الأربعاء، 13 يناير 2021

سطور الحياة

تأليف : امل شانوحة 

دفتر مذكّراتٍ سحريّ ! 


بعد سنوات من عمل احمد في بريطانيا قرّر إنهاء غربته والعودة لوطنه لبنان ، مباشرةً بعد انتهاء إحتفالات رأس السنة 2021 .. الا انه تفاجأ بخبر إغلاق مطارات انجلترا بعد تطوّر سلالة خطيرة لكورونا .. وكان عليه الإنتظار لحين انتهاء الأزمة ، رغم قيامه بحزم امتعته والتخلّص من العديد من اغراض شقته المستأجرة .. وكان من ضمن الأشياء التي وضعها جانباً : دفتر مذكراته .. ولشدة ملّله ، قرّر قراءته للمرة الأخيرة 


وكانت صفحاته الأولى مكتوبة بخطٍ سيء مليء بالأخطاء الإملائية ، وفيه ذكر يوم استلامه شهادة التفوق بصفه الرابع .. حيث تكلّم عن فرحته بهدايا والده ، واصفاً لعبته الجديدة والحلويات التي اشتراها له ..وبآخر سطرٍ ، رسم مربعاً بداخله كلمة (إضغط هنا)

فاستغرب الشاب احمد قيامه بذلك ! ولم يجد نفسه الا وهو يضع أصبعه فوق الكلمة 


وفجأة ! شعر بدوارٍ شديد كأنه يركب إفعوانية سريعة ، في مكانٍ شديد البياض ! 

^^^^


حين فتح عيناه .. رأى نفسه عاد الى سن العاشرة ! وكان ذهنه مُشوّشاً : فهل رجع لزمن الثمانينات ؟ ام مجرّد حلم ؟!

وهنا سمع والده يقول : 

- إخترّ لعبتك كيّ نذهب للبقالة


وكانت ردّة فعله : أن حضن والده بشوق ، فهو لم يره منذ بدء جائحة كورونا .. كما تفاجأ برؤيته باللحية السوداء والجسم الرياضيّ المثاليّ !

فأبعده والده عنه بحنان :

- أشكرني لاحقاً ، واستعجل باختيار لعبتك  


فتلّفت أحمد حوله بذهول ! بعد رؤيته المتجر الذي كان بمثابة عالم الأحلام في طفولته .. وأخذ يتجوّل بداخله ، والذي بدى أصغر بكثير مما تخيّله ! 

وكانت معظم العابه تعمل على البطارية لإصدار اضواءٍ ملونة مع موسيقى عالية مزعجة .. ولم يكن فيها أيّ شيء إلكتروني : فلا طائرات تطير بالفعل ، ولا نظّارات ثلاثية الأبعاد .. حتى سيارات الريموت من النوع الرديء الذي يعطل بسرعة .. اما الألعاب الأخرى فعبارة عن مجسّمات لأبطال رسوم متحركة قديمة مثل : جريندايزر وقرصان جزيرة الكنز وسندباد ، الذي كان حلم كل طفل في ذلك الزمان إمتلاكها والتفاخر بها امام اصحابه .. 


وهنا قال والده :

- أتعبتني يا أحمد .. هيا اختر واحدة ..

- لا اريد شيئاً ، لنذهب للبقالة .. سأسبقك للخارج

فاستغرب والده لعدم شرائه لعبة ، على غير عادته ! 

^^^^


وفور خروج احمد الى الشارع .. تفاجأ بعدد المباني القليل في منطقته التي أصبحت لاحقاً مزدحمة بالعمائر .. 

وأشار الى الحديقة العامة ، وهو يقول لوالده :

- ياه ! أذكر تلك الحديقة جيداً ، كنت العب فيها مع اصدقائي بعد خروجنا من المدرسة

الأب : ومازلت تلعب فيها من وقتٍ لآخر ، مالذي تغير الآن ؟

ففضّل احمد السكوت ، لأن الحديقة ستُزال في المستقبل لتوسعة الشارع ..

