الأحد، 23 ديسمبر 2018

فستانُ عرسٍ دمويّ

تأليف : امل شانوحة




فرحةٌ لن تكتملّ !

- امي !! لقد وجدته أخيراً 
قالتها الصبيّة هدى بحماس , حين وجدت فستان عرسٍ مُستعمل للإيجار في محل خياطة .. فاقتربت امها لمعاينة الفستان , قائلةً :
- قماشته ناعمة , ويبدو كأنه جديد !

وهنا اقتربت الخياطة منهما , وسألتهما :
- هل هذا إختياركِ النهائي ؟
العروس بفرح : نعم اريد هذا الفستان .. هل أجرّبه الآن يا امي ؟
فارتبكت الخياطة قائلةً : لا !! ..أقصد لا يوجد عندي مكان لقياس الفساتين .. خذيه الى بيتك , والبسيه فقط في يوم عرسك 
الأم باستغراب : وماذا لوّ كانت المقاسات غير مضبوطة ؟! فعرس ابنتي غداً ونريد ان يكون..
الخياطة مقاطعة : لا !! قياسها مُناسب , فأنا خياطة وأعرف هذا بمجرّد النظر .. وإن أردّتما .. يمكنكما أخذه الآن , والدفع لاحقاً بعد ان تعيدوه في اليوم التالي لانتهاء العرس

فاستغربتا من عرضها المغري , وكأنها تتعجّل الخلاص منه !
وقبلتا على الفور , وذهبتا به الى المنزل .. 
بينما تمّتمت الخياطة بخوف : أتمنى ان تكون شكوكي خاطئة بشأن ذلك الفستان الملعون ! 
***  

وفي تلك الليلة .. سرِحت هدى بخيالاتها الوردية , وهي تنظر الى فستان عرسها المعلّق امامها في غرفة نومها .. 
وبعد ان غفت , شاهدت كابوساً مفزعاً :((رأت فيه سيدة بوجهٍ شاحب وعينان بيضاوين تلبس فستان عرسها , والدم يخرج من معصمها ..وكانت تتنفّس بغضبٍ وحنق ! ثم قالت لهدى بنبرة تهديد :
- هذا الفستان لي !! إيّاك ان تلبسيه والاّ سأؤذيكِ .. أفهمتي ؟!!)))
***

إستيقظت هدى في صباح اليوم التالي على صوت الزغاريد , بعد ان اكتظّ منزل أهلها بالأقارب والأصحاب الذين قدموا لزفّها الى صالة فرحها التي ستقام اليوم مساءً .. 
ورغم قلقها من ذلك الكابوس الا انها سرعان ما انشغلت بالمهنئين , وبالكوفيرا التي قدمت لتزينها للعرس 

وحين جاء وقت لبس الفستان , تردّدت هدى بعد تذكّرها لتهديد المرأة الشبح .. 
فقالت أمها :
- مابك يا هدى ؟! هيا إلبسيه .. فأهل العريس وصلوا الى الصالة , وعلينا اللحاق بهم  
فأجابت بقلق : لا اريد الفستان يا امي , أشعر بأن شيئاً سيئاً سيحصل في حال لبسته ! 
فسألتها أختها أروى باستغراب : الم تكوني البارحة مُتحمّسة لتجربته ؟!
هدى وهي ترتجف : لقد رأيت البارحة كابوساً أفزعني , شاهدت فيه ..

وقبل ان تُكمل , علت أصوات الدفوف والمزامير بوصول الفرقة الموسيقية التي أرسلها العريس كمفاجئة لها , لمرافقتها الى الصالة.. 
الأم : هيا ابنتي البسيه هداك الله , فالجميع في انتظارك

فلبسته مُرغمة .. وبدأ قلبها ينبض بسرعة , دون ان تعرف ان كان السبب هو فرحة العرس , ام الفستان المشؤوم !
***  

وحين وصلت هدى الى الصالة , تناست كل شيء برؤية عريسها الوسيم .. وعلت اصوات الزغاريد والموسيقى والرقص .. 

