تأليف : امل شانوحة
في تلك الليلة العصيبة ..
سأل صديقه بتعبٍ وغثيان : هل لديك كيسٌ ثاني ؟
- ماذا دهاك يا إريك ؟ هذه المرة الثالثة التي تتقيّأ فيها ؟!
- لا أشعر انني بخير يا مايكل !
- ان كنت تشعر بتوتّر من العملية , فدعني أنزلك هنا ..ثم اتصل على سيارة أجرة لتُعيدك الى المنزل
إريك وهو يمسك معدته بألم : لا سأكون معك , لكن يبدو ان السمك..
وعاد للتقيّأ ثانيةً ..
مايكل : ولهذا لا أتناول الطعام قبل ذهابي للمهمّات , فالمعدة تكون متوتّرة بهكذا ظروف
- انت تعرفني جيداً , لا أفوت عليّ وجبة مجانيّة
- يالك من بخيل !
إريك : المهم لا تقلق عليّ , سأكون بخير بعد قليل
- المشكلة انني اقتربت كثيراً من مخزن المجرمين .. لهذا سأوقف سيارتي فوق التلّة , وأنزل بمفردي اليهم
- لا دعني أرافقك
مايكل بحزم : بل ستبقى مكانك , وهذا أمرّ !!
ونزل الشرطي المتخفّي مايكل للحاق بالمجرمين الذي انخرط معهم في التجارة الممنوعة منذ سنتين , بهدف القبض عليهم بالجرم المشهود بعد استلامهم لأضخم شحنة مخدرات قادمة عن طريق البرّ , بعد تجاوز شاحنتهم الحدود المكسيكية قبل ساعات , بناءً على معلوماتٍ سرّية للشرطة
وكان المفترض ان يرافقه إريك ليحمي ظهره , لكنه تعرّض لتسمّم غذائي بالوقت الخاطىء !
وبعد ان أخفى مايكل مسدسه جيداً , إقترب من عمّال المخزن وسألهم :
- هل وصلت الشاحنة يا رفاق ؟!!
- أخبرنا السائق بأنه على وشك الوصول ..
***
وبعد عشر دقائق .. ظهرت من بعيد اضواء الشاحنة قادمة من الشارع المعتمّ ..
فصرخ العامل : هاهي وصلت ؟!!
فضغط مايكل على قلادته التي بداخلها ميكروفون صغير كيّ يسمع رجال الشرطة (المتواجدون داخل شاحنتين متوقفتين خلف الجبل القريب من المخزن) لكل ما يحصل .. والقبض على العمّال فور إنتهائهم من تفريغ الشاحنة من بضاعتها المشبوهة ..
لكن حصل شيءٌ لم يكن بالحسبان ! حين وصلت سيارة حارس رئيس العصابة , ونزل منها وهو يحمل رشّاشاً وجّهه على العمّال , وهو يصرخ غاضباً :
- من منكم يا ملاعيين تجرّأ على خيانتنا ؟!! هيا تكلّموا والا أطلقت النار عليكم جميعاً !!!
ورغم ارتباك مايكل ! الا انه استجمع قواه ليسأله :
- ماذا حصل ؟!
فقال الحارس بعصبية : عدّ مكانك يا مايكل !! فأنت ايضاً مشتبه به
مايكل بإصرار : فقط إخبرنا مالمشكلة ؟
فأجاب : وصلنا خبر بأن هناك تحرّي مُتخفّي بيننا , وسيبلّغ الشرطة عن هذه الحمولة
***
في هذه الأثناء , وداخل إحدى شاحنتيّ المراقبة .. قال الملازم (المشرف على دوريّة الشرطة) بقلق :
- اللعنة !! لقد انكشفت العملية .. لنُسرع بإنقاذ الضابطين مايكل وإريك
***
وماهي الا لحظات .. حتى اشتبكت الفرقتان بوابلٍ من الرصاص المتبادل .. واستطاع مايكل الهروب بصعوبة من وسط المعركة , متوجهاً نحو سيارته ..
لكن قبل وصوله للشارع , أحسّ بفوهة الرشّاش تلتصق بظهره ! وصوت حارس رئيس العصابة يقول من الخلف :
- طالما يا جبان هربت دون ان تحارب معنا , فهذا يعني انك انت الخائن الحقير !!
وكانت التلّة مظلمة لا ينيرها سوى ضوء بعيد قادم من إنارة الشارع , فرفع مايكل يداه مستسلماً وهو يقول :
- دعنا نتفاهم اولاً
وفجأة ! قفز صديقه إريك على الحارس , وبدءا يتعاركان بعنف على الأرض ..فأسرع مايكل بإخراج مسدسه المخفي , وأطلق النار على رأس الحارس , مُتزامناً مع طلقةٍ ثانية أصابت خاصرة إريك الذي سقط متألماً امام جثة الحارس , وهو يقول لمايكل معاتباً:
- أأطلقت النار عليّ ؟!
مايكل بفزع : لا ! أطلقت على الحارس فقط , أحلف لك !!
إريك بألم : ربما اللعين أصابني قبل مقتله .. هيا خذني الى المستشفى , فالوجع لا يطاق !!
ثم اتكأ على مايكل الذي وضعه في السيارة ..وانطلق مسرعاً نحو الطوارىء , بعد ان أخبر قائده بإصابة صديقه بالعملية ..
***
في السيارة .. كان إريك يضغط بالمناديل على الدماء التي تدفّق بغزارة من خاصرته , وهو يأنّ من الألم .. وحين بدأ يشعر بالدوار , صار يوصيه بزوجته وأبنيه .. بينما حاول مايكل تشجيعه على التحمّل وهو يقود بأسرع ما يمكنه لإيصاله الى المستشفى , مُخفياً قلقه الشديد من خسارة صديقه الذي شحب وجهه , وأمال برأسه على النافذة بعد فقده للوعيّ !
ورغم ان جسمه كان رخواً وهو يضعه فوق سرير الطوارىء , الا ان مايكل لم يستوعب موته قبل إعلان الطبيب ذلك ! ليشعر بعدها بمرارة فقدانه زميل الدراسة في كلية الشرطة , والذي رافقه في العديد من العمليات السرّية الخطرة .. والأسوأ حين اضطر لإخبار الزوجة بوفاة إريك مقتولاً..
***
بعد ساعة .. كان جاك اول الواصلين من أفراد الشرطة الى المستشفى , فهو صديق مايكل وإريك , فالثلاثة من الدفعة ذاتها .. وقد أحزنه كثيراً ما حصل .. وهو من اعاد مايكل الى بيته , لينهار باكياً فوق سريره وهو يستحضر الذكريات , الى ان نام من شدة التعب والحزن مع تباشير الصباح
***
وفي منامه , شاهد كابوساً أفزعه .. حيث رأى إريك يقول :
- إبحث عن قاتلي يا مايكل , وعاقبه بشدّة !!
واستيقظ مايكل وهو يتصبّب عرقاً , وقد انشغل باله بالمنام الغريب ! فإريك يعلم بأن الحارس هو من أصابه , فلما طلب البحث عن قاتله ؟! وهل هناك شيءٌ غامض بالموضوع ؟
***
في ظهر اليوم التالي .. ظهر تقرير التشريح الجنائي : بأن وفاة إريك كان بسبب رصاصة اخترقت كبده , وتسبّبت بنزيفٍ حادّ أدّت لوفاته
وفور صدور تقرير المختبر , أمر مدير الشرطة بدفنه عصراً في مراسم تأبين , حضره رجال الشرطة وعائلة الميت ..
وبعد دفن إريك , سلمّوا زوجته العلم الأمريكي ونيشان الشجاعة , وأطلقوا عيارات ناريّة بالهواء توديعاً للشهيد البطل ..
***
في المساء ..زار جاك صديقه مايكل الذي لزم بيته بعد انتهاء الجنازة ..
وفي الصالة , سأله بقلق :
- مابك يا مايكل ؟ لما لا تردّ على جوّالك ؟
فأجابه بجزن : دعني بهمّي يا جاك
- أعرف انك حزينٌ على إريك , وجميعنا كذلك
- هو أنقذ حياتي .. (ثم تنهّد بندم) .. كان عليّ إعادته الى بيته بعد ان ساءت حالته الصحيّة
- ماذا تقصد ؟!
مايكل : كان يعاني من تسممّ غذائي , لهذا بقيّ في السيارة .. ورغم تعبه الشديد الا انه أنقذني من الحارس , ليموت برشّاشه اللعين !!
جاك باستغراب : أقلت رشّاش ؟! مع انه بالعادة لا ينطلق منه رصاصةٍ واحدة
- معك حق ! لكن يبدو انني قتلت الحارس بعد طلقته الأولى
جاك : ماذا عسانا ان نقول , هذا قدره .. أعان الله زوجته وطفليه الصغيرين ..(ثم تلفّت حوله) .. وانت ايضاً عليك الإنتباه على نفسك , فبيتك أقرب الى زريبة !
