كتابة : امل شانوحة
في امسيةٍ هادئة على غير العادة ! ترجّت سلمى والدتها :
- هيا امي , دعيني أنام عند صديقتي .. ارجوكِ
امها بحزم : لا يا سلمى !! فالوضع الأمني لا يبشّر بخير
صديقة ابنتها اماني : هي ليلةٌ واحدة يا خالة , وسنعيدها في الصباح..
ام اماني : لا تقلقي يا ام سلمى , فالحمد الله توقفت جميع الأطراف المتحاربة عن اطلاق الصواريخ هذه الأيام
ام سلمى بقلق : أخاف ان يكون هذا الهدوء ما قبل العاصفة !
لكن بعد الحاحٍ شديد من البنتين , قبلت الأم اللبنانية مُرغمة بمبيت ابنتها سلمى (12عام) عند صديقتها اماني الفلسطينية والتي كانت تكبرها بسنة في مخيّم صبرا , وذلك مساء يوم 16 ايلول من عام 1982 .. ولم تكن الأم تعرف ان موافقتها هذه ستقلب حياة ابنتها رأساً على عقب
***
وفي داخل المخيّم الفلسطيني .. أمضت سلمى مع رفيقتها الليلة في لعب الدمى بعد ان تعشّت مع عائلة اماني المكوّنة من والديها واخوها الصغير (5 سنوات)..
وقبيل منتصف الليل ..جهزت الأم لهما فراش النوم .. وقد نامت اماني على الأرض بعد ان اصرّت ان تنام صديقتها سلمى فوق سريرها الصغير
وبعد ساعة من نوم الجميع .. بدأ يتناهى الى أسماع سلمى اصواتاً قادمة من بعيد أذهبت النوم من عينيها
وقد كانت في البداية اصواتاً لتحرّك دبّابتين يبدو وكأنهما تتجهان نحو المخيّم ! ثم تصاعدت اصوات طلقات المسدّسات البعيدة التي لم تُقلق سكّان المخيّم الذين تعوّدوا على سماع طلقات الرصاص وانفجارات الصواريخ و أزيز الطائرات الحربية في زمن الحرب الأهلية اللبنانية .. لكن المشكلة ان صوت الطلقات بدأ يقترب اكثر واكثر من الحيّ المتواجد فيه منزل أهل اماني , والأسوء ان هذه المرة صاحبتها صرخات النساء والأطفال , مما ايقظ والدة اماني التي اسرعت نحو غرفة البنات وايقظتهما بفزع :
- اماني , سلمى .. استيقظا بسرعة !! علينا الهرب فوراً من المنزل
اماني تستيقظ بخوف : ماذا يحصل يا امي ؟ ولما كل هذا الصراخ في الخارج ؟!
و هنا قدِمَ والدها وهو يحمل ابنه الصغير الذي كان يبكي برعب , قائلاً لهم :
- هيا اسرعوا والبسوا احذيتكم !! يبدو ان الملاعيين يقومون بمجّزرة في الخارج !
وفجأة !! سمعوا طرقاً على باب الدار , وكأن جندياً يركله برجله بقوة محاولاً كسره ..وتجمّد الجميع من أثر الخوف , ما عدا سلمى التي اسرعت واختبأت تحت السرير .. ومن هناك , شاهدت كل ما حصل لعائلة اماني
حيث اقتحم البيت جنديين , عرفت سلمى ذلك من أحذيتهما العسكرية ..
وعلى الفور !! اطلق احدهما النار على رأس الأب ليرديه قتيلاً ويسقط من يده ابنه الصغير التي اسرعت الأم وحملته وهي تبكي منهارة وتتوسّل اليهما كي لا يقتلوا الأولاد .. لكن الرصاصة الثانية كانت برأس ابنها ليموت في احضانها وتنهار الأم على ركبتيها من شدّة الفزع .. فيقول احد الجندين للآخر :
- ما رأيك يا صديقي ؟ هل نعتدي على الصبيّة الصغيرة امامها , ام نقتل الأم اولاً ؟
فصرخت الأم وهي تحتضن اماني التي كانت ترتجف برعب :
- لا رجاءً !! افعلا بي ما تريدون , لكن اتركا ابنتي الصغيرة تذهب في حال سبيلها
فردّ عليها احد الجنديين بسخرية : وماذا نفعل بعجوزٍ مثلك ؟ الصبيّة تعجبنا اكثر
ثم اطلق رصاصة استقرتّ في بطن الأم , فصارت تتلوّى على الأرض من شدّة الألم , واماني بجانبها تحاول الضغط على جرح امها وهي منهارة بالبكاء
فقال الجندي الآخر لصديقه معاتباً : يا اخي كم مرّة عليّ تنبيهك بأن تقتلهم من اول رصاصة , فنحن لا نريد اضاعة مخزوننا من الأسلحة بالتساهل معهم , فهناك الكثير من الجرذان المختبئة في هذا المخيّم ..