 

وظلّ يمشي بذهول امام المحال القديمة ، بموضة ملابسها الغريبة الفضفاضة ذات الألوان الغير متناسقة !

وحين رأى صور قصّات الشعر المُلصقة على زجاج محل الحلاقة ، إنفجر ضاحكاً : 

- لا أصدق ان الشعر المنكوش كانت موضة عصركم

الأب باستغراب : عصرنا ؟!

احمد بارتباك : أقصد يومنا الحالي

- انا ايضاً لم تعجبني ، لكنها موضة الشباب هذه الأيام .. هيا لنقطع الشارع 

^^^^


وحين دخل احمد البقالة .. وجد فيها حلويات طفولته التي كان يتمنى تذوقها ثانية ، فالكثير منها توقف إنتاجها في زمانه .. 

فأخذ يضع بالكيس قطعة من كل نوع

الأب : هذا كثير يا احمد !

- سآخذ بثمن اللعبة التي لم أشتريها

- يا محتال ! يبدو ستصبح تاجراً حينما تكبر 

- بل سأدرس إدارة الفنادق  

الأب : أحقاً ! لكنك أخبرتني مراراً برغبتك بأن تصبح طياراً

- ابي .. جميع الأطفال يحلمون بذلك ، لكنه حلم صعب المنال  

- كلامك ناضجٌ اليوم !


فحاول احمد تدارك الموقف : 

- هآقد انتهيت !! حاسبه يا ابي لنعود الى المنزل ، فأنا متشوّق لرؤية امي واختي

- متشوّق ! لا يهم .. هل اشتريت حلوى لأختك ؟

احمد : نعم ، فمازلت أذكر ما تحب 

- تذكر ! كلامك يزداد غرابة .. المهم ، دعني أدفع الحساب

ودفع عشرين ليرة ..


احمد : أتدري يا ابي ان الأغراض التي اشتريتها الآن تساوي 30 الفاً في عام 2019 ، و80 الفاً في سنة 2020 بعد ارتفاع سعر الدولار ؟

- لن أجادلك ، فأنت غير طبيعي هذا النهار .. هيا بنا ، فأمك بانتظارك 

^^^^


في المنزل .. تفاجأ احمد برؤية امه شابة صغيرة ونحيفة ، فحضنها بقوة وهو يقول :  

- انا سعيد برؤيتك بكامل صحتك يا امي ، شكلك أجمل وانت نحيفة

- انا رشيقة طوال عمري يا بنيّ !

فتنهد احمد بحزن : كل شيء سيتغير بعد بلوغك الخمسين 

فنظرت الأم الى الأب باستغراب ! الذي قال لها :

- يبدو شهادة التفوق أفقدته عقله ..

وضحك الوالدان .. 

^^^^


بينما أسرع احمد الى غرفة اخته التي ما زالت في سن السادسة ..

وحضنها وهو يخفي دموعه :

- الحمد الله ان قدمك مازالت بخير 

اخته باستغراب : ماذا تقصد ؟!


ففضّل عدم إخبارها إنها ستفقد قدمها قبل نهاية الحرب الأهلية .. ومسح دموعه ، وهو يريها كيس الحلويات :  

- هيا نتذوقهم جميعاً !!

اخته باستغراب : بالعادة ترفض مقاسمتها !

- هذه المرة سنتذوقها معاً ، فأنا متشوّق لتذكّر طعمها


وأخذا يأكلان الحلويات بشهيّة ، فطعمها ألذّ بكثير مما تصوّر ! فهي كانت تُرسل مباشرةً من اوروبا واميركا الى لبنان عن طريق الوكلاء .. بعكس زمننا الحاضر ، التي تُصنّع في المعامل الآسيويّة التي استرخصت جودة المواد الرئيسية للمنتج ! 