وبعد ساعة .. عاد العرسان الى الكوشة , اثناء إنشغال المعازيم بالأكل 
لكنه فجأة ! شعرت هدى بحرارة جسمها ترتفع شيئاً فشيئا , وبدأت تحكّ ذراعها بألم .. فهمست اختها الصغرى التي كانت بجانبها :
- هدى توقفي , سيظنك العريس جربانة 
فقالت العروس بخوف : أشعر يا أروى بنارٍ تحرق كل جسمي ! 

وبعد دقائقٍ قليلة  .. صرخت هدى بعلوّ صوتها من الألم , ممّا أفزع الجميع :
- نار !! نار !! انا أحترق .. ساعدوني !!!
ومزقت كمّ فستانها .. وبدأت تحاول فكّ سحاب فستانها بهلع , وهي تصرخ على زوجها :
- إنزع الفستان عنّي بسرعة !! انا أحترق 

لكنه تجمّد في مكانه , كما حصل مع المعازيم ! امّا العروس فكان كل همّها بهذه اللحظات هو إيقاف ذلك الألم الرهيب .. 
وقد لاحظت امها إحمرار ذراعها (من خلال الكمّ المُمزَّع) : 
- إهدأي يا هدى , كل ما في الأمر ان جلدك تحسّس من الفستان المُستعمل 

لكن هدى فاجأتها وفاجأت الجميع , حين خلعت فستانها امامهم ورمته على الأرض .. لتُسرع امها وتغطيها بعبايتها , وهي تعتابها:
- ماذا تفعلين يا مجنونة ؟!! لقد فضحتنا  
ثم قالت للعريس : بنيّ .. خذّ عروستك واذهب , فقد انتهى العرس

وبالفعل انتهى سريعاً , بعد ذهابهما الى غرفة الفندق .. بينما انشغلت امها بالإعتذار من اهل العريس والمعازييم عمّا حصل !
***

في غرفة الفندق .. لم يقمّ العريس بمعاتبتها بعد رؤيتها تبكي بمرارة وهي مازالت تأنّ من آلام جسمها , لظنّه إنه دلع بنات (كما قالت له امه , قبل خروجه من صالة العرس) 
واقترب منها مُتودّداً , فأبعدته عنها بغضب :
- أهذا كلّ همّك !! الا تراني أتألّم ؟ خدني فوراً الى المستشفى , فأنا أشعر بألمٍ داخلي فظيع ! 

لكنه لم يصدّقها الا بعد بصقها الكثير من الدماء , وفقدها للوعيّ ! فحملها مُسرعاً الى غرفة الطوارىء ..
***

وفي المستشفى .. أجروا لها الأشعة , ليتفاجأ الطبيب بجروحٍ خطيرة بمعدتها وإمعائها , وكأن أحداً مزّقها بوحشيّة من الداخل !
وقبل ان يُسعفها , أخذت هدى تتقيّأ قطع لحمٍ صغيرة مع الكثير من العصارات اللزجة المُرفقة بالدماء ! الى ان توقف قلبها عن النبض كلياً .. 
ورغم محاولات الطبيب المُستميتة لإنعاشها الاّ انها فارقت الحياة , بعد تفتّت وتآكل اجزاء كبيرة من أعضائها الداخلية دون سببٍ طبيٍّ واضح !  
***

في يوم العزاء .. كان الجميع صامتاً ومصدوماً ممّا حصل ! بينما كان العريس منهاراً بالبكاء بحرقة على موت عروسته .. ورغم حالته السيئة الا انهم ألحّوا عليه لإخبارهم بسبب الوفاة .. 

وبعد ان سمعت أروى بما عانته أختها في لحظاتها الأخيرة , تركت العزاء وذهبت غاضبةً الى محل الفساتين
***

وما ان عرفت الخياطة بما حصل , حتى قالت بحسرة :
- أماتت هي ايضاً !
أروى بدهشة وغضب : ماذا ! ومن غير اختي مات بظروفٍ غامضة , وما السبب ؟!! .. هيا تكلّمي يا امرأة !!