ثم رفع سلاحه واطلق النار على رأس الأم لتموت على الفور .. ثم قال لصديقه :
- اسمع !! انا ذاهبٌ الى البيت المجاور , وانت تسلّى قليلاً مع البنت ثم اقتلها , فنحن لا نريد ترك شهودٍ وراءنا .. أفهمت ؟
فأجابه الآخر بابتسامة الذئب البشري وهو ينظر الى اماني الخائفة
- نعم فهمت .. هيا اذهب واغلق الباب خلفك , ودعني استمتع بهذه الضحيّة
وبعد ان ذهب صديقه .. قال الجندي لأماني :
- هيا تعالي اليّ , ولا تتعبيني يا فتاة
لكن اماني حاولت الهرب من النافذة , فتبعها وشدّها من شعرها ورماها على الأرض , لتسقط بقوة على رأسها مما شلّ حركتها
اما سلمى (التي كانت تنهج بخوف تحت السرير) فقد كانت الشاهدة الوحيدة على ما فعله اللعين بصديقتها اماني التي كانت تنظر لسلمى بهدوءٍ مرعب بعد ان تلاقت اعينهما ببعض .. لكن البطلة الصغيرة فضّلت ان تتعذّب لوحدها على ان تفضح مخبأ صديقتها (اسفل السرير) ..
وقد لاحقت عينا سلمى دموع اماني المقهورة و المتألّمة وهي تنزل ببطء على خدّيها بعد ان استسلمت لمصيرها المشؤوم ..
وقبل ان تعي سلمى كل ما يحصل امام ناظريها , اذّ برأس صديقتها ينفجر برصاصة اخترقته بعد ان انهى الجندي عمله معها..
ثم خرج من البيت , تاركاً سلمى في غرفةٍ غارقة بدماء اربعة جثث لأعزّ الناس الى قلبها
***
في الجهة المقابلة.. سمع والديّ سلمى الخبر من احد الهاربين من المجّزرة , حين دخل كالمجنون على ملجأٍ لعمارةٍ لبنانية وهو يضع يده على عينه المفقوءة , قائلاً بفزع :
- ارجوكم , الحقوا بنا !! فهناك مجزّرتين تقام الآن ضدّ الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا .. وانا بالكاد هربت منهم
وكم كان وقع الخبر صادماً على والديّ سلمى .. حيث اسرع ابوها نحو المكان , لكن الحاجز الأمني رفض دخول او خروج ايّ شخص للمخيّم غير مباليين بأصوات الصراخ و الإستغاثات المرعبة القادمة من الداخل , المترافقة مع طلقات الإبادة الصادرة من المسدّسات و الرشّاشات الآليّة
الأب وهو يتوسّل للجندي بفزع : ارجوك , ابنتي بالداخل .. انظر الى هويتي ..انا لبناني .. دعني اخرجها من هناك
الجندي بلؤم : يمكننا ان نسمح لك بالدخول , لكني لا اضمن لك بأن تخرج من هناك حيّاً
فقال الجندي الآخر له باستهزاء : اصلاً انت تأخّرت كثيراً , فالجميع بالداخل هم الآن برسم الموت .. لكن لا تقلق , فنحن بالأساس قرّرنا ان نبيدكم منطقة تلوّ اخرى .. يعني ماهي الاّ ايام ويأتي دورك لتلحق بإبنتك المرحومة
ويضحكان الجنديان على الوالد بإستهزاء
***
فعاد الأب منهاراً الى الملجأ ليخبر الجميع بأن سكّان المخيّم يبادون عن بكرة ابيهم , فعمّ الخوف والحزن أرجاء الملجأ المعتم الاّ من بعض الأنوار الخافتة للشمع المتناثر هنا وهناك .. بينما ارتفع صوت المذياع الذي كان ينقل الأخبار حول المجزّرة ضمن نشراتٍ متتابعة , اما النسوة والعجائز فكانت ألسنتهم تلهج بالدعاء خوفاً من ان يأتي الدور على منطقتهم في الأيام القادمة
***
وبعد ثلاثة ايام .. انتهت مجزّرة صبرا وشاتيلا بعد ان خلّفت ورائها آلاف القتلى مجهولي الهوية بعد ان اختفت معالمهم بسبب تحلّل الجثث بفعل حرارة الصيف ... وبعد فكّ الحاجز الأمني ورحيلهم عن المكان , بدأت الصحافة والإسعاف بالدخول اولاً الى المنطقة المحظورة لتصوير وإزالة الجثث و اشلائهم المبعثرة في كل مكان !
اما اول الواصلين من المواطنين اللبنانيين الى المخيّم فكان والد سلمى الذي اقنع امها بصعوبة بانتظاره في المشفى لحين إحضاره جثة ابنته بعد ان يأسا من بقائها على قيد الحياة في ظلّ الظروف الوحشية التي شهدها المخيّم
وقد وصل اخيراً الى منزل اهل اماني بعد ان مشى بين مئات الجثث المتحلّلة على جنبات الطريق .. وعندما دخل الى الغرفة الداخلية , وجد الجثث الأربعة قد تعفّنت بالكامل , وتحوّلت دمائهم اللزجة الى اللون الأسود ..فأغلق انفه بقوة وصار يبحث هنا وهناك عن جثة ابنته .. وعندما لم يجدها في البيت , صار يصرخ بخوف:
- سلمى اين انت ؟!! سلمى !!
