السبت، 20 أغسطس 2022

الرحلة المشؤومة

كتابة : امل شانوحة 

الراكب الغامض !


حلّقت الطائرة الصغيرة من مدرّج إحدى الدول العربية باتجاه اوروبا ، وعلى متنها 65 راكباً : منهم علماء ومبدعين عرب ، في طريقهم الى حفلةٍ تكريميّة عن إنجازاتهم الفكريّة والإنسانيّة .. بالإضافة لرجال أعمالٍ أثرياء من عدّة دولٍ عربيّة .. 

***


بعد ساعة من إقلاعها .. أخبرهم الطيّار بالميكروفون : انهم سيواجهون مطبّات هوائيّة ، وعليهم وضع حزام الأمان لحين تجاوزهم التيّارات النّفاثة ! 


ولم تمضي دقائق ، حتى اهتزّت الطائرة بقوّة ! 

ولأن معظم الركّاب من الرجال والشباب ، فقد حاولوا التمساك قدر الإمكان ، وهم يدعون ربهم أن تمرّ الأزمة بسلام

***


بعد خمس دقائق من الرعب المتواصل ، هدأ كل شيءٍ فجأة ! وتنفّس الجميع الصعداء .. وعاد المضيفون الى عملهم بتوزيع الطعام على الركّاب


وحين وصلت المضيفة للمقاعد الخلفيّة .. وجدت رجلاً يجلس بهدوء بجوار راكبٍ عجوزٍ غاضب ، يصرّ على عودته الى مقعده !

فسألته المضيفة عن المشكلة ، فأجابها العجوز بغيظ : 

- حجزت مقعدين ، رغبةً بالجلوس وحدي.. وبعد توقف الإهتزازات وعودة انوار الطائرة ، وجدّت هذا الرجل بجانبي !


فسألت المضيفة الرجل : يا سيد ، اين كنت تجلس في بداية الرحلة ؟

فأجابها بغموض : هذا هو المقعد الوحيد الشاغر بالطائرة 

المضيفة : أعرف إن طائرتنا محجوزة بالكامل .. لكن العم الذي بجانبك حجز مقعداً فارغاً امامه ، لأن لديه فوبيا من الجراثيم ، خاصة بعد أزمة كورونا


فنظر الرجل للعجوز قائلاً : لا تقلق بشأن وسواسك القهريّ ، سيختفي قريباً مع كل احلامك المستقبلية

العجوز بعصبية : ما هذا الهراء ؟!! رجاءً يا آنسة ، أعيدي الرجل المجنون الى مكانه


فتجمّع المضيفون الثلاثة امام الراكبيّن العنيدين ، بعد تأكّدهم أن جميع المقاعد الأخرى محجوزة ! 

وأصرّ الرجل الغامض على ملازمة مكانه ، رغم محاولة رجل الأمن إخراجه من هناك .. لكنه ثبت في مقعده ، كأنه مُلتصقٌ به !

***


توجّه المضيفون الثلاثة مع رجل الأمن الى كابينة الطيّار لإخباره بالمشكلة .. فسأل الكابتن ، أحد المضيفين : 

- هل عددّت الركّاب ؟

- نعم كابتن .. كانوا 65 .. وبوجود الراكب الغامض ، أصبحوا 66!

الكابتن باستغراب : كيف ظهر فجأة ! هل كان مُختبئاً في الحمام ، واستغلّ ارتباكنا بالمطبّات لاحتلال المقعد الفارغ ؟! 

المضيفة : حتى لوّ فرضيّتك صحيحة سيدي ، كيف تجاوز الأجهزة الأمنيّة للمطار ؟!

المضيف : ربما كان من عمّال الصيانة ؟

فردّت اكبر المضيفتين سناً :

- انا اعمل هنا منذ وقتٍ طويل وأعرف جميع الموظفين ، ولم ارى ذلك الرجل من قبل ! وهو يرفض الكلام ، لإفهامنا ما حصل!  


فسأل الكابتن رجل الأمن : هل رأيت جواز سفره ؟

- سألته عنه مراراً ، ولم يجبني !

الكابتن : من الأفضل إحتجازه بمخزن الأمتعة ، لحين وصولنا الى وجهتنا

المضيفة : بقيّ اربع ساعات لنهاية الرحلة ، فكيف سيمضيهم في مخزنٍ دون طعامٍ او استخدامه لدورة مياه ؟ .. ثم كيف نأتمن رجلاً غامضاً على أمتعة الركّاب ، لربما عبث فيهم 

المضيفة الأخرى بخوف : والأسوء إن كان يُخفي حزاماً ناسفاً ! 