- سأتصل بالخادمة لتنظّفه حين أتفرّغ لذلك
- أخبرتني ذات الجملة الشهر الفائت .. يارجل اهتم بنفسك قليلاً .. ولوّ كنت متزوجاً لكانت اهتمّت..
مايكل مقاطعاً بيأس : لكانت ترمّلت كما حصل مع زوجة إريك .. لا يا صديقي , انا لن اتزوج ابداً
جاك : أرى ان اعصابك مازالت متعبة , لهذا سأتركك ترتاح قليلاً .. والمدير أعطاك إجازةٍ مفتوحة لما عانيته في مهمّتك الأخيرة .. فحاول ان تنام قليلاً , وسألقاك لاحقاً
وبعد ذهابه .. ترامى مايكل بجسده المرهق فوق اكوام الملابس المرمية على سريره , لينام على الفور..
***
وفي المنام : شاهد إريك يقول له وهو يضع يده على خاصرته المثقوبة :
- خذّ بثأري يا مايكل , فتلك الرصاصة لم تقتلني
واستيقظ مايكل مرتعباً في منتصف الليل !
وعلى الفور فتح حاسوبه وبحث بصور جوجل عن تشريح الإنسان
وما ان شاهد الصورة , حتى قال بارتياب :
- كيف لم ينتبه احد على الموضوع ؟! الكبد اسفل الرئة , وإريك أُصيب في خاصرته اليسرى .. فلما كذب علينا الطبيب الشرعيّ ؟ أم هو من ضمن شبكة الشرطة الفاسدين الذي أخبرني عنها المحقق العجوز آدم , قبل وفاته بحادثٍ غامض السنة الفائتة ؟! ... الهذا استجعل في إصدار تقرير التشريح ؟ .. ولماذا قرّرت الإدارة دفنه بسرعة ؟! ومالذي ارادوا إخفاءه ؟! .. (ثم فكّر قليلاً) .. يبدو ان روح إريك تحاول إخباري شيئاً , فهل كان القاتل شخصاً آخر ؟!... هيا يا مايكل تذكّر جيداً ما حصل تلك الليلة
وأغلق عيناه وبدأ يحدّث نفسه بصوتٍ مسموع , وهو يتذكّر التفاصيل :
- اولاً حدث الإشتباك .. ثم صعدّت التلّة .. وقبل وصولي للشارع , أحسست برشّاش الحارس يلامس ظهري .. ثم رأيت إريك يقفز عليه .. واثناء تعاركهما , أخرجت مسدسي الذي ألصقته تحت قميصي ..وأطلقت النار على رأس الحارس الذي كان أسفل جسم إريك .. وأجزم انني قتلته على الفور .. وقد حدث ذلك بعد سماعي لصوت رصاصةٍ أخرى .. آه يا الهي ! تذكّرت الآن .. الطلقة التي اصابت إريك مرّت بجانبي ! يعني أطلقها شخص يقف بعيداً عنا .. فهل كان أحد عمّال المخزن ؟ ام شرطيٌ أحمق أخطأ التصويب ؟... وهناك امرٌ ثاني يحيّرني .. فإصابة إريك كانت جانبية , ولم تكن بهذه الخطورة لتقتله ! فهل مات لأن جسمه كان ضعيفاً بسب التسمّم ؟.. (ثم فكّر قليلاً).. لحظة ! ذلك الطعام وصل مكتبنا قبل ساعة من خروجنا للعملية .. وإريك الوحيد الذي أكل منه .. فهل كان السمك مسموماً بالفعل , ام كانت لديه مشكلة صحيّة ؟
وعلى الفور اتصل بزوجة إريك ليسألها ان كان عانى زوجها من حساسية الأسماك .. ورغم استغرابها من سؤاله في مثل هذا الوقت المتأخر ! الا انها أخبرته بأنه يعشق السمك بأنواعه .. فودّعها بعد ان قدّم لها التعازي من جديد ..
وفكّر مايكل طويلاً قبل ان يتخذ قراراً متهوّراً بإخراج جثة إريك من قبره لإعاده تشريحه , لكن ليس عند الطبيب الشرعيّ المتعاقد مع الشرطة لخوفه من تورّطه بالموضوع .. بل أخذه الى طبيبٍ آخر كان صديق طفولته ..وهو طبيب بيطريّ يعيش في منزلٍ بعيد عن المجمّع السكني
***
قبيل الفجر .. استيقظ الطبيب على طرقات الباب .. وحين فتحه , وجد مايكل يحمل جثة في كيس اسود بلاستيكي
- مايكل , ماذا معك ؟!
- هل عيادتك مازالت في المنزل ؟
الطبيب بعصبية : نعم لكني لا ادخل جثث بشريّة الى بيتي ! أتريد ان تقتلني زوجتي ؟
- اذاً افتح عيادتك , فالجثة ثقيلة يا رجل
- تعال معي , ومن دون ان تصدر صوتاً ..
وأخذه الى الكراج الذي فيه عيادته البيطرية الصغيرة .. ووضعا الجثة على السرير القصير , حيث تدلّت قدما إريك خارجه
الطبيب بقلق بعد ان رأى أثر الرصاصة : هل انت من قتلته ؟
مايكل : لا طبعاً , هذا صديقي إريك .. وقُتل اثناء عمليةٍ سرّية
- وما كل هذا التراب , هل نبشت قبره ؟!
مايكل : نعم , القصة طويلة .. والتقرير الشرعي يقول : إنه مات بسبب رصاصة أصابت كبده
وحين فحص الطبيب مكان الجرح , قال باستغراب :
- لا طبعاً ! الرصاصة جانبية وغير قاتلة , حتى انها لم تصب كليته
- وهذا ما توقعته ايضاً
ثم أخبره عن الطعام المسموم ..
فبدأ الطبيب بتشريحه , وما ان رأى المعدة حتى سأله :
- هل دفنتموه على الفور ؟!
مايكل : نعم , هو قتل البارحة ..كيف عرفت ؟
- لأن عصارة معدته مازالت موجودة ! يبدو ان طبيبكم الشرعيّ غير كفؤ بعمله , فمن مهمّاته الأساسية : تحليل ما بداخل المعدة , حتى لوّ مات الشخص مقتولاً
مايكل : ولهذا أحضرته اليك , فهناك إشاعة عن وجود شبكة فاسدة داخل مركز الشرطة التي أعمل فيها
الطبيب : حسناً سأحلّل العصارة , وأعطيك النتائج بأسرع وقتٍ ممكن
***
قبيل الفجر .. قاد مايكل سيارته بسرعة , لإعادة جثة إريك الى المقبرة
وحين حمله متوجهاً الى غرفة حفّار القبور , تفاجأ بضربةٍ قوية على رأسه من الخلف ! أسقطته مع الجثة على الأرض بعد ان فقد وعيه !
***
حين استيقظ ..وجد نفسه في البرّية , امام جثة إريك التي بدأت تتحلّل مع أشعة الشمس الحارقة ..
وحين عدّل جلسته , تفاجاً بجاك يخرج من سيارته .. فسأله وهو يشعر بألمٍ في رأسه :
- جاك ! اين نحن ..
وحين رآه يلبس قفازه الجلديّ , سأله بقلق وعصبية :
- أتريد قتلي يا جاك ؟! هل انت الشرطي الفاسد ؟ أأنت من قتلت صديقنا إريك ؟ .. هيا أجبني !!
وهنا أخرج جاك مسدسه وهو يقول :
- حسناً يا مايكل سأخبرك بالمعلومات التي لا تعرفها وباختصارٍ شديد , لأنك بعد اليوم ستصبح متوّرطاً معنا
((وأخبره انهم لم يستطيعوا ضمّه هو وإريك الى مجموعتهم الفاسدة لأنهم مدعوميّن من الإدارة العليا والتي أخفت عنهم العملية السرّية التي لم تنكشف الا قبل يومين من تلك الليلة , لهذا اتفقوا على التخلّص منهما لإرضاء العصابة التي تدفع لهم مكافئاتٍ شهرية .. وبسبب ما قاله مايكل في جنازة إريك , فقد وصلت شكوكه الى الأدارة العليا التي طالبت بإعادة تشريح الجثة .. لذلك يريده ان يطلق رصاصة من سلاحه على كبد إريك ليتوافق مع تقرير طبيبهم الفاسد .. فلجنة التحقيق بالنهاية لن تشكّك بكلام الطبيب العجوز , كما ليس لديهم خبرة بالأمور الطبّية .. لذلك يكفي لإقناعهم بأن مايكل هو من قتل إريك بالخطأ تلك الليلة , بأن يروا بقايا رصاصته المُستخرجة من الجثة))
وحين انتهى , قال مايكل :
- يبدو ان رئيسكم الفاسد يريد إنقاذ الشخص المجهول الذي أصاب خاصرة إريك ؟ فمن هو يا جاك ؟
فأجاب بلا مبالاة : لا أعرفه , ولا يهمّني أمره
مايكل باستغراب : مازلت لا أصدّق ما سمعته منك ! فأين ذهب ضميرك يا جاك ؟
- ذهب مع الديون يا صديقي , فأنت ليس لديك عائلة تُجبرك على دفع مصاريفها التي لا تنتهي ابداً !!