وهنا سمع بكاءً مكبوتاً صادراً من اسفل السرير .. لكنه ما ان أخفض رأسه ليرى من هناك .. حتى صرخت ابنته بكل ما تبقّى لها من قوّة (لظنّها بأنه أحد القتلى) ثم اغميّ عليها من شدّة الخوف..
فأسرع هو وحمل جسدها الذي هزل كثيراً خلال الأيام الثلاثة الماضية , اما وجهها فكان خالياً تماماً من ايّ لون وكأنها تحوّلت الى شبح ! بينما اصطبغت غرّة شعرها باللون الأبيض ..
وانطلق بها الى خارج المنزل وهو يربت على ظهرها مهدّئاً , ويحمد الله على انها بخير.. لكن قبل خروجه بها من المخيّم متوجهاً الى المستشفى , توقف قليلاً لكيّ تعبر الشاحنة الأولى المحمّلة بالجثث .. بينما تابعت سلمى بنظرها من فوق كتف والدها (بعد ان استيقظت) رفرفة الغطاء الأزرق البلاستيكي الذي كان يتطاير بالهواء فوق الجثث المتفحّمة , لكن شيئاً كرويٌ ابيض صغير سقط من شاحنة , فظنّته سلمى بأنه رأس دمية , خاصة بعد ان تلاقت اعينها بعينيه الزرقاوتين الصغيرتين , قبل ان تأتي عجلة الشاحنة الثانية وتسحقه ليخرج منه شيئاً ابيضاً , فاستوعبت حينها بأنه كان رأس طفلٍ رضيع قُطع حديثاً , فأغميّ عليها مجدّداً !
***
لكنها استيقظت في المشفى على صوت امها وهي تتجادل مع والدها خارج الغرفة :
الأم وهي تبكي منهارة : لا !! لن اسمح لأحد ان يلمس ابنتي
الوالد بضيق : لكني اريد ان اعرف اذا كانوا الملاعيين اعتدوا عليها ام لا , فجثة اماني كانت عارية امامها .. إفهمي يا امرأة !!
الأم بإصرار : لا !! لن اجعلها تخوض تجربة هذا الكشف الطبي .. على جثتي !! الا يكفي ما مرّت به يا رجل ؟!!
فقالت الطبيبة محاولة تهدئة الوضع : انا عندي رأيٌّ افضل .. سأقوم بتخدير البنت ثم أقوم بفحصها , مارأيكما بهذا الحلّ ؟
فرضيّ الوالدان بذلك .. ولم تعرف سلمى حينها سبب خوف والدتها او قلق والدها .. لكنها استيقظت بعد ساعة بين ذراعيّ والدها وهو يحضنها بقوة ويبكي قائلاً :
- الحمد الله انك بخير يا حبيبتي
فقالت سلمى في نفسها بحزن : لا لست بخير يا ابي .. لست بخير ابداً
***
ومرّ شهرٌ كامل .. لم تنطق فيه سلمى بكلمةٍ واحدة ! مما أخاف والديها خاصة بعد ان اخبرهم الطبيب المعالج : ان هناك احتمال كبير بأنها فقدت القدرة على النطق بعد مرورها بتلك التجربة القاسية
وقد رضخ الأب للأمر , لكن الأم رفضت الإعتراف بإعاقة ابنتها وحاولت علاجها كل يوم , حتى بعد مغادرة سلمى وعائلتها البلد بناءً على نصيحة الطبيب , لأن اجواء الحرب كانت تزيد حالتها سوءاً
***
ومازالت سلمى تذكر اليوم الأول لها في الغربة .. حيث لم تستوعب هذا القدر من الهدوء ! فهي لم تعشّ يوماً طيلة سنواتها الأثني عشر دون اصوات الحرب الدائرة في الخارج .. ولهذا لم تستطع النوم الاّ بعد ان وضعت ساعة المنبّه تحت اذنها , لتتمكّن من سماع ايّ ضجيج يجعلها تنام!
***
ومرّت سنة كاملة وسلمى مازالت على حالها .. ودخل اخوتها الصغار المدارس لكنها لم تفلح ابداً في الإمتحانات الشفوية لأيّ مدرسة ..
وفي يومٍ ما .. استيقظت من النوم صباحاً على صراخ والدها وهو يحاول اقناع زوجته بوضع سلمى في مدرسة مخصّصة للصمّ والبكم .. لكن الأم رفضت ذلك بقوة , قائلةً بعناد :
- ابنتي سليمة , وستتعلّم في مدارس عادية كباقي اخوتها
الأب صارخاً (دون ان يلاحظ ابنته التي كانت تقف خلفه) :
- عليك ان تستوعبي بأن ابنتك اصبحت معاقة !!
فانصدمت سلمى من هذه الكلمة التي كانت تُقال كشتيمة بين اطفال جيل الحرب .. فقالت لوالدها بصوتٍ ضعيف :
- لكني لست معاقة يا ابي !