فقال الكابتن لرجل الأمن :

- إذهب وقيّده بالأصفاد ، ثم فتشّ حقيبته اليدويّة 

رجل الأمن : لا يحمل أيّةِ حقيبة !

فتكلّم الكابتن مع مساعده : إستلم عني القيادة ، ريثما أكلّم الراكب المزعج 

***


راقب الركّاب الكابتن وهو يتجّه الى مقعد الرجل الغامض ، ليسأله بوجهٍ بشوش :

- مرحباً ، انا كابتن الطائرة .. ما اسمك يا سيد ؟

فأجاب : سولانو

- لا تبدو عربيّاً ! من أيّةِ دولةٍ انت ؟

- انا موجود في كل مكان

الكابتن بحزم : سيد سولانو ، إن كان هذا اسمك الحقيقي .. أعطني لوّ سمحت جواز سفرك  

سولانو : لست بحاجةٍ اليه

- هل تسلّلت الى طائرتي اثناء فحصها من قبل عمّال الصيانة ؟

- لا

الكابتن : اذاً اين اختبأت لأكثر من ساعة ؟ 


إلاّ أن الراكب فضّل الصمت .. فطلب الكابتن من رجل الأمن سؤال برج المراقبة عن اسماء ركّاب الرحلة .. 

***


وبعد دقائق .. سمع الجميع إجابة موظف المطار (عبر اللاّسلكي الخاص لرجل الأمن) وهو ينفي وجود مسافر بإسم سولانو على متن طائرتهم ! 


فعاد الكابتن لسؤال الراكب الغامض ، وهو يحاول كبت غضبه :  

- سيد سولانو .. سأعيد سؤالي من جديد .. اين اختبأت لحظة إقلاعنا ؟ وكيف لم تكشفك كاميرات مراقبة المطار ؟!


لكن سولانو عاد لصمته المزعج ! فأمسك رجل الأمن بياقة قميصه ، وشدّه بعصبية :  

- أجبّ على سؤال الكابتن ، ايها التافه !! هل انت مسلّح ؟ هل تُخفي متفجّرات تحت ملابسك ؟ او إنك بلعت مخدّراتٍ لنقلها الى أوروبا ؟! .. هيا تكلّم !!


فاكتفى الرجل الغامض بابتسامةٍ مُستفزّة ! مما جعل رجل الأمن يقيّد يديه خلف ظهره بالأصفاد الحديديّة .. والغريب إن الرجل لم يقاوم إعتقاله ! 


ثم سأل رجل الأمن ، الطيّار : 

- كابتن ، اين أحتجزه حتى نهاية الرحلة ؟ 

الكابتن : ضعه في كابينتي

- هل انا متأكّد ! أخاف أن يشتّت تركيزك اثناء قيادتك الطائرة

الكابتن : إذاً إغلق فمه بلاصقٍ قويّ او رباطٍ قماشيّ ، وضعه بالكرسي خلف مقعدي ..أظنه سيبقى هادئاً لحين هبوطنا ، اليس كذلك سيد سولانو ؟

فاكتفى الرجل بابتسامةٍ مُبهمة ! 

***


بعد حجزّ الراكب المزعج في كابينة الطيّار ، عاد المضيفون لخدمة الركّاب ..


ولم تمرّ ربع ساعة ، حتى سمعوا بالميكروفون :

((مرحباً.. الكابتن سولانو يحيّكم ، ويتمنّى لكم رحلةً سعيدة)) 


فشهقوا جميعاً برعبٍ شديد ! وأسرع المضيفون الثلاثة ومعهم رجل الأمن ، محاولين فتح باب الكابينة المُقفل بإحكامٍ من الداخل ! وهم يصرخون بخوف :

- كابتن !! رجاءً أجبنا .. هل انت بخير ؟!!

المضيفة باكية : ماذا فعل بك ذلك المجنون ؟!!

ليسمعوا جواب سولانو من ميكروفون الطيّار :

- أعتذر منكم .. الكابتن ومساعده الوسيم ، غادرا عالمنا 


فصرخت المضيفتان ، وارتبك الركّاب بعد علمهم بمقتل طيّار الرحلة ومساعده .. ليكمل سولانو قائلاً :

- لا تقلقوا ، أنا خبير بالطيران .. وبما انكم الآن تحت رحمتي ، فعليكم الإلتزام بتعاليمي .. لكن بدايةً ، عليكم الإلتزام .. بالصمت!!!! 


قالها بنبرةٍ مرتفعة وحادّة للغاية ، جعلتهم يتجمّدون في مكانهم ! ليعود قائلاً:

- أحسنتم !! انا اراقبكم من كاميرا الكابينة .. واريدكم ان تلتزموا الهدوء لحين هبوطنا الى موقعنا الذي سنصل اليه بعد نصف ساعة من الآن

 

فقال رجل الأمن وهو ينظر لساعته : مازال امامنا ثلاث ساعات للوصول لبريطانيا ! 

