تأليف : امل شانوحة
القطّ الموهوب
جلس عازف بيانو مشهور في حديقة فيلّته بعد قرار إعتزاله ، عقب موت زوجته وولده بحادث سير .. فهو يلوم نفسه على انشغاله الدائم بإحياء حفلاتٍ في عدّة الدول ، مُهملاً عائلته التي خسرها للأبد .. لهذا قرّر التوبة ، سماعاً لنصيحة امه المُتديّنة التي تدعو في صلاتها : بأن يفتح الله له باب رزقٍ حلال
واثناء جلوسه في الحديقة ، شاهد قطّة بيضاء حامل تنظر اليه من بعيد ! فصار يشكو اليها همّه ، بيأسٍ وحزن :
- البيانو هو كل شيءٍ أتقنه في الحياة .. فماذا أعمل دون امتلاكي شهادةٍ جامعيّة ، وكرهي للوظائف الروتينيّة ؟!
فاقتربت منه ببطء ، كأنها تعاني من ولادةٍ مُتعسّرة .. لتجيبه بصوتٍ انثويّ مُرهق :
- خذني لطبيبٍ بيطريّ ، وسأدلّك على ابواب رزقٍ كثيرة
وكاد يُغمى عليه بعد سماع صوتها ! وأسرع هارباً لداخل فيلّته ، مُقفلاً الباب الخارجيّ وهو يرتجف خوفاً.. مُتسائلاً في نفسه :
((هل كانت جنيّة ؟! .. هل ستؤذينني لاحقاً ؟!))
وبعد دقائق .. سمع مواءً متواصلاً ! فعرف بولادتها وهي تعاني من آلامٍ حادّة .. قبل اختفاء صوتها تماماً !
فنظر من النافذة ، ليراها مُستلقيّة دون حِراك .. وامامها هرٌّ أسودٌ صغير ، يحاول الرضاعة منها !
فخرج بحذر لرؤية ما حصل.. ومن منظر عينيها المفتوحتيّن ، ولسانها خارج فمها عرف بوفاتها .. ويبدو ان القطّ الأسود هو الوحيد الذي أنجبته من بين صغارها الذين علقوا بداخلها !
فأسرع بدفنها ، خوفاً ان تلاحقه روحها الشريرة .. وكادّ يدفن ابنها حيّاً ، إلاّ ان منظره الجائع أحزنه كثيراً .. فذهب لمتجرٍ قريب ، لشراء رضّاعة صغيرة خاصّة بالحيوانات .. وملأها بالحليب الذي شربها القطّ بنهمّ لشدّة جوعه !
ومن يومها صار يعتني به ، كونه يبدو كقطٍ عاديّ
***
بعد سنة .. اوشك العازف على عرض فلّته للبيع عقب إفلاسه ، بعد فشله بإيجاد عملٍ آخر !
وبينما هو يكتب إعلانه في موقعٍ مُخصّصٍ بالإنترنت (على جوّاله) سمع لحناً غريباً من الصالة !
فذهب الى هناك ، ليجد القطّ يلعب فوق مفاتيح البيانو .. فقال له ، مبتسماً :
- أتدري انك عزفت مقدّمة لحنٍ رائعة ! هل يمكنك إعادتها من جديد؟!
وإذّ بالقطّ يقفز على ذات المفاتيح العشرة ، مُظهراً إفتتاحيّة معزوفةٍ فريدةٍ من نوعها بلحنٍ غامضٍ ومخيف بعض الشيء ... وعلى الفور استطاع العازف إكمال اللحن ببراعة ، وكأن النوتة تُعزف كاملةً في اذنه !
وبعد إنهائها ، التفتّ للقطّ الذي جلس فوق المكتب الذي بجانبه :
- هذا اللحن سيُعيد لي شهرتي .. ليتني سجّلته ، لأني نسيت بعض مقاطعه
ليجد القطّ يرمي الجوّال على الأرض (الذي كان موضوعاً بجانب البيانو)
العازف مُعاتباً : الم أمنعك اللعب فيه ؟!!
ثم نظر للجهاز ، ليرى برنامج التسجيل الصوتي مفتوحاً !
فأعاد ما سجلّه القطّ عن طريق الصدفة ، ليجد اللحن موجوداً بالكامل!