ثم وضع مسدسه في رأس مايكل وهو يقول :
- هيا إخرج سلاحك واطلق رصاصة واحدة على كبد الجثة .. ودعنا نعود الى بيوتنا , فأنا اراقبك منذ البارحة وأشعر بتعبٍ شديد
وهنا سمعا صوت سيارة تقترب منهما , فاستغلّ مايكل ارتباك جاك للقفز عليه وسحب سلاحه الذي انطلقت منه رصاصةٌ طائشة , قبل ان يضربه مايكل بقبضة مسدسه على رأسه , أفقدته الوعيّ ...
وهنا وصلت السيارة قربهما : وكان فيها صبية مع جدتها العجوز اللتان قدمتا للبرّية في نزهة .. وحين رأت الصبية ما حصل امامها , تراجعت للخلف مُسرعةً في الهرب !
لكن مايكل أجبرها على الوقوف بعد ان لاحظ إصابة الرصاصة الطائشة لعجلة سيارة جاك .. ممّا اضّطره لحمل الجثة والركوب في الخلف , شاهراً سلاحه في وجه الصبية لإكمال طريقها نحو المقابر ..
فنفّذت اوامره وهي ترتجف خوفاً , بينما كانت الجدة سعيدة بما يحصل وكأنها تشاهد فيلم آكشن !
***
في الطريق الى هناك .. إتصل مايكل بالطبيب البيطريّ وأخبره بما حصل , وبدوره أكّد له موت إريك مسموماً بعد ظهور نتائج التحاليل ..
فأسرع بالإتصال بخادم المركز : ليُخبره بأن الطعام وصل الى مكتب المدير اولاً , قبل ان يطلب منه إرساله الى مكتبه هو وإريك .. فعرف مايكل ان مديره متورّطٌ بالأمر ..
ثم اتصل بصديقٍ آخر يعمل في المختبر الشرعيّ التابع للشرطة , وطلب منه ارسال الرقم التسلّسلي للرصاصة التي أخرجوها من خاصرة إريك , لمعرفة القاتل الذي اخطأ بالتصويب تلك الليلة .. وبدوره وعده بإرسالها له في أقرب وقتٍ ممكن ..
وبعد انهائه للمكالمات الثلاثة المهمّة , قالت له العجوز بابتسامةٍ عريضة (بعد ان ادارت وجهها له من المقعد الأمامي) :
- تمثيلك رائع ايها الشاب ! حتى رائحة اللعبة التي تحملها تبدو حقيقية مع ان المُشاهد لن يشمّها , لكني أحب الإتقان بالعمل
فقالت له الصبية : آسفة يا سيد , لكن جدتي تعشق الأفلام البوليسية
الجدة بحماس : نعم !! وأعرف حلّ جميع الألغاز , جرّبني ان أردّت
وربما فقدان مايكل للثقة بمن حوله , هو ما جعله يفضّفض للعجوز ويخبرها بتفاصيل مُبسّطة عن مقتل صديقه الغامض !
من بعدها , فاجأته العجوز بسؤالها :
- وهل لدى مديركم أقارب يعملون في سلك الشرطة ؟
مايكل بدهشة : نعم ! ابنه الوحيد تخرّج من الكلّية قبل سنتين , كيف عرفتي؟!
العجوز : لأنه على حسب خبرتي بهذه الأفلام , فالشرطي لا يصبح فاسداً الا لغرضين : امّا طمعه بمكافأةٍ مالية من المجرمين , او لحماية افراد عائلته .. فهل كان ابنه معكم في العملية السرّية ؟
مايكل : بالحقيقة هو عمل معنا لسنة وبضعة أشهر , قبل ان ينتقل للعمل في مركز شرطة البلدة المجاورة
العجوز : الا يستطيع السفر اليكم ؟
مايكل : هذا ما سأعرفه قريباً .. شكراً لك
وهنا قالت الصبية لمايكل :
- هآقد وصلنا للمقابر
وقبل نزوله من السيارة , أصرّت العجوز ان يسجّل رقمها كيّ تساعده بحلّ ألغازٍ أخرى .. وبعد ان نفّذ طلبها , نزل وهو يحمل جثة إريك لإعادة دفنه في المقبرة .. وذلك بعد ان طلب منهما كتمان ما سمعاه من معلوماتٍ مهمّة , لسلامتهما الشخصية
***
وبسبب خوف مايكل من انتقام جاك بعد ان كشف تورّطه مع الشبكة الفاسدة , ترك منزله ونزل في فندق لحلّ اللغز ..
وبعد ايام واسابيع من البحث المتواصل مع اصدقائه القلائل الموثوق بهم .. وصله أخيراً الرقم التسلّسلي للرصاصة التي جرحت إريك .. وبعد مقارنتها بالملف الوظيفي التابع لمركز شرطة المدينة المجاورة التي يعمل بها ابن المدير , تأكّد بأنها خرجت من مسدسه.. (تماماً كما توقعت العجوز!)
ثم قام بالإتصال بالمطار الذين أكّدوا له وصول الأبن الى البلدة قبل يومٍ واحد من تلك العملية !
فبدأ مايكل يفكّر في نفسه :
((هل يا ترى أرسله والده للتخلّص مني , بعد معرفته بأنني لم اتناول الطعام المسموم كإريك ؟ ام ان والده لا يعلم اصلاً بذهابه لمهمّتي السرّية؟.. وكيف يمكنني ان أعرف الإجابة ؟))
وبعد تفكيرٍ عميق .. تذكّر سكرتيرة المدير التي فسخت خطوبتها بإبنه قبل فترةٍ وجيزة .. فاتصل معها , واتفق على لقائها في المطعم
***
وفي صباح اليوم التالي بالمطعم.. سألها عن حبيبها القديم ادوارد , فبدأت تشتمه وتنعته بالمغرور كوالده ..
مايكل : اريدك ان تجيبيني بصدق , هل ارسله والده للحاق بي وبإريك في تلك المهمة ؟
فإجابته : في ذلك اليوم , عدّت مساءً الى المركز بعد ان نسيت مفاتيح بيتي في درج مكتبي .. وحينها سمعت صراخ ادوارد الغاضب وهو يتحدّث مع والده في مكتبه .. وقد فاجأني قدومه الى البلد ! لأنه أخبرني باتصاله الأخير الذي فسخ فيه علاقتنا : بأنه لن يعود للعمل مع والده المتسلّط !
مايكل باهتمام : وهل تذكرين ما قاله لوالده تلك الليلة ؟
- كان مغتاظاً جداً لأنه لم يدرج اسمه ضمن الدورية التي ستقبض على المجرمين بالجرم المشهود .. فأجابه : بأنه متخرّج جديد وليس لديه الخبرة الكافية لهكذا عمليات معقدة
- وماذا حصل بعدها ؟
السكرتيرة : سمعت ادوارد يقول له : بأنه سيثبت خطأه .. وخرج غاضباً من الغرفة , حتى انه لم يلقي السلام عليّ رغم صداقتنا التي دامت شهورٌ طويلة .. ياله من لعينٍ مغرور !!
- شكراً لك , فما قلته وضّح لي الصورة أخيراً
***
ثم ذهب عند صديقه البيطريّ , وأخبره بكل المعلومات التي حصل عليها في الأيام السابقة .. فقال له الطبيب :
- اذاً مديرك المرتشي اراد تسميمك انت وإريك بطلب من تجّار المخدرات , لكنك لم تأكل ذلك الطعام وأكله إريك .. وفي نفس الوقت , توجّه ابنه الى مكان العملية لإثبات جدارته لوالده , لكنه اصاب خاصرة إريك بالخطأ بدلاً من حارس العصابة ..