^^^^


في المساء .. حضر صديق والده ومعه هدية لأحمد بمناسبة نجاحه ، وكانت دفتر مذكّرات ..وقال له : 

- أخبرني والدك انك تجيد الكتابة.. فأحضرت دفتراً مميزاً ، لكتابة ذكرياتك عليه 

احمد بحماس : اذاً سأبدأ بكتابة هذا اليوم الجميل

- أحسنت !!

^^^^


وقبل نوم احمد في سريره الصغير تلك الليلة .. كتب ملخصاً عمّا حصل طيلة يومه .. 

وفي نهايتها : رسم مربعاً فيه كلمة (إضغط هنا) وهو يتمّتم : 

- كلما اشتقت لهذه المناسبة ، سأضغط هنا لتكرارها 


وحين وضع إصبعه عليها ، عاد احمد لحاضره في شقته المستأجرة بإنجلترا !

- يا الهي ! هل كان حلماً ؟ لا يبدو ذلك ، فأنا مازلت امام مكتبي .. ماذا أفعل الآن ؟ هل أضغط على المربع ثانيةً ؟ .. لا الأفضل أن أكمل قراءة المذكّرات ، ثم أفكّر لاحقاً بما حصل !


وكان ذكر في صفحته التالية حادثةً سيئة حصلت في مراهقته ! كتبها اثناء وجوده في الملجأ المكتظّ بالعائلات بعد الإجتياح الإسرائيلي لبيروت .. واصفاً إرتجاج العمارة مع تحليقات الطيران الحربي بشكلٍ منخفض فوق المباني المتهالكة من المعارك المتواصلة .. 

ورغم كونه في المرحلة المتوسطة ، الا انه أنهى كتابة الذكرى بالعبارة ذاتها : (إضغط هنا) داخل المربع !


وحين ضغط الشاب احمد عليها .. دخل الدهليز الأبيض مجدداً ، ليجد نفسه في الملجأ المضاء بالشموع ، المعبّق برائحة الرطوبة .. ومن حوله الجيران يدعون بصمتٍ وفزع مع كل إنفجارٍ يحدث بالخارج ..


ورغم صرخات الأطفال الخائفة الا انه لم يكن قلقاً ، فهو يعلم بأن عائلته ستنجو من الحرب .. فأخذ يتجوّل في الملجأ وهو يراقب الجيران القدامى الذين تفرّقوا في المستقبل : فمنهم من هاجر للخارج ، ومنهم من انتقل للعيش في مناطق متفرّقة من لبنان .. اما كبار السن فماتوا طبيعياً .. لكن بعضهم قُتل بالحرب ! 


وحين رأى جاره الحنون خالد ، أسرع بحضنه وهو يبكي شوقاً .. فسأله العجوز باستغراب : 

- مابك ترتجف ؟.. لا يا أحمد ! أصبحت كبيراً على البكاء 

- انا لست خائفاً من الموت ، لكني مشتاق اليك عمي خالد

- هل نوى اهلك السفر ؟ ام رأيت كابوساً عني ؟ 

احمد : لا تقلق عمي .. فأنت لن تموت بالقصف ، بل ... 

- بل ماذا ؟ 

- بسرطان الدم الذي أُصبت به عقب ارتعابك من الإنفجار

خالد بقلق : أيّ إنفجار ؟! 


وهنا شدّه والده من ذراعه وهو يعاتبه : 

- ماهذا الكلام يا احمد ! تفاءل بالخير .. آسف سيد خالد ، هو لا يعيّ ما يقوله .. أطال الله عمرك

وأعاده الى امه ، بينما ظلّ العجوز شارداً بما سمعه !


بهذه اللحظة .. تذكّر احمد سبب كتابته هذه الليلة بالذات في مذكّراته ، وسأل امه بقلق :

- اين اختي ؟

- تلعب في زاوية الملجأ مع الأطفال 

وما ان رآها ، حتى صرخ احمد بعلوّ صوته :

- إبتعدوا عن ذلك الجدار فوراً !!!! 