فأجاب سولانو بالميكروفون :

- ومن قال انني ذاهبون الى هناك 

رجل الأمن بخوف : بعد نصف ساعة نكون مازلنا نُحلّق فوق البحر!

صوت سولانو : وهل يوجد شيء أجمل من البحر ؟ 

ليعلو بعدها صراخ الركّاب ، بعد علمهم بنيّة المجنون بإغراقهم جميعاً ! 


وركض الشباب باتجاه الكابينة ، محاولين كسر بابها بكل قوتهم بعد ان استبدّ فيهم اليأس !  

ليسمعو صوت سولانو يقول غاضباً : 

- يبدو أن الذوق لا ينفع معكم .. حسناً ، سأعلّمكم الأدب


وفجأة ! تمايلت الطائرة بقوّة ناحية اليمين .. ليسقط كل من لا يضع حزام الأمان ، ويُصاب برضوضٍ وجروح ، عدا عن فزعهم الشديد بما حصل!  


قبل أن يعدّل سولانو مسار الطائرة من جديد ، وهو يقول بحزم :

- هل عليّ إعادة كلامي مرتين ؟ الكلّ في مكانه !! وضعوا حزام الأمان ، الى أن نصل وجهتنا بعد قليل


فعادوا الى مقاعدهم وهم يبتهلون الى ربهم بأن تمرّ رحلتهم على خير .. لكن آمالهم تبدّدت بعد شعورهم بهبوط الطائرة فوق البحر! 

وتشاهدوا بصوتٍ مرتفع بعد يقينهم بقرب وفاتهم ! والمحزن أن اقاربهم لن يتمكّنوا حتى من دفنهم ! 


وفور هبوط سولانو بانحرافٍ شديد ، أغميّ على الجميع بسبب إختلال ضغط الهواء داخل الطائرة ! 

***


بعد وصول هيكل الطائرة المحطّمة الى اعماق البحر ! 

خرج سولانو من بابها الأماميّ ، وهو يسبح باتجاه قصرٍ زجاجيّ مُحاط بأسماك القرش ! 


وأكمل سباحته اسفل القبّة الزجاجيّة ، وصولاً لعرشٍ ذهبيّ .. ليسجّد اولاً .. ثم يرفع صوته بالسلام على ملك البحار : 

- مرحباً ، سيدي ابليس !! أتممّت مهمّتي الإنتحاريّة

ابليس : هل أغرقت رحلة رقم 666 ؟

سولانو : نعم سيدي ، وجثثهم مُحتجزة داخل حطام الطائرة .. وتتكفّل اسماك القرش بتحويلهم الآن الى هياكل عظميّة 

- جيد 


سولانو : هناك سؤالٌ يحيّرني ، سيدي .. هذه رابع رحلة أُغرقها بذات الطريقة ، وجميعها رحلات برقم ميلادك (666) .. فهل الرقم هو السبب؟! 

ابليس : لا يا غبي .. الماسون يحشرون العلماء والمثقفين والمبدعين العرب الذين لم يستطيعوا إغوائهم بالمال والشهرة داخل طائرةٍ قديمة بغرض التخلّص منهم 

- آه ! تقصد أن مسؤولي المطار يعرفون أن جميع ركّاب الرحلات  ذات الرقم 666 ذاهبون بلا عودة ؟ 

- بالتأكيد !!


سولانو باستغراب : ولما يقبل المفكّرون والمبدعون جمعهم في طائرةٍ واحدة ؟!

- لأننا نخدعهم بمؤتمراتٍ صحفيّة وهميّة وحفلات تسليم جوائزاً ادبيّة وعلميّة ، والتي بسببها تخلّصنا من صفّوة البشر ونخبة العلماء الذين يحلمون دائماً بمساعدة مجتمعاتهم باختراعاتهم وكتبهم النادرة ! فبنواياهم الحسنة يعرقلون خططي لتدمير البشريّة ، لهذا وجب التخلّص منهم


سولانو : وبالتأكيد اولئك المميزين لا يمكن تعويضهم بسهولة ؟

- بالضبط !! بعكس الفاسدين المتواجدين في كل عصرٍ وزمان 

- والى متى سنتابع إغراقهم ؟ 

ابليس : الى ان يتوقف الطيران بأمرٍ من الله ، حين تقوم الموجات المغناطيسية التي تطلقها العواصف الشمسية على تشويش إتصالات الخطوط الجويّة ، بالإضافة لتدميرها الأقمار الصناعيّة .. والى ذلك الحين ، سندفن علمائهم اولاً بأول .. فالجهلاء لا خوف منهم .. 