- هذا صحيح
- لوّ كنت مكانك لذهبت وتحدّثت مع ادوارد , فربما يكون منهاراً لإعتقاده بإنه قتل شرطياً , وفي أول عملية ميدانية يشارك فيها
مايكل : وكأنك تقرأ افكاري , فأنا مسافرٌ اليه بعد قليل .. وأظنه سيعترف على والده الذي لطالما أهانه امامنا .. وحتماً سيلومه ان عرف بإخفائه المعلومات الحقيقية عن موت إريك .. وبذلك احصل على اعترافٍ يُثبت تورّط مديري مع تجّار المخدرات ..(ثم نظر الى ساعته).. أوه ! لقد تأخرت على المطار .. الوداع يا صديقي
***
وفي المدينة المجاورة .. وما ان فتح ادوارد بابه , ورأى نظرات مايكل الغاضبة , حتى اعترف قائلاً :
- صدّقني !! لم أقصد قتل صديقك , لكني لم أرى جيداً بالظلام
مايكل : دعني أدخل بيتك اولاً ..
وبعد ان جلسا بالصالة , أخبره مايكل بالتفاصيل التي يجهلها..
فقال ادوارد غاضباً :
- ماذا ! أجعلني ابي أعاني كل الأيام الماضية بتأنيب الضمير , وهو من أجبر الطبيب الشرعيّ على تزوير تقريره ؟!.. ما هذا الوالد القاسي ؟!
مايكل : ربما فعل ذلك ليجعلك تحت سلطته
فقال بحزن : حين رجعت اليه تلك الليلة منهاراً , أخبرني إنه لن يفضحني ان عدّت للعمل تحت ادارته .. لكني رفضت وسافرت الى هنا لأعيش في بيت امي المرحومة , بعد ان تركت الشرطة نهائياً.. وقرّرت إكمال دراستي بالجامعة باختصاص المحاسبة الذي أحبه , والذي أجبرني والدي على التخلّي عنه لدخول كلية الشرطة !
- الم يغضبه قرار استقالتك ؟
ادوارد : بلى , لكن لم يعد يهمّني شيء بعد مقتل إريك .. (ثم تنهّد بضيق) .. يا الهي ! لا أصدّق انه فعل بي ذلك .. كان تأنيب الضمير لا يطاق , وبُتّ ليالي أبكي بمرارة كلما تذكّرت صراخ إريك وهو يتلوّى من الألم !
مايكل : اهدأ قليلاً , واخبرني عن تورّط والدك مع العصابة ؟
ادوارد بغضب : بعد الذي فعله بي , سأعترف عليه بكل شيء !!
((وأخبره بأن والده مدمن قمار , وديونه الكثيرة جعلته يتعاقد مع المجرمين لتمرير بضاعتهم من الحدود , مقابل مبلغ من المال يوزّع عليه وعلى شبكة من الشرطة الفاسدين تحت أمرته : ومنهم حرس الحدود والطبيب الشرعيّ))
ثم فاجأه ادوارد بإعطائه شريطاً سجّله لوالده أثناء سكره دون علمه , وفيه اسماء كل الشرطة الفاسدة المتورّطة معه !
ادوارد بقهر : كنت احتفظ بالشريط للانتقام منه على تربيته القاسية , ولما فعله بأمي المسكينة التي ماتت من سوء المعاملة.. لهذا أطلب منك الإسراع بالقبض عليه وعلى فرقته الفاسدة , فالمكان المناسب لهكذا إنسان هو خلف القضبان
مايكل : أظن بعد شريطك هذا , سترقد روح إريك بسلام
ادوارد بقلق : وهل سأُسجن معهم ايضاً ؟
- لا ..فكما أخبرتك , رصاصتك كانت جانبية .. وتعاونك معنا يشفع لك .. وأعدك ان آخذ الدليل مباشرةً الى الأدارة العليا .. واريدك ان تتجهّز , لربما طلبك القضاء للإدلاء بشهادتك
- وانا طوّع أمركم
***
لكن ما لا يعرفه ادوارد : إن والده كان يضع كاميرا مراقبة في بيت زوجته القديمة , لشكّه الدائم بإخلاصها له ! وبذلك سمع كل الحوار الذي دار بينهما .. فأخبر افراد شبكته الفاسدة للهروب فوراً من البلاد , قبل بدء التحقيقات ضدّهم .. اما هو , فقد سافر في نفس الليلة الى ابنه الذي ارتعب حين شاهده يوجّه مسدسه نحوه ..وهو يقول غاضباً :
- أتعترف على والدك ايها العاقّ ؟!!
ادوارد بخوف : ابي ! اهدأ ودعنا نتفاهم
لكنه اطلق عليه ثلاث رصاصات دون ان يُرفّ جفنه ! ثم أسرع الى سيارته قبل استيقاظ الجيران , مُنطلقاً نحو طائرته الخاصة المتوجهة الى اصدقائه المجرمين في المكسيك..
***
ومن بعدها , ضجّت الصحافة بخبر هروبه بعد إنكشاف افراد شبكته الفاسدة التي عُرضت صورهم واسمائهم على نشرات الأخبار , مما ساهم في القبض عليهم رغم هروبهم الى عدة ولايات امريكية ..
***
والأغرب ما حصل له بعد شهر.. حين ارسل احدهم للصحافة : صورة مدير الشرطة ميتاً بعد التعذيب .. مع رسالةٍ قصيرة تقول : إنحرقت ورقة هذا الطمّاع , فتخلّصنا منه بطريقتنا
***
وبعدها بأيام , عصراً .. عاد مايكل الى بيته مع شهادة تقدير حصل عليها من ادارة الشرطة النظيفة الجديدة التي كرّمته على مجهوداته في كشف شبكة الشرطة الفاسدة ..
وقد حاول تمضية وقته بمشاهدة التلفاز واللعب على حاسوبه , لكنه شعر بحاجة للتكلّم مع المرأة العجوز التي كانت السبب في إمساكه لطرف الخيط .. ففتّش عن رقمها في جواله واتصل بها , وأخبرها بموجز ما حصل في القضية .. وبدورها عزمته على بيتها للإحتفال معاً بهذا النصر.. ليتقابل هناك مع حفيدتها التي أبهرته بجمالها بعد عودتها من عرس صديقتها ! والتي تفاجأت بوجوده في منزل جدتها (التي تعيش عندها منذ صغرها بعد وفاة والديها)..
- أهذا انت ؟!
مايكل بدهشة : تبدين مختلفة عن المرة الفائتة !
- كنت حينها شاحبة بعد اقتحامك سيارتي وانت تحمل جثة صديقك !
مايكل : آسف على إخافتك .. لكن القدر جمعني بكما ذلك اليوم , لتقوم جدتك بحلّ لغز القضية !
الحفيدة : لا استغرب ذلك , فهي ماهرة بهذه الأمور
الجدة بحماس : وان صادفتك جرائم معقدة أخرى , فلا تتوانى عن إخباري بها
مايكل مبتسماً : سأفعل يا خالتي .. هذا ان التقينا مجدداً
الجدة بفرح : بالتأكيد سنلتقي لأنك ستعيش معنا
حفيدتها معاتبة باستغراب : جدتي !
الجدة : الم تقل انك لست متزوجاً ؟ ومن سابع المستحيلات ان تجد أجمل من حفيديتي جوزفين
حفيدتها بارتباك : جدتي اهدأي , فأنا لا أعرفه جيداً
فوقف مايكل ومدّ يده مصافحاً جوزفين , قائلاً :
- اذاً دعيني أعرّفك بنفسي .. الضابط مايكل , شاب أعزب وعمري..
جوزفين مقاطعة بعد ان سحبت يدها منه :
- لحظة لحظة ! الم توجّه سلاحك في وجهنا قبل مدة ؟
الجدة معاتبة : أسكتي يا بنت !! ولا تضيعي العريس الجميل من يديكِ
فضحك مايكل , بينما شعرت جوزفين بإرتباكٍ وخجل ..
ثم أكملوا سهرتهم وهو مستمتعٌ بجوّ العائلة الدافىء , وبحماس العجوز وهي تخبره عن أعقد القضايا البوليسية التي شاهدتها بالتلفاز , والتي استطاعت حلّها قبل نهاية الحلقة ..
وكانت هذه بداية لعدة زيارات متبادلة أدّت لخطوبة مايكل وجوزفين , والتي تكلّلت بعد شهور بالزواج .. ومن ثم انتقل الى بيت الجدة بعد إصرارها على ذلك , ليعيش معهما أجمل سنوات حياته
من قتل صديقي ؟!
في تلك الليلة العصيبة ..
سأل صديقه بتعبٍ وغثيان : هل لديك كيسٌ ثاني ؟
- ماذا دهاك يا إريك ؟ هذه المرة الثالثة التي تتقيّأ فيها ؟!
- لا أشعر انني بخير يا مايكل !
- ان كنت تشعر بتوتّر من العملية , فدعني أنزلك هنا ..ثم اتصل على سيارة أجرة لتُعيدك الى المنزل
إريك وهو يمسك معدته بألم : لا سأكون معك , لكن يبدو ان السمك..
وعاد للتقيّأ ثانيةً ..