وإذّ بصاروخٍ يخترق ذاك الجزء من الملجأ ، ويقتل 5 اطفال ورجلين .. لتعلو معها صرخات اخته المؤلمة ، بعد أن سحق الجدار المتهدّم ساقها ..


وفي الوقت الذي هرع فيه الجيران لإزالة الأحجار عنها وإسعاف المصابين ، أسرع احمد الى حقيبته المدرسية لإخراج دفتر مذكراته والضغط على المربع بيده التي ترتجف بشدة ..


ليعود غاضباً الى زمنه الحاضر ، ويقوم بتمزيق تلك الصفحة من مذكّراته لعدم رغبته بتذكّرها ثانيةً 

***  


وبعد ان هدأ روعه ، قرّر قراءة الذكريات السعيدة فقط .. لكنه تفاجأ انه بعد دخوله الجامعة ، لم يكتب سوى الأحداث الصعبة التي مرّ بها لبنان : ومنها مقتل الحريري وحرب تموز ، وانفجار المرفأ (الذي شهده بعطلته الصيفية) والذي رسم امامهم المربع ذاته ، رغم انه لا يذكر سبب تكراره ذلك ! 


ولأنه لم يردّ عيش تلك الأحداث العصيبة مجدداً ، قلب صفحات الدفتر الى أن وصل لسنة 2019 : الذي تحدّث فيه عن عطلته الصيفية في لبنان الذي عانى من مشاكل سياسية تلك السنة ، لكنها تظلّ أفضل بكثير من السنتين التاليتين اللتان تدهور فيهما الإقتصاد بعد إرتفاعٍ مُفاجىء للدولار مُسبباً غلاء المنتجات الغذائية والمعيشيّة.. 

لهذا قرّر الضغط على المربع للعودة لعطلته الرائعة التي قضاها في بلاده 

***


وفجأة ! وجد نفسه مع عائلته داخل المول المكتظّ بالمتسوقين ، ووالده يقترح عليهم مشاهدة فيلم بالسينما قبل تناول الطعام ، وامه واخته متردّدتان بالقبول .. 

فأجابه احمد بحماس :

- بالتأكيد سنشاهد الفيلم !! وسنختار أفضل مقاعد السينما ، وسنشتري البوشار المالح والحلوّ ، وعلى حسابي !!

اخته باستغراب : مابك متحمسٌ هكذا ؟!

احمد : ابي ، غداً آخذك لحضور مباراة كرة قدم .. 

- جميعها مبارايات محلّية 

- لا بأس .. فأنا مشتاق كثيراً للهتاف الملاعب

الأم بدهشة : مابه الولد ؟!

احمد : امي ، لا رجيم هذا اليوم .. سنتناول كل شيء !! مأكولات وحلوياتٍ غير صحية .. علينا الإستمتاع بالحياة قبل نهايتها

اخته : نهايتها ؟!  


احمد بنبرةٍ حزينة : نعم ، سينتهي كل شي ببداية السنة القادمة .. فسنة 2020 ستكون اسوء سنة بتاريخ العالم 

الأب مستفسراً بقلق : هل ستندلع حربٌ عالمية ؟ أهذا ما ذُكره إعلامكم الغربيّ ؟

احمد : والله يا ابي الحرب العالمية أهون من قطع ارزاق الناس .. ففي السنة القادمة ستغلق المدارس والبنوك والمطارات والشركات والمعامل ، وتكتظّ المستشفيات بالمرضى .. وسنُحظر في بيوتنا لأسابيع وشهور ، وسنُرغم على وضع الكمّامات التي كتمت أنفاسنا وأرواحنا جميعاً


اخته : انت تهذي يا احمد ، مستحيل ان تتوقف الحياة في يومٍ وليلة !