فلم تستطع الخياطة إخفاء الموضوع أكثر , وأخبرتها بأن الفستان كان لعروس إنتحرت في يوم عرسها !
فقالت أروى باستغراب : أتقصدين ان كل من تلبس ذلك الفستان الملعون تموت على الفور ؟!
خياطة : ظننتها إشاعة .. فقد استأجرته قبلها آنستين , لكنهما أعادوه لي بعد رؤيتهما للفتاة المنتحرة وهي تهدّدهما بالقتل ان لبستا فستانها !
أروى : وأختي خافت من لبسه ايضاً بعد كابوسٍ شاهدته , لكن لم يتسنّى لها الوقت لتخبرنا عنه ! .. (ثم فكّرت قليلاً) .. إسمعيني جيداً .. اريدك ان تعطيني عنوان اهل الفتاة المتوفية الذين باعوك الفستان ؟
الخياطة : والدها بوّاب عمارةٍ قريبة من هنا , سأعطيك العنوان حالاً
***

وذهبت أروى الى منزل البوّاب , وأخبرتهم بما حصل لأختها :
الأم بقهر : وانتم ايضاً خسرتم ابنتكم ! .. كان الله في عون امك 
أروى : إخبريني يا خالة , من اين حصلتم على ذلك الفستان المشؤوم ؟

فأخبرتها بأن صاحبة الشقة المملوكة عرفت بعرس ابنة بوّاب عمارتها ,  فأرسلت لهم خادمتها كيّ تساعدهم بيوم العرس.. 
وحين علمت الخادمة بأن ابنة البوّاب ستُزّف بملابسٍ عادية , سلّفتها فستان عرسها
أروى : لحظة ! أتقصدين ان الفستان هو فستان الخادمة .. هذا غير معقول ! فقماشته من النوع الجيد  
زوجة البوّاب : كل ما أعرفه ان الخادمة هربت بعد موت ابنتي , ولا نعرف شيئا عنها
الا ان زوجها فاجأها قائلاً : انا أعرف اين هي .. فقد لمحتها تعمل في مطعمٍ , على بعد شارعين من هنا .. 

زوجته مُعاتبة : ولما لم تكلّمها ؟! 
زوجها : لأنني اولاً لم أصدّق بخرافة الفستان المسحور .. وثانياً لأنني خجلت من نفسي لبيعي فستانها , بعد إحتياجنا لمال الدفن.. وخفت ان تسألني عنه
أروى : لوّ سمحت ..إعطني عنوان المطعم , فضروري ان أتكلّم معها 
***

وحين وصلت أروى الى المطعم , وجدتها تمسح الطاولات .. فأخبرتها باختصار عمّا حصل لأختها .. 
فقالت لها الخادمة بارتباك : ممنوع عليّ الكلام مع الزبائن , والاّ سأطرد من عملي .. تعالي غداً صباحاً الى هنا , فعملي يبدأ بعد الظهر 
***

وذهبت أروى في اليوم التالي للمطعم دون ان تخبر اهلها بما تفعله , حيث كانوا مازالوا منشغلين بالعزاء ..
وهناك أخبرتها الخادمة عن سرّ الفستان , قائلةً بنبرةٍ حزينة : 
- أحببتُ شاباً بقريتي , لكن امه رفضتني بقوة .. ومع ذلك حدّد عمّي موعد العرس مع ابي .. ومن بعدها تغيرت معاملتها معي فجأة ! وذات يوم أصرّت حماتي على شراء القماشة البيضاء بنفسها , وقد فعلت .. 
وسكتت الخادمة قليلاً وكأنها تستذكر الماضي , ثم قالت :
- أذكر حين أعطتني القماشة كانت مُرطّبة , ولاحقاً عرفت السبب

أروى : ومالسبب ؟
الخادمة : دعيني أكمل لك القصة اولاً ... (ثم تنهّدت بضيق) .. قمت لاحقاً بخياطة فستاني بنفسي , فأنا بارعة بهذه الأمور .. وحين قدِمَ خطيبي الى بيت اهلي قبل يومين من عرسي , راهنته مُمازحة بأن يقيس الفستان كيّ أقوم بخياطة أطرافه , فهو في نفس طولي تقريباً .. فلبسه , وبِتنا نضحك وانا أضع لمساتي الأخيرة عليه.. لكنه فجأة ! شعر بحرارةٍ غريبة تسري في جسمه , ونزع عنه الفستان وخرج مُسرعاً من غرفتي ! دون ان يخبرني بما حصل .. وفي عصر ذلك اليوم , علمت بوقوعه في النهر .. ولم نجد جثته الا في اليوم التالي
أروى بدهشة : أمات ؟!