والى اليوم لا تنسى سلمى كيف هجم عليها والداها , يقبّلانها ويبكيان بعد ان اشتاقا كثيراً لسماع صوتها الحنون
***
ومع الأيام .. تحسّنت حالة سلمى كثيراً .. خاصة بعد ان اتفق الوالدان مع اخوتها بأن يقولوا لها : بأن المجّزرة لم تحصل بالواقع بل كانت كابوساً شاهدته وهي نائمة في الملجأ .. وبأن صديقتها اماني مازالت بخير , وبأنها ستراها فور عودتها الى لبنان ..والغريب ان سلمى صدّقت كذبتهم !
***
وبعد ان انهت دراستها الثانوية , عادت سلمى الى لبنان لتُكمل جامعتها بعد ان اخبرتها امها بأن اماني وعائلتها هاجروا جميعاً الى استراليا وانقطعت اخبارهم
فتناست سلمى امرهم .. ومرّت سنوات الجامعة بخيرٍ وسلامة ..
الى ان جاء اليوم التي عادت فيه فرحة الى منزل اهلها بعد حفلة تخرّجها
..لكن النوم جافاها تلك الليلة , فأرادت مشاهدة التلفاز .. وبالصدفة كان يُعاد عرض برنامج (حرب لبنان) على قناة الجزيرة , وكانت الحلقة تتكلّم عن : مجّزرة صبرا وشاتيلا ..
وحينها شاهدت سلمى مقطعاً مصوّراً للشاحنتين اللتين كانتا ملىءَ بالجثث المغطاة بالبلاستيك الأزرق .. وظهر في ذلك المقطع والدها (عندما كان شاباً) وهو يحملها على كتفه ..
وعلى الفور ! عاد شريط حياتها الى الوراء وتذكّرت سلمى كل الأحداث المؤلمة التي اُلغيت من ذاكرتها , مع انها كانت تراها ككوابيس من وقتٍ لآخر ..
حتى انها تذكرت رائحة جثث عائلة اماني وهي تتحلّل امام ناظريها .. وفهمت ايضاً لما كانت النسوة في الملجأ يمانعنّ جلوسها مع بناتهنّ (بعد عودتها من تلك المجّزرة) ربما لخوفهنّ من ان تُخبر الصغار بما اُرتكب من عنفٍ هناك , وتحديداً بما حصل لأماني ..لكنهم جميعاً لا يعرفون بأن عقلها قام بإلغاء تلك المشاهد الفاضحة من ذاكرتها حتى هذا اليوم ..
فانهارت سلمى في بكاءٍ مرير , مما ارعب والدتها التي دخلت الى غرفتها وقامت بإطفاء التلفاز , لاعنةً الفيلم الوثائقي الذي نكأ بجرح ابنتها مجدّداً
وبصعوبة بالغة استطاعت الأم تهدأتها .. فمسحت سلمى دموعها قائلة بحزن :
- اتذكّر ان ابي قال لي ذلك اليوم وهو يحملني من تحت السرير : الحمد الله انك بخير .. لكنه لا يعرف بأنه حمل جثة ابنته بعد ان قتل الملاعيين براءتي وروحي يا امي ..
امها وهي تحضنها بشفقة : حبيبتي , حاولي ان تنسي تلك الأحداث .. فأنت والحمد الله تعدّيت المرحلة الصعبة من حياتك
- كيف تعدّيتها يا امي ؟ وقد صار لديّ فوبيا من الزواج , ورفضت حتى اليوم عشرات العرسان بلا سببٍ مقنع , سوى ان ذلك الجندي الذي اعتدى على اماني جعلني اكره كل الرجال , و انا متأكدة بأنني سأبقى اكرههم الى آخر يومٍ في عمري
- لكن هذا لا يجوز يا ابنتي , فأنا ووالدك واخوتك نتمنى ان نرى اولادك يوماً ما
فأجابتها بحزن : ابنتك ماتت مع اماني ذلك اليوم يا امي , وعليكِ ان ترضي بذلك .. لكني اعدك بأن احاول ارضائكِ بنجاحي بالعلم والعمل ولا شيء آخر .. (وبنبرةٍ حازمة) .. اما الزواج فهو مُلغى تماماً من حياتي , وهذا قراري النهائي !!
وخرجت سلمى من غرفتها باكية , تاركةً امها تشعر بالمرارة و القهر على الحالة التي وصلت اليها ابنتها بعد ان شهدت فظاعة تلك المجّزرة التي ستبقى دائماً وصمة عار في تاريخ لبنان !
ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية حصلت مع أحد شهود العيان الذي كان من القلائل الذين نجوا من مجّزرة صبرا وشاتيلا ..
وبنهاية القصّة نقول : رحم الله جميع الشهداء الذين سقطوا على الأرض اللبنانية في زمن الحروب الغادرة
وكما نقول نحن اللبنانيون عن تلك الأيام السوداء : (تنذكر ما تنعاد)
اتمنى ان لا يراني ويقتلني !
في امسيةٍ هادئة على غير العادة ! ترجّت سلمى والدتها :
- هيا امي , دعيني أنام عند صديقتي .. ارجوكِ
امها بحزم : لا يا سلمى !! فالوضع الأمني لا يبشّر بخير
صديقة ابنتها اماني : هي ليلةٌ واحدة يا خالة , وسنعيدها في الصباح..
