الأحد، 10 يناير 2021

ضرّة من العالم السفليّ

 تأليف : امل شانوحة

إحتلال عائلة


نهاد فتاةٌ ثريّة مُدلّلة ، رفضت العديد من العرسان لعشقها للحرّية وكرهها لتحمّل المسؤولية .. وبعد تعرّض البلاد لأزمةٍ اقتصادية ، تضرّرت تجارة والدها الذي أصيب بنوبةٍ قلبية .. لهذا لم يعد بإمكانها رفض العريس الذي ترجّاها والدها الزواج منه ، رغم انه موظفٌ بسيط !

***


بعد 8 سنوات .. أخبر الزوج اباها بنيّته للطلاق بسبب إهمالها واجباتها المنزلية : فهي لا تتقن الطبخ ، والأوساخ تملأ منزله .. وابنه الوحيد (7 سنوات) يعاني بدراسته ، بسبب إنشغالها الدائم بالتسوّق ونزهاتها مع صديقاتها التافهات !


فعاتبها والدها باتصالٍ هاتفيّ : مُهدّداً بعدم سماحه بعودتها لمنزله ، وأن عليها إصلاح علاقتها بعائلتها قبل فوات الآوان

وقد صدمها كلامه كثيراً ، فهي متعوّدة على دلاله وسخائه الماديّ لإبنته الوحيدة !


وبعد خروج زوجها برفقة ابنه من المنزل .. بكت في غرفتها بقهر ، وهي تنظر في المرآة :

- والله حرام ان يُفنى جمالي بأعمال المنزل المملّة ، ورعاية ولدٍ مشاغب ، وتنفيذ طلبات زوجي التي لا تنتهي ابداً .. انا فعلاً متعبة 

فسمعت صوتاً أنثويّ يقول : 

- دعيني اساعدك


فارتعبت نهاد كثيراً ، قائلةً بفزع :

- من هناك ؟!!

فإذّ بإمرأة تشبهها ، تخرج من المرآة :

- انا قرينتك 

فصرخت نهاد بعلوّ صوتها ، برعبٍ شديد : 

- إبتعدي عني يا شيطانة !!

- لست شريرة ، بل العكس تماماً .. انا طيبة ، وأحب مساعدة الغير .. فرجاءً دعيني أهتم بأمور المنزل ، كيّ تتفرّغي لنزهاتك واصدقائك والإعتناء بجمالك


فهدأ روع نهاد قليلاً ، وسألتها : أحقاً !.. هل تعرفين الطبخ ؟

- أعرف كل شيء .. وسأريك حالاً 


وفجأة ! تحرّكت القرينة بسرعةٍ هائلة حول الغرفة .. 

وحين توقفت ، لاحظت نهاد بأن غرفتها أصبحت نظيفة ! بعد إعادة القرينة الملابس المبعثرة الى الخزانة ، وترتيبها السرير وادوات الزينة ..


نهاد بدهشة : كيف فعلتِ ذلك بدقيقةٍ واحدة ؟! 

- انت شعرتِ أنها دقيقة ، لكن مرّت ساعتين بتوقيتي .. فالزمن يختلف بين عالمينا .. وإن إردّتِ ..أنظّف المنزل كله ، وأعدّ العشاء لعائلتك .. فهذا سيسعد زوجك ويخفّف غضبه .. 

- لكن البيت وسخٌ جداً ، فأنا لم أنظفه منذ شهرين .. والبخيل لم يوافق على إحضاري الخادمة

- انا أفضل من خدمكم البشريين

نهاد : حسناً سأفتح لك الباب لتري الغرف

- لا داعي ، يمكنني إختراق الأبواب والجدران .. 


وخرجت من الباب المقفل ، ولحقتها نهاد .. لتلاحظ على الفور نظافة كل غرفة دخلتها القرينة ! 


وماهي الا دقائق ، حتى تصاعدت رائحة الطعام من المطبخ ! 

فاقتربت نهاد من الطنجرة بحذر ..

القرينة : لا تخافي ، طعامنا مُتشابهٌ تماماً

فتذوقته نهاد بتردّد ، ثم قالت :

- لذيذ ، لكن ينقصه الملح

القرينة : نحن نكره الملح ، يمكنك إضافته بعد رحيلي

- والى اين تذهبين ؟

- سأعود للمرآة ، فزوجك على وشك الوصول .. حاولي ان تصالحيه ..وكلما أردتني ، نادني لأساعدك 

- وما اسمك ؟

القرينة : رؤى 

وفور دخول الزوج وابنه المنزل ، إختفت القرينة على الفور .. 


بعد قليل .. دخل الزوج المطبخ مذهولاً وهو يقول : 

- وطبختي ايضاً ؟!

رؤى : نعم ، رتّبت المنزل وأعدّدت العشاء .. هيا نأكل سوياً


ولأول مرة تناولوا طعامهم كعائلةٍ محبة ، مُعتقداً أن تهديده بالطلاق أتى بنتيجةٍ إيجابية ..