الخادمة وهي تمسح دموعها : نعم مات .. وصارت امه تنوح وتصرخ في العزاء وتقول للجميع : بأنني كنت نحساً عليه .. وضاقت بي الدنيا , فسافرت الى هنا ..وعملت خادمة لسبعة شهور في منزل تلك السيدة , قبل ان تطلب مني النزول الى منزل البوّاب ومساعدتهم في عرس ابنتهم 
أروى : وهل كنت مازلت تحتفظين بفستان عرسك ؟!
- نعم .. فأنا أخذته معي كتذكار من خطيبي السابق .. وكم فرِحَت المسكينة حين سلّفتها فستاني الذي كان على مقاسها ..ومن ثم..(وسكتت)
أروى باهتمام : ثم ماذا , إكملي ؟

الخادمة : بعد انتهائي من تنظيف منزلهم , عُدّت الى شقة سيدتي في الطابق الخامس من العمارة .. ولم يحلّ المساء الا وسمعنا بكاءً ونحيب قادماً من منزل البوّاب ! وعرفنا لاحقاً انهم وجدوا العروس غارقة في دمائها بحوض الحمام بعد جرحها لمعصمها , وذلك قبل ساعة من قدوم العريس وأهله لزفّها الى بيتها !
أروى : وحينها علمتي بأن فستانك مسحور ؟

الخادمة : ساورني الشكّ بعد تشابه ظروف موتها مع موت خطيبي ! فاتصلت على حماتي بالقرية , وسألتها ان كانت سحرت القماشة البيضاء .. وتفاجأت بها تنهار بالبكاء وتعترف : بأنها أرادت موتي انا , ولم تكن تعلم بأن ابنها الأحمق سيجرّب الفستان المشؤوم .. وأغلقت المكالمة وهي تلعن نفسها على قتلها لإبنها الوحيد .. وحينها ارتعبت من معرفة البوّاب بأنني كنت السبب في إقدام ابنته على الإنتحار , فهربت من العمارة .. وبحثت طويلاً الى ان وجدت هذا العمل .. وذات يوم ..لمحت والدها يراقبني وانا أمسح أرضيّة المطعم , لكن الغريب انه مشى دون ان يحدّثني او يعاتبني ! ولم أره بعدها .. والآن علمت لماذا , بعد ان أخبرتني بأنه باع فستاني للخيّاطة التي استأجرت منها اختك المسكينة .. لكن الحمد الله ان اختك مزّقت الفستان , فبذلك أنهت لعنة حماتي للأبد

فصرخت أروى عليها بغضب : بعد ماذا !! بعد ان ماتت اختي بسبب فستانك المسحور ! لعنة الله عليك وعلى حماتك الخبيثة !!
وخرجت من المطعم غاضبة 
***

لكن ما لا يعرفه أحد .. ان خادمة صالة العرس أخذت فستان هدى الممزّق وباعته لخياطةٍ ثانية , إشترته منها بعد ان أعجبتها نوعيّة القماش .. والتي قامت لاحقاً بإصلاح الكمّ الممزّق , وعرضه على واجهة محلها بلافتة كُتب عليها : فستانُ عرسٍ للإيجار ..
***

وفي احد الأيام .. رأته صبيّة مخطوبة مع امها , وقالت بحماس : 
- امي !! أنظري الى جمال هذا الفستان ! وإيجاره ايضاً معقول 
- نعم وقماشته تبدو جيدة .. اذاً دعينا ندخل ونتفاوض مع الخياطة على سعره

وبذلك عادت لعنة الفستان المسحور لقتل العرائس الأبرياء من جديد !  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...