احمد : صدقوني !! هذا ما سيحصل قريباً .. وسيتمنى العالم لوّ إن هذه السنة لم تنتهي ابداً .. وعلى فكرة .. اريدكم ان تسحبوا اموالكم من البنوك بعد تحويلها الى دولارات ، فسعره سيرتفع بشكلٍ مهول في السنة القادمة 

الأم : نحن نجمّع المال لشراء بيتٍ جديد ، وصار في رصيدنا ما يقارب 30 الف دولار 

احمد : سأضيف عليها 20 الف لشراء شقة كبيرة

والده : سعر المنازل حالياً يتجاوز 100 الف دولار يا احمد

- صدّقني ابي ، الدولارات التي نملكها الآن تكفي لشراء منزل احلامكم .. 

الأم : ابني أصبح ميشال حايك !

اخته مازحة : بل ليلى عبد اللطيف

وضحكوا ساخرين من توقعاته ، فتوقف عن قول المزيد ..


وفي السينما .. حاول الإستمتاع بالفيلم رغم شعوره بغصّة في قلبه ، لأن كل هذا النعيم سينتهي قريباً .. 

^^^^


لذلك لم ينمّ تلك الليلة ، خوفاً من عودته لسنة 2021 .. وسهر حتى الصباح .. وفور استيقاظ والده ، أصرّ على أخذه للبنك لسحب امواله بالدولار قبل فوات الأوان 


وبعد عودتهما الى المنزل .. وضع رزمة المال في جيب معطفه ، وضغط على المربع في دفتر مذكراته للرجوع الى زمانه 

***


واستفاق في إنجلترا ، ليجد المال مازال في جيب معطفه داخل حقيبة سفره 

ثم أخذ يفكّر :

- هذه 30 الف دولار لأهلي ، وسأضيف عليها 20 الف التي معي .. لكن كيف سأحوّل 50 الف دولار الى لبنان ثمن المنزل ؟ فالبنوك لن تعطيهم المبلغ كاملاً ، ومكاتب الحوالات مغلقة لحين انتهاء الحظر !


وظلّ يفكّر طويلاً ، الى ان خطر بباله فكرة عبقرية : وهي كتابة شيئاً لم يحدث في مذكّراته السحريّة ، بتاريخ 2022 .. لربما في المستقبل يرتفع قيمة الدولار اكثر ، ويشتري لهم فلّة فخمة بدل الشقة التي يحلمون بها .. 

***


وبعد ضغطه على المربع الذي رسمه ، فتح عيناه ليجد نفسه واقفاً قرب مبنى عائلته المدمّر ! 

فأسرع بسؤال أحد المارّة بفزع : 

- ماذا حصل هنا ؟ لما المنطقة مدمّرة بالكامل ؟! 

- هل أتيت من المريخ ؟

- بل من بريطانيا 

- الم تسمع الأخبار ؟

احمد بعصبية :  قلّ يارجل !! مالذي حصل هنا ؟ ولما عمارة اهلي مهدّمة؟

- حصل ذلك بعد الإنفجار الضخم في المنطقة المجاورة الذي قُتل فيه المئات وشُرّد الآلاف ، عدا المصابين 

- ومن فعل ذلك ؟ ولماذا ؟

الرجل : لقتل شخصيةٍ سياسية .. اما الفاعل فمعروف ، ورجاءً لا تورّطني بالكلام

- واين سكّان المبنى ؟ اين ذهبوا ؟ 


لكن الرجل ابتعد دون إجابته .. فأكمل احمد سيره في شوارع لبنان ، وهو مذهول من حجم الدمار الذي يشابه الحرب الأهلية ! 


ومن حسن حظه انه رأى بوّاب العمارة في السوق ، الذي قال باستغراب : 

- سيد احمد ! لم ارك منذ زمن

- رجاءً إخبرني .. اين عائلتي ؟  

- تقصد والدك .. هو يعيش في منزلكم الجبلي الذي اشتريتهُ لهم ، هل نسيت ؟!