مايكل : ولهذا لا أتناول الطعام قبل ذهابي للمهمّات , فالمعدة تكون متوتّرة بهكذا ظروف
- انت تعرفني جيداً , لا أفوت عليّ وجبة مجانيّة
- يالك من بخيل !
إريك : المهم لا تقلق عليّ , سأكون بخير بعد قليل
- المشكلة انني اقتربت كثيراً من مخزن المجرمين .. لهذا سأوقف سيارتي فوق التلّة , وأنزل بمفردي اليهم
- لا دعني أرافقك
مايكل بحزم : بل ستبقى مكانك , وهذا أمرّ !!
ونزل الشرطي المتخفّي مايكل للحاق بالمجرمين الذي انخرط معهم في التجارة الممنوعة منذ سنتين , بهدف القبض عليهم بالجرم المشهود بعد استلامهم لأضخم شحنة مخدرات قادمة عن طريق البرّ , بعد تجاوز شاحنتهم الحدود المكسيكية قبل ساعات , بناءً على معلوماتٍ سرّية للشرطة
وكان المفترض ان يرافقه إريك ليحمي ظهره , لكنه تعرّض لتسمّم غذائي بالوقت الخاطىء !
وبعد ان أخفى مايكل مسدسه جيداً , إقترب من عمّال المخزن وسألهم :
- هل وصلت الشاحنة يا رفاق ؟!!
- أخبرنا السائق بأنه على وشك الوصول ..
***
وبعد عشر دقائق .. ظهرت من بعيد اضواء الشاحنة قادمة من الشارع المعتمّ ..
فصرخ العامل : هاهي وصلت ؟!!
فضغط مايكل على قلادته التي بداخلها ميكروفون صغير كيّ يسمع رجال الشرطة (المتواجدون داخل شاحنتين متوقفتين خلف الجبل القريب من المخزن) لكل ما يحصل .. والقبض على العمّال فور إنتهائهم من تفريغ الشاحنة من بضاعتها المشبوهة ..
لكن حصل شيءٌ لم يكن بالحسبان ! حين وصلت سيارة حارس رئيس العصابة , ونزل منها وهو يحمل رشّاشاً وجّهه على العمّال , وهو يصرخ غاضباً :
- من منكم يا ملاعيين تجرّأ على خيانتنا ؟!! هيا تكلّموا والا أطلقت النار عليكم جميعاً !!!
ورغم ارتباك مايكل ! الا انه استجمع قواه ليسأله :
- ماذا حصل ؟!
فقال الحارس بعصبية : عدّ مكانك يا مايكل !! فأنت ايضاً مشتبه به
مايكل بإصرار : فقط إخبرنا مالمشكلة ؟
فأجاب : وصلنا خبر بأن هناك تحرّي مُتخفّي بيننا , وسيبلّغ الشرطة عن هذه الحمولة
***
في هذه الأثناء , وداخل إحدى شاحنتيّ المراقبة .. قال الملازم (المشرف على دوريّة الشرطة) بقلق :
- اللعنة !! لقد انكشفت العملية .. لنُسرع بإنقاذ الضابطين مايكل وإريك
***
وماهي الا لحظات .. حتى اشتبكت الفرقتان بوابلٍ من الرصاص المتبادل .. واستطاع مايكل الهروب بصعوبة من وسط المعركة , متوجهاً نحو سيارته ..
لكن قبل وصوله للشارع , أحسّ بفوهة الرشّاش تلتصق بظهره ! وصوت حارس رئيس العصابة يقول من الخلف :
- طالما يا جبان هربت دون ان تحارب معنا , فهذا يعني انك انت الخائن الحقير !!
وكانت التلّة مظلمة لا ينيرها سوى ضوء بعيد قادم من إنارة الشارع , فرفع مايكل يداه مستسلماً وهو يقول :
- دعنا نتفاهم اولاً
وفجأة ! قفز صديقه إريك على الحارس , وبدءا يتعاركان بعنف على الأرض ..فأسرع مايكل بإخراج مسدسه المخفي , وأطلق النار على رأس الحارس , مُتزامناً مع طلقةٍ ثانية أصابت خاصرة إريك الذي سقط متألماً امام جثة الحارس , وهو يقول لمايكل معاتباً:
- أأطلقت النار عليّ ؟!
مايكل بفزع : لا ! أطلقت على الحارس فقط , أحلف لك !!
إريك بألم : ربما اللعين أصابني قبل مقتله .. هيا خذني الى المستشفى , فالوجع لا يطاق !!
ثم اتكأ على مايكل الذي وضعه في السيارة ..وانطلق مسرعاً نحو الطوارىء , بعد ان أخبر قائده بإصابة صديقه بالعملية ..
***
في السيارة .. كان إريك يضغط بالمناديل على الدماء التي تدفّق بغزارة من خاصرته , وهو يأنّ من الألم .. وحين بدأ يشعر بالدوار , صار يوصيه بزوجته وأبنيه .. بينما حاول مايكل تشجيعه على التحمّل وهو يقود بأسرع ما يمكنه لإيصاله الى المستشفى , مُخفياً قلقه الشديد من خسارة صديقه الذي شحب وجهه , وأمال برأسه على النافذة بعد فقده للوعيّ !
ورغم ان جسمه كان رخواً وهو يضعه فوق سرير الطوارىء , الا ان مايكل لم يستوعب موته قبل إعلان الطبيب ذلك ! ليشعر بعدها بمرارة فقدانه زميل الدراسة في كلية الشرطة , والذي رافقه في العديد من العمليات السرّية الخطرة .. والأسوأ حين اضطر لإخبار الزوجة بوفاة إريك مقتولاً..
***
بعد ساعة .. كان جاك اول الواصلين من أفراد الشرطة الى المستشفى , فهو صديق مايكل وإريك , فالثلاثة من الدفعة ذاتها .. وقد أحزنه كثيراً ما حصل .. وهو من اعاد مايكل الى بيته , لينهار باكياً فوق سريره وهو يستحضر الذكريات , الى ان نام من شدة التعب والحزن مع تباشير الصباح
***
وفي منامه , شاهد كابوساً أفزعه .. حيث رأى إريك يقول :
- إبحث عن قاتلي يا مايكل , وعاقبه بشدّة !!
واستيقظ مايكل وهو يتصبّب عرقاً , وقد انشغل باله بالمنام الغريب ! فإريك يعلم بأن الحارس هو من أصابه , فلما طلب البحث عن قاتله ؟! وهل هناك شيءٌ غامض بالموضوع ؟
***
في ظهر اليوم التالي .. ظهر تقرير التشريح الجنائي : بأن وفاة إريك كان بسبب رصاصة اخترقت كبده , وتسبّبت بنزيفٍ حادّ أدّت لوفاته
وفور صدور تقرير المختبر , أمر مدير الشرطة بدفنه عصراً في مراسم تأبين , حضره رجال الشرطة وعائلة الميت ..
وبعد دفن إريك , سلمّوا زوجته العلم الأمريكي ونيشان الشجاعة , وأطلقوا عيارات ناريّة بالهواء توديعاً للشهيد البطل ..
***
في المساء ..زار جاك صديقه مايكل الذي لزم بيته بعد انتهاء الجنازة ..
وفي الصالة , سأله بقلق :
- مابك يا مايكل ؟ لما لا تردّ على جوّالك ؟
فأجابه بجزن : دعني بهمّي يا جاك
- أعرف انك حزينٌ على إريك , وجميعنا كذلك
- هو أنقذ حياتي .. (ثم تنهّد بندم) .. كان عليّ إعادته الى بيته بعد ان ساءت حالته الصحيّة
- ماذا تقصد ؟!
مايكل : كان يعاني من تسممّ غذائي , لهذا بقيّ في السيارة .. ورغم تعبه الشديد الا انه أنقذني من الحارس , ليموت برشّاشه اللعين !!
جاك باستغراب : أقلت رشّاش ؟! مع انه بالعادة لا ينطلق منه رصاصةٍ واحدة
- معك حق ! لكن يبدو انني قتلت الحارس بعد طلقته الأولى
جاك : ماذا عسانا ان نقول , هذا قدره .. أعان الله زوجته وطفليه الصغيرين ..(ثم تلفّت حوله) .. وانت ايضاً عليك الإنتباه على نفسك , فبيتك أقرب الى زريبة !
- سأتصل بالخادمة لتنظّفه حين أتفرّغ لذلك
- أخبرتني ذات الجملة الشهر الفائت .. يارجل اهتم بنفسك قليلاً .. ولوّ كنت متزوجاً لكانت اهتمّت..