فحضن القطّ ، وهو يمسح على رأسه بحنان :
- احسنت !! سجّلت المعزوفة التي ألفّت مقدّمتها بنفسك ! انت بالفعل قطٌ موهوب ، وانا محظوظ بوجودك معي
ثم سارع بالإتصال بمنتجه القديم الذي تفاجأ برغبته العودة للسّاحة الفنّية ، بعد ان فشل لشهورٍ عدّة بإقناعه ذلك !
وسرعان ما انتشر اللحن الغامض في كل مكان ! جعل المنتج يطالبه بلحنٍ جديد ، مما اربك الفنّان الذي لا يعلم ان كان باستطاعته تأليف معزوفة بنفس جودّة اللحن الغامض
***
وقد حاول على مدى اسبوعين ، تأليف معزوفة جديدة دون جدوى !
وعندما رأى القطّ الأسود يحوم حوله ، حمله ووضعه فوق البيانو..
- هل بإمكانك تأليف مقدّمة لحنٍ جديد ؟ .. هيا رجاءً !! أقفز على مفاتيح البيانو .. وانا سأغمض عينيّ ، مُتخيّلاً بقيّة المعزوفة
وبالفعل قفز على عشرة مفاتيح بطريقةٍ شبه إحترافيّة ! جعلت الفنان يُكمل اللحن حتى النهاية.. وعندما فتح عينيّه بعد إندماجه بالعزف ، قال بضيق :
- يا الهي ! نسيت للمرّة الثانية تسجيل اللحن
فإذّ بالقطّ يلعب بجوّاله !
الفنان بصدمة : لا ! لا تقلّ انك سجّلته مجدّداً
وبالفعل كان برنامج التسجيل مُضاءً ، واللحن موجوداً بالكامل !
فنظر للقطّ برعب :
- هل انت جني كأمك ؟! .. (ثم حمله ، وهو يصرخ عليه غاضباً).. هيا أجبني ، ايها اللعين !!!!
لكن القطّ تصرّف كأيّ قطٍ عادي !
الفنان : آسف لصراخي عليك ، فتصرّفاتك الغريبة تُرعبني بالفعل !
ثم مسح رأسه بلطف :
- حسناً ايها القطّ الموهوب ، لنؤلّف معاً اجمل الألحان ..لكني لن أُخبر احداً عنك ، كيّ لا يخطفوك مني او يعدّونني مجنوناً .. إتفقنا !!
***
وبسبب الحان القطّ الغريبة .. عاد للسّاحة الفنيّة بقوّة ، بالحانٍ مُغايرة عمّا اعتاد تأليفه في الماضي ، والتي تميّزت برومنسيّةٍ ناعمة تناسب المطاعم والحفلات الكلاسيكيّة .. أمّا هذه المرّة فألحانه اتسمت بالغرابة والرعب ، لتُعجب جميع الأعمار خصوصاً المراهقين !
وعودته للفن ضايقت والدته الصالحة كثيراً ، والتي أعلنت تبرّؤها منه .. وأمرته بعدم زيارة قبرها وحضور عزائها !
وهذا ما حصل فعلاً ، بعد منع الأقارب حضور دفنها حسب وصيّتها ! مما احزنه كثيراً ، جعله مع الوقت يُدمن القمار والخمور والنساء الرخيصات بعد خسارته عائلته اولاً ، ثم رضا امه !
وكلما زادت شهرته ، زاد فسوقه وعربدته .. الى ان خسر كل شيء بالقمار حتى فلّته ! كما خسر جمهوره بعد شتمه شخصيّةً مُحبّبة سياسيّة في مقابلةٍ تلفزيونيّة ، جعلت الجميع يقاطع حفلاته !
***
وفي إحدى الليالي الباردة .. وأثناء شربه الخمر في الحديقة المُطلّة على فلّته بالشارع المقابل ، قال في نفسه بحزن :
((كلامك صحيح يا امي ، فنهاية الفن عذابٌ في الدنيا والآخرة ! ليتني التزمت بتوبتي ، كما وعدّتك))
وهنا قفز على قدميه ، قطّه الاسود الذي لم يره منذ اسابيع !