- اظن رحلات 666 هي فكرتك سيدي ؟ 

فأجاب ابليس بغرور : طبعاً !! .. أتدري ! حتى انا اتفاجأ احياناً من شدةّ دهائي ومكري 


ثم ضحك ضحكةً مجلّجلة ، تردّد صداها بأعماق محيطٍ مليءٍ بأسراره الخفيّة المرعبة ! 


هناك 9 تعليقات:

  1. اماتت المضيفات الثلاث ؟ حقا !
    ياللخسارة الفادحه ..بل والغامقه ايضا
    يعني اول مره اركب طاءره تقتلون المضيفات
    كلهم عن بكرة ابيهم !
    طيب يعني هلا استبقيتم واحده على الاقل ؟
    فمن سيقود الطاءره ناو ؟
    انا حزين جدا 😭😭😭😫😫😭😭😭😫😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭✈🚁🚞🚞🚞🍤🔬💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣
    ثم لم نعلم يعني من اين جاء هذا السولانو ؟
    وان كان هذا ليس بذي اهمية كبيرة بعد تلك الفعلة الشنعاء ...

    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا اخي عاصم .
      الله يسامحك همك الثلاث المضيفات ..راحو 66 من خيرة علماء العرب ومبدعين . اما المظيفات لاتقلق تموت واحده وتضهر بدالها الف واحده ..

      طالما همك الجنس الناعم فالدنيا خربانه خربانه واوظاع العرب ستضل للاسوأ حتا نغير من افكارنا.. ههههههههههههههههه

      اما سولانا هو من الشخصيات الجديده الذي اختارته اختنا امل .. فهو دموي موكل بقتل الفتيات وخاصة المضيفات. ههههههه
      تحياتي

      حذف
    2. ههههه يا اخي العلماء والمبدعين بالكوم يمكن تعويضهم
      او ربما هو تعلق نفسي وروحي في حالتي
      اذكر وانا طفل كنت في رحله لمدينة العريش ورفح والشيخ زويد على حدود فلسطين وكنا نركب اتوبيس السياحه الضخم ذا الخمس نجوم كان جديدا وقتها وكان به تكييف وهاتف وتلفاز وحمام ومطعم صغير ومضيفه حسناء ... بالطبع
      ومسندا انا راسي متناوما بعض الشيء مغمض عيناي واذ بتلك الهيفاء الناصعه تقف بجواري تخلل اصابعها في شعري وتقول لي
      قوم ياجميل خلاص وصلنا
      عزمت من يومها ان انا كبرت لاتزوجن مضيفة مضيءة كتلك هههههه ثم كبرنا وشبنا وعركتنا الخطوب والمحن ولم نعد نملك سوى بعض الذكريات من ايام البساطة والبركة والخير وقليلا من امل ربما لا نبلغه ولاتدركنا سوى المنايا دون نادب او ثاكل
      ولربما تاتي المنية بغتة ...فنساق من فرشا الى الاكفان

      حذف
    3. اخي عاصم
      اذا معك حق ..فتلك الهيفاء الناصعه ممشوقة القوام خلدت بداخلك ذكرى لن تنسى ...

      اما العلماء والمبدعين فلسنا بحاجتهم ولقد عوظنا الله بالعلماء الغربيين لكي يخترعو ويصنعو لنا زاد الله امثالهم لخدمتنا ..

      ان شاء الله في الايام القادمه حينما تصادف وجود مظيفه مع عاصم ههههه اقصد مع سولانا ،تقوم اختنا امل بجعل المظيفه تأسر قلب سولانا وتجعله يتحول من قاتل الى رومانسي ظريف يتخلى عن دمويته وقتله بسبب المظيفه

      يلا باااي عشان اختنا امل ماتنزعج من سوالفنا وتطردنا من المدونه

      حذف
  2. ها قد عادت نكهة الرعب من جديد ، سلمت أناملك أختي أمل على هذه القصة الجميلة

    ردحذف
  3. لافيكيا سنيورا

    ........................
    ........................


    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. لا تعليق هذه المرة ، يا ابن اليمن !

      حذف
    2. قرأت ما كتبت ، جميل ان يكون اقاربك من الشعراء ، هي موهبة عائلية على ما يبدو .. جرّب انت ايضاً الشعر ، لربما تفوّقت على موهبتهما .. لافيكيا سنيورا ، اخي ابن اليمن

      حذف
  4. احب و اعشق هذا النوع من القصص الي يظهر فيها ابليس ولو بسرد بسيط عنه. 🖤 استمري بابداعك.

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...