مايكل مقاطعاً بيأس : لكانت ترمّلت كما حصل مع زوجة إريك .. لا يا صديقي , انا لن اتزوج ابداً
جاك : أرى ان اعصابك مازالت متعبة , لهذا سأتركك ترتاح قليلاً .. والمدير أعطاك إجازةٍ مفتوحة لما عانيته في مهمّتك الأخيرة .. فحاول ان تنام قليلاً , وسألقاك لاحقاً
وبعد ذهابه .. ترامى مايكل بجسده المرهق فوق اكوام الملابس المرمية على سريره , لينام على الفور..
***
وفي المنام : شاهد إريك يقول له وهو يضع يده على خاصرته المثقوبة :
- خذّ بثأري يا مايكل , فتلك الرصاصة لم تقتلني
واستيقظ مايكل مرتعباً في منتصف الليل !
وعلى الفور فتح حاسوبه وبحث بصور جوجل عن تشريح الإنسان
وما ان شاهد الصورة , حتى قال بارتياب :
- كيف لم ينتبه احد على الموضوع ؟! الكبد اسفل الرئة , وإريك أُصيب في خاصرته اليسرى .. فلما كذب علينا الطبيب الشرعيّ ؟ أم هو من ضمن شبكة الشرطة الفاسدين الذي أخبرني عنها المحقق العجوز آدم , قبل وفاته بحادثٍ غامض السنة الفائتة ؟! ... الهذا استجعل في إصدار تقرير التشريح ؟ .. ولماذا قرّرت الإدارة دفنه بسرعة ؟! ومالذي ارادوا إخفاءه ؟! .. (ثم فكّر قليلاً) .. يبدو ان روح إريك تحاول إخباري شيئاً , فهل كان القاتل شخصاً آخر ؟!... هيا يا مايكل تذكّر جيداً ما حصل تلك الليلة
وأغلق عيناه وبدأ يحدّث نفسه بصوتٍ مسموع , وهو يتذكّر التفاصيل :
- اولاً حدث الإشتباك .. ثم صعدّت التلّة .. وقبل وصولي للشارع , أحسست برشّاش الحارس يلامس ظهري .. ثم رأيت إريك يقفز عليه .. واثناء تعاركهما , أخرجت مسدسي الذي ألصقته تحت قميصي ..وأطلقت النار على رأس الحارس الذي كان أسفل جسم إريك .. وأجزم انني قتلته على الفور .. وقد حدث ذلك بعد سماعي لصوت رصاصةٍ أخرى .. آه يا الهي ! تذكّرت الآن .. الطلقة التي اصابت إريك مرّت بجانبي ! يعني أطلقها شخص يقف بعيداً عنا .. فهل كان أحد عمّال المخزن ؟ ام شرطيٌ أحمق أخطأ التصويب ؟... وهناك امرٌ ثاني يحيّرني .. فإصابة إريك كانت جانبية , ولم تكن بهذه الخطورة لتقتله ! فهل مات لأن جسمه كان ضعيفاً بسب التسمّم ؟.. (ثم فكّر قليلاً).. لحظة ! ذلك الطعام وصل مكتبنا قبل ساعة من خروجنا للعملية .. وإريك الوحيد الذي أكل منه .. فهل كان السمك مسموماً بالفعل , ام كانت لديه مشكلة صحيّة ؟
وعلى الفور اتصل بزوجة إريك ليسألها ان كان عانى زوجها من حساسية الأسماك .. ورغم استغرابها من سؤاله في مثل هذا الوقت المتأخر ! الا انها أخبرته بأنه يعشق السمك بأنواعه .. فودّعها بعد ان قدّم لها التعازي من جديد ..
وفكّر مايكل طويلاً قبل ان يتخذ قراراً متهوّراً بإخراج جثة إريك من قبره لإعاده تشريحه , لكن ليس عند الطبيب الشرعيّ المتعاقد مع الشرطة لخوفه من تورّطه بالموضوع .. بل أخذه الى طبيبٍ آخر كان صديق طفولته ..وهو طبيب بيطريّ يعيش في منزلٍ بعيد عن المجمّع السكني
***
قبيل الفجر .. استيقظ الطبيب على طرقات الباب .. وحين فتحه , وجد مايكل يحمل جثة في كيس اسود بلاستيكي
- مايكل , ماذا معك ؟!
- هل عيادتك مازالت في المنزل ؟
الطبيب بعصبية : نعم لكني لا ادخل جثث بشريّة الى بيتي ! أتريد ان تقتلني زوجتي ؟
- اذاً افتح عيادتك , فالجثة ثقيلة يا رجل
- تعال معي , ومن دون ان تصدر صوتاً ..
وأخذه الى الكراج الذي فيه عيادته البيطرية الصغيرة .. ووضعا الجثة على السرير القصير , حيث تدلّت قدما إريك خارجه
الطبيب بقلق بعد ان رأى أثر الرصاصة : هل انت من قتلته ؟
مايكل : لا طبعاً , هذا صديقي إريك .. وقُتل اثناء عمليةٍ سرّية
- وما كل هذا التراب , هل نبشت قبره ؟!
مايكل : نعم , القصة طويلة .. والتقرير الشرعي يقول : إنه مات بسبب رصاصة أصابت كبده
وحين فحص الطبيب مكان الجرح , قال باستغراب :
- لا طبعاً ! الرصاصة جانبية وغير قاتلة , حتى انها لم تصب كليته
- وهذا ما توقعته ايضاً
ثم أخبره عن الطعام المسموم ..
فبدأ الطبيب بتشريحه , وما ان رأى المعدة حتى سأله :
- هل دفنتموه على الفور ؟!
مايكل : نعم , هو قتل البارحة ..كيف عرفت ؟
- لأن عصارة معدته مازالت موجودة ! يبدو ان طبيبكم الشرعيّ غير كفؤ بعمله , فمن مهمّاته الأساسية : تحليل ما بداخل المعدة , حتى لوّ مات الشخص مقتولاً
مايكل : ولهذا أحضرته اليك , فهناك إشاعة عن وجود شبكة فاسدة داخل مركز الشرطة التي أعمل فيها
الطبيب : حسناً سأحلّل العصارة , وأعطيك النتائج بأسرع وقتٍ ممكن
***
قبيل الفجر .. قاد مايكل سيارته بسرعة , لإعادة جثة إريك الى المقبرة
وحين حمله متوجهاً الى غرفة حفّار القبور , تفاجأ بضربةٍ قوية على رأسه من الخلف ! أسقطته مع الجثة على الأرض بعد ان فقد وعيه !
***
حين استيقظ ..وجد نفسه في البرّية , امام جثة إريك التي بدأت تتحلّل مع أشعة الشمس الحارقة ..
وحين عدّل جلسته , تفاجاً بجاك يخرج من سيارته .. فسأله وهو يشعر بألمٍ في رأسه :
- جاك ! اين نحن ..
وحين رآه يلبس قفازه الجلديّ , سأله بقلق وعصبية :
- أتريد قتلي يا جاك ؟! هل انت الشرطي الفاسد ؟ أأنت من قتلت صديقنا إريك ؟ .. هيا أجبني !!
وهنا أخرج جاك مسدسه وهو يقول :
- حسناً يا مايكل سأخبرك بالمعلومات التي لا تعرفها وباختصارٍ شديد , لأنك بعد اليوم ستصبح متوّرطاً معنا
((وأخبره انهم لم يستطيعوا ضمّه هو وإريك الى مجموعتهم الفاسدة لأنهم مدعوميّن من الإدارة العليا والتي أخفت عنهم العملية السرّية التي لم تنكشف الا قبل يومين من تلك الليلة , لهذا اتفقوا على التخلّص منهما لإرضاء العصابة التي تدفع لهم مكافئاتٍ شهرية .. وبسبب ما قاله مايكل في جنازة إريك , فقد وصلت شكوكه الى الأدارة العليا التي طالبت بإعادة تشريح الجثة .. لذلك يريده ان يطلق رصاصة من سلاحه على كبد إريك ليتوافق مع تقرير طبيبهم الفاسد .. فلجنة التحقيق بالنهاية لن تشكّك بكلام الطبيب العجوز , كما ليس لديهم خبرة بالأمور الطبّية .. لذلك يكفي لإقناعهم بأن مايكل هو من قتل إريك بالخطأ تلك الليلة , بأن يروا بقايا رصاصته المُستخرجة من الجثة))
وحين انتهى , قال مايكل :
- يبدو ان رئيسكم الفاسد يريد إنقاذ الشخص المجهول الذي أصاب خاصرة إريك ؟ فمن هو يا جاك ؟
فأجاب بلا مبالاة : لا أعرفه , ولا يهمّني أمره
مايكل باستغراب : مازلت لا أصدّق ما سمعته منك ! فأين ذهب ضميرك يا جاك ؟
- ذهب مع الديون يا صديقي , فأنت ليس لديك عائلة تُجبرك على دفع مصاريفها التي لا تنتهي ابداً !!