*** 


ومرّت الشهور بسعادة على نهاد التي قضتها بالتنزه والتسوّق ، تاركةً قرينتها تهتم بعائلتها بعد السماح لها بالظهور امامهم ، بشرط إختفائها فور عودتها المنزل .. كما اشترطت عليها ان لا تلمس زوجها ، لأنها شديدة الغيرة .. 


فكان العمل والشقاء لرؤى ، والدلال والليالي الرومنسية لنهاد .. كما تحسّنت علامات ابنها لاهتمام رؤى بتدريسه ، واللعب معه وإخباره القصص الخيالية قبل النوم .. في المقابل ، زاد حبه لأمه نهاد !

***


وفي إحدى الأيام .. تأخرت نهاد بالعودة لبيتها ، بعد ذهابها بنزهةٍ سياحية مع صديقاتها .. 

وعادت مساءً ، لتتفاجأ بنوم زوجها بجانب رؤى في السرير ! 


وكادت تصرخ ، لولا ان رؤى أسرعت بأخذها الى المطبخ ..

- رجاءً لا توقظي زوجك وابنك

نهاد بعصبية : جيد انك مازلتي تذكرين انه زوجي ، يا خائنة !!

- تأخرتي كثيراً ، ولم أستطع إبعاده عني بعد إلحاحه الشديد 

- خالفتِ شروطي ، ومنذ اللحظة لا اريدك في بيتي !! 

رؤى بقلق : لن تقدري على اعمال المنزل وحدك ، فعائلتك تعودّت على اهتمامي الزائد

نهاد بنبرة تهديدٍ غاضبة : عودي فوراً والا كسرت مرآتي ، وحرمتك من رؤية عالمك من جديد !!

رؤى بحزن : حسناً .. لن تريني ثانية

واختفت القرينة من المنزل ..

***


في الأيام التالية .. حاولت نهاد جاهدةً الإهتمام بمنزلها ، مما أرهقها كثيراً .. فرجعت لتصرّفاتها القديمة بإهمال عائلتها ، وهذا أحزن ابنها الذي عاد لانطوائه ، وأغضب زوجها الذي تشاجر معها ثانيةً 

في الوقت الذي كانت فيه رؤى تراقب الوضع من بعيد بحسرةٍ وقهر 

***


وذات يوم .. عاد الزوج الى منزله ، وهو يسألها بحماس :

- اين هديتي ؟

نهاد باستغراب : أيّة هدية ؟!

زوجها بدهشة : هل نسيتي إن عيد ميلادي في 10 يناير ؟! 

فارتبكت نهاد لأنها نسيت التاريخ بالفعل !

 

وفجأة ! دخلت رؤى الصالة ، حاملةً الكيك المليء بالشموع وهي تغني أغنية شيرين :

((كل عام وانت حبيبي .. كل عام وانت بخير....))

فقاطعتها نهاد بعصبية : مالذي أحضرك الآن !!


الزوج بدهشة : لم تخبريني إن لديك اخت توأم !

نهاد بغضب : ليست اختي ، بل ضرّتي التي تنوي سرقة عائلتي !!

الزوج : لم أفهم شيئاً !

رؤى : لا اريدك إخافتك ، لكني قرينتها 

الزوج بفزع : انت شيطانة ؟!

رؤى : لا ابداً !!.. انا طيبة وحنونة وأحب مساعدة الغير ، بعكس زوجتك الغيورة الحقودة .. أظن ادوارنا معكوسة !

نهاد بغضب : عودي لعالمك السفليّ يا حقيرة ، فلا مكان لك بيننا !!


فاقتربت رؤى من الزوج وهي تقول بحنان : 

- أمجد .. أتذكر ليلتنا الرومنسية التي قلت عنها انها أجمل من ليلة عرسك ؟

فارتبك الزوج مذهولاً ! وعاتبتها نهاد بعصبية :

- أتقولين ذلك امامي يا خائنة ؟!!


لكن رؤى لم تكترث لغضبها ، وأكملت كلامها مع الزوج : 

- انا من اهتمّمت بك في مرضك ، وطبخت لك الأكلات الشهيّة

نهاد : طبخها خالي من الملح !!

الزوج : أخبرتني أن هذا يخفّف ضغطي العالي !

نهاد بصدمة : أتقف معها ضدّي ؟!


وهنا دخل ابنها الصالة ، ليتفاجأ بشبيهة امه ..والتي سألها :

- هل انت خالتي ؟!

رؤى : بل امك التي أخبرتك قصص النوم ، ولعبت معك في الحديقة

نهاد بلؤم : كل هذه الأشياء أستطيع فعلها مع ابني حبيبي

رؤى بعصبية : كاذبة !! لم تحبي يوماً ابنك او زوجك ، بل تهتمين بنفسك فقط لأنك انانية !!