ام اماني : لا تقلقي يا ام سلمى , فالحمد الله توقفت جميع الأطراف المتحاربة عن اطلاق الصواريخ هذه الأيام
ام سلمى بقلق : أخاف ان يكون هذا الهدوء ما قبل العاصفة !
لكن بعد الحاحٍ شديد من البنتين , قبلت الأم اللبنانية مُرغمة بمبيت ابنتها سلمى (12عام) عند صديقتها اماني الفلسطينية والتي كانت تكبرها بسنة في مخيّم صبرا , وذلك مساء يوم 16 ايلول من عام 1982 .. ولم تكن الأم تعرف ان موافقتها هذه ستقلب حياة ابنتها رأساً على عقب
***
وفي داخل المخيّم الفلسطيني .. أمضت سلمى مع رفيقتها الليلة في لعب الدمى بعد ان تعشّت مع عائلة اماني المكوّنة من والديها واخوها الصغير (5 سنوات)..
وقبيل منتصف الليل ..جهزت الأم لهما فراش النوم .. وقد نامت اماني على الأرض بعد ان اصرّت ان تنام صديقتها سلمى فوق سريرها الصغير
وبعد ساعة من نوم الجميع .. بدأ يتناهى الى أسماع سلمى اصواتاً قادمة من بعيد أذهبت النوم من عينيها
وقد كانت في البداية اصواتاً لتحرّك دبّابتين يبدو وكأنهما تتجهان نحو المخيّم ! ثم تصاعدت اصوات طلقات المسدّسات البعيدة التي لم تُقلق سكّان المخيّم الذين تعوّدوا على سماع طلقات الرصاص وانفجارات الصواريخ و أزيز الطائرات الحربية في زمن الحرب الأهلية اللبنانية .. لكن المشكلة ان صوت الطلقات بدأ يقترب اكثر واكثر من الحيّ المتواجد فيه منزل أهل اماني , والأسوء ان هذه المرة صاحبتها صرخات النساء والأطفال , مما ايقظ والدة اماني التي اسرعت نحو غرفة البنات وايقظتهما بفزع :
- اماني , سلمى .. استيقظا بسرعة !! علينا الهرب فوراً من المنزل
اماني تستيقظ بخوف : ماذا يحصل يا امي ؟ ولما كل هذا الصراخ في الخارج ؟!
و هنا قدِمَ والدها وهو يحمل ابنه الصغير الذي كان يبكي برعب , قائلاً لهم :
- هيا اسرعوا والبسوا احذيتكم !! يبدو ان الملاعيين يقومون بمجّزرة في الخارج !
وفجأة !! سمعوا طرقاً على باب الدار , وكأن جندياً يركله برجله بقوة محاولاً كسره ..وتجمّد الجميع من أثر الخوف , ما عدا سلمى التي اسرعت واختبأت تحت السرير .. ومن هناك , شاهدت كل ما حصل لعائلة اماني
حيث اقتحم البيت جنديين , عرفت سلمى ذلك من أحذيتهما العسكرية ..
وعلى الفور !! اطلق احدهما النار على رأس الأب ليرديه قتيلاً ويسقط من يده ابنه الصغير التي اسرعت الأم وحملته وهي تبكي منهارة وتتوسّل اليهما كي لا يقتلوا الأولاد .. لكن الرصاصة الثانية كانت برأس ابنها ليموت في احضانها وتنهار الأم على ركبتيها من شدّة الفزع .. فيقول احد الجندين للآخر :
- ما رأيك يا صديقي ؟ هل نعتدي على الصبيّة الصغيرة امامها , ام نقتل الأم اولاً ؟
فصرخت الأم وهي تحتضن اماني التي كانت ترتجف برعب :
- لا رجاءً !! افعلا بي ما تريدون , لكن اتركا ابنتي الصغيرة تذهب في حال سبيلها
فردّ عليها احد الجنديين بسخرية : وماذا نفعل بعجوزٍ مثلك ؟ الصبيّة تعجبنا اكثر
ثم اطلق رصاصة استقرتّ في بطن الأم , فصارت تتلوّى على الأرض من شدّة الألم , واماني بجانبها تحاول الضغط على جرح امها وهي منهارة بالبكاء
فقال الجندي الآخر لصديقه معاتباً : يا اخي كم مرّة عليّ تنبيهك بأن تقتلهم من اول رصاصة , فنحن لا نريد اضاعة مخزوننا من الأسلحة بالتساهل معهم , فهناك الكثير من الجرذان المختبئة في هذا المخيّم ..
ثم رفع سلاحه واطلق النار على رأس الأم لتموت على الفور .. ثم قال لصديقه :
- اسمع !! انا ذاهبٌ الى البيت المجاور , وانت تسلّى قليلاً مع البنت ثم اقتلها , فنحن لا نريد ترك شهودٍ وراءنا .. أفهمت ؟
فأجابه الآخر بابتسامة الذئب البشري وهو ينظر الى اماني الخائفة
- نعم فهمت .. هيا اذهب واغلق الباب خلفك , ودعني استمتع بهذه الضحيّة
وبعد ان ذهب صديقه .. قال الجندي لأماني :
- هيا تعالي اليّ , ولا تتعبيني يا فتاة
لكن اماني حاولت الهرب من النافذة , فتبعها وشدّها من شعرها ورماها على الأرض , لتسقط بقوة على رأسها مما شلّ حركتها
اما سلمى (التي كانت تنهج بخوف تحت السرير) فقد كانت الشاهدة الوحيدة على ما فعله اللعين بصديقتها اماني التي كانت تنظر لسلمى بهدوءٍ مرعب بعد ان تلاقت اعينهما ببعض .. لكن البطلة الصغيرة فضّلت ان تتعذّب لوحدها على ان تفضح مخبأ صديقتها (اسفل السرير) ..