ثم وضع مسدسه في رأس مايكل وهو يقول :
- هيا إخرج سلاحك واطلق رصاصة واحدة على كبد الجثة .. ودعنا نعود الى بيوتنا , فأنا اراقبك منذ البارحة وأشعر بتعبٍ شديد
وهنا سمعا صوت سيارة تقترب منهما , فاستغلّ مايكل ارتباك جاك للقفز عليه وسحب سلاحه الذي انطلقت منه رصاصةٌ طائشة , قبل ان يضربه مايكل بقبضة مسدسه على رأسه , أفقدته الوعيّ ...
وهنا وصلت السيارة قربهما : وكان فيها صبية مع جدتها العجوز اللتان قدمتا للبرّية في نزهة .. وحين رأت الصبية ما حصل امامها , تراجعت للخلف مُسرعةً في الهرب !
لكن مايكل أجبرها على الوقوف بعد ان لاحظ إصابة الرصاصة الطائشة لعجلة سيارة جاك .. ممّا اضّطره لحمل الجثة والركوب في الخلف , شاهراً سلاحه في وجه الصبية لإكمال طريقها نحو المقابر ..
فنفّذت اوامره وهي ترتجف خوفاً , بينما كانت الجدة سعيدة بما يحصل وكأنها تشاهد فيلم آكشن !
***
في الطريق الى هناك .. إتصل مايكل بالطبيب البيطريّ وأخبره بما حصل , وبدوره أكّد له موت إريك مسموماً بعد ظهور نتائج التحاليل ..
فأسرع بالإتصال بخادم المركز : ليُخبره بأن الطعام وصل الى مكتب المدير اولاً , قبل ان يطلب منه إرساله الى مكتبه هو وإريك .. فعرف مايكل ان مديره متورّطٌ بالأمر ..
ثم اتصل بصديقٍ آخر يعمل في المختبر الشرعيّ التابع للشرطة , وطلب منه ارسال الرقم التسلّسلي للرصاصة التي أخرجوها من خاصرة إريك , لمعرفة القاتل الذي اخطأ بالتصويب تلك الليلة .. وبدوره وعده بإرسالها له في أقرب وقتٍ ممكن ..
وبعد انهائه للمكالمات الثلاثة المهمّة , قالت له العجوز بابتسامةٍ عريضة (بعد ان ادارت وجهها له من المقعد الأمامي) :
- تمثيلك رائع ايها الشاب ! حتى رائحة اللعبة التي تحملها تبدو حقيقية مع ان المُشاهد لن يشمّها , لكني أحب الإتقان بالعمل
فقالت له الصبية : آسفة يا سيد , لكن جدتي تعشق الأفلام البوليسية
الجدة بحماس : نعم !! وأعرف حلّ جميع الألغاز , جرّبني ان أردّت
وربما فقدان مايكل للثقة بمن حوله , هو ما جعله يفضّفض للعجوز ويخبرها بتفاصيل مُبسّطة عن مقتل صديقه الغامض !
من بعدها , فاجأته العجوز بسؤالها :
- وهل لدى مديركم أقارب يعملون في سلك الشرطة ؟
مايكل بدهشة : نعم ! ابنه الوحيد تخرّج من الكلّية قبل سنتين , كيف عرفتي؟!
العجوز : لأنه على حسب خبرتي بهذه الأفلام , فالشرطي لا يصبح فاسداً الا لغرضين : امّا طمعه بمكافأةٍ مالية من المجرمين , او لحماية افراد عائلته .. فهل كان ابنه معكم في العملية السرّية ؟
مايكل : بالحقيقة هو عمل معنا لسنة وبضعة أشهر , قبل ان ينتقل للعمل في مركز شرطة البلدة المجاورة
العجوز : الا يستطيع السفر اليكم ؟
مايكل : هذا ما سأعرفه قريباً .. شكراً لك
وهنا قالت الصبية لمايكل :
- هآقد وصلنا للمقابر
وقبل نزوله من السيارة , أصرّت العجوز ان يسجّل رقمها كيّ تساعده بحلّ ألغازٍ أخرى .. وبعد ان نفّذ طلبها , نزل وهو يحمل جثة إريك لإعادة دفنه في المقبرة .. وذلك بعد ان طلب منهما كتمان ما سمعاه من معلوماتٍ مهمّة , لسلامتهما الشخصية
***
وبسبب خوف مايكل من انتقام جاك بعد ان كشف تورّطه مع الشبكة الفاسدة , ترك منزله ونزل في فندق لحلّ اللغز ..
وبعد ايام واسابيع من البحث المتواصل مع اصدقائه القلائل الموثوق بهم .. وصله أخيراً الرقم التسلّسلي للرصاصة التي جرحت إريك .. وبعد مقارنتها بالملف الوظيفي التابع لمركز شرطة المدينة المجاورة التي يعمل بها ابن المدير , تأكّد بأنها خرجت من مسدسه.. (تماماً كما توقعت العجوز!)
ثم قام بالإتصال بالمطار الذين أكّدوا له وصول الأبن الى البلدة قبل يومٍ واحد من تلك العملية !
فبدأ مايكل يفكّر في نفسه :
((هل يا ترى أرسله والده للتخلّص مني , بعد معرفته بأنني لم اتناول الطعام المسموم كإريك ؟ ام ان والده لا يعلم اصلاً بذهابه لمهمّتي السرّية؟.. وكيف يمكنني ان أعرف الإجابة ؟))
وبعد تفكيرٍ عميق .. تذكّر سكرتيرة المدير التي فسخت خطوبتها بإبنه قبل فترةٍ وجيزة .. فاتصل معها , واتفق على لقائها في المطعم
***
وفي صباح اليوم التالي بالمطعم.. سألها عن حبيبها القديم ادوارد , فبدأت تشتمه وتنعته بالمغرور كوالده ..
مايكل : اريدك ان تجيبيني بصدق , هل ارسله والده للحاق بي وبإريك في تلك المهمة ؟
فإجابته : في ذلك اليوم , عدّت مساءً الى المركز بعد ان نسيت مفاتيح بيتي في درج مكتبي .. وحينها سمعت صراخ ادوارد الغاضب وهو يتحدّث مع والده في مكتبه .. وقد فاجأني قدومه الى البلد ! لأنه أخبرني باتصاله الأخير الذي فسخ فيه علاقتنا : بأنه لن يعود للعمل مع والده المتسلّط !
مايكل باهتمام : وهل تذكرين ما قاله لوالده تلك الليلة ؟
- كان مغتاظاً جداً لأنه لم يدرج اسمه ضمن الدورية التي ستقبض على المجرمين بالجرم المشهود .. فأجابه : بأنه متخرّج جديد وليس لديه الخبرة الكافية لهكذا عمليات معقدة
- وماذا حصل بعدها ؟
السكرتيرة : سمعت ادوارد يقول له : بأنه سيثبت خطأه .. وخرج غاضباً من الغرفة , حتى انه لم يلقي السلام عليّ رغم صداقتنا التي دامت شهورٌ طويلة .. ياله من لعينٍ مغرور !!
- شكراً لك , فما قلته وضّح لي الصورة أخيراً
***
ثم ذهب عند صديقه البيطريّ , وأخبره بكل المعلومات التي حصل عليها في الأيام السابقة .. فقال له الطبيب :
- اذاً مديرك المرتشي اراد تسميمك انت وإريك بطلب من تجّار المخدرات , لكنك لم تأكل ذلك الطعام وأكله إريك .. وفي نفس الوقت , توجّه ابنه الى مكان العملية لإثبات جدارته لوالده , لكنه اصاب خاصرة إريك بالخطأ بدلاً من حارس العصابة ..
- هذا صحيح
- لوّ كنت مكانك لذهبت وتحدّثت مع ادوارد , فربما يكون منهاراً لإعتقاده بإنه قتل شرطياً , وفي أول عملية ميدانية يشارك فيها
مايكل : وكأنك تقرأ افكاري , فأنا مسافرٌ اليه بعد قليل .. وأظنه سيعترف على والده الذي لطالما أهانه امامنا .. وحتماً سيلومه ان عرف بإخفائه المعلومات الحقيقية عن موت إريك .. وبذلك احصل على اعترافٍ يُثبت تورّط مديري مع تجّار المخدرات ..(ثم نظر الى ساعته).. أوه ! لقد تأخرت على المطار .. الوداع يا صديقي
***
وفي المدينة المجاورة .. وما ان فتح ادوارد بابه , ورأى نظرات مايكل الغاضبة , حتى اعترف قائلاً :
- صدّقني !! لم أقصد قتل صديقك , لكني لم أرى جيداً بالظلام
مايكل : دعني أدخل بيتك اولاً ..