فأخذ يربت عليه بشوقٍ كبير :
- إشتقت اليك ، يا قطيّ الموهوب !! انت الوحيد الذي بقيّت مُخلصاً لي ، بعد ان تخلّى الجميع عني ! ما رأيك لوّ نؤلّف لحناً جديداً ينشلنا من فقرنا المُدقع .. لكني احتاج الى بيانو آخر بعد بيع آلتي مع فيلتي المفروشة .. لكن لا تقلق ، يوجد العديد من المطاعم التي لديها بيانو .. سنعزف عليه ، لإثارة حماس الجمهور من جديد.. وإن اردّت ، أُخبر الجميع بأنها الحانك .. ستكون قصة غريبة ، تزيد من شهرتنا .. هآ ، ما رأيك ؟
ليجد القطّ يرفع يده ويضعها على صدر الفنان الذي سقط من كرسي الحديقة فوق العشب ، وهو يشعر بضيقٍ شديد في التنفّس ! ليقترب القطّ من وجهه ، وهو يقول:
- كلّها الحاني !! فأنا من جعلتك تسمع بقيّة المعزوفة في اذنك بوضوح ، لتظن انك ألّفتها بنفسك بعد حركاتي العشوائيّة على مفاتيح البيانو ، ايها الفاشل !!
فتلعثم الفنان برعب ، وهو يشعر بشللٍ مُفاجئ بأطرافه :
- انت جني كأمك ؟!
القط : لا !! انا نصفي شيطان بعد زواجها من ابي الذي حوّلها لقطة ، عقاباً على محاولتها الهرب من عالمه المخيف.. فهي ليست شريرةً مثله .. وكانت ستساعدك بالفعل لإيجاد وظيفةٍ حلال ، لوّ ساعدتها بولادتها المُتعسّرة.. أتدري لما كانت مُتعسّرة ؟ لأني قتلت جميع اخوتي الذين يشبهوننا داخل بطنها .. لأخرج وحدي ، بعد تأكّدي من ان النزيف سيقضي عليها.. وهآ انا نجحت بإعادتك لطريق الضلال.. حتى كلامك عن السياسي الذي قضى على مسيرتك الفنيّة حصل بعد تجسّدي لسانك ، لإنتهاء دوري معك .. امّا لماذا تكلّمت الليلة بعد سنوات من تمثيلي دور القطّة ؟ فهو بسبب قرب أجلك ، فملك الموت ينزل من السماء باتجاهك الآن ..وقريباً سيصل اليك ، لأخذ روحك
فحاول الفنّان بصعوبة رفع اصبعه للتشهّد الأخير ، رغم الشللّ الذي أصاب جسمه.. ليُفاجأ بالقطّ يعضّ اصبعه .. ثم الجلوس على وجهه ، لكتم انفه وفمه ، ومنعه من نطق الشهادة .. ولم يبتعد عنه ، حتى تأكّد من موته !
ثم وقف القطّ قرب الشجرة ، قائلاً بفخر :
- الآن سأعود لعالم الشياطين ، لإخبار ابي بإنجازي .. علّه ينسبني اليه بعد اثبات إختلافي عن طباع امي البريئة ، وشبهي الكبير به
وفجأة ! اختفى من الحديقة .. تاركاً جثّة الفنّان التي سيجدها عامل النظافة غداً ، ليصبح موته المُشين حديث الناس والصحافة ، كمثالٍ لسوء الخاتمة !
هذه اغرب واعجب قصه قراتها لكي ..يصعب تصنيفها تحت اي نوع ..قاتمه وقاسيه ومقبضه
ردحذفومنذره لكل من هوی فهوی ..
بهذا النوع الجديد المزيج من : فيودور دوستويفسكي وفرانز كافكا و جان جاك روسو وارتور شوبنهاور وجاكومو ليوباردي ..رواد لماذا لا تشرق الشمس ..