وقد لاحقت عينا سلمى دموع اماني المقهورة و المتألّمة وهي تنزل ببطء على خدّيها بعد ان استسلمت لمصيرها المشؤوم ..
وقبل ان تعي سلمى كل ما يحصل امام ناظريها , اذّ برأس صديقتها ينفجر برصاصة اخترقته بعد ان انهى الجندي عمله معها..
ثم خرج من البيت , تاركاً سلمى في غرفةٍ غارقة بدماء اربعة جثث لأعزّ الناس الى قلبها
***
في الجهة المقابلة.. سمع والديّ سلمى الخبر من احد الهاربين من المجّزرة , حين دخل كالمجنون على ملجأٍ لعمارةٍ لبنانية وهو يضع يده على عينه المفقوءة , قائلاً بفزع :
- ارجوكم , الحقوا بنا !! فهناك مجزّرتين تقام الآن ضدّ الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا .. وانا بالكاد هربت منهم
وكم كان وقع الخبر صادماً على والديّ سلمى .. حيث اسرع ابوها نحو المكان , لكن الحاجز الأمني رفض دخول او خروج ايّ شخص للمخيّم غير مباليين بأصوات الصراخ و الإستغاثات المرعبة القادمة من الداخل , المترافقة مع طلقات الإبادة الصادرة من المسدّسات و الرشّاشات الآليّة
الأب وهو يتوسّل للجندي بفزع : ارجوك , ابنتي بالداخل .. انظر الى هويتي ..انا لبناني .. دعني اخرجها من هناك
الجندي بلؤم : يمكننا ان نسمح لك بالدخول , لكني لا اضمن لك بأن تخرج من هناك حيّاً
فقال الجندي الآخر له باستهزاء : اصلاً انت تأخّرت كثيراً , فالجميع بالداخل هم الآن برسم الموت .. لكن لا تقلق , فنحن بالأساس قرّرنا ان نبيدكم منطقة تلوّ اخرى .. يعني ماهي الاّ ايام ويأتي دورك لتلحق بإبنتك المرحومة
ويضحكان الجنديان على الوالد بإستهزاء
***
فعاد الأب منهاراً الى الملجأ ليخبر الجميع بأن سكّان المخيّم يبادون عن بكرة ابيهم , فعمّ الخوف والحزن أرجاء الملجأ المعتم الاّ من بعض الأنوار الخافتة للشمع المتناثر هنا وهناك .. بينما ارتفع صوت المذياع الذي كان ينقل الأخبار حول المجزّرة ضمن نشراتٍ متتابعة , اما النسوة والعجائز فكانت ألسنتهم تلهج بالدعاء خوفاً من ان يأتي الدور على منطقتهم في الأيام القادمة
***
وبعد ثلاثة ايام .. انتهت مجزّرة صبرا وشاتيلا بعد ان خلّفت ورائها آلاف القتلى مجهولي الهوية بعد ان اختفت معالمهم بسبب تحلّل الجثث بفعل حرارة الصيف ... وبعد فكّ الحاجز الأمني ورحيلهم عن المكان , بدأت الصحافة والإسعاف بالدخول اولاً الى المنطقة المحظورة لتصوير وإزالة الجثث و اشلائهم المبعثرة في كل مكان !
اما اول الواصلين من المواطنين اللبنانيين الى المخيّم فكان والد سلمى الذي اقنع امها بصعوبة بانتظاره في المشفى لحين إحضاره جثة ابنته بعد ان يأسا من بقائها على قيد الحياة في ظلّ الظروف الوحشية التي شهدها المخيّم
وقد وصل اخيراً الى منزل اهل اماني بعد ان مشى بين مئات الجثث المتحلّلة على جنبات الطريق .. وعندما دخل الى الغرفة الداخلية , وجد الجثث الأربعة قد تعفّنت بالكامل , وتحوّلت دمائهم اللزجة الى اللون الأسود ..فأغلق انفه بقوة وصار يبحث هنا وهناك عن جثة ابنته .. وعندما لم يجدها في البيت , صار يصرخ بخوف:
- سلمى اين انت ؟!! سلمى !!
وهنا سمع بكاءً مكبوتاً صادراً من اسفل السرير .. لكنه ما ان أخفض رأسه ليرى من هناك .. حتى صرخت ابنته بكل ما تبقّى لها من قوّة (لظنّها بأنه أحد القتلى) ثم اغميّ عليها من شدّة الخوف..
فأسرع هو وحمل جسدها الذي هزل كثيراً خلال الأيام الثلاثة الماضية , اما وجهها فكان خالياً تماماً من ايّ لون وكأنها تحوّلت الى شبح ! بينما اصطبغت غرّة شعرها باللون الأبيض ..
وانطلق بها الى خارج المنزل وهو يربت على ظهرها مهدّئاً , ويحمد الله على انها بخير.. لكن قبل خروجه بها من المخيّم متوجهاً الى المستشفى , توقف قليلاً لكيّ تعبر الشاحنة الأولى المحمّلة بالجثث .. بينما تابعت سلمى بنظرها من فوق كتف والدها (بعد ان استيقظت) رفرفة الغطاء الأزرق البلاستيكي الذي كان يتطاير بالهواء فوق الجثث المتفحّمة , لكن شيئاً كرويٌ ابيض صغير سقط من شاحنة , فظنّته سلمى بأنه رأس دمية , خاصة بعد ان تلاقت اعينها بعينيه الزرقاوتين الصغيرتين , قبل ان تأتي عجلة الشاحنة الثانية وتسحقه ليخرج منه شيئاً ابيضاً , فاستوعبت حينها بأنه كان رأس طفلٍ رضيع قُطع حديثاً , فأغميّ عليها مجدّداً !
***
لكنها استيقظت في المشفى على صوت امها وهي تتجادل مع والدها خارج الغرفة :
الأم وهي تبكي منهارة : لا !! لن اسمح لأحد ان يلمس ابنتي
الوالد بضيق : لكني اريد ان اعرف اذا كانوا الملاعيين اعتدوا عليها ام لا , فجثة اماني كانت عارية امامها .. إفهمي يا امرأة !!
الأم بإصرار : لا !! لن اجعلها تخوض تجربة هذا الكشف الطبي .. على جثتي !! الا يكفي ما مرّت به يا رجل ؟!!
فقالت الطبيبة محاولة تهدئة الوضع : انا عندي رأيٌّ افضل .. سأقوم بتخدير البنت ثم أقوم بفحصها , مارأيكما بهذا الحلّ ؟
فرضيّ الوالدان بذلك .. ولم تعرف سلمى حينها سبب خوف والدتها او قلق والدها .. لكنها استيقظت بعد ساعة بين ذراعيّ والدها وهو يحضنها بقوة ويبكي قائلاً :
- الحمد الله انك بخير يا حبيبتي
فقالت سلمى في نفسها بحزن : لا لست بخير يا ابي .. لست بخير ابداً
***
ومرّ شهرٌ كامل .. لم تنطق فيه سلمى بكلمةٍ واحدة ! مما أخاف والديها خاصة بعد ان اخبرهم الطبيب المعالج : ان هناك احتمال كبير بأنها فقدت القدرة على النطق بعد مرورها بتلك التجربة القاسية
وقد رضخ الأب للأمر , لكن الأم رفضت الإعتراف بإعاقة ابنتها وحاولت علاجها كل يوم , حتى بعد مغادرة سلمى وعائلتها البلد بناءً على نصيحة الطبيب , لأن اجواء الحرب كانت تزيد حالتها سوءاً
***
ومازالت سلمى تذكر اليوم الأول لها في الغربة .. حيث لم تستوعب هذا القدر من الهدوء ! فهي لم تعشّ يوماً طيلة سنواتها الأثني عشر دون اصوات الحرب الدائرة في الخارج .. ولهذا لم تستطع النوم الاّ بعد ان وضعت ساعة المنبّه تحت اذنها , لتتمكّن من سماع ايّ ضجيج يجعلها تنام!
***
ومرّت سنة كاملة وسلمى مازالت على حالها .. ودخل اخوتها الصغار المدارس لكنها لم تفلح ابداً في الإمتحانات الشفوية لأيّ مدرسة ..
وفي يومٍ ما .. استيقظت من النوم صباحاً على صراخ والدها وهو يحاول اقناع زوجته بوضع سلمى في مدرسة مخصّصة للصمّ والبكم .. لكن الأم رفضت ذلك بقوة , قائلةً بعناد :
- ابنتي سليمة , وستتعلّم في مدارس عادية كباقي اخوتها
الأب صارخاً (دون ان يلاحظ ابنته التي كانت تقف خلفه) :
- عليك ان تستوعبي بأن ابنتك اصبحت معاقة !!
فانصدمت سلمى من هذه الكلمة التي كانت تُقال كشتيمة بين اطفال جيل الحرب .. فقالت لوالدها بصوتٍ ضعيف :
- لكني لست معاقة يا ابي !
والى اليوم لا تنسى سلمى كيف هجم عليها والداها , يقبّلانها ويبكيان بعد ان اشتاقا كثيراً لسماع صوتها الحنون
***
ومع الأيام .. تحسّنت حالة سلمى كثيراً .. خاصة بعد ان اتفق الوالدان مع اخوتها بأن يقولوا لها : بأن المجّزرة لم تحصل بالواقع بل كانت كابوساً شاهدته وهي نائمة في الملجأ .. وبأن صديقتها اماني مازالت بخير , وبأنها ستراها فور عودتها الى لبنان ..والغريب ان سلمى صدّقت كذبتهم !
***
وبعد ان انهت دراستها الثانوية , عادت سلمى الى لبنان لتُكمل جامعتها بعد ان اخبرتها امها بأن اماني وعائلتها هاجروا جميعاً الى استراليا وانقطعت اخبارهم
فتناست سلمى امرهم .. ومرّت سنوات الجامعة بخيرٍ وسلامة ..
الى ان جاء اليوم التي عادت فيه فرحة الى منزل اهلها بعد حفلة تخرّجها
..لكن النوم جافاها تلك الليلة , فأرادت مشاهدة التلفاز .. وبالصدفة كان يُعاد عرض برنامج (حرب لبنان) على قناة الجزيرة , وكانت الحلقة تتكلّم عن : مجّزرة صبرا وشاتيلا ..
وحينها شاهدت سلمى مقطعاً مصوّراً للشاحنتين اللتين كانتا ملىءَ بالجثث المغطاة بالبلاستيك الأزرق .. وظهر في ذلك المقطع والدها (عندما كان شاباً) وهو يحملها على كتفه ..
وعلى الفور ! عاد شريط حياتها الى الوراء وتذكّرت سلمى كل الأحداث المؤلمة التي اُلغيت من ذاكرتها , مع انها كانت تراها ككوابيس من وقتٍ لآخر ..
حتى انها تذكرت رائحة جثث عائلة اماني وهي تتحلّل امام ناظريها .. وفهمت ايضاً لما كانت النسوة في الملجأ يمانعنّ جلوسها مع بناتهنّ (بعد عودتها من تلك المجّزرة) ربما لخوفهنّ من ان تُخبر الصغار بما اُرتكب من عنفٍ هناك , وتحديداً بما حصل لأماني ..لكنهم جميعاً لا يعرفون بأن عقلها قام بإلغاء تلك المشاهد الفاضحة من ذاكرتها حتى هذا اليوم ..
فانهارت سلمى في بكاءٍ مرير , مما ارعب والدتها التي دخلت الى غرفتها وقامت بإطفاء التلفاز , لاعنةً الفيلم الوثائقي الذي نكأ بجرح ابنتها مجدّداً
وبصعوبة بالغة استطاعت الأم تهدأتها .. فمسحت سلمى دموعها قائلة بحزن :
- اتذكّر ان ابي قال لي ذلك اليوم وهو يحملني من تحت السرير : الحمد الله انك بخير .. لكنه لا يعرف بأنه حمل جثة ابنته بعد ان قتل الملاعيين براءتي وروحي يا امي ..
امها وهي تحضنها بشفقة : حبيبتي , حاولي ان تنسي تلك الأحداث .. فأنت والحمد الله تعدّيت المرحلة الصعبة من حياتك
- كيف تعدّيتها يا امي ؟ وقد صار لديّ فوبيا من الزواج , ورفضت حتى اليوم عشرات العرسان بلا سببٍ مقنع , سوى ان ذلك الجندي الذي اعتدى على اماني جعلني اكره كل الرجال , و انا متأكدة بأنني سأبقى اكرههم الى آخر يومٍ في عمري
- لكن هذا لا يجوز يا ابنتي , فأنا ووالدك واخوتك نتمنى ان نرى اولادك يوماً ما
فأجابتها بحزن : ابنتك ماتت مع اماني ذلك اليوم يا امي , وعليكِ ان ترضي بذلك .. لكني اعدك بأن احاول ارضائكِ بنجاحي بالعلم والعمل ولا شيء آخر .. (وبنبرةٍ حازمة) .. اما الزواج فهو مُلغى تماماً من حياتي , وهذا قراري النهائي !!
وخرجت سلمى من غرفتها باكية , تاركةً امها تشعر بالمرارة و القهر على الحالة التي وصلت اليها ابنتها بعد ان شهدت فظاعة تلك المجّزرة التي ستبقى دائماً وصمة عار في تاريخ لبنان !
ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية حصلت مع أحد شهود العيان الذي كان من القلائل الذين نجوا من مجّزرة صبرا وشاتيلا ..
وبنهاية القصّة نقول : رحم الله جميع الشهداء الذين سقطوا على الأرض اللبنانية في زمن الحروب الغادرة
وكما نقول نحن اللبنانيون عن تلك الأيام السوداء : (تنذكر ما تنعاد)
نعم لا احد ينكر مذابح صبرا و شنتيلا و تعد من الفظائع ونحن ضدها لكن اختي امل انا لا ادافع عن احد لكن ايضا لا احد يستطيع ان ينكر فظائع و جرائم الفلسطينيين عندنا في لبنان و اعيد تكرار انا لا ادافع لكن اقول حقائق تاريخية لماذا دائما تصوري الفلسطينيين على انهم مظلومين كانوا في لبنان انا احترم الاخوة الفلسطينيين لكن هم فعلوا و تسببوا بالعديد من الجرائم في لبنان
ردحذفصحيح للفلسطيني تجاوزت لكن لا تصل إلى خمسة بالمئة مما فعلت ميليشياتكم اللبنانية المسيحية الفلسطينين لم يذبحو ويقتلون أطفال مسيحيين او غيرهم ويعتدون على نساء لبنانيات مسيحيات او غيرهم يكفي إضافة لصبرا وشاتيلا مجزرة تل الزعتر وضبيا والسبت الاسود وغيرهم
حذف