نهاد : أمجد قل شيئاً ! فهذه الشيطانة تريد احتلال عائلتي 


الزوج : إخبريني اولاً يا نهاد .. ما الأغنية التي تجعلني أغفو حين أصاب بالأرق ؟

نهاد باستهزاء : وهل انت صغير لأغني لك ؟

رؤى : انا أجيبك .. أغنية (لذبحلك طير الحمام)

فضحكت نهاد بسخرية : هل هو طفل يا غبية ؟

الزوج : بالفعل أنام عليها ، لأنها تذكّرني بأمي المرحومة التي ماتت في صغري 


فسكتت نهاد بامتعاض.. فاقترب منها ابنها وأمسك يدها :

- امي  ، هل ستكملين لي رحلة سندباد ؟

فأبعدته عنها ، وهي تأمره بقسوة :  

- عدّ الى غرفتك !! لست بمزاجٍ جيد لقصصك السخيفة 


فاقتربت رؤى منه ، ومسحت رأسه بحنان : 

- لا تحزن حبيبي ، سأخبرك الليلة ما فعله سندباد بجزيرة القرود

الصبي بسعادة : أحقاً !! وهل ستنامين بجانبي ؟  

نهاد : لا أنصحكِ بذلك ، فهو يعاني من التبوّل اللا إرداي

الصبي بغضب : لم أعد أبلّل سريري !!

رؤى : لأني أيقظه مساءً لدخول الحمام ، وانتِ غارقة في النوم


نهاد بعصبية : أمجد !! قلّ شيئاً يا رجل

الزوج : هل تريدني ان أختار بين امرأة حوّلت حياتي جنة بالشهور الماضية ، وبين امرأة أنغصت عيشتي منذ عرسنا ؟

نهاد بصدمة : هل تفضّلها عليّ ؟!  

الزوج بلؤم : بالحقيقة نعم ، انا أختارها هي .. ماذا عنك بنيّ ؟

الصبي : اريد هذه (وأشار على رؤى) .. فهي تخبرني القصص الجميلة ، وتساعدني في دراستي ، وتصنع لي الحلوى اللذيذة


رؤى بلؤم : كما سمعتي نهاد ، عائلتك إختارتني .. يمكنك الذهاب

نهاد بقلق : الى اين ؟ والدي يرفض عودتي لمنزله ! 

رؤى : لن تعودي لأبيك ، بل لعالمي .. فنحن سنبدّل الأدوار

نهاد : أتريدين إخافة الصغير حين يراني أختفي فجأة من امامه ؟

رؤى : لا تقلقي .. زوجك وابنك سينسيان كل شيء فور ذهابك ، وسأكون نهاد بالنسبة لهما


وصفّقت القرينة بيديها .. لتنسحب روح نهاد الى داخل مرآة غرفتها ، ومنها الى العالم السفليّ المخيف المليء بالقرائن الشيطانية ! 

***


في البداية شعرت نهاد بالخوف الشديد من حياتها الجديدة في باطن الأرض .. لكنها مع الأيام تعوّدت على احاديثهم الماكرة ، وكوّنت العديد من الصداقات مع الجنيات اللآتي تشابهن معها بالصفات السيئة : كالغيرة والشك واللؤم والنوايا الخبيثة !  

ورغم ذلك لم تنسى نهاد ما حصل ، وظلّت تراقب رؤى من بعيد بغيظ لفوزها بقلب زوجها وابنها الصغير ..

***


في احد الأيام .. إلتقت نهاد بقرينة ابنه عمتها التي اخبرتها بنوايا قريبتها : 

- على فكرة ، ابنة عمتك تنوي سحرك 

نهاد بدهشة : لماذا ؟!

القرينة : لأنها تغار من حياتك الزوجية السعيدة 

نهاد بغيظ : التي احتلّتها رؤى

- هي لا تعرف بشأنها 

- ولما تغار مني ! هي التي ارسلت العريس لبيتنا ؟ 


القرينة : ما لا تعرفينه ، انها عشقت امجد من ايام الجامعة .. لكنهما اختلفا في العمل ، فأخبرها برغبته الزواج بأخرى .. فدلّته عليك ، لأنها تعلم أنك ستكونين زوجة فاشلة .. وراهنت على طلاقكما بغضون سنة ، وعودته اليها نادماً 

نهاد بدهشة : اللعينة ! لم اعلم بخبث نواياها 

قرينة ابنة عمتها : اذاً ستمنعيها من سحر رؤى ؟


نهاد بقهر : هل جننتِ ؟!! بل سأدعم قرارها .. فأنا أحلم كل ليلة بقلب حياة رؤى رأساً على عقب .. ولن أرتاح قبل طلاقها ، ومقاطعة والدي لها .. وسأفعل المستحيل لجعلها تندم على استيلائها حياتي  

القرينة مبتسمة : الم أقل انك تنتمين لعالمنا ؟ 

نهاد : يبدو اني إنسيّة متشيّطنة بالفعل ! 

وضحكتا بمكرٍ وخبث !


هناك 4 تعليقات:

  1. قصة جميلة ، أظهرت حكمة بين ثنايا قصة يشوبها الرعب و الخيال ، بوركت يا أمل

    ردحذف
  2. حقيقة إنها جميلة جدا ياكنز الابداع وفقك الله

    ردحذف
  3. جميلة جداا 💛
    هل هناك تكملة

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...