عليك ان تسأل ملاكي الحارس ، فهذ القصة ايضاً منام شاهدته البارحة : حيث رأيت رجلاً يشبه الشيخ يجلس حزيناً امام البيانو وامه تنصحه بترك الفن ، وهو يداعب بحضنه قط اسود .. فأردّت تحويل المنام الغريب الى قصة .. سعيدة انني نجحت بالمهمّة
حذفليسا ملاكك الحارس بل منبتك الصالح ، فانتي رايتي الثقافة التي بداخلك
حذفشكراً لتعليقك الجميل الراقي .. تحياتي لك
حذفقصة جميلة وهادفة للعضة والعبرة
ردحذفو هل اصبح العزف على البيانو ذات الفن المحترم و الراقي و السمعة الحسنة من المحرمات ايضا بالنسبة اليك ما الضلال و الكفر في العزف على البيانو
ردحذفو ماذا تقولين عن ان الغالبية الساحقة من السنّة يرقصون و يسمعون الأغاني في الاعراس و الافراح لم يعد احد يكترس بهذه الاشياء
ردحذفكلا عزيزتي عزف البيانو لا يوجد به شيء ينافي الدين ان عزف البيانو بالتحديد ليس به خلاعية او فسق بل فن و موسيقى راقية لكن كما قولو بعض المعلقين في التغريدات السابقة في غير الواضح انّك تربيتي على نهج سلفي متشدد و متعصّب
ردحذفاليوم اصبح اغلب المسلمين لا يتزمون بهذه الاشياء انظري الى الحانات و الملاهي في شهر رمضان اغلبها تصبح فارغة لأن اغلب من يذهب اليها هم من المسلمين و على قول احد المشايخ انه لولا ما كان المسلمين يشربون الخمر للأفلس اصحاب الملاهي
ردحذفكلا عزيزتي ليس شرط ان احي حفلات ماجنة او اذهب مع نساء ساقطات اذ كنت اعزف البيانو فإن عزف البيانو من ارقى و اشرف المهن و لا تغضب الله تعالى لأن ليس بها اية موسيقى ماجنة بل راقي جدا
ردحذفالفن و الغناء المحترم ليس حرام اذا لم يقم الفنان بحركات و تصرفات ماجنة او اغاني بكلمات او تصرفات مهينة للدين انظري الى الفنانة فيروز فنانة محترمة و اغاني راقية و ليس بها خدش للدين او الحياء بل موسيقى راقية محترمة وكلمات ذو معنى و محترمة
ردحذفالله سيحاسبك على ذنوبك انت ، لا على ذنوب المسلمين جميعاً .. أخبرتك ان المعازف طريق من طرق الشيطان ، وانت من تقرّر طريقك .. اما ان تلتزم بأخلاقك ودينك ، او تغرق كما غرق الآخرون
حذفالغناء ليس له علاقة بالأخلاق اذا كنت استمع الا اغاني او موسيقى محترمة لكن انتي فعلا شخص متأثر بالفكر السلفي المتشدد جدا الذي أضرّ بالمسلمين و هل السيدة فيروز ايضا التي تعد اسطورة و جميع الناس تحبها و تشهد بأخلاقها و اغانيها المحترمة ايضا حرام لا تقولي لي لا تستمعين ايضا لأغاني فيروز التي تتناقلها الأجيال ؟! و هي ليس من الفنانات او الاغاني الفاسقة
ردحذفانا لا ادّعي الصلاح ، فأنا ايضاً استمع للأغاني من وقتٍ لآخر .. وأحب الأغاني القديمة اكثر من الحديثة .. وبالنهاية الله سيحاسبنا حسب العصر الصعب الذي نعيشه والمليء بالفسوق والعصيان .. والله غفورٌ رحيم ، طالما نحن موحّدين به
حذفرأيتي بعد كل ذلك تناقضين نفسك و انت قلت تستمعين للأغاني اذا كانت محترمة فالانسان بحاجة للترفيه اذا كان يوجد شي محترم فرجاء استاذة امل كفى كذب على انفسنا كفى ضحك على نفسنا اتركي هذا النهج و الفكر السلفي المتشدد الذي يبدو ارهقك و اتعبك رجاءا
ردحذفكنت تعلّمت ديني بمدارس مكة ، بعهد الملك فهد رحمه الله ، عندما كانت هيئة الأمر بالمعروف تهتم بالدين جيداً .. صحيح ابي شيخ واهل امي مشايخ ، لكني فتاة عادية .. ومع ذلك الدين والأخلاق عندي خطّ احمر ، أتمنى ان لا اتجاوزهما ابداً ، لا بقصصي ولا بردّي على تعليقات القرّاء.. تحياتي لك
حذف