وبعد ان جلسا بالصالة , أخبره مايكل بالتفاصيل التي يجهلها..
فقال ادوارد غاضباً :
- ماذا ! أجعلني ابي أعاني كل الأيام الماضية بتأنيب الضمير , وهو من أجبر الطبيب الشرعيّ على تزوير تقريره ؟!.. ما هذا الوالد القاسي ؟!
مايكل : ربما فعل ذلك ليجعلك تحت سلطته
فقال بحزن : حين رجعت اليه تلك الليلة منهاراً , أخبرني إنه لن يفضحني ان عدّت للعمل تحت ادارته .. لكني رفضت وسافرت الى هنا لأعيش في بيت امي المرحومة , بعد ان تركت الشرطة نهائياً.. وقرّرت إكمال دراستي بالجامعة باختصاص المحاسبة الذي أحبه , والذي أجبرني والدي على التخلّي عنه لدخول كلية الشرطة !
- الم يغضبه قرار استقالتك ؟
ادوارد : بلى , لكن لم يعد يهمّني شيء بعد مقتل إريك .. (ثم تنهّد بضيق) .. يا الهي ! لا أصدّق انه فعل بي ذلك .. كان تأنيب الضمير لا يطاق , وبُتّ ليالي أبكي بمرارة كلما تذكّرت صراخ إريك وهو يتلوّى من الألم !
مايكل : اهدأ قليلاً , واخبرني عن تورّط والدك مع العصابة ؟
ادوارد بغضب : بعد الذي فعله بي , سأعترف عليه بكل شيء !!
((وأخبره بأن والده مدمن قمار , وديونه الكثيرة جعلته يتعاقد مع المجرمين لتمرير بضاعتهم من الحدود , مقابل مبلغ من المال يوزّع عليه وعلى شبكة من الشرطة الفاسدين تحت أمرته : ومنهم حرس الحدود والطبيب الشرعيّ))
ثم فاجأه ادوارد بإعطائه شريطاً سجّله لوالده أثناء سكره دون علمه , وفيه اسماء كل الشرطة الفاسدة المتورّطة معه !
ادوارد بقهر : كنت احتفظ بالشريط للانتقام منه على تربيته القاسية , ولما فعله بأمي المسكينة التي ماتت من سوء المعاملة.. لهذا أطلب منك الإسراع بالقبض عليه وعلى فرقته الفاسدة , فالمكان المناسب لهكذا إنسان هو خلف القضبان
مايكل : أظن بعد شريطك هذا , سترقد روح إريك بسلام
ادوارد بقلق : وهل سأُسجن معهم ايضاً ؟
- لا ..فكما أخبرتك , رصاصتك كانت جانبية .. وتعاونك معنا يشفع لك .. وأعدك ان آخذ الدليل مباشرةً الى الأدارة العليا .. واريدك ان تتجهّز , لربما طلبك القضاء للإدلاء بشهادتك
- وانا طوّع أمركم
***
لكن ما لا يعرفه ادوارد : إن والده كان يضع كاميرا مراقبة في بيت زوجته القديمة , لشكّه الدائم بإخلاصها له ! وبذلك سمع كل الحوار الذي دار بينهما .. فأخبر افراد شبكته الفاسدة للهروب فوراً من البلاد , قبل بدء التحقيقات ضدّهم .. اما هو , فقد سافر في نفس الليلة الى ابنه الذي ارتعب حين شاهده يوجّه مسدسه نحوه ..وهو يقول غاضباً :
- أتعترف على والدك ايها العاقّ ؟!!
ادوارد بخوف : ابي ! اهدأ ودعنا نتفاهم
لكنه اطلق عليه ثلاث رصاصات دون ان يُرفّ جفنه ! ثم أسرع الى سيارته قبل استيقاظ الجيران , مُنطلقاً نحو طائرته الخاصة المتوجهة الى اصدقائه المجرمين في المكسيك..
***
ومن بعدها , ضجّت الصحافة بخبر هروبه بعد إنكشاف افراد شبكته الفاسدة التي عُرضت صورهم واسمائهم على نشرات الأخبار , مما ساهم في القبض عليهم رغم هروبهم الى عدة ولايات امريكية ..
***
والأغرب ما حصل له بعد شهر.. حين ارسل احدهم للصحافة : صورة مدير الشرطة ميتاً بعد التعذيب .. مع رسالةٍ قصيرة تقول : إنحرقت ورقة هذا الطمّاع , فتخلّصنا منه بطريقتنا
***
وبعدها بأيام , عصراً .. عاد مايكل الى بيته مع شهادة تقدير حصل عليها من ادارة الشرطة النظيفة الجديدة التي كرّمته على مجهوداته في كشف شبكة الشرطة الفاسدة ..
وقد حاول تمضية وقته بمشاهدة التلفاز واللعب على حاسوبه , لكنه شعر بحاجة للتكلّم مع المرأة العجوز التي كانت السبب في إمساكه لطرف الخيط .. ففتّش عن رقمها في جواله واتصل بها , وأخبرها بموجز ما حصل في القضية .. وبدورها عزمته على بيتها للإحتفال معاً بهذا النصر.. ليتقابل هناك مع حفيدتها التي أبهرته بجمالها بعد عودتها من عرس صديقتها ! والتي تفاجأت بوجوده في منزل جدتها (التي تعيش عندها منذ صغرها بعد وفاة والديها)..
- أهذا انت ؟!
مايكل بدهشة : تبدين مختلفة عن المرة الفائتة !
- كنت حينها شاحبة بعد اقتحامك سيارتي وانت تحمل جثة صديقك !
مايكل : آسف على إخافتك .. لكن القدر جمعني بكما ذلك اليوم , لتقوم جدتك بحلّ لغز القضية !
الحفيدة : لا استغرب ذلك , فهي ماهرة بهذه الأمور
الجدة بحماس : وان صادفتك جرائم معقدة أخرى , فلا تتوانى عن إخباري بها
مايكل مبتسماً : سأفعل يا خالتي .. هذا ان التقينا مجدداً
الجدة بفرح : بالتأكيد سنلتقي لأنك ستعيش معنا
حفيدتها معاتبة باستغراب : جدتي !
الجدة : الم تقل انك لست متزوجاً ؟ ومن سابع المستحيلات ان تجد أجمل من حفيديتي جوزفين
حفيدتها بارتباك : جدتي اهدأي , فأنا لا أعرفه جيداً
فوقف مايكل ومدّ يده مصافحاً جوزفين , قائلاً :
- اذاً دعيني أعرّفك بنفسي .. الضابط مايكل , شاب أعزب وعمري..
جوزفين مقاطعة بعد ان سحبت يدها منه :
- لحظة لحظة ! الم توجّه سلاحك في وجهنا قبل مدة ؟
الجدة معاتبة : أسكتي يا بنت !! ولا تضيعي العريس الجميل من يديكِ
فضحك مايكل , بينما شعرت جوزفين بإرتباكٍ وخجل ..
ثم أكملوا سهرتهم وهو مستمتعٌ بجوّ العائلة الدافىء , وبحماس العجوز وهي تخبره عن أعقد القضايا البوليسية التي شاهدتها بالتلفاز , والتي استطاعت حلّها قبل نهاية الحلقة ..
وكانت هذه بداية لعدة زيارات متبادلة أدّت لخطوبة مايكل وجوزفين , والتي تكلّلت بعد شهور بالزواج .. ومن ثم انتقل الى بيت الجدة بعد إصرارها على ذلك , ليعيش معهما أجمل سنوات حياته
شاهدت بالمنام قبل ايام : ابو شهاب (في باب الحارة) بدور البطل مايكل , وهو يقف قرب الجثة في البريّة , وصديقه يجبره بإطلاق النار على الميت .. ثم رأيت سيارة بها صبية وعجوزة تقتربان من المكان ..
ردحذفواستيقظت من الحلم وانا أفكّر كيف سأحوّلها الى قصة ؟! لهذا استغرق مني وقتاً طويلاً .. ورغم عدم اقتناعي التام بالفكرة , الا انني أردّت تحدّي نفسي بتحويل منامٍ غريب الى قصةٍ بوليسية .. أتمنى ان أكون نجحت في ذلك , ونال مجهودي إعجابكم !
قصه جميله منك استاذه امل
ردحذفقصه حب متاخره بين الشرطي والصبيه
فساد الاصدقاء وخيانه
حلم غريب جدا
لك خيال واقعي استاذه امل
فالحلام تقود لواقع
انا مثلا ليلة امس حلمت بوالدي رحمه الله
كاننا رجعنا من السفر
وكانا الدنيا رمضان
وكان يخبز فطاير زعتر
لاننا متعبين من السفر
اكلت جزء منها بفمي لم ابلعها لانو دنيا رمضان هو اعطاني فطيره
هو اكل جزء منها