادة ، لبدء صفحة جديدة ونظيفة في حياته .. لكن الأكثريّة اكتفى بالنوم تلك الليلة .. ليعود في اليوم التالي لمزاولة الذنوب ذاتها ، كلاً حسب عمله ! فالمحامي : عاد للكذب لمصلحة موكّله المُذنب ، لغاية ربحه القضيّة والكسب المادي .. والتاجر : إستمرّ بالغشّ في بضاعته .. والنساء إستمرّين بالنميمة ونشر الإشاعات المسيئة بسمعة بعضهنّ .. والحاكم تخلّى عن قراره بإغلاق السجون السياسيّة ! بل اعطى اوامر لحرّاسه : بعقاب كل شخص يتكلّم ساخراً ، عمّا حصل له البارحة .. مع إقفال المحطّات التي عرضت صورته المُدمّاة وانهياره بالبكاء ، اثناء ذهابه بالمروحيّة لأفخم مستشفى بالعاصمة !


وهنا علِمَ ملاك اليمين والشمال انه لا فائدة من تحذير البشر ، فكلاً سيُحاسب بذنبه يوم القيامة ! قائلين لبعضهما بيأسٍ وحسرة :

- الآن فهمت لما سيرفض الله إعطاء فرصة ثانية لأهل جهنم للعودة للدنيا والقيام بالعمل الصالح  

- لأنه من الصعب تغيّر الطباع التي نشأوا عليها ..ولوّ عادوا للحياة ، لارتكبوا الأخطاء ذاتها !

- حقاً لجهنم اهلها ، وللجنة ناسها 

- على الأقل قمنا بمحاولة أخيرة لتنبيهم قبل حلول أجلهم ، لكن دون فائدة ! 

- بالنهاية الهداية بيد الله .. ثم لا تنسى الشياطين وزعيمهم ابليس الذي لن يهدأ باله قبل رميّ آخر فرد من ذريّة آدم ، ليحترق معه بالنار !

- ليس امامنا الآن سوى العودة الى عملنا 

- سهلٌ عليك قول هذا ، فمن النادر قيامهم بعملٍ صالح .. بينما أمضي نهاري وليلي كلّه ، بتدوين ذنوبهم التي لا تنتهي

- بأيّ صفحة أصبحت ؟ انا مازلت بمقدمّة كتابي

- هذا عاشر مُجلّد لهذا الشاب ، وهو مازال بمقتبل العمر !

- حقاً هناك شياطين بشريين !

- اراك لاحقاً ، فالشاب فتح الإنترنت على مواقع قذرة مجدداً ! عليّ تدوين ذلك بالحال

- اعانك الله على عملك الصعب


وهذا الحوار تكرّر بين ملكيّ اليمين والشمال للعديد من البشر الذين لم يتعظوا من المحاولة الملائكة التحذيريّة لما ينتظرهم بالآخرة من عقابٍ شديد ، والذي سيمتدّ الى ابد الآبدين !


هناك 6 تعليقات:

  1. هذا منام ايضا ? ام ما نام فتفكر وتبكر !

    بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون ..
    ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون ..
    وانهم لكاذبون ..
    وانه لكاذب..
    وانني لكاذب ..بل انا زعيم الكذبۃ واميرهم ..
    ورد اسمي بقاءمتك في ذنبين ..لن اذكرهما بالطبع..
    وياليت شعري اي شيطان او ملاك يوسوس باذنك او يلهمك ..فتقرضين جلودنا بمقاريضك
    ..ياهناه ..اواااه مما صابكي اواااه..
    فياااا بن القيم ..قم وانظر لتينك الفتاۃ تسرق ريشتك ..فتخط وتحط ..
    بغافووو ..امل ..بيد التبكيت والتنكيت ..
    والمعنی في بطن الشاعر ..الذي لم يعد بهزۃ
    او نسمۃ شاعر ..


    ردحذف
    الردود
    1. فاجأتني اخ عاصم ! لم اتوقع ان تعجبك القصة لهذه الدرجة ..
      بقيت قصة اخيرة لهذا العام ، وبعدها بإذن الله القاكم العام القادم على خير وسلامة

      حذف
  2. قصة مرعبة لاكن متأكد من انه ردة فعل البشر
    هل يمكنك كتابة قصة بأستخدلم مقولة
    الملاك يجعل نفسه مخيف ليبعد الشر الشيطان يجعل نفيه جميل ليغري البشر

    ردحذف
  3. https://vt.tiktok.com/ZS6rTudhX/

    ردحذف
  4. عدنان كردستان28 ديسمبر 2024 في 7:19 ص

    ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
    مقال رائع تسلم اناملك أختي

    قال الله(وماكان الله ليعذبهم وانت فيهم وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون)

    1- وانت فيهم اي أن شرع محمد منهج بحياتهم ، فالدين المعاملة
    2-الاستغفار

    ردحذف

الرصاصة الطائشة

فكرة : الأستاذ احمد السيد كتابة : امل شانوحة  الطلقات المُميتة عُيّن رئيس بلديّة جديد (قادم من المدينة) في قريةٍ شعبيّة.. ولم يمضي شهر على ت...