- انا اشتريته !


ووضع يده في معطفه ، ليجد المبلغ اختفى ! فعلم انه تمكّن من إرسالهم بطريقةٍ ما 

فتنهّد احمد بارتياح : الحمد الله .. هل تعرف عنوان بيت اهلي ؟

- سأعطيك رقم جوّال والدك الجديد ، فهو مازال يتواصل معي من حينٍ لآخر  


وبعد أخذه الرقم ، سأله وهو يشير للناس : 

- سؤال آخر .. أين كمّاماتكم ؟

البوّاب باستغراب : وهل مازلتم تضعونها في انجلترا ؟!

- أفهم من كلامك ان أزمة كورونا انتهت عام 2022 ؟ 

- بل منتصف السنة الفائتة ، فهي كانت مخطّط سياسيّ .. وحين انفضح الأمر ، إنتهى كل شيء .. ظننت ان إعلام الأجانب أكثر تطوّراً من أخبارنا ؟! 

- عليّ الإتصال بأبي ، اراك لاحقاً

- سلّملي عليه


وكان والده سعيداً باتصاله .. وأعطاه عنوان المنزل الذي سارع احمد اليه بعد استئجاره سيارة اجرة بدولارٍ واحد !

***


حين وصل الى هناك .. فتحت امرأة غريبة الباب بملابس النوم ، وهي تسأله :

- انت احمد ، اليس كذلك ؟

لكنه تجمّد في مكانه ! فنادت والده : 

- ابنك وصل !!! .. هيا تفضّل ، والدك ينتظرك بالصالة 


وحين دخل .. رأى والده يلبس الشورت الشبابي ، وقد صبغ رأسه وذقنه باللون البنيّ ! والذي قام باحتضانه بشوق وهو يقول :

- اخيراً رضيت عن والدك ، وأتيت لزيارتي

احمد بقلق : ابي ! من تلك المرأة ؟... هل تخون امي ؟ 

- امك ! هل أذيت رأسك ؟

احمد بعصبية : ابي رجاءً تكلّم !!

- انت قرّرت مقاطعتي بعد زواجي بأخرى ، عقب سفر اختك مع عريسها للخارج وموت امك بالإنفجار ، هل نسيت ؟! 

احمد بصدمة : امي ماتت ! 

- نعم فور انتقالنا الى هنا ، أصرّت على تنظيف شقتنا القديمة قبل عرضها للبيع .. حينها حصل الإنفجار ، رحمها الله 


فصار احمد يبحث في ارجاء الصالة بهستيريا ، وهو يسأل والده : 

- اين دفتر مذكّراتي ؟!! 

- ماذا تقصد ؟ 

- اين أغراضي ؟!! 

الأب : مازالت في الفندق الذي تعمل فيه 

- هل انتقلت للعمل في لبنان ؟!

الأب بقلق : بنيّ ! هل أصبت بفقدان الذاكرة ؟

احمد : رجاءً إخبرني بإسم الفندق الذي أسكن فيه  


وما ان أخبره ، حتى انطلق فوراً الى هناك وهو ينوي تمزيق الصفحة الأخيرة التي كتبها في مذكراته للعودة لحاضره ، وإنقاذ امه من الموت

***


بعد وصوله لغرفته بالفندق ، بحث جاهداً عن دفتر مذكّراته ..

وبعد بعثرته أغراضه في ارجاء الغرفة ، تذكّر أخيراً انه رماه فور انتقالهم لمنزلهم الجديد .. حينها علم انه لن يتمكّن من العودة للماضي مجدداً .. فانهار باكياً وهو يلعن صديق والده الذي أهداه الدفتر السحريّ الذي لخبط زمانه وكيانه ، مُشتّتاً عائله وحياته للأبد !  


هناك تعليق واحد:

  1. أين ذهبت كنز الإبداع !!?لماذا لم أعد أراها? ^ _ ^

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...