الجمعة، 31 يوليو 2020

مشفى كورونا المهجور

تأليف : امل شانوحة


 علاجٌ غامضٌ وفعّال !

دخل السكرتير مكتب وزير الصحة لإخباره بآخر المستجدّات : 
- سيدي .. اعداد مرضى الكورونا في ازدياد , ولا أسرّة فارغة في المستشفيات .. فمالعمل ؟
الوزير : انقلوا المرضى من كبار السن الى مستشفى الرحمة
- أتقصد مستشفى الرحمة المهجور ؟!
- نعم , لا حل آخر امامنا .. فهو مجهّز بالكامل
- لكنه مسكون بالجن !
- مجرّد إشاعات
- وماذا عن حادثة الدخان الأصفر الغامضة التي قتلت طبيبن و3 ممرضين ؟ .. حتى المرضى الذين أخرجناهم من هناك قبل عشر سنوات أجمعوا على رؤية ظواهر غير طبيعية تحصل كل مساء .. وقال الشيخ ان المشفى بُنيّ فوق قرية من الجن المتشيطن..

الوزير مقاطعاً : كفّ عن هذا الهراء , وابدأوا بنقل المرضى الى هناك .. واحرص ان يكونوا من الطبقة الفقيرة ..
- لن يقبل اهاليهم ..
فقاطعه بحزم : لن يعرف احد بمكان وجودهم .. فالشرطة فرضت حظر تجوّل , وضريبةٌ مالية لمن يخالف الحجر الصحي .. وأساساً لن يجرأ احد على زيارة مريض بالكورونا
السكرتير : كما تشاء سيدي , انت أدرى بمصلحتنا .. سأبلّغ ادارة المستشفيات بقرارك هذا
***

خلال اسبوعٍ واحد .. نُقل مئات المصابين من الطبقة الكادحة الى المستشفى المهجور , دون اعطاء إذنٍ بالزيارة لعائلاتهم الذين لم يعرفوا بموضوع النقل السرّي .. 

كما أُحضر فريقٌ طبي من المدينة المجاورة للعمل في المستشفى دون علمهم بأنه مسكون , واحتجزوا بداخله لحين انتهاء موعد الحجر الصحي او شفاء جميع مرضاهم !
***

بعد اسبوعين , وفي آخر الليل ... أيقظ الممرض مدير المسؤول قائلاً :
- بروفيسور !! .. لقد انشفى العم احمد !
- الم يكن يحتضر هذا الصباح ؟
- نعم , وهو الآن بكامل صحته .. فحصه الطبيب المداوم , وصوّر رئته التي بدت سليمة تماماً .. أنظر للأشعة  

فوضع المدير الأشعة على الشاشة الطبية .. وبعد التمعّن فيها , قال باستغراب :
- كأنها رئة شاب رياضيّ .. امتأكد انها صورة للعم احمد ؟ فهو في الثمانين من عمره !
الممرض : نعم , وهي الصورة الثانية لرئتيه .. والآن يرفض وضع جهاز التنفس , ويصرّ على الخروج من هنا
- لا احد سيخرج دون إذن وزارة الصحة , حتى طاقمنا الطبي 
- اعرف هذا , لكن لما نبقيه بعد شفائه ؟
- ليظلّ يومين آخرين , كي لا تنتكس حالته ويعدي عائلته واصدقائه
- كما تشاء بروفيسور 
***

لكن ما حصل الأيام التالية صدم الجميع .. فشفاء المرضى الميؤوس منهم في تزايدٍ مستمر , بعكس المستشفيات الحديثة التي يموت فيها العشرات بل المئات كل يوم ! 
والأغرب انهم لم يشفوا فقط من الكورونا بل من امراضهم المزمنة , وكأنهم جدّدوا شبابهم ! 

ومع ذلك فضّل المدير كتم هذه المعلومات المهمة عن وزارة الصحة ليعرف اسباب شفائهم اولاً ..
***

وفي اثناء مراقبته الدوريّة على الغرف .. لاحظ المدير أن معظم النوافذ مفتوحة رغم الجوّ البارد .. كما أُزيلت بعض الأمصال عن أذرع المرضى 

وحين التقى بمسنّ في الردهة , سأله :
- من سمح لك بالتجوّل وحدك هنا ؟
- الممرضة أخبرتني انني شفيت , وعليّ تمرين قدمايّ قبل خروجي من هنا
المدير : أيّ ممرضة ؟ 
- ذات الشعر الأسود المسدول
البروفيسور : حسناً يا عم ..عدّ الى سريرك , وسأرسل ممرضة اخرى تُوصلك بجهاز التنفس
- لا حاجة له , فأنا اتنفس جيداً منذ ان حقنني الطبيب الأصهب بالحقنة الزرقاء 
فتمّتم المدير باستغراب : طبيبٌ أصهب , وحقنةٌ زرقاء ! .. (ثم تنهد بضيق).. عدّ الى غرفتك رجاءً , وسأرسل من يفحصك بعد قليل
***

وعقد المدير إجتماعٍ عاجل للفريق الطبي الذي لم يكن من بينهم ممرضة شعرها طويل ولا طبيب أصهب .. 

وأنكر الأطباء الأربعة حقنهم لأيّ مريض بحقنةٍ زرقاء التي أجمع المرضى المعافين انها السبب في شفائهم ! 
كما أنكرت الممرضات الثمانية فتحهنّ لنوافذ الغرف , او إزالة أمصال المرضى دون إذن الطبيب المعالج !
***

بعد انتهاء الإجتماع .. ذهب البروفيسور الى غرفة المراقبة لمشاهدة الفيديوهات التي صوّرتها الكاميرات بالأيام السابقة , ليكتشف شيئاً أدهشه: 
حيث شاهد ممرضة شديدة البياض بشعرٍ اسودٍ طويل مسدول لآخر ظهرها , تتجوّل بين الغرف في توقيتٍ متأخرٍ من الليل .. واحياناً اخرى تكون برفقة طبيبٍ أصهب اثناء حقنه المرضى بالدواء الأزرق المجهول !

المخيف في الأمر : ان كلاهما لم يظهرا بكاميرات الممرّات بعد خروجهما من الغرف , وحركتهما غير طبيعية كأنهما يطفوان ! 
ورغم شكّ المدير أنهما ليسا بشريين , الا انه أخفى الفيديوهات عن الجميع كي لا ينشر الرعب في المستشفى ..

وعاد الى مكتبه للإتصال بوزير الصحة للإستفسار عن الظواهر الغامضة التي تحصل في مشفاه , فاعترف الأخير بالإشاعات حول المشفى المهجور  

ورغم غضب المدير من عدم إخبار الوزارة عن تلك الحوادث القديمة المرعبة ! الا انه بدروه لم يطلع الوزير عن وجود علاجٍ سريع وفعّال للكورونا , رغبةً منه بالحصول على الشهرة العالمية وحده 
*** 

في الأيام التالية .. نقل المدير مكتبه الى غرفة الكاميرات بغرض مراقبة الغرف بنفسه , على أمل ان يقبض على الطبيب المجهول الذي ظهر فجأة في غرفة مريضٍ بإحدى الليالي , فأسرع المدير الى هناك ..
***

وحين دخل البروفيسور الى غرفة المريض النائم , وجد الدواء الأزرق يسري داخل مصله .. 
ففصله بسرعة عن ذراع المريض , كيّ يعرف التركيبة السرّية للعلاج الغامض ..
وهنا سمع صوتاً خلفه يقول :
- أعد العلاج للمريض

فالتفت المدير خلفه بخوف , ليرى إنعكاس الطبيب الأصهب مع ممرضته المجهولة على الزجاج المعتم للغرفة ..
فاستجمع قواه , واقترب من الزجاج قائلاً :
- أعرف انكما من الجن .. واريد ان تظهرا لي لمناقشة علاج الكورونا..

فقال له الطبيب الأصهب :
- ان كنت تريد معرفة تركيبة الدواء فدعني أتجسّد جسمك , لنركّبه سوياً في المختبر
فرفع المدير المصل (الذي ازاله من المريض) باتجاه الزجاج المعتم قائلاً :
- لا داعي لذلك , فعلاجك أصبح معي .. ومن خلال اجهزتنا المتطورة يمكنني إكتشاف تركيبته المميزة 
فردّ الطبيب الجني بغضب : ليس بعد الآن !!

فأحسّ المدير بحرارة تحرق يده , جعلته يُوقع المصل ..لينسكب الدواء الأزرق على الأرض الذي سرعان ما اختفى , كأنه تبخر بالهواء !

وهنا قالت الممرضة ذات الشعر الطويل :
- أنصحك ان لا تعاند طبيبنا العبقري , ودعه يحتلّ جسدك لتعليمك طريقة تحضير الدواء السحري .. فمهمتنا علاج جميع مرضاك لخروجهم السريع من مشفانا
المدير باستغراب : مشفاكم !
الطبيب الأصهب : نعم .. هذا مشفى خاص بالجن , فهو بُنيّ فوق بوّابة قريتنا التي تحت الأرض , والمنفذ الوحيد لعالمكم .. لهذا نقوم بعلاجهم بأمرٍ من رئيسنا , كيّ تخرجوا منها بأسرع وقتٍ ممكن .. 

ففكّر المدير قليلاً , قبل ان يقول :
- حسناً .. سأسبقك الى المختبر , وأجهّز الحاسوب والمحاليل .. لكن بشرط : بعد تعليمي تركيبة الدواء , تخرج فوراً من جسدي
الممرضة الجنية : اساساً تجسّدنا أجسام البشر يُرهقنا كثيراً , ولا نستطيع البقاء داخلكم اكثر من نصف ساعة 
المدير : اذاً اتفقنا
***  

ورغم قلق المدير من تلبّس الجن فيه , الا انه كان متحمّساً لمعرفة علاج كورونا الذي سيجلب له الشهرة التي لطالما حلم بها 
*** 

وفي المختبر , صنعا سوياً العقار الشافي .. ومن بعدها خرج الطبيب الأصهب من جسم المدير قائلاً : 
- هآقد علّمتك الطريقة , فاسرع بعلاج مرضاك لخروجهم من هنا 
المدير : سيحصل ذلك قريباً , لا تقلق 
*** 

في الأسبوعين التاليين .. قضى البروفيسور جلّ وقته في المختبر لتحضير عشرات العقارات الشافية , دون إخبار فريقه الطبي عن الإنجاز الضخم , رغبةً في الحصول على التكريم العلمي وحده 

فظهر له الطبيب الأصهب ثانيةً لاستعجاله بعلاج المرضى , لكن المدير لم يكترث لتهديداته .. مما أغضب الممرضة الجنية التي وافقت لاحقاً على إعطاء احد المسنين جوالاً للتكلّم مع ابنه (والتي سرقته من الطبيب المداوم البشري) .. كما أخبرته بعنوان المشفى الذي اعطاه لإبنه الذي جنّ جنونه بعد معرفته بأنهم نقلوا والده لمستشفى مسكون ..

وسرعان ما انتشر الخبر بين الأهالي .. ووصل غضبهم واحتجاجاتهم للأعلام ووسائل التواصل الإجتماعي الذين لاموا الوزارة على تميزها العنصري بين المرضى الفقراء والأغنياء 

وتجمّعت الأهالي خلف ابواب المشفى المهجور مطالبين برؤية ذويهم , لكن الحرس رفضوا ادخالهم الى هناك 

واتصل وزير الصحة بالمدير للومه على توفير الإتصالات للمرضى من داخل الحجر , ليتفاجأ بطلب البروفيسور بعقد مؤتمرٍ صحفي بعد اكتشافه علاجاً فعّالاً للكورونا الذي عجز عنه اطباء العالم !
*** 

وبالفعل تجمّعت الصحافة الوطنية والعالمية حول البروفيسور الذي عرض عقاره الأزرق بفخرٍ امامهم , مع صور أشعة رئة مرضاه المسنين قبل وبعد تناولهم علاجه المجهول الذي رفض الإفصاح عن تركيبته قبل حصوله على براءة إختراع وشهادة تقدير عالمية ..

لكن منظمة الصحة العالمية رفضت الإعتراف باختراعه قبل تجريب العقار على إحدى مرضاه الميؤوس منه ..
***

وفي اليوم المحدّد .. نقلت الأخبار العالمية الحدث مباشرةً من داخل المشفى , حيث وقف البروفيسور ومعه الحقنة الزرقاء امام شابٍ يحتضر بعد انتشار فيروس كورونا داخل رئتيه .. 

وانتظر الجميع لحظة إعطائه الدواء , ليتفاجؤا بحشرجةٍ مرعبة للمريض الذي سعل بشكلٍ متواصلٍ وعنيف ..أدّى بالنهاية لانفجار رئتيه وتلوّث الغرفة بدمائه التي تقيّأها بألمٍ شديد , الى ان لفظ انفاسه الأخيرة !
وكان المدير أشدهم فزعاً , حيث تسمّر امام الصحفين دون فهمه ما حصل!

فأسرع جراحٌ اجنبي بسحب العقار الأزرق من يده ..ووضع بضعة قطراتٍ منه تحت المجهر , ليظهر أنها مادة تُشبه الأسيد مزّقت رئتا الشاب المسكين الذي مات امام أعين الأطباء والصحفين ..

وعلى الفور !! قُبض على البروفيسور بتهمة القتل الذي قضت على مستقبله المهني للأبد
***

في مكانٍ آخر , اسفل المشفى المهجور .. كان الطبيب الأصهب وممرضته ذات الشعر الأسود المسدول في حضرة ابليس الذي سأل الطبيب باهتمام :
- لما بدّلت الحقنة في اللحظة الأخيرة ؟
- لأن المدير أغاظني حين تكلّم بغرور عن اكتشافه الدواء وحده , رغم انني أمضيت شهوراً في دراسة المرض حتى اكتشفت العلاج 
- وهل ظننته سيخبر العالم عن مساعده الجني ؟
- لا ادري .. لكن غروره وانانيته استفزتني كثيراً , فانتقمت منه

ابليس : المهم الآن .. هل انجزت المهمة ؟
- نعم , فحين تجسّدت جسم اللعين اثناء قيامنا بالأبحاث الطبيبة إكتشفت الخارطة الجينية (DNA) للإنسان ..
- وماذا نستفيد منها ؟
الطبيب الأصهب : يمكننها استحداث أمراض خبيثة تدمّر جهازهم المناعي لأجسادهم الهشّة
- ممتاز !! اذاً إبحث عن طبيبٍ بشريّ لديه نزعةً اجرامية لعملكما معاً على تطوير جرثومة أقوى من كورونا , تكون نتائجها كارثية كالطاعون والكوليرا والجدري والإنفلونزا الإسبانية .. فتطوّر الطب باستمرار حرمني من متعة إفنائهم بالملايين , كما حصل في العصور القديمة .. 

الطبيب الجني : اعدك باكتشاف جرثومة معدية تفني نصف العالم على أقل تقدير .. لكن ماذا عن مرضى مستشفى الرحمة ؟
ابليس : سأطلب من جنودي إغراقهم بالمياه , وصعق الفريق الطبي بالكهرباء .. هكذا لن يجرأ احد على إحتلال مشفى الجن ثانيةً 
الطبيب ساخراً : مستشفى الرحمة ! حقاً أسمٌ على مسمّى 
وضحكا بخبثٍ ومكر

هناك تعليقان (2):

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...