الثلاثاء، 29 يناير 2019

المدرسة الدمويّة

تأليف : امل شانوحة


 
سأعلّم المتنمّرين درساً لن ينسوه ابداً !!

كانت ناتالي الفتاة الوحيدة التي صادقته في المدرسة الثانوية , بعد ان نُقلت اليها في منتصف العام , لهذا لم تجد أحداً ترافقه سوى إريك المعروف بينهم بالمراهق غريب الأطوار ! حيث اعتادوا على رؤيته باللون الأسود سواءً في ملابسه وأظافره وحُمرة شفاهه .. بالإضافة للكحل الأسود حول عينيه ممّا يزيد من حدّة نظراته.. كما كان الطالب الوحيد الذي يملك وشماً على ذراعه , وحلقاً في لسانه وأذنه ..عدا عن إكثاره من مثبّت الشعر في تسريحاته الغريبة!

وربما تتبّعه لموضة الإيمو كان للفت أنظار والديه المنفصلين بعد ان سافرت امه مع زوجها الثاني الى خارج اميركا .. بينما عاد والده للمواعدة من جديد , والذي انحصرت علاقته بإبنه بالذهاب معه أيام العطل الى كوخ الغابة لممارسة هوايتهما في الصيد .. 
وقد تسبّبت وحدته بجعله قليل الكلام ومنعزلاً عن بقيّة الطلاب ..
***

في إحدى الأيام .. جلست ناتالي قرب إريك في الملعب قبل بِدء الحصصّ الدراسية , وكان يضع السمّاعات في إذنه ويهزّ رأسه باندماج .. فطلبت سماع الأغنية .. ومن بعدها , سألته باستغراب : 
- الصوت عاليٍ جداً وقد تؤذي سمعك ! ثم كيف يمكنك سماع أغاني روكٍ صاخبة في الصباح ؟! 
إريك : هذه ليست روك , بل موسيقى الميتال يا جاهلة
- وهل انت من عبّاد الشياطين ؟
- أليس واضحاً من ملابسي ؟
ناتالي بقلق : لم أكن أعرف !
- لا تخافي هكذا , فأنا لا أذهب الى اجتماعاتهم لأشاهد القرابين البشريّة .. انا فقط مُعجبٌ بأسلوبهم 
فأرادت تغير الموضوع , وقالت :
- انا تعجبني أكثر الأغاني الرومنسية  
فأجابها بضيق : انها تثير إشمئزازي , لأنه لا يوجد حبٌ صادق هذه الأيام.. هي مجرّد أكاذيب يضحكون بها على أصحاب العقول التافهة أمثالك
فقالت بامتعاضٍ وعصبية : انا أتفهّم عدم إيمانك بالحب بسبب طلاق والديك , لكن ليس من حقك ان تستصغر الناس من حولك !!

ثم ابتعدت عنه بعد ان جرحها بكلامه وهي ليست المرّة الأولى , فهو معروف في مدرسته بجلافة طبعه التي تُنفّر الطلاب منه 
*** 

بعد يومين .. وجدته بالكافتيريا مشغولاً بالرسم , فأصرّت ان يُريها كرّاسته .. فقبِل على مضضّ , وكان فيها عشرات الصور عن الجحيم وعن أناس تعذّب بأساليبٍ وحشيّة.. لكن الصورة الأخيرة التي كان مازال يرسمها هي التي أثارت رعبها : حيث رسم طلّاب مدرسته ممدّدين على الأرض فوق بركةٍ من الدماء !
فسألته بقلق : هل هذا نحن ؟!
فأجابها بابتسامةٍ صفراء : نعم .. وكنت على وشك رسم المدرسين ايضاً لكنك قاطعتي فنّي 
- وهل انا من بين القتلى ؟
- ربما .. وربما لا .. هذا يتوقف على مزاجيتي ذلك اليوم
فسألته بخوف : عن أيّ يومٍ تقصد ؟!
لكنه وقف وهو ينظر الى ساعته .. 
- لديّ إمتحانٌ الآن , أكلّمك لاحقاً

وذهب الى صفّه , تاركاً إيّاها في حيرةٍ من أمرها بعد تذكّرها لحواره السابق التي سألته فيه : عن قدوته بالحياة ؟ 
فأجابها بأسماء أشهر المجرمين أمثال : زودياك الملقب بشبح القرن العشرين وجاك السفّاح وغيرهم , مُشيراً بأن جرائمهم هو فنٌّ عبقريّ  يجب تدريسه !
فتساءلت في نفسها بقلق : 
((هل عليّ إخبار الإدارة بنواياه , ام هو مراهقٌ أحمق بأفكارٍ مخيفة ؟!))
*** 

وازدادت تصرّفاته غرابةً مع الأيام .. حيث تابع بشغف نشرات الحوادث والقتل والإرهاب على جوّاله , وكأنه يقرأ قصصاً مثيرة! 

وفي يوم تأخرا على الحافلة , وعادا مشياً الى منزلهما.. حين توقف إريك امام واجهة محل لبيع المسدسات والبنادق , مشدوهاً نحوها كطفلٍ في عالم الألعاب ! قائلاً لها بحماس : 
- أنظري يا ناتالي الى هذا السلاح الجديد !! 
- هل هو للصيد ؟
- لا , هو يستعمل للقتل فقط 
وقد أرعبها كلامها , فقالت : ماذا تقصد ؟!
- هذا النوع قرأت عنه بالإنترنت , وفيه رصاصاتٌ مُتفجّرة .. وحين تخترق الجسم , تنفجّر بداخله مُحدثةً أضراراً صحيّة جسيمة .. وإن صُوّبت نحو القلب او الدماغ , ففرصة النجاة معدومة 

وقد ضايقها كلامه جداً , فسحبت يده وهي تقول : 
- هيا نذهب يا إريك , فقد تأخّرنا على بيوتنا وسيقلق أهلنا علينا 
فقال بنبرةٍ حزينة : أهلك فقط , فأنا لا يوجد أحد في انتظاري 
- وماذا عن والدك ؟ 
- بهذا الوقت عادةً ما يكون مع إحدى صديقاته 
- ومن يطبخ لك ؟ 
إريك بضيق : لا أحد , بالعادة أتناول حبوب الإفطار على الغداء لحين عودة ابي مساءً بوجبة عشاء .. هذا ان تذكّرني اصلاً 
- آسفة لسماع ذلك 
- لا يهمّ , فغداً يندمون على إهمالهما لي .. آه صحيح , هل تأتين معي الى كوخ الغابة في يوم العطلة لإريك اسلحة صيد والدي
- هل تصطادا معاً ؟ 
إريك : كنّا نفعل ذلك دائماً في صغري , لكن بعد طلاقه من امي أصبحنا نادراً ما نذهب الى هناك .. وأحيانا أذهب لوحدي 
- برأيّ خطأ ان يعلّمك الصيد وانت صغير , فقتل الحيوانات تؤذي مشاعر الطفل
فردّ بحماس : بل العكس تماماً !! لا شيء أجمل من قتل الطيور والأرانب , او رؤية غزالٍ يحتضر ببطء .. حتى انني مرةّ أصبت أرنباً في قدمه , ثم دست عليه عدة مرات الى ان سحقته بقدميّ .. وأنوي مستقبلاً حرق كلبٍ او قطة .. او تقطيع امعاء ..
فقاطعته ناتالي بغضب : كان الجميع ينصحني بالإبتعاد عنك لأنك غريب الأطوار , والآن إقتنعت بأنك مجنون ومجرمٌ ايضاً .. إسمع يا إريك !! هذه نهاية صداقتنا , ولا اريد التحدّث معك بعد الآن .. أفهمت ؟!!
وركضت باكية الى بيتها.. 

فتمّتم بنفسه بغضب :
((جميعكم متشابهون ! وقريباً أجعلكم تندمون على إستحقاركم لي))
*** 

في اليوم التالي .. أخبرت ناتالي صديقتها بما قاله : 
- جيد انك تركته , فهو شاب معقّد وعديم الضمير ! 
فقالت الفتاة الأخرى : 
- لا تظلموه هكذا , فهو كان معي بالمرحلة الإبتدائية وكان طيباً جداً ,  لكنه عانى كثيراً من المتنمّرين الذين اعتادوا على سرقة طعامه وضربه وإهانته امام الجميع .. وقد زاد إنطوائه بعد إنفصال والديه 
فقالت لها ناتالي : ولما لا تصاحبيه انت ؟ 
فأجابت : معاذ الله ! فقد أصبحت أفكاره مرعبة , ومن الأفضل الإبتعاد عنه 
***

ومن بعد إنفصال ناتالي عنه , أصبح إريك وحيداً يمضي جُلّ وقته برسم الصور المخيفة في الكافتريا , او سماع الأغاني الصاخبة في الملعب .. وأحياناً يسمعون ضحكاته بعد قراءته عن فاجعةٍ إنسانية , حيث أصبحت هذه الحوادث تسعده وتثير اهتمامه ! 
وقد أهمل دراسته كثيراً بعد ان لاحظ عدم إكتراث والده بنتائج امتحاناته الأخيرة السيئة , بعكس ما كان يفعل سابقاً .. لِذا أصبح نادراً ما يدخل الى الصفوف الدراسية , ويكتفي بالتسكّع بصمت في الممرّات والملعب !

وكان يستغلّ غياب والده بالعطل , للذهاب وحده الى كوخ الغابة ليُفرّغ طاقة الغضب لديه في الصيد , حتى أصبح ماهراً بالرماية..لكنه بات يفضّل إصابة الطيور والحيوانات برصاصةٍ غير قاتلة , كيّ يستمع لاحقاً بتعذيبها حتى الموت !
***

وفي الشهور الأخيرة من الدراسة .. إزداد وضعه سوءاً بعد انضمام المتنمّرون الثلاثة لثانويته , والذين عرفوه من اسمه رغم تغير ستايله 

وفي إحدى الأيام .. إلتقوا به خلف المدرسة , بعد إرسالهم إعلان على جوّالات الطلبة : للإجتماع بالساحة الخلفية بعد الدوام , لمشاهدة عرضٍ مثير للملاكمة !
وقد تفاجأ إريك بالطلاب مجتمعين هناك , وهم ينادونه بأقبح الأسماء : 
- إريك المجنون !! إريك المخيف !! إريك الكريه !!

وقد فعلوا ذلك بناءً على طلب المتنمّرين الذي ما ان رآهم إريك حتى تذكّر اساليب تعذيبهم في مرحلته الإبتدائية , لكنهم لا يعرفون بأن شخصيته تغيرت كثيراً .. لذلك تفاجأوا حين قاومهم ببسالة , مُسدّداً لهم ضرباتٍ قوية أدمت وجوههم ! الا ان قائدهم باغته بضربة عصا على رأسه من الخلف , أوقعته أرضاً .. ثم قال للجميع : 
- دعوني أخبركم قليلاً عن المجنون إريك .. لطالما كان ولداً يكرهه الجميع ..حتى والديه لم يطيقانه , فهو كسول وقبيح وغريب الأطوار ولا يحبه أحد .. هل توافقوني الرأيّ ؟

فأجابه الطلبة بصوتٍ واحد : نعم !!! 
وهم منشغلون بتصوير الحدث في جوّالاتهم .. 
ثم قال رئيس المتنمّرين لإريك الذي كان يمسك رأسه المجروح بألم : 
- أتذكر حين أغرقنا رأسك داخل كرسي الحمام , كم كانت رائحتك نتنة ذلك اليوم

وضحكوا جميعاً .. لكن حين اقترب منهم مدير المدرسة بسيارته , تفرّق الطلاب مُسرعين للذهاب الى منازلهم .. 
واكتفى المدير بسؤال إريك من بعيد :
- هل انت بخير يا ولد ؟!! 
وما ان هزّ رأسه إيجاباً , حتى أكمل المدير طريقه وكأن شيئاً لم يكن !
فتمّتم إريك بغضب :
((لم يتعب نفسه حتى بالنزول من سيارته للإطمئنان على أحد طلابه , رغم رؤيته للدماء التي تخرج من رأسي ! لكنه هو وغيره سيندمون قريباً على إستخفافهم بي !!!)) 
*** 

وعاد مقهوراً الى بيته الفارغ , بعد ان كثر غياب والده .. 
وبعد تطهير جرحه ..إستقلّ سيارة والده الثانية , وذهب للغابة .. وعاد مساءً وهو يحمل المسدس والبندقية , وجميع الرصاصات التي في الكوخ 
ثم أمضى الأسابيع اللاحقة وهو يخطّط لعمليته الإرهابية للإنتقام من الجميع 
***

وفي الليلة السابقة لليوم المحدّد (بعد ان عانى طوال المدة السابقة من أذى المتنمّرين , دون ان يحرّك أحد ساكناً !) 
قال في نفسه بغضب :
- غداً سيعرف العالم أجمع من هو البطل إريك 
كان يردّد ذلك , اثناء تعبئته لمخزن مسدسه الدوّار بالرصاص , بالإضافة الى بندقيته الرشّاشة !

وبعد ان انتهى من وضع خطّته الدمويّة , إستلقى على سريره وهو يفكّر بيوم الغد , بمشاعرٍ مُتضاربة بين الحماس والخوف .. فهو يعلم جيداً انه قد يضّطر لإنهاء حياته لأنه لن يتحمّل العيش في السجن , فهو لم يطقّ متنمّري المدارس فكيف بالسجون التي تعجّ بأمثالهم ! 
***  

قبيل الفجر .. إستفاق إريك باكراً والعرق يتصبّب من جسده بعد سلسلة من الكوابيس المتلاحقة .. فجلس على طاولته وبدأ بكتابة وصيته لوالديه :

((امي ..ابي .. أعرف انني لم أكن الإبن المثالي , لكنكما ايضاً لم تكونا الوالدين المثالين لي .. وكم تمنيت لوّ بقينا عائلة مضّطربة على ان نكون عائلةً مفكّكة .. أرجو ان لا تغضبا مني , فأنا مضّطر لعمل ذلك كيّ أعطي المتنمرين (في جميع المدارس التي بها طلاب يعانون مثلي من قساوتهم) درساً لن ينسوه ابداً .. ليس لأنني ضعيف ولا أقوى على لكماتهم ورفساتهم , وسرقتهم لمصروفي كل يوم .. لكن أحياناً شتائمهم وإهاناتهم تؤذي القلب وتُدمي الروح , وانا لم أعدّ أحتمل المزيد .. لذا سيكون هذا التاريخ آخر يومٍ في حياة الكثيرين من طلاّب مدرستي , وفي حياتي ايضاً .. أعرف بأنني ذاهبٌ حتماً الى الجحيم , لكني إحترق بنارها منذ طفولتي .. لهذا أريدكما ان تسامحاني , فأنا ذاهبٌ في طريقٍ لا رجعة منه))

من بعدها وضع الأسلحة في حقيبته , وانطلق نحو مدرسته ...
***

لكن هذه المرةّ دخل المدرسة دون خوفٍ من أحد ! بل كان يمشي بخطواتٍ واثقة , وكأنه إحدى أبطال ألعابه الإلكترونية ولديه مهمّة تدمير الأعداء .. 

وكان هدفه هو التسبّب بأكبر ضررٍ ممكن .. وكان إختياره الأول هو  الكافتيريا .. لكن بعد وصوله الى هناك , لاحظ بأن ابوابها لا تُقفل ..وهذا يعني بأن الطلاب بإمكانهم الهرب بسهولة مع اول طلقةٍ ناريّة .. 
فقال في نفسه :
- لا , اريد مكاناً يمكنني حشرهم بداخله 

فذهب الى المسرح , لكنه كان خالياً من الطلاب .. 
فاتجه نحو المكتبة التي كانت مكتظّة بالطلاب الأذكياء , خاصة مع إقتراب موعد الإمتحانات النهائية .. وتنفّس الصعداء حين رأى المفتاح في الباب بعد ان نسيته مسؤولة المكتبة .. 
فأسرع بالدخول , وأقفل الباب ووضع المفتاح في جيبه .. فلاحظت المسؤولة ما فعل ! فصرخت عليه من بعيد :
- هاى انت !! ماذا تفعل ؟!

لكنها ارتبكت , كما الخمسون طالباً حين رأوا إريك يخرج البندقية من حقيبته ! 
وقبل ان يستوعبوا الموقف , أطلق رصاصته الأولى في رأس المعلمة لتسقط ميتة على الفور , فهو ماهرٌ بالرماية !

وبعد موتها , حصل هرجٌ ومرج داخل المكتبة .. وعلت صرخاتهم التي وصلت أصدائها للطلّاب في الممرّات الخارجية الذين أسرعوا بإخبار المدير الذي بدوره أبلغ الشرطة عن حصول إطلاق نارٍ داخل مدرسته !

لكنها كانت البداية فقط ! فقد نادى إريك على الطلّاب المذعورين الذين إختبئوا تحت الطاولات :
- هل تعرفونني ايها الحثالة ؟!! انا إريك .. الطالب الذي شاهدتموه منذ فترة وهو يُضرب خلف المدرسة دون ان تحرّكوا ساكناً .. كل ما فعلتموه هو تصويري وانا أُهان ! اذاً هيا ماذا تنتظرون ؟!! أخرجوا جوّالاتكم اللعينة وصوّروني وانا أقتلكم الواحد تلوّ الآخر
فقالت إحداهنّ باكية : أرجوك لا تقتلنا , فنحن لم نؤذيك

إريك : لكنكم لم تساعدونني ايضاً , ولم توقفوا المتنمّرين عند حدّهم , لذا قرّرت ان أربّي العالم بكم .. وكم كنت أتمنّى وجود اولئك الملاعين معنا , لكنهم كسالى ولا يدخلون المكتبة , وانا أردّت مكاناً مغلقاً .. والآن لنكتفي بهذا القدر من الكلام , فالشرطة حتماً في طريقها الى هنا .. (ثم اقترب من الطاولات وبيده الرشّاش , قائلاً) ..تُرى من سيكون هدفي الثاني ؟.. آه !! إخترتك انت ايها البدين !!
فردّ مرتجفاً : لا ارجوك لا تقتلني
إريك : ولم لا , فأنا سأريحك من بطنك المنتفخ

وأطلق النار في معدة الصبي الذي صار يتلوّى من الألم , وسط بكاء بقيّة الطلاب المذعورين  
إريك بضيق : أوه لا ! انا لا أطيق صوت النحيب هذا .. حسناً سأريحك من عذابك .. خذّ هذه ايضاً , و اسبقني الى الجحيم .. وداعاً عزيزي

وأطلق رصاصةً ثانية في رأس الولد البدين , ليغرق ميتاً في بركة من الدماء !
إريك صارخاً : والآن !!.. من التالي ؟!!  

فركض بعض الطلاّب نحو الباب .. لكنه قام بإطلاق النار على ظهورهم , لتتراكم أجسادهم الدامية فوق بعضها البعض !  
ثم قال إريك للجميع :
- المفتاح في جيبي !! وكما تلاحظون , النوافذ عالية .. لذا استسلموا لمصيركم , فلا أحد سيخرج من هنا حيّاً 

وبدأ بوضع ذخيرة جديدة في رشّاشه .. وبدأ بإطلاق نارٍ عشوائي أسفل الطاولات , ليصيب الطلاب المختبئين هناك  
***

ومرّ الوقت كأنه الدهر على الطلاب القلائل الذين مازالوا احياءً , وهم يرتجفون بانتظار دورهم !
وقد تفاجأ حين رأى ناتالي من ضمنهم , وكانت تتوسّل اليه بعينين دامعتين وهي ترتجف بخوف : 
- ارجوك إريك لا تقتلني , فأنا صديقتك الوحيدة 
- أتدرين انك أكثر شخص جرح مشاعري , لكني مع هذا أشكرك على الشهور الجميلة الماضية .. لهذا قرّرت ان أدعك تعيشين مع ذكرى مني 

ثم عاجلها بجرحٍ من سكينٍ يحمله , تسبّب بتشوّه وجهها مع نزيفٍ حاد ! 
وبينما كانت تصرخ بألم , قال لها إريك بابتسامةٍ لئيمة : 
- هكذا ضمنت إنك لن تنسينني أبداً , عزيزتي ناتالي
***

وقبل ان يُجهزّ على بقية الطلاّب , سمع طرقاتٍ عنيفة على الباب ..وصوت الشرطة تناديه من الخارج :
- إستسلم فوراً قبل ان نكسر الباب !!!

وقد قاومهم في البداية بعد ان صوّب رشّاشه نحو الباب لإبعاد الشرطة التي حاولت كسر القفل , ودفع الباب بقوة بعد ان أُغلق بعشرات الجثث للطلاب الذين حاولوا سابقاً الهرب ..

وحين رآى إريك فوهات اسلحتهم تظهر من شقّ الباب المخلوع , أدرك باقتراب نهايته .. فجثا على ركبتيه , واضعاً المسدس في فمه .. لتراه الشرطة بهذه الوضعية , بعد نجاحهم باقتحام المكتبة .. 
فقال له أحدهم :
- إبعد السلاح عن فمك , ونحن نعدك بمحاكمةٍ عادلة !!

ونزلت دمعة إريك على خدّه , وهو يشاهد شريط حياته يمرّ امام عينيه في ثوانيٍ : 
بِدءاً بمعاناته مع المتنمّرين في مدرسته الإبتدائية الذين حوّلوا حياته الى جحيم .. مروراً بطلاق والديه وإنشغالهما عنه .. وإمضاء 17 سنة من عمره وحيداً دون اصدقاء .. ثم عودة المتنمّرون للثانوية , وإهانتهم له امام الجميع .. واستمرار مضايقتهم له لشهور , مع ضحكات وتعليقات الطلاّب الساخرة التي قتلت روحه قبل جسده ! 

فتمّتم في نفسه قائلاً :
((لا شيء في هذه الحياة البائسة يستحقّ العيش لأجله)) 
وضغط على الزناد ليُنهي حياته !
***

وبموته انتهت مجزّرة الثانوية التي راح ضحيّتها معلمة و32 طالب وجرح 17 آخرين , حالة البعض منهم خطيرة !

وعمّ الحزن أرجاء البلدة , حيث اجتمع الأهالي المصدومين في المستشفيات لرؤية الجثث , او للإطمئنان على اولادهم الجرحى الذين سيحتاجون لاحقاً الى علاجٍ نفسيّ مكثّف لما أصابهم من رعب خلال الساعة التي قضوها في المكتبة مع السفّاح المراهق !
***

اما الصدمة الأكبر فكان لوالديّ إريك اللذين بالإضافة الى فقد إبنهما سيواجهون غضب المجتمع , والإتهام بسوء تربيتهما لهذا المجرم  

وكان لوالده النصيب الأكبر حيث لاموه على تعليم ابنه طرق إستخدام الأسلحة , ممّا أجبره لاحقاً على مغادرة البلدة الغاضبة التي عانت لسنواتٍ بعدها من صدمة تلك العملية الإرهابية !
***

وكانت جريمة إريك هي الأولى من نوعها في تاريخ اميركا .. وبسببها وضعت بعض المدارس ابواب التفتيش الإلكترونية الكاشفة للأسلحة .. والبعض الآخر عينوا شرطياً لمراقبة الطلاب داخل الممرّات وملاعب المدرسة 

بينما اكتفت مدارسٌ أخرى بتعين نظّار أشدّاء لمراقبة الطلاب , ومعاقبة المتنمّرين بقسوة لحماية الطلاب الضعفاء أمثال إريك (سابقاً) 

لكن الوضع لم يتغير في الكثير من مدارس العالم , حيث مازال المتنمّرون يذيقون الطلاب الضعفاء ألوان العذاب الجسدي والنفسي .. وان لم يتحرّك المسؤولون لحلّ هذه المشكلة فسينفجر الوضع عاجلاً ام آجلاً , مُنتجاً المزيد من السفّاحين الصغار الذين يرون إريك مثالاً أعلى لهم ! لتتحوّل المدارس مع الوقت الى مكانٍ إرهابي لقتل أبنائنا ! 

فهل نجح إريك بلفت أنظار العالم لمشكلة المتنمّرين , ام ان المستقبل يعدّ بالمزيد من المدارس الدمويّة